" العَزِيز والقَيْنٌ– في كتابات هيغل- كيانان جمعهما الجوار والهم المشترك ، ولكن ينتهي الأمر بأحدهما باستعباد الأخر. هيغل يكشف هنا (وفق شروحات روبرت براندوم):
اطروحة "استعباد" العزيز للقين (أقرأ هنا هيمنة سد النهضة علي سد الروصيرص واخوته) (ب 2-الجزء الأول) وأنه رغم "استعباد" العزيز للقين ، فلن تعطي هذه الهيمنة العزيز السيطرة الكاملة على محيطه ( أقرأ هنا حوض النيل) كما طمح في ذلك"(ب 2-الجزء الثاني) وأن العلاقات غير المتكافئة (غير المتوازية وغير المتبادلة) ضارة لحد بعيد(ب 2-الجزء الثالث) وأنه لا يمكن تأثيث أوضاع سوية --علي هذه العلاقات غير المتكافئة -- لشراكة دائمة بين النهضة وسدود النيل(ب 2-الجزء الرابع)
دعنا نتَلَمَّسَ و نتَبَصُّرهذه المعايير في علاقة سد النهضة بسد الروصيرص نموذجا أبــا هِنْــدٍ فَــلا تَعْجَـلْ عَلَيْنـا وأنْظِرْنـــا نُخَـــبّرْكَ اليَقِينَـــا
فألي الجزء الرابع والأخير من هذه الرباعية حول " أن"العلاقات (وان شِئْتَ فقل :"الزِيجَةٌ القَسْرُية") غير المتكافئة بين النهضة وسدود النيل لا تؤسس لشراكة سوية ودائمة بينهما"
علما بأنه: قد رسخ في علوم المياه من زمن بعيد حقيقة " لا يَنْتَطِحُ فِيهَا عَنْزَانِ " وهي أن كل تغير علي مجري المياه "عابرة الحدود" ، في اية نقطة من المجري، يحدث تغيرا عميقا في النظام الهيدرولوجي والهيدروليكي للنهر ويؤثر علي احباس النهرالسفلي والعليا ، بل – ولحد ما – مجمل مجري النهر من ما يسمي "المنبع" الي ما يسمي "المصب"، (وقد سبق أن صوبنا الخطأ في هذين التعبيرين في دراسة "جدلية الهوية النيلية للسودان وأبعادها السياسية والفنية والقانونية: دولة مصب أو عبور فقط -- أم دولة “منبع” ، واذا كم حجم اسهامها في مياه النيل" ؟)
************************* استهلال:
" العَزِيز والقَيْنٌ– في كتابات هيغل- كيانان جمعهما الجوار والهم المشترك ، ولكن ينتهي الأمربأحدهما باستعباد الأخر. هيغل يكشف هنا (وفق شروحات روبرت براندوم)،: "أنه لا يمكن تأثيث أوضاع سوية علي هذه العلاقات غير المتكافئة (غير المتوازية وغير المتبادلة) لشراكة دائمة بين " العَزِيز " وبين "القَيْنٌ"
بمعني أفصح أن أضرار سد النهضة ومشاريع المياه الهندسية الأثيوبية الأخري علي السودان لا تؤسس لشراكة دائمة بين سد النهضة وبين سد الروصيرص واخوته:
القارئ الكريم مدعو في البدء الي استذكار ما قلناه في شهادتي للتاريخ (23- أ) "عن كيف سيُضَارَّ السودان من سد النهضة ومُتَلاَزِمَاته ، ومنه: أنه ينبغي التفريق هنا بين: "الأضرار" (Adverse Impacts) التي أوردنا في في شهادتي للتاريخ (23- أ) وتوابعها، "والمخاطر" ((Risks التي سنخصص لها حلقة حصرية (شهادتي للتاريخ 25) ان شاء الله وأن أهم 7 أنواع من الأشغال الهندسيىة المرتبطة بسد النهضة وما يتصل بها من اعمال ذات أضرار علي السودان هي : ضخامة السد وكبر حجم ومسطح الخزان وملحقات السد ومُتَلاَزِمَات السد: كالتحويلات (Diversions) وأعمال ضبط النيل الأزرق(River Regulation) وشق الترع (Canalization) سحب المياه للري (Irrigation Abstractions) واستخدامات الأرض(Land Uses) والنفايات السائلة (Effluents) سنفصل أدناه الأضرار الواقعة علي السودان (ومصر) من سد النهضة ومتلازمته الست تلك ، كلا علي حدة ، وعمق تأثيرها (تأثير "ملحوظ"، "متوسط" أم "وخيما")، فمثلا : يتمحور الأضرار الذي ينال السودان من سد النهضة ومُتَلاَزِمَاته حول الأتي: تدفق وحركة المياه فى الخزان: كما أن أحد ألأثار الكبري لضخامة السد واجراءت تشغيل خزانه ، أي: (Reservoir Operating Rules) تتمثل في مُتَقَلِّبٌ ومالاَت سد الروصيرص في ظل سد النهضة ، كخفض وظيفة الأخير الحالية ( " كسد تخزين" Storage Dam ، يقوم بضبط فرق التوازن المائي Head خلف السد و بضبط Regulate اطلاق التصريفات المائية أمام السد)، أي خفض وظيفة سد الروصيرص إلى "قنطرة"Barrage لرفع منسوب المياه (أي ضبط فرق التوازن المائي خلف السد) لتوليد الطاقة " لكن ليس لضبط اطلاق التصريفات المائية أمام السد! وستلي ذلك آثار وخيمة على حجم وتباين (تقلباتVariability) الدفق النهري بسبب سد النهضة وال 3 سدود الأثيوبية المتتالية معه: (Karadobi, Mabil & Mendaia Dams) ، ومنها مثلا: ملء خزان سد النهضة بسعة 74 مليار م3 مع تخزين ميت (Dead Storage) بحجم 14.79 مليار م3 وحجز أضافي للمياه فوق التخزين الميت يمثل "مستوي الحد المائي الأدنى الحرج للتوليد الكهربائي الأقصى" (Critical Minimum Level for Maximum Electricity وانقاص الماء بالتبخر الناجم عن السدود المقامة علي روافد النيل الأزرق وعلي نهري الرهد والدندر وتداعيات كل نقص المياه ذلك علي الري وتوليد الطاقة في السودان كما أن كبر حجم الخزان وسحب المياه للري يلحقان أضرار بالغة بامدادات المياه: • بانقاص كمية المياه (Flow Magnitude) الواردة للسودان بسبب: احتياجات أثيوبيا من المياه لمشاريعها الزراعية الطموحة وزيادة فاقد التبخر الناجم مثلا عن سد النهضة والسدود المقامة علي روافد النيل الأزرق وعلي نهري الرهد والدندر وزيادة فاقد تغذية المياه الجوفية (Groundwater Recharge Losses) في السودان ، (تماما كما ما حدث عند تطوير حوض نهر الفولغا) ، مثلا نتيجة فقدانه لفيضانات الرهد و الدندرخاصة في السنوات الأولى للتخزين وهذا بدوره سيقود حتما الي انخفاض ملحوظ في الجريان السطحي والنهري ، وبالتالي الي انقاص الماء المنساب للسودانَ تَأَرْجُح و تَضَعْضَع حقوق السودان المائية وفق اتفاقية مياه النيل لعام 1959، بسبب السحب غير المقيد من أثيوبيا للمياه لمقابلة احتياجات مشاريعها الزراعية الطموحة ، علي سبيل المثال
كما أن الأنسياب المائي في السودان قد يصبح غير مستقر للغاية (Highly Unstable) نظرا للاحتياجات المتقلبة لتوليد الطاقة من ذلك السد، مما قد يتطلب الأمر إعادة تصمم بعض منشئات الري في السودان
أما أعمال التحويلات: كتلك التي وردت مثلا في مقترحات وزارة الداخلية الأمريكية -US DOI- لعام 1952 والتي شملت تحويل (Diversion) لثلاثة من روافد بحيرة تانا في فترة الشحة المائية في حوض النيل وهي: Little Abbai , Reb (Ribb) & The Cumarra ( نضيف هنا أن ذلك كان لفائدة لمشاريع الري الأثيوبية الثلاثة التالية: W.Megech, E. Megech & N. E. Tana Projects) ومن بعدها شرعت أثيوبيا في وضع تلك المقترحات موضع التنفيذ، بدءا بتحويل روافد بحيرة تانا (يمكن للقاري أن يجد تفاصيل أكثر عن هذا الأمر في "شهادتي للتاريخ 8") و كمقترحات شركة سيمنز (SIEMENS) الألمانية التي قالت فيها أن "تصريف بحيرة تانا (البالغ 105 -120م3 في الثانية) يمكن تحويله (طوال العام) بواسطة نفق إلى نهري الرهد وعطبرة لتوليد الطاقة وتطوير الري في المنطقة المرتفعة والممتدة بين بين بحيرة تانا ومدينة المتمة الأثيوبية علي الحدود السودانية" "مع تحويل اثنين من روافد النيل، وهما: • نهرأنديسا(Andessa) ، • ونهردديسا ( Didessa ( "لأغراض الري أيضا لمشروعي : • "الرهد" ، بمتطلبات مائية تبلغ 1.043 مليار م3 • و"الدندر" بمتطلبات مائية تبلغ 1.145 مليار م3 "ولما كانت هذه التحويلات لمشروعي "الرهد" و"الدندر" الأثيوبيين ، هي تحويلات تجري طوال السنة بما في ذلك زمن التدفق المتدني (فترة الشحة المائية في الحوض ) دون أن يصاحبها اطلاق مياه مخزنة للتعويض عن هذه تحويلات ، "فهذه التحويلات ستقود حتما الي: انقاص كمية المياه ، وذلك خصما علي إمدادات الري في السودان ومصر وكلاهما يتستخدمان كامل تدفقات النيل الأزرق زمن تدفقه المتدني" (انتهي) نضيف هنا أن ذلك سيترتب عنه اضافة: تغير هيدرولوجيا النهر تغيرات بالغة في المجري النهري((River Channel، كالتتغيرات الكبيرة في مورفولوجيا النهر بمجمله، خصوصا في توزيع الرواسب الطميية والنباتات،كما حدث عند تطوير حوض نهر الفولغا - عام 1975 تغيرا كبيرا في الجريان السطحي النهري(River Runoff) نظرا لزيادة التبخر وتغذية المياه الجوفية في الأحباس العليا وأضرار متوسطة للتحويلات المائية علي كل من جودة المياه والكائنات الحية (ال Biota)
وهناك أيضا مقترحات "مكتب استصلاح الأراضي الأمريكي" (US Bureau of Reclamation-USBR) عام 1964والتي شملت اقتراح 33 مشروعا مائيا لإثيوبيا منها: • 11 مشروعا هيدرو كهربائي • 4 سدود على النيل الأزرق (Karadobi، Mabil، وMendaia و"مشروع الحدود"(Border Dam ) ،علي الحدود السودانية والذي استبدلته أثيوبيا لاحقا بسد النهضة • 8 مشاريع متعددة الأغراض (Multi-purpose) ، بما في ذلك مشروع ري الدندر (لأستغلال 1.39 مليون فدان قابلة للري) ومع متطلبات مياه سنوية تعادل 1.145 مليارم3 • 14 مشروعا للري، بما في ذلك "مشروع الرهد" الأثيوبي لأستغلال 1.26 مليون فدان قابلة للري ، ومع متطلبات مياه سنوية تعادل 1.043 مليارم3 • بإجمالي مساحة قابلة للري تبلغ (1.07مليون فدان ) ، بينما تبلغ الأحتياجات المائية السنوية لل 33مشروع 6.37 مليار م3 ووفقا لدراسة مكتب استصلاح الأراضي الأمريكي ( دراسة قواريزو وهوتنقتونGuariso, G & D. (Whittington في التسعينات ،سيكون هناك: انخفاض حاد في التدفقات للسودان: "من نهر الرهد (وهونهر - كما هو معلوم - متوسط ايراده السنوي يبلغ 1مليار م 3 بينما يبلغ متوسط تصريفه 30 م3 في الثانية رغم انه بلغ250 م3 في الثانية عام 1908) و"من نهر الدندر (وهو نهر – كما هو معلوم - متوسط ايراده السنوي يبلغ 3 مليار م 3 بينما يبلغ متوسط تصريفه 90 م3 في الثانية رغم انه بلغ860 م3 في الثانية عام 1916)
