تحديات البشرية وهي تكمل 7 بليون
بابكر عباس الامين
5 November, 2011
5 November, 2011
طبقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان، فقد بلغ تعداد سلالة النبي آدم بحلول هذا الشهر سبعة بليون إنسان. والذي يثير الدهش هو أن عدد سكان الكوكب قد زاد بأكثر من الضعف في الخمسين سنة الأخيرة فقط! ويشير الصندوق إلي أن زيادة سكان العالم لا تعني أن معدل الإنجاب في تزايد، بل هي مؤشر علي ارتفاع متوسط العمر، مع انحسار نسبة وفيات الأطفال. بيد أن ذينك يكاد أن ينطبقا علي دول الشمال فقط، لأن نسبة وفيات الأطفال ما زالت في ارتفاع في معظم دول الجنوب. كما أن متوسط العمر لم يرتفع في العديد من دوله، بل أنه قد تناقص في بعضها، كزامبيا، سوازيلاند، أفريقيا الوسطي، موزمبيق، السودان، والصومال. ورغم ارتفاع نسبة وفيات الأطفال في دول الجنوب إلا أنها - بسبب ارتفاع الخصوبة - ما زالت هي مصدر زيادة عدد سكان العالم، إذ انحدرت الولادة في الغرب، وبلغت الصفر في بعض دوله. وتقوم تلك الدول - كما هو معلوم - بتغطية هذا العجز عن طريق الهجرة.
ورغم التقدم العلمي، والقفزة التكنلوجية، فما زالت الإنسانية تواجه تحديات شتي، كثالوث المرض والأمية والجوع، الذي يعوق تنميتها واستثمار طاقاتها وبلوغ الرقي. وما زالت الأهداف التي وضعتها الأمم المتحدة قبل أكثر من ستين عاما: التعاون الدولي لحل مشكلات البشرية الاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية، ما زالت بعيدة عن التحقيق. مرض الايدز، مثلاً، بلغ عدد المصابين به 38 مليونا بعام 2003. وما يبعث الأسي هو تمركز هذا الداء في إقليم معين هو أفريقيا جنوب الصحراء، حيث يبلغ نصيبه 75% من جملة المصابين في العالم، مات منهم سبعة مليون بين عامي 1985 – 2000. والذي يضاعف الأسي أن تداعيات هذا المرض قد أفرزت ظاهرة أخري هي ازدياد عدد الأطفال الأيتام، بسبب موت الوالدين، تقدر اليونسيف عددهم بعشرة مليون، معظمهم من نفس الإقليم. وإن لم يتم اكتشاف أو اختراع دواء لهذا الداء، إلا أن الحكومات لا تبذل جهداً كافياً للحد من انتشاره، ببث الوعي عن وسائل انتقال العدوي، والفحص الدوري للتأكد من وجود الفيروس، وعدم استخدام الإبر لأكثر من مرة، وتوزيع العازل.
معضلة أخري تواجه البشرية هي قلة، أو تناقص الموارد الطبيعية، كالماء والأثر السالب له علي انتاج الغذاء، إذ يعاني حالياً 434 مليونا من شح المياه، كما في مصر، الأراضي الفلسطينية، الأردن، وحتي حوض دجلة والفرات، الذي لم يعد يحتمل الضغط السكاني الكثيف عليه. ومن المتوقع أن يكون التنافس علي الماء مصدراً لتفجر النزاعات والحروب بين الدول التي تشترك في استغلال الأنهار. والشاهد أن العالم قد مرَّ بتوتر في العلائق بين بعض الدول لهذا السبب: سوريا وتركيا، الهند وباكستان، مصر وإثيوبيا. هنالك عامل آخر أدي لنقص الغذاء هو الحروب والنزاعات المسلحة، التي أجبرت الملايين علي ترك مزارعهم، فأصبحوا يعتمدون علي الإغاثات بعد أن كانوا منتجين، كما حدث في أفغانستان، الصومال، ودارفور. وتبلغ المأساة ذروتها إلي تقرير منظمة الفاو، الذي يشير إلي أن عدد الذين يعانون من الجوع في الدول النامية قد ارتفع من 18 مليون عام 1993 إلي 800 مليون عام 2005. إضافة إلي ذلك، يتوقع العلماء أن مشكلات الغذاء المستقبلية، بسبب تكدس الحيوانات باسلوب لا يراعي صحتها، تتمثل في احتمال ظهور أمراض جديدة، تنتقل من الحيوان للإنسان، كما حدث في السابق: السارز، جنون البقر، حُمي الطيور التي ضربت آسيا قبل سنوات، ونتج عنها إعدام ملايين الطيور.
