تطور الأوضاع في مالي .. إعداد وتقديم: عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
6 February, 2013
6 February, 2013
ورقة حول
تطور الأوضاع فى مالى
إعداد وتقديم
عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
باحث وخبير إ ستراتيجى فى الشأن الأفريقى
14 يناير 2013 م
بسم الله الرحمن الرحيم
تطور الأوضاع فى مالى
مقدمة:
النظام العالمى الجديد الذى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية, الذى تشكل بعد أوائل التسعينات بعد إنتهاء نظام القطبية الثنائية بسقوط الإتحاد السوفيتى السابق فى بداية تسعينيات القرن الماضى, يعمل حالياً لتوفيق أوضاعه فى كل أنحاء العالم, عبرضبط إيقاع التفاعلات فى العالم بالتنسيق والتفاهم مع دول أخرى للسيطرة على الموارد المهمة فى جميع أنحاء العالم, بالأخص البترول واليورانيوم, وبالتالى نجد أن النظام العالمى الجديد الذى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية, يعمل بإستمرار على بناء إقليميات جديدة تعمل على مساعدته فى تحقيق سيطرته على العالم, وتحقيق نشر قيم الحضارة الغربية وأيدلوجيا الولايات المتحدة الأمريكية فى كل أنحاء العالم عبر مشروع العولمة الذى تم صكه لتحقيق هذا الغرض, وعليه أصبح المسرح السياسى الدولى يشهد الكثير من المتغيرات من حيث الكم والنوع, ويرفدنا بين الفينة وضحاها بالأحداث والمفآجآت عبر وسائل إعلامه التى أصبحت جزءاً من أدوات الدعاية للتمهيد لقيام للحروب ونشرها.
المتغيرات فى القارة الأفريقية:
يلاحظ فى الآونة الحالية أن أغلب المتغيرات فى الساحة الدولية تشهد وقائعها القارة الأفريقية, فبينما تشهد منطقة القرن الأفريقى ومعظم منطقة شرق أفريقيا (النزاع فى الصومال, القرصنة قبالة السواحل الصومالية, النزاع بين السودان وجنوب السودان والنزاع الأرترى الأثيوبى), ودول وسط القارة الأفريقية (الصراع الحالى بين تحالف المعارضة فى أفريقيا والوسطى والحكومة المركزية), وفى منطقة البحيرات (الصراع بين متمردى ام 23 والحكومة الكنغولية) إضطرابات عميقة, بدأت الأوضاع فى الغرب الأفريقى تنزع نحو عدم الإستقرار بوتيرة متسارعة, نتيجة لزيادة الإضطرابات الإثنية والدينية داخل دول منطقة الغرب الأفريقى ومنطقة الساحل والصحراء, بدءاً من ليبريا, وسيراليون, وغينيا بيساو, وساحل العاج ثم نيجيريا, وليبيا ومالى حالياً, وربما تنفجر الأوضاع فى النيجر وبقية دول غرب إفريقيا الأخرى إن لم يتم تدارك الأمر من قبل قيادات أفريقيا بحكمة, ولعل الأجواء الحالية من عدم الإستقرار فى غرب أفريقيا, تشير إلى أن هنالك تحركات من قبل القوى العالمية الجديدة (الولايات المتحدة وحلفائها) من جهة, وفرنسا بقيادة رئيسها الجديد هولاند, التى تريد إستعادت نفوذها الذى فرط فيه رئيسها السابق ساركوزى من جهة أخرى, والصين والجزائر وبعض القوى الصاعدة الأخرى, للسيطرة على مصادر الطاقة فى منطقة الساحل وغرب أفريقيا الملئية بالإحتياطات النفطية الهائلة واليورانيوم والمعادن الإستراتيجية, عبر مجموعة من الإجراءات السياسية والإقتصادية والعسكرية والدبلوماسية, بيد أن وجود العديد من الأزمات والصراعات ذات الطابع الإثنى والدينى, والأخرى ذات الطابع السياسى والإقتصادى بين دول الغرب الأفريقى, التى أسهم فى تشكلها الإحتلال الأوربى الغربى الفرنسى والبريطانى والبرتغالى, أسهم بدوره أيضاً فى إلتهاب الأوضاع فى منطقة الغرب الأفريقى والساحل والصحراء, وبالرغم من وجود تجمع لدول غرب أفريقيا فى منظومة إقتصادية أمنية إقليمية واحدة يطلق عليها إسم الإيكواس (ECOWAS), إلا أن دول الإيكواس حتى الآن متنازعة الولاء بين الفرانكفونية والأنجلوفونية والليزوفونية, مما شكل عائقاً فى سبيل إتخاذ قرارات موحدة من قبل الإيكواس فى حسم العديد من الصراعات التى نشبت فى المنطقة, بالإضافة لتوقف فعالية تجمع س ص بعد سقوط نظام القذافى, الذى كان ربما كان يساعد فى تخفيف أزمات المنطقة جنباً الى جنب مع الإيكواس لتداخل وتشابك قضايا كل من المنظمتين.
