السودان وانتخابات الهند: دروس وعبر
2 July, 2009
تهيأت لي زيارة للهند في الشهر الماضي عقب إعلان نتائج الانتخابات وفوز التحالف الذي يقوده حزب المؤتمر بأغلبية الأصوات والبدء في تشكيل حكومة برئاسة رئيس الوزراء السابق نفسه السيد ماهومان سينغ. والزائر للهند سرعان ما يحس بالكثير من أوجه الشبه بين ذلك البلد المدهش وبعض أوجه الحياة في السودان. والغريب في الأمر أن انتخابات الهند قد انقضت دون أن يكون لها ذكر في السودان بينما كان هنالك اهتمام بالانتخابات في لبنان. وأرسلت إحدى الصحف اليومية مجموعة صحفيين لتغطية أخبار الانتخابات اللبنانية بينما الأولى بالتغطية هي انتخابات الهند التي تمثل معجزة لأنها أكبر تجربة ديمقراطية تشهدها البشرية حتى الآن، ليس ذلك فحسب وإنما كنت أتوقع أن يهتم السودان الرسمي وغير الرسمي بالانتخابات الهندية في هذا العام على وجه الخصوص باعتبار أن السودان يستعد للعودة لممارسة الديقراطية التعددية بعد طول غياب. والحركة السياسية في الهند كانت منذ سنوات العشرين في القرن الماضي مصدر إلهام للحركة السياسية في السودان منذ قيام حزب المؤتمر الذي كان النموذج الذي يحتذى للحركة الوطنية السودانية وسمى رواد الحركة الوطنية تجمعهم الأول بمؤتمر الخريجين تيمنا بحزب المؤتمر الهندي الذي كان يقود النضال ضد الاستعمار البريطاني. وكانت أساليب النضال الوطني التي تقع في الهند تجد لها صدى في السودان وكانت أخبار غاندي وأساليبه المبتكرة في العمل الجماهيري مثل العصيان المدني مصدر إلهام للمثقفين السودان بل أن بعضهم سار على نهجه في تطبيق فلسفة نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع فتبنى الأستاذ محمود محمد طه لباس توب الدمور المصنوع من القطن السوداني بأيدي سودانية وليس مما تنتجه مصانع ليفربول ويوركشير تماما كما رفض المهاتما غاندي الزي البريطاني ارتدى ثوبا من القطن والنسيج المحلي واكتفى بالعيش على ما تجود به معزته التي اصطحبها في مسيرته التاريخية. كما أن وقوع الهند والسودان تحت الاستعمار البريطاني أوجد الكثير من أوجه الشبه في بنية الدولة الحديثة حيث أن الهند كانت هي جوهرة التاج البريطاني ومختبر السياسات البريطانية للمستعمرات فبعد أن تنجح تجربة في الهند سرعان ما تنقل إلى بقية المستعمرات وكان السودان هو المختبر لتجريب السياسات الإدارية البريطانية قبل تعميمها على أماكن أخرى في القارة الأفريقية. كما أن تجربة الخدمة المدنية ونظام القضاء وتركيبة الجيش وعقيدته القتالية التي خلفها البريطانيون كانت تكاد تتطابق في البلدين حتى وقت قريب. هذا إلى جانب أوجه التشابه الثقافي المتمثل في التعدد الإثني والديني والجهوي في البلدين كما أن بين الهند والسودان إرثا في الانتقال من الاستعمار حيث أن الهند التي نالت استقلالها قبل السودان بسنوات قليلة (1947) كانت النموذج الذي طبقه الإنكليز عند انتقال السودان إلى الاستقلال بالاستعانة بتجربة الهند وبخبراء من الهند. لكل ذلك كنت أحسب أن السودان سيسعى للاستفادة من التجربة الناجحة في الهند في العمل السياسي والتجربة الديمقراطية وإدارتها بشكل إعجازي جعل الهند تخطو بثبات لتحتل مكانها بين الأمم الراقية ذات التأثير الكبير في العالم بينما لا يزال السودان الذي استغل بعدها بقليل في مرحلة الحكومة الانتقالية والدستور المؤقت وبعد خمسين عاما من الاستقلال لازلنا في منصة التأسيس نبحث عن شكل الدولة ونظام الحكم.
