تعقيب على الاحتفال بالذكرى الثامنة والثلاثين (الحلقة الثالثة) .. تعقيب على د. النور

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

"رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ"
صدق الله العظيم

*(3)*
تسبيب خروجه من
الفكرة، وقضايا أخرى

يقول د. النور: "أنا أفتكر أنو نحن، يعني الاحتفال دا بالذات أرجو أن يكون *نقطة تحول* في أنو الأستاذ محمود محمد طه، *يُفَكُ أسرُه من قيد من اتبعوه خاصة من يمارسون الجمود العقيدي*، وأن يصبح شخصية قومية ومفكر إنساني، نرتكز على فكره النَيِّر في أننا نواجه مشاكل العصر".. هذه محاولة فاشلة، وساذجة لتحويل الفكرة إلى موضوع سياسي، تمشياً مع دعوة النعيم، في ميثاقه الذي سبق أن ناقشناه.. الفكر لا يؤسر، هذه ركاكة في التفكير والجمهوريون أولى بمعرفة فكرتهم منك أنت الذي فارقتها.. كما ذكرنا وكررنا أنه لا يوجد أي جمود عقيدي، هي مجرد تهمة من عندك تريد أن تلصقها بالجمهوريين.. هذا أمر غريب جداً، أن يدّعي مثلك أي تغيير في الفكرة به يصبح الأستاذ شخصية قومية أو شخصية إنسانية.. الأستاذ شخصية إنسانية، ولا يحتاج إلى اعترافك بذلك، ولا يحتاج أن تجعله أنت كذلك!! هل يوجد تبجُّح وادعاء مثل هذا الإدعاء!! ماذا فعلت أنت يا دكتور للفكرة عندما كنت في داخلها أو بعد ما خرجت؟ لا شيء!! ولن تستطيع أن تفعل شيئاً، إنما هو مجرد ادعاء أجوف، من رجل لا يعرف قامته.. أنت ليس لك قامة في هذا الأمر.. ويكفي أنك خرجت منه، وسبَّبت خروجك، ونحن سنعود لهذا الأمر.. وأما محاولتك أنت ود.النعيم والأستاذة أسماء في تحويل الفكرة إلى سياسة وإبعاد الدين، فهي محاولة ساذجة، وتقوم على إدعاء أجوف وأنت يا د. النور تقرر بصورة واضحة ومتكررة وفي مواقع مختلفة أن موضوع الدين، موضوع منتهي.. فمثلاً أنت تقول: "الدعوة للعقيدة أو لأي فكرة دينية هي من التاريخ".. لماذا؟ لا إجابة!! وتقول: "أنا بفتكر ما عاد في فرصة للدعوة.. يعني للدعوة للعقيدة أو لأي فكرة دينية هي من التاريخ.. ويجب أن يكون في فصل تام بين العمل السياسي والعمل الدعوي.. دا هسع الوصلت ليهو ناس الغنوشي".. وتقول: "بعدين انت ما بتترك المسائل في الفراغ، يعني أن نقول مثلاً نحن حندعو الناس دعوة دينية.. يكون عندنا جمهوريين ماشين على النموذج العملو الأستاذ مع النواة الصغيرة الاشتغل معاها، دا مثلاً من سنة 51 لغاية 85.. دا ما بيحصل.. دا فكر مثالي جداً جداً".. ويقول: "ما أفتكر نحن راح نجترح وضع جديد نرجع الدين يبقى مركزي لحياة الناس.. الدين للأفراد.. يعني يمكن يكون النظام عنده خلفية دينية – زي الجمهوريين – لكن ما تعلن عنها كأنها خلفية دينية – أعلن عنها كقيمة عصرية مقبولة عند الناس".. ويقول: "انت ما بتقدر تتجنب اقامة دولة علمانية.. ماف طريقة تتجنبها.. يعني أدع إلى أي شيء، أنا بفتكر أنو الدولة جهاز بيروقراطي، محايد، انت ممكن تحقن في الدولة مفاهيمك كان جبتها من القرآن، جبتها من الانجيل، جبتها من الفلاسفة القدامى، جبتها من أي يوتوبيا، ممكن تحقنها في الدولة، لكن الدولة هي جهاز لتنظيم شئون الناس.. ولذلك الصاق بطاقة دينية عليها أنا بفتكر أنو لا علاقة له بالموضوع Irrelevant".. هذه مجرد نماذج.. والتلمذة فيها لد. النعيم واضحة جداً.. خلاصة الأمر أن د. النور يزعم أو على الأقل ينتظر أن تكون ندوتهم بكمبوني نقطة تحول في أن الأستاذ محمود يُفَكُ أسرُه من قيد من اتبعوه، خاصة من يمارسون الجمود العقيدي.. فك الأسر هذا عند د. النور هو تحويل الفكرة من الدين إلى السياسة.. وهذا ما يحاوله د. النعيم، وما تحاوله الأستاذة أسماء.. فموضوع الاحتفال بالذكرى، هو مجرد محاولة صغيرة متهافتة، وضيعة لتحويل الفكرة إلى سياسة، وهيهات!!.

