“بلوور” عملاق سلارا (1-2) للكاتب محمود موسى تاور .. عرض/ د. قاسم نسيم
د. قاسم نسيم حماد حربة
2 January, 2023
2 January, 2023
كنت في مشرق الصبا، حينما اكتحلت عيناي بذاك الغلاف البني وقد كتب عليه "أدب الزنوجة" وكنا ما نزال نعتقد أنه لا ثمة أدب سوى هذا الذي أُنشئنا عليه، ولا سمت سوى سمته، فتفتقت عيناي بعد إطلالتي على سفره ذاك على منازع أخرى لا تقلُّ جدارةً على ما نحن عليه، ولكن هذا الاتجاه ما وجد من الدولة التفاتة، ولا من المثقفين عناية، وربما لأن حالنا يختلف عن حال البلاد التي نشأ فيها بعض الشيء، فنحن أمة أوشاب، لكن العربية متمكنة فينا لا جَرَم، ولكن هذا على كل حال لا يزعنا نترك مفاهيم الزنوجة بالكلية، فالزنوجة في بلادنا أصيلة كذلك، أصالة أرومة، وإن لم تُرفع لها راية، والعروبة مُتقعدة ولا تعلوها راية، ذلك هو الأستاذ محمود موسى تاور صاحب هذا الكتاب الذي نحن بصدد الحديث عنه، "بلوور عملاق سلارا".
هناك إقلالٌ ملاحظٌ في كتاباتنا التراثية السودانية، وتلك التي في سبيلها لأن تكون تراثًا، بدالة زمان وقوعها، وقد أحسن العلامة عبد الله الطيب بجمعه لتلك الحكاوى في كتاب وسمه "بالأحاجي الشعبية"، وهذه الأحاجي تراث صرف، ولها أهميتها القصوى في التنشئة والتقويم، غير أن تراث قبائل السودان المتحدثة بلغاتها الإفريقية فمجهولٌ تماما، لم تمتدَّ يدٌ لجمعه أو حفظه واستظهاره، لا ذاك التراث القصصي الذي يحمل في طياته فلسفة القوم وأساطير نشأتهم وتصوراتهم للحياة وقيمهم، ولا هذا التراث القريب نسبيًا الذي يروي وقائع حيواتهم ويحفظ سجلات أبطالهم وأيامهم ومآثرهم، والملاحظ في التراث الإفريقي القديم أن أكثره تكتنفه الأساطير الإفريقية، ولعلك واجدٌ تشابهًا في كثير من أساطيرهم، وهي تؤوَّل وتفكك وفق المناهج الخاصة بذلك، فتكشف لنا دلالات كانت مختبئة وراء الأساطير والمواقف والضحكات والأحزان والدهشات والقصص والغرائبية، كما فعل بروفسور أحمد عبد الرحيم نصر مع بعض أساطير قبيلة النيمانج (الأما)، لقد أخرج لنا معانٍ ما كانت تخطر بالبال حين أجرى عليها مناهجه العلمية في تفسيرها، وكنت قد وضعت دراسة علمية عن عمله هذا منشورة في مجلة الدراسات والبحوث الإفريقية، وكتبت ثلاث مقالات صحفية عن ذات العمل متاحة في مواقع التواصل، ونحن لا نتهم في إهمال تدوين هذا التراث إلا أهله، ولا نرمي بقية كتاب السودان ومثقفيه بإهماله، خاصة أن حاجز اللغة يقف أمامهم، ولعل أهله لم يقدروا قيمته، فقد ملكوا من العلم أسبابه، ومن المعرفة أدواتها، لكنهم رغم هذا تراهم مشيحين عن ذلك التدوين، شحيحين في تناوله ممن قُدِّر لهم التناول، إلَّا في الجانب التاريخي فنرى لهم وثباتٍ ونهضات وأنشطة، كما نشطت بعض قبائل العرب بعد الإسلام في تسجيل تاريخها عبر أشعارها، حقيقة كانت تسجيلاتهم أم انتحالًا، يسدون بذلك ثُلَمًا كانت لديهم في الجاهلية، لكن التاريخ وحده لا يغني عن بقية المعارف، بل ربما تتعلاه تلك المعارف وتشمخ، هذه حقيقة تجري على كل التراث السوداني المتحدث بلغاته المحلية الإفريقية، إلا من فلتات تعنُّ هنا وهناك، ومن تلك الفلتات كان محمود موسى تاور وكتابه "بلوور عملاق سلارا" الذي أخرجته لنا المطابع هذا العام في حلة زاهية، ومحمود رجلٌ غارق في تراث قومه حتى النضح، محبةً وايعابًا وتمثُّلًا، وكنت قد ترصدت ما كان ينشره من قصص من بيئته في صحيفة أجراس الحرية وصحف أخرى تندرج في معنى الأحاجي، كان مفتنَّاً في سردها، وكم رأيت قومه يتحلقون حوله في كل تنادٍ يتنادونه يسمعون إليه ويأخذون منه، فهو راوية ثبت ثقة.
