القيادي في المؤتمر الشعبي من ألمانيا: رمزية لقاء البشير والترابي أهم من تفاصيله

 


 

 



القيادي في المؤتمر الشعبي لـ"التغيير" من ألمانيا: رمزية لقاء البشير والترابي أهم من تفاصيله

د. علي الحاج: لا بُدَّ من إشراك الجبهة الثورية في الحوار الوطني لضمان نجاحه

مما لا ريب فيه أن دعوة الرئيس عمر البشير في خطابه الرئاسي الشهير في يوم الاثنين 27 يناير 2014 بقاعة الصداقة في الخرطوم، أحدثت حراكاً سياسياً كبيراً داخل السودان وخارجه. وقد تفاوتت استجابة الأحزاب والقوى السياسية المعارضة لهذه الدعوة، فمنها من استجاب بلا شروط واشتراطات، وبعضها توافق على أهمية الحوار الوطني مع وضع بعض الشروط اللازمة لإنجاحه من وجهة نظرهم، والبعض الآخر رفضها جملةً وتفصيلاً. وفي منتهى الأمر أجمع الكثيرون على ضرورة التوافق الوطني حول كيفية معالجة الوضع الراهن المأزوم، والخروج بالبلاد من هذه الأزمات الطاحنة، سياسية كانت أم اقتصادية. ولذلك بدأ الكثيرون يتساءلون عن كيفية تسريع خطى الحوار الوطني لإنقاذ البلاد والعباد.
لكلِّ هذه الأسباب مجتمعة، رأت صحيفة "التغيير" إجراء حوارٍ استثنائي يطرح القضايا الآنية والإشكالات الملحة على الدكتور علي الحاج محمد، القيادي البارز في المؤتمر الشعبي من مقر إقامته في بون بألمانيا. فكانت محصلة هذا الحوار، إجابات ورؤى حول كثير من القضايا التي طرحت عليه. فإلى مضابط الحوار..
حوار سياسي
إمام محمد إمام

* ما الجديد في مستجدات الحوار الدائر بين المؤتمر الوطني والشعبي، والذي تمخض عن حضور الدكتور حسن الترابي للخطاب الرئاسي ولقاء البشير والترابي ومن ثم بدء الاستعداد للحوار؟

- الجديد أن المؤتمر الوطني ومنذ المفاصلة "ديسمبر ١٩٩٩" كان يتحاور ويتجادل مع كل القوى السياسية، بما فيهم الذين يحملون السلاح وفي كل أنحاء السودان  وتوصلت إلى اتفاقات  سياسية وعسكرية مع سائر القوى السياسية بلغت مداها باتفاقية نيفاشا في عام 2005.
ولكن المؤتمر الشعبي في تلك الفترة كان محظوراً مقهوراً ومطارداً...  الخ، ناهيك أن يحاور، بل كان كل هم المؤتمر الوطني أن يصطاد القاصي من أعضاء الشعبي، ليضمه إلى صفه كما تعلمون، ولكن شباك الصّيد لم تفلح كثيراً زُهاء ما يزيد عن عقد من الزمان. هذا تاريخ لا أودّ التوقف عنده، ولكن لا بد من التذكير به. إذن الجديد: أن المؤتمر الوطني ولأول مرة فتح مجالاً للحوار بلا استثناء لأحد، وبلا شروط وهذا ما فتح مجالاً للحوار مع الشعبي وهذا في رأيي الخاص هو الجديد.

* هل يعني هذا أن الحوار بينكم لم يبدأ بعد كما نقرأ في الوسائط الصحافية والإعلامية؟

