المرشد إلى فهم مهدية محمد أحمد المهدى بن عبدالله (7)

 


 

 


فنومنولوجيا المهدية: 
ابن خلدون: إشكاليات الامامة والخلافة والمهدى المنتظر
حقيقة الملك والسلطة:
يرى عبد الرحمن ابن خلدون ( 784-808 هجرية) أن الاجتماع البشرى من الضرورة بمكان ويشكل حقيقة الملك من حيث ارتباطه بالقهر والغلبة اى القوة المحضة ؛ ونظرا لأن شهوانية السلطة  تقود إلى مجانبة الحق والإجحاف بالرعية فى شؤون الدنيا فينجم عن ذلك القتل والتمرد السياسى والعصبية ؛ وأن ذلك لا يمكن إصلاحه بدون التواصى بقوانين سياسية مفروضة ينقاد لها المجتمع البشرى ؛ وان عدم الالتزام بهذه القوانين السياسية التى يرتضيها الكافة (الشعب) سيكون بدوره معوقا لعملية استباب امن السلطة السياسية. (مقدمة ابن خلدون: دار الكتاب العربى؛ بيروت؛ 1996 ؛ ص 184).  
ومن حيث الدلالة  التشريعية تكون القوانين السياسية التى يحتكم اليها الكافة عقلية إذا قام بفرضها العقلاء والبصراء والاكابر فى ذلك المجتمع ؛اما اذا كانت تلك القوانين مفروضة من الله بشارع يقررها ويشرعها كانت سياسة دينية نافعة فى الحياة الدنيا والآخرة. وأن الحكمة السياسية تقتضى عدم إجراء مقتضيات السياسة على القهر والغلبة وإهمال القوة العصبية ما يقود  إلى " فجور وعدوان مذموم". 
ويصنف ابن خلدون ثلاثة نظم حكم سياسية كالتالى:
الملك الطبيعى:
وهو حمل الكافة على مقتضى الغرض والشهوة. 
الحكم السياسى: 
وهو حمل الكافةعلى مقتضى النظّر العقلى فى جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار. 
الخلافة أو الامامة: 
وهى حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعى (احكام الشريعة) فى مصالح الإجتماع البشرى الدنيوية والأخروية الراجعة إليها ؛ وهى خلافة عن صاحب الشرع فى حراسة الدين وسياسة الدنيا والقائم بها يسمى خليفة او إمام. فهو خليفة من حيث خلافته للنبى ص فى امته ؛ ويقال له  ايضا "خليفة رسول الله" و" خليفة الله " للخلافة العامة على الناس ؛ وإن كان إماما فتسمى" الامامة الكبرى" تمييزا لها عن إمامة الصلاة (م. سابق ؛ ص 185-186 ).
ومن المهام الرئيسة للخلافة او الامامة الكبرى:(ص 187)
•       الفصل فى النزاعات الناجمة من تضارب مصالح المجتمع البشرى 
•       الحيلولة دون هلاك البشر جراء الهرج -القتل- 
•       ان يكون الحاكم وازعا؛ والوازع لا يكون إلا بشرع من الله تنقاد له الكافة عن إيمان وإعتقاد 
•       نصب الامام ووجود الرؤساء أهل الشوكة لرفع التنازع وتعريف كل فرد بتحريم الظلم 
•       كف الاجتماع الانسانى عن التظالم والتنازع 
ويورد ابن خلدون شروط لمنصب الخليفة أو الامام يجب ان يستوفيها كل مرشح لذلك المنصب: (م. سابق ؛ ص 189)
•       العلم بأحكام الله ؛
•       العدالة ؛ 
•       الكفاية ؛ وتتطلب الجرأة على إقامة الحدود وتقّحم الحروب بجانب البصارة والإلمام بالعصبية واحوال الدهاء ؛ والقوة لتحمل معاناة السياسة كى يتمكن الحاكم من حماية الدين وجهاد العدو وإقامة الاحكام وتدبير مصالح الرعية
•       سلامة الاعضاء والحواس مما يؤثر فى الرأى والعمل ( انتفاء الجنون والعمى والصمم وفقدان الاعضاء والحواس)
•       ان يكون مجتهدا لا مقلدا لأن التقليد يعد نقصا وان الإمامة تستدعى الكمال فى الأحوال والأوصاف  
•       النسب القرشى وذلك لإجماع الصحابة فى سقيفة بنى ساعده على اسبقية المهاجرين عندما قال الانصار من الخزرج - منا امير ومنكم أمير- وقدموا سعد بن عبادة لخلافة الرسول ص. 