بعد النص أعلاه يقول د. النور: "ومشاكل القرن الواحد والعشرين، ليست هي مشاكل القرن العشرين".. وبالطبع لا يورد أي دليل.. والحق أن مشاكل القرن الواحد والعشرين هي نفس مشاكل القرن العشرين.. وقد مضى من القرن الواحد والعشرين أقل من ربع قرن، ولم يحدث أي شيء في المستوى الحضاري ليغير المشاكل القائمة.. والمشاكل أساساً هي مشاكل متعلقة بالحضارة السائدة، وليست بالزمن، وليست بالمتغيرات في الحياة اليومية.. على رأس مشاكل القرن العشرين مشكلة الحرب والسلام، والحضارة القائمة جعلت السلام ضرورة حياة أو موت، وهذا أمر لم يتغير فيه شيء، بل توكَّد أكثر.. وإذا كان لد. النور رأي خلاف ذلك فليقله.. وإذا كان يرى أنه يستطيع ان يحقق السلام الذي فشلت فيه الحضارة الغربية، فليقل.. ومن أكبر مشاكل القرن العشرين وإلى اليوم، مشكلة الأخلاق، التي تناسب علاقات الجوار في العالم الواحد الذي خلقته عوامل تطور المواصلات وسبل الاتصال.. فلينازع د. النور هذا الأمر، وإذا كان يرى أنه يستطيع أن يقدم حلاً لمشكلة الأخلاق، فليقدمه.. أما د. النعيم فهو داعية للإنحلال الأخلاقي الشامل، إذا كان د. النور يرى رأي د. النعيم فليقل بوضوح.. بعد قليل سنتعرض للمتغيرات التي ذكرها د. النور، وليس فيها أي شيء يمكن أن يؤثر تأثيراً إيجابياً على قضية السلام، وقضية الأخلاق.

الجمهوريون لم يقولوا أنهم هم من يطبق الفكرة حتى يطالبهم د. النور بما طالبهم به.. إذاً، التطبيق للمسيح المحمدي هذا ما قامت عليه الفكرة، ود. النور حاضر لذلك.. *ما قيل هو أن الفكرة لن تطبق إلّا بعد مجيء الإذن والمأذون*، ولكن د. النور يقفز فوق هذا الأمر.. قد يكون هو لا يؤمن بمجيء المسيح، وهذا من حقه، ونحن لا نطالبه بأن يؤمن.. لكننا نحن نؤمن، فلا يطالبنا بما يقوم على عدم إيمانه.. تحدث د. النور كثيراً في هذا الأمر دون أي تحديد وكل حديثه كان عن *العقائد الذاتية* عند بعض الجمهوريين، وعند الشيعة، وعند الأنصار.. وهو تكلم عن العقائد الذاتية بصورة فيها كثير من الربكة.. يقول د. النور: "في كثير من الجمهوريين بعد اعدام الأستاذ محمود محمد طه ألَّفوا فكرة اسمها الانتظار، أنو الأستاذ محمود حيعود، يمكنك، أنا ما عندي اعتراض أنو الإنسان أن يعتنق عقيدة زي دي، ولكن انت دي ما عقيدة يشيعوها وسط الناس".. *إذا كنت أنت لا تعترض، وترى فقط أنه هذه عقيدة ما ينبغي أن تشاع بين الناس.. فلماذا تشيعها أنت؟! وما رأيك في العقيدة الأساسية التي تحدثت عنها الفكرة وكتبت، وأنت حاضر وشاهد، العقيدة في المسيح المحمدي، واليوم الآخر التي وردت في كتب الفكرة وأحاديث الأستاذ*.. كما وردت في القرآن والسنة، وفي الإنجيل وفي التوراة.. هل أنت تؤمن بهذه العقيدة أم لا؟ إذا كنت تؤمن فجميع أقوالك التي ذكرتها لا معنى ولا قيمة لها.. وإذا كنت لا تؤمن، فلتقل ذلك صراحة: أنا لا أؤمن بعودة المسيح الواردة في الأديان السماوية وعلى رأسها الاسلام.. وعندما تعلن رأيك هذا بوضوح، أرجو الابتعاد عن الحديث عن الفكرة، لأنك لا تؤمن بها.. *أنت تطالب الجمهوريين مطالب كلها ترتبط بقضية تطبيق الفكرة في الوقت الحاضر*.. وهذا لا علاقة له بالفكرة الجمهورية ولا الجمهوريين.. ولا واحد من الجمهوريين ادّعى هذا الإدعاء، كما أن الجمهوريين في جملتهم لم يدعوا مثل هذا الإدعاء.. فينبغي أن تناقش القضايا كما هي، دون تحريف، *ودون ترك للأساسيات، مثل إذن التطبيق والمأذون*.. لو كان الأستاذ محمود مجرد مفكر، لعمل على تطبيق فكرته.. ولم يعلن للناس موضوع الأصالة.. ولقرر إبعاد مسألة الحدود من عنده.. *الموضوع دين في البداية وفي النهاية وفيما بين النهاية والبداية، ولا أحد يستطيع أن يحرّفه بتحويله إلى مجرّد سياسة*.. فمن الخير لكم أن تلزموا أماكنكم، وتتحدثوا في حدود قاماتكم.. عندما تناول د. النور اعتراضي على تقديم د. النعيم ليتحدث في الذكرى، علّق عليَّ بقوله: "هل ده معقول زول يجي هسع عن انو داير يعمل دولة حديثة".. أنا لم أقل أنني (داير أعمل دولة حديثة).. والفكرة لم تقل أنها (دايرة تعمل دولة حديثة) وإنما قالت *أنه لا بد من تجاوز الحضارة الغربية المادية التي فشلت في حل مشكلات الإنسانية، ورفدها بالروح التي توجه مسيرتها. والطموح ليس لإقامة دولة حديثة، وإنما لتحقيق إنسانية الإنسان، وإقامة دولة الإنسان، دولة القرآن*.. ويفترض أنّك تفهم هذا الحديث، وإن كنت لا تؤمن به، فأنت حاضر وشاهد فإن تنكرت لشهادتك، فأنت وربك!!.

