بعض الثغرات في القوانين التجارية السودانية
أُسس الجهاز القضائي السوداني عام 1899م وكان أول رئيس له هو "إدجار كارتر" وتولي رئاسته في الفترة من 1899 – 1917م، وأول قانون صدر هو قانون السودان للعقوبات 1899م، وكان صدور هذا القانون في نفس السنة التي شهدت آخر العمليات الحربية الحاسمة ضد الدولة المهدية في ام دبيكرات، مما يدل على أن مسألة ملء الفراغ القانوني كانت مسألة مستعجلة، وفي مقدمة ذلك هي مسائل العقوبات، ثم جاء قانون (إجراءات وقانون القضاء المدني) في العام 1900م، وقانون المحاكم الشرعيّة 1902م، وظل قانون السودان للعقوبات كما هو يعمل بلا كلل حتى جرى تعديله في عام 1983.
حين أستقر الأمر للاستعمار وبسط سيطرته الكاملة على البلاد من جميع النواحي، تحول انتباهه من تشريعات العقوبات وقد كانت ضرورة مرحلته تلك، إلى التشريعات التجارية وقد كانت من ضرورات مرحلتيه التاليتين وهما مرحلة الاستقرار، ومرحلة الربط الكامل للاقتصاد السوداني مع العجلة الرأسمالية العالمية، فجاءت سلسلة من القوانين لتنظيم العمل التجاري وهي:
1- قانون الكمبيالات لسنة 1917
2- قانون الشركات لسنة 1925، (لم يُعدل إلا سنة 1996م بإضافة باب الشركات العامة، وقدم مشروع قانون لتعديله عام 2015م)
3- قانون الإفلاس لعام 1929
4- قانون رخص التجار لسنة 1930
5- قانون تسجيل أسماء الأعمال لسنة 1931
6- قانون تسجيل الشراكات لسنة 1933
ويشير بقاء القوانين المذكورة بنفس صيغها القديمة لفترة طويلة؛ أو القيام بإجراء بعض التعديلات المتأخرة عليها (وفي بعض الأحيان كانت التعديلات غير جوهرية)؛ يشير كل هذا إلى حالة الجمود التي أصابت النخبة السودانية وجعلتها تتجاهل كل تطور وتقدم تحقق في بنية المجتمع الفكرية والثقافية والاقتصادية؛ فنحت نحو الاستسلام الكامل لما وضعه المستعمر من قوانين وأخذت تنظر إليها وكأنها شيء مقدس، لقد ظل قانون العقوبات كما هو ولم يًعدل إلا في عام 1983، بإدخال قوانين الشريعة الإسلامية، وكان التعديل لعلل سياسية أكثر من كونه تطوراً قانونياً اقتضته مراجعة بنية القوانين والحاقها بتطور المجتمع، ومثله قانون الشركات الصادر في عام 1925 والذي عُدل تعديلاً غير جوهري في عام 1996، أما قانون الكمبيالة فلم يُعدل بتاتاً ولا القوانين الأخرى أيضاً.
كاتب هذا المقال ليس قانونياً ، وجرى تناول الموضوع ضمن سياق اقتضته رسالة ماجستير بعنوان (أثر وفاة المؤسس على الكيان التجاري العائلي في السودان)، وقد تناولت الرسالة ظاهرة تفكك كثير من الكيانات التجارية العائلية في السودان فور وفاة مؤسسيها، وما يلحقه ذلك من خسارة بالاقتصاد ككل، وقامت بتقصي جذورها ودراستها من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والقانونية، فليغفر لنا القانونيون اقتحام ميدانهم وتطفلنا عليهم.
قانون الكمبيالة لعام 1917 لا يقدم تعريفاً واضحاً لواحدة من أهم الأدوات المالية:
معظم القوانين التجارية مرتبطة لحد كبير بالنظام الرأسمالي والذي بنى المستعمر اقتصاد السودان على أساسه، إضافة إلى أنّ الحضارة الغربية كانت المسيطرة على التجارة والأعمال فصاغت القوانين حسب تجاربها وخبراتها، لذا كثيراً ما تحدث المشاكل وتثار القضايا في بلادنا بسبب سوء فهم طبيعة الأدوات المالية المستخدمة في العمل التجاري نتيجة لغموض النصوص القانونية التي تُعرّفها وتحكُم عملها ومن قبيل ذلك الكمبيالة والشيك.
