المؤرخ يوسف فضل حسن: رصانة الكسب وجزالة العطاء .. تأليف/أحمد إبراهيم أبوشوك (3) .. تقديم: د.عبد الله الفكي البشير
أ.د. أحمد إبراهيم أبوشوك
6 November, 2022
6 November, 2022
الحلقة الثالثة
المؤرخ يوسف فضل حسن: رصانة الكسب وجزالة العطاء
تأليف
أحمد إبراهيم أبوشوك
الناشر: الشارقة، معهد أفريقيا (نوفمبر، 2022)
***
تقديم
عبد الله علي إبراهيم
عبد الله الفكي البشير
******************
أعلنت هيئة الشارقة للكتاب اختيار البروفيسور يوسف فضل حسن شخصية العام الثقافية لفعاليات الدورة الـ41 من معرض الشارقة الدولي للكتاب (1-13 نوفمبر 2022)، الذي تتبلور رؤيته في تكريم أعلام الفكر والأدب والتاريخ، الذين شكلت جهودهم المعرفية إضافات نوعية إلى المكتبة العربية في مختلف المجالات. واستجابة لهذه الرؤية جاء اختيار يوسف، تقديراً لإسهاماته الجليلة في مجال الدراسات التاريخية في السودان، ودوره في تطوير العلاقات العربية-الأفريقية على المستوى الأكاديمي. وتثميناً لهذه الرؤية وإجلالاً لإسهامات يوسف يدشن معهد أفريقيا بإمارة الشارقة اليوم الثلاثاء 1 نوفمبر 2022 كتاباً بعنوان: "المؤرخ يوسف فضل حسن: رصانة الكسب وجزالة العطاء"، لمؤلف أحمد إبراهيم أبوشوك. وعليه يسرنا أن ننشر تباعاً تقديم البروفيسور عبد الله علي إبراهيم، (2) ويليه تقديم الدكتور عبد الله الفكي البشير، (3) ثم مقدمة المؤلف؛ لإلقاء إضاءات ساطعة على محتويات الكتاب، الناظم لسيرة يوسف في فضاءاتها المتعددة، والموثوقة في جوهرها بتمكين رسالة التعليم والتعلم، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع.
************
مقدمة
المؤلف
يقول نيلسون مانديلا: "التعليم هو أعظم محركٍ للنضوج الشخصي، فهو الذي يمكّن ابنة الفلاح من أن تصبح طبيبةً، وابن عامل المناجم من أن يصبح رئيسًا للمناجم، وابن عامل المزرعة من أن يصبح رئيسًا لأمةٍ عظيمةٍ. أمَّا ما يميز كل شخصٍ عن الآخر، فهو مهارة الشخص في توظيف ما عنده من قدراتٍ، وليس ما يُعطى إليه من مُقْتَنَيَاتٍ ومزايا." فإذا نظرنا إلى سيرة المؤرخ يُوسُف فضل حسن، نلحظ أنها لم تُؤسس على مُقْتَنَيَاتٍ ومزايا موروثة؛ ولكنها أُسست على رصانة كسب معرفي، حققه صاحب السيرة عبر مسيرته التعليمية، وعلى جزالة عطاءٍ بذله في مجال التدريس، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع، وبهذه الثنائية استقام ميسم سيرته الأكاديمية. وشأنه في ذلك شأن أساتذته البروفيسور مكي الطيب شبيكة، والبروفيسور عبد الله الطيب المجذوب؛ والبروفيسور إحسان عباس؛ وزملائه البروفيسور محمد إبراهيم أبو سليم، والبروفيسور عثمان سيد أحمد إسماعيل البيلي، والبروفيسور عون الشريف قاسم؛ وطلابه البروفيسور عبد الله علي إبراهيم، والبروفيسور سيد حامد حريز، والبروفيسور حسن مكي محمد أحمد.