يقول د. النور: "والتابع الذي يعتقد أنو في سقف هو لا يتعداه، ما صحيح، لأنه لكل وقت قضاياه للقرن الواحد والعشرين قضاياه مختلفة من القرن العشرين، *ولذلك مافي فكر ما تاريخي، أي فكر محكوم بالسياق التاريخي بتاعو*".. تحدثنا عن مشاكل القرن العشرين والواحد والعشرين وذكرنا أنها واحدة وضربنا الأمثلة لذلك.. *والقضية ليست في القرون، وإنما في الحضارة.. الحضارة السائدة في القرن العشرين هي نفس الحضارة السائدة اليوم*، وقد بدأ عدُّها التنازلي منذ منتصف القرن العشرين.. أما قضية *(أنو ما في فكر ما تاريخي) فقضية خاطئة تماماً، وهي مجرد ترديد لمفهوم المنظور التاريخي عند د. النعيم*، وهو مفهوم شديد الخطأ وشديد الخطورة.. لقد سبق أن ذكرنا أنّ فكرة التوحيد لا إله إلا الله، هي سرمدية بدايتها عندنا هنا، ونهايتها عند الله في إطلاقه.. فهذا التعميم الذي تتحدث به ليس فكراً.. كما أن التحديد في فكرك غائب تماماً، ولذلك أقوالك هي مجرد حديث إنشائي لا معنى له.

انظر لقول النور هذا: *"الأستاذ محمود محمد طه عاش مرحلة الحرب الباردة*، وواجه مشكلة الحرب الباردة وحاول *أن يخرج من الإسلام نظرية* يعني، يعني وسط بين الكتلة الشرقية الكانت مسيطرة عليها الماركسية اللينينية، والكتلة الغربية المسيطرة عليها الديمقراطية الليبرالية.. *فكره في هذا المجال صالح للتفعيل في القرن الواحد والعشرين*، لكن على نسق جديد، لأنو التحديات ما ياها زاتها، يعني الكوكب هسع فيه تفاعلات جديدة بتشكل تشكل جديد، الصين صاعدة كقوة، روسيا صاعدة كقوة، الرأسمالية الغربية متراجعة بصورة من الصور".. كل هذا قول ركيك وخاطئ، ولم تورد أي نموذج للتفاعلات الجديدة، تحدثت عن وضع بعض الدول، *وهذا لا علاقة له بالتفاعلات الحضارية، التي تستوجب تحولاً جديداً، وتعطي مشكلات جديدة.. فالتحديات على عكس ما تقول هي نفس التحديات.. الموضوع موضوع حضارة، وليس سياسة فقط*، لا يوجد تشكل جديد، الصين صاعدة كقوة، وروسيا صاعدة كقوة *ولكن كلاهما تحول من النظام الشيوعي إلى النظام الرأسمالي*، بعد *أن فشلا في تطبيق الاشتراكية*.. الصين احتفظت في التنظيم السياسي بنظامها الشيوعي، ولكن في *الاقتصاد هي دولة رأسمالية*.. وهذا يؤكد أن المحاولة الماركسية في تطبيق الاشتراكية قد فشلت نهائياً.. وغير صحيح أن الرأسمالية الغربية متراجعة بصورة من الصور، بل العكس في هذا المجال هي كسبت أعضاء جدد مثل الصين وروسيا، وبقية دول الكتلة الاشتراكية السابقة ومن تلك الدول من انضم لحلف الناتو العسكري!

