(الزمن الجميل ) مقابل (الزمن القبيح )
كثير منا يتحدث عن الماضى وينعته بالزمن الجميل، ولانى شخصيا مولع بعالم ( الكلاسيك) وتعنى (القديم) ، اداوم على مشاهدة الافلام القديمة الاتية من- كما يكتب عى شاشة الفضائيات - افلام ( الزمن الجميل )، ولا ادرى هل كان عهد الملوك فى مصرمثلا هو ( الزمن الجميل )..عهد الباشوات والاقطاع ومجتمع النصف فى المائة والفقر والغنى الفاحش،وهل يعقل ان ننعت عهد الثورة التى نادت بالعدالة الاجتماعية بالعصر الدميم، هنا تختلط المعايير بين الجمال والقبح .!!
وفى السودان بعد ان قرأت مقالة دكتور عبد الله على ابراهيم عن ( الزمن الجميل) تساءلت ، هل كان عهد عبود وفترات الحكم النيابى وعهد نميرى هى عهود ( الزمن الجميل) ، وعندما اطل علينا عهد الانقاذ جاءنا الزمن الفبيح؟!، سؤال يحتاج الى توضيح واجابة، فمن الجانب السياسى كان هناك تخبط. منذ الاستقلال لم ينعم الله على السودان قيادة تمتاز برؤية ثاقبة لبناء امة مستقرة، بل وكما اوضح د. عبد الله كان البرلمان خلال الحكم النيابى ساحة لسوق عكاظ ، يتبارى فيه السياسيون بالخطب الرنانة ، ويتندر المشاهدون بما سمعوه من بشكير بدلا من الفوطة ، ومن قروض تحولت الى قرود والتهكم فى ذلك، وحث احد الاعضاء بتثليت اسمه لبيان مااعتبر من الاسماء المنكورة والمعيبة، واخال ان هذا العبث ارث ورثناه من الادب العربى البائر الذى كان يرتكز على اسس واهية المرتكزة على التباهى بالحسب والنسب والاصل
ولكن الذين عاشوا فى ذاك الزمان وصفوه بأنه الزمن الجميل، لان الفقير كان قادرا على تعليم ابنائه بالمدارس الاميرية المميزة بلا رهق مادى ، وكان الخريجون يتباهون فى اصقاع البلاد المختلفة بأنهم يحملون شهادات دراسية بدءا من المرحلة المتوسطة ..والثانوية ناهيك عن الجامعية ، وكانت ابواب العمل مشرعة وتقييمهم المادى والاجتماعى فى القمة ، والخرطوم انذاك كما سائر مدن الاقاليم كانت مدينة مفتوحة بمقاهيها وحاناتها وبلاويها ، وهذه ( البلاوى) كانت محط نقد واعتراض من الكثيرين الى ان من الله علينا القضاء عليها
واتانا عهد..زعم انه اتى لانقاذنا ...وبدأناه منذ اول وهلة بالكذب والغش ، ورغم صدق البعض فيما اعلن، ساد النفاق ، حيث تغلبت المظاهر على جوهر الاشياء، واصبح من له المقدرة على رفع عقيرته بالشعارات هو المقيم بالصلاح، وتداخلت المعايير، ودخلت البلاد فى دهاليز الغيبوبة الفكرية، ليأتى زمن ليدعى ربان الركب بأن مناصريه قد باعوه ، وسعى لتحطيم البنيان وماعليه وماله، فى مشهد جلب له ولهم ولنا الكثير من العنت ، وسوء المأل ، لنطلق على هذا الزمن ( الزمن الردىء)، مقابل ذاك الزمان الذى رغم ما اعتوره من قبح ورثناه من تاريخ مضى ، كان فيه بعضا من الاشراقات والصدق!
وسيظل زماننا قبيحا كله قديمه وجديده ان لم نتمكن من نقد ماورثناه نقدا ظاهرا وبينا، فنحن مازلنا نضع بعض الشخصيات فى مرتبة عليا بعيدة عن النقد، ونخلط مزاياهم الشخصية ولانفصلها عن مدى ارتباطها بالاهداف العامة العليا ، ولكيما اكون واضحا لدينا جماعة لاادعى انها غير وطنية ..ولكن كغيرهم من جماعات ارتبطوا بشخص وصفوه بأنه ابو الديمقراطية ويرددون مقولة له ، رغم انه كان من اكثر الشخصيات التى ادت الى انهيار الديمقراطية الثالثة بادائه الباهت فى العمل العام، ولعدم انضباطه والتزامه باسس الوظيفة التى اؤتمن عليها، وقد قالها ابان كان فى دست السلطة بأنه لم يخلق لاى عمل روتينى كتابى ! ، ومثل هذا الشخص يمكن وضعه عزيزا مكرما كاديب ضليع ، ومتحدث مفوه ، وشاعر مجيد ، ورجل كريم ، بيته مفتوح كما قلبه للضيوف ، ولكن كسياسى له التزامات فهو ليس شخصا مناسبا !، فاذا كنا قد وصلنا فى تقييمنا الموضوعى لمثل هذه القناعة كنا سندلف الى الزمن الجميل.
وايضا فى الطرف الاخر من المعادلة ، نجد انسانا نصفه حى والنصف الاخر ميت، تكاد ان لاترى قسمات وجهه من ادخنة سجائره، والكؤؤس المترعة بالخندريس المستورد ليصفه مشايعوه بالانسان الامثل والوطنى القح الذى يعمل من اجل الغبش والمساكين!! وقد يكون هذا الشخص اخو اخوان واللى فى جيبو ما حقو . ولكن ....بكل تأكيد ليس ذاك الشخص الذى يعمل لرفع غائلة الفقر من المعوزين.
ود. عبد الله الذى انتقد ذاك الزمن الجميل بدوره ارتبط ( بالاستاذ) الذى لاانكر دوره فى بث الوعى فى مجتمعنا، ولكن الارتباط به كانسان لايخطىء ودونما نقد لبعض مواقفه ، يصبح ايضا فى نظرى من العوامل التى تقودنا الى الزمن الردىء، فالاستاذ كان من المنادين بتحقيق الاشتراكية ، واذكر كما البارحة فى ندوة بباحة فى بانت بام درمان .قال الاستاذ بعضمة لسانه ان نقتدى بالاشتراكية كما فى مصر ناصر والجزائر بومدين ، بل حينما جاءت مايو اللى كانت كايسانا اذكر فى ندوة له بالميدان الشرقى بجامعة الخرطوم كان يرحب بالتغيير الذى قادته عناصر وطنية من القوات المسلحة وكان يشير بأنه لايرى وسط الجموع الحاشدة جماعات من الثورة المضادة .مشيرا بأن كل ثورة لها ثورة مضادة وهما لايلتقيان......وربما اتت فكرة عدم الدخول فى النظام الجديد بعد ندوة اقيمت بنادى العمال ببحرى حضرها لفيف من الاشتراكيين المصريين وعلى رأسهم الصاغ خالد محى الدين الذى حذر الرفاق من مغبة حل الحزب ...لان التجربة فى مصر قد ادخلتهم فى مازق ...
اعنى قيما سقته انه لايمكن ان ننساق هكذا لاى شخص او فكرة دون نقد، وكأنما الذى نراه هو المثال ، وفى رأيى اذا لم نصل الى مثل هذه القناعة سيظل القبح هو الغالب فى زمننا القديم والجديد..
salahmsai@hotmail.com