الدولة الإسلامية – الجذور – التوحش – المستقبل لعبد الباري عطوان .. تلخيص وتعليق/ صلاح محمد احمد (3-3)

 


 

 


كما ذكرت في الحلقة الماضية ، فأن عبد الباري حاول في هذا الكتاب ان يكون اكاديمياً محايدا ، بيد انه لم يستطع ان يتخل عن قناعاته كراديكالي فليسطيني ، ليأتي تبريره للتوحش الذي تمارسه الدولة الإسلامية ، ليقول بأن معظم الدول والأنظمة المختلفة قد مارست انواعاً من التوحش ، في مراحل تكوينها او رغبتها في الحفاظ علي السلطة .. وهذا تبريرُ يتناقض مع ما مفترض ان تمارسه حركات تتدثر بإسم اعظم القيم الدينية ، والتي كان من المؤمل ان تفهم طبيعة التطورات الإجتماعية والسياسية في عالم اليوم ، لتكون ممارستها متسقة مع التحديات الآنية التي تستند علي تقديم البدائل المقنعة في عالمٍ طغت عليه الماديات ، والمسرح العالمي معدٌُ لتغيير عقلانيٌ يقنع بتروٍ لايستعجل النتائج ، وبفهمٍِ ثاقب متفهم لطبيعة التيارات التي تتحكم في مسار العالم اقتصاديا واجتماعيا.

​وفي استقراءٍ صحيح يقول عبد الباري بأن الدول الغربية قد استغلت الإسلام من اجل خدمة مصالحها السياسية والأقتصادية ، مشيراً الي التودد الأمريكي والبريطاني وبصورة اخري الفرنسي للمتشددين الاسلاميين في افغانستان و العراق وليبيا وسوريا ، بتسليحهم مما ادي الي بروز تنظيم الدولة الإسلامية .

ومن ناحية اخري اضعف هذا التودد القوي العلمانية واللبرالية . واورد نماذج من الدعم الغربي للقوي الاسلامية بدءاً من مساعدة المجاهدين في افغانستان ضد السوفيت تحت ستار محاربة الشيوعية ، ودعم الأخوان المسلمين في مصر بوصفهم القوي السياسية الاكثر تنظيماً ، وانتهاء بالعلاقات المميزة مع معظم دول الخليج لاسيما السعودية رغم تعارض هذه العلاقات مع ما تدعيه هذه الدول من حمايتها للديموقراطية وحقوق الانسان.

      وتعليقاً لما خلص اليه عبدالباري يلاحظ المتابع بأن افراداً من قادة الإتجاهات الاسلامية وجدوا طريقهم سهلاً وممهداً لدول الغرب لا سيما الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وخير مثال لذلك ما وجده الشيخ عمر عبدالرحمن من تسهيلات لدخول الولايات المتحدة حيث منح تأشيرة الدخول اليها في اقل من عشرة ايام بعد وصوله للخرطوم، إضافة للعشرات من الكوادر الاسلامية الذين قبلوا بجامعات ومعاهد امريكا ومنحوا حق اللجو السياسي ، وتمتع معظمهم بجوازات سفر امريكية او كندية.

      عن مستقبل هذه الدولة يقول عبدالباري ، بانه من المستحيل القضاء عليها عن طريق الحرب ، والقاء القنابل من الجوء وقد تنكمش هذه الدولة ، ولكنها لن تزول مهما تفاقمت الضربات الجوية ، واي تدخل اجنبي باي شكل من الاشكال سيقوي من شوكة الدولة لانها اصبحت جاذبة للشباب التواق لمحاربة الطاغوت والعودة للامجاد الاسلامية ، ويضيف المؤلف بان نقاط ضعف هذه الدولة تكمن في عدم حصولها على سلاح جوي او دفاعات جوية فاعلة ، كما ان موت قيادة البغدادي الكارزمية يمكن ان يحدث ربكة في الهيكل الاداري وتحدث انشقاقات. ويخلص عبدالباري بالقول بان الفلسفة التي تقوم عليها هذه الدولة اساسها النهج السلفي الجهادي ، المشابه لاطروحات المذهب الوهابي ، ولكنه يقول بانه حسب ما صرح له احد المقربين من الخليفة ابوبكر البغدادي سيكون هدفهم المستقبلي التقدم لارض الحجاز ، لان الخلافة لا تستقيم بدون السيطرة على مكة المكرمة والمدينة المنورة !

        ويضيف عبدالباري بالنسبة الى فلسطين فان مصيدة اتفاقات اوسلو والتضييق على حماس ، سيؤديان ان عاجلاً ام اجلاً الى تقوية الاسلام المتشدد على الساحة ، وحسب اشارة احد قادة الدولة الاسلامية فان ما يتم الان يعتبرمن الاولويات للانتقال بعدئذ لتحرير فلسطين،

     يلاحظ بان عبدالباري تتغلب عليه قناعاته السياسية كراديكالي كان معارضاً لاتفاقات اوسلو وقريباً من معسكر الصمود والتصدي الذي قبر ، ومتعاطفاً مع قيادات ثورية كقيادة الراحل صدام حسين ، واصفاً قبول مبادرات السلام كمصيدة ، ادت لتمارس اسرائيل عنجهيتها مما ادى الى بروز الجماعات الاسلامية المتشددة

    وهذا الاستقراء لا يتوافق مع رؤية معاكسة ترى انه من الممكن قبول السلام وتقوية معسكره ، ومن خلال هذا النهج تتحقق الاهداف في منطقة تتعايش فيها الدول بمختلف اشكالها وتتبادل المنافع .

    يقول عبدالباري بان دول الشرق الاوسط ستتعرض لتغييرات جذرية ، تؤدي الى اختفاء قوى وبروز اخرى مع اعادة ترسيم حدود جديدة وقد تتأثر تركيا على الصعيد الاجتماعي والطائفي (رغم حرصها على احياء الامبراطورية العثمانية تحت قيادتها) وهناك احتمالات لتفكيك كل من العراق وسوريا على اسس طائفية.

      تتم قراءة ما كتبه عبدالباري مع وضع كافة السيناريوهات التي صحبت بروز كافة اطراف الحركات الاسلامية السياسية واستعادة نظرية (الفوضى الخلاقة ) وما خطط من قبل لاعادة تشكيل دول الشرق الاوسط.

    ما يدهش بان المسلمين قد انساقوا الى تاجيج الخلافات المذهبية والطائفية لتكون عاملاً اساسياً لتمزيق انسجة المجتمعات ، مع الوضع في الاعتبار بان هذا الصراع الطائفي المذهبي الذي يتسع وراءه اهداف سياسية لا صلة لها بدين او عقيدة.

 
salahmsai@hotmail.com

 

آراء