“الفكر الجمهوري السوداني: تجديد وتحديات”
زهير عثمان حمد
23 June, 2024
23 June, 2024
زهير عثمان حمد
الفكر الجمهوري السوداني هو حركة فكرية وسياسية ودينية نشأت في السودان، أسسها الأستاذ محمود محمد طه في منتصف القرن العشرين. تقوم الحركة الجمهورية على مبادئ إعادة تفسير الإسلام بشكل يتناسب مع العصر الحديث، وتقديم قراءة تقدمية للإسلام تهدف إلى التوفيق بين الدين ومتطلبات الحياة العصرية. تعتمد هذه الفكرة على الأسس الروحية والفكرية للإسلام وتسعى إلى تعزيز قيم العدالة والمساواة والحرية.
زعيم الفكر الجمهوري: الأستاذ محمود محمد طه
السيرة الذاتية: - ولد محمود محمد طه في مدينة رفاعة في السودان عام 1909.
- درس الهندسة وعمل في مجال الهندسة المدنية لفترة من الزمن.
- انخرط في العمل السياسي والفكري منذ شبابه، وكان له دور بارز في الحركة الوطنية السودانية التي ناضلت من أجل استقلال السودان عن الاستعمار البريطاني.
الفكر الجمهوري: , بدأ محمود محمد طه في تطوير فكره الجمهوري بعد الاستقلال، حيث دعا إلى إعادة تفسير القرآن والسنة النبوية بما يتوافق مع متطلبات العصر الحديث.
- قدم طه قراءة جديدة للإسلام تقوم على فكرة أن "الإسلام دين متجدد" ويجب أن يكون قادراً على التكيف مع التغيرات الاجتماعية والسياسية.
- ركز على القيم الروحية والأخلاقية للإسلام، ودعا إلى تطبيق الشريعة بصورة مرنة وعادلة، بعيداً عن التشدد والتطرف.
أفكاره الرئيسية:التوحيد: أكد على أهمية توحيد الله بمعناه الشامل والروحي، والابتعاد عن الطقوس الشكلية.
الحرية الفردية: دعا إلى حرية الإنسان في اختيار معتقداته وأفعاله، مع التأكيد على المسؤولية الفردية.
المساواة: نادى بالمساواة بين الناس بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الدين.
العدالة الاجتماعية: أكد على أهمية العدالة الاجتماعية والاقتصادية وضرورة توزيع الثروات بشكل عادل.
مصيره:- تعرض محمود محمد طه لمعارضة شديدة من القوى الإسلامية التقليدية في السودان، وكذلك من الحكومة السودانية.
- تم اعتقاله عدة مرات بسبب آرائه وأفكاره.
- في عام 1985، تم إعدام محمود محمد طه بتهمة الردة بسبب آرائه وأفكاره الدينية والسياسية.
الفكر الجمهوري ما زال يحظى بتأييد بعض النخب والمفكرين في السودان، وهو يعتبر أحد المحاولات المهمة لإيجاد صيغة متجددة للإسلام تتوافق مع قيم العصر الحديث.
الفكر الجمهوري السوداني الذي أسسه الأستاذ محمود محمد طه يتميز بخط فكري متقدم ومتجدد يختلف عن الطائفية السودانية التقليدية في عدة جوانب. فيما يلي أبرز الخطوط الفكرية للجمهوريين وأهم الفروق بين هذا الفكر والطائفية التقليدية في السودان:
الخط الفكري للجمهوريين: إعادة تفسير النصوص الدينية: - يؤكد الفكر الجمهوري على أهمية إعادة تفسير القرآن والسنة النبوية بما يتناسب مع العصر الحديث.
يقدم قراءة تقدمية تعتمد على الاجتهاد والفهم المتجدد للنصوص، بعيداً عن الجمود والتقليد الأعمى.
التأكيد على القيم الروحية والأخلاقية: ويركز الفكر الجمهوري على القيم الروحية والأخلاقية في الإسلام، مثل العدالة، والمساواة، والحرية، والتسامح.
- يعزز فهم الإسلام كدين يهتم بتحقيق السعادة والرفاهية للإنسان في الدنيا والآخرة.
مبدأ الحرية الفردية: يدعو الجمهوريون إلى حرية الاعتقاد والفكر، ويؤكدون على مسؤولية الفرد في اختيار معتقداته وأفعاله.
- يعتبرون أن الحرية هي الأساس لتحقيق التنمية والتطور في المجتمع.
المساواة بين الجنسين: و يشدد الفكر الجمهوري على أهمية المساواة بين الجنسين، ويدعو إلى إزالة التمييز ضد المرأة في كافة المجالات.
- يعتبرون أن الإسلام يدعو إلى تكريم المرأة ومنحها حقوقها كاملة.
العدالة الاجتماعية والاقتصادية: و يسعى الجمهوريون إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية، ويؤكدون على ضرورة توزيع الثروات بشكل عادل.
- ينتقدون الفقر والتفاوت الطبقي، ويدعون إلى إصلاحات اقتصادية تحقق الإنصاف للجميع.
الفرق بين الفكر الجمهوري والطائفية السودانية التقليدية:التفسير الديني: الجمهوريون: يقدمون تفسيرات جديدة ومبتكرة للنصوص الدينية تتماشى مع متطلبات العصر الحديث.
الطائفية التقليدية: غالباً ما تعتمد على التفسيرات التقليدية والفقه القديم دون محاولة تجديد أو اجتهاد.
