الدول الغربية… أوراق ضغط جديدة في الطريق ….. تقرير: خالد البلولة إزيرق
توقعتها الخرطوم
انتهى الاستفتاء حسبما ارادت له الدول الغربية التي ضغطت باتجاه قيامه في موعده المحدد، خاصة الولايات المتحدة الامريكية، بوعد ان تقدم مكافآت للخرطوم على ذلك، منها رفع العقوبات الاقتصادية وتطبيع العلاقات الدبلوماسية ورفع اسمه من قائمة الدول الراعية للارهاب، وقد شهدت الاشهر الماضية التي سبقت واعقبت استفتاء الجنوب، حالة من التفاؤل في الخرطوم بقرب تطبيع العلاقات بينها والدول الغربية بعد انجازها للاستفتاء، ولكن يبدو ان تلك الحالة بدأت آخذة في التلاشي مع مرور الوقت، حيث توقع مسئولون ان تزداد الضغوط الغربية على الخرطوم عقب تنفيذ الاستفتاء في التاسع من يوليو القادم.
وكانت الضغوط الغربية على الخرطوم تزداد حيناً وتخفف احيانا اخرى، حسب معطيات الواقع الداخلي ومعادلاته في حالتي السلم والحرب، حيث ارتبطت الضغوط على الخرطوم التي بدأت منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي بحالة التوتر الداخلية التي يشهدها السودان بدءً من الجنوب وانتهاءً بقضية دارفور التي تنعكس بدورها على علاقاته بالدول الغربية، وبعد ان وعدت الولايات المتحدة الامريكية الفاعل الرئيسي في السياسة الدولية بتحفيز الخرطوم على اجرائها لاستفتاء جنوب السودان، برفع العقوبات عنها، يبدو ان تلك الوعود لم تكن استثناءً عن سابقاتها، وبدأت تظهر الى سطح الاحداث مؤشرات النكوص عنها بمثل ما حدث سابقاً، قبيل توقيع اتفاقية السلام الشامل واتفاقية ابوجا لسلام دارفور، حيث توقع مساعد رئيس الجمهورية نافع علي نافع أول امس ضغوطاً غربية جديده على الخرطوم عقب الانفصال، واضاف «اتوقع أن تعود الدول الغربية في ممارسة ضغوط على الحكومة عقب يوليو المقبل واستخدام المحكمة الجنائية الدولية والعقوبات، مشيرا إلى أن فترة الهدوء الحالية خطوة تكتيكية منها حتى الانفصال، وليس قناعة بتحسين العلاقات مع الخرطوم».
ويرى مراقبون ان الادارة الامريكية تتنازعها رؤيتان تتصارع حول كيفية التعامل مع الملف السوداني، فحالة الاستعداد لتسوية القضايا بين الخرطوم وواشنطون التي تطلع بها الحكومة الامريكية، تصطدم بالتيار المتشدد، الذي يرى ضرورة رفع العصا في وجه الخرطوم وهو تيار تشكله اللوبيات الامريكية وذو تأثير كبير على السياسة الخارجية الامريكية، وهو تيار يتخوف مراقبون ان ينجح في مخططاته في الوصول بالعلاقات الى مرحلة التأزم بين البلدين وبالتالي تدهورها مع المجتمع الدولي كافة. ولكن الدكتور خالد حسين، مدير مركز السودان للبحوث والدراسات الاستراتيجية قال لـ»الصحافة» ان العلاقة مع امريكا هي البوصلة للعلاقات مع الدول الغربية الأخرى، واشار الى ان الرأي الرسمي في الادارة الامريكية «الحكومة» اتجاه الخرطوم سيتوقف على سلوك الخرطوم مع دولة الجنوب الجديده، اذا كان سلوكها مساعدة الدولة الجديدة وتأمينها بل والمساعدة في حلحلة اشكالاتها بما يضمن حسن الجوار، رجح وقتها على ضوء ذلك ان تتطور العلاقات السودانية الامريكية