وخير مثال يُقدم في هذا الشأن ما نجده في القضية رقم /م أ/ أس ج/162/1990 التي نُظرت عام 1990 أمام محكمة استئناف الإقليم الشرقي، دائرة كسلا، حكومة السودان /ضد / محمد عمر محمد الخليفة، أي بعد مرور ثلاثة وسبعين عاما على صدور قانون الكمبيالة 1917، فبعد هذه المدة الطويلة لا يزال الجدل يدور حول الفرق بين الشيك والكمبيالة، وتتخلص وقائع القضية ببساطة في إصدار المتهم شيكاً بلا رصيد يحمل تاريخين، الشاكي من وجهة نظره اعتبر ما استلمه من المتهم شيكاً واجب السداد بمجرد الإطلاع أي أنّه أداة وفاء، بينما نظر المتهم للأداة التي سلمها للشاكي باعتبارها كمبيالة وهي أداة ائتمان، وقد حكمت محكمة جنايات القضارف على المتهم بالغرامة وفي حالة عدم الدفع السجن لمدة سنتين حيث أنّها نظرت للأداة باعتبارها شيكاً، ولكنّ عند قيام المتهم بالاستئناف لدى قاضي المديرية أصدر السيد قاضي المديرية قراره بإلغاء الإدانة والعقوبة مع توجيه الشاكي للمقاضاة مدنياً، فقد نظر قاضي المديرية للأداة باعتبارها كمبيالة، إزاء ذلك اضُطر الشاكي للتظلم لمحكمة استئناف الإقليم الشرقي دائرة كسلا والتي جاء حكمها مؤيداً لحكم محكمة جنايات القضارف ناقضاً لحكم محكمة المديرية، فقد أورد القاضي الباقر عبد الله على قاضي محكمة استئناف الأقليم الشرقي في مداولته:
"إن التعريف الوارد في المادة 76 من قانون الكمبيالات لسنة 1917م يقرر بأن الشيك هو كمبيالة مسحوبة على مصرف ومستحقة الدفع عند الطلب وفيما عدا ما نص على خلافه فيما يلي تسري علي الشيك أحكام هذا القانون السارية على الكمبيالة الواجبة الدفع عند الطلب. وواضح من هذا التعريف أن المشرع قد قصد ما يثار في الفقه التجاري من أن الشيك يشبه الكمبيالة من حيث الشكل وهو يتضمن ثلاثة أشخاص ( الساحب ) (والمسحوب عليه) والذي حرره بأن يكون (مصرفا) والمستفيد، ونظراً لتقارب الشبه هذا مع اختصاص الشيك بقواعد وجزاءات لا مثيل لها في الكمبيالة ومن أهمها الجزاء الجنائي، وفي حالة إصدار شيك بدون رصيد فلا بد من التمييز بين الشيك والكمبيالة، وقد يقول قائل كما ذهب السيد قاضي المديرية بأن الشيك يتميز عن الكمبيالة بأنه واجب الدفع دائماً لدى الإطلاع ولا يسحب عادة إلا على بنك, ولكن هذا الرأي كما ذكر الدكتور ثروت عبد الرحيم في كتابه القانون التجاري المصري صفحة 848 ( هذا الرأي مردود عليه بأن الكمبيالة كذلك قد تكون مستحقة الوفاء بمجرد الإطلاع وقد تسحب على بنك) ... وعليه فإن. ولذلك فلا مناص من القاعدة التي قررت المرجع المشار إليه سابقا (بأن معيار التمييز بين الشيك والكمبيالة هو الرجوع إلي نية الساحب والمستفيد للكشف عن قصده عند تحرير الشيك " (83)، انتهى تعليق القاضي.
ولعل الخلل القانوني الذي أشار إليه سيادة القاضي يكمن في عدم وجود تعريف دقيق للشيك خارج إطار الكمبيالة، إذ ذكر القاضي هذا الأمر بالتحديد في نص آخر من حكمه حيث قال: (ما ورد من تعريف في قانون الكمبيالات هو تعريف للشيك في ضوء أحكام القانون المذكور ولم يقصد تعريف الشيك في حد ذاته بقدر ما يريد تحديد الأحكام الخاصة في إطار القواعد المدنية).
كان المخرج المقدم من جانب القاضي هو الرجوع إلى نيتي الساحب والمستفيد للكشف عن مقصدهما وهو الآخر مخرج غير ملائم وسيكون مسدوداً متى ما تضاربت النوايا وتضارب النوايا هو الاحتمال المرجح. وربما قصد القاضي انّ النوايا ربما تتضح من تفحص وقائع القضية.
