العلاقة التاريخية بين البجا والهنود … بقلم : جعفر بامكار محمد
بسم الله الرحمن الرحيم
jbamkar@yahoo.com
منذ فترة طويلة وانا مهتم بتاريخ وثقافة البجا بشرق السودان وكثيرا ما شاركت فى ندوات ثقافية ولقاءات اذاعية وتلفزيونية وصحفية وكان بين الحين والاخر كان يطرح على سؤال من المشاركين عن علاقة البجا بالهنود وكان ردى الفورى دائما انه لاتوجد اى علاقة لاعتقادى ان السؤال المقصود منه العلاقة العرقية ولكن وبسبب تكرار السؤال ولاكثر من مره ومن اكثر من شخص ابتدأت اسال نفسى انه لابد ان يكون هناك شى ما يدفع هؤلاء الناس للسؤال عن هذه العلاقة بين البجا والهنود وان نفى المتكرر بعدم وجود اى علاقة قد لايكون مبنى على اساس . ولذلك بدات البحث فى الموضوع عن العلاقة العرقية وبدأت استعرض اصول القبائل والاسر البجاوية خصوصا الاصول الواردة للبجا من الخارج والمندمجة فيهم لاحقاً فوجدت الاصول الحجازية واليمنية والمصرية والشامية والتركية والعراقية والكردية والمغربية والحبشية والافريقية ولم اجد اى اصول هندية وهو امرغريب .
اذا ماذا هناك وما الذى يجعل الناس يسألون وبالحاح عن العلاقة بين البجا والهنود وفجاة تذكرت العامل الثقافى وهو بلاشك وبكل المعايير اهم من العامل العرقى .
لقد اكتشفت ويا للعجب ان البجا ولفترة طويلة تمتد من عام 1426م وهو العام الذى احرق فيه السلطان المملوكى برسباى ميناء عيذاب والذى ازدهرت بعده سواكن بديلا عنها وحتى عام 1869م عام افتتاح قناة السويس كان البجا يعيشون عالة على ثقافة وحضارة شبه القارة الهندية التى تشمل الهند الحالية وبنقلاديش وباكستان وافغانستان ولذلك اصبح مأكلهم وملبسهم وادوات زينتهم وعطورهم وموسيقاهم وفنونهم وكثير من مفردات لغتهم وبعد مفاهيمهم وعاداتهم هندية الاصل بسبب تاثير سواكن والجالية الهندية الكبيرة بها والتجارة الواسعة مع الهند .
اذاً السؤال عن العلاقة بين البجا والهنود كان مشروعاً وصحيحاً وردى بنفى هذه العلاقة كان خاطئاً لعدم فهمى للسؤال .
سواكن وقبل افتتاح قناة السويس كانت وجهة تجارتها الوحيدة مع الهند وليس مع اوروبا او اى مكان اخر كما ان التاثير الثقافى لجزيرة العرب كان ضعيفاً لتخلف الجزيرة العربية وفقرها كما اكتشفت ان ثقافة وحضارة سواكن لمن تكن متاثرة كثيراً بالثقافات السودانية المتخلفة والفقيرة فى ذلك الزمان بل ان ثقافة سواكن وحضارتها كانت جزءا من ثقافة موانئ حوض البحر الاحمر مثل ميناء جده ومصوع والحديدة وموانئ خليج عدن كميناء عدن وبربرة وزيلع والمكلا وموانئ بحر العرب وهذه الموانئ جميعها مثل سواكن كانت عالة على حضارة وثقافة الهند .
يمكننا ان نسمى حضارة وثقافة موانئ حوض البحر الاحمر وخليج عدن وبحر العرب ثقافة اقليمية وليست ثقافة محلية او قومية ، مثلا ثقافة سواكن اقرب كثيراً لثقافة ميناء جده من الثقافات السودانية وثقافة جده اقرب لثقافة سواكن اكثر من ثقافة بعض اجزاء الجزيرة العربية كنجد وغيرها ويمكننا ان نقول ذلك عن كل المؤانى المذكورة فعلاقة هذه الموانئ بالخارج اقوى كثيرا بعلاقتها بداخل بلادها .
ان سواكن فى تلك الفترة المذكورة اى منذ عام 1426م وحتى عام 1869م لم تكن لها اى علاقة ادارية اوسياسية او تبعية للسلطات الموجودة بالسودان بل كانت تابعة للدولة العثمانية من حيث السلطة والادارة والنفوذ ومتاثرة ثقافيا وحضاريا بالثقافة والحضارة الهندية .
لقد علمت ايضا انه قد كان لاسر سواكن الكبيرة امتدادات عائلية بين هذه الموانئ المذكورة بسبب الزواج بين اسر التجار واسررجال الدين فالاسرة الواحدة قد يكون لها فرع بسواكن وجده ومصوع وعدن وغيرها كما لاحظت اغانى الفنانين فى هذه الثقافة متشابه بل احيانا متتطابقة ويستعملون السلم السباعى بدلا عن السلم الخماسى المشهور بالسودان كما لاحظت ان الفنانين المعرفين بهذه اللونية والذين اشتهروا بفرقة السماكة بالبحر الاحمر يغنون ويذكرون بنات ميناء المكلا بحضرموت وهو ميناء بخليج عدن كما يؤدون الرقصات التى تؤدى بميناء عدن والحديدة وهكذا .
ان امر ثقافة هذه الموانئ امر هام ويحتاج لدراسة تفصيلية لتحديد عناصر حضارة وثقافة هذه الموانئ المشتركة وعلاقتها بحضارة وثقافة الهند كما لابد من دراسة معمقة لثقافة البجا السودانية لتحديد مدى تاثير المؤثرات الخارجية عليها خصوصا التاثير الهندى فالبجا هم نافذة السودان للعالم الخارجى ولابد ان للخارج تاثير واضح عليهم وقد يكون هذا التاثير انتقل منهم للثقافات السودانية المجاورة .