علما بأن الرهد والدندر يشكلان 7- 8 % من ايراد النيل الأزرق في فترة الوفرة(High Flows ، سبتمبرمثلا) ولا يسهمان بشيء في فترة الشحة المائية (Low Flows ، شهرمايو مثلا) ووفق دراسة "قواريزو" و"هوتنقتون" أيضا: "ستكون هناك آثار وخيمة على حجم وتباين (تقلبات Variability ) الدفق النهري بسبب ال 4 سدود الأثيوبية المتتالية المقترحة وحدها ، مما ينتج عنه : "زعزعة أو تعطيل مخططات السودان للرهد و الدندر ومشروع كنانة "الحد من تغذية المياه الجوفية في السودان نتيجة فقدانه لفيضانات الرهد و الدندر "ومشاكل نقصان المياه في منطقة النيل الأزرق كبح "فيضان النيل الأزرق السنوي على نحو فعال" "خفض الأيراد السنوي الواصل للسودان بنسبة 8.5٪ بسبب السحب للري وفاقد التبخر و"لما كانت هذه التحويلات تجري في فترة الشحة المائية في الحوض (والمعلوم أنها الفترة من يناير الي يوليو) ، فستكون خصما علي إمدادات الري في السودان ومصر وكلاهما يستخدمان كامل تدفقات النيل الأزرق زمن تدفقه المتدني ( انتهي)
وبحلول عام 1998-- كانت إثيوبيا قد وضعت خططا لري 3مليون هكتار(أي ≈ 7.1 مليون فدان) بينما وضع البعض مطالب أثيوبيا المائية لكل مشاريعها في حدود 16 مليار م3(رشدي سعيد— صحيفة اليسار فبراير1997) ، ومطالب إثيوبيا وأوغندا في حدود (18) مليارم3، وفق اصدارية ”الطاقة المائية الدولية وبناء السدود"، كما أشرنا عاليه )Int’l Water Power & Dam Construction, May 1998)
اذا، يمكن اجمال تأثير التحويلات الأثيوبية للمياه لأغراض الري تلك فيما يلي: التأثير الشديد على كمية المياه ، وعلي نظام التدفق (Flow Regime) ,وعلي المجري المائي ، مع تأثير معتدل على نوعية المياه والكائنات الحية تغيير هيدرولوجيا النهر، مثلا: خفض وتغيير في نظام التدفق (سحب المياه للري ، خسائر التبخر الخ…) تغيرات في الجريان السطحي النهري (Runoff) نظرا لزيادة التبخر وتغذية المياه الجوفية( خلف السد، أي في الجانب الأثيوبي)
وأما شق الترع لمشاريع أثيوبيا الزراعية الطموحة فذات : أضرار بالغة ، علي كل من المجري النهري (River Channel) ، مثل ما حدث عند تطوير حوض نهر الفولغا - عام 1975 ، و أضرار بالغة علي الكائنات الحية (ال Biota) و أضرار متوسطة علي كل من كمية المياه الواردة للسودان وعلي جودة المياه
وأما سحب المياه للري فسيكون ذو تاثير سلبي بالغ علي: كمية المياه الواردة للسودان (بانقاصها مثلا) جودة المياه نظام الجريان المائي(Flow Regime) ، بتغيره مثلا صلاحية المياه للأعراض المختلفة ، بما في ذلك مشاكل التلوث
بينما تتمثل أهم الأضرار الناجمة عن مناشط العمران المختلفة (Urbanization) والزراعة والتعدين ، في الأثارالبيولوجية التي تخلفها مثل: الفضلات القولونية التلوث السام الطلب علي الأوكسجين الحيوي BOD))
ثم اضافة لما تقدم، هناك: الأضرار البيئي والهيدرولوجي والهيدوليكي والمورفولوجي السلبي لسد النهضة علي السودان، الناجم عن ، علي سبيل المثال: التغيرات الهيدرولوجية والهيدروليكية في الأحباس العليا (علي الجانب الأثيوبي خلف السد)، وقد فصلناها في الجزء الثالث من هذه الرباعية والتغيرات البيئية في الأحباس العليا (الجانب الأثيوبي) ,ذات الأثر البالغ علي السودان ، وقد فصلناها أيضا في الجزء الثالث من هذه الرباعية لكن ، ما يهمنا هنا هو ما سيقف عثرة أمام تأثيث شراكة دائمة بين سد النهضة وسد الروصيرص واخوته، بمعني أخر: كيف سيضار السودان بهذه التداعيات الجارية في الجانب الأثيوبي من السد؟ دعنا نري:
التغيرات الهيدرولوجية في الأحباس السفلي (الجانب السوداني) وتداعيات حجز مياه النيل الأزرق لمتطلبات توليد الطاقة في أثيوبيا: استخدام الماء لتوليد الكهرباء، سوف يكون له أثر كبير على توقيت التدفقات (Flows) داخل نظام النيل الهيدرولوجي وسيحدث سد النهضة تغييرات عميقة في نظام انسياب النيل الأزرق— تأمل مثلا:
التغيرات البئية في الأحباس السفلي (الجانب السوداني) في التقرير الدولي حول سد النهضة الذي قام بإعداده المقاول الدولي المنفذ للمشروع (شركة "بناة ساليني") وقدمه الجانب الإثيوبى للجنة الخبراء الدولية فى أغسطس 2011، لفتت اللجنة الدولية نظر الجانب الأثيوبي الي أن "التحليل الوارد من شركة "بناة ساليني" لم يتطرق إلى تأثير سد النهضة على المنشآت "الهيدرولوجية" (الأصح أن نقول "الهيدروليكية") فى السودان بما فى ذلك السدود السودانية"! كتحويل سد الروصيرص الي "قنطرة" (Barrage)، وكنا قد خصصنا لذلك حلقة كاملة خفض نسبة "عرض المجري الي عمقه" وزيادة في تعرج المجري (Sinuosity) في الأحباس السفلي
كما أن شركة "بناة ساليني" أخفقت أيضا في تقريرها عن ذكر طبيعة وحجم "التعويق الأضراري" المصاحب لبناء سد النهضة ("Disturbances" or Adverse Impacts) ، علي سبيل المثال التغير الكامل لمورفولوجيا المجري النهري ، كإعادة توزيع الرواسب والغطاء النباتي مما يؤدي الي: تدهور معلمات جودة المياه (الفيزيائية و الكيميائية والبيولوجية) في الأحباس السفلي (السودان ومصر) ، نتيجة: لترديها في بحيرة السد وفي الأحباس العليا(أثيوبيا) : وهناك جوانب بيئية أخري لأضرار سد النهضة بالسودان ، نتيجة لكبح الفيضان ، منها : ضياع "حقوق الطمي"للسودان ، وهي حقوق قد لا يعلم البعض أنها "حقوق قانونية" في "قانون المياه الدولي "، مثلها في ذلك مثل حقوق المياه! ضياع فرصة غسيل الفيضان للأملاح وقواقع البلهارسيا ضياع فرصة قلع الطمي للنباتات المتجذرة وتنظيف وصيانة النظام النهري ضياع ري السهل الفيضي ، مما يعني حرمان الجروف السودانية من المياه والمخصبات الطبيعية ، فمثلا فيضان 1946 غطي 130 الف فدان ، في "حبس شندي" واستفاد السودان من ذلك الفيضان بزراعة الجزء الأكبر من ذلك الحبس تعاظم متطلبات الصحة العامة علي السودان : كضرورة مراقبة ناقلات المرض (Disease Vectors)
ومما سيقوض – أيضا - فرصة تأثيث شراكة دائمة بين سد النهضة وسد الروصيرص واخوته من أساسها، الأضرار علي السودان الناجمة عن تسيس المياه (Hydro Politics)المتمثل في : التحكم في مياه النيل الأزرق بالمنح او المنع والتحكم في نمط التدفق من خلال تغيير: توقيت التدفق (Flow Timing) نمط ترسب الرواسب(Sediment Deposition) ، خفض نسبة طمي الأساس (Bedload Sediment) إلى إجمالي الرواسب الطميية " وزيادة في تعرج المجري(Sinuosity) في الأحباس السفلي
كما أن استخدامات أرضي الحوض (كازالة الغابات ومصارف المياه) ، وكب النفايات السائلة المصاحب للعمران الذي سيطلقة سد النهضة واخوته ذات أضرار بالغة أيضا علي كل من : كمية المياه الواردة للسودان نظام الجريان المائي(Flow Regime) ، كما في حالات تغير نمط الجريان السطحي مثلا والمجري النهري (River Channel) و جودة المياه ، كما في تغيرات حمل الرواسب الطميية مثلا والكائنات الحية (Biota)
أليس في كل ما سبق ايراده عاليه ما يكفي ليقوض فكرة تأثيث أوضاع سوية من أساسها لشراكة دائمة بين سد النهضة وأخوته وسد الروصيرص واخوته من سدود النيل الأخري، تشاد علي العلاقات غير المتكافئة (غير المتوازية وغير المتبادلة) التي تسمهما ؟! لكن – ان كان بقي هناك أحدا من المتشككين في هذه الأضرار وضراوتها -- دعنا ندفع اليه بالمزيد مما يدعثر هذا الوهم لديه من أساسه:
انقاص الماء بسبب احتمال حدوث استغلال جائر وغيرمشروع للمياه من أحد الأطراف المتشاطئة:
"تراجيديا الموارد المشتركة"(أو"مأساة العموم") (“The Tragedy of the Commons) نموذجا :
و"المشترك" (the Commons) هو مورد- مثلا. أراضي أومياه تتقاسمها الدول مع عدد من أصحاب المنفعة المتنافسين الخ… وذلك وفق عقيدة –"الموارد المشتركة" ، ذات الجذور في القانون العرفي الدولي(Customary Int’l Law) الذي تبنته لجنة القانون الدولي للأمم المتحدة، UN International Law Commission, ILC
و"مأساة العموم"(أو "ترجيديا المشترك" ) تمثل نموذجا لعدم كفاءة الموارد المشتركة ، خاصة اذا كنت هذه الموارد "شَرُودٌ جَمُوح" ، ويَصْعُبُ رَدُّهاُ ، أي ما يطلق عليه: ("Fugitive Common Pool Resources) وكان الفيلسوف اليوناني هرقليطس (Heraclitus) قد عبر عن هذه الطبيعة الشاردة للموارد (كالمياه الجارية) في القرن الخامس قبل الميلاد بالقول "انك لا تستطيع أن تستحم في النهر مرتين“! ومن الأمثلة المعاصرة في هذا الشأن ، "حقوق الملكية الخاصة" للأطراف المتشاطئة الفردية كما في حالة "الجرف القاري" ((Continental Shelves ، و أسماك المحيطات ومستجمعات المياه (Catchment) والأنهار الدولية والمياه الجوفية العابرة للحدود وأحواض النفط والغاز والمعادن في قاع البحار وبخار الماء في الغلاف الجوي (في أنشطة تعديل الطقس Weather modification)) والطيف المداري [(Synchronous) Orbit Spectrum] خاصة توزيع "موجات الراديوالمتزامنة عالية التردد" (HF-Radio Frequencies Allocations) وقد جاء تعبير "مأساة العموم"(أو "ترجيديا المشترك") لأنه في الموارد المشتركة ، لن يستفيد أي شريك بتأجيل استخدام المورد ، و بدلا من ذلك يميل إلى الإفراط في الاستفادة منه ، خوفا من أن يستنزف الأخرون المورد قبل ان ينال نصيبه منه، وذلك لأن االفائدة للفرد (او للدولة) دائما تبز لديهما الضرر الجماعي الناجم عن الأستغلال المفرط للمورد المشترك، وبالتالي "الحرية في العموم لا محالة تجلب الخراب للجميع"! "Freedom In A Commons Brings Ruin to All”! وفق مقولة هاردن(Garrett Hardin) الذي صاغ هذا التعبير عام 1986 ( Garrett Hardin, 1968: "The Tragedy of the Commons", "Science" (J.) آية الفئ ("كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ" الحشر 7 )، وتفسير عمر بن عبد العزيز (رض) (720- 717 ) لها:
