المرشد إلى فهم مهدية محمد أحمد المهدى بن عبدالله (13)

 


 

 


 
فنومنولوجيا المهدية:

إضاءة شرفة الشرف فى شجرة النسب المهدوى

أشرنا من قبل إلى ان الامام المهدى وعلى الارجح ولد بجزيرة لبب احدى جزر الاشراف بمنطقة دنقلا بشمال السودان فى ليلة الاثنين 27 رجب عام 1260 هجرية / الموافق الاسبوع الثانى من اغسطس 1845 م ؛ وفى رواية اخرى 12 اغسطس 1844؛ والتى اقام فيها اجداده الأشراف. وومكى شبيكة فى كتابه السودان عبر القرون استخدم لفظة "السيد" عبدالله والد الامام المهدى بعد ان اكد ان مولد محمد احمد كان فى عام 1260 هجريه (ص 250) وحذا حذوه عبد الودود شلبى.  ان شهادة الفقيه حمد عبد الصادق ويبدو انه احد رفاق الامام المهدى حينما تلقى العلم لدى الشيخ القرشى ابن الزين . وقد  قام حمد عبد الصادق احد تلامذة الشيخ القرشى ابن الزين آخر اساتذة المهدى قبل إعلان مهديته بزيارة السيد محمد احمد بالجزيرة أبا فى رجب 1298 هجرية/1880 م ؛ وشهد أول افصاح سرى عن مهدية محمد أحمد. وهناك من إدعى بان الإمام المهدى لما عزم على القول بالمهدية عمل على ترفيع نسبه والحقه بنسب الامام على ابن طالب لكى يستخم ذلك برهانا على مهديته امثال نعوم شقير ورودولف فون سلاطين باشا. الأول كتب كتابا عن أنساب العرب فى سيناء ولكنه لم يدعم زعمه حول نسب الامام المهدى بتحقيق او ببحث ؛ ونظرا لأنه عنصر استخبارى ناقض ملكته الأكاديمية بالانتقاص من نسب المهدى بدافع سياسى ؛ ويستوى فى ذلك ما اقبل عليه الجنرال كتشنر من قصف لقبة الامام المهدى بدافع سياسى نتناوله فى موضعه من البحث لاحقا. وام الامام المهدى اسمها السيدة زينب بنت نصر بن طه بن عدلان المرفوع نسبها الى العباس ؛ وقد دفنت فى مدينة الخرطوم حيث يقع ضريحها داخل مستشفى الشعب التعليمى بالخرطوم (د. موسى عبد الله حامد . تبصرة وذكرى -الدار السودانية ص 20؛22)

الشرف وظعينة الاشراف:

عبارة الشريف تعنى السيد فى قومه والعلى فى رهطه ؛ واصطلح على عبارة الشريف/الأشراف نعتا لذرية الحسن والحسين من ابناء الامام على ابن طالب. وقال ابن رسول فى كتابه طرفة الاصحاب ان الشرف لايطلق على من كان من ذرية أولاد على بن ابى طالب ؛ بل على من كان من ذرية أولاده من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما الحسن والحسين. أما أولاد الامام على من غير فاطمة فيطلق عليهم العلويون ولا يسمون أشرافا (ص 93). وهناك من يطلق عبارة الأشراف العلويين على كل من كان جده الاعلى على بن ابى طالب حيث هاجر الاشراف الجعافرة من المدينة الى الصعيد واقاموا فى اسوان وذلك اثر نشوب نزاع بالمدينة المنورة بين بنى الحسن بن على بن ابى طالب وابناء عمومتهم الجعافرة ( ابن خلدون ج6 ص 109؛ دور القبائل العربية فى صعيد مصر ص57 ).  

وتعرض العلويين لقمع الدولة العباسية المتخوفة من منازعتهم سلطانها ؛ فهاجرت اعداد منهم وأقامت فى طوخ الخيل التابعة لأعمال الاشمونيين بصعيد مصر بقيادة على بن محمد بن الحسن بن على بن ابى طالب فى عام 145 هجرية ( الزركلى : الاعلام ؛ ج9 ص 137) .

وتاريخ هذه الهجرة يتطابق مع العام الذى أعلن فيه ذو النفس الزكية عن مهديته بالمدينة المنورة ولكنها تعثرت مما ادى إلى مقتله وتشتت شمل مناصريه العلويين. وفى وقت لاحق اصدر الخليفة العباسى المتوكل (232-247 هجرية) امرا فى عام 236 هجريه بإخراج العلويين من الفسطاط بمصر وترحليهم إلى العراق ثم إلى المدينة المنورة ؛ فإضطرت اعداد كبيرة منهم إلى الهروب إلى صعيد مصر بمنطقة أسوان واتخذوه ملجأ لهم ( م. سابق ص57). ولقد عاشت السيدة نفيسه بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن على فى مصر مع زوجها إسحق بن جعفر الصادق إلى حين وفاتها فى عام 208 هجرية /824 م.