وحصلت الهند على استقلالها في الخامس عشر من أغسطس عام 1947 بعد نضال وطني دءوب. وخلال أقل من ثلاث سنوات بعد الاستقلال، وضعت الهند دستورا وأعلنت نفسها "جمهورية" في السادس والعشرين من شهر يناير 1950، وقد صاغت ذلك الدستور أفضل العقول في البلاد. وقد تضمن ذلك الدستور قيم العدل والحرية والمساواة للمواطنين جميعا، حيث كفل حرية التعبير والاعتقاد الديني والفكري والتجمع والهجرة واختيار المهنة أو التجارة كما إن هذه الحقوق تحمي كل مواطن هندي من التمييز على أسس العرق والدين والجنس والمعتقد
واختارت الهند طريق الديمقراطية، وعقدت أول انتخابات عامة في عام 1952، ثم توالت الانتخابات منذ ذلك بانتظام حتى الانتخابات الأخيرة التي كانت الانتخابات الخامسة عشر.
ويعتبر نجاح الديقراطية الهندية معجزة لأن الكثيرين توقعوا لها الفشل بسبب عمق المشكلات الاجتماعية التي ورثتها الهند غداة استغلالها. جاء في كتاب نورمان براون عن أمريكا والهند وباكستان الصادر عن جامعة هارفارد عام 1953، الذي نعمت بقراءته وأنا في الطريق إلى الهند، إلي أن العوامل المضادة للديمقراطية في هذا البلد أقوي من المقومات التي يمكن أن تدعمها. فقد لاحظ أن التقاليد السياسية الهندية تتسم بالتسلط، وأن ذلك البلد لم يكن موحدا في كل تاريخه إلا في الفترات التي تعرض فيها للغزو, وأن الجمود الاجتماعي من الشدة بحيث يحول دون الحراك الطبيعي اللازم في أي نظام ديمقراطي. وهذا فضلا عن الاختلافات اللغوية والعرقية والدينية. كما أن الوضع الإقليمي لم يكن مواتيا لاستقرار الهند المستقلة حديثا في ذلك الوقت. ولذلك بدأ مستقبل الديمقراطية في الهند محفوفا بالمخاطر. واعتقد غير قليل من المتخصصين في شئونها أن تلك الديمقراطية قد لا يبقي منها شيء بعد رحيل الزعيم الحكيم جواهر لال نهرو الذي خالفهم في إصراره علي أن بلاده مؤهلة لنظام سياسي أكثر ديمقراطية مما كانوا يتصورون. تماما كما كانت حجة الأستاذ محمود محمد طه عندما قاد ثورة رفاعة لإخراج المرأة التي خفضت فتاة بأن تلك الواقعة ينبغي ألا يتخذها الانكليز ذريعة لتأخير استقلال السودان لأن أهله لم يتهيأوا للاستقلال بعد وفيهم مثل هذه الممارسات البربرية. وكانت مقولات شبيهة تتردد في الهند لتأخير أاستقلال البلاد. وقد أثبت التاريخ أن نهرو كان أبعد نظرا ممن قصروا تحليلهم علي ماهو ظاهر عند سطح المجتمع الهندي، ولم ينفذوا إلي أعماقه. فقليل من علماء السياسة في ذلك الوقت هم الذي انتبهوا إلي ضرورة إدراك خصوصية الحالة الهندية. وكان أهمهم موريس جونز في دراسته الرائدة عن (البرلمان في الهند) الصادرة عن جامعة فيلادلفيا عام1957، وربما كان مصدر تميز جونز هو أنه فطن إلي أهمية العوامل غير السياسية في تشكيل النظام السياسي الهندي، وإلي ضرورة فهم السلوك السياسي في هذا البلد وفقا لظروفه وليس تبعا للنموذج الغربي. كما أدرك أن هذه الظروف تفرض علي الدارس فهم العلاقة بين المؤسسات والوظائف والسلوكيات بطريقة لا تشبه بالضرورة تلك التي تعتبر مألوفة له في الغرب. وبهذه الذهنية، كان جونز مهيأ أكثر من غيره لفهم خطاب نهرو السياسي، الذي ركز في تفسير تفاؤله باستمرار الديمقراطية علي أن الهنود مارسوا أشكالا منها علي المستوي المحلي الضيق في القرى والبلدات الصغيرة. وهذا صحيح تاريخيا إلي حد بعيد. وقد تراكمت في تاريخ الهند الحديث مقومات ديمقراطية كامنة نجحت قيادة نهرو في البناء عليها ومواجهة العوامل المضادة لها. فإلي جانب المقومات التي كانت كامنة في التقاليد المحلية، أقام الاستعمار البريطاني نظاما إداريا حديثا وناجحا ساهم في تدريب عشرات الآلاف من الهنود الذين اكتسبوا مهارات صبت في النهاية في مصلحة التطور الديمقراطي. ويتسآل المرء لماذا لم يسهم النظام الإداري الحديث الذي خلقه الإنكليز في السودان في أن يدعم التجارب الديقراطية في السودان. أم أن روح البداوة والمهددات الكامنة في التقاليد السودانية القائمة على النظام العربي الباترياركي هي التي حالت دون نجاح التجربة في السودان على الرغم من أوجه الشبه؟
ولا تحسبن أن الديمقراطية الهندية قد ولدت مكتملة من أول وهلة فقد كان اكتمال بناء التجربة التي صارت موضع الإلهام حاليا عملية صعبة.
