الذم السياسي للثقافة والمثاقفة

 


 

وجدي كامل
30 March, 2023

 

وصلني من صديق عزيز مقال منقول، مقتضب، بغير توقيع عبر الواتساب وهذا نصه وكما كتبه املائيا وقواعديا صاحبه: (اتذكر فيما مضى كان هناك لقاء في الازاعة السودانية مع المسرحي خالد ابو الروس رحمه الله ذكر انه جهز مسرحيه و كان زمن الاستعمار قام المسؤول عن الثقافة المستعمر طلب مراجعة المسرحيه قبل ان تعرض فساله خالد الو الروس ان كان يفهم في اللهجة السودانية فاجاب الخواجة انه لف السودان مدينه مدينه و قرية قرية و قبيله قبيله و يعرف اي حاجه فساله خالد ابو الروس هل تعرف المعراكة فضحك الخواجه و قال له بعرفها و بعرف الدوكه و الطرقة كمان و لكن انت يا خالد هل تعرف ماهي السحلية ؟ قال استغربت من سؤاله قلت هذا الخواجه مستهبل كيف ما اعرف السحليه و تركه و مضى و لكن بعد فترة و بحث عرف خالد ابو الروس ان القشة الصغيره التي يرفع بها طرف الطرقة لرفعها من الدوكه اسمها السحلية حسب تسمية الحبوبات زمان
اها قلنا كده ليه عشان تعرف المستعمر الاستخباراتي يتجول في البلد و يتعلم اي شئ و يدخل في الحياه الاجتماعية للمعرفة و ليسهل الاستعمار و السيطرة
نسال الله ان ينال السودان استقلاله الحقيقي من كل العملاء و الدخلاء و الاستعمار الحديث الذي لا ياتي عبر مدفع او دبابه او طائرة سواء مسيره او نفاثة اللهم امين) انتهى المقال.
ردي وكما راسلت صديقي الذي بعثه لي ( وبغرض اشراك التفكير الجمعي عبر الأصدقاء بالفيس بوك) كان: لا اعتقد يا صديقي - تجدني ارى العكس تماما من ذلك. فهذا المقال المختصر يستثمر في الازمة السياسية الراهنة ويغمز في قناتها من زاوية علاقة الأجنبي من العملية السياسية الجارية بظاهر من الوطنية وباطن من التحايل على الحقائق. والحقيقة هي ان من ضمن ما فشل فيه السودانيون وكبدهم خسارات فادحة لا نزال نتأذى من نتائجها وتسلسلاتها هو الادعاء بالاحاطة التاريخية الثقافية العميقة التامة بالواقع واعتقاد ان ما بحوزتنا من معارف عنه كافية للفخر والمفاخرة والثقة المطلقة بامكانية السيطرة عليه. فشل السودانيون في التعارف الثقافي الدقيق والمعمق فيما بينهم فاستبدلوا رباط المواطنة فيما بينهم بزيف المواطنة وتعطيل الملاحظة والقدرة على البحث. اصبح الواقع ذهنيا يتأسس على موروث معرفي مغلق على مفاهيم وصور وتصورات عن الذات دون قراءة نقدية لصحته مما جعل النتائج (السياسية) لمحاولة تغييره او حتى اصلاحه عصية حتى بعد وقوع ثورات عظيمة. فشل التغيير السياسي في استبدال المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية الضالعة في انتاج الفساد الثقافي المفاهيمي والاكاذيب والاساطير الوجودية الماحقة.
اما الرحالة والزائرون والاداريون (فيما بعد) وبعيدا عن الخدمة التي اسدوها لمدرسة الاستشراق وعلاقتها بالاستعمار قديمه وحديثه من خلال توثيق ترحالهم وعملهم في افريقيا (والسودان بالطبع) فقد اسهموا وعبر كتاباتهم في توثيق الحياة الاجتماعية والعمرانية والثقافية احيانا مما جعل توثيقهم يفوق ويتفوق على الوطنيين او المحليين. غالبا ما كتب السودانيون تاريخهم الوسيط ما بعد مملكة سنار في المشافهة ويكفي ان المرجعية الاستثنائية للسودانيين ولعدد من القرون كانت في ( طبقات ضيف الله) لمحمد النور بن ضيف الله وكاتب الشونة كأثرين كتابيين وحيدين.
الواقع فيما آثاره المقال هو ان التفكير السياسى الشائع والمتكرر الاسلوب منذ الاستقلال يفسر كل خدمة ثقافية للمستعمر من مدخل سوء الظن المزمن ويضيف تعليقاته على عملهم لكل ما هو سيي في تجربة الاستعمار في مقابل عزوف وكسل ذهني فيما يتعلق باثارة النقد (الواجب) للواقع وهياكله التاريخية ببعده عن النزاعات النقدية والتحليلية الشجاعة وكانما هنالك اتفاق على عبادة الخطا والاخطاء وبحيث يبدو وكانما هنالك لقاءا سريا ابديا بين اتجاهات التفكير السياسي وتحالف مقدس يقوم فيما بينها على انكار الحقائق وبحيث تتمظهر مؤسسات العمى النقدي بمصالحها المتجذرة كممنوع عن النقد الجهير.
الرائد المسرحي والشاعر خالد ابو الروس جاء حديثة تاكيدا على عمق معرفة الاداري بالثقافة المحلية وقاموسها وهو امر حميد بحسب رايه ولا علاقة له بسياسات الاستعمار الحديث بقدر ما له اتصال ببنشاط الفرد (الغريب) البحثي ورغبته في المعرفة والاستيعاب التي تفوقت كما راينا على معرفة بن البلد بالمسمى الشعبي لل (السحلية) .
كاتب المقال والذي يبدو انه ينحدر من سلالة التفكير الظني الاتهامي يحول المحتوى دون فحص وكانه يشير باصبع الاتهام لنشاط بعثة الامم المتحدة والغربيين المتواجدين بين ظهرانينا في هذه المرحلة ويصورهم كادوات للاستعمار الحديث. السودانيون من ذوي الفطنة ومن ضمن ما توصلوا اليه عبر تجربة الحكم الاستبدادي للانقاذ انها وفي جرد الحساب بالنتائج كانت استعمارا حديثا بمحتوى الخدمة التي قدمتها لمؤسسات التجهيل الاقتصادية والثقافية عبر تعميق اتجاهات التزييف للواقع ومعركة التطور عندما انحرفت بالصراع بتصويره صراعا دينيا يستهدف العقيدة الدينية في اخر المطاف. للاسف هنالك اكثرية تجاهر بمحاربة التجهيل سياسيا ولكنهم يتبنون مفاهيمه ويدافعون عن مؤسساته ثقافيا بسبب انهم لم يجروا مهمة تحرير الافكار والتفكير من مقعداته الثقافية المحلية او الوطنية وبحيث بدوا جميعهم في النهاية وكانهم ضحايا لثقافة غير محققة نقديا - ثقافة لا تساعد على الانتقال الديمقراطي - دعك من توطين الديمقراطية كقوانين وثقافة عبر المؤسسات طالما يظل المدخل الى ذلك سياسيا بامتياز. الاستعمار المحلي والاجنبي لا نهدم بنيانه بالمفاهيم السياسية المشكوك في قدراتها ، ولكن بما يبنيه من تفكير ثقافي ممتد الجذور، متين القواعد.

wagdik@yahoo.com

 

آراء