الى ماذا يرمي الاستاذ/ فيصل محمد صالح

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
أ.د. احمد محمد احمد الجلي
تعقيبا على مقال الاستاذ/ فيصل محمد صالح: هل فقد السودانيون إنسانيتهم..؟ المنشور بسودانايل: 11 February, 2024
حينما طالعت عنوان المقال اعلاه، احسنت الظن بالاستاذ/ فيصل محمد صالح، اذ حسبت انه يريد الكتابة عن اخلاق السودانيين التي غيرتها الحرب. فالسودانيون الذين عرفوا بالشجاعة، والكرم، والبشاشة عند استقبال الضيف واحسان رفادته،والامانةوالصبر عند الشدائد... الى غير ذلك من الاخلاق التي ميزت شخصياتهم، لا سيما بين العرب الذين اعجب كثير منهم بالخلق السوداني مما اكسب السودانيين الثقة المطلقة فيهم. وقد عرضت الحرب الدائرة الآن السودانيين لا متحان دقيق- كما قال فيصل- . واحسب ان اكثرهم تجاوز الامتحان ،وسقط بعضهم نتيجة للظروف التي مروا بها ، وصعب عليهم تحملها.
ويبدو ان الاستاذ/ فيصل ،هدف من مقاله الى غاية اخرى غير التي تبدو من عنوان المقال،اذ قصر مجال تعليقه لا على المواطنين السودانيين الذين فوجئوا بالحرب التي عاجلتهم واخذتهم على حين غرة، وتحت تهديد السلاح، تركوا منازلهم وممتلكاتهم وحملوا معهم ما خف حمله وغلا ثمنه، وحسبوا ان الحرب لن تطول سوى بضعة ايام،ومن ثم تركوا وراءهم كثيرا من الضروريات اللازمة للحياة .ونتيجة لهذه الغربة الاضطرارية التي امتدت لعشرة اشهر،مر السودانيون بتجربة لم تخطر على بالهم ولم يتوقعوها،سواء منهم من لاذوا باقاليم السودان التي لم تطالها الحرب،ومن تيسر حاله فذهب في رحلة محفوفة بالمخاطر الى دول الجوار كمصر وجنوب السودان وتشاد وغيرها من البلاد. وسواء كان النزوح في داخل السودان او خارجه،فقد تعرضت قيم السودانيين واخلاقياتهم الى هزة تحتاج الى مزيد من التتبع وعميق من الدراسة ليس هذا مجالها.
فبدلا من تركيز الاستاذ فيصل على اخلاقيات السودانيين وتغلبها خلال هذه الغربة والرحلة التي استطالت ،اثر التركيز على اخلاقيات طرفي الصراع في الحرب كما اطلق عليهم ( الجيش والدعم السريع)، وبين ان كلا الطرفين لم يعيرا المواطن اهتمامهم منذ بداية الحرب، حيث لم يضع الطرفان المتحاربان أي اعتبار للمدنيين وممتلكاتهم، ولا للممتلكات العامة، ففي سبيل مطاردة أعداد قليلة من العسكريين،وفقا لقوله، من الممكن أن تُهدم المنازل والمنشآت العامة، ويسقط عشرات الأبرياء ضحايا للقصف المتبادل.وا ورد في البداية بعض ما ارتكبه المتمردون من جرائم كاقتحام المنازل وسرقتها ونهبها وقتل اصحابها في بعض الاحيان ، والاستيلاء على سيارات المواطنين ونهبها ونهب الأموال والممتلكات الأخرى، واستباحة المنازل واستعمال كل ما فيها حتى الاشياء الشخصية والخاصة بأهل تلك المنازل، بلا أدنى إحساس بالخجل.