اجتهد بعض الأكاديميين في كتابة طرفٍ من سير هؤلاء العلماء من زوايا مختلفة، فالبروفيسور قاسم عثمان نور، مثلًا، كتب عن: عبد الله الطيب المجذوب، ومحمد إبراهيم أبو سليم، وعون الشريف قاسم. لكن عبد الله علي إبراهيم، ينظر لنماذج مثل هذه السير من زاوية أنها أشبه بالسير الذاتية (Curriculum Vitae) الموسعة؛ لأنها من وجهة نظره تركز على الكسب الأكاديمي والعطاء المؤسس عليه، دون إمعان النظر في السياقات المجتمعية التي تعكس مراحل طفولة صاحب السيرة ونشأته الأولى، وشبكات علاقاته الأسرية السابقة لكسبه المعرفي وعطائه الوظيفي. وفي ضوء هذه الملاحظة الثاقبة، يحاول مؤلف سيرة "المؤرخ يُوسُف فضل حسن: رصانة الكسب وجزالة العطاء" أن يستأنس بالسياق التاريخي والسياسي والاجتماعي والثقافي الذي نشأ فيه صاحب السيرة، علَّ ذلك يعينه في رسم صورة ذهنية كاملة الأركان عن حياة "ابن الناظر" الأكاديمية؛ التي لم تنشأ من تلقاء نفسها في حوض من المزايا الموروثة؛ ولكنها أُسست على مهارة توظيف القدرة الذاتية في إطار الظروف الموضوعية المحيطة.
إذًا ما الدوافع الموضوعية وراء تأليف سيرة المؤرخ يُوسُف فضل حسن؟ الدوافع كثيرة، فأولها أنَّ دراسة سيرة يُوسُف تقدم للقارئين والباحثين نموذجًا فريدًا لكسب الفرد المعرفي (الخاص) في ظل السياسات التعليمية التي سنَّها المستعمر (العام)، وانبثقت منها مؤسسات تعليمية، شكَّلت الحواضن المعرفية التي استثمر يُوسُف في كنفها مهاراته الذاتية بكفاءة أهلته أن يكون مدرسًا وباحثًا وخادم مجتمع يشار إليه بالبنان في مجال تخصصه الأكاديمي.
وثانيها، أنَّ دراسة سيرة يُوسُف تقدم نموذجًا للمؤرخ الذي استطاع أن يعزز منهج الدراسات البينية، القائم على معالجة مشكلة البحث الواحدة من عدة زاويا منهجية، عابرة لحدود التخصصات الأكاديمية الوهمية، التي رسمتها المدرسة الوضعية بين العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم الأخرى المساعدة لها. ولذلك يُثمِّن البروفيسور سيد حامد حريز عملهم كمجموعة باحثين مع يُوسُف في شعبة أبحاث السُّودان ومعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية؛ لأن يُوسُف من وجهة نظره قد خلق لهم مناخًا أكاديميًّا، مكَّنهم من تجاوز هذه الحدود الوهمية، وأتاح لهم الفرصة للجلوس مع أساتذة وباحثين آخرين في مجال الاقتصاد، والعلوم السياسية، والزراعة، والصيدلية، وغيرها؛ لمعالجة موضوعات تتقاطع فيها المؤثرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وتُسهم في تشكيل جزئياتها بمقادير مختلفة. ومن هنا تأتي أهمية توثيق إسهام يُوسُف في مجال الدراسات البينية، المستند إلى مناهج تكاملية ومدونات مصدرية متعددة المشارب.
وثالثها، ضرورة توثيق رؤية يُوسُف في توظيف المعرفة التاريخية في خدمة القضايا المعاصرة، وأبلغ دليل ناجحٍ على هذه المزاوجة "مشروع سنار عاصمة الثقافة الإسلامية لسنة 2017"، الذي أشرف يُوسُف على إعداده وتنفيذه بكفاية عالية، وسنوضح ذلك بالتفصيل في الفصل السابع.
في ضوء هذه المسوغات الثلاثة يبقى سؤال المنهج قائمًا؛ لأن مناهج كتابة السير "الحياتية" تتباين حسب أهداف مؤلفيها ومنطلقاتهم البحثية؛ لكنها جميعًا تلتقي في جذع واحد ذي طابع نوعي. ولذلك استخدم المؤلف في كتابة سيرة المؤرخ يُوسُف فضل حسن منهجًا مركبًا، قوامه المنهج التاريخي؛ لتتبع مسار تجربة المترجم له في مراحلها المتعاقبة، ومعرفة الظروف السياسية والثقافية والاجتماعية التي أحاطت بتطورها الشخصي والأكاديمي. ووفق متطلبات هذا المنهج، تمَّت عملية جمع المعلومات والبيانات الخاصة بسيرة المؤرخ يُوسُف من مصادرها الأولية والثانوية، وتصنيفها وتحليلها، ثم إعادة توظيفها وعرضها حسب مقتضيات فصول السيرة. ويمثل الضلع الثاني للمنهج المركب إبراز العلاقة الجدلية بين العام والخاص، وكيف أثرت في صوغ سيرة يُوسُف الشخصية والأكاديمية. ونعني بالعام الظروف الموضوعية التي أحاطت بنشأته، وأسهمت في تكوينه الأولي وتطوير مراحله الحياتية؛ ونعني بالخاص القدرات الذاتية والمكتسبة التي امتلكها صاحب السيرة، ووظفها حسب معطيات الظروف الموضوعية المحيطة لتحقيق أهدافه المنشودة. ويتمثل الضلع الثالث للمنهج المركب في استخدام منهج تحليل المحتوى النوعي لدراسة أدبيات يُوسُف، وتفكيك محتوياتها، والبحث عن الخيط الناظم لها في إطار مشروعه البحثي، القائم على ثنائية التمازج العرقي والثقافي في تكوين شخصية إنسان سودان وادي النيل، والديناميات الحاكمة لعملية التأثير والتأثر بين المكونات العرقية والثقافية الموروثة والوافدة؛ وتحليل الأدبيات الأخرى التي لا تصب مباشرةً في حوض مشروعه الرئيس.
