تصريحات أفورقي… لمن تُقرع الأجراس؟ بقلم: هاشم بانقا الريح
هاشم بانقا الريح
27 March, 2009
27 March, 2009
hbrayah@yahoo.com
استمعت لبعضٍ من تصريحات الرئيس الإريتري أسياس أفورقي التي أدلى بها أثناء زيارة الرئيس البشير الخاطفة إلى إريتريا أوائل هذا الأسبوع. الرئيس أفورقي أطلق الكلمات التي ينبغي علينا جميعاً أن نرددها و نطبقها عمليًا. و في ظني أننا لو فعلنا ذلك ما كانت الأمور ستتفاقم إلى هذه الدرجة ، و لما أصبحنا نبحث عن الحلول هنا و هناك، و تأتينا المبادرات من هذا و ذاك، و لا ندري ما إن كانت مقبولة لهذا الطرف، أو تستخدم أهداف و استراتيجيات ذاك الطرف أو تلك الأطراف.
الرئيس الإريتري قال بوضوح أن حل مشاكل السودان ، و من ضمنها مشكلة دارفور بالطبع، بأيدي السودانيين أنفسهم، و أن الجهود و المبادرات الخارجية ما هي إلا دعم للحلول السودانية. و وصف أفورقي قرار محكمة الجنايات الدولية بأنه "قرار سياسي لا علاقة له بالقانون أو العدالة ويهدف إلى زعزعة الاستقرار في السودان وخلق تعقيدات لمشاكل السودان بما يسمح بالتدخلات الأجنبية كهدف نهائي."
لكن أين هم السودانيون الحادبون على مصلحة الوطن؟ سؤال موجه بصورة مباشرة للحكومة و المعارضة السياسية منها والمسلحة، و الدعوة موجهة بصورة خاصة للحركات المسلحة في دارفور لقراءة تصريحات الرئيس الإريتري مثنى و ثلاث و رباع، لاسيما في هذا الوقت الذي تنامى فيه إلى وسائل الإعلام المرئية و المكتوبة، أن حركة العدل و المساواة ترفض العودة إلى طاولة المفاوضات بالعاصمة القطرية الدوحة. لماذا ترفض التفاوض و لمصلحة من؟
لقد ثبت بما لا يدعو مجالاً للشك أن أيّ تصعيد عسكري في دارفور أو في غيرها، يصبّ سلبًا على الحياة اليومية للمواطن العادي، إذ أن هذا المواطن العادي هو أول من يكتوي بنيران إطلاق الرصاص. الغريب و المدهش في الأمر أن جميع الفئات المسلحة و غير المسلحة، المنضوية تحت حكومة الوحدة الوطنية، أو تلك التي تقف في المعارضة، لم تمل من ترديد أن هدفها أمن المواطنين و رفاهيتهم و استقرارهم، وإذا كان هذا الخطاب صحيح و صادر عن قناعة، فلماذا تعمل الأطراف المختلفة على زيادة معاناة أهلنا؟
الشواهد على عدم جديتنا في الالتقاء على هموم الناس و العمل من أجل الوطن كثيرة، و تكاد تكون معلومة للقاصي و الداني. و لعلي لا أضيف جديداً إذا قلت أن أي يوم يمر دون التوصل إلى إسكات صوت الرصاص وإعمال صوت العقل و الحوار و التفاهم، مخصوم من أمن المواطن و معاشه و تنمية الوطن و استقراره و ازدهاره، و مخصوم من حق الأجيال القادمة في أن تجد وطنًا تُفاخر به بين الأمم.
و أنا أتأمّل حال الوطن ، و مكابرة أهل السياسة في الإقرار بالواقع المرير، قرأت بيان صحفي لمنظمة "اليونيسيف" بمناسبة اليوم العالمي للمياه، الذي يصادف 22 مارس من كل عام، فازداد حالي إحباط على إحباط، و يأس و قنوط من أن نستوعب دروس الحاضر المؤلم، ناهيك عن تدبّر دروس التاريخ.
يقول البيان الصحفي أن 44% من سكان السودان لا يحصلون على مصادر آمنة لمياه الشرب، و أن 70% يفتقرون إلى مرافق الصرف الصحي الملائمة. إذا أضفنا إلى هذه الأرقام المروعة تقارير أخرى تقول أن السودان من أعلى الدول نسبة في وفيات الأمهات أثناء الولادة، و معدلات وفيات الأطفال دون سن الخامسة، فسيكون هذا – في ظني- كافيًا لإعادتنا إلى جادة الصواب، و هذا قليل من كثير مما هو معلوم للجميع.
فكيف نتحدث في "ساس يسوس" و نقيم الاحتفالات و ندبج الخُطب، و نصرف الأموال على الاحتفالات، و هذا حالنا.. فرقة و اختلاف و إتباع هوى، و تردٍ ماثل للعيان؟ كيف يجد ساستنا شهية الحديث و التلذذ بهنيء العيش مع هذه الأرقام التي يشيب لها الولدان؟
و مع هذا كله فهناك أمل إذا ما بدأنا جادين في إصلاح أنفسنا و كان همنا الأول و الأخير هذا الوطن و الخوف على مستقبله و أجياله القادمة، و لنا في تجربة اليابان قدوة حسنة. فهذه بلد خرجت مثقلة بالجراح من الحرب العالمية الثانية، و لكنها أين هي الآن؟ لقد أيقن القادة اليابانيون بأن الحرب هي عدو الإنسان و أن الاستقرار و التعايش السلمي هو الذي سيفتح لهم الآفاق. فبعد عقود من الحروب و مسلسلات الدم، غيرت اليابان وجهها البائس الكئيب في حقبة ما بعد الحرب التي قتل خلالها مليونا مواطن وحقبة ما بعد إلقاء أول قنبلتين نوويتين عليها والتي أدت إلى هلاك أكثر من 300 ألف ياباني.
لخّص أحد المحاضرين اليابانيين ، و هو يتحدث عن كيف بنت اليابان نفسها بعد الحرب، ذلك في عدة أمور، أذكر بعضها هنا لعلها تكون نبراساً لنا نهتدي بها، و تدفعنا جميعنا، حكومة و معارضة و شعب إلى السعي نحو الاقتداء بهذه التجربة الثرة. قال المحاضر أن اليابان ، ورغم افتقارها إلى الكثير من المواد الخام الضرورية، إلا أنها استطاعت أن تنهض من كبوتها وتقود التغيير والنمو وتنجح فيهما. ومضى يُعدد الخطوات التي اتخذتها اليابان و ألزمت بها نفسها حتى تحوّلت إلى دولة شامخة، يعمل شعبها في صمت، و يتقنون ما يصنعون، و ذكر منها: الإنفاق اللامحدود على الأبحاث والدراسات وتأهيل الكوادر البشرية، وتوجيه الطاقات والعلوم نحو إنتاج السلع السلمية والاستهلاكية بدلا من توجيهها نحو صناعة الآلة الحربية والصناعات الثقيلة التي كانت من أسباب سقوط أو تراجع أمم عظمى كثيرة، وخلق روح التحدي والمنافسة على كافة المستويات، محاكاة الآخر المتقدم بمختلف الوسائل المتوفرة، و الإصلاح المستمر والمتواصل والمراجعة الدورية الدقيقة لكل قرار من أجل تحقيق أفضل النتائج والغايات.
* مترجم و كاتب صحفي يعمل بالمملكة العربية السعودية