ورغم هذا التصوير الدقيق لما يقوم به المتمردون من انتهاكات، معلومة لجميع افراد الشعب السوداني ،فإن الاستاذ/ فيصل ،سرعان ما اعقب ذلك بالقول: ان قوات الجيش جارت المتمردين في افعالهم في بعض المناطق، فنهبت المواطنين وممتلكاتهم، وربما تكون الوقائع أقل بالنسبة للجيش، لكن المبدأ نفسه موجود. ولم يقف الكاتب عند تلك الممارسات، بل اضاف الي ذلك ارتكاب افراد الجيش لجرائم العنف الجنسي والاغتصاب والاختطاف، والاعتقالات والسجن لفترات طويلة من دون مسوغ قانوني أو محاكمات،تماما كما يفعل المتمردون.
ولا شك ان هذه التهم افتراء على قوات الشعب المسلحة ،وتهم باطلة لم يقل بها الا فيئة من الداعمين للجنجويد والمتحالفين معهم ،بقصد التهوين من جرائم الدعم السريع، ان لم يكن اسقاطها وتبرئتهم مما نسب اليهم.ومضى الاستاذ فيصل في افتراءته ،فاتهم طيران الجيش، بانه ارتكب مجازر متعددة قصف فيها المواطنين المدنيين في مساكنهم وهدمها فوق رؤوسهم، والمؤسف أن الجيش،وفقا لقوله، كان يفعل ذلك بعد انسحابات كتائبه من بعض المدن التي تتسلمها «قوات الدعم السريع»، ثم يعود الطيران ليشنّ هجمات انتقامية لا تفرق بين مدني وعسكري، ولا بين منزل وثكنة عسكرية" وهذه افتراءآت ومزاعم لم تثبت ولم يقل بها الاعلام المستقل .
ومن المعلوم انه بعد فشل المليشيا المتمردة مع بداية الحرب، السيطرة على القيادة العامة ،وعدم استطاعتهم، قتل قائد الجيش ،وتيقنهم ان خطتهم للاستيلاء على البلاد قد خابت ،تحولوا الى عصابات تنهب ، وتقتل وتدمر كل ما يقع تحت يدها . ووفقا للشهود الذي شاهدوا هذه الافعال المنكرة ،وباعترافاتهم التي وثقوها بانفسهم ، وافتخارهم بتلك الجرائم مضوا في تدمير كل المؤسسات ـوالمعاهد التعليمية ،والمتاحف والآثار،واحرقوا المكتبات العامة و الخاصة،,ودمروا المؤسسات المالية والصناعية، ونهبوا البنوك وهدموا المصانع وـحرقوا المحلات التجارية الخاصة والاسواق العامة الى غير ذلك من الجرائم التي تباهوا بفعلها. والقول بأن طيران الجيش هدم معظم المباني الكبيرة والضخمة في وسط العاصمة بحجة وجود جنجويد «الدعم السريع» داخلها،قول مضحك لم اتوقع من صحفي قدير كالاستاذ فيصل ،اذ انه دعوى باطلة لا دليل عليها،حاول المتمردون حينما اقامت عليهم الدنيا واستعظم كثير من الهيئات والمنظمات الدولة هذه الافعال الاجرامية ،حاول المتمردين انكار هذه الجرائم ،ولكن شغفهم الصبياني بالتصوير ،وثق من حيث لا يدرون ما قاموا به من انتهاكات, وعليه نربآ بالاستاذ فيصل ان يلصق مثل هذه التهم بالجيش ،ومن ثم بطريقة غير مباشرة يبرئ المليشيا المجرمة منها.
وفي اخر المقال يلفت الكاتب النظر الى بعض الظواهر التي يصفها بانها موجعة ومخزية لبعض الناشطين المدنيين الذين يقفون في منصة دعم الحرب،( ولعله يريد بهم الفلول اوالكيزان ) ،وللتعمية يقول بأنهم يشجعون هذا الطرف أو ذاك، ويستخدمون خطاب الكراهية المقيت، ويستنفرون الناس بالعصبية القبلية والإثنية.و يتبادلون نشر الأخبار الكاذبة والمفبركة على مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف ضياع الحقيقة وسط الاكاذيب،. ويحرّضون على تصفية الأسرى ذبحاً أو بإطلاق النار بدم بارد، بل وينشرون بعض التسجيلات المرئية لمثل هذه الجرائم التي وصل بعضها حداً بعيداً من القبح ومجافاة القيم الإنسانية.وبما ان كل الدلائل والبراهين الموثقة لدى الجهات العدلية الاممية تثبت ان من يقوم بذلك هم المتمردون،لم يجرؤ الكاتب على ذكرهم او الاشارة الى ما يدل انهم من يقومون بذلك.ومن المؤسف ان يردد الاستاذ فيصل مثل هذه المزاعم كحقائق يبني عليها احكاما معينة،ويسوق وفقا لها تهماً لا تقوم على ساقين.