وشملت مصادر هذه السيرة المعلومات الأرشيفية والوثائقية عن نشأة السياسات التعليمية التي سنَّها الحكام الاستعماريون ومراحل تطورها، والمؤسسات التعليمية التي شكلت حواضن الكسب المعرفي لصاحب السيرة؛ والندوات الحوارية، والحوارات الصحافية، والمقابلات التلفزيونية التي أُجريت مع صاحب السيرة، وكذلك الذكريات، والمذكرات، والحوارات، والسير الذاتية التي كتبها بعض المعاصرين ليُوسُف أمثال الأستاذ الدكتور عبد الله أحمد عبد الله، والدكتور محمد خير عثمان، والأستاذ شوقي حسب الله ملاسي، وشهادات بعض طلبة المترجم له التي نشروها في شكل مقالات، أو جاءت في شكل إشارات في ثنايا بعض إصداراتهم العلمية. وتُضاف إلى ذلك الأدبيات التي أصدرها يُوسُف نفسه عن مشروعه البحثي الرئيس، الهادف إلى معالجة ثنائية التمازج العرقي والثقافي في سودان وداي النيل، والأدبيات المساندة له، وكتاباته عن المناهج التاريخية في كتابة تاريخ السُّودان واستثمار مصادره، ونظرته تجاه مؤسسات التعليم العالي في السُّودان، وآليات تطوير العلاقات العربية-الأفريقية.
هيكل السيرة
يتكون هيكل السيرة من مقدمة، وسبعة فصول، وخاتمة، وعدد من الملاحق، وثبت للمصادر والمراجع، وفهرس عام للأعلام والأماكن. يتناول الفصل الأول "عَالَم يُوسُف فضل حسن"، أي المحيط السياسي والثقافي والاجتماعي الذي شكل ثوابت ومتغيرات البيئة التي وُلِد يُوسُف في أحضانها وعاش سنوات تكوينه الأولى، وانعكاسات ذلك على مراحل تطوره الأكاديمي وأدائه الوظيفي. ويقدم الفصل الثاني "الميلاد والنشأة والتعليم قبل الجامعي، 1932-1948"، صورة ذهنية حية عن ميلاد يُوسُف في قرية تبورة بريفي شندي، المديرية الشمالية (ولاية نهر النيل حاليًا)، والظروف التي أحاطت بذلك الميلاد والنشأة في مجتمع القرية الصغير، والانتقال مع والده في أماكن عمله بمحطات السكة الحديد، وانعكاسات ذلك الانتقال على كسبه المعرفي، وتواصله الاجتماعي، وثقافته العامة ببيئات السُّودان المحليَّة. ويناقش الفصل أيضًا مراحله التعليمية، بدءًا بخلوة القرية وانتهاءً بمدرسة بورتسودان الوسطى الأميرية. ويركز الفصل الثالث "يُوسُف من كلية الخرطوم الجامعية إلى جامعة لندن (1952-1964)" على تراكم كسب يُوسُف المعرفي في كلية الخرطوم الجامعية ومدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، حيث نال درجة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي عام 1964. ويلقي الفصل الرابع "يُوسُف فضل حسن في جامعة الخرطوم (1964-2022)" الضوء على حياة يُوسُف الأكاديمية بعد عودته إلى جامعة الخرطوم، وإسهاماته في مجال التدريس، والبحث العملي، وخدمة المجتمع الجامعي، بحكم الوظائف الأكاديمية-الإدارية التي تقلدها في الفترة المشار إليها. ويقدم الفصل الخامس "المنهج التاريخي والمشروع البحثي" عرضًا تحليليًا لإلمام يُوسُف بالمناهج التاريخية وتطوراتها الحديثة والمعاصرة، ويناقش طبيعة المناهج التاريخية التي طبقها لإنجاز أبحاثه العلمية في مجال التاريخ. ويعالج الفصل السادس "حواشٍ على متون المشروع" الأبيات التي أصدرها يُوسُف في شكل حواشٍ لمشروعه الرئيس، سواء كانت موضوعات قائمة بذاتها تصب في عمق المشروع، أو أدبيات ذات صلة بالمشروع، أصدرها باحثون آخرون وقام يُوسُف بمراجعتها والتعليق عليها. أما الفصل السابع والأخير "التعليم العالي وخدمة المجتمع (1964-2022)"، فيناقش رؤية يُوسُف لنشأة مؤسسات التعليم العالي، وإسهاماته في تطورها، بحكم أنه قد شغل العديد من الوظائف الأكاديمية-الإدارية، بدءًا بتعيينه مديرًا لشعبة أبحاث السُّودان عام 1965 ومرورًا بتعيينه ثم انتخابه مديرًا لجامعة الخرطوم (1985-1990)، وانتهاءً بتعيينه مديرًا مؤسسًا (1997-1998) لجامعة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة. وإلى جانب ذلك يتطرق الفصل إلى استثمار يُوسُف للمعرفية التاريخية، وتسويقها، بحكم أنها من وجهة نظره النواة الأولى لإحداث أي نهوض اقتصادي واجتماعي وتنمية مستدامة وذلك في إطار خدماته التي قدمها لمؤسسات التعليم العالي والمجتمع المدني في السُّودان.
شكر وعرفان
يسرني في خاتمة هذه المقدمة أن أتقدم بأسمى آيات الشكر والعرفان لكل الذين قرؤوا مسودات هذا الكتاب كاملةً أو مجزأةً في مراحل مختلفة، ورفدوني بملاحظاتهم القيمة وتعليقاتهم المفيدة، التي أسهمت في تثقيف النصِّ منهجًا، ومضمونًا، ومصدرًا. وهم: الأستاذ الدكتور أحمد عبد الرحيم نصر (الخرطوم)، والدكتور حاجي أحمد صفر (الدوحة)، والدكتور منتهى أرتاليم زعيم (كوالالمبور)، والدكتور عباس الحاج الأمين (الدوحة)، والدكتورة نوار الشيخ محجوب جعفر (الدوحة)، والأستاذ محمد مصطفى النور (الخرطوم). وإنْ أنسى لا أنسى تصويبات صاحب السيرة، الأستاذ الدكتور يُوسُف فضل حسن، لبعض الوقائع التاريخية التي وردت في مسودات بعض الفصول، وأقدر إحجامه الصريح عن التعليق على التحليلات والاستنتاجات التي توصلت إليها من بعض النصوص والسرديات التاريخية؛ وبذلك ترك لنفسه مساحة لسماع الرأي الآخر. ويطيب لي أن أسدي الثناء الوافر إلى الدكتور عبد الله الفكي البشير (الدوحة)، الذي قدَّم لهذا الكتاب بعنايةٍ، بعد أن قرأ مسوداته الأولى قراءةً فاحصةً؛ ويستقيم ميسم الشكر والعرفان بالانحناء أمام الأستاذ الدكتور عبد الله علي إبراهيم (ميسوري)، الذي اطلع على فصول الكتاب بتدبرٍ، وعلَّق عليها، ثم قدَّم لها تقديمًا رصينًا، بحكم علاقته الحميمة مع صاحب السيرة، وشراكته في صناعة بعض أحداثها، وشهادة عيانه على بعض وقائعها، وإلمامه الواسع ببعض مفرداتها التي تقع في دائرة اهتماماته الأكاديمية واطلاعه المنبسط في فضاءات معرفية متعددة. وفي الختام يسعدني أن أتقدم بجزيل الشكر ووافر العرفان إلى الأستاذ الدكتور صلاح محمد حسن، مدير معهد أفريقيا بإمارة الشارقة في الإمارات العربية المتحدة، الذي رحب بفكرة نشر مسودة هذا الكتاب ضمن سلسلة إصدارات المعهد، تقديرًا لإسهامات يُوسُف في مجال الدراسات الأفريقية وتطوير مؤسسات التعليم العالي؛ ويمتد الثناء الجزيل إلى الأستاذ سطعان الحسن، رئيس قسم البرامج والمنشورات والبحوث بمعهد إفريقيا، الذي تابع إجراءات نشر مسودة هذا الكتاب، وإخراجها بالصورة الفنية الجميلة الماثلة بين يدي القارئ الكريم.