نسب المهدى وصلته بذى النفس الزكية:

شجرة نسب المهدى التى بين أيدينا تضم ثلاثين جدا  كما ورد فى قصيدة القاضى الشرعى الشيخ محمد الأمين القرشى وذلك حتى الجد الاعلى على بن ابى طالب ؛ وتدل على 10 قرون بتقنيات علم الانساب حيث يسع القرن ثلاثة: الجد والأب والولد. ومن الاجداد الذين برزت اسماؤهم الجد العاشر نصر الدين بن عبد الكريم الذى تنقل فى حل وظعن حتى وصوله دنقلا واقام فيها فى قرية حملت نفس اسم القرية التى كانوا فيها فى صعيد مصر وهى الخناق حيث أقام الاجداد الاعلون فى كشتمة بين اسوان والدر بصعيد مصر(عبد الودود شلبى؛ ص 17) . ومنهم جده التاسع صبر بن السيد نصرالدين عبدالكريم وهو الذى حملت العائلة إسمه  فى اللغة النوبية " صبر نسى" كما ذكرنا آنفا.  بالاضافة إلى أشهر اجداده فى منطقة دنقلا وهو الجد الخامس حاج شريف الذى عاش فى جزيرة لبب حتى بلغ عمره  130 سنه  كما ذكرنا آنفا.

ويؤكد هذا النسب الشريف ما كتبه المحقق العارف الشيخ عبد المحمود نورالدائم الطيبىّ السمانى وهو مؤرخ وفقيه من اميز عقول مدرسة الطريقة السمانية بالسودان فقد ذكر إن مولد محمد احمد  كان " بلبب احدى جزائر الاشراف بدنقلا ... وهو ينسب إلى الامام الحسن بن على بن ابى طالب رضى الله عنه وإلى الحسين  وأمه من بنى العباس ". ( أزاهير الرياض ط 3 ؛ 1393 هجرية-1973 م  مكتبة القاهرة ص 312). والشيخ عبد المحمود يكبر الامام المهدى بعام واحد وكتب عن اخلاقه خلال مدة العشرين عاما التى قضاها المهدى برفقة استاذه الشيخ محمد شريف نور الدائم.  

ولقد ذكر ابن حزم الاندلسى فى كتابه الشهير – جمهرة انساب العرب – حول انساب الاشراف الحسنيين (ص 3 ) نسب يعقوب احد ابناء الحسن بن على بن ابى طالب ؛ وهو " يعقوب بن عبدالله بن الحسن بن الحسن ( المثنى ) بن الحسن (السبط ) بن على بن ابى طالب ". كما نعثر على " الفاضل بن الحسن بن الحسن( المثنى ) بن الحسن ( السبط ) بن على بن ابى طالب " وهو عم يعقوب جد المهدى الأعلى . ومعروف ان للامام المهدى ابنا يدعى الفاضل. ومما يجدر بالذكر ان ذا النفس الزكية ( محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن ابى طالب) والذى انتهت مهدويته بمقتله فى عام 145 هجرية بالمدينة المنورة هو أخو يعقوب بن عبد الله بن الحسن الوارد اسمه فى شجرة نسب المهدى وهو الجد التاسع والعشرين. ولذلك نقترح إدراج جدين آخرين فى شجرة نسب المهدى وهم على التوالى يمثلون والد يعقوب وهو الحسن ؛ وجده الأول وهو الحسن المثنى ابن الحسن السبط بن على ابى طالب؛ حيث  اقتصرت شجرة نسب المهدى بنسبة يعقوب الى جده الحسن السبط بن على بدون الإشارة إلى ابيه الحسن وجده الاول الحسن المثنى وهذا ما اوصلنا إليه المبحث الفنومنولوجى والله أعلم.