- بالطبع لم يبدأ، وعندما يبدأ، لا يكون سراً وبعيداً عن الشعب السوداني، فضلاً عن القوى السياسية كافة لأن قضايا الحوار ليست سرية وليست حزبية يستأثر بها حزب دون آخر. وهناك لقاءات وجولات يقوم بها الرئيس عمر البشير مع القوى السياسية منفردة كما ظهر في الإعلام، وقد أتى الدور على المؤتمر الشعبي أول من أمس (الجمعة)؟
* إلى أي مدى ترون أن لقاء الجمعة بين الرئيس عمر البشير والدكتور حسن الترابي، سيُسهم بفاعلية في تسريع خطى الحوار الوطني، وتحديد الأجندات الوطنية للحوار الوطني؟
- أن لقاء الجمعة كما وصفته بين الرئيس عمر البشير والدكتور حسن الترابي، إلى جانب عدد من أعضاء المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، الذين شهدوا ذلك اللقاء، لا شك في أن رمزيته، كانت أهم من تفاصيله، ولذلك أقول إنه طرح جملة مؤشرات منها:
أ- اللقاء كحدث رمزي كان أهم من مفردات وتفاصيل خرج به، خاصة أنه منذ المفاصلة زهاء ١٥ عاماً لم يتم لقاء رسمي ومشهود مثله، عدا لقاءات اجتماعية عابرة في مناسبات أفراح أو أتراح.
ب- لا أحسبُ أن اللقاء تناول جوانب تاريخية أو قضايا بعينها، باعتبار أن أمر الساعة أهم وأشد. وأكيد كل طرف على علم ودراية بما وقع، ويحاول الاستفادة من الدروس والعبر بُغية الوصول إلى مستقبل أفضل، إذ لا يستطيع المرء فعل شيء عن ما مضى، ولكن بإمكانه عمل الكثير في تشكيل المستقبل. وأعتقدُ أن الطرفين كان تركيزهما في ذلك اللقاء النظرة إلى المستقبل، لإنقاذ البلاد من وضعها الراهن المأزوم.
ج- أهم ما خرج به اللقاء هو التفاكر حول إجرائيات إدارة الحوار وتسريع خطاها، إذ لا بد من آلية مستقلة  تتفق عليها كل القوى السياسية. هذه الآلية ليست جزءاً من الحكومة، ولا بد أن تكون لها مرجعيات وصلاحيات واضحة تتفق عليها القوى السياسية بعد تشاور وتداول وضمن آليات الحوار. ولا بد من التطرق إلى إشراك (الجبهة الثورية) في الحوار منذ البدء، وما هي جهة أو قناة الاتصال بهذه الحركات ... الخ. وفي السياق ذاته، قد يأتي الحديث عن تهيئة مناخ سياسي للحوار، مثل إطلاق سراح المعتقلين والمسجونين السياسيين، والمحكوم عليهم في كل أنحاء السودان دون استثناء، وكذلك رفع الرقابة عن الصحف وإيقافها جزافاً، كل هذا وغيره ...الخ. هذه أمثلة لإجراءات لا بد منها، إذا أريد للحوار الوطني أن يكون جاداً ومثمراً.
ونحن نناقش قضية الحوار الوطني وأهمياه، فإذا بوكالات الأنباء العالمية تنقل إلينا اقتحام الشرطة جامعة الخرطوم، وضرب المتظاهرين بالرصاص الحي، مما أدى إلى استشهاد طالب. وها هي الأنباء تتواتر حول مصادرة عدد من الصحف، وأكيد كل هذه التصرفات لا تبشر بأن الحكومة جادة في الحوار، بل قد تؤكد ما ذهب إليه البعض من أن كل ما يجري هو عبث وضياع للوقت.
وغني عن القول، أن تكون بعض الأحزاب والقوى السياسية قد تطرقت إلى مثل هذه الإجراءات في اجتماعاتها مع الرئيس عمر البشير موضوع المدى الزمني للحوار بدءاً وانتهاءً، ومآلات ما توصلت إليه. كل هذا وغيره مما يوجب اتفاق القوى السياسية عليه.
هذه قضايا ملحة وعاجلة ستفرض نفسها على أي اجتماع يتم بين المؤتمر الشعبي بقيادة الدكتور حسن الترابي والمؤتمر الوطني بقيادة الرئيس عمر البشير، مما لا يمكن القفز عليها أو تجاوزها.

د- لا أحسبُ أن اللقاء سيتطرق إلى قضايا الحوار، ناهيك عن الحوار فيها. إذ هي تأتي في مرحلة لاحقة بعد الاتفاق على الآليات والإجراءات المشار إليها أو هكذا أرى.

* يدور وسط القوى السياسية خاصة اليسارية منها أن هذا الحوار معني بوحدة الإسلاميين أكثر من كونه معنياً بمعالجة قضايا الوضع الراهن المأزوم.. فما رأيكم؟