•       ويقول ابن خلدون ان شرط القرشية انتفى بمرور الزمن لما ألم بقريش من الضعف وزوال عصبيتهم فعجزوا عن حمل الخلافة وتغلبت عليهم الاعاجم وصار الحل والعقد لهم. وانتفاء شرط القرشية قال به القاضى أبو بكر الباقلانى  ورغم ذلك فقد تمسك جمهور الفقهاء بشرط القرشية وصحة إمامة القرشى.
ابن خلدون واحاديث المهدى:
نظم جلال الدين السيوطى الفية علم الحديث شعرا ليبين القوانين والأحكام الضابطة لمعرفة متن وسند الحديث والمقبول منه والمردود. والسند أو الإسناد هو الاخبار عن طريق المتن ؛ والمتن ما انتهى إليه السند من الكلام. ويقّسم الحديث الى صحيح وحسن وضعيف حسبما أضيف فيه للنبى ص من قول وفعل وتقرير.  والحديث الحسن هو ما اتصل بنقل عدل قل ضبطه ؛ والضعيف وهو الذى لم تنطبق عليه شروط الحسن وهو على مراتب (جلال الدين عبد الرحمن السيوطى:ألفية السيوطى فى علم الحديث ؛ دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع؛ 2004 ؛ص 19؛ 26).
وعليه ينقسم الحديث إلى مسند ومرفوع وموقوف ومقطوع وموصول ومعضل ومرسل ومعّلق ومُعَنعَن ومدلس. ومن حيث الاسانيد يقسم الحديث الى: شاذ ومحفوظ ومُنكر ومعروف ومتروك وفرد وغريب وعزيز ومشهور ومستفيض ومتواتر ومٌعّل ومضطرب ومقلوب ومدرج وموضوع. وحد الصحيح مسند بوَصلِه بنقل عدل ضابط عن مثله (م. سابق ص 6-8).
ويشتمل علم الحديث على مراتب التعديل والتجريح وتحمل الحديث واقسامه وكتابة الحديث وبطه وصفة رواية الحديث وآداب المحدث وطالب الحديث؛ والعالى والنازل والمسلسل؛  وغريب الفاظ الحديث والمصّحَف والمحّرَف ؛ والناسخ والمنسوخ ؛ ومؤتلف ومختلف الحديث ؛ واسباب الحديث ؛ ومعرفة الصحابة والتابعين واتباعهم ؛ ورواية الأكابر عن الأصاغر والصحابة عن التابعين ؛ ورواية الأقران والإخوة والأخوات ورواية الآباء عن الأبناء وعسكه والسابق واللاحق ؛ ومن اسند عليه من الصحابة ؛ ومعرفة الثقات والضعفاء ؛ ومن خلط عن الثقات وطبقاة الرواة واوطانهم ( م. سابق ص 190-193).  
فى الفصل الثانى والخمسون الذى عقده  فى امر الفاطمى يذكر عبد الرحمن بن خلدون حتمية ظهور المهدى الفاطمى الذى يتبعه المسلمون ويستولى على الممالك الاسلامية فى آخر الزمان ؛ وهو الإعتقاد الشائع لدى كافة اهل الاسلام ؛ اما الدجال فسوف يخرج بعد المهدى ؛ وان عيسى بن مريم سينزل ليقتل الدجال او يعين المهدى على قتله ويأتم بالمهدى فى صلاته. 
وذكر من رواة أحاديث المهدى: الترمذى وابو داود والبزار وابن ماجه والحاكم والطبرانى وأبو يعلى الموصلى ؛ بجانب الصحابة الذين اسندت إليهم الاحاديث الإمام على بن ابى طالب وعبد الله بن عباس وانس بن مالك وعبد الله ابن عمر وطلحة وعبدالله بن مسعود وابو هريرة وام سلمة وام حبيبة وابو سعيد الخدرى وعلى الهلالى وثوبان وقرة بن إياس وعبد الله بن الحارث.  (عبد الرحمن بن خلدون: تاريخ ابن خلدون ؛م 1 ؛ دار الكتب العلمية ؛ بيروت ؛1992 ص 330).
وانبرى ابن خلدون لإستعراض راى أئمة الحديث حول احاديث المهدى الواردة فى الصحاح مشيرا إلى مطاعن أئمة الحديث المنكرين فيها واسانيد طعونهم حيث قدم علماء الحديث الجرح على التعديل. فحيثما وجدوا سببا موجبا للطعن فى سلسلة الاسناد مثل علة سوء الحفظ او الضعف او سوء الرأى أو الانتماء لطائفة من الخوارج او منحى ايدولوجيا مفارقا لجماعة المسلمين فإن ذلك يعد كافيا للقدح فى صحة الحديث والانتقاص من درجة صدقيته. ومثال ذلك إتهام  أئمة الحديث ابا بكر الإسكاف بأنه وضّاع للحديث وان الحديث الوارد فى فوائد الاخبار المسنود الى مالك بن انس - من كذّب بالمهدى فقد كفر ومن كذّب بالدجال فقد كذب- يعد من غريب الحديث (م. سابق ص 331).