الأزمة الداخلية فى مالى:
المشهد السياسى فى مالى يشهد صراع قديم ومتجدد منذ حوالى ثلاثة عقود من الزمان, بين الحكومة المركزية فى باماكو, وثوار الطوارق الذين يعبرون عن رفضهم للأوضاع المزرية التى تعيش فيها مجتمعاتهم فى شمال مالى, وقد شكل ثوار الطوارق تنظيم الحركة الوطنية للتحرير (أزواد(, وقادوا ثورة مسلحة ضد الحكومة المالية من قبالة التخوم الشمالية للصحراء الكبرى الأفريقية للسيطرة على الشمال المالى, والصراع بين الحكومة المالية المركزية وثوار الحركة الوطنية لتحرير الأزواد, صراع تعود جذوره منذ إستقلال مالى من الإحتلال الفرنسى عام 1960م.
والجدير بالذكر أن قبائل الطوارق كانت من أكثر القبائل المناهضة للإستعمار الفرنسى فى منطقة الصحراء والساحل,. ويعيش معظمهم فى شمال شرق مالي والمناطق الشمالية من النيجر والجنوبية من الجزائر وليبيا, وموريتانيا وبوركينا فاسو,ولكن أكبر نسبة منهم تعيش فى مالى, والطوارق مسلمين يعتنقون المذهب المالكى, وينقسم الطوارق إلى عدة قبائل (كيلواء, كيلغريس, ويليمندين وأمازورك, ومجتمع الطوارق مجتمع إقطاعي تقليدى بدوى رعوى, لكن ساهمت العديد من الظروف الطبيعية كالجفاف والتصحر الذى ضرب المنطقة الساحلية فى سبعينات وثمانينات القرن الماضى, والظروف السياسية التى نتجت من إنشاء الحدود السياسية التى جعلتهم مقسمين بين العديد من الدول, وتهميشهم من قبل هذه الدول, فى أن تتغير سبل معيشة أغلبهم فى الإتجاه نحو المدن والأرياف, ومن ثم تكوين أجسام سياسية عسكرية تتطالب بحقوقهم السياسية والإقتصادية فى كل من مالى والنيجر.