الى الاحسن وبالتالي مع المجتمع الغربي» واستبعد حسين ان تمارس الدول الغربية ضغوطا على الخرطوم قبل التاسع من يوليو القادم، واضاف «بل ستكون هناك محفزات للحكومة حتى اعلان انفصال الدولة الجديدة بسلاسة»، وقال حسين ان هناك جزء داخل الادارة الامريكية يدعمه اللوبي الصهيوني يرى بان فصل الجنوب ليس المحصلة الاخيرة وانما هو المرحلة الاولى لفصل السودان وتقسيمه، مشيرا الى ان هذا الخط داخل امريكا يسعى للتأثير على الرأي الرسمي في الادارة الامريكية، واستبعد حسين استخدام فرنسا والاتحاد الاوربي للمحكمة الجنائية الدولية كرت ضغط ضد الحكومة السودانية اذا كان لدى الولايات المتحدة الامريكية موقف ايجابي اتجاه الخرطوم، واضاف «وقتها اوربا ستمضي باتجاه معالجة ملف الجنائية وفقا للمصالح الامريكية» مشيرا الى ان الاتحاد الاوربي يحاول تحسين علاقاته مع السودان ضمن تعزيز وجوده في افريقيا، وقال ان الاتحاد الاوربي الى الآن لم يصل للمرحلة التي يكون فيها الاتحاد الاوربي الممثل والمعبر لمكوناته، مشير ا الى ان مصالح دوله هي التي تتحكم في علاقاته الخارجية».
وبلغت الضغوط الدولية ذروتها على الخرطوم في العام (2006م) ابان ازمة دارفور، حيث كثفت الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوربي وقتها من ضغوطهما على الخرطوم للسماح بنشر قوات دولية في دارفور، مع تهديدها بامكانية فرض عقوبات على الخرطوم، وكذلك مواجهة اجراءات فرض حظر جوي فوق دارفور اذا لم توافق وقتها على نشر القوات الدولية. لتعود الضغوط الغربية مجدداً العام قبل الماضي بعد الاتهامات التي وجهها مدعي المحكمة الجنائية الدولية لرئيس الجمهورية عمر البشير بارتكاب جرائم حرب في دارفور، كما اطلت نهاية العام الماضي مع اقتراب موعد تنفيذ استفتاء جنوب السودان والصعوبات التي كادت ان تؤدي الى تأجيله حيث مارست الدول الغربية ضغوطا على الحكومة السودانية لإجراء الاستفتاء في موعده، مع وعد بتقديم حوافز للخرطوم ان اعترفت بنتيجته. وقال بروفيسور صلاح الدومة، استاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، في حديثه لـ»الصحافة» انه يتوقع مجموعة من اوراق الضغوط من المجتمع الدولي على الحكومة السودانية لن تكون مقتصرة هذه المرة على كرت المحكمة الجنائية الدولية وحده، بل ربما تمتد الى تفعيل البند السابع من ميثاق الامم المتحدة للقوات الدولية بالسودان، وكذلك حظر الطيران فوق دارفور على غرار ما تم في الجماهيرية الليبية، وقال لا مفر من ذلك إلا اذا ارتد نظام الانقاذ يمكن وقتها ان تكون المعادلة غير ذلك، وقال الدومة «اذا اندلعت ثورات شعبية في السودان بمثل ما يحدث في دول جواره، المجتمع الدولي سيجدها فرصة سانحة للتخلص من نظام الانقاذ غير المرغوب فيه من المجتمع الدولي» واشار الدومة الى ان نظام الانقاذ اصبح عدواً للغرب والشعب بسياساته، واحيانا كثيرا ما يخطئ القراءة للوعود التي يقدمها الغرب له، واضاف «المجتمع الغربي وعد الانقاذ اذا اوفت بنتائج الاستفتاء سيرفع منها العقوبات بشرط وهو حل