أحمد إبراهيم أبوشوك
feedback@sudanile.com
المؤرخ يوسف فضل حسن: رصانة الكسب وجزالة العطاء
تأليف
أحمد إبراهيم أبوشوك
الناشر: الشارقة، معهد أفريقيا (نوفمبر، 2022)
***
تقديم
عبد الله علي إبراهيم
عبد الله الفكي البشير
******************
أعلنت هيئة الشارقة للكتاب اختيار البروفيسور يوسف فضل حسن شخصية العام الثقافية لفعاليات الدورة الـ41 من معرض الشارقة الدولي للكتاب (1-13 نوفمبر 2022)، الذي تتبلور رؤيته في تكريم أعلام الفكر والأدب والتاريخ، الذين شكلت جهودهم المعرفية إضافات نوعية إلى المكتبة العربية في مختلف المجالات. واستجابة لهذه الرؤية جاء اختيار يوسف، تقديراً لإسهاماته الجليلة في مجال الدراسات التاريخية في السودان، ودوره في تطوير العلاقات العربية-الأفريقية على المستوى الأكاديمي. وتثميناً لهذه الرؤية وإجلالاً لإسهامات يوسف يدشن معهد أفريقيا بإمارة الشارقة اليوم الثلاثاء 1 نوفمبر 2022 كتاباً بعنوان: "المؤرخ يوسف فضل حسن: رصانة الكسب وجزالة العطاء"، لمؤلف أحمد إبراهيم أبوشوك. وعليه يسرنا أن ننشر تباعاً تقديم البروفيسور عبد الله علي إبراهيم، (2) ويليه تقديم الدكتور عبد الله الفكي البشير، (3) ثم مقدمة المؤلف؛ لإلقاء إضاءات ساطعة على محتويات الكتاب، الناظم لسيرة يوسف في فضاءاتها المتعددة، والموثوقة في جوهرها بتمكين رسالة التعليم والتعلم، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع.
************
مقدمة
المؤلف
يقول نيلسون مانديلا: "التعليم هو أعظم محركٍ للنضوج الشخصي، فهو الذي يمكّن ابنة الفلاح من أن تصبح طبيبةً، وابن عامل المناجم من أن يصبح رئيسًا للمناجم، وابن عامل المزرعة من أن يصبح رئيسًا لأمةٍ عظيمةٍ. أمَّا ما يميز كل شخصٍ عن الآخر، فهو مهارة الشخص في توظيف ما عنده من قدراتٍ، وليس ما يُعطى إليه من مُقْتَنَيَاتٍ ومزايا." فإذا نظرنا إلى سيرة المؤرخ يُوسُف فضل حسن، نلحظ أنها لم تُؤسس على مُقْتَنَيَاتٍ ومزايا موروثة؛ ولكنها أُسست على رصانة كسب معرفي، حققه صاحب السيرة عبر مسيرته التعليمية، وعلى جزالة عطاءٍ بذله في مجال التدريس، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع، وبهذه الثنائية استقام ميسم سيرته الأكاديمية. وشأنه في ذلك شأن أساتذته البروفيسور مكي الطيب شبيكة، والبروفيسور عبد الله الطيب المجذوب؛ والبروفيسور إحسان عباس؛ وزملائه البروفيسور محمد إبراهيم أبو سليم، والبروفيسور عثمان سيد أحمد إسماعيل البيلي، والبروفيسور عون الشريف قاسم؛ وطلابه البروفيسور عبد الله علي إبراهيم، والبروفيسور سيد حامد حريز، والبروفيسور حسن مكي محمد أحمد.
اجتهد بعض الأكاديميين في كتابة طرفٍ من سير هؤلاء العلماء من زوايا مختلفة، فالبروفيسور قاسم عثمان نور، مثلًا، كتب عن: عبد الله الطيب المجذوب، ومحمد إبراهيم أبو سليم، وعون الشريف قاسم. لكن عبد الله علي إبراهيم، ينظر لنماذج مثل هذه السير من زاوية أنها أشبه بالسير الذاتية (Curriculum Vitae) الموسعة؛ لأنها من وجهة نظره تركز على الكسب الأكاديمي والعطاء المؤسس عليه، دون إمعان النظر في السياقات المجتمعية التي تعكس مراحل طفولة صاحب السيرة ونشأته الأولى، وشبكات علاقاته الأسرية السابقة لكسبه المعرفي وعطائه الوظيفي. وفي ضوء هذه الملاحظة الثاقبة، يحاول مؤلف سيرة "المؤرخ يُوسُف فضل حسن: رصانة الكسب وجزالة العطاء" أن يستأنس بالسياق التاريخي والسياسي والاجتماعي والثقافي الذي نشأ فيه صاحب السيرة، علَّ ذلك يعينه في رسم صورة ذهنية كاملة الأركان عن حياة "ابن الناظر" الأكاديمية؛ التي لم تنشأ من تلقاء نفسها في حوض من المزايا الموروثة؛ ولكنها أُسست على مهارة توظيف القدرة الذاتية في إطار الظروف الموضوعية المحيطة.