فعندما أجريت الانتخابات البرلمانية الأولي في نهاية عام 1951 وبداية عام 1952 بنجاح، بدأ الأمر كما لو أنه معجزة. استمرت العملية الانتخابية نحو أربعة أشهر من أكتوبر 1951 إلى فبراير 1952 لضمان نزاهتها. وواجهت اللجنة القومية للانتخابات صعوبات هائلة في توفير موظفين مؤهلين في أكثر من مائتي ألف مركز انتخابي وفي إيجاد نظام فعال للرموز الانتخابية في ظل نسبة أمية تجاوزت 80 في المائة من الناخبين. وبين تلك الانتخابات الأولي والانتخابات الخامسة عشرة التي اختتمت مؤخرا، أصبحت الديمقراطية الهندية هي المثال والمعيار الذي يقاس عليه.
ظهرت بعض الكتابات مؤخرا في الصحف السودانية، تحاول أن تصور أن فوز حزب المؤتمر الوطني قدر محتوم لا مفر منه ويستشهدون بأن حزب المؤتمر في الهند ظل يفوز بالانتخابات منذ عام 1952 حتى عام 1977 حينما جرى أول تداول للسلطة وعليه فإن حزب المؤتمر في السودان سيظل ممسكا بالسلطة باستمرار حتى تكتمل عناصر التداول السلمي للسلطة بعد الدورة الانتخابية القادمة، وربما التي تليها لا سيما وأن حزب المؤتمر الوطني في السودان يمسك بتلابيب جهاز الدولة بعد أن نجح عن طريق سياسية الإبعاد والإحلال التي عرفت بسياسة التمكين من إحداث نوع من التماهي بين الدولة والحزب ولم تعد الخدمة المدنية والقضاء والشرطة والجيش مؤسسات قومية كما كانت طيلة العهود الوطنية التي سبقت نظام الإنقاذ وكما هو عليه الحال في الهند. وربما فات على أنصار هذا التحليل أن حزب المؤتمر في الهند لم يقفز إلى السلطة ذات ليل فقد تأسس في عام 1885 وقاد النضال لأكثر من نصف قرن قبل أن يصل إلى السلطة وهو يتمتع بتلك الشرعية التاريخية وبذلك التاريخ النضالي الناصع الذي توج بنيل الاستقلال ثم قاد مسيرة بناء الهند الحديثة بنجاحات لا جدال فيها من خلال برامج وخطط اقتصادية تمثل مدرسة في التطور الاقتصادي فأين حزب المؤتمر الوطني في السودان من كل ذلك؟
ومن الدروس المفيدة من التجربة الهندية لنا في السودان تجربة اللجنة القومية للانتخابات وهي لجنة مستقلة حقا وذات درجة عالية من الخبرة والكفاءة ولقد أنشئت لجنة شبيهة في أول انتخابات سودانية ولكن عدم الاستمرارية جعلها تفقد إمكانية أن تصير مؤسسة راسخة كما هو الحال في الهند. فلقد نجحت تلك اللجنة في إجراء انتخابات يصل عدد الناخبين فيها الآن إلي 714 مليونا يقترعون في أكثر من ثمانمائة ألف مركز اقتراع للاختيار بين مرشحين ينتمون إلي أكثر من ألف حزب أغلبيتها الساحقة أحزاب محلية توجد في ولاية واحدة أو عدد قليل من الولايات. كما أنه يمكن الاستفادة من ماكينات الاقتراع الإلكتروني التي أدخلت مؤخرا وهي سهلة الحمل في حجم حقيبة السمسونايت وذات درجة أمان عالية وتعمل بحجارة البطارية.