وكتابه هذا لا يتناول الأساطير والأحاجي القديمة ذات الطابع الميتافيزيقي، إنما يتناول الحياة في مضارب قومه في خمسينات القرن المنصرم ويعكس صور الحياة فيها بل وصور حياتهم في الخرطوم من خلال سرده لقصة أحد أبطال قومه المعروفين، وهو الذي سمى الكتاب عليه، وكان قد تميز بقوةٍ بدنية خارقة، يقول في توطئته لكتابه: إن هذا سردٌ حقيقي لا من نسج الخيال لرجل من أبناء سلارا يدعى بالعربية "على تنفور" وبلغة أهله "إرشين" ولقبه الذي شُهِر به هو "بلوور" كان يمتلك قوة خارقة غير طبيعية، والنوبة بعامة مولعون بالقوة ويحبون الرجل القوي ويجلونه ويقدمونه، وحياتهم تعتمد على القوة، ورياضاتهم تقوم على القوة، ورقصاتهم تعبر عن القوة، أما ترى لعبة الكرنك وما تُبذل فيها من قوة حتى لترى الرائي لها قد ترتفع أنفاسه وتخفض ويتعرق جبينه من رهق المشاهدة والانفعال وضرب الأرجل بقوة على الأرض حتى تئن وتصرخ أصواتًا وهم لا ينضحون.
بدأ قصته برسم صورة عن قرية بطله "سلارا" فأحسن وصفها، واستدعى التاريخ بذكر بعض معارك السلطان عجبنا فيها ضد الإنجليز، وطوَّف على أحيائها ذكرًا، وبعض أعيانها وكجرتها "جمع كجور"، ووصف الحياة فيها، ثم أخذ وصفًا في بطله وصفًا ماديًا فهو مربوع القامة قوي البنية أسمر اللون، ووصفا معنويًا فهو سمح الأخلاق، حسن المعشر، وفوق ذاك كان مصارعًا بارعًا، ومن صفاته أنه كان أكولًا، وكان باستطاعته أكل تيسٍ خصيٍ لوحده، وهذا مما رواه عنه، ويرتبط الأكل الكثير بالقوة دائمًا، فنحن نرى أن كبار المصارعين العالميين يضرب بهم المثل في كثرة الأكل، وهذا معروف.
وقصة بلوور الأولى تحكي عن شجرة هائلة سقطت على الطريق، والأشجار في تلك البقاع عظيمة جدًا، والتي تسقط حتف أنفها يدل سقوطها هذا على أن عمرها بالمئات، فرأتها نساء الحيِّ وهن قافلات إليه آخر اليوم، فابتهجن لتوافرها على كميات هائلة من الحطب اللائي يقطعن من أجل الحصول عليه المسافات بصورة متكررة أسبوعيًا، فاتفقن أن يأتينها باكرًا ويحتطبنها ويتوزعن حطبها فتكفلهم بقية الموسم، وتقيهم مؤنة الاحتطاب المتكرر، ثم أنَّ بلوور أتى بعدهن فرآها فما كان منه إلا أن ربطها بحبل متين وجرَّها بكل ثبات حتى أبلغها منزل أمه الذي يقيم معها فيه، ووهبها لها وقودًا يكفلها الموسم كله، وفي الصباح أتت النسوة حيث كانت تتمدد الشجرة على الأرض فما وجدنها، فهالهن الأمر، لأنه ليس من المعقول أن تحملها جماعة من الرجال من أولي القوة، فضلًا عن أن يكون فذًا، ثم أنهن عرفن من بعد سرَّ افتقادها، فأكبرن فيه قوته الغريبة.
