تطبيع الفساد لدى الإسلامويين
عمل الإسلاميون السودانيون طوال ثلاثين عاما على جعل الفساد ظاهرة طبيعية أو عادية وكأنها جزء من الشخصية السودانية في مجادلتهم (إعادة صياغة الإنسان السوداني) والهدف الخبيث من عملية التطبيع هذه هو تغييب المواطنين الشرفاء وأن تكون اغالبية الجماهير فاسدة وبالتالي لا تستطيع محاربة الفساد أو الاحتجاج عليه. وللأسف ضرب الفساد أغلب موظفي الخدمة المدنية وحتى بعد سقوط النظام الإسلاموي سياسياً إلا أن ثقافته استمرت بعد سقوطه ولأن الجهاز التنفيذي مازال تحت سيطرة الدولة العميقة، فقد استمر الفساد وانتعش في فترة الانتقال هذه، فالأزمات المعيشية والنفايات المنتشرة كلها دلالات صريحة لانتعاش الفساد الإسلاموي.
يرى بعض الباحثين في الفساد شكلاً جديداً من أشكال الاستعمار الداخلي الجديد حيث تقوم مجموعة حاكمة (هي أقرب إلى عصابات المافيا) تنهب موارد الوطن متجاوزة القوانين والنظم الإدارية والقيم الأخلاقية السائدة وتسقط السلطة السياسية الحاكمة في هذه الحالة، الحدود بين المال كحق عام ترعاه الدولة وتنمية أو ملكية خاصة يتصرف فيها الحاكم وطغمته، ويبدأ الفساد حين تغيب الرقابة الشعبية والمساءلة ثم العقوبات الرادعة للمتجاوزين والأحكام القانونية القاسية ضد التغول وسرقة المال العام من خلال استغلال المنصب وقبول الرشوة وتزييف القوانين الإدارية لتخدم أطراف الفساد الأخرى خارج جهاز الدولة. وحسب هذا التوصيف فقد صار الفساد خلال العهد البائد سلوكاً طبيعياً لا يخجل منه الممارس بل قد يعتبر صاحبه ذكياً وحاذقاً وحريفاً بينما الشريف جباناً ومغلقاً لا يفهم الدنيا والحياة، لذلك يعبر الفاسدون عن أخلاقهم بالمباني العالية والسيارات الفخمة والمزارع وتكرار دورات الحج والعمرة والعلاج في الخارج والتسوق وتعليم الأبناء في جامعات غير سودانية بالداخل أو الخارج. وصار الفاسدون والمفسدون طليعة المجتمع السوداني ويتقدمون الفئات الاجتماعية الأخرى تجدهم في مجالس الإدارات ورؤساء الأندية الرياضية والاجتماعية، و(فاعلي) الخير ونجوم الإعلام.
حين استولى الإسلامويون على السلطة غدراً ورفعوا شعارات الدين والأخلاق والطهارة ظن الكثيرون أن هذا سيكون آخر عهد السودان بالفساد بعد أن تذوقوا لذة السلطة- حسب تعبير شيخ حسن – وأصبح الفساد هو ذهب المعز الذي حدثنا عنه التاريخ الإسلامي الذي كان وسيلة كسب التأييد وتقريب المنافقين والانتهازيين ومن هنا كانت بداية استباحة المال العام وتعامل الإسلامويون مع السودان وكأنهم قاموا بغزوة ضد بلد غير مسلم وهزموا الكفار وبانت لهم الغنائم وكل مقدرات البلد المهزوم والخاضع بحد السيف. هكذا كان تصور الإسلامويين لإخوتهم في الوطن لذلك قاموا بتشريدهم وفصلهم عن أعمالهم وتعذيبهم في بيوت الاشباح وأن يذلوهم ويعاقبونهم قبل يوم الحساب والعقاب.
ما يهمنا الآن روح وعقل الإنسان السوداني وألا يعتبر الفساد أمراً عادياً وطبيعياً وأن ينظر إلى الفاسد باحتقار واجب ولا تكفي محاكمة الإسلامويين الفاسدين جنائياً وسياسياً إذ لابد من محاكمتهم أخلاقياً وعزلهم اجتماعيا حتى الاعتذار لهذا الشعب والمساعدة في استرداد أموال الشعب المنهوبة والكشف عن أماكن تهريبها وبعد ثلاثين عاماً من الفساد يحتاج الإنسان السوداني لحصانة ضد الفساد ويجب ألا تمتد عملية تطبيع الفساد إلى المرحلة الحالية وعدم التهاون في كشف وملاحقة الفاسدين الجدد سواء في جهاز الدولة أو المجتمع المدني أو في السوق أو الحياة العامة هذا جزء من معركة الديمقراطية ونهضة الوطن.
hayder.ibrahim.ali@gmail.com