المهدى والنسبتين الحسنيين:

يتضح الآن بالضوء الذى سلطناه على نسب الجدود العلى  قول المهدى فى المنشور الصادر فى بداية دعوته المهدية فى معرض الرد على يوسف الشلالى ومن معه من الجموع المؤرخ الرابع من رجب 1299 هجريه الموافق 22 مايو 1882 م ؛ " ... وليكن معلومكم انى من نسل رسول الله ص فأبى حسنى من جهة ابيه وامه ؛ وامى كذلك من جهة امها وابوها عباسى والعلم لله ان لى نسبة إلى الحسين رضى الله عنه " . ففى حال عدم وجود صلة لأحد اجداد الامام المهدى الاقربين بالحسين عن طريق الأم ؛ فإن الانساب المكتوبة للاشراف الحسنيين تفيدنا بأن والدة  الحسن بن الحسن المثنى بن الحسن السبط  بن على بن أبى طالب وهى زوج الحسن المثنى هى فاطمة بنت الحسين بن على بن ابى طالب (مقاتل الطالبيين ص 163) ما يعنى ان الجد التاسع والعشرين للامام المهدى كان متزوجا بإبنة عمه الحسين بن على ؛ بهذا يمكن فهم عبارة المهدى حيال نسبته الى الحسن والحسين سويا. وورد ذكر الاجداد العلى فى بيت لقصيدة  للامام المهدى يمدح فيها  استاذه محمد شريف نورالدائم:

وإن يستخفوا بى وإن يقتلونى        فقبلى على ُ والحسين ولى امرى

 

ولقد كتب الشيخ حياتو بن سعيد بن محمد بيلو بن عثمان بن فودى (الفولانى) من شمال نيجيريا إلى الامام المهدى فى سياق الرد على خطابه الذى عرض فيه مهديته موضحا الاقرار بمهدية محمد أحمد وصحة دعايته إلى الله  وتصديقا بنسبه الى جديه الحسن والحسين: ( "...إلى سيدنا وقدوتنا ووسيلتنا إلى ربنا ؛ ذلك خليفة رب العالمين ، ونجل سيد الأولين والآخرين ونفحة الله المشارة  للمؤمنين ؛ وحجته الواضحة على المنكرين، وسيفه المسلول على الكافرين ، وناشر العدل بإقصى البلاد على رغم أنوف الظالمين ، الذى ننتظره انتظار شوال للصائمين ، سيدنا محمد المهدى المنتظر بن عبدالله الحُسينى وابن ساداتنا الى سيد الوجود ص .."" ) (ابو سليم: الاعمال الكاملة للامام المهدى ؛م 1 ص 216 ؛ الخطابات المتبادلة بين الامام المهدى (ع ) والشيخ حياتو ص 4 ).

وفى التراث الاسلامى وفى ادبيات المهدى المنتظر نجد شواهد إنتصار للنسبتين الحسنيين للمهدى المنتظر ؛ وهانحن نجد فى توثيق الثقاة ان نسب  الامام  محمد احمد المهدى يضم السبطين الحسن والحسين وكذلك العباس . ويعزز النسبة المثنوية الحسنوية ثم الثلاثية والمنطبقة على مهدينا السودانى  ما جاء حول نسب المهدى فى كتاب الشيخ محمد بن احمد السفارينى الحنبلى لوائح الانوار البهية وسواطع الاسرار الاثرية لشرح الدرة المضيئة فى عقد الفرقة المرضية: ان المهدى من اهل بيت رسول الله ص ومن ولد فاطمة البتول حيث يقول ابن حجر انه يمكن الجمع بكونه من ذرية المصطفى ص و" للعباس فيه ولادة من جهة ان فى امهاته عباسية والحاصل ان للحسن فى المهدى الولادة العظمى لأن احاديث كونه من ذريته اكثر وللحسين فيه ولادة ايضا وللعباس فيه ولادة ايضا . ولا مانع من إجتماع ولادات متعددات فى شخص واحد من جهات مختلفة (ص 10). وفى مرقاة المفاتيح ذكر على بن سلطان محمد الهروى القارى الحنفى (ت1014هجرية) قوله " واختلف فى انه (المهدى) من بنى الحسن ام من بنى الحسين ، ويمكن ان يكون جامعا بين النسبتين الحسنيين؛ والأظهر انه من جهة الأب حسنى ومن جانب الأم حسينى قياسا على ما وقع فى ولدى إبراهيم وهما إسماعيل وإسحق عليهم الصلاة والسلام . حيث كان انبياء بنى إسرائيل كلهم من بنى إسحق وإنما نبىء من ذرية إسماعيل نبينا محمد ص و قام مقام الكل ونعم العوض وصار خاتم الانبياء" .

