انطباعات حول لقاء د. عبد الله حمدوك مع الطبيب غازي صلاح الدين

 


 

 

 

يدور نقاش طويل .. حول هذا اللقاء بين مؤيد له على اساس ان رئيس وزراء حكومة الثورة يجب ان ينفتح على كافة التيارات وعدم جعل ابواب اللقاء بهم موصدا للاستماع اليهم... وعلى الاقل السعى لاقناعهم بتوجهات الثورة فى خلق بيئة صالحة لديمقراطية راسخة ثابتة الاركان ....، ورأى اخر يرى ان قبول اللقاء فى حد ذاته يعطى مصداقية لامثال د. غازى الذى كان جزءا لايتجزأ من النظام السابق..ودوره المشهود فى اسوأ مرحلة من مراحل حكم الانقاذ .. و كان من المفروض ان يكون من ضمن المعتقلين.

بين هذين الرأيين أرجو ان أقدم رؤية تتداخل بينهما، تعتبر فى رأيى هى الامثل لمعالجة تعقيدات الوضع السياسى فى السودان ، الذى يخشى الكثيرون ان ينزلق الى وضع يكرس الى مكونات لا حوار بينها ، لتتحول الى الى مواجهات تحسمها البندقية بالعنف ، و حين تنطلق اصوات البندقية ، و يختلط الحابل بالنابل ، و تضيع اصوات التعقل.. لتصبح ملاذاتها فى الفضائيات الساعية للاثارة الخبرية !!
أول ما أود ان أشير اليه ان د. عبد الله حمدوك وجد التأييد من القوى التى نظمت الثورة..، و بحمد الله اصبح شخصية مقبولة لدى الشباب الذى بذل الغالى والنفيس من أجل انجاح الثورة ، و بهذه الصفة يمكن ان نوصفه بأنه من التكنوقراط المستنيرين العالمين ببواطن الامور و الملمين باشكالية الاوضاع السياسية والامنية والاقتصادية بالبلاد ، و يكفى ان أشير بأنه نفس الشخص الذى سعى النظام السابق الاستعانة به لانقاذ الاقتصاد المنهار ، عندما ادلهمت الامور...و تعقدت ..ولكنه رفض..التعاون مع ذاك النظام لعلمه بانه سيكون مجرد رقم سلبى فى منظومة حكم ينخر فيه الفساد ، و يريد تجميل وجهه باسماء من خارج اطار العصبة التى سيطرت و تاهت بين شعارات لاسقف لها!!
من الناحية الثانية الطبيب غازى صلاح الدين، خريج مميز كطبيب ، انخرط منذ زمن مبكر ضمن ما سمى بالتوجه الاسلامى ، و هذا التوجه الاسلامى بمسمياته المختلفة ..رأى ضرورة العودة الى ماسمى بالتأصيل الاسلامى فى سودان متعدد الاثنيات و المعتقدات، يعتز اغلبية سكانه بدين اسلامى شعبوى..من أهم سماته .. العفة والصدق والالتزام بالعبادات المفروضة ، و كما عايشنا هنا فى السودان و كذلك فى معظم الاقطار الاسلامية، تعددت رؤى من ارتضوا الالتزام بهذا التوجه ، و برزت افكار عدة ترواحت مابين سلفيين بمختلف مدارسهم و حركيين اخريين ترواحت اطروحاتهم..مابين مدرسة الاهتمام بالتربية والعمل المنظم من داخل منظمات المجتمع المدنى ، و طرح اخر تماهى مع رؤية مالم يوزع بالقران يوزع بالسلطان ، فكان التخطيط المبكر الوصول الى السلطة عبر البندقية والعنف وكان الطبيب غازى من ضمن المتحمسين لفرض هذا التوجه تحت فوهة البندقية، و لا ينسى المتتبع لنشاطاته انه كان عضوا نشطا فيما سمى بالجبهة الوطنية التى لجأت الى نظام الراحل المتقلب فكرا ووجدانا القذافى ، و كان د. غازى من ضمن الجيش الجرار الذى جاءعبر الصحراء غازيا للخرطوم عام 1976 فيما عرف بغزو المرتزقة، واظنه ما زال مفتخرا بانه كان كادرا مجاهدا احتل دار الهاتف، و بعد اندحار المحاولة اتجهت اطراف من هذه الجبهة الوطنية للدخول فى حوار مع نفس الشخص الذى كانوا يخططون لاغتياله لتدخل البلاد فى مرحلة ما سموه تأصيل القوانين .و يعيش السودانيون والسودانيات اسوأ مرحلة من مراحل حياتهم، و يعقب تلك الفترة القاسية انقلاب اتى مموها و مخادعا، ليكون غازى صلاح الدين من ابرز قادة ذاك الانقلاب كمستشار ووزير و مسؤول حزبى ابان اكثر الفترات اضطرابا فكريا و معنويا ... و من اكثر الفترات ظلما على ابناء و بنات هذا الشعب الطيب.