لكن الكاتب رباح منير شيخ الأرض يشير (في مجلة "الحوادث") ، الي أن عمر بن عبد العزيز كان قد سبق الناس بمفهوم "تراجيدا المشترك" Tragedy of the Commons اذ قال عمر بن عبد العزيز (رض): § "ان الله تعالى بعث محمد اً رحمة الى الناس كافة فترك لهم نهرا (من و سائل الانتاج ) شربهم فيه سواء ( اى لهم حقوق متساوية فيه) ... § فلما ... ولى عثمان ، اشتق من ذلك النهر نهرا § ثم ولى معاوية فشق منه الأنهار ، § ثم لم يزل ذلك النهر يشق فيه .. حتى أفضى الامر الى (أن) يبس النهر الاعظم !(انتهي)
اذا ، فقد رسخ في الأذهان منذ زمن بعيد أنه في حالة الموارد المشتركة والشاردة : لن يستفيد أي شريك بتأجيل استخدام المورد ولكن بدلا من ذلك : يميل كل شريك إلى الإفراط في الاستفادة خوفا من أن يستنزف الأخرون المورد قبل ان ينال نصيبه منه
فمثلا ، في ظل الألتباس الذي يسم "قانون المياه الدولي الموضوعي " (Substantive International Water Law) ، لن تجد أثيوبيا مصلحة في تقييد استغلالها لمياه النيل الأزرق لمقابلة احتياجاتها المائية الطموحة كما رسمها لها الخبراء الغربيون وبذلك تطلق ركلة البدء لمأساه الشيوع في حوض النيل الأزرق وهكذا، تنشأ "صراعات سياسية" خطيرة حول "موارد النيل المشتركة" بسبب الأستخدام غير المقيد للمورد من قبل طرف واحد أو أكثر من البلدان المتشاطئة ، ويترتب من هذا –منطقيا— كما قال "هاردن" أن )الحرية في "العموم" لا محالة مجلبة الخراب للجميع"!) ،
انقاص الماء الوارد للسودان ومصر بسبب الخرق المحتمل للأتفاقات بالسحب الجائر (غيرالمشروع) للمياه " احتمال اقدام أثيوبيا علي تَعطيش دول الأحباس السفلي ، مثلا في أي نزاع سياسي مستقبلي، بحجز المياه (Withheld in Storage)، مثلا بفتح بوابات التحكم في فترة الفيضان واغلاقها فترة الشحة المائية (فبراير الي يونيو) أو في "السنين المجدبة" Low Flows)) علي غرار ما تخوفت منه مصر عند بناء سدي جبل أولياء وسنار ، اغلاق أثيوبيا المحتمل لبوابات التحكم في فترة الشحة المائية ‘ أي السنين المجدبة Low Flows)) سيكون من أثاره ما يلي: تعطش السودان ومصر التأثير علي توزيع الأنصبة المائية وحدود السحب المسموح به، بين السودان ومصر، فمثلا نتيجة لعدم مشاركة السودان في كلفة بناء السد العالي وانطلاقا من المبدأ العام الذي يقول "من لا يشارك في الكلفة لا يجني الفوائد" ، اذا تقلص ايراد النيل في سنة ما الي (65.7) مليار م3 (أو ما يعادل 79% من متوسط ايراد النيل السنوي ) ، كما حدث في عام 1940-1941 ، ستنخفض في المقابل حصة السودان بنفس النسبة ، و لا يستطيع أن يسحب أكثر من ذلك حتي مع وجود وفرة من المياه في السد العالي تراكمت من السنين المخاصيب! ارباك خطط وتصميم إمدادات المياه في السودان ومصر علما بأن خفض انسياب المياه في حبس ما، قد يؤدي اضافة إلى تدهور نوعية المياه
تداعيات انقاص الماء الوارد للسودان ومصر
أثيوبيا لن تكون قادرة علي الأيفاء بوعدها حتي بأطلاق 130 مليون م3 يوميا ، أي ما يعادل 47.5 مليار م3 في السنة ، في اتجاه السودان !، وهورقم أقل بكثير من ايراد النيل الأزرق الذي اعتمدته أثيوبيا عند تصميم سد النهضة والبالغ52.6 مليار م3، ناهيك أن يقوم السد بتنظيم تصريف النيل الأزرق للحصول على دفق مائي أقصي ومضمون (Firm Yield) يمكن التنبؤ به كل سنة، وفق ما يروج له! وبنفس القدر تنقص حقوق السودان المائية التي يكفلها له القانون الدولي للمياه والبالغة 18.5 مليار م3،
القاريء الحصيف يمكن أن يستشف الأن – قبل أن ندفع بالمزيد من الحيثيات - معني غياب فرصة تأثيث أوضاع سوية لشراكة دائمة في المورد المشترك بينهما ، بين سد النهضة(واخوته) وسد الروصيرص (وأخوته في حوض النيل)، اما بسبب تراجيديا الموارد المشتركة"(أي"مأساة العموم")، أو بسبب الخرق المحتمل للأتفاقات بالسحب الجائر (وغيرالمشروع) للمياه !
تبصر أيها القارئ الكريم مثلا في:
فشل سد النهضة "كسد للطاقة" ((Power Dam في توفير الحماية للسودان من الفيضانات ، كمثال ل "لماذا لا يمكن تأثيث أوضاع سوية لشراكة دائمة علي العلاقة غير المتكافئة بين سد النهضة سد الروصيرص وأخوته):
"أي سد تخزين على النيل الرئيسي يمكن استخدامه لحماية مصر من الفيضانات ... ولكن سيكون من الصعب حماية السودان" مكافحة الفيضانات تتطلب استخدام الخزان ل: ضبط التصاريف (Discharge Regulation ، أي خفض تصريف الذروة Peak Discharges) وضبط المناسيب (Level Regulation)
وهذا يتطلب: اما قدرات تفريغ ((Discharge Capacities ، كبيرة بما فيه الكفاية لتمرر معدلات تدفق الذروة بأمان (في الأحباس المختلفة) أمام السد ، أوخزن المياه في مكان ملائم وكبير بما فيه الكفاية لخفض ذروة الفيضان لأرقام آمنة علي أن يكون الخزان فارغا معظم الوقت وأن يتم الأفراغ عبرالمفيض (اوعبرقناة التصريف أو بوابات التحكم ) بأسرع ما يسمح به المجري أمام السد (في السودان)
وعموما ، هناك نوعان من الخزانات: خزانات التخزين:(Storage Reservoirs) حيث التصريف من خلال بوابات التحكم(Adjustable Gates) وتكمن ميزتها في مرونة التشغيل، ثم هناك: خزانات الاحتجاز: (Detention Reservoirs) حيث الخزان فيها يعمل تلقائيا بالتصريف عن طريق فتحات ثابتة (Fixed Openings) مع وجود مصرف طوارئ (Emergency Spillway) للتخلص من الجريان السطحي (Runoff) الذي يفوق "الفيضان التصميمي (Design Flood) "
أما بالنسبة للحد من اضرار الفيضانات ، فهناك نوعان من السدود: سد الطفح Overflow Dam))على سبيل المثال سد توليد الطاقة ( Power Dam) كسد النهضة، وهذا النوع من السدود لا يعول عليه كثيرا في كبح جماح الفيضانات ، كما أشرنا في الحلقة 11 من هذه الدراسة الموسعة والسد المعوق(Retarding Dam ) كحال معظم سدود ضبط (السيطرة علي) الفيضانات Flood Control Dams: وهو النوع الوحيد من السدود الذي يفي بالغرض حين تكون مكافحة الفيضانات ضرورية ، أي الذي يمكن الاعتماد عليه لحجز مياه الفيضانات و يتطلب الأمرتوفر خزان كبير بما فيه الكفاية لخفض ذروة الفيضان لأرقام آمنة ، وضبط المناسيب في الأحباس السفلي
وهكذا بفشل سد النهضة "كسد للطاقة" (Power Dam في توفير الحماية للسودان من الفيضانات، تغيب فرصة أخري لتأثيث أوضاع سوية لشراكة دائمة بين سد النهضة وسد الروصيرص وأخوته!:
التناقض المكاني والزماني بين التوليد الكهربائي والحماية من الفيضانات: مثال أخر ل "لماذا لا يمكن تأثيث أوضاع سوية لشراكة دائمة علي العلاقة غير المتكافئة بين سد النهضة سد الروصيرص وأخوته:
"الخرطوم تعرف منافع هذا السد بالنسبة اليها، لأنه لن يحدث بعد بنائه أي فيضان لنهر النيل..." (مليس زناوي قي الأهرام اليوم12-5-2011 نقلا عن الحياة اللندنية)
بيان رئيس وزراء أثيوبيا السابق يوحي بأن سد النهضة "سد معوق" ((Retarding Dam ؟ اذ أن ذلك – كما أشرنا عاليه - هوالنوع هو الوحيد من السدود الذي يمكن الاعتماد عليه لحجز مياه الفيضانات القراءة السريعة لحجم سد النهضة (74 مليار م3) تصب في اتجاه أنه سد مثالي لحجزمياه الفيضان: وكما أشرنا من قبل ، فان الحجم الهيدرولوجي للسد هو أكثر أهمية من الحجم المطلق (Absolute Size): فبينما الخزانات صغيرة الحجم الهيدرولوجي: [Capacity/Inflow<50%] : كسد الحدود Border Dam (C/I =15 %) أو كسد الروصيرص C/I =10.8% ) ( تريق جزء كبير من الفيضانات(Spills Large Part of Floods) نجد أن الخزانات كبيرة الحجم الهيدرولوجي (C/I>50%) كسد النهضة (C/I =147% ) لا تريق الا القليل من (مياه) الفيضانات! (Spills only Small Part of Floods) مما يعزز قدرة سد النهضة في حجزمياه الفيضان- ان كان سد النهضة "سدا معوقا" اريد به ضبط (السيطرة علي) الفيضانات. i.e. Flood Control Dam))، و الراجح في هذه الحالة هو أن أثيوبيا ستطالب السودان ومصر بثمن توفيرها لهم هذا القدر من الحماية من الفيضانات كما فعلت كندا مع الولايات المتحدة! لكن بالطبع سد النهضة ليس سدا معوقا" (Retarding Dam ، يهدف ضمن ما يهدف من الأغراض للسيطرة علي الفيضانات) ، بل هو "سد طاقة" (Power Dam ) كما تؤكد أثيوبيا ذلك مرارا وتكرارا، أي "سد طفح" (Overflow Dam)، كحال معظم سدود توليد الطاقة تخصص كل سعته وتصمم اجراءات تشغيله لذلك الغرض! وهنا تتبدد أمال السودان في الحماية من الفيضانات ! لماذا؟ دعنا نذكّر بمتطلبات توليد الطاقة الكهربائية: التوليد الكهرومائي يعتمد على: تأمين أقصي فرق توازن مائي (Head) في جميع الأوقات، ابقاء المياه تحت الحدالتشغيلي الأدني (Minimum Operating Head) لفرق التوازن المائي للحفاظ على الضغط اللازم لتشغيل التوربينات توفرالمياه في الأوقات المواتية لتولد الطاقة إبقاء الخزان مَلآن معظم الوقت لزيادة تدفق تيار خلال انخفاض الجريان السطحي (وهذا أيضا من متطلبات الري، ومياه المدن والملاحة) التفريغ السريع للخزان (أي خفض منسوب المياه ) عند توليد الطاقة السحب الممنهج للمياه لتوصيلها للتوربينات وعليه في هذه الحالة سيكون هناك تناقض بَيِّنُ ، بين هدف التوليد الكهربائي الجوهري وأغراض الخزان الأخري وعلي رأسها الحماية من الفيضانات كقيمة مضافة تبشر بها أثيوبيا ، اذ أن السيطرة القصوي على الفيضانات من خلال السد المعوق تتطلب: أن يكون الخزان فارغا معظم الزمن لا مَلآن كما يتطلب التوليد الكهربائي وأن يتم الأفراغ لمياه الفيضان عبرالمفيض (اوعبرقناة التصريف أو بوابات التحكم ) بأسرع ما يسمح به المجري في الأحباس السفلي (أمام السد في السودان) ، لكن مثل هذا التفريغ السريع: أمريتناقض مع أغراض الري الذي يريد سحبا تدريجيا للمياه ، و ضار بالسدود الركامية (كسد النهضة السروجي) وأيضا ضار بصغار السماك كما أن تفريغ المفيض لمياه الفيضان في حد ذاته هو خسارة بالغة للمياه المرصودة للتوليد الكهربائي!