- قضايا الوضع الراهن المأزوم وتهديد كيان ما تبقى من السودان فرضت نفسها لا على ساحة السياسة السودانية وحسب، بل العالم ناهيك عن القوى الإقليمية، ولا يمكن لأي سوداني عادي، فضلاً عن سياسي أن تسيطر عليه قضاياه وهمومه الداخلية الأسرية أكثر من وجود الكيان. هذا في اختصار غير مخلٍّ، ولا أحسب أن من بين القوى السياسية السودانية كافة من هو مهموم بشأنه الخاص، بل بعضها قد قدمت العام على الخاص وفق تدابير مؤقتة.
ليس خافياً أن بعض الأحزاب والقوى السياسية ضمنها قوى اليسار كانت شامته، وربما سعيدة بانقسام الإسلاميين وحريصة على الانقسام... الخ، وهذا متوقع ولو من باب الكيد السياسي، ولكن اللوم لا يقع عليهم وإنما على الإسلاميين الذين لو أحسنوا صنعاً ما حدث لهم ما جرى.
وحدة الإسلاميين تفزع هؤلاء وأولئك، رغم أنها ليست أولوية اليوم، كما سبقت الإشارة لست معنياً اليوم بتطمين أحد - ولا نفسي- ولكن على القوى السياسية أن تدرك أن "إسلاميي" اليوم ليسوا هم من كانوا بالأمس علهم استفادوا كثيراً مما جرى، أو هكذا أحسبُ، وبالمقابل فإن "يساريي اليوم" قد استفادوا من تجاربهم السابقة وهم الأقدم نشأةً، وربما الأكثر دراية بدروب السياسة في السودان.
بنهاية المطاف، وفي إطار الحريات والديمقراطية... الخ، ستكون هنالك تحالفات في الساحة السياسية ولو على قاعدة "الطيور على أشكالها تقع"، وليس هذا من البدع بل من الطبيعي.

* ما هي الضمانات التي حصل عليها المؤتمر الشعبي للمشاركة في الحوار الوطني؟ وما هي ضمان مآلاته، علماً بأن هناك تبايناً في مواقف بعض قياداته، وهل ترى أن الحوار الوطني قد يؤدي إلى انشقاق أو خروج قيادات من المؤتمر الشعبي؟ 

- العمل السياسي ليست فيه ضمانات بنكية أو شخصية، وأهم ضامن للعمل السياسي هو الإعلان والإعلام بما تم أو يتم. والذي يحتاج إلى جوٍّ من الحرية والشفافية، هذه الحرية والشفافية تمكنان الشعب من القبول أو الرفض دون وجلٍّ أو خوفٍ، وبذلك يكون الشعب هو الضامن الحقيقي. بغياب الحرية والشفافية لا معنى للحديث عن الضمانات. وتباين مواقف بعض قياديي الشعبي من الحوار له ما يبرره، وذلك لأن الحوار كره خاصة مع جهات سبق لها عدم الالتزام بالعهود والمواثيق، ولكن القتال ومآلاته اللاحقة أشد كرهاً، وهذا مما دفع الكثيرين للوقوف مع الحوار، وبما أن هذه أول مرة يعلن فيها عن حوار لا يستثني أحداً، وغير مشروط، كان قرار القيادة صائباً بنظري. وتباين المواقف قد تعود إلى مرارات وتجاوزات.. الخ، قام وما يزال يقوم بها النظام رغم الحديث عن الحوار، وأحسب أن القيادة مدركة لهذا الأمر.
لكن الأمر كله مفتوح الآن على كل الخيارات وليس بيد القيادة شيء تطمئن به نفسها، أو أعضاءها،  فإذا ثبت شرعاً جدية وشفافية ومآلات الحوار الوطني فهذا سيكون كتاباً مفتوحاً مقروءاً لجميع شعب السودان، وليس لبعض قياداته. عندئذ سيزول هذا التباين.

* ما هو تقييمك لمواقف الأحزاب والقوى السياسية المعارضة من دعوة الحوار الوطني؟

- بعض المواقف طبيعية ومبررة، لأن الأحزاب والقوى السياسية كافة، بمن فيهم حملة السلاح قد تعاطت أو تحالفت مع الحكومة في فترة من فترات ما بعد المفاصلة، وعلى تفاوت، فمنهم من تعاطت أو تحالفت معها كثيراً، ومنهم دون ذلك ومنهم ما بين ذلك، وإذا الاختلاف بين القوى السياسية اختلاف في درجة التعاطي.
ولكن كل القوى التي تعاملت أو تحالفت مع النظام وصلت إلى نتيجة واحدة "عدم مصداقية النظام". وهنا أجد لهم العذر في تشككهم وتوجسهم من دعوة الحوار الوطني، بل هنا أتفق معهم في التوجس والتشكك، ولكن ما يجري من قتال اليوم، وما يسقط من قتلى وجرحى من المواطنين العزل، وفي وسط الخرطوم كما رأينا في سبتمبر الماضي، يجعلنا نتجاوب مع دعوة الحوار رغم التوجس والتخوف والشكوك.
وقد تكون مواقف بعض قوى المعارضة ضماناً لنجاح الحوار، ولذا لا أرى مبرراً لمعارك جانبية مع القوى المعارضة، ولكن علينا السعي نحو تحقيق حوار جاد ومثمر، وأرى أن ما أشرت إليه من إجراءات تتخذها الحكومة قد تساعد في الحوار الوطني.