إذًا ما الدوافع الموضوعية وراء تأليف سيرة المؤرخ يُوسُف فضل حسن؟ الدوافع كثيرة، فأولها أنَّ دراسة سيرة يُوسُف تقدم للقارئين والباحثين نموذجًا فريدًا لكسب الفرد المعرفي (الخاص) في ظل السياسات التعليمية التي سنَّها المستعمر (العام)، وانبثقت منها مؤسسات تعليمية، شكَّلت الحواضن المعرفية التي استثمر يُوسُف في كنفها مهاراته الذاتية بكفاءة أهلته أن يكون مدرسًا وباحثًا وخادم مجتمع يشار إليه بالبنان في مجال تخصصه الأكاديمي.
وثانيها، أنَّ دراسة سيرة يُوسُف تقدم نموذجًا للمؤرخ الذي استطاع أن يعزز منهج الدراسات البينية، القائم على معالجة مشكلة البحث الواحدة من عدة زاويا منهجية، عابرة لحدود التخصصات الأكاديمية الوهمية، التي رسمتها المدرسة الوضعية بين العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم الأخرى المساعدة لها. ولذلك يُثمِّن البروفيسور سيد حامد حريز عملهم كمجموعة باحثين مع يُوسُف في شعبة أبحاث السُّودان ومعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية؛ لأن يُوسُف من وجهة نظره قد خلق لهم مناخًا أكاديميًّا، مكَّنهم من تجاوز هذه الحدود الوهمية، وأتاح لهم الفرصة للجلوس مع أساتذة وباحثين آخرين في مجال الاقتصاد، والعلوم السياسية، والزراعة، والصيدلية، وغيرها؛ لمعالجة موضوعات تتقاطع فيها المؤثرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وتُسهم في تشكيل جزئياتها بمقادير مختلفة. ومن هنا تأتي أهمية توثيق إسهام يُوسُف في مجال الدراسات البينية، المستند إلى مناهج تكاملية ومدونات مصدرية متعددة المشارب.
وثالثها، ضرورة توثيق رؤية يُوسُف في توظيف المعرفة التاريخية في خدمة القضايا المعاصرة، وأبلغ دليل ناجحٍ على هذه المزاوجة "مشروع سنار عاصمة الثقافة الإسلامية لسنة 2017"، الذي أشرف يُوسُف على إعداده وتنفيذه بكفاية عالية، وسنوضح ذلك بالتفصيل في الفصل السابع.
في ضوء هذه المسوغات الثلاثة يبقى سؤال المنهج قائمًا؛ لأن مناهج كتابة السير "الحياتية" تتباين حسب أهداف مؤلفيها ومنطلقاتهم البحثية؛ لكنها جميعًا تلتقي في جذع واحد ذي طابع نوعي. ولذلك استخدم المؤلف في كتابة سيرة المؤرخ يُوسُف فضل حسن منهجًا مركبًا، قوامه المنهج التاريخي؛ لتتبع مسار تجربة المترجم له في مراحلها المتعاقبة، ومعرفة الظروف السياسية والثقافية والاجتماعية التي أحاطت بتطورها الشخصي والأكاديمي. ووفق متطلبات هذا المنهج، تمَّت عملية جمع المعلومات والبيانات الخاصة بسيرة المؤرخ يُوسُف من مصادرها الأولية والثانوية، وتصنيفها وتحليلها، ثم إعادة توظيفها وعرضها حسب مقتضيات فصول السيرة. ويمثل الضلع الثاني للمنهج المركب إبراز العلاقة الجدلية بين العام والخاص، وكيف أثرت في صوغ سيرة يُوسُف الشخصية والأكاديمية. ونعني بالعام الظروف الموضوعية التي أحاطت بنشأته، وأسهمت في تكوينه الأولي وتطوير مراحله الحياتية؛ ونعني بالخاص القدرات الذاتية والمكتسبة التي امتلكها صاحب السيرة، ووظفها حسب معطيات الظروف الموضوعية المحيطة لتحقيق أهدافه المنشودة. ويتمثل الضلع الثالث للمنهج المركب في استخدام منهج تحليل المحتوى النوعي لدراسة أدبيات يُوسُف، وتفكيك محتوياتها، والبحث عن الخيط الناظم لها في إطار مشروعه البحثي، القائم على ثنائية التمازج العرقي والثقافي في تكوين شخصية إنسان سودان وادي النيل، والديناميات الحاكمة لعملية التأثير والتأثر بين المكونات العرقية والثقافية الموروثة والوافدة؛ وتحليل الأدبيات الأخرى التي لا تصب مباشرةً في حوض مشروعه الرئيس.