ان لم يكن كل ذلك كافيا، فتبصر في الأتي: السودان وأمانيه للطاقة "تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" (البقرة )111)
الربط الشبكي للكهرباء -- كمثال أخر ل "لماذا لا يمكن تأثيث أوضاع سوية لشراكة دائمة علي العلاقة غير المتكافئة بين سد النهضة سد الروصيرص وأخوته:
ماذا ينشد السودان - الأن ومستقبلا - من الربط الشبكي للكهرباء مع دول الجوار كأثيوبيا؟ سقف طموحات السودان -- وان شئت فقل أمانيه - فى تأثيث أوضاع سوية لشراكة دائمة في الربط الشبكي للكهرباء مع دول الجوار- تتمحور حول الأتي:
تعظيم الاستفادة الكهرومائية، على سبيل المثال من خلال زيادة الخيارات البديلة لموضعة مثلي لمحطة توليد الطاقة ، لكيلا تصبح كل قدرة "الشريك الربطي" (كالسودان) للتوليد ، مقصورة علي "داخل أراضيه" ( أو علي موقع لم يختار علي أساس أفضل المواقع في الرقعة الجغرفية لمجمل الشركاء قاطبة) : وهذا أمرجوهري ، ومن أهم مزايا الربط الكهربائي والتي أجهضتها أثيوبيا بموضعة سد النهضة في أرض بني شنقول السودانية أصلا وفق مصالحها السياسية والبيئية غير مبالية بما ينجم عن ذلك من أضرارمرشحة لتصيبن السودان في مقتل ، قرار أثيوبيا الأحادي الطرف بتوطين سد النهضة في أرض بني شنقول يحرم شركة الكهرباء السودانية -- التي دخلت في شراكة مع هيئة الطاقة الكهربائية الإثيوبية عبر الربط الكهربائي -- من فرصة تخطيط كل مشاريعها على أساس أرشد المواقع في حوض النيل الشرقي، (طبوغرافيا، وجيولوجيا ومائيا )، بغض النظر عن في أي دولة شريكة في الربط يتم أختيار موقع محطة التوليد)!(في أمريكا يدرسون طلبة مرحلة الأساس أن أهم ثلاثة اعتبارات في أي استثمار انشائي - سدا كان أو منزلا – ترتيبها كالتالي وفق أهميتها: "اولا الموقع ، وثانيا الموقع وثالثا الموقع"! ، لينشأ الفرد منذ الصغر مدركا لأهمية الموقع أيا كان - فتأمل !)
تأثيث أوضاع سوية لشراكة دائمة في الربط الشبكي للكهرباء مع دول الجوار تتطلب أيضا: التفاضل و التكامل بين شبكة يهيمن عليها التوليد الكهرومائي (كالسودان) واخري تهيمن عليها النظم الحرارية (كمصر أوليبيا أو السعودية)، والاستفادة من تباين الأنظمة السنوية الحرارية والمائية ، حيث أنه في عام 2011 كانت نسبة توليد الطاقة في دول الجوار الأربعة المحتمل الربط معها كالأتي: 8.6 بليون" كيلووات- ساعة" للسودان، لتوليد الطاقة الكهربائية بنسبة (75.2) % من شبكته لتوليد الطاقة الكهرومائية ، (مع 24.8 % حراري) و5.2 بليون" كيلووات- ساعة" لأثيوبيا، لتوليد الطاقة الكهربائية بنسبة 99 % من شبكتها لتوليد الطاقة الكهرومائية ، (مع 0.6 % طاقة متجددة، و0.4 % حراري) و156.6 بليون" كيلووات- ساعة" لمصر لتوليد الطاقة الكهرومائية بنسبة 8.3 % من شبكتها(مع74.7 % غازي، و15.8 % حراري و 1.3 طاقة متجددة) و27.6 بليون" كيلووات- ساعة" لليبيا لتوليد الطاقة لتوليد الطاقة الكهربائية بنسبة صفر % من شبكتها لتوليد الطاقة الكهرومائية (مع 0.6 % طاقة متجددة، و0.4 % حراري) " (250.1) بليون "كيلووات- ساعة" للسعودية لتوليد الطاقة الكهربائية بنسبة صفر % من شبكتها لتوليد الطاقة الكهرومائية (مع ( % 48.3) منها غازي و 26.5 % حراري)
وكمثال للاستفادة الممكنة من تباين الأنظمة السنوية الحرارية والمائية بين دول الجوار هو أن : تقوم الدولة ذات التوليد المائي المهيمن في فترة شح الأيراد المائي بتوفير توليد الذروة، في حين تقوم الدولة ذات التوليد الحراري المهيمن بتوفير الحمل الأساسي لشريك الربطSystem Base-Load وتقوم الدولة ذات التوليد المائي المهيمن في فترة الوفرة المائية لمياه، بازاحة التوليد الحراري الأكثر تكلفة في النظام المترابط
أما أمال السودان الأخري من أي ربط كهربائي ، فتشمل فرصة : خفض حجم التوليد الحراري امداد المناطق النائية (ككسلا وبورتسودان وحلفا) بالكهرباء من دول الجوار بناء محطات " توليد ذروة"( Peak Power Plants) مشتركة ، على سبيل المثال محطات "التخزين الضخي" (Pumped Storagee Plants) زيادة مرونة ووثوقية وأمن نظام التوليد (System Reliability& Security) من خلال الحفاظ على مستوى مناسب من الوثوقية مع أقل "احتياطي توليد" وتحسين "الاعتمادية" من خلال تنسيق تخطيط العمليات زيادة فرص تحقيق التشغيل اليومي الأمثل لمحطات توليد الكهرباء وللنظام بمجمله تبني أكثر العمليات اقتصادا من خلال استخدام "الوحدة الأكثر اقتصادا (Most Economic Unit)" جني ثمار "اقتصاديات الحجم الكبير" (Economies of Scale)- وخفض كلفة "سعرالوحدة" باستخدام المعدات الكبيرة ومن خلال استخدام خطوط نقل ذات سعات كبري تقاسم الاحتياطي المطلوب لتغطية حالات الطواريء الوفر في الأحتياطي التشغيلي في كل من الأحتياطي الدروري(الدواميSpinning Reserve) وغير الدروري(الدواميNon-Spinning Reserve) ، الناتج عن تقاسم الاحتياطي الوفر في الأحتياطي المثبت(Installed Reserve) بسبب الخفض في القدرة المركبة (Installed Capacity)الناتج عن التنسيق في تخطيط القدرة وتقاسم القدرات بين أطراف الربط الكهربائي تنوع الحمل (Load Diversity) - وبالتالي الوفر الناجم عن خفض متطلبات القدرة التي تنتج عندما تصل النظم المترابطة لحمل الذروة (Peak Load ) في أوقات مختلفة - موسميا، أسبوعيا، يوميا وفي كل ساعة تنسيق الصيانة -- وبالتالي الوفر من الجدولة المثلى لها بعيدا عن انقطاع التوليد للصيانة خفض تكاليف التشغيل من خلال بالتعاون الفعال مع الشريك الشبكي ، مثلا عن طريق: تشغيل المزيد من محطات التوليد ذات "التكلفة الحدية" المنخفضة خفض التكاليف الثابتة المرتبطة بالقدرة الاحتياطية (ٌReserve Capacity)
السؤال المحوري هنا : هل هذه المزايا التي ينشدها السودان متوفره في الربط الشبكي للكهرباء مع أثيوبيا؟ دعنا نري:
معايير وعناصر النجاح المفقودة في الربط الكهرومائي مع أثيوبيا : مثال أخر ل "لماذا لا يمكن تأثيث أوضاع سوية لشراكة دائمة علي العلاقة غير المتكافئة بين سد النهضة سد الروصيرص وأخوته:
عموما، فان الربط بين أنظمة التوليد الكهربائي يكون الأكثر فائدة عندما تكون بنائية (هيكلية ) الشبكات مختلفة سواء في التوليد او الأستهلاك لكن قبل الدخول في أيا من الروابط المحتملة مع دول الجواركأثيوبيا أو مصر أو ليبيا ، علي المرء ان يتحري تحديدا من توفرعدة عناصر منها: مشاركة تقنيات توليد مختلفة ((Fuel Diversity ،كالماء والنفط والغاز والفحم وغيرها ) في الربط الكهربائي ، التكامل (Complementarities) بين شبكة مائية الهيمنة (Hydro Dominant) كالسودان (أو أثيوبيا) واخري حرارية الهيمنة (Thermal-Dominant System) كمصر (أوليبيا) ،هو الأمثل، اذ أن سلبيات ربط السودان- المتسم بهيمنة مائية بنسبة (75%)، مع دولة ذات هيمنة مائية بنسبة 95% كأثيوبيا ستتمثل في الأتي: تدفق تيار متغير - ينتج عنه توليد يتقلب موسميا أو سنويا "عبء النقل" (Transmission liability) ، أي زيادة التكاليف السنوية للسودان نظرا لطول خطوط النقل وانخفاض نصيبه من الطاقة المكبوتة بقلة الأيراد، والمبددة من قبل نظام النقل تأثيرصراعات استخدام المياه في الخزانات الأثيوبية علي حجم التوليد الممكن منها، وهو أمر تناولناه باسهاب في الحلقة التاسعة من هذه الدراسة