قانون الشركات لعام 1925 لا يحدد انواع الشركات ولا يقدم تعريفاً لكمة شركة:
القانون أسمه قانون الشركات لكنّه لا يحدد أنواع الشركات بل لا يقدم حتى تعريفاً لكلمة شركة وإنما يذهب مباشرة للمقصود منها فهو يورد: "شركة" يقصد بها شركة كونت وسجلت بموجب أحكام هذا القانون وحددت مسئولية أعضائها بمقدار ما لم يدفع من قيمة الأسهم- ان وجدت- التي يحملها كل منهم) ثم يمضي القانون ويفصّل مواصفات (الشركة الخاصة) ويكتفي بذلك، والشركة الخاصة حسب هذا القانون هي الشركة التي ينص نظامها علي ما يأتي:
(اولاً) تقييد حق نقل أسهمها
(ثانيا) تحديد عدد كأعضائها بخمسين عضواً ولا يدخل في حساب هذا العدد الأشخاص الذين تستخدمهم الشركة أو الذين كانوا سابقا في خدمتها وكانوا أعضاء فيها أثناء خدمتهم وبقيت عضويتهم فيها بعد انتهاء خدمتهم المذكورة.
(ثالثا) حظر دعوة الجمهور للإكتتتاب في أي من أسهم الشركة أو سنداتها.
أمّا في قوانين الشركات الحديثة فهناك تعريفاً وتفصيلاً لكل نوع من أنواع الشركات، ومن أمثلة ذلك قانون الشركات السعودي، فقد جاء في الباب الأول منه وتحت أحكام عامة:
مادة (1) : الشركة عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يساهم كلا منهم في مشروع يستهدف الربح بتقديم حصة من مال أو عمل لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو من خسارة
مادة(2) : تسري أحكام هذا النظام وما لا يتعارض معها من شروط الشركاء وقواعد العرف على الشركات الآتية :
1 – شركة التضامن ، 2 – شركة التوصية البسيطة ، 3 – شركة المحاصة ، 4 – شركة المساهمة 5 – شركة التوصية بالأسهم ، 6 – الشركة ذات المسئولية المحدودة ، 7 – الشركة ذات رأس المال القابل للتغيير ، 8 – الشركة التعاونية .
ويقرر هذا القانون (مع عدم المساس بالشركات المعروفة في الفقه الإسلامي تكون باطلة كل شركة لا تتخذ أحد الأشكال المذكورة ويكون الأشخاص الذين تعاقدوا باسمها مسئولين شخصياً وبالتضامن عن الالتزامات الناشئة عن هذا التعاقد. ثم تمضي بنود القانون لتقدم تعريفاً مفصلا لكل شركة ونقتطف منه فيما يلي ما يخص شركة التضامن فقد جاء في الباب الثاني من هذا القانون عدة مواد عن هذه الشركة منها على سبيل المثال:
مادة: (16) شركة التضامن هي الشركة التي تتكون من شريكين أو أكثر مسئولين بالتضامن في جميع أموالهم عن ديون الشركة .
(مادة: (17) يتكون اسم شركة التضامن من اسم شريك واحد أو أكثر مقروناً بما ينبيء عن وجود شركة، ويكون اسم الشركة مطابقاً للحقيقة، فإذا اشتمل على اسم شخص أجنبي عن الشركة مع علمه بذلك كان هذا الشخص مسئولاً بالتضامن عن ديون الشركة.)
وقد نهج قانون الشركات التجاري الإماراتي نفس نهج القانون السعودي ففي المادة الرابعة منه قدم تعريفاً لكلمة شركة وفي المادة الخامسة حدد أنواع الشركات، فقد جاء في المادة الرابعة منه:
"الشركة عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يسهم كل منهم في مشروع اقتصادي يستهدف الربح وذلك بتقديم حصة من مال أو عمل واقتسام ما ينشأ عن المشروع من ربح أو خسارة. ويشمل المشروع الاقتصادي في حكم الفقرة السابقة كل نشاط تجاري أو مالي أو صناعي أو زراعي أو عقاري أو غير ذلك من أوجه النشاط الاقتصادي" .