مشكلة دارفور، ولكن الانقاذ حينما تتحدث عن وعود رفع العقوبات عنها باجراء الاستفتاء لا تذكر الشرط الاساسي وهو حل مشكلة دارفور». وكانت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون، أشادت في زيارتها الاخيرة لابي ظبي بالحكومة السودانية بإجرائها للاستفتاء، وقالت أمام عدد من طلاب الجامعات فى أبوظبي فى برنامج بثته شبكة «إم بى سي» «أود أن أشيد بحكومة الخرطوم لموافقتها فى عام 2005 على السماح لسكان الجنوب بالتصويت لتقرير مصيرهم»، واضافت أن «هذا يمكن أن يشكل مثالا رائعا على النتيجة السلمية لنزاع طويل»، مضيفة أن الشطرين الشمالي والجنوبي من السودان سيحتاجان إلى الكثير من الدعم، وأشارت إلى أن الجنوب «الفقير جدا» يحتاج إلى استثمارات فى البنية التحتية والمدارس والمستشفيات، فيما يحتاج الشمال كذلك إلى استثمارات، وقالت «أعتقد أن علينا جميعا العمل مع شمال السودان والاستثمار فيه حتى يلمس فوائد العمل الشجاع جدا الذى قام به، لذلك دعونا نعمل معا لمساعدة الحكومة فى الخرطوم والحكومة فى جوبا على تقديم الأفضل لشعبيهما».
وتواجه الخرطوم بعدة ضغوط دولية جراء تدهور علاقاتها مع الدول الغربية مطلع التسعينيات، نتيجة اختلاف في كثير من التقديرات السياسية بدأت منذ حرب الخليج الاولى كموقف للمجتمع الدولي، وتطورت الى خلافات ثنائية مع بريطانية التي تم طرد سفيرها من الخرطوم، ولم تنتهِ بفرنسا التي ترفع كرت المحكمة الجنائية الدولية ضد الخرطوم بعد تعقيدات القضية الدارفورية وحالة التماس التي شكلتها علي مصالحها في تشاد، فيما لازالت العلاقات بين الخرطوم والولايات المتحدة الامريكية تراوح مكانها بعد أن شهدت حالات شد وجذب، وصلت مرحلة قصف مصنع الشفاء بالخرطوم في العام 1998م، كما بدأت الولايات المتحدة منذ منتصف التسعينيات فرض عقوبات اقتصادية على الخرطوم ووضعت اسمه في قائمة الدول الراعية للارهاب. وكان السفير الرشيد ابوشامة، قال لـ»الصحافة» سابقا انه لا يتوقع ان تقدم الولايات المتحدة الامريكية على رفع العقوبات الاقتصادية واسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب كمكافأة للخرطوم على الاستفتاء، واضاف «في تقديري اذا لم تحل مشكلة دارفور ويتم ايجاد تسوية لقضية ابيي لن تكون هناك مكافآت بالمعنى الحقيقي» وقال ابو شامه، ان الادارة الامريكية ربما تقدم بعض المكافآت الصغيره، ولكن رفع العقوبات الاقتصادية واسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب هو قرار ليس بيد الرئيس اوباما وطاقمه حتى يكافئ به، لان هذا قرار الكونغرس الامريكي، وليس هناك ما يعكس ان الكونغرس تتطابق رؤيته مع الادارة الامريكية، فأغلب اعضائه لديهم رؤية ربما تكون مختلفة تماماً وضد الحكومة السودانية» ووصف ابوشامة الوعد بتقديم مكافآت للشمال بانه حديث للخدعة ويجب ان لا يندفع عليه الناس بايجابية، خاصة وان هناك كثيراً من الوعود التي قدمتها واشنطون ولم تفِ بها قبل توقيع اتفاقية السلام الشامل وقبل توقيع اتفاقية أبوجا».
khalid balola [dolib33@hotmail.com]