وحول النسبة الحسنية للمهدى من جانب الأب قال " فكذلك لما ظهرت أكثر الائمة واكابر الأمة من اولاد الحسين فناسب ان ينجبر الحسن بإن اعطى له ولد يكون خاتم الاولياء " ( مرقاة المفاتيح فى شرح مشكاة المصابيح ص 468 ). ويؤكد الشريف محمد بن رسول الحسينى البرزنجى المد نى فى الاشاعة لأشراط الساعة إختلاف الروايات حول سبطى فاطمة ؛ وفى بعضها ان (المهدى) من اولاد الحسن وفى بعضها من اولاد الحسين وللأخير فيه ولاده من جهة بعض امهاته وكذلك للعباس فيه ولادة". (ص 481).  وروى ابوداود فى سننه ان  المهدى من ولد الحسن وكأن سره ترك الحسن الخلافة لله عز وجل شفقة على الأمة فجعل الله القائم بالخلافة الحق عند شدة الحاجة إليها من ولده ليملأ الارض عدلا  (أحمد بن حجرالهيثمى المكى: الصواعق المحرقة فى الرد على أهل البدع والزندقة ؛ ص 425) .

حقيقة الاسم المركب محمد- احمد:

ورد فى سورة الصف  الآية  6 " ومبشرا برسول يأ تى من بعدى اسمه احمد " . وهو أسم علم على وزن افعل ؛ صفة خص بها المصطفى (ص) ومشتقة من الحمد وهى عبارة وردت فى بعض سور القرآن منها الاية 1 فى سورة الانعام والاية 75 من سورة الزمر والآية 10 من سورة يونس . وهى صفة ليست لغيره مثل تخصيص الوسيلة له لكونها اعلى درجات جنة عدن لافضليته على سائر الانبياء والمرسلين و مثل إقتران عبارة المسيح بعيسى. ولذلك امسكت  العرب عن تسمية اسم العلم أحمد فلم يرد ذكره إلا فى اواخر العصر العباسى  وهو الامام احمد بن حنبل. ( د. محمد شحرور: الكتاب والقرآن قراءة معاصرة ص 297-298 ). لذلك يروى الامام المهدى السودانى بإن الرسول ص حذف اسم احمد فى صيغة اسمه المركب (محمد - أحمد) فأصبح يكتب إسمه محمد المهدى بعد إعلان المهدية . ويشرح الشيخ إسماعيل عبد القادر الكردفانى  ان اسمه اولا محمد احمد يهدف إلى تجلية الصفات الاحمدية ... وحوز آثار المزيتين" ولكن الرسول ص امره بالاقتصار على اسم محمد فقط ؛ ويدل الاسم محمد على اسم النبى ص واحمد تدل على نعته المخصوص بوصفه احمدُ من حُمِد فى الارض والسماء.

صلة المهدى با شراف  السودان

يتصل نسب الامام المهدى بالاشراف السودانيين المنتسبين  إلى السبطين الحسن والحسين وامهم السيدة فاطمة بنت رسول الله ص وإخوانهم الفاطميين (عثمان حمدالله:دليل المعارف ص 25 ) . ويتصل نسب الشيخ محمد سليمان أحمد مصطفى بالحصاحيصا بجد الامام محمد احمد المهدى (م. سابق ص 80-81 دليل المعارف) . وينسب المهناب بجزيرة بدين إلى السيد عبد العزيز بن عبد القادر الجيلانى ؛ ويتصلون بالجد الثامن فى السيد محمد المهنى حفيد عبد العزيز بن عبد القادر الجيلانى. وهناك ايضا صلة بين ذرية شرف الدين بن نجم الدين بالامام المهدى. وفى رواية الشيخ قرشى خوجلى الجعفرى ذكرت صلة الجعافرة المتصلين بالسيد حمد بن بحر بجد الخليفة عبد الله خليفة المهدى ؛ اى محمد بن على الكرار. اما الكنوز فهم من ذرية شرف الدين بن نجم الدين (بن عثمان ) ومقرهم من وادى العرب لغاية امباركاب تبع مصر ( م . سابق ص 77) ؛ ولذا  فإن نسب الكنوز وهم فى الاصل من قبيلة ربيعة المضرية العربية لا ينحدر من ذرية على بن ابى طالب؛ والمهدى ليس كنزى. واشار بابكر بدرى فى الجزء الاول من كتابه "حياتى" ان المهدى كان يزور رفاعة لتفقد اهله هناك (ص ) .

ومن فروع العلويون من الاشراف السودانيين البصيلية والبصالوة والفادنية عبدالله جماع والنافعاب والخفاب ببربر وهؤلاء جدهم حسن العسكرى ( سهم الارحام :عثمان حمدالله ص 106 ).  ومن ذرية جعفر الصادق بالسودان فروع الجامعاب والملاليك والخضراب والبيايضة والمرعاب والحسناب سكان دراو وبنيان والرقبة والخبرا والعقبة...  
faran.idriss5@gmail.com
///////////

 

آراء