* ما هي قراءاتك لمواقف حزب الأمة القومي واشتراطات الصادق المهدي حول أجندة الحوار المتعلقة بالدستور وتأجيل الانتخابات وتشكيل حكومة قومية؟

- حزب الأمة القومي من أوائل الذين تعاطوا مع النظام وفق اتفاق جيبوتي المشهور، ومآلاته كانت وبالاً على الحزب، حيث أدى إلى انقسام حاد انضمت بموجبه قيادات فاعلة إلى الحكومة، ولم تعد مرة أخرى إلى الحزب، رغم أن بعضها قد اختلفت مع الحكومة وأصبحت معارضة لها اليوم. وهذا موقف يذكرني بما حدث لحزب الأمة في سبعينات القرن الماضي حين تمت المصالحة مع نميري بعد اللقاء بالصادق ببورتسودان، إذ نتج عنه انقسام في الحزب لم يتم رأبه إلا بعد الانتفاضة، وأنظر إلى مواقف الصادق من خلال التجربتين مع فارق ظرف الزمان، هذا ما كان من أمر حزب الأمة وقضاياه الداخلية كشأن ومشكلات الأحزاب الأخرى.
أما ما يطرحه من أجندة حوار تتعلق بالدستور وتأجيل الانتخابات وتشكيل حكومة قومية.. الخ، فهذه قضايا تقع في صلب وصميم الحوار، ويجب النظر إليها بموضوعية، وسأتطرق إليها ضمن الإجابة عن أسئلة هذا الحوار إن شاء الله.

* ماذا تقرأ من رفض الحزب الشيوعي لدعوة الرئيس عمر البشير إلى الحوار الوطني؟
الحزب الشيوعي من الذين شاركوا في النظام عبر نيفاشا والتجمع الوطني واتفاق القاهرة، وكان لهم من يمثلهم، ولكنه ربما كان من أشد القوى السياسية حزناً وأسىً لما آلت إليه نيفاشا من انفصال للجنوب واشتعال للحرب في كل من جبال النوبة والنيل الأزرق. فلا غرابة إن رفض الحوار، لا من حيث المبدأ، ولكن من حيث تجربته الماثلة مع النظام.
ومهما كانت مواقف الحزب الشيوعي فإن الإجراءات العملية نحو إلغاء القوانين المقيدة للحريات خاصة بشأن الإعلام والتعبير والتظاهر السلمي..الخ، كل هذه قد تقرب فجوة المواقف.
وقد نسبت بعض أجهزة الإعلام إلى أحد قيادات الحزب الشيوعي أنه اقترح تجميد القوانين المقيدة للحريات لمدة ٦٠ يوماً، وهذا المقترح جدير بالاعتبار إذا صح الخبر.
ومهما بلغ التباين الفكري بين الشيوعي والشعبي أو بسبب هذا التباين، فقد يكونان هما الأقرب لمعالجة بعض قضايا الوطن الآنية العاجلة أو هكذا أرى.
* في رأيكم إلى أي مدى كان للقاء العليين في برلين تأثير على تفكيركم في معالجة قضايا السودان في إطار النظام الحالي؟

- لست من المؤمنين بأن تنسب معالجة قضايا وهموم الوطن للأفراد، لأنهم زائلون وحسب، وإنما هذا قد يفسد النظر إلى القضايا بموضوعية.

* ما هي حيثياتكم عند التفكير في تلك المبادرة، وهل تعتقدون أن ما يجري من حديث حول مبادرة الرئيس عمر البشير عن الحوار الوطني أحد مآلاتها؟

- كلمة مبادرة  قد توحي بأن هنالك ترتيباً مسبقاً ومعداً للأمر- الشيء الذي يجافي  ما حدث في برلين، أو ما سميته أنت "لقاء العليين" كما تعلمون من ظرف اللقاء المشار إليه. ولكن القضايا التي أثيرت عفواً حينها هي القضايا التي تتصدر الأجندة الوطنية اليوم. ولا غروَّ أن يكون الرئيس عمر البشير هو المبادر بها، لأن الأمر بيده كما أشير من قبل إلى ذلك.



 

آراء