تقديم لكتاب جديد عن سواكن

 


 

 

بقلم السفير / خالد محمد فرح

سواكن: مقالات مترجمة عن تاريخها ومبانيها، كتاب جديد عن مدينة سواكن، هو جماع لمقالات ومواد أخرى مختلفة، ترجمها البروفيسور بدر الدين الهاشمي من الإنجليزية، ونشرها في هذا الكتاب الذي صدر في هذا العام الحالي 2024م، عن دار " باركود " للنشر بالخرطوم. وأود فيما يلي، أن أشرك القراء الكرام في الاطلاع على التقديم الذي كتبته لهذا السفر الممتع والمفيد.

طلب إلي الأخ والصديق البروفيسور بدر الدين حامد الهاشمي، أن أكتب تقديماً لسفره هذا الذي بين أيدي حضرات القراء الكرام، الموسوم ب " سواكن: مقالات مُتَرجَمة عن تاريخها ومبانيها ".
والحق أنه لا يسعني أن أرد طلباً