وذكرت المادة الخامسة من نفس القانون:
"يجب ان تتخذ الشركة التي تؤسس في الدولة احد الأشكال الآتية: 1- شركة التضامن. 2- شركة التوصية البسيطة. 3- شركة المحاصة. 4- شركة المساهمة العامة. 5- شركة المساهمة الخاصة. 6- الشركة ذات المسؤولية المحدودة. 7- شركة التوصية بالأسهم."
وفي قانون الشركات الأردني وتعديلاته رقم 22 لسنة 1997 وفي المادة (6) نجد:
أ . مع مراعاة أحكام المادتين (7) و (8) من هذا القانون تقسم الشركات التي يتم تسجيلها بمقتضى هذا القانون إلى الأنواع التالية:
1- شركة التضامن.2- شركة التوصية البسيطة.3- الشركة ذات المسؤولية المحدودة.4- شركة التوصية بالأسهم. 5- الشركة المساهمة الخاصة .6- الشركة المساهمة العامة.
وهكذا نجد اهتماماً من جانب هذه القوانين بتعريف المقصود بكلمة شركة وتعريف كل منها وذكر التفاصيل الخاصة بكل نوع وهذه التعريفات والتفصيلات هي ما يفتقده قانون الشركات السوداني لعام 1925.
تعريف قانون الشركات لعام 1925 لعبارة " المسئولية المحدودة" يخالف التعريفات الحديثة:
لقد وصف قانون الشركات السوداني لعام 1925 والمعدل عام 1996 الشركة بالقول ("شركة" يقصد بها شركة كونت وسجلت بموجب أحكام هذا القانون وحددت مسئولية أعضائها بمقدار ما لم يدفع من قيمة الأسهم- ان وجدت- التي يحملها كل منهم.) وبيت القصيد هو عبارة (ما لم يدفع من قيمة الأسهم)، فهذه العبارة تخالف قوانين الشركات في كثير من البلاد والتي تذهب إلى أن محدودية المسئولية مرتبطة بمقدار الأسهم عامة المدفوعة وغير المدفوعة، وليس بما لم يدفع منها فقط، فقد ورد في الباب الخامس من قانون الشركات السعودي وفي الفصل الأول وتحت أحكام عامة وفي مادته رقم (48) " ينقسم رأس مال الشركة المساهمة الى أسهم متساوية القيمة وقابلة للتداول ولا يسأل الشركاء فيها الا بقدر قيمة أسهمهم."
أما قانون الشركات التجارية الإماراتي فقد نص في الباب الخامس وفي الفصل الأول وعنوانه خصائص شركات المساهمة العامة وتحت المادة (46) (تعتبر شركة مساهمة عامة كل شركة يكون رأسمالها مقسمًا إلى أسهم متساوية القيمة قابلة للتداول ولا يسأل الشريك فيها لا بقدر حصته في رأس المال).
وفي قانون الشركات المصري رقم 159 لسنة 1981 وفي الباب الأول من قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة وتحت أحكام عامة، الفصل الأول، المادة (2) يعرّف القانون شركة المساهمة بالقول: " هي شركة ينقسم رأس مالها الى أسهم متساوية القيمة يمكن تداولها على الوجه المبين في القانون وتقتصر مسئولية المساهم على أداء قيمة الأسهم التي اكتتب فيها ولا يسأل عن ديون الشركة الا في حدود ما اكتتب فيه من أسهم".
وفي قانون الشركات الأردني وتعديلاته رقم 22 لسنة 1997 وفي المادة (91) نجد:
"تعتبر الذمة المالية لشركة المساهمة العامة مستقلة عن الذمة المالية لكل مساهم فيها، وتكون الشركة بموجوداتها وأموالها مسؤولة عن الديون والالتزامات المترتبة عليها ولا يكون المساهم مسؤولاً تجاه الشركة عن تلك الديون والالتزامات، إلا بمقدار الأسهم التي يملكها في الشركة."
وبالنظر إلى ما ذكر من أمثلة قوانين الشركات الصادرة في البلاد العربية الأخرى لا تجد أثراً لمسألة (ما لم يدفع من قيمة الأسهم) التي انفرد بها قانون الشركات السوداني لعام 1925.