*فكر الأستاذ محمود لا علاقة له بالحرب الباردة، وهو ليس فكراً سياسياً، وإنما هو دين.. هو فكر نتج عن علاقته بالله تعالى، ومنذ أيام الخلوة.. وهو لا ينحصر في حقبة وإنما هو فكر للإنسانية، يعمل على التحول كالجذري من مرحلة البشرية إلى مرحلة الإنسانية.. والتحوّل* الذي حصل بعد الحرب الباردة، *لم يشكل أي تغيير* في قضية الحرب والسلام.. بل العكس من ذلك تحولت الحرب الباردة إلى ارهاصات حرب ساخنة، *تنذر بحرب عالمية ثالثة*.. وهذا ما يجري اليوم في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، التي أصبح الحديث فيها عن الحرب النووية كثيراً.. بل بدأت روسيا تهدد بها، وبدأت في تحريك وتحويل بعض تلك الأسلحة النووية إلى الدويلات التابعة لها.

تحدث د. النور عن نماذج من الاشتراكية الديمقراطية التي تمارس في اسكندنافيا وفي عدد من الدول الأوروبية.. وهذا مجرد حديث سطحي، يدلّ على الفقر الفكري الذي يعيشه صاحبه.. فالدول الاسكندنافية دول رأسمالية، كل ما هنالك أنها تحقق لمواطنيها مستوى من الرفاهية لا تحققه الدول الأخرى.

وفي التدليل على التحولات الحضارية التي يزعمها، يقول د. النور: "ظهرت تحديات كثيرة تتعلق بالجندر، وبكدا، في قضايا كثيرة جداً بالغة التعقيد في الوقت الراهن.. وفي قضايا بيئة، وفي قضايا بتاعت معرفة الكون نفسه.. يعني هسع الناس بتناقشوا عن البيغ بانغ، وعن التطور......". إلى أن يقول: "يعني الناس عايزين يعرفوا علاقتهم بالكون، وعلاقتهم بالبيئة البعيشوا فيها، علاقتهم بالحضارة القائمة، وكيف يختاروا لأنفسهم نموذج تنمية بيخصهم.. ولذلك أنا أفتكر في عمل ضخم جداً، يعني أبحاث وراء أبحاث وراء أبحاث يمكن أن تنبثق من فكر الأستاذ محمود".. بدل هذا *التعميم* أورد لنا نموذجاً لهذه الأبحاث التي تتحدث عنها.. فكر الأستاذ محمود *مكتمل، وهو الدين الذي لا دين غيره، وليس له حاجة أن تكمله أنت*، وأنت لم تورد أي نموذج لتكميلك هذا المزعوم، مجرد كلام معمم، ليس فيه غير اللغة.. *وكل القضايا التي ذكرتها قضايا البيئة، والجندر، والبق بانق حدثت في القرن العشرين*، وليست جديدة تحدث لأول مرة دفي القرن الواحد والعشرين، كما تزعم أنت.. ثم هي *قضايا لم تحدث أي تغيير أساسي في مشاكل الحضارة الغربية، بل وكدتها*.. أنا شخصياً أشك أنك تعرف أكثر من العناوين لهذه القضايا، وأقول هذا عن تجربة معك.. ونحن تناولنا هذه القضايا، *وأوضحنا كيف أنها تدعم الفكرة بصورة واضحة فجميعها تؤكد الحاجة للتغيير الجذري*.. ولكن كما ذكرت، أنت عند نفسك أكبر من أن تطّلع على كتاباتي.. أنت لم تقل أي شيء، ما معنى أن تقول البيئة؟ ماذا عن البيئة.. وفي أي وجه من وجوه البيئة أنت تتحدث فالوجوه كثيرة جداً.. فهنالك مثلاً الوجه المهم المتعلق بالاحتباس الحراري وتهتّك طبقة الأوزون، وعلاقة ذلك بالوقود الأحفوري، والمحاولات القائمة لوجود طاقة بديلة.. وهي محاولات تقدمت كثيراً في مجالات طاقة الرياح، وطاقة الأمواج، والطاقة الشمسية، والبايوغاز، والطاقة النووية... إ
لخ.. ولكن حتى الآن الأزمة قائمة ومستفحلة، *وأزمة الأخلاق* عقبة حقيقية أمامها.. كما هنالك أيضاً القطع الجائر للغابات، والضرر الشديد الذي يحدثه، والتلوث الهوائي، والتلوث المائي، وكيف أن المحيطات والبحار بدأت تفقد الحيد المرجاني وأثر ذلك على الأحياء المائية خصوصاً الأسماك وأثر ذلك على السلسلة الغذائية، إلى جانب الصيد الجائر.. ومشكلة التوازن الأحيائي التي تصل في دقائقها إلى البكتريا في أمعائنا والعمل البشري الذي يؤدي إلى قتل البكتريا النافعة وما يترتب على ذلك من أضرار...إلخ.. أنا شخصياً، أقول بدون تردد أنك *غير متابع لهذه التغيرات في جوهرها*..