وشملت مصادر هذه السيرة المعلومات الأرشيفية والوثائقية عن نشأة السياسات التعليمية التي سنَّها الحكام الاستعماريون ومراحل تطورها، والمؤسسات التعليمية التي شكلت حواضن الكسب المعرفي لصاحب السيرة؛ والندوات الحوارية، والحوارات الصحافية، والمقابلات التلفزيونية التي أُجريت مع صاحب السيرة، وكذلك الذكريات، والمذكرات، والحوارات، والسير الذاتية التي كتبها بعض المعاصرين ليُوسُف أمثال الأستاذ الدكتور عبد الله أحمد عبد الله، والدكتور محمد خير عثمان، والأستاذ شوقي حسب الله ملاسي، وشهادات بعض طلبة المترجم له التي نشروها في شكل مقالات، أو جاءت في شكل إشارات في ثنايا بعض إصداراتهم العلمية. وتُضاف إلى ذلك الأدبيات التي أصدرها يُوسُف نفسه عن مشروعه البحثي الرئيس، الهادف إلى معالجة ثنائية التمازج العرقي والثقافي في سودان وداي النيل، والأدبيات المساندة له، وكتاباته عن المناهج التاريخية في كتابة تاريخ السُّودان واستثمار مصادره، ونظرته تجاه مؤسسات التعليم العالي في السُّودان، وآليات تطوير العلاقات العربية-الأفريقية.
هيكل السيرة
يتكون هيكل السيرة من مقدمة، وسبعة فصول، وخاتمة، وعدد من الملاحق، وثبت للمصادر والمراجع، وفهرس عام للأعلام والأماكن. يتناول الفصل الأول "عَالَم يُوسُف فضل حسن"، أي المحيط السياسي والثقافي والاجتماعي الذي شكل ثوابت ومتغيرات البيئة التي وُلِد يُوسُف في أحضانها وعاش سنوات تكوينه الأولى، وانعكاسات ذلك على مراحل تطوره الأكاديمي وأدائه الوظيفي. ويقدم الفصل الثاني "الميلاد والنشأة والتعليم قبل الجامعي، 1932-1948"، صورة ذهنية حية عن ميلاد يُوسُف في قرية تبورة بريفي شندي، المديرية الشمالية (ولاية نهر النيل حاليًا)، والظروف التي أحاطت بذلك الميلاد والنشأة في مجتمع القرية الصغير، والانتقال مع والده في أماكن عمله بمحطات السكة الحديد، وانعكاسات ذلك الانتقال على كسبه المعرفي، وتواصله الاجتماعي، وثقافته العامة ببيئات السُّودان المحليَّة. ويناقش الفصل أيضًا مراحله التعليمية، بدءًا بخلوة القرية وانتهاءً بمدرسة بورتسودان الوسطى الأميرية. ويركز الفصل الثالث "يُوسُف من كلية الخرطوم الجامعية إلى جامعة لندن (1952-1964)" على تراكم كسب يُوسُف المعرفي في كلية الخرطوم الجامعية ومدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، حيث نال درجة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي عام 1964. ويلقي الفصل الرابع "يُوسُف فضل حسن في جامعة الخرطوم (1964-2022)" الضوء على حياة يُوسُف الأكاديمية بعد عودته إلى جامعة الخرطوم، وإسهاماته في مجال التدريس، والبحث العملي، وخدمة المجتمع الجامعي، بحكم الوظائف الأكاديمية-الإدارية التي تقلدها في الفترة المشار إليها. ويقدم الفصل الخامس "المنهج التاريخي والمشروع البحثي" عرضًا تحليليًا لإلمام يُوسُف بالمناهج التاريخية وتطوراتها الحديثة والمعاصرة، ويناقش طبيعة المناهج التاريخية التي طبقها لإنجاز أبحاثه العلمية في مجال التاريخ. ويعالج الفصل السادس "حواشٍ على متون المشروع" الأبيات التي أصدرها يُوسُف في شكل حواشٍ لمشروعه الرئيس، سواء كانت