وحقيقة لم يتبين لي مقصد الكاتب من الفقرة الاخيرة من مقاله التي نصها:" وليس غريباً أن تجد جثثاً لجنود من الطرفين منشورة هنا وهناك تحت مسميات «جثث الكلاب» أو «الجيف» ،وربما معها ضحكات للشماتة، كما تنتشر فيديوهات تعذيب الأسرى من الجانبين،وإهانتهم مصحوبة بكلمات التشجيع والاستحسان. (هنا ايضا لا يملك الا وان يدخل الطرف المؤيد للجيش ). ولا شك ان مثل هذا السلوك منكر وغير مقبول،بصرف النظر عن الجهة التي قامت به ،لكن لم يستطع الكاتب تحديد الجهة التي تقوم بهذا السلوك المشين ،ومن ثم اخضاعة للمسائلة والحساب . ويمضى الكاتب الى القول:" أما الأشد مرارة فهو التلذذ بجثث ضحايا قصف الطيران ووصف الطيارين بالشجعان البواسل و«صانعي الكباب» بالإشارة إلى الجثث المحترقة. ثم الدعوة الصريحة المصحوبة بأسماء وصور بعض الناشطين والناشطات من الإعلاميين وأشباه الإعلاميين، وهم يطلبون من القوات تصفية المدنيين الموجودين في المناطق الفلانية لأنهم «حواضن اجتماعية للتمرد».وهنا يصرح الكاتب بما اورده بعبارة ايحائية بالجهة المقصودة بتلميحاته السابقة . ويسوق هذه المزاعم ويبني رؤاه ، على ما تمده به وسائل التواصل الاجتماعي،وهي مصادر كما يعلم مشكوك في نقلها ومصداقيتها.
وفي الجملة يمكن من المقال ملاحظة ما يلي:
• إن المقال في جملته لا يتناول ما ورد في عنوانه ،هل فقد السودانيون اخلاقهم،وكان يتوقع ان يتابع الكاتب سلوك السودانيين خلال هذه الحرب، وكيف اثرت على سلوكهم الاخلاقي سلبا وايجابا،وما هي الجوانب السلبية التي بدت على سلوكهم وما هي الايجابيات التي اكتسبوها من هذه الحرب.الى غير ذلك من المسائل المرتطبة بالسلوك الاخلاقي للممواطنين.
• حاول الكاتب ان يساوي بين طرفي الحرب،متجاهلا ان هناك طرف تمثله القوات المسلحة، التي لها قوانين ضابطة وقيم معينة ونظم ملزمة وملتزمة بها،ولم يعرف عنها طيلة تا ريخها الذي يمتد الى ما يقارب قرناً من الزمان، اي خرق لتلك القيم اوتجاوز لتلك القوانين.وفي المقابل هناك مليشيا تمردت على القوات المسلحة وعلى الدولة السودانية ،وتاريخها القريب والبعيد مليء بالجرائم، وفي هذه الحرب الدائرة الان سعت الىي الانقلاب على الدولة السودانية وحاولت عن طريق السلاح والحرب القضاء عليها ، ومحو هوية الشعب السوداني،وارتكبت في سبيل ذلك، ما هو معلوم لدى كل السودانيين ، وليس بين السودانيين من نجا من السلوك الاجرامي لهذه المليشيا المتمردة.

أ.د. احمد محمد احمد الجلي

ahmedm.algali@gmail.com
//////////////////////

 

 

آراء