وما هو الشيء الذي أحدثه البيغ بانغ، في مشاكل الحضارة القائمة؟! الأمر ليس أكثر من (منظرة) من قِبلك كالعادة، ودون الاهتمام بالمحتوى.. ونحن لكي لا تتسع الحلقة كثيراً، سنورد ما ذكرناه عن نظرية الانفجار العظيم، في كتاب (الإنسان)، في ملحق خاص بها، مع هذه الحلقة.

يقول د. النور: "الأستاذ محمود برضو من الحاجات القالها، يعني وقالها بأسى، ودي أنا كنت حاضر، قال: نحن الناس ما خلونا نقول الحاجة العايزين نقولها، قال، مسكونا.. قال كدا.. وقالوا ما بصلي، وقال ما بعرف شنو، وقال وقال وقال، بقينا ندافع عن أنفسنا في قضايا، لكن عندنا الكتير، الكنا عايزين نقولو لكن الناس ما ادونا فرصة، أنا أفتكر الفرصة بتجي بالزمن." ويواصل: "ما منع الأستاذ محمود عن أسرار المعارف التي لم يستطع أن يبثها في الناس، قد أتى الوقت لأن يبثها تلاميذه، لكن على أن يدركوا ما يرمي إليه في تحرير الإنسان وتحرير العقول".. *هذا قول قاطع يدل على أن د. النور يعتقد أن الفكرة مجرد عمل فكري قام به الأستاذ*، ويمكن أن يواصله تلاميذه.. هذه ضحالة غريبة!! *ألم يكن النور معنا؟!* على كلّ لا يمكن أن يكون لنا مثل هذا الادعاء.. الادعاء بأن نكمل ما لم يقله الأستاذ في الأسرار الإلهية.. *الموضوع يا دكتور موضوع علم يقوم على الصلة بالله، في أعلى المستويات، وأنت عندك أننا نحن الجمهوريين أصحاب عقيدة، دوغما، فكيف يخطر ببالك بأن أصحاب العقيدة هؤلاء أن يأتوا بالأسرار الإلهية التي لم يقدمها الأستاذ*.. إنك فقط تعمل على التقليل من قدر الجمهوريين.. نحن نعرف قدرنا، ولا يمكن أن ندعي مثل هذا الادعاء الذي تقوله.. وإذا كان الأمر بهذه البساطة فلماذا لم تقم أنت بذكر هذه الأسرار.. أم تراك ستقوم بذكرها لاحقاً.. أنت يا دكتور ضد الدين، وتعتقد أن زمنه قد انتهى، فلماذا تطالب غيرك بالحديث عن الأسرار الإلهية؟!.

*خروج د. النور المسبب من الفكرة*:

في لقاء إذاعي 23/2/2018 قال د. النور: "أنا ما داير أدخل في دفاع عن موضوع الصلاة.. أنا ما داعية اليوم، ما داعية!! لست داعية!! وما مشغول بي.... مشغول بي قضايا محدودة جداً.. يعني مشغول بي قضايا تتعلق بالهوية، قضايا تتعلق بتحسين أوضاع الانسان السوداني.. تتعلق بي كدا.. لكن *المنظومة الفكرية الأيدولوجية القابضة التي تصب كل شيء في داخلها، دا أنا خرجت منه، بما في ذلك ما يتعلق بالفكرة الجمهورية.. يعني أنا لست من الذين يعتقدون أن الفكرة الجمهورية التي يعني لا بد لكل إنسان – زي ما كنا بنقول قبل ثلاثين سنة – ينضووا تحت لوائها، وهي الفكرة الخاتمة*".. هذا ما قاله د. النور في ذلك التاريخ.. فأبسط الأمانة ألّا يتحدث باسم الفكرة طالما أنه خرج منها، ووصفها بالأوصاف التي ذكرها!! ولكن د. النور في هذه الندوة التي تمت في الذكرى، كما رأينا ظل يتحدث دائماً باسم الفكرة.. *وهو حديث الغرض منه الكيد للفكرة باسمها ومن داخلها*.. كما هو الحال بالنسبة لد. النعيم.. فكأنما الأمر تم باتفاق، اشتركت فيه الأستاذة أسماء.. فثلاثتهم يعملون على *تجريد الفكرة من الدين وتحويلها إلى مجرد عمل سياسي، يتزعمونه!!* الأمر كله مؤامرة، ليس على الجمهوريين والفكرة فحسب، وإنما اكثر من ذلك على السودان نفسه.. فد. النعيم بعد غيبته الطويلة، وبعد أن احيل إلى المعاش، حضر الى السودان الذي يحتقره، ويحتقر اهله، لعمل سياسي في اطار التحول الجاري الآن.. هو وصحبه يريدون قيام دولة علمانية مستغلين نفور السودانيين من الدولة الدينية التي أقامها الإنقاذ، وفيها عاث في الأرض فساداً بصورة ليس لها نظير.. قد رأينا أن د. النعيم يقول بأن القول بأن الدولة الدينية عند الأخوان المسلمين وعند الوهابية خطأ، ولكن الدولة الدينية كما يدعو لها الجمهوريون صحيحة، قول خاطئ.. وقد ناقشنا الموضوع.. د. النعيم عنده أن الدولة الدينية من حيث هي غير صحيحة، ولم تحدث في الماضي، ولا الحاضر، ولن تحصل في المستقبل، وهي وهم.. وقد ناقشنا قوله هذا.. ونحن الآن بصدد د. النور، فالواضح أنه على اتفاق تام مع د. النعيم ومع الأستاذة أسماء.

ونحن نسأل د. النور بعد أن خرج من الفكرة القابضة، *ما هي الفكرة الغير القابضة التي وجدها؟!* نحن على استعداد لأن نسمع بأُذن واعية عن البديل الذي وجده للفكرة الجمهورية.. من الناحية الدينية، من المعلوم أن هنالك فرقة واحدة ناجية، *ونحن على يقين من أن الفرقة التي على (طريق محمد) صلى الله عليه وسلم، هي الناجية*.. إذا د. النور يرى خلاف ذلك *ووجد فرقة ناجية، غير التي خرج منها، فمن حقنا عليه، كزملاء طريق، أن يخبرنا عن هذا الخير الذي وجده.. وإذا أصبح يرى أن الدين كله غير صحيح – وهذا هو الراجح.. فليخبرنا عن الصحيح الذي وجده بعيداً عن الدين ونحن على استعداد لأن نسمع له بأذن واعية*.