لكن بالمقابل فان التكامل الأمثل في حوض النيل بين شبكة مائية الهيمنة (Hydro Dominant) كأثيوبيا واخري حرارية الهيمنة (Thermal-Dominant System) كمصر ،تقف دونه عقبات متعددة: فأن دولة مائية الهيمنة كأثيوبيا قد تكون فكرت مليا قبل قبول فكرة الربط مع دولة حرارية الهيمنة كمصروالتضحية بوثوقية نظامها الكهرومائي المستقل System Reliability)) ، في مقابل مكسب اقتصادي! . ووفق التقاير المنشورة فستكون خطوط ربط السودان وأثيوبيا بجهد (230/220 KV) بينما خطوط ربط أثيوبيا بالسودان ومصر فبجهد(500KV AC and 600KV DC) وتتمثل وثوقية النظام الهيدرومائي تلك التي قد يضن بها السودان عن الدخول في ربط كهربائي مع دولة حرارية الهيمنة بنسبة 100% كليبيا -- (أو تدفع بأثيوبيا بأن تفكر مليا قبل قبول فكرة الربط مع دولة حرارية الهيمنة كمصر) ، تتمثل وثوقية النظام الهيدرومائي تلك بمعناها العريض في الأتي: • قدرات ذروة (Peaking Capacity) ممتازة • توفر وقود غير ملوث وحياة طويلة تصل إلى 100 عاما • مدى عريض لفرق التوازن المائي (Head Range) محتمل للتوربينات يبلغ 1 - 1500 متر • تحسين "عامل حمولة النقل" وجودة (نوعية) ادارة عملية الذروة ، وقدرة النظام الهيدرومائي في تتبع الطلب بشكل وثيق جدا، على غرار توربينات الغاز • وعلى عكس المولدات الحرارية، فان التوليد المائي يعطي التحذير من أي خلل بوقت كاف مقدما
ومن عناصر النجاح الأخري التي ينبغي توسّمها أيضا في أي مشروع للربط الكهربائي، لكن يبدو أنها مفقودة بين السودان ودول الجوار التي ينشد الأرتباط بها الأتي: "سرعة نمو" متقارب للأحمال ، وتوفرخصائص مختلفة لبنية الأحمال Load Characteristics/Consumption Structures كالتنوع في (وقت) ذروة الأحمال وفي عامل تنوع الذروة (Peak Diversity Factor, PDF) (و الذي يعادل نسبة أقصي طلب للمستهلك ، لطلب المستهلك في وقت الذروة) وفي عامل التحميل السنوي (Annual Load Factor)
كل ما سبق يشير بوضوح الي أنه لا يمكن تأثيث أوضاع سوية لشراكة دائمة في مجال الربط الشبكي الكهرومائي بين سد النهضة وسدود الأحباس السفلي في السودان ومصر وذلك بسبب العلاقة غير المتكافئة بين تلك السدود، لكن دعنا ندفع بمزيد من الحيثيات في هذا الشأن عسي أن يقتنع من لم يكن مدركا لكل هذه الجوانب العصية في الربط الكهربائي
"قواعد تشغيل خزان سد النهضة" ، مثل أخر ل "لماذا لا يمكن تأثيث أوضاع سوية لشراكة دائمة علي العلاقة غير المتكافئة بين سد النهضة من جانب ، وسد الروصيرص وأخوته في الطرف الأخر:
وذلك بسبب، ما تنطوي عليه "قواعد تشغيل خزان سد النهضة" (Reservoir Operating Rules) من تناقضات داخلية وتصادمات يفرضها "نظام التسلسل الاجتماعي" وسنخصص لها حلقة حصرية ان شاء الله لمزيد من الأيضاح ، خاصة وأنه قد تكون هذه القواعد هي الأن الملجأ الأخير للسودان ومصر لخفض وتيرة أضرار سد النهضة البالغة!
دعنا نستهل أمر قواعد تشغيل الخزان بالأشارة في عجالة الي تباين أغراض الخزانات في كل من السودان وأثيوبيا:
"أي دولة عندما يكون لها مصالح ، ستفكر بطريقة أنانية حتي علي حساب الأخرين" (بطرس غالي في برنامج "شاهد علي العصر"- قناة الجزيرة في 2-11-2014)
فأغراض السودان نفسه من بناء سدوده تتفاوت فيما بينها، ناهيك عن تتناقضها مع أغراض أثيوبيا من بناء سدودها فمثلا: في خزاني سنار والروصيرص الغرضين الأساسين هما: ضبط النهر (River Control) والري اما توليد الطاقة الكهرومائية ، فلم يكن في البدء الا غرضا ثانويا، أي أن تولد الطاقة خاضع لمتطلبات الري وفي خزان خشم القربة، كان الغرض الرئيسي هو الري ، بينما توليد الطاقة شكل غرضا ثانويا أما في حالة سد مروي فقد كان الغرض الرئيسي هو الطاقة
ومن الممكن تصورتدرج أغراض إثيوبيا من تشييد خزاناتها ، بدءا بأهمها (أي ال Merit Order) ، علي النحو التالي: انتاج الطاقةالكهربائية الري - بزيادة تدفق النهر الطبيعي خلال موسم الشحة من خلال حجز المياه الفائضة خلال فترة الفيضانات الحماية من الفيضانات وفق ثلاثة شروط قاسية علي أثيوبيا: § الأحتفاظ -- في بداية الفيضان -- بسعة (حيز) تخزيني كبير (Flood Control Storage) بحيث يكفي لخفض ذروة الفيضان § ابقاء هذا الحيز التخزيني للفيضان دائما متاحا في "الوقت الحرج" § علي ألا تقلل (هذه الحماية من الفيضان) من انتاج الطاقة الكهرومائية—هدف السدود الأثيوبية الأساسي وفق ما تقول به تلك الدولة ! لكن لماذا علي المرء أن يعتقد أن أثيوبيا ستعير اهتماما لغير مصالحها (استحضر هنا مقولة بطرس غالي)، بمعني :من يضمن أن أثيوبيا ستعيد ترتيب اولياتها في اجراءت تشغيل الخزان (Reservoir Operating Rules ، مثلا : لتوفير الحماية من الفيضانات للسودان علي حساب توليدها للطاقة الكهرومائية ؟أو في مثل القضايا التالية: حقوق المياه للمشاطئة الأخرين (السودان ومصر) متطلبات التخزين للتحكم في الفيضانات اعتبارات سعة المجري في الأحباس السفلي (السودان ومصر) اعتبارات متطلبات الملاحة وجودة المياه في الأحباس السفلي(السودان( رعاية مصالح المشاطئة الأخرين(السودان ومصر) في توزيع حيز الخزان
صعوبة أو استحالة الأيفاء بهذه الشروط عاليه تبدو واضحة ، لكنها ستصبح أكثر وضوحا كلما واصلنا تقصي الأمر هنا:
أغراض مشروع سد النهضة:
أغراض أي سد مرتبطة بنوع السد ، وهناك 5 أنواع أساسية من السدود، لكن ما يهمنا هنا هو: سدود الطاقة (الكهرومائية Power Dams) ، كسد النهضة ، وفق ماهو راجح مما رشح حتي الأن من المسؤلين الأثيوبيين) ، ودورها الأساسي هو تركيز فرق التوازن الهيدروستاتيكي (Head) عن طريق رفع منسوب النهر وليس مطلوب منها بالضرورة "التخزين" الذي يأمل فيه السودان! اذا ، ماذا يأمل السودان - الأن ومستقبلا - من أن توفره له قواعد تشغيل الخزانات الأثيوبية تحت هذه الظروف؟ بالنسبة للتخزين (Storage)، يأمل السودان : أولا ، ألا تتعارض قواعد التخزين في الخزانات الأثيوبية مع استغلال السودان الكامل لنصيبه من مياه النيل ثانيا، يأمل السودان ليس فقط عدم حجب المياه عنه في فترة التحاريق (Low Flows)، بل أيضا زيادة التصريفات المتدنية (Low Flows) المارة عبر المواقع المختلفة حتي يمكن استخدام تلك الزيادة للحفاظ على الحد الأدني للتصريف على النيل الرئيسي وذلك لزيادة القدرة المؤكدةFirm Power شمال الخرطوم في الروصيرص وسنار ومروي الخ…لكن هيهات! فعموما "سدود التخزين" – لا "سدود الطاقة" كسد النهضة – هي التي تستطيع زيادة التصريفات المتدنية (Low Flows) المارة عبر الأحباس المختلفة الي مواقع محطات التوليد المختلفة ! و بالمقابل –تتبدد أحلام السودان أكثر عند تذكر أن حبس المياه في سد النهضة واخوته من السدود الاثيوبية يعطي فرصة أكبر للتبخر لان الخزان قد يكون ممتلئا في غالب الاوقات تحت ظروف تشغيل معينة وبالتالي خفض الماء المتوفر للري والتوليد الكهرومائي في السودان ومصر، وقد كان التقرير الإثيوبى المقدم إلى اللجنة الثلاثية الدولية أشار الي النقصان المتوقع في "امدادات المياه التى تصل إلى بحيرة ناصر وانعكاسها سلبا على توليد الطاقة فى السد العالى بنسبة تصل إلى 6% "! فمن الواضح --- اذا ، وفق اقرار أثيوبيا نفسها – أنه سيتزامن مع نقص المياه الواردة للأحباس السفلي، خفض للتوليد الكهرومائي في مصر -وفي السودان أيضا ربما بنفس النسبة- لا زيادة التوليد الكهرومائي في الروصيرص وسنار ومروي كما زعم البعض ! ( مصر تقدر الخفض بنسبة بنسبة 25 الى 40 في المئة وفقا لتقديرات خفض منسوب المياه في بحيرة السد العالي أثناء بناء السد، وكل ذلك بالطبع بناء علي تكَهُّنات عن فترة ملء خزان سد النهضة التي لم ترد اثيوبيا الأفصاح عنها حتي الأن رغم أن هناك اشاره في ميثاق الخرطوم بأنها ستتشاور حولها مع السودان ومصر!وهو ما لم تفعله حتي الان)!