ومما رواه تاور تلك المسابقة التي أقامها المفتش الإنجليزي المقيم بالدلنج بمنطقة النتل، فقد تبرع المفتش بثور ضخم مكتنز لحما وشحمًا، وجعله جائزةً لمن يقتدر على حمله، وحُشر الناس ضحىً في يوم مشهود واجتمعت الأبطال والمصارعون يتبارون على حمله، وفشلوا جميعًا في ذلك، حتى دخل الحلبة أخيرًا بطلنا بلوور وحمله بكل سهولة ومشى بها ناحية حشد قومه وهم يتصايحون فرحًا، وكان الفوز.
وقصة أخرى يرويها لنا تاور وهي قصة المرحاكة، جعل تاور المدخل لهذه القصة الحديث عن دور المجتمع في تنشئة الأطفال، ثم تحدث عن نظام مدارج الأجيال وهو نظام فريد تفردت به قبيلة (أما) النيمانج يجعل كلَّ القبيلة تنتظم في أجيال محددة ولكل جيل مهمة، وللانتقال من جيل إلى جيل طقوس تؤدى، ويلزم المرور لجيل الشباب اجتياز معسكر يتدربون فيه على فنون القتال وهكذا، ثم يدلف إلى قصته وملخصها أنَّ امرأةً رأت حجرًا ضخمًا أفطحًا رأت فيه صلاحًا لأن يكون حجر رحىً "مرحاكة" في رأس جبل، فانتدبت له خمسة شباب أقويا لحمله إليها، فما وسعهم ذلك، فقبعت تندب حظها، فرآها بلوور فاستفتاها عن شاغلها، فحكت له قصتها مع الحجر، فطلب إليها أن تُريها أياه تطفلًا فأرته له على مضض، ثم مضت إلى مكانها فما كان منه إلا أن قبض على الحجر بيديه القويتين حتى يكاد الحجر يلين تحت قبضته ويتفتت، ثم انتزعه من بين صخوره انتزاعًا، وحمله على كتفه، ونزل به من الجبل وئيدًا حتى أتاها، فوضعه لها حيث تريد وسط دهشة منها وانذهال.
gasim1969@gmail.com
هناك إقلالٌ ملاحظٌ في كتاباتنا التراثية السودانية، وتلك التي في سبيلها لأن تكون تراثًا، بدالة زمان وقوعها، وقد أحسن العلامة عبد الله الطيب بجمعه لتلك الحكاوى في كتاب وسمه "بالأحاجي الشعبية"، وهذه الأحاجي تراث صرف، ولها أهميتها القصوى في التنشئة والتقويم، غير أن تراث قبائل السودان المتحدثة بلغاتها الإفريقية فمجهولٌ تماما، لم تمتدَّ يدٌ لجمعه أو حفظه واستظهاره، لا ذاك التراث القصصي الذي يحمل في طياته فلسفة القوم وأساطير نشأتهم وتصوراتهم للحياة وقيمهم، ولا هذا التراث القريب نسبيًا الذي يروي وقائع حيواتهم ويحفظ سجلات أبطالهم وأيامهم ومآثرهم، والملاحظ في التراث الإفريقي القديم أن أكثره تكتنفه الأساطير الإفريقية، ولعلك واجدٌ تشابهًا في كثير من أساطيرهم، وهي تؤوَّل وتفكك وفق المناهج الخاصة بذلك، فتكشف لنا دلالات كانت مختبئة وراء الأساطير والمواقف والضحكات والأحزان والدهشات والقصص والغرائبية، كما فعل بروفسور أحمد عبد الرحيم نصر مع بعض