قانونا الشركات لعام 1925 والإفلاس لعام 1929 فيهما الكثير من الثغرات تجاه التصفية:
في الورقة القيمة المقدمة من د. الصديق عبد الباقي المحاضر بكلية القانون، جامعة الخرطوم، بعنوان (الآثار القانونية لإرشاد الإفلاس والتصفية)(84)، أورد الباحث الكثير من نقاط الخلل في القانونين المشار إليهما ذوات العلاقة بتصفية الكيان التجاري عموماً، ويمكن إيراد بعض نقاط الانتقاد باختصار وتصرف كما يلي:
أ - خلو قانون الشركات من نصوص تخول البنك المركزي التدخل لطلب تصفية مصرف أو
شركة تأمين متى ما اتضح أن هناك ما ينذر بضياع حقوق المساهمين.
ب- لا يحيط قانون الشركات السوداني لعام 1925 التصفية الاختيارية بأي ضوابط، وبالنظر لقوانين البلدان الأخرى فأن التصفية الاختيارية لا يجوز اللجوء لها إلا إذا كانت الشركة موسرة و ليس عليها التزاماً للغير, ولا تنوي بذلك إشهار الإفلاس أو تفادي المطالبات.
ج - إجراءات التصفية تحت إشراف المحكمة يتم استغلالها لإضفاء الشرعية على التصفية
الاختيارية وللحصول على الأوامر القضائية بوقف الدعاوى والإجراءات أمام المحاكم
الأخرى.
د - لا توجد نصوص في قانون الشركات 1925م، أو قانون الإفلاس 1929م مخصصة
لحماية الدائنين من الغش التجاري أو الممارسات التجارية الخاطئة. ويلاحظ انّ نصوص
قانون الإفلاس المتعلقة بمخالفات الإفلاس (58-86) تتطلب جميعها إثبات قصد الغش
وغنى عن البيان أنه من الصعب على الدائنين إثبات قصد الغش بالطريقة التي يتطلبها
القانون.
قانون الإفلاس لعام 1929 وصعوبات جمة في فهم طبيعة إجراءاته ومقاصده
تقدم أحد التجار في بورتسودان لقاضي المحكمة العامة طالباً منه اصدار حكم بإشهار إفلاسه، وعند صدور هذا الحكم من محكمة الموضوع لم تقبل به لا الشركة الدائنة ولا المفلس نفسه، فلجأ الطرفان لمحكمة الاستئناف، ولم يقبلا أيضاً بما أصدرته من حكم، ثم وصلت القضية للمحكمة العليا تحت رقم م ع/ط م/88/2007م ونظر فيها القاضي: عبد الرحيم عبد الوهاب التهامي، وقد وجه القاضي في حكمه نقداً لاذعاً لقانون الإفلاس وأشار إلى قدمه والحاجة لتعديله، يقول القاضي:
"وقبل أن أخوض في تفاصيل الأسباب التي ينعي بها الطاعنان الحكم المطعون فيه والرد عليها ، لا بد أن نُلقي الضوء من باب الفائدة القانونية على الإفلاس كنظام قانوني، أحكامه وقواعده والفرق بينه وبين الإعسار المدني، وما دعانا إلى ذلك هو أن المحاكم كما لاحظنا تواجه صعاباً جمة وعسيرة في فهمها للطبيعة الخاصة لإجراءات الإفلاس ومقاصده والخلط في كثير من الأحيان بينه وبين الإعسار المدني، ويرجع السبب في ذلك حسب تقديري للعيب والقصور العالق بمعظم نصوص قانون الإفلاس الحالي سنة 1929م والذي مضى عليه أكثر من ثمانية عقود مضت، ولا سبيل لإصلاح هذه العيوب وتسهيل مهمة المحاكم وتبسيط إجراءاتها إلا بنفرة جادة لمراجعة هذا القانون الضارب في القدم وتعديله بوضع قواعد محكمة ومبسطة تزيل اللبس والغموض والخلط في نصوصه ليواكب التطور الملحوظ في حركة المعاملات التجارية وتنشيط الائتمان في هذه المعاملات وحماية حقوق الدائنين والمدينين معاً". انتهي الاقتباس.
هذه بعض الملاحظات على القوانين التجارية السودانية ونأمل أن نلقي الضوء لاحقاً على القوانين السودانية التي يجب ان تكون موجهة أساساً لمقابلة تبعات الآثار المترتبة على وفاة مؤسسي الكيانات التجارية وقد يكون لبعضهم امبراطوريات ضخمة من الأعمال. وسنجد ان معالجة هذا الأمر جرى من خلال نصوص متفرقة تخص المصارف والأراضي وقواني العمل.
nakhla@hotmail.com