كما طعن أئمة الحديث من اهل السنة فى صحة احاديث المهدى التى وجدوا فى إسنادها احد الشيعة امثال فِطر بن حليفة فى حديث اخرجه أبو داود –لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من اهل بيتى يملؤها عدلا كما ملئت جورا- وسبب ذلك ان كلا من الدارقطنى وابو بكر عياش والجرجانى لا يحتجون باحاديثه نظرا لسوء مذهبه او لأنه زائغ غير ثقة. 
وطعنوا كذلك فى حديث هارون بن المغيرة عن الحسين: إن ابنى هذا سيد وسيخرج من صلبه رجل اسمه اسم نبيكم يملا الارض عدلا ؛ والسبب فى ذلك ان هارون كان متشيعا (م. سابق ص 334- 336). كما طعنوا فى صحة احاديث عمران بن القطان لأنه كان حروريا ( منتميا الى طائفة الحرورية بالكوفة وهم من الخوارج ممن كفر الامام على وقالوا بتقديم العقل على النقل) من أصحاب الحسن واصدر فتوى على عهد ابراهيم بن عبدالله بن الحسن (اخ ذو النفس الزكية الذى فر الى البصره على عهد المنصور) مبيحا سفك الدماء؛ وان البخارى اخرج احاديثه استشهادا لا أصلا وكذلك ردوا احاديث يزيد ابن ابى زياد لا سيما حديث الرايات السوداء المعروف لدى ائمة الحديث لأنه رّفاعا؛ اى كان يقوم برفع الأحاديث غير المرفوعة  ولأنه من شيعة اهل الكوفة ؛ وكذلك عمار الدّهنى وعبد الرزاق بن همّام لأنهما اشتهرا بالتشيع ( م. سابق ص 341) .
ويبدو ان السبب فى رد الأحاديث الوارد فى سلسلة اسنادها احد الشيعة ؛ قول ابن خلدون ان الامامية والرافضة من الشيعة قالوا بتفضيل الامام على وإمامته ووصايته والامام المعصوم والتبرىء من الشيخين (ابوبكر الصديق وعمر بن الخطاب) ؛ وان الاسماعيلية يزعمون ألوهية الامام بالحلول ؛ ومنهم من يدعى رجعة الموتى من الإئمة بالتناسخ ؛ وفئة منهم تنتظر " عود الامر فى اهل البيت " بالتعويل على احاديث المهدى (م . سابق ص 343) .  
ولقد اُختلِف فى  حديث الترمذى وأبى داود المسنود الى ابن عباس من طريق عاصم بن أبى النجود إلى زِرّ بن حُبيش عن عبد الله بن مسعود عن النبى ص ؛ ان المهدى يواطىء اسمه واسم ابيه اسم النبى ص واسم ابيه ؛ فقد كان عاصم بن أبى النجود احد القراء السبعة وأحد أئمة المسلمين ؛ ورغم ان الامام احمد بن حنبل اشاد بصلاحه بوصفه خيّرِا وقارئا للقرآن إلا ان هناك من إتهمه بسوء الحفظ ومن وصف رواية زر وابى وائل بالضعف مثل الدارقطنى ويحيى بن القطان ؛ اما الامام الذهبى فقد قال انه حسن الحديث. اما ابن خلدون فقال ان الشيخين (البخارى ومسلم ) قام كل منهما بتخريج احاديثه ولكنهما لم يخرجها أصيلة عنه بل مقترنة بغيرها ( م. سابق ص  332). 
وكذلك ضعف أئمة الحديث الأحاديث المسنودة الى: هارون بن المغيرة لأنه رجل شيعى ؛ واحاديث عمر بن أبى قبيس لوهمه فى الحديث ؛ وابى إسحاق السبيعى لأنه عانى من التخليط فى آخر عمره ؛ وعلى بن نفيل لأنه تفرد بحديث المهدى من ولد فاطمة ومنقطع الرواية عن على ؛ وقتادة لأنه مُدلِس؛ وزيد العِمىِّ لأنه يحرر الأحاديث ؛ وابى هارون العلوى لأنه كذاب ( م. سابق 333- 337). وقال ابن خلدون بعد استعراض طائفة من احاديث المهدى التى اخرجها الترمذى وابو داود وابن ماجه والطبرانى فى معجمه الاوسط " ... وهى كما رأيت لم يخل منها من النقد إلا القليل أو الأقل منه." (م. سابق ص  343 ).  
وذكر ابن خلدون بعض امثلة المُتَمهديين بالمغرب حيث فشلت دعاوى كل الذين قاموا بإنتحال دعوة الفاطمى (المهدى) امثال التويزرى فى منطقة السوس بالمغرب الأقصى والذى انتهت دعوته بمقتله فى منطقة ماسه اوائل عام 800 هجرية ؛ وكذلك العباس الذى خرج فى منطقة غمارة فى عام 917 هجرية مدعيا انه المهدى وانتهت دعواه بمقتله ( م . سابق ص 349)

faran.idriss5@gmail.com
/////////

 

آراء