أمثال د. غازى يتحدثون عن الاسلام .. والتأصيل ، و من غرائب النماذج التى يشيرون اليها تجربة الطبيب محاضير محمد فى ما ليزيا على سبيل المثال واردوغان فى تركيا واخيرا الغنوشى فى تونس او تجربة الاسلاميين فى المغرب ، وكل هذه التجارب مورست فى مجتمعات تختلف جذريا عن مجتمعنا فى السودان، فمحاضير محمد الطبيب السياسى عمل ضمن نظام تعددى ، و ما حاول اطلاق الشعارات الدينية الزاعقة ، او الدعوة لتطبيق قوانين الحدود و تجييش الشباب فى حلقات ما سمى بالجهاد ضد اتباع المعتقدات الاخرى او التربص للنساء فى حلهن و ترحالهن ، و اهتم بخطوات علمانية محكمة لاصلاح التعليم واعادة هيكلة الاقتصاد ليخلق مجتمعا متوازنا ، و اردوغان فى تركيا يسعى ان يقودها لتكون قائدة لدول العالم الاسلامى لتقوية مركزها فى حلف الناتو، و دعما لدفع جهودها للانضمام للاتحاد الاوربى لتتحول تركيا الى قوة اقليمية كبرى يحسب لها حساب.، و الشيخ الغنوشى الذى ابدى صدمته من تجربة السودان، كان و مازال أقرب لمدرسة العروبيين، فى بلد قادهالراحل بورقيبة المولع بالحياة فى الغرب كما ادعى ، و الغنوشى تحرك بتعقل ...و لم نراه يصرخ بشعارات جهاد و تطبيق قوانين حدود، والاسلاميين فى المغرب تحت حكم ملكى لقبه أمير المؤمنين جل اهتماماتهم ان لا ينجرف المغرب الى هوية تطمس هويتهم الاسلامية العادية والعربية الامازيغية المنسجمة.
ومن واقع هذا السرد المقتضب، فان د. غازى الذى اراد ان يكون منظرا جديدا لحركة اسلامية راشدة ، كان من اوائل الخارجين من عباءة ابى الحركة الراحل د. الترابى ، أخاله لم يقدم شيئا فى عالم السياسة بل زاده تعتيما ، كان أجدر به ان يكون طبيبا مميزا فى مجاله يقدم الخدمات وو اضعا نصب عينيه تجارب اطباء ستظل اسماؤهم فى لائحة الشرف من امثال الطبيب الراحل ادهم الذى خصص يوما كا ملا للعلاج المجانى للمحتاجين ،و الطبيب الراحل الزاكى الذى عالج زوجة السفير اليابانى ابنة امبراطور اليابان.. وحين استدعى لليلاط الامبراطورى فى طوكيو لمكافأنه.. رفض المكافأة الشخصية ... و طلب انشاء مستشفى بمواصفات عالية و انشئت مستشفى ابن سينا التى ستظل منارة علاجية سامقه واسم الراحل الطبيب الزاكى فى وجدان هذا الوطن،... والطبيب الانسان محمد احمد على الذى جازف بحياته لعلاج المرضى فى ولاية البحر الاحمر من وباء مدمر و رفض فتح عيادة خاصة.
من واقع هذا الطرح ، يأتينى احساس بأن د. غازى عند تفكيره لمقابلة د. حمدوك كان يمنى نفسه ان يكون هو الذى اختارته الجماهير ليقود الحراك السياسى فى السودان بعد ثورة الشباب فى ديسمبر ، و كان ذلك سيكون معقولا لو كان قابعا فى احدى دور العلاج...يقدم خدماته للمحتاجين ، ولكن بعد ان تماهى مع تجربة هلامية عليه ان يتمشى مع نصيحة شيخه احمد عبد الرحمن الذى نصح ابناء ماسميوا بالتوجه السياسى الاسلامى ان يسردبوا... و معناها ان يسكتوا ويختفوا و اضافة لذلك يعتذروا.. لهذا الشعب الطيب..و سيعد هذا من التوبة التى يدعو لها الاسلام.....

salahmsai@hotmail.com

//////////////////

 

آراء