موضوعات قائمة بذاتها تصب في عمق المشروع، أو أدبيات ذات صلة بالمشروع، أصدرها باحثون آخرون وقام يُوسُف بمراجعتها والتعليق عليها. أما الفصل السابع والأخير "التعليم العالي وخدمة المجتمع (1964-2022)"، فيناقش رؤية يُوسُف لنشأة مؤسسات التعليم العالي، وإسهاماته في تطورها، بحكم أنه قد شغل العديد من الوظائف الأكاديمية-الإدارية، بدءًا بتعيينه مديرًا لشعبة أبحاث السُّودان عام 1965 ومرورًا بتعيينه ثم انتخابه مديرًا لجامعة الخرطوم (1985-1990)، وانتهاءً بتعيينه مديرًا مؤسسًا (1997-1998) لجامعة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة. وإلى جانب ذلك يتطرق الفصل إلى استثمار يُوسُف للمعرفية التاريخية، وتسويقها، بحكم أنها من وجهة نظره النواة الأولى لإحداث أي نهوض اقتصادي واجتماعي وتنمية مستدامة وذلك في إطار خدماته التي قدمها لمؤسسات التعليم العالي والمجتمع المدني في السُّودان.
شكر وعرفان
يسرني في خاتمة هذه المقدمة أن أتقدم بأسمى آيات الشكر والعرفان لكل الذين قرؤوا مسودات هذا الكتاب كاملةً أو مجزأةً في مراحل مختلفة، ورفدوني بملاحظاتهم القيمة وتعليقاتهم المفيدة، التي أسهمت في تثقيف النصِّ منهجًا، ومضمونًا، ومصدرًا. وهم: الأستاذ الدكتور أحمد عبد الرحيم نصر (الخرطوم)، والدكتور حاجي أحمد صفر (الدوحة)، والدكتور منتهى أرتاليم زعيم (كوالالمبور)، والدكتور عباس الحاج الأمين (الدوحة)، والدكتورة نوار الشيخ محجوب جعفر (الدوحة)، والأستاذ محمد مصطفى النور (الخرطوم). وإنْ أنسى لا أنسى تصويبات صاحب السيرة، الأستاذ الدكتور يُوسُف فضل حسن، لبعض الوقائع التاريخية التي وردت في مسودات بعض الفصول، وأقدر إحجامه الصريح عن التعليق على التحليلات والاستنتاجات التي توصلت إليها من بعض النصوص والسرديات التاريخية؛ وبذلك ترك لنفسه مساحة لسماع الرأي الآخر. ويطيب لي أن أسدي الثناء الوافر إلى الدكتور عبد الله الفكي البشير (الدوحة)، الذي قدَّم لهذا الكتاب بعنايةٍ، بعد أن قرأ مسوداته الأولى قراءةً فاحصةً؛ ويستقيم ميسم الشكر والعرفان بالانحناء أمام الأستاذ الدكتور عبد الله علي إبراهيم (ميسوري)، الذي اطلع على فصول الكتاب بتدبرٍ، وعلَّق عليها، ثم قدَّم لها تقديمًا رصينًا، بحكم علاقته الحميمة مع صاحب السيرة، وشراكته في صناعة بعض أحداثها، وشهادة عيانه على بعض وقائعها، وإلمامه الواسع ببعض مفرداتها التي تقع في دائرة اهتماماته الأكاديمية واطلاعه المنبسط في فضاءات معرفية متعددة. وفي الختام يسعدني أن أتقدم بجزيل الشكر ووافر العرفان إلى الأستاذ الدكتور صلاح محمد حسن، مدير معهد أفريقيا بإمارة الشارقة في الإمارات العربية المتحدة، الذي رحب بفكرة نشر مسودة هذا الكتاب ضمن سلسلة إصدارات المعهد، تقديرًا لإسهامات يُوسُف في مجال الدراسات الأفريقية وتطوير مؤسسات التعليم العالي؛ ويمتد الثناء الجزيل إلى الأستاذ سطعان الحسن، رئيس قسم البرامج والمنشورات والبحوث بمعهد إفريقيا، الذي تابع إجراءات نشر مسودة هذا الكتاب، وإخراجها بالصورة الفنية الجميلة الماثلة بين يدي القارئ الكريم.
أحمد إبراهيم أبوشوك
feedback@sudanile.com