أساطير قبيلة النيمانج (الأما)، لقد أخرج لنا معانٍ ما كانت تخطر بالبال حين أجرى عليها مناهجه العلمية في تفسيرها، وكنت قد وضعت دراسة علمية عن عمله هذا منشورة في مجلة الدراسات والبحوث الإفريقية، وكتبت ثلاث مقالات صحفية عن ذات العمل متاحة في مواقع التواصل، ونحن لا نتهم في إهمال تدوين هذا التراث إلا أهله، ولا نرمي بقية كتاب السودان ومثقفيه بإهماله، خاصة أن حاجز اللغة يقف أمامهم، ولعل أهله لم يقدروا قيمته، فقد ملكوا من العلم أسبابه، ومن المعرفة أدواتها، لكنهم رغم هذا تراهم مشيحين عن ذلك التدوين، شحيحين في تناوله ممن قُدِّر لهم التناول، إلَّا في الجانب التاريخي فنرى لهم وثباتٍ ونهضات وأنشطة، كما نشطت بعض قبائل العرب بعد الإسلام في تسجيل تاريخها عبر أشعارها، حقيقة كانت تسجيلاتهم أم انتحالًا، يسدون بذلك ثُلَمًا كانت لديهم في الجاهلية، لكن التاريخ وحده لا يغني عن بقية المعارف، بل ربما تتعلاه تلك المعارف وتشمخ، هذه حقيقة تجري على كل التراث السوداني المتحدث بلغاته المحلية الإفريقية، إلا من فلتات تعنُّ هنا وهناك، ومن تلك الفلتات كان محمود موسى تاور وكتابه "بلوور عملاق سلارا" الذي أخرجته لنا المطابع هذا العام في حلة زاهية، ومحمود رجلٌ غارق في تراث قومه حتى النضح، محبةً وايعابًا وتمثُّلًا، وكنت قد ترصدت ما كان ينشره من قصص من بيئته في صحيفة أجراس الحرية وصحف أخرى تندرج في معنى الأحاجي، كان مفتنَّاً في سردها، وكم رأيت قومه يتحلقون حوله في كل تنادٍ يتنادونه يسمعون إليه ويأخذون منه، فهو راوية ثبت ثقة.
وكتابه هذا لا يتناول الأساطير والأحاجي القديمة ذات الطابع الميتافيزيقي، إنما يتناول الحياة في مضارب قومه في خمسينات القرن المنصرم ويعكس صور الحياة فيها بل وصور حياتهم في الخرطوم من خلال سرده لقصة أحد أبطال قومه المعروفين، وهو الذي سمى الكتاب عليه، وكان قد تميز بقوةٍ بدنية خارقة، يقول في توطئته لكتابه: إن هذا سردٌ حقيقي لا من نسج الخيال لرجل من أبناء سلارا يدعى بالعربية "على تنفور" وبلغة أهله "إرشين" ولقبه الذي شُهِر به هو "بلوور" كان يمتلك قوة خارقة غير طبيعية، والنوبة بعامة مولعون بالقوة ويحبون الرجل القوي ويجلونه ويقدمونه، وحياتهم تعتمد على القوة، ورياضاتهم تقوم على القوة، ورقصاتهم تعبر عن القوة، أما ترى لعبة الكرنك وما تُبذل فيها من قوة حتى لترى الرائي لها قد ترتفع أنفاسه وتخفض ويتعرق جبينه من رهق المشاهدة والانفعال وضرب الأرجل بقوة على الأرض حتى تئن وتصرخ أصواتًا وهم لا ينضحون.