درس آخر يمكن أن نتعلمه من تجربة الهند وهي موقع الدين في الدولة. فالدين يعتبر المحور الرئيسي للثقافة الهندية خاصة الديانة الهندوسية التي يعتنقها حوالي (82 في المائة) من السكان. ويمكن ملاحظة أثر الدين في مختلف أوجه الحياة العامة من سائق الركشة الذي يزين مركبته بصوره لمعبوده إلى المعابد المنتشرة في كل مكان والمزارات التي تجدها تسد الطريق في الشارع العام في كثير من المدن في مناطق الهند المختلفة. أما الدين الإسلامي فهو الدين الثاني في الهند إذ يعتنقه حوالي (12 في المائة) من السكان (حوالى 150 مليونا)، بينما يعتنق 3 في المائة المسيحية ويعتنق 2 في المائة ديانة السيخ وبقية السكان، أي حوالي 45 مليون نسمة، يعتنقون الديانات البوذية والجينية والبهائية وغيرها. والدلالة الأكبر لانتخابات هذا العام بعد فوز التحالف الذي يقوده حزب المؤتمر وتجديد ثقة الناخبين فيه هي أن رغبة الناخب الهندي في إيقاف الزحف السياسي للحزب القومي الهندوسي، الذي كان صعوده تعبيراً عن صعود مختلف الأصوليات في مجتمع متنوع على الأصعدة كافة الدينية والإثنية والاجتماعية. ولقد وقعت صدامات في السنوات الأخيرة صدامات فكرية وسياسية ومواجهات عنيفة وقع فيها ضحايا كادت أن تعرض أكبر ديمقراطية في العالم للخطر. فانتصار تحالف حزب المؤتمر هو انتصار هو انتصار للسياسة غير الطائفية وترسيخ للتقاليد العلمانية التي حمت الديمقراطية الهندية من مهددات صراع الهويات الخائفة والمخيفة، الجريحة والثائرة، التي كانت تبحث عن ما يضمن بقاءها بالنسبة للبعض، أو الهيمنة بالنسبة للبعض الآخر، على حساب الدولة الواحدة ولو تحت عنوان الحفاظ على الدولة الواحدة. تخوف الكثيرون من الخطاب الشوفيني الديني المتعصب لحزب بهارتيا جناتا اليميني الذي برز في الساحة قبل سنوات بخطاب أيدلوجي فج يريد أن ينقى الهند من شوائب الديانات الدخيلة ويعيدها سيرتها الأولى دولة هندوكية نقية أو هكذا كانوا يزعمون. ولقد تبددت أحلام ذلك "المشروع الحضاري" بعد أن أبعدهم الناخب عن السلطة في انتخابات عام 2004 وأكد إبعادهم في الانتخابات الأخيرة. ولقد توجس البعض خيفة من أن تصاعد الأصوليات على حدود الهند، وفي داخلها، ومن أن أحداث بومباي في نهاية العام الماضي ستعزز منطق التطرف، لكن ثقل التراث السياسي الديمقراطي والعلماني الهندي استطاع أن ينتصر. وفي السياق ذاته انتصر ذلك التراث العلماني الديمقراطي ضد المدرسة التي تقول وتحذر دائماً من مخاطر الفوضى الديمقراطية أو الفوضى باسم الديمقراطية وتدعو إلى تبني نموذج من السلطوية الجديدة تقول انه يصلح للدول النامية حتى تلك المتقدمة بينها في المراحل الانتقالية المستمرة أبداً، وتستشهد في هذا الأمر بنموذج جارت الهند اللدودة الصين الشعبية.