أما بالنسبة للري—أهم استخدامات مياه النيل للسودان فتتمحور أماني السودان في: أن توفرقواعد تشغيل خزان سد النهضة ، مياه الري الكافية ليس فقط للمشاريع الزراعية القائمة ، بل لتوسع السودان الزراعي في اطار حقوقه المائية وفق اتفاقية مياه النيل لعام 1959 مع توفر حد مائي أدنى لمنسوب بحيرة سد الروصيرص ، من أجل السماح بالضخ من الخزان للري ، وبالنسبة للكهرباء تتمحور أماني السودان في: أن توفرقواعد تشغيل خزان سد النهضة ، مياه مياه كافية لتوليد الطاقة الكهرومئية لأجل متطلبات التنمية الأقتصادية o لكن الطاقة الكهرومائية المولدة هي نتاج لتوفر ثلاثة عوامل: • سرعة التوربينات في الدوران، والتي بدورها تعتمد علي: • فرق التوازن المائي (Head) المتوفر(أي الفرق بين منسوب المياه في الخزان والتوربينات) • و تصريف التوربينات (Turbine Discharge ، أي حجم المياه المتدفقة عبر التوربينات) • اذا، فأي نقصان في تصريف التوربينات أو في فرق التوازن المائي – كما هو متوقع- سيخفض سرعة التوربينات في الدوران وبالتالي حجم الطاقة المائية المولدة
وبالنسبة للحماية من الفيضانات تتمحور أماني السودان في أن توفرله قواعد تشغيل خزان سد النهضة: تأمين حيز(طاقة تخزينية) كافية عند بداية الفيضان تكفي لخفض ذروة الفيضان والتحكم في الفيضانات ومراعاة اعتبارات سعة المجري في الأحباس السفلي عند اطلاق المياه لدول الأحباس السفلي
وبالنسبة للملاحة تتمحور أماني السودان في أن توفرله قواعد تشغيل خزان سد النهضة: سرعة تيار غير عالية منسوب المياه في الخزان يامن عمق للمياه فوق الحد الأني من التصاريف لمقتضيات الملاحة في الأحباس السفلي
وبالنسبة لمياه الشرب تتمحور أماني السودان في أن توفرله قواعد تشغيل خزان سد النهضة: حد أدنى من تصريف المياه لضمان جودة المياه
وبالنسبة للأنسياب المستقرللنيل الأزرق: فأن قلة بوابات التحكم فيه (Bottom Sluiceways ،(2 في مقابل 5 عند بدء سد الروصيرص) ستحد من قدرة سد النهضة في تغير توزيع المياه زمنيا بتغيير نمط التدفق ، كما أن قوانين تشغيل السد المتوقعة سوف يقيدها واقع التباين الحاد في تصريف مياه النيل الأزرق ، بينما هي أكثر طلاقة في السد العالي، حيث نهر النيل منضبط نسبيا عند اسوان وكل هذا السقف العالي من المتطلبات السودانية يشكل قيودا صارمة علي تشغيل سد النهضة (ومن ورائه الخزانات السودانية) وليس بوسع أثيوبيا الأستجابة لها في ظل مقولة بطرس غالي بأن "أي دولة عندما يكون لها مصالح ، ستفكر بطريقة أنانية حتي علي حساب الأخرين"!
ماذا (كان) بوسع أثيوبيا أن تأتي من تدابير لتخفيف حدة التناقضات بين أغراض الخزان المختلفة بعد أن أخطأت في اختيار الموقع المناسب للسد، لتعطي السودان أملا في مقابلة بعض متطلاباته؟ في مرحلة التخطيط كان عليها : اختيارسعة الخزان المثلي بعد أن أخفقت في اختيار الموقع السليم! في مرحلة التشغيل: سيكون عليها: ادارة الخزان وفق فقه الأسبقيات(Priorities) والتي يحكمها: الموقع حقوق المياه الأقليمية المطالب النسبية لمختلف المستخدمين المحليين الأعتبارات السياسية والقانونيىة الأعتبارات الاجتماعية والثقافية والظروف البيئية والان، ان كانت هذه الشراكة غير المتكافئة محكوم عليها بالأخفاق دون أي أمل في نجاح ، هل من سبيل أخر؟ بمعني أخر: هل كان من الممكن أصلا تأثيث أوضاع سوية لشراكة دائمة بين سدود حوض النيل، في المورد المشترك بينهما ؟ نقول :أجل!
، كان يمكن تأثيث أوضاع سوية لشراكة دائمة من خلال توسيع "رقعة الملعب"، بالتخطيط علي مستوي الحوض بكامله ، لا الأنكفاء علي الحدود القطرية"! دعنا نفحص الحل المثالي الذي أجهضه ىسد النهضة :
مشروع سد النهضة (واطار عنتبي) – ك "القانون" في تعبير الفقيه فازنبيرغ — كان ينبغي أن يكون "ممارسة (تمرين) لأرساء استقرار النظام المائي لحوض النيل بمجمله ، و لعقود قادمة، وليس السعي المضني وغير المجدي لفرض زيجة قسرية بين مشروع أحادي -- ما مهما بلغت أهميته -- وسدود النيل القائمة! فأثيوبيا وهي تختار سد النهضة كان أمامها خيار تبني نهج"الوحدة الهيدرولوجية" أي بمعنى " تجاهل" الحدود السياسية وتطوير خطة متكاملة للرقابة وضبط حوض النيل الأزرق ، كما هو الحال في : "سلطة وادي تينيسي (TVA)" في الولايات المتحدة الأمريكية سلطة المياه الأقليمية(RWA) في المملكة المتحدة و"التعاونيات الألمانية (Genossenschaften)" و"شركة وادي دامودار" (الهندية (Damodar Valley Corporation –DV )
نموذج " سلطة ادارة الوادي" (Valley Authority) ، المشار اليه عاليه يعني التخطيط الإقليمي المركز حول الحوض المائي، حيث وحدة التخطيط والإدارة هي الحوض النهري، وكانت “سلطة وادي تينيسي" TVA)) هي الرائدة في ذلك في عام 1933، من خلال أنشاء مؤسسة حكومية،علي درجة عالية من الأستقلالية، ومسؤولة مباشرة للحكومة المركزية (للرئيس الأمريكي)، مع صلاحيات التخطيط وإنشاء وتشغيل مشاريع متعددة الأغراض وولاية واسعة للإنماء الاقتصادي والاجتماعي ، (رغم أن النموذج يفتقرالي التنسيق مع الأدارة الوطنية للري والموارد المائية ، أو مع أصحاب المصلحة من مستخدمي المياه ( النموذج الأخر الذي سار في نفس الأتجاه هو نموذج "مؤسسة وادي دامودار" الهندية (Damodar Valley Corporation), التي انشأت عام 1948، لتعزيزالتنمية الاقتصادية، والصناعية والأجتماعية، والتعليمية و الصحية في وادي دامودار الهندي
لكن من الواضح اذا أن أثيوبيا استبعدت هذا الخيارمنذ البدء جريا وراء أهدافها السياسية وانحيازها للخيار الوطني ("أثيوبيا فيرست"!) وغضت الطرف عن أهمية التنمية علي نطاق الحوض المائي: فماذا خسرت دول الحوض من مفارقة أثيوبيا – ومن قبلها مصر- لفكرة الوحدة الهيدرولوجية لنهر النيل ؟
الخيار الذي ارتضته أثيوبيا تحت نموذج التطوير القطري المغلق نسبيا والمعزول والمتسم بتشظي الولاية السياسية (Divided Political Jurisdiction) وغير المنسق مع دول الجواركما تريده أثيوبيا الان (حيث علي كل بلد تشييد وتشغيل جميع مواعين "التخزين السنوي" و"التخزين المستمر" اللازمة لتنظيم حصتة من المياه، هو حتما: أقل فائدة للجميع من خيار نهج"الوحدة الهيدرولوجية" بل و من أي مخطط أكثر تواضعا لكن منسق اقليميا ، لأستغلال موارد الحوض وسيكون متوسط الأيراد المائي المتاح في ظل الخيار الوطني أقل منه في ظل نهج"الوحدة الهيدرولوجية" ، كذلك: سوف يكون متوسط الفقد المائي في ظله أكبر و تضيع فرصة "اقتصاديات الحجم الكبير" التي ينطوي عليها نهج"الوحدة الهيدرولوجية" أو خيار التنسيق الأقليمي كما أن "التنمية المجزأة لموارد الحوض" – كما ابتدرتها مصر من قبل ، وتفعلها أثيوبيا الأن -- دون خطة رئيسية وموحدة الأدارة -- تتعارض مع الاستخدام الفعال لموارد النهر:بمعني أن النظام من الناحية الفنية غير كفء! واثيوبيا باجهاضها أيضا "مشروع بحيرة تانا الموسع" الذي اقترحه " السودان ، تكون أيضا قد هدمت خطة وادي النيل لعام1959 وفق نموذج ادارة النهرعلي أساس وحدته الهيدرولوجية، وفارقت فكرة التطوير الشامل لموارد النيل المتمثل في: الأستغلال الأمثل لأجمالي التدفق المائي Total Flow Exploitation والأستغلال الأمثل لأجمالي فرق التوازن المائي Total Head Exploitation وخفض فواقد التدفق المائي Flow Loss Reduction فمنذ ثلاثينيات القرن الماضي شدد المخططون الأمريكيون علي أهمية التخطيط للأحواض (مستجمعات المياه) النهرية (Drainage Basins) كوحدة واحدة (as Single Hydrological Unit)، وهو تصور منطقي من وجهة النظر البيئية والاجتماعية والاقتصادية
السودان كان قد وضع مثل هذه السياسة موضع التنفيذ في "خطة وادي النيل"( Nile Valley Plan) كمساهمة عالمية منه في عالم المعرفة في مجال تنمية الأنهار ، والهدفان الرئيسيان للخطه كانتا : توليد الطاقة الكهرومائية من كل المواقع علي نهرالنيل توفير أكبر قدر من الامداد المائي الموثوق به لجميع ساكني الحوض ، وذلك من احد عشرة موقعا علي النهر ، مع أكبر مدد ثابت من المياه في جميع السنين ، وهو أمر لا يمكن ضمانه الا بتخطيط جميع المشاريع المائية في حوض النيل لتشكل جزءا من خطة رئيسية متكاملة و منسقة للحوض ككل و تعمل تحت سيطرة موحدة (Unified Control ،أي نظام متكامل للتحكم في النيل كما هوالحال في سلطة وادي تينيسي (TVA ، وأن أي خطة اخري سوف تكون أقل فعالية، و ذلك لأن متوسط: § الأيراد المتاح((Mean Available Supplies سيكون أقل § الفواقد المائية ستكون أكبر وكما أشرنا في الحلقات السابقة الي أن : الخطة نأت بنفسها عن الموقع الحالي لسد النهضة في بني شنقول فهي لم تراه الأصلح للتوليد الكهربائي، بل رأته ليس صالحا للتخزين المستمر، (Over-year Storage) ، وأن السد العالي يعتبرجزءا لا يتجزأ من "خطة وادي النيل" ، الا أنه سيكون اصغر حالا منه الآن، (100 مليارم3 بدلا من ال130 مليار م3 الحالية) وسيغمر حلفا ولكن "رمو" الخزان (أي المياه المرتده منه) لن يفسد موقع التوليد الكهرومائي الممتاز عند سمنة والتخطيط لحوض نهرالنيل ك"وحدة هيدرولوجية"، يعني التخطيط له كوحدة مساحية أساسية: لقياس الخصائص الفيزيائية للنهر ولتصميم وتشييد المنشآت الهندسية ولإدارة الأراضي المرتبطة بمستجمعات المياه (Watershed) كجزء عضوي ومتكامل مع تنمية الموارد المائية ولتبني منهج "التخطيط متعدد الأهداف" (Multi-objective Planning)