بدأ قصته برسم صورة عن قرية بطله "سلارا" فأحسن وصفها، واستدعى التاريخ بذكر بعض معارك السلطان عجبنا فيها ضد الإنجليز، وطوَّف على أحيائها ذكرًا، وبعض أعيانها وكجرتها "جمع كجور"، ووصف الحياة فيها، ثم أخذ وصفًا في بطله وصفًا ماديًا فهو مربوع القامة قوي البنية أسمر اللون، ووصفا معنويًا فهو سمح الأخلاق، حسن المعشر، وفوق ذاك كان مصارعًا بارعًا، ومن صفاته أنه كان أكولًا، وكان باستطاعته أكل تيسٍ خصيٍ لوحده، وهذا مما رواه عنه، ويرتبط الأكل الكثير بالقوة دائمًا، فنحن نرى أن كبار المصارعين العالميين يضرب بهم المثل في كثرة الأكل، وهذا معروف.
وقصة بلوور الأولى تحكي عن شجرة هائلة سقطت على الطريق، والأشجار في تلك البقاع عظيمة جدًا، والتي تسقط حتف أنفها يدل سقوطها هذا على أن عمرها بالمئات، فرأتها نساء الحيِّ وهن قافلات إليه آخر اليوم، فابتهجن لتوافرها على كميات هائلة من الحطب اللائي يقطعن من أجل الحصول عليه المسافات بصورة متكررة أسبوعيًا، فاتفقن أن يأتينها باكرًا ويحتطبنها ويتوزعن حطبها فتكفلهم بقية الموسم، وتقيهم مؤنة الاحتطاب المتكرر، ثم أنَّ بلوور أتى بعدهن فرآها فما كان منه إلا أن ربطها بحبل متين وجرَّها بكل ثبات حتى أبلغها منزل أمه الذي يقيم معها فيه، ووهبها لها وقودًا يكفلها الموسم كله، وفي الصباح أتت النسوة حيث كانت تتمدد الشجرة على الأرض فما وجدنها، فهالهن الأمر، لأنه ليس من المعقول أن تحملها جماعة من الرجال من أولي القوة، فضلًا عن أن يكون فذًا، ثم أنهن عرفن من بعد سرَّ افتقادها، فأكبرن فيه قوته الغريبة.
ومما رواه تاور تلك المسابقة التي أقامها المفتش الإنجليزي المقيم بالدلنج بمنطقة النتل، فقد تبرع المفتش بثور ضخم مكتنز لحما وشحمًا، وجعله جائزةً لمن يقتدر على حمله، وحُشر الناس ضحىً في يوم مشهود واجتمعت الأبطال والمصارعون يتبارون على حمله، وفشلوا جميعًا في ذلك، حتى دخل الحلبة أخيرًا بطلنا بلوور وحمله بكل سهولة ومشى بها ناحية حشد قومه وهم يتصايحون فرحًا، وكان الفوز.
وقصة أخرى يرويها لنا تاور وهي قصة المرحاكة، جعل تاور المدخل لهذه القصة الحديث عن دور المجتمع في تنشئة الأطفال، ثم تحدث عن نظام مدارج الأجيال وهو نظام فريد تفردت به قبيلة (أما) النيمانج يجعل كلَّ القبيلة تنتظم في أجيال محددة ولكل جيل مهمة، وللانتقال من جيل إلى جيل طقوس تؤدى، ويلزم المرور لجيل الشباب اجتياز معسكر يتدربون فيه على فنون القتال وهكذا، ثم يدلف إلى قصته وملخصها أنَّ امرأةً رأت حجرًا ضخمًا أفطحًا رأت فيه صلاحًا لأن يكون حجر رحىً "مرحاكة" في رأس جبل، فانتدبت له خمسة شباب أقويا لحمله إليها، فما وسعهم ذلك، فقبعت تندب حظها، فرآها بلوور فاستفتاها عن شاغلها، فحكت له قصتها مع الحجر، فطلب إليها أن تُريها أياه تطفلًا فأرته له على مضض، ثم مضت إلى مكانها فما كان منه إلا أن قبض على الحجر بيديه القويتين حتى يكاد الحجر يلين تحت قبضته ويتفتت، ثم انتزعه من بين صخوره انتزاعًا، وحمله على كتفه، ونزل به من الجبل وئيدًا حتى أتاها، فوضعه لها حيث تريد وسط دهشة منها وانذهال.
gasim1969@gmail.com