وهنا بعض المعلومات عن النظام الانتخابي في الهند. تتكون الهند من اتحاد مؤلف من ثماني وعشرين ولاية وسبع مناطق اتحادية تخضع للحكومة المركزية، من ضمنها منطقة العاصمة القومية نيودلهي. يقوم الانتخاب على نظام الاقتراع الحر المباشر على الطريقة البريطانية لاختيار برلمان يتكون من مجلسين هما مجلس النواب الذي يتكون من خمسمائة وخمسة وأربعين (545) عضوا يتم انتخاب خمسمائة وثلاثين عضوا منهم انتخابا مباشرا من ستة وعشرين ولاية، كما يتم انتخاب ثلاثة عشر عضوا من المناطق الاتحادية الست، بينما يرشح رئيس الجمهورية عضوين لتمثيل الهنود المنحدرين من أصول إنكليزية. ويتكون مجلس الشيوخ من 250 عضوا ينتخبون انتخابا غير مباشر ويرشح رئيس الجمهورية اثني عشر عضوا من أعضا المجلس يختارهم من ذوي الكفاءة والدراية في مجالات العلوم والآداب والفنون، ولا يمكن حل هذا المجلس، كما إن ثلث أعضائه يتقاعدون بنهاية كل عامين. وبجانب مجلسي البرلمان الهندي فهناك أيضاً المجالس التشريعية للولايات ويتم انتخاب رئيس الجمهورية بواسطة مجلسي البرلمان ومجالس الولايات التشريعية. ويعتبر منصبا تشريفياً إذ أن جميع السلطات بيد رئيس الوزراء. تعتبر الأحزاب السياسية الركيزة الأساسية للنظام الانتخابي في الهند هذا بجانب أنها تعتبر حلقة الوصل الرئيسية بين الشعب والحكومة.
ولقد تميزت هذه الدورة الانتخابية في الهند بتوسع الخارطة السياسية بشكل غير مسبوق منذ أول انتخابات في عام 1952، حيث كانت تنحصر في العادة بين حزبين رئيسيين ولربما حزب ثالث من إحدى الولايات وفى انتخابات عام 2004 تمحورت في كتلتين انتخابيتين لكن في هده الدورة ظهرت على المسرح أربع كتل وتضم كل كتلة مجموعة أحزاب مما جعل الناخبين يجدون صعوبة في الاختيار ويعزى هذا التعدد إلى انهيار التحالف الحكومي بين حزب المؤتمر والأحزاب اليسارية بسبب الاتفاق النووي المثير للجدل الذي أبرمته الحكومة مع الولايات المتحدة مما أدى إلى انسحاب الشيوعيين من التحالف الحاكم الذي استمر حتى نهاية الدورة بفضل دعم النواب المسلمين. وتشكل التحالف هذه المرة بقيادة حزب المؤتمر وبدون الأحزاب اليسارية ولقد ضم التحالف 13 حزبا من الأحزاب الجهوية مع تراجع أكثر من حزب في ولايات عديدة وانعكس الأمر أيضا على الكتلة الثانية: التجمع الوطني الديمقراطي الذي يقوده الحزب المنافس للمؤتمر - حزب بهارتيا جاناتا القومي- وضم ثمانية أحزاب جهوية مع تراجع بعض الأحزاب الأخرى والتي تم استقطابها من قبل الجبهة الثالثة وهي جبهة اليسار التي قادها الحزب الشيوعي وضمت 11 حزبا وكانت مفاجأة الانتخابات هي بروز كتلة رابعة ضمت سبعة أحزاب جهوية. بقى أن نذكر إن الديمقراطية العملاقة هذه تسهم في ترسيخها ثلاثمائة صحيفة يومية مستقلة تصدر بمائة لغة تقريبا ومعظمها مملوك للقطاع الخاص، كما أن هناك أكثر من ثلاثين ألف مطبوعة دورية تصدر في الهند.
وهكذا تبدو ديمقراطية الهند، كما تجربتها في مجملها، غنية وملهمة بالرغم من المشكلات التي مازالت تواجهها وفي مقدمتها إرهاب المتمردين الماويين الذي عكر صفو الانتخابات في بعض المناطق الشرقية، ومقاطعة الأحزاب الإسلامية الانفصالية في كشمير للانتخابات والفتوى بحرمتها وضعف المشاركة السياسية للطبقة الوسطي التي توسع نطاقها في العقدين الأخيرين، وتأثر الفئات الاجتماعية الدنيا وخصوصا فقراء الريف بالانتماءات الأولية والعوامل المحلية والخدمات الاجتماعية أكثر من البرامج السياسية والحوارات الديمقراطية وعلى الرغم من ذلك فإن تجربة هذه الانتخابات الأخير في الهند.تعتبر درسا لكل الشعوب الحرة وانتصارا للديمقراطية الشعبية وللهوية الوطنية وللعلمانية الموحِّدة
د. أسامة عثمان