وبينما بدأت الأزمة بين ثوار الطوارق فى مالى والحكومة المركزية فى باماكو تتصاعد, قامت الجزائر فى عام 2006 م بالتوسط بين طرفى الصراع من أجل وضع حد لعدم الإستقرار فى المنطقة, ولكن هذا الإتفاق الذى أبرم بواسطة الجزائر لم يصمد طويلاً, نتيجة لعدم إلتزام الحكومة المالية بتعهداتها إتجاه تنمية الشمال المالى, الذى تسكنه قبائل الطوارق, مما أسهم فى تصاعد حدة الصراع بين الحكومة المركزية فى باماكو وثوار الطوارق الماليين, وعليه إتهمت الحكومة المالية ثوار الطوارق بالإرهاب, كما صبغتهم بتهمة الإنتماء لتنظيم القاعدة فى منطقة المغرب العربى (AQIM), ونتيجة لترويج الحكومة المالية أنها أصبحت عرضة لهجمات ثوار الطوارق المتحالفين مع تنظيم القاعدة حسب وصفها لهم, تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية بحكم توجهاتها الخاصة بما يسمى بمكافحة الإرهاب فى مالى للوقوف إلى جانب الحكومة المالية, عبر دعم جيش الدفاع المالى بالمعدات والتدريب, بالإضافة لمشاركة طائراتها العسكرية بإنزال إمدادات للجيش المالى فى معاركه فى التخوم الشمالية للصحراء الكبرى ضد الحركة الوطنية للتحرير (أزواد) التى إنبثقت لحيذ الوجود من رحم تنظيم الطوارق السابق (التحالف الديمقراطى من أجل العدالة), هذا التدخل الأمريكى فى الحرب الأهلية الدائرة فى مالى, زاد من حدة إشتعال الحرب بين قوات الدفاع المالية (MDF), وثوار الطوارق التابعين للحركة الوطنية للتحرير (أزواد), مما جعل ثوار الطوارق يستهدفون طائرة نقل عسكرية أمريكية من طراز C130 كانت تقوم بعمليات إنزال وإمداد لوجستى لقوات الدفاع المالى فى شمال غرب مالى قبالة الحدود مع الجزائر فى مطلع العام 2007 م, كما صعد ثوار الطوارق هجومهم على بلدة تينزواتن وبلدات أخرى تقع فى المناطق الشمالية الغربية من مالى, مع القيام بعمليات إختطاف منظمة للقوات المالية, عبر إتباع إستراتيجية حرب العصابات طويلة النفس.
وفى السادس من إكتوبر من العام 2008 م, قام العقيد معمر القذافى رئيس ليبيا السابق الذى أقتيل على يد الثوار الليبيين فى آواخر العم 2011 م, بمادرة من أجل وقف القتال الدائر بين ثوار الطوارق وكل من حكومتى مالى والنيجر, حيث قام القذافى بدعوة ممثلى الطوارق من البلدين فى سبها, وطالب الطوارق بإبرام إتفاق سلام مع كل من حكومتى مالى والنيجر, واصفاً عملية السلام التى يراعاها بأنها تمثل سلام الشجعان للطوارق, وبالرغم من تعهد معظم الطوارق بخطة سلام القذافى, إلا أن هنالك جناح آخر إعتبر أن ما قام به القذافى يصب فى خانة خيانة العقيد القذافى لقضيتهم, وبالتالى قامت هذه المجموعات الرافضة بالتوجه إلى التخوم الشمالية للصحراء الكبرى الأفريقية, وبدأت فى تصعيد نضالها ضد الحكومة المالية والنيجرية, وعقب مقتل العقيد القذافى فى نهايات العام 2011 م, قامت الحركة الوطنية للتحرير (إزواد) (MNLA), بإعادة تنظيم صفوف قواتها فى التخوم الشمالية للصحراء الأفريقية الكبرى, وبدأت عملياتها ضد الحكومة المالية إعتباراً من يناير 2012 م, عبر إستخدام العنف المسلح, ونتيجة لعملياتها العسكرية الشرسة ضد قوات جيش الدفاع المالى, أجبر ثوار الطوارق فى مالى القوات الحكومية من التراجع جنوباً, بالرغم من الإسناد العسكرى الأمريكى, والتدريب المكثف الذى تقوم به القوات الكندية من أجل تقوية قدرات قوات جيش الدفاع المالى فى التعامل مع حروب العصابات ومكافحة ما يسمى بالإرهاب.
وفى اوائل مارس قامت قوات الحركة الوطنية للتحرير (أزواد) بالزحف على مواقع عسكرية مالية بالقرب من مدينة تيساليت الواقعة فى الشمال الغربى بالقرب من الحدود الجزائرية, وفى السابع من مارس من العام 2012 م, سيطر ثوار الطوارق على بلدة تيساليت الذى إنسحب الجيش المالى منها تحت ضغطهم الشديد عليها, بالرغم من الدعم اللوجيستى وعمليات الإنزال والإسقاط التى قامت بها القوات الأمريكية والكندية لصالح قوات الدفاع المالى (MDF), والجدير بالذكر أن القوات الأمريكية لأفريقيا (AFRICOM) والقيادة الكندية (CEFCOM), قد نسقتا سياستهم فى أفريقيا لعام 2012 م, وهما يعتبران دولة مالى من الدول الإستراتيجية فى المنطقة لمكافحة ما يسمى بالإرهاب, وبالتالى تمركز وجودهما فى مالى عبر المبادرة الأمريكية لمكافحة ما يسمى بالإرهاب فى الساحل والصحراء (Trans-Sahara Counter Terrorism), والتى تضم العديد من دول المنطقة التى تعمل بتنسيق مع الولايات المتحدة لمكافحة ما يسمى بالإرهاب.