وكان من الأهداف الأخري لخطة وادي النيل (NVP) أيضا (وهو ما دعمه لاحقا بروفيسور كولفيلد H.Caulified)): الأعتراف بالترابط (Interconnectedness) بين أحباس النهر المختلفة(العليا والوسطي والسفلي) وتوجيه النظام النهري نحو المزيد من حالة التوازن وتحسين إجمالي الأيراد النهري ، مما قد يقود إلى اكتشاف قوانين تشغيلية مثلى للخزانات والتحسين والضبط الاقتصادي للعمق الملاحي المطلوب وتوحيد تجهيزات الملاحة وتحقيق التوزيع الأمثل للتصريف النهري -- على سبيل المثال تصريف المياه الأقصي والأدني للموسم والإقليم -- والتخطيط المتكامل يتطلب بشكل ثابت تغيير توزيع المياه زمانيا وفضائيا وتحسين هيدروليكية النظام النهري بالنسبة الي مشاكل تدفق المياه في النهر وفي قاعه، ومشاكل الاضطراب المائي (Turbulence) الخ… دفع جهود الربط الكهربائي الإقليمي ودفع منهج "تحليل النظم" (System Analysis) للكشف عن العلاقة المتبادلة بين الجوانب الطبيعية والتقنية، والعمليات الاقتصادية وتعزيز التعاون الأقليمي في التعامل مع الترسيبات الطميية و تآكل الضفاف النهرية ورصد حركة المياه الجوفية العابرة للحدود و مكافحة التلوث وتطوير تشريعات جودة المياه وجمع البيانات الهيدرولوجية و تعزيز وترشيد المشاريع المائية متعددة الأغراض التي تتطلب موازنات دقيقة للخيارات المتاحة وأثارها البيئية والأجتماعية ووضع ميزان مائي إقليمي(Regional Water Balance) يمكن أن يقود الي كشف مشاكل نقص المياه الإقليمية الحرجة كما أن التخطيط لحوض النيل "كوحدة هيدرولوجية" يؤمن التطوير الأمثل للنظام النهري ويمثل أفضل الطرق لحفز النمو الإقليمي وأفضل الطرق لضمان تنمية المياه ومواكبة النمو السكاني والاقتصادي المتسارع في دول حوض النيل كما أن التكامل يحد من النزاعات حول استخدامات المياه من قبل الدول المتشاطئة ويوفرمجموعة أوسع من البدائل، مع اتاحة فرصة للتخفيف من الآثار السلبية بتقاسمها على نطاق ومساحة جغرافية أوسع ويوفرأفضل وسيلة للنظر في كل من الأحتياجات قصيرة وطويلة الأجل لتلك الدول و يمكن لهذه التدابير أن تأمن لدول الحوض أكبر الموارد المائيه الممكنة في كل السنيين
اذا ، خرجت للوجود "خطة وادي النيل" (Nile Valley Plan, NVP) الطموحة كحل لمشكلة النزاع حول المياه في حوض النيل وتطوير حوض النيل لمصلحة كل أفريقيا ، ولا غرو : فتنمية الموارد المائية في حوض نهر كولورادو كانت لها آثار بعيدة المدى، إلى ما وراء حوض النهر وبالمثل كان الحال مع تطويرحوض وادي تينيسي ، ووادي السند في شبه القارة الهندية وجاءت دراسة وزارة الري تلك كأول دراسة في العالم استخدم فيها الحاسوب علي نهر كبير وكمساهمة معتبرة من السودان في المعرفة العالمية بشأن موضوع تنمية الأنهار
ولمحورية الأمر في التأثيث لعلاقة سوية ومستدامة بين سدود أثيوبيا وسدود النيل الأخري ، دعنا نعيد التذكير هنا : أن فلسفة التخطيط لحوض نهرالنيل ك"وحدة هيدرولوجية"، وفوائدة العظمي عاليه -- التي أجهضها سد النهضة ، ترتكز علي ثلاثة عناصر:
§ أن الحل لكثير من المشاكل الهيدرولوجية يتطلب تكامل (Integration) جميع جوانب الدورة المائية (Hydrologic Cycle ) § وأن "وحدة تنمية الموارد المائية "الأكثر رشدا للمياه ، هي التخطيط علي مستوي الحوض § و أن تأمين : أعظم فوائد ممكنة لجميع المشاطئة وأكبر مدد ثابت من المياه في جميع السنين ، لا يمكن ضمانه الا بتخطيط جميع المشاريع المائية في حوض النيل لتشكل جزءا من خطة رئيسية متكاملة و منسقة للحوض ككل و تعمل تحت السيطرة الموحدة(Unified Control) ،أي نظام متكامل للتحكم في النيل كما هو الحال في نموذج “سلطة ادارة" وادي تينيسي TVA)): لكن ما هو نموذج" سلطة ادارة الوادي"؟
ما هي خيارات دول الحوض الأن بعد أن "ذهب الجمل بما حمل"؟ تقليص الخسائر والفقد في ظل غياب "نموذج ادارة النهر علي أساس وحدته الهيدرولوجية" وانعدام فرصة تأثيث أوضاع سوية علي هذه العلاقات غير المتكافئة لشراكة دائمة بين النهضة وسدود النيل : "ما لا يدرك كله، لا يترك جُلّه"!
رغم اجهاض أثيوبيا لمشروع بحيرة تانا الموسع ، وهدمها لخطة وادي النيل يمكن تقليص ذلك الفقد تحت ادارة مشتركة مع اثيوبيا: وفق نموذج سد اوين بين مصر ويوغندة ، الذي وفر الطاقة و"التخزين الأفتراضي" لدولة الأحباس العليا (يوغندة) وضبط التدفق النهري لدول الأحباس السفلي (السودان ومصر) ، بحيث تشمل الادارة المشتركة مع اثيوبيا مثلا: تطوير مشاريع لزيادة ايراد النيل الأزرق الإشراف على تنفيذ المشروعات .. أو تحت ادارة مشتركة بين السودان و اثيوبيا ومصر (وفق نموذج اتفاقية مياه النيل لعام 1959 حيث يوفرالسد العالي الطاقة لمصر"والتخزين الأفتراضي" " للسودان) ، وذلك في ظل تحكم (ضبط) منسق Coordinated Control)،وموحد على سبيل المثال، من خلال تأثيث لجنة مشتركة، تعرف "باللجنة الدائمة لمياه النيل الأزرق" كما هو الحال الأن بين السودان ومصر— سنعود للدفع بمزيد من الحلول في حلقة حصرية تختص بهذا الشأن ، ان شاء الله
أخر الكلام : درجنا في هذه الفصول من الدراسة المتعمقة ، مراعاة لما فيها من المشقة علي القاريء الكريم في متابعة الحقائق العلمية التي نوردها، أن نبتدر الحلقة بأيات القران الكريم " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَار" (ال عمران 13) ،وبالأحاديث الشريفة وبالحكم الباقية ، ثم نَزْجَى شيء من قطائف الشعر كمقبلات قبل الولوج الي متن البحث، لنأخذ القاريء في ختام الحلقة ليجد الراحة في أيات القران الكريم ، وفي بستان الشعر والأدب االعربي ، ولما كان "كل امرئٍ جارٍ على ما تعوّدا " كما قال حاتم الطائي، فليكن تدبرنا هنا في العلم ونقيضه: "فبأضدادها تعرف الأشياء" ، "والضد يظهر حسنه الضد"! "هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ" (الزمر39) و لذا يقول ابن المقفع : "اذا أكرمك الناس لمال أو سلطان فلا يعجبك ذلك، فان الكرامة تزول بزوالهما ، ولكن ليعجبك اذا أكرموك لدين أو أدب"! ولا عجب! فقد جاء في سورة الرعد (أية 17) "أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا" يقول ابن كثيرفي شرح الأية عاليه: " أخد كل واحد بحسبه، وهي اشارة الي القلوب وتفاوتها فمنها ما يسع علما كثيرا ، ومنها ما لا يتسع لكثير من العلوم ، بل يضيق عنها" وفي هذا الصدد يقول الشيح أبي طالب المكي: جاءت الأثار عن نبينا (ص) وعن عيسي (عليه السلام): "لا تضيعوا الحكمة عند غير أهلها فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم" ونختم بطرفة ، بين أب وابنه: وهل ذاك الا أبو عبد الرحمن ، الخليل بن أحمد الفراهيدي ، سيد أهل الأدب قاطبة في علمه وزهده ومنشئ علم العروض ميزان الشعر و موسيقاه ، وأول من ضبط اللغة : اذ يحكي أنه قال : إن لم تكن هذه الطائفة ( يعني العلماء) أولياء الله تعالي ، فليس لله ولي ! وكان على معرفة بالموسيقى حتى كان يقضي الساعات في حجرته يوقع بأصابعه ويحركها تناغما مع ميزان الشعر و موسيقاه، فاتفق أن رآه ابنه على تلك الحال فظن به مساً ، فخرج إلى الناس وقال:أبي قد جن !، أبي قد جن! فدخل الناس عليه فرأوه يقطع العروض ... فأخبروه بما قال ابنه ، وكان يمكن لهذا الشيخ الورع أن يركن الي الأية الكريمة : وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا” (الفرقان63) أو يكتفي بالعزاء الذي يمكن أن يجده في مقالة ابن دريد الأزدي: جَهِلْت فَعَادَيْت الْعُلُومَ وَأَهْلَهَا كَذَاك... يُعَادِي الْعِلْمَ مَنْ هُوَ جَاهِلُهْ ! لكنه أثر أن يَصْدَحُ بما يذهب مثلا باقيا علي مر الأزمان: لو كنت تعلم ما أقول عذرتني : أو كنت تعلم ما تقول عذلتكا لكن جهلت مقالتي فعذلتني وعلمت أنك جاهل فعذرتكا ثم أردف (بعد حين): الرجال أربعة، رجل يدري ويدري أنه يدري فذلك عالم فاتبعوه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذلك نائم فأيقظوه، ورجل لا يدري ويدري انه لا يدري فذلك مسترشد فأرشدوه، ورجل لا يدري أنه لا يدري فذلك جاهل فارفضوه.”! * * * * * " فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ" (الأنعام149( "لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ" (الأنعام 67( " فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ " (غافر44(
**********************
بروفسير قريش مهندس مستشارو خبير اقتصادي دولي في مجالات المياه والنقل والطاقة والتصنيع، بجانب خبرته في مفاوضات نقل التكنولوجيا وتوطينها و في مفاوضات نزاعات المياه الدولية واقتسامها وقوانين المياه الدولية بروفسير قريش حائزعلي الدكتوراه الأولي له (Summa Cum Laude) من جامعة كولمبيا الأمريكيةفي هندسة النظم الصناعية والنقل والتي أتم أبحاثها في معهد ماساتشوستس للتكنولوجياM.I.T.))حيث عمل زميلا في "مركز الدراسات الهندسية المتقدمة"بالمعهد، وحيث قام بوضع مواصفات تصميمية أولية لطائرتين تفيان بمتطلبات الدول النامية مع الأختبار الناجح للطائرين علي شبكات طيران الدول النامية من خلال أساليب المحاكاة الحاسوبية الرياضية وتفوقهما علي الطائرات المعروضة في الأسواق، وهو أيضا حائز علي ماجستير الفلسفة(M.Phil) بتخصص في التخطيط الاقتصاديوالاقتصاد الصناعي من نفس الجامعة و حيث انتخب عضوا في"الجمعية الشرفية للمهندسين الأمريكيين"(Tau Beta Pi ) ورشح في نفس السنة للقائمة العالميةللمهندسين الأشهر (Who's Who) بروفسير قريش حائزأيضا علي دكتوراة ثانية من جامعة مينيسوتاالأمريكية في موارد المياة بتخصص في الهيدرولوجيا وعلم السوائل المتحركة (الهيدروليكا)، وعلي ماجستير إدارة الأعمال من جامعة يوتاه الأمريكية بتخصص اقتصاد وبحوث العمليات، بجانب حصوله علي شهادة في النقل الجوي من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (M.I.T.)و علي شهادة في "العلوم والتكنولوجيا والتنمية" من جامعة كورنيلالأمريكية وفي جانب السيرة العلمية العملية، فقد عمل بروفسير قريش كمساعد باحث بجامعةولاية يوتاه الأمريكية ، ثم باحث أول بالمجلس القومي للبحوث ومحاضر غير متفرغ بجامعة الخرطوم وعمل بعدها كبروفيسور مشارك في جامعتي ولاية مينيسوتا الأمريكية وجامعة الملك عبد العزيزبجدة ، ومستشارا لليونسكو بباريس و مستشارا للأمم المتحدة (الأسكوا) ، وخبيرا بمنظمة الخليج للأستشارات الصناعية فيالجانب المهني، بروفسير قريش هو مهندس بدرجة مستشار"في" المجلس الهندسي السوداني" وزميل في "الجمعية الهندسية السودانية" وعضو مجاز في" أكاديمية نيويورك للعلوم" ومجاز "كعضو بارز في جمعية هندسة التصنيع الأمريكية كما هو مجاز "كعضو بارز" أيضا من قبل "معهد المهندسين الصناعيين" الأمريكي وعضو مجاز من قبل "معهد الطيران والملاحة الفضائية"الأمريكي وعضو مجاز من قبل"الجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين"والمعهد الأمريكي للعلوم الإداريةو الجمعية الأمريكية لضبط الجودةوالمعهد البريطاني للنقل E-mail: blacknims2000@hotmail.co.uk