د. النور لم يخبرنا بمعنى كلمة *(قابضة)* التي قالها في حق الفكرة ولكننا نستطيع أن نستنتج من أقواله ما يعنيه بالكلمة.. نعتقد أنه يعني بكلمة قابضة أنها *غير منفتحة على الحياة العريضة*، كما قال في هجائه للجمهوريين، فهو قد قال: "تعود الجمهوريون ذلك النمط من العيش البسيط المنحصر، وأصبحوا من ثم يستوحشون من حياة المجتمع العريض.. وقد خلق ذلك العيش المنحصر الذي يشبه خلوات الصوفية، شقة من نوع ما، بينهم وبين أهليهم وذويهم، وأصدقائهم، ويمكن القول أن الجمهوريين قد أحبوا تلك العزلة السلوكية واستمرؤوها".. ويقول: "مدخل التسليك الذي صممه الأستاذ محمود محمد طه، ورعاه بنفسه، كان مدخلاً محاطاً بإطار محكم من العزلة عن حياة المجتمع العريض، وهي عزلة فرضها ما تم استعارته من مناهج التصوف، خصوصاً مفهوم الخلوة".. وهذا كله تحريف ولكن لنمضي في أقوال د. النور المتناقضة، فهو قد قال: "هذا مع ملاحظة أن الأستاذ محمود محمد طه ذكر حين دعى إلى طريق محمد أن عهد الخلوة في الفلوات والمغارات قد انتهى.. *فالخلوة العصرية في الأدب الجمهوري المكتوب، هي خلوة الثلث الأخير من الليل.. أما الجلوة فهي جلوة النهار*، حيث يختبر السالك محصول عبادته في الليل، في ما يصدر منه من قول وعمل، حين يحتك بالمجتمع العريض، في نهار كل يوم جديد".. وفي نفس الوقت قال عن *الخلوة*، أنها (هي عزلة فرضها ما استعارته من مناهج التصوف، خاصة مفهوم الخلوة)!! وقد فصَّل في نشاط الجمهوريين الذي يعتبر أنه قابض، فقال: "كنا نصحوا لصلاة الليل قبل، أو بعد الثالثة صباحاً، ننام قليلاً، ثم نصحوا لصلاة الصبح، نقيم جلسات المنازل حتى طلوع الشمس، ثم نذهب عقبها، إلى بيت الأستاذ لجلسة الإنشاد.. حوالي الثامنة، نذهب إلى أعمالنا، نعود حوالي الثالثة ظهراً، نتغدى، ونرتاح لمدة ساعة، أو يزيد قليلاً، ثم نذهب للذكر، الذي نستمر فيه وقوفاً قرابة الساعتين، نصلي المغرب، ونذهب للحملة.. نظل وقوفاً في الأسواق نحاور الناس، نحتمل جهالاتهم، وسوء أدبهم، وإساءاتهم لساعات.. بعدها نعود للجلسة المسائية حوالي الثامنة أو التاسعة.. تستمر الجلسة، وكلنا جالس على الأرض، في مساحة قدرها قدمين مربعين، حتى منتصف الليل.. وكثيراً ما تمتد إلى ما بعد منتصف الليل.. نعود بعد ذلك للمنازل لننام، على البروش لسويعات قليلة، نعود بعدها لنفس البرنامج مرة أخرى، وهو برنامج يبدأ من قبل الفجر كما تقدمنا.. يضاف إلى ذلك أننا كنا نأكل قليلاً جداً، وكان ما نأكله لا يحتوي، إلا على أقل القليل مما يقيم الأود".. هذا ما قاله عن التجربة التسليكية.. وواصل: "الشاهد أن تجربة الجمهوريين التسليكية التي عاشوها مع الأستاذ محمود محمد طه، والتي حالت بينهم وبين الأدب والفن، والموسيقى، والتمتع بمباهج الحياة في تجلياتها المختلفة، ليست هي الصورة التي ينبغي أن يكون عليها حال الجمهوريين في مقبل أيامهم".. ويقول: "وعلى سبيل المثال أيضاً، قام السلوك في تلك الحقبة، على مجافاة الفنون مجافاة تامة، كنا محصورين فيما نحن محصورون فيه.. لم نكن نحضر حفلات الأعراس، حتى التي تقام في مناسبات ذوينا وأهلنا وأقاربنا.. لم نكن نرتاد السينمات ولا المسارح".. وقال د. النور عن هذه التجربة: *"غير أنني لا أريد الرجوع إليها أبداً، ولو أردت الحق، أنا لم أعد أطيقها*، هل معنى هذا أنني تركت السلوك؟ لا وألف لا".. ويقول: "علينا أن نبحث عن سمات المرحلة الجديدة، بدل أن نغرق في الحنين إلى مرحلة انقضت، *ولا أظنها كانت مرحلة سعيدة*.. فقد رأينا فيها الكثير من العنت والمشقة وشظف العيش، لسنا نادمين عليها وقد تعلمنا فيها الكثير".. أعتقد أن هذا هو معنى (قابضة) الذي وصف به د. النور الفكرة.. *وهذا السلوك القابض، هو تقليد المعصوم، هو الفكرة كلها*.. قطعاً نحن لم نعش، بضرورة حكم الوقت، في المستوى من التقشف والزهد الذي كان يعيشه صلى الله عليه وسلم.. لم نعصب الحجارة على بطوننا، كما كان يفعل.. ولم تقف النار عن بيوتنا لأيام، ولم نكن نعيش على الأسودين – الماء والبلح – لعدة أيام، كما كان يفعل المعصوم.. هذه التجربة القابضة، في نظر د. النور والتي لا يتمناها، هي أسعد فترة عشناها في حياتنا، وأكثرها امتاعاً.. وقد عبر عنها الأخ العوض مصطفى شعراً بقوله:
*يكفيني أنني عشت زماناً كان له معنى ومذاق*
*يكفيني أني كنت جليسك رغم شعور الابن العاق*
*نحن طلاب للحياة العريضة، والعميقة، ولم نكن نضحي بشيء، ولكن نعلم أن هذه الحياة ليست الحياة الدنيا الفانية وإنما هي الحياة الأخرى، الحياة العليا، حياة الإنسان.. فقد كنّا نتجافى الحياة الدنيا، حياة الحيوان إلى الحياة العليا، حياة الإنسان، حياة الفكر والشعور*.

روحياً خرج د. النور من الفكرة منذ أن هجا التجربة السلوكية.. هجا (طريق محمد) صلى الله عليه وسلم.

منذ ذلك الوقت لم تكن معايير د. النور والقيم التي يتطلع لها هي نفس معايير الفكرة وقيمها.. وقد عبَّر عن ذلك بما أوردناه عنه.. هو يريد الحياة غير القابضة، التي عبر عنها في إيراد أبيات الشاعرة ولّادة بنت المستكفي، والتي تقول:
أنا والله أصلح للمعالي
وأمشي مشيتي واتيه تيهاً
وأمكن عاشقي من صحن خدي
وأعطي قبلتي لمن يشتهيها
هذا القول أعجب د. النور فقال عنه: "فولّادة لم تعد ترى في تلك اللحظة من الإشراق الوعيوي، أن في أنوثتها ما يحول بينها وبين الأعالي"!! فما يراه الدين جهراً بالمعصية، يراه د. النور إشراقاً وعيوياً!! من أجل ذلك الفكرة عنده قابضة، وتركها للحياة الواسعة!!.