تطورات الأحداث فى مالى 2012 م 2013 م:
أدى سقوط مدينة تيساليت فى الشمال الغربى بالغرب من الحدود الجزائرية, وتراجع قوات الحكومة المالية (MDF) نحو الجنوب تحت ضغط قوات ثوار الطوارق الماليين, وتعرض قوات الدفاع المالى لهزائم مستمرة من قوات الحركة الوطنية لتحرير أزواد بقيادة قائدها العسكرى محمد أغ نجم, فى التخوم الشمالية للصحراء الإفريقية الكبرى, إلى إستياء عام داخل صفوف قوات الدفاع المالية (MDF), مما دفع النقيب آمادو سانوقو بالقيام بإنقلاب عسكرى أطاح فيه بحكومة الرئيس المنتخب آمادو تومانى, وإستبدال الحكومة السابقة بمجلس عسكرى إنتقالى, وذلك لإختلافه مع الرئيس آمادو تومانى بشأن التعامل مع تمرد الطوارق فى الشمال المالى على حسب زعمه, الذين بدأوا حملة عسكرية كبرى من أجل السيطرة على كامل الشمال المالى منذ السابع عشر من يناير من العام 2012 م, والتى أحرزوا عبرها العديد من الإنتصارات على قوات جيش الدفاع المالى, وسيطروا فيها على جزء كبير من مواقع الجيش المالى فى الشمال قبل فترة من قيام الكابتن آمادو سانوقو بالإستيلاء على السلطة فى 22 من مارس من العام 2012 م.
والجدير بالذكر أن الكابتن آمادو سانوقو قد تلقى معظم دوراته العسكرية فى الولايات المتحدة الأمريكية, فقد تلقى دورة أساسية للضباط فى أكاديمية فورت بينينغ فى ولاية جورجيا الأمريكية عام 1998 م, ودورة أكادمية متقدمة فى كوانتيكو بولاية فرجينيا عام 2003, ودورة ضباط مخابرات أساسية فى فورت هواتشكا بولاية أريزونا فى عام 2007 م, ودورة مشاه متقدمة فى أكاديمية فورت بينينغ فى ولاية جورجيا الأمريكية عام 2010 م.
وبالرغم من تصريح قائد الإنقلاب فى مالى الكابتن آمادو سانوقو, بأنه يريد إعادة الحياة الديمقراطية فى البلاد فى غضون أشهر, وبالرغم من تصريحه الأخير فى السابع من أبريل من العام 2012 م, بأنه سوف يسلم السلطة فى غضون أربعين يوماً لرئيس البرلمان, وأنه أتى للعمل على وقف زحف ثوار الطوارق والتعامل مع التمرد فى الشمال على حسب قوله, إلا أنه فى خلال فترة وجيزة لا تتعدى الإسبوع من إستلامه السلطة فى مالى, صعدت قوات الحركة الوطنية للتحرير (أزواد) التى يقودها طوارق مالى من عملياتها العسكرية ضد جيش الدفاع المالى (MDF), وإستطاعت الإستيلاء على بلدة كيدال الإستراتيجية التى تقع فى شمال مالى فى يوم الجمعة الموافق الثلاثون من مارس من العام 2012 م, بعد أن تخلى الجيش المالى عن الدفاع عنها وإنسحب إتجاه الجنوب, بينما أعلن ثوار الأزواد فى الثانى من أبريل من العام 2012 م, سيطرتهم بالكامل على مدينة قاو الإستراتيجية وضواحيها فى منطقة الشمال المالى, وقد صرح قائد الإنقلاب النقيب آمادو سانوقو, أن قوات الدفاع إنسحبت من قاو نتيجة لخوفها من تعرض السكان المدنيين لخسائر فادحة فى الأرواح, كما طلب زعيم الإنقلاب الكابتن سانوقو من الولايات المتحدة الأمريكية وأصدقاء مالى بدعمه لإنقاذ مالى, وحماية سيادة الدولة المالية, وفى ظل الفوضى التى تضرب بأطنابها عقب الإنقلاب فى مالى, إستطاع الثوار الطوارق من السيطرة على مدينة تمبكتو التاريخية (التى توجد بها أشهر المخطوطات الإسلامية) الواقعة فى الشمال, وبالتالى أصبحت كل مدن الشمال الإستراتيجية المالية (كيدال وقاو وتمبكتو) تحت سيطرة الحركة الوطنية للتحرير (أزواد).