References
1. H.T. Cory, Chapter IV –Section Two--, Report on Second & Third Terms of Reference, in Egyptian Government .1920. Short Summary of the Report of the Nile Projects Commission) 2. Guariso, G & D. Whittington, Implications of Ethiopian Water Development for Egypt & Sudan, Water Resources Development, Volume 3 #2) 3. " International Commission on Large Dams (ICOLD): Bulletin 59 —Dam Safety Guidelines & ICOLD) : Bulletin 99 —Dam Failures Statistical Analysis) 4. ASCE. 1996.Introduction to River Hydraulics 5. Ahmed, Abdel Aziz. 1960. An Analysis of the Study of the Storage Losses in the Nile Basin. Paper #6102, Proc. Instn. Civ. Engrs., Vol.17. 6. Allan, W. 1954. Descriptive Note on Nile Waters 7. Botkin, D. & E. Keller.1987. Environmental Studies 8. Bureau of Reclamation, 1964 9. Chaudhry, M. 1993.Open Channel Flow 10. Chow, Ven., D. Maidment & L. Mays. 1988. Applied Hydroloy 11. Class Notes on Water Resources Policies –University of Minesota, 2000 12. Cunha, L. 1977. Management & Law for Water Resources 13. Dickinson, H. & K. Wedgwood. The Nile Waters: Sudan’s Critical Resource. Water Power & Dam Construction, Jan. 1982 14. Dubler, J. and Grigg, N. 1996. ”Dam Safety Policy for Spillway Design Floods.” J. Prof. Issues Eng. Educ. Pract., 122(4), 163–169. TECHNICAL PAPERS 15. Eagleson, P.S. (1994) The evolution of modern hydrology (from watershed to continent in 30 years). Advances in Water Resources 17, 3–18. 16. El Rashid Sid Ahmed .1959. Paper on Layout of Canals & Drains 17. Emil Ludwig.1936. The Nile 18. Encyclopedia of Public Int’l Law,1995, Vol. II 19. Fetter, C. Applied Hydrogeology 20. Gehm, H. et. al.1976. Handbook of Water Resources & Pollution Control .21. Guariso, G & D. Whittington, Implications of Ethiopian Water Development for Egypt & Sudan, Water Resources Development, Volume 3 #2 22. Guillaud, C. “Coping with Uncertainty in the Design of Hydraulic Structures: Climate Change is But One More Uncertain Parameter “, 23. EIC Climate Change Technology, 2006 IEEE Volume 98, Issue No.5 24. Hewlett,J. 1982.Principles of Forest Hydrology 25. Houk, I. 1951.Irrigation Engineering, Vol. 1. 26. Howell, P. & M.Lock, “The Control of Swamps of the Southern Sudan” in Howell, P. & J.Allan (eds.).1994. The Nile: Sharing a Scarce Resource 27. Hunter, J.K. , “Consultant, Sir Alexander Gibb & Partners:”in Ahmed,A.”Recent Development in the Nile Control”, Proc. Of Instn. Civ.Eng., Paper 6102 (1960. 28. http://www.mcc.gov/pages/docs/doc/co...nce-chapter-17 29. http://www.utdallas.edu/geosciences/...tenilegif.html 30. http://en.wikipedia.org/wiki/Causes_of_landslides. 31. http://www.google.com/imgres?q=what+...iw=960&bih=516 32. http://www.google.com/imgres?q=grand...9,r:4,s:0,i:82 33. http://digitaljournal.com/image/116297 34. http://www.internationalrivers.org/f...efficiency.pdf 35.http://en.wikipedia.org/wiki/Grand_E...enaissance_Dam 36. http://en.wikipedia.org/wiki/Dam 37. http://www.fao.org/docrep/005/ac675e/ac675e04.htm 38. Hurst, H. 1944.A Short Account of the Nile Basin 39. Hurst, H. 1957. The Nile 40. H. Hurst, H. & R. Black.1955. Report on a Hydrological Investigations on How the Max Volume of the Nile Water May be Made Available For Development in Egypt & the Sudan 41. ICID. 1961.International Problems Relating to the Economic Use of River Waters 42. Jansen, P. et. al.(ed.).1971.Principles of River Engineering 43. John, P. et al Water Balance of the Blue Nile River Basin in Ethiopia 44. Koloski, J. , S. Schwarz & D. Tubbs “Geotechnical Properties of Geologic Materials, Engineering Geology in Washington, Volume 1--Washington Division of Geology and Earth Resources Bulletin 78, 1989 45. Maidment, D. 1992. Handbook of Hydrology 46. Mamak,W. 1964.River Regulation 47. Masahiro Murakami .1995. “Managing Water for Peace in the Middle East: Alternative Strategies”, 48.http://unu.edu/unupress/unupbooks/80...0.htm#Contents 49.http://www.civil.usherbrooke.ca/cours/gci345/Dam%20Safety.PDF 50. Mays, L. 1996. Water Resources Handbook 51. MOI.1955. The Nile Waters Question 52. MOI Memo Dated 9/21/1957 53. Monenco, 1993. Stage II Feasibility Study, Main Report, Vol. 1 54. Montanari, F & J. Fink, “State Role in Water Resource Policy”, in 55. Cohen, P. et al.Proc. Of the 4th AmericanWater Resources, 1968). 56. Morrice, H. & W. Allan. 1959. Planning for the Ultimate 57. Hydraulic Development of the Nile Valley. Proc. Instn. Civ. Engrs., Paper #6372 58. Mays, L.1996. Water resources Handbook 59. Morrice, H.”The Water of the Nile & the Future of Sudan”, Unpublished Paper, 1955 60. Nath, B.1996. General Report. Symposium on Economic & Optimum Use of Irrigation System. Pub. No.71 61. Office of Technology Assessment.1984. Wetland: Their Use & Regulation 62. Outers, P.1997.Int’l aw 63. Phillips, O.1967. Leading Cases in Constitutional & Administrative Law 64. Schumn, S. “River Metamorphosis”, J.of Hydraulic Division, Pro. Of ASCE, June 1969 65. Sebenius, J. 1984. Negotiating the Law of the Sea 66. Smith, R. “The Problem of Water Rights”,J. of Irrigation& Drainage. Proc. Of ASCE, December 1959 56. U.N. 1958. Integrated River Basin Development 67. Various MOI pamphlets, notes & publications 68. Waterbury, J.1979.Hydropolitics of the Nile 69. Waterbury, W. 1987.”Legal & Institutional Arrangements for Managing Water Resources in the Nile Basin”, Water Resources Development, Vol. 3 No. 2 70. Water Info Centre.1973. Water Policies for the Future 71. Whittington, D. & K. Haynes “Nile Water for Whom? Emerging Conflicts in Water Allocation for Agricultural Expansion in Egypt & Sudan, in Beaumont, P. & K. McLachlan (eds.). 1985. Agricultural Development in the Middle East 72. Whittington, D.,J. Waterbury & E. McClelland, Towards A New Nile Waters Agreement, in A. Dinar et al. 1995. Water Quantity/Quality Management & Conflict Resolution) World Commissions On Dams: 2000 Report 73. Zelermyer, W.1964.Introduction to Business Law: A Concepual Approach 74. H. Hurst & R. Black.1955. Report on a Hydrological Investigations on How the Max Volume of the Nile Water May be Made Available For Development in Egypt & the Sudan) MOI Memo Dated 9/21/1957). 75. Schumn, S. “River Metamorphosis”, J.of Hydraulic Division, Pro. Of ASCE, June 1969 76. Guariso, G & D. Whittington, Implications of Ethiopian Water Development for Egypt & Sudan, Water Resources Development, Volume 3 #2. 77. Dubler, J. and Grigg, N. 1996. ”Dam Safety Policy for Spillway Design Floods.” J. Prof. Issues Eng. Educ. Pract., 122(4), 163–169. TECHNICAL PAPERS Volume of the Nile Water May be Made Available For Development in Egypt & the Sudan) MOI Memo Dated 9/21/1957 78. J.K. Hunter (Consultant, Sir Alexander Gibb & Partners:”in Ahmed,A.”Recent Development in the Nile Control”, Proc. Of Instn. Civ.Eng., Paper 6102 (1960 79. Snyder, F., A.Blensdale and T. Thompson. 1961.The International Panel on Flood Discharges “Studies of the Probable Maximum Flood for Roseires Dam Project”. P.29-30. 80. Watern Information Centre, Inc. 1973. Water Policies for the Future 81. Gasser, M.& F.El Gamal.1994. Aswan High Dam:Lessons Learned & On-Going Research. Water Power & Dam Construction, Jan.1994 82. International Commission on Large Dams (ICOLD): Bulletin 59 —Dam Safety Guidelines 83. (ICOLD): Bulletin 99 —Dam Failures Statistical Analysis 84. Jacques Leslie f “Deep Water: The Epic Struggle Over Dams, Displaced People, and the Environment.” 85. http://www.newyorker.com/tech/elements/one-of-africas-biggest-dams-is-falling-apart 86. http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%D8%AF 87. http://www.fao.org/docrep/005/ac675e/AC675E07.htm 88. Correspondence with Uganda Government, Dated Feb. 1949 89. Mays, L.1996. Water resources Handbook 90. J.K. Hunter (Consultant, Sir Alexander Gibb & Partners:”in Ahmed,A.”Recent Development in the Nile Control”, Proc. Of Instn. Civ.Eng., Paper 6102 (1960) 91. Caulified, H ,"Water resources management in river basin planning and development in the United States. In Towards a rational policy in river basin development in the Sahel. Washington, D.C.: U.S Agency for International Development, 1976. 92. Cheng Xuemin “Hydropower in China”, Proc. Instn. Civ.Engng. 102, No. 1,22-33)) 93. الرشيد سيد أحمد 1959 مشكلة مياه النيل 94. الرشيد سيد أحمد 1960 ايراد نهر النيل من مصادره المختلفة 95. الرشيد سيد أحمد 1962 وصف لحوض النيل