*الأستاذة أسماء محمود:*
الأستاذة أسماء محمود هي *المسؤول الأول* عمّا جرى في الاحتفال بالذكرى.. فهي التي فتحت الباب أمام المتحدثين الذين نحن بصددهم، وذلك بصفتها رئيسة الحزب الذي أسمته الحزب الجمهوري، ورئيسة المركز الذي أسمته مركز الأستاذ محمود محمد طه.. *فهي كإبنة للأستاذ محمود تعتبر أنها من يرث الفكرة، فالفكرة عندها ملكية خاصة*، تتصرف فيها كما تريد.. تبعد ما تريد من الفكرة، وتدخل فيها من تريد.. وهذا ما حدث بالضبط.. *هي أبعدت (طريق محمد) صلى الله عليه وسلم من حزبها*، على زعم أنه لا يمكن أن يقال للمسيحي أنك لا تستطيع أن تنضم للحزب إلا إذا أصبحت تقلد النبي صلى الله عليه وسلم.. بالطبع هذا يعني قبول أي إنسان في الحزب، دون أن يكون له التزام بالدين كما تدعو له الفكرة.. *وبذلك جعلت الأستاذة أسماء الفكرة فكرة سياسية وأبعدت عنها منهاج الطريق، وهو الفكرة كلها!!* فدعوة الأستاذ محمود للمسلمين ولغير المسلمين إنما هي لتقليد النبي صلى الله عليه وسلم، تقليداً مجوداً به يبعث الدين.. فلما أبعدت الأستاذة أسماء الطريق، هي عملياً أبعدت الفكرة وأصبح حزبها حزب سياسي لا علاقة له بالدين..

ونحن الآن نسأل الأستاذة أسماء: كم هو عدد المسيحيين الذين دخلوا في الحزب؟ بل كم هو عدد الأفراد بصورة عامة الذين دخلوا في الحزب؟ ثم ما هي الغاية، هل تريدين أن تحكمي السودان؟ *لنفرض أنه حدث ما هي قيمته؟* إنّك تعيشين وهماً كبيراً جداً، وتتعبين نفسك في نشاط لا قيمة له.. وبدل أن *كنتِ داعية طريق*، جعلت من نفسك *قاطعة طريق!!* ولماذا؟ ما هو الثمن؟.

أمّا إدخال من تشاء في الفكرة، فهو يتمثل في شهادتها بأن د. النعيم جمهوري!! هي شهدت بذلك دون أن يطلب منها!! وأن يكون د. النعيم جمهورياً، فهذا يعني أن جميع هرطقاته من الفكرة.. وهذا أمر خطير جداً في تشويه الفكرة، فقد يجوز على بعض الناس على اعتبار أن الأستاذة أسماء هي بنت الأستاذ محمود.. أما د. النور الذي ظهر مؤخراً في الصورة السياسية، فهو زوج الأستاذة أسماء، وبدخوله هذا *أصبحت الفكرة ملكية خاصة للأسرة*.. ولكن هذه مجرد أحلام، فهم لن يبلغوا منها طائلاً..

واضح أن د. النعيم مهَّد لهذا العمل بميثاقين يتحدث فيهما عن التغيير في السودان وينتهز فرصة الثورة *ليتقدمها*، حسب وهمه.. وهو الآن في السودان بعد غيبة طويلة ليحقق مشروعه بإقامة دولة علمانية وفق مبادئه التي كما رأينا أنها تفكك جميع أسس الإسلام، وجميع أسس الأخلاق الفاضلة وتعمل على غربنة المسلمين عامة، والسودانيين خاصة، بل وأمركتهم!!.

لقد قمنا بتحريك شريعتنا في فضح د. النعيم وأفكاره الشاذة جداً، ومشروعه الذي يريد أن يورط فيه السودان.. ونحن على يقين ألا شيء من هذه الأوهام سيتم، وستموت في مهدها.. فالفكرة محفوظة، والشعب السوداني محفوظ إن شاء الله.

*ملحوظة*:
نحن سنرفق مع هذه الحلقة - غداً إن شاء الله - ما سبق أن كتبناه عن نظرية الانفجار العظيم، في كتاب (الإنسان: بين الإسلام والحضارة الغربية)..

يتبع...

خالد الحاج عبد المحمود
رفاعة في 12/4/2023م

awadhow@gmail.com

 

آراء