وفى ظل تطور الأوضاع الحالية فى مالى أعلن بيلا أغ شريف الأمين العام للحركة الوطنية للتحرير (أزواد), فى يوم الجمعة الموافق السادس من أبريل من العام 2012 م, عن قيام دولة الأزواد فى المناطق التى حررتها حركته فى شمال مالى, كما أعلن عن إحترامه لكافة الحدود الدولية مع دول الجوار, راجياً من المجتمع الدولى قبول دولة الأزواد عضواً فاعلاً فيه, وفى جانب آخر طالب رئيس المجلس العسكرى فى مالى النقيب آمادو سانوقو دول غرب أفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية بدعمه من أجل مقاومة التمرد فى الشمال بدلاً من المطالبة بإقصائه, بيد أن القوات الأمريكية الخاصة التى تتكون من قوات النخبة القادمة من قاعدتها الرئيسية فى جزيرة سنيولا الإيطالية, والقوات الكندية التى تساهم فى تدريب قوات مكافحة ما يسمى بالإرهاب فى منطقة الساحل والصحراء, تتواجد كليهما حالياً فى العاصمة باماكو فى ظروف آمنة, إلا أن نشاطهم التدريبى توقف نتيجة لعدم توفر الإستقرار, على حسب قول مصادر عسكرية أمريكية نافذة فى غرب أفريقيا, والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية صرحت على لسان مسؤل نافذ فى وزارة خارجيتها فى السابع والعشرين من مارس من العام 2012 م, أن الإنقلاب الذى وقع فى الثانى والعشرون من مارس من العام 2012 م, وتقدم قوات الجبهة الوطنية لتحرير أزواد نحو الجنوب, قد أعاق من جهودها لمكافحة الإرهاب فى منطقة الساحل والصحراء, والجدير بالذكر أن الحركة الوطنية لتحرير الأزواد تسعى للسيطرة على المنطقة الشمالية من مالى التى تعتبرها جزء من أراضيها التاريخية التى تسعى لإقامة دولة الأزواد فيها.
ردود الأفعال الإقليمية والدولية حول الأزمة المالية:
منذ وقوع الإنقلاب العسكرى فى مالى فى الثانى العشرين من شهر مارس من العام 2012 م, توالت ردود الأفعال الإقليمية والدولية, حيث أعربت دول الجماعة الإقتصادية لغرب إفريقيا (ECOWAS), عن عدم رضاها عن الإنقلاب, وطالبت يإسترداد الحكومة المنتخبة, أو قيامها بفرض عقوبات إقتصادية قاسية على الإنقلابيين, بينما سارعت الإيكواس بتشكيل قوة من قوات حفظ السلام ووقف إطلاق النار المعروفة بإسم الإيكوموج (ECOMOG) قوامها ثلاثة ألف جندى إستعداداً منها للتدخل لإسترداد الأمن فى دولة مالى وإسترجاع الحكومة المنتخبة, بينما أعلن الإتحاد الأفريقى (AU) فى الثالث من أبريل من العام 2012 م, على لسان مفوض الأمن والسلم الأفريقى السيد رمضان العمامرة " أن الإتحاد الأفريقى قرر أن يفرض حظر سفر على قائد الإنقلاب العسكرى مع تجميد لأرصدته على الفور, ويسرى ذلك أيضاً على الكيانات التى تشارك فى عرقلة العودة للنظام الدستورى فى مالى", كما قال العمامرة أن الإتحاد الأفريقى صدق على قرار إتخذته المجموعة الإقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS), بتفعيل قوة وقف إطلاق النار وحفظ السلام التابعة للجماعة والتى تعرف بإسم الإيكوموج (ECOMOG), وعلى سبيل تفعيل الحظر من دول غرب أفريقيا على إنقلاب مالى, قامت ساحل العاج البلد التى تستورد عن طريقها مالى أغلب وقودها, بقفل حدودها مع مالى وفقاً لقرار الإيكواس (ECOWAS) بفرض عقوبات إقتصادية على قادة إنقلاب مالى, بينما تقول السلطات فى بوركينا فاسو أنها تعمل على بدء قفل الحدود بينها وبين مالى, بينما لا زالت دول أخرى مثل مورتانيا والسنغال, تراقب الأوضاع عن قرب دون إغلاق لحدودهما.