ولعل أسوأ ما تعاني منه الإنسانية هو إهدار الموارد الطبيعية غير المتجددة، وعلي رأسها النفط، الذي أضحي أكبر سلعة متداولة في التجارة الدولية. والمعروف أن أكبر مُهدر ومُدمن له هو الولايات المتحدة التي تستهلك 19 مليون برميل في اليوم، أي ربع الانتاج العالمي. بالنسبة لأمريكا، فإن تبذير النفط يعود في المقام الأول لجشع شركات البترول التي تسعي لأقصي قدر ممكن من استهلاكه. يؤكد تلك الحقيقة أن أوربا صارت تنتج نسبة مُعتبرة من الطاقة الشمسية والهوائية، إضافة إلي سيارات تستهلك نفطأ اقل. وتشير أكثر التقديرات تفاؤلاً إلي أن الإحتياطي العالمي منه سينفد بنهاية هذا القرن، بما يستوجب ترشيد استهلاكه، وتكثيف الجهود في البحوث لايجاد مصادر طاقة بديلة. ومما يجدر ذكره أن النفط قد أدي لفرض نمط جديد من العلائق الدولية تتجاوز المعايير والقيم الأخلاقية؛ كعلاقة أمريكا بدول تنتهك حقوق الإنسان مثل السعودية ونيجيريا. أيضاً، يتنبأ الاستراتيجيون بأن معظم الحروب التي ستنشأ خلال العقود القادمة ستكون حول البترول. والواقع أن العالم قد شهد حروباً حوله، بدءاً باحتلال العراق للكويت 1991، وحرب الخليج الثانية لتحرير الكويت، إلي غزو واحتلال العراق عام 2003، وأخيراً عمليات حلف الناتو في ليبيا.
والكارثة الكبري المرتبطة بتضاعف استهلاك النفط، المسؤول عن قذف ثُلث كمية ثاني أكسيد الكربون لطبقة الأوزون، هي الخراب البيئي، الذي أدَّي، ويؤدي إلي ذوبان الكتلة الجليدية في القطب الشمالي، وبالتالي ارتفاع منسوب سطح البحر. وتشير أحدي الدراسات إلي أن مستوي سطح البحر سيرتفع بين 33 إلي 88 سنتمترا بحلول عام 2100، إن استمرت وتيرة استهلاك البترول الحالية. في هذه الحالة، فان مياه البحر ستغمر العديد من المناطق الساحلية المأهولة بالسكان، مما سينشأ عنه ظاهرة أخري لها تبعاتها هي إعادة توطين هؤلاء السكان. وقد بدأت آثار هذه الظاهرة قبل سنوات في أرخبيل الماليدف - أكثر بقاع العالم انخفاضاً - حيث طمرت مياه البحر بعض جزرها، وقامت الحكومة بردم صناعي لبعض الجزر، وإعادة توطين السكان فيها. بيد أن أن تأثير الاحتباس الحراري لا يقتصر علي طمر مناطق ساحلية فقط، بل يتسبب في دمار ايكولوجي يشمل كل الكوكب، كنقص المياه الصالحة للشرب، الجفاف، دمار الحياة البحرية كالأسماك، والتقلبات المفاجئة في المناخ، وتأثيرها السالب علي المحاصيل الزراعية كماً ونوعا، كما يحدث حالياً من فيضان في تايلاند، إضافة للعاصفة الثلجية التي ضربت الساحل الشرقي لأمريكا قبل أيام، وهي أمر نشاز في هذا الوقت.
المسائل المذكورة أعلاه، المرض، دمار البيئة، شح الماء والطعام هي مؤشرات علي تقصير منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها، بما يستوجب تفعليها وإلتزام الدول بدفع حصتها المالية لمواجهة تلك التحديات. لا يعني ذلك مطلقاً إعفاء الأنظمة الحاكمة، بقدر ما يعني أن الواجب علي الدول التي تتزعم أو تقود العالم أن تنفق مقابل تلك القيادة. فمن غير المعقول، مثلاً، أن يظل المعيار الأساسي للبنك وصندوق النقد الدوليين، لمنح القروض والمشاريع للدول النامية، هو استخلاص أقصي قدر من الفائدة من الدول الفقيرة للدول الأكثر غني. صحيح أن هاتين المؤسستين ليستا من المنظمات الخيرية، بيد أن وضع شرط تسريح العاملين دون حقوق أو تعويض أمر يؤدي إلي مضار اجتماعية. الذي يدعو للأسف - وليس الحيرة أو الدهش - هو ما حدث مؤخراً من قطع أمريكا لحصتها المالية لليونسكو، بسبب إنضمام دولة فلسطين لها. ذلك لأن تلك عقوبة جماعية للدول التي تتلقي عوناً من تلك المنظمة، وتأثير ذلك علي الثقافة والعلوم وتعليم الأطفال، خاصة البنات في دول مضطربة كأفغانستان والصومال. علاوة علي ذلك، فهي، دون شك، إجراء مجاف للعدالة، مُناصر للصلف والطغوان الإسرائيليين.
Babiker Elamin [babiker200@yahoo.ca]