الحرية الفردية : الجمهوريون: يدعون إلى حرية الفرد في الاعتقاد والتفكير ويعتبرونها أساساً للتقدم الاجتماعي.
الطائفية التقليدية: قد تقيد حرية الفرد بفهم تقليدي صارم للنصوص الدينية والتقاليد الاجتماعية.
المساواة بين الجنسين: الجمهوريون: يؤكدون على المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات.
الطائفية التقليدية: قد تفضل النظام الأبوي التقليدي وتفرض أدواراً نمطية للرجال والنساء.
العدالة الاجتماعية: الجمهوريون: يسعون لتحقيق العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات بشكل عادل.
الطائفية التقليدية: قد تتجاهل الفوارق الاقتصادية والاجتماعية وتتمسك بالتراتبية الاجتماعية التقليدية.
. العلاقة مع السلطة: الجمهوريون: ينتهجون نهجاً نقدياً تجاه السلطة ويدعون إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي.
الطائفية التقليدية: قد تتماشى مع السلطة القائمة وتحافظ على الوضع القائم دون نقد أو تغيير.
الفكر الجمهوري يمثل محاولة لتحديث وتجديد الفكر الإسلامي في السودان، ويسعى إلى مواءمة الدين مع القيم الحديثة مثل الحرية، المساواة، والعدالة. في المقابل، تمثل الطائفية التقليدية اتجاهاً محافظاً يميل إلى الحفاظ على التقاليد القديمة دون محاولة للتجديد أو التحديث.الفكر الجمهوري السوداني، بقيادة الأستاذ محمود محمد طه، أثار جدلاً كبيراً بين العلماء والمفكرين في الثقافة الدينية الإسلامية. آراؤه واجتهاداته، التي اعتُبرت تقدمية وتجديدية، قوبلت بردود فعل متباينة من قبل العلماء والأئمة.
مواقف العلماء والأئمة من الفكر الجمهوري: لاتهام بالردة: - بعض العلماء والأئمة في السودان وخارجه اعتبروا أن الأفكار التي قدمها محمود محمد طه تمثل خروجاً عن الإسلام.
- في عام 1985، أصدرت المحكمة الشرعية السودانية حكمًا بالردة على محمود محمد طه، مما أدى إلى إعدامه. الحكم استند إلى آرائه التي اعتُبرت منافية لتعاليم الإسلام التقليدية.
الانتقاد الشديد: - العديد من العلماء التقليديين انتقدوا بشدة الأفكار الجمهورية، معتبرين أنها تتعارض مع الشريعة الإسلامية ومبادئها الثابتة.
- رأوا في الدعوة إلى إعادة تفسير النصوص الدينية بشكل يتماشى مع العصر تحديًا للفقه الإسلامي التقليدي ومساسًا بثوابت الدين.
الدفاع والدعم: - على الجانب الآخر، هناك عدد من المفكرين والعلماء الذين رأوا في أفكار محمود محمد طه اجتهادات مشروعة تهدف إلى تجديد الفكر الإسلامي.
- هؤلاء المؤيدون يرون أن الإسلام دين متجدد وقادر على التكيف مع متغيرات الزمن، وأن الفكر الجمهوري يمثل محاولة لفهم أعمق وأكثر روحانية للإسلام.
نقاط الخلاف الرئيسية: إعادة تفسير القرآن: - محمود محمد طه دعا إلى فهم جديد للقرآن يعتمد على "آيات الأصول" (الآيات المكية) كأساس للشريعة، معتبراً أن "آيات الفروع" (الآيات المدنية) جاءت لتناسب مجتمعاً معيناً في وقت معين.
- هذا الموقف أثار حفيظة العلماء التقليديين الذين يرون في القرآن كله وحياً منزلاً صالحاً لكل زمان ومكان دون تمييز.
الشريعة والتطبيق: - طه اقترح تطبيق الشريعة بصورة مرنة ومتلائمة مع العصر الحديث، بينما أصر العلماء التقليديون على التطبيق الحرفي للنصوص الشرعية.
- دعا طه إلى إلغاء بعض الحدود والعقوبات التي رآها غير متناسبة مع العصر الحديث، وهو ما اعتُبر خروجاً عن الشريعة.
الحرية والمساواة: - تأكيد الفكر الجمهوري على الحرية الفردية والمساواة بين الجنسين اعتبره بعض العلماء تنازلاً عن المبادئ الإسلامية التقليدية المتعلقة بالأدوار الاجتماعية والجندرية.
- رؤيته للمرأة ودعواته لإعطائها حقوقاً مساوية للرجل كانت موضع نقد من قبل الفقهاء التقليديين الذين يرون في الإسلام نظاماً أدوارياً محدداً للرجال والنساء.
يمكن القول إن الفكر الجمهوري لمحمود محمد طه قوبل بمعارضة شديدة من قبل كثير من العلماء والأئمة التقليديين الذين اعتبروه خروجاً عن تعاليم الإسلام، وصل إلى حد اتهامه بالردة. ومع ذلك، وجد أيضاً دعماً من بعض المفكرين الذين يرون فيه اجتهاداً مشروعاً ومحاولة لتجديد الفكر الإسلامي بما يتناسب مع متطلبات العصر الحديث. الجدل حول أفكاره يعكس التوتر المستمر بين الرؤى التجديدية والتفسيرات التقليدية في الفكر الإسلامي.
zuhair.osman@aol.com