أما على الصعيد العالمى فقد كان رد فعل الولايات المتحدة الأمريكية (US) نحو الإنقلاب فور وقوعه, فقط تصريحها الذى يعبر عن القلق حيال الأوضاع فى مالى, وفى رغبتها فى عودة الأمن والإستقرار, ثم قالت فيما بعد أنها أوقفت مساعاداتها البالغ قدرها 145 مليون دولار أمريكى, وأنها لن تستأنفها إلا بعد عودة الحكومة المنتخبة, وفى ظل ردود الأفعال على الإنقلاب فى مالى, طالب مجلس الأمن فى بيان له بعودة الحكم الدستورى فى مالى, كما أيد الجهود التى تبذلها الإيكواس (ECOWAS) لإعادة النظام فى مالى, وقالت لين باسكوا مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية, أن دول الإيكواس وضعت حوالى ثلاثة ألف جندى فى حالة تأهب تام للتعامل مع الإنقلاب والتمرد الحالى فى مالى, وبنفس القدر دعا مجلس الأمن الحركة الوطنية للتحرر (أزواد) أن توقف جميع أشكال العنف المسلح, وحثت جميع الأطراف لإيجاد حل سلمى من خلال مجهودات دول الجوار, كما شدد مجلس الأمن على حماية المدنيين وحماية حقوق الإنسان.
بيد أن موقف دول الإقليم والمجتمع الدولى من إعلان الحركة الوطنية للتحرير (أزواد), من قيام دولة الأزواد فى المنطقة المحررة من شمال مالى فى السادس من أبريل من العام 2012 م, كان أول موقف إقليمى يتشكل هو موقف جماعة الدول الفرانكفونية, حيث عبرت الجماعة عن عدم إعترافها بدولة الأزواد المعلن عنها, وبالطبع كان الموقف الفرنسى يساند موقف جماعة الدول الفرانكفونية, وهذا ما يكشف عنه التدخل العسكرى الفرنسى الكبير الأخير المساند لقوات جيش الدفاع المالى والذى بدأ فى يوم الجمعة الموافق 11 يناير 2013 م, ولكن قبل إعلانها عن موقفها, كان موقف الخارجية الفرنسى يتجه نحو أن موقفه من إعلان دولة الأزواد يستند على موقف القادة الأفارقة منها, بينما أعلنت الإيكواس عن عدم إعترافها أيضاً بدولة الأزواد الوليدة, بينما تشكلت فى صبيحة السابع من أبريل من العام 2012 م, عدة مواقف إقليمية ودولية من إعلان دولة الأزواد, حيث رفض كل من الإتحاد الأوربى والإتحاد الأفريقى والولايات المتحدة الأمريكية وكل من الجزائر ومورتانيا الإعتراف بدولة الأزواد الوليدة فى شمال مالى, وربما تصبح الأزواد دولة غير معترف بها من قبل المجتمع الدولى على نفس شاكلة دولة جمهورية أرض الصومال التى إنبثقت لحيذ الوجود فى عام 1991 م عقب إنهيار نظام سياد برى, والتدخل الفرنسى العسكرى الحالى بمساعدة قوى إقليمية حسب رأى العديد من المحلليين السياسين والإستراتيجيين, سوف يقود بمحاولته هذه, إلى توسيع دائرة نطاق الحرب فى جميع دول المنطقة, وعليه تبقى مسألة إيجاد حل سياسى سلمى لقضية الطوارق والتظيمات العربية الأخرى, أمر حيوى وضرورى يسهم فى إستقرار منطقة الشمال الإفريقى والساحل والصحراء وغرب أفريقيا, وكل من مالى والنيجر وبوركينا فاسو وساحل العاج وبقية دول غرب أفريقيا الأخرى.
تداخل السياسات الإقليمية والدولية وتأثيراتها على الأزمة المالية:
أدى فوز جبهة الإنقاذ الإسلامية الجزائرية بالإنتخابات الديمقراطية فى عام 1992 م, لإنقلاب الجيش الجزائرى على جبهة الإنقاذ وسيطرته على مقاليد الحكم فى الجزائر, وعلى أثر هذا الإنقلاب تصاعد الصراع بين الجيش الجزائرى والجماعات الإسلامية بين عامى 1992 و 1999 م فى جنوب الجزائر فى منطقة القابائل والأهجار المحازية للشمال المالى, وقد أرادت الجزائر أن تبرر إنقلابها على السلطة الشرعية المنتخبة وحربها ضد الإسلاميين فى الجنوب بأنها تحارب جماعات إرهابية ذات صلة بتنظيم القاعدة, وبالتالى تبنت الجزائر إسلوب ونهج يجعل من صراعها الداخلى كجزء من الحرب على الإرهاب, خاصة بعد إختطاف الراهئن الغربيين من جنوب الجزائر وتحرير بعض منهم فى شمال مالى فى مارس من العام 2003 م, وهو ما قاد الولايات المتحدة الأمريكية لإعتبار المنطقة الممتدة من شمال مالى والنيجر مناطق وجود للتنظيمات الإسلامية الإرهابية على حد قولهم, وأن تتحالف مع الجزائر للقضاء عليهم, وعندما ارتفعت أصوات الطوارق فى بلدانهم فى مالى والنيجر لم يكن لديهم على ما يبدو أي نية لنشر الرعب في المنطقة، بل كانت أهدافهم ترتكز على مبدأ نيل حقوق سياسية وإقتصادية عبر الوصول لإتفاقات مع حكومات الدول التى يتواجدون فيها, وبالرغم من أن ضعف سبل العيش والتهميش السياسى لهم هو السبب الذى قادهم الى إلى حمل السلاح, تم وصفهم من قبل بعض السياسيين فى مالى والنيجر بانهم جماعات إرهابية وأن لهم صلات بالجماعات الإسلامية الإرهابية وعصابات تجارة المخدرات وتهريب البشر والأسلحة, وعليه أصدرت الولايات المتحدة مبادرة الساحل لمكافحة الإرهاب في عام 2003 م (Pan sahel Initative), والتى حلت محلها في عام 2005 م مبادرة مكافحة الإرهاب عبر الساحل والصحراء الكبرى (Trans-Sahara Counter Terrorism) التى قدمت دعم لكل من مالي والنيجر وتشاد وموريتانيا والجزائر في حربها ضد الإرهابيين الإسلاميين, مما زاد من تعقيد الأزمة فى مالى, كم أن سقوط نظام القذافى وعودة معظم الطوارق لمالى بإمكانيات عسكرية وإقتصادية هائلة بتسهيلات من بعض دول المنطقة أسهم فى زيادة حدة الصراعات بين الحكومة المركزية والثوار الطوارق, نجم عنه سيطرة الثوار الطوارق على كامل الإقليم الشمالى, وظهور تنظيمات أنصار الله والجهاد فى الشمال وبروز إختلافات بينهم وبين الطوارق, بينما تصاعدت الدعاية الإعلامية عن وجود دور لتنظيم القاعدة فى المغرب العربى (AQIM) فى شمال مالى.
إن شركات التنقيب المتعددة الجنسيات أيضاً تلعب دوراً فى هذا الصراع المالى , وقد تم إتهام بعض شركات الطاقة الأجنبية الصينية والفرنسية والأمريكية, بلعب أدوارً عديدة فى تغذية الصراع فى مالى, ولكن يبدو من معطيات كثيرة أن فرنسا تلعب دوراً محورياً فى الصراع الدائر فى مالى من أجل إستعادة سيطرتها على مصادر الطاقة وبالتحديد اليورانيوم والبترول فى منطقة حوض تاودينى ومحاولة تعزيز نفوذها عبر إنشاء قاعدة عسكرية لها فى منطقة تساليت الحاكمة لحماية مصالحها فى المنطقة, وبنفس القدر تسعى أمريكا لتحقيق ذلك الغرض, والجدير بالذكر أن الرئيس أمادو تومانى رفض لكل من الأمريكيين والفرنسيين من إقامة قاعدة لهم فى المنطقة, عبر إيعاز وضغط من الجزائر التى سوف تتضرر مصالحها الإستراتيجية عبر التواجد الفرنسى والأمريكى المباشر على حدودها الجنوبية, وربما كان للصراع المغربى الجزائرى حول الصحراء الغربية, دوراً فى أن تكون منطقة شمال مالى أرضاً لتصفية الحسابات بينهم نتيجة لدعم الجزائر ومورتانيا لجبهة البولساريو, ويبقى الصراع فى مالى صراع مركب محمول على قوالب سياسية واقتصادية وأمنية, تتضافر فيه العوامل الداخلية مع العوامل الخارجية الساعية للسيطرة على الموارد, مما شكل تهديداً لسلامة الدولة المالية, وبالتالى سلامة ووحدة كل أراضى دول المنطقة المحيطة بمالى, مما يشكل تهديداً مستقبلياً لسلامة ووحدة كل أراضى القارة الأفريقية, نتيجة لمحاولة اعادة صياغاتها بصورة تخدم مصالح القوى الدولية عبر إستغلال ما هو داخلى من صراعات.
الخاتمة:
الأوضاع الحالية فى مالى, تعكس مدى تطور وتصاعد الصراعات داخل منظومة دول غرب أفريقيا وفى منطقة الساحل والصحراء الكبرى, ومدى تداخل العامل الإقليمى والدولى الباحث عن مصالحه فى هذا الصراع, وتشير لتصاعد التوتر فى المنطقة مستقبلاَ, حتى بعد رضا الإنقلابيون فى مالى لإعادة النظام الديمقراطى فى مالى تحت الضغوط الدولية والإقليمية, ولكن يرى البعض أن الإنقلابيون فى مالى لا يزالون يمسكون بزمام السلطة فيها, وهم يعدون العدة للتعامل مع الحركة الوطنية للتحرير (أزواد) والجماعات الإسلامية فى الشمال المالى ذو الطبيعة الصحراوية عبر الحل العسكرى, وهذا من شأنه أن يقود لحرب شاملة فى المنطقة من جهة, مما يزيد من إتساع مدى التدخلات الخارجية فى المنطقة, خاصة من جانب فرنسا, التى تعمل على الحد من تمتد النفوذ الأمريكى والصينى والجزائرى فى مناطق نفوذها التقليدى, والذى أسهم فى تآكل إستثماراتها وخسارة شركاتها لأكبر عقود فى المنطقة لإستخراج اليورانيوم, بينما يسعى الإنتشار الأمريكى الواسع فى منطقة غرب أفريقيا, عبر غطاء مكافحة ما يسمى بالإرهاب, لتغيير الخارطة الجيوسياسية لمنطقة غرب أفريقيا بشكل يسمح للولايات المتحدة الأمريكية بالإستحواذ على المخزون الهائل من النفط الإفريقى الخفيف فى منطقة غرب أفريقيا, وعلى اليورانيوم الموجود بكميات كبيرة فى المنطقة, بينما يشكل إبعاد الولايات المتحدة الأمريكية للصين وفرنسا وبقية الدولة الصاعدة فى المنطقة, أحد الخطوات الهامة فى إتجاه إعادة صياغة المنطقة برمتها من أجل خدمة مصالح الأمن القومى للولايات المتحدة الأمريكية, الذى يعتبر كل مناطق العالم هى مجال حيوى لمصالحه.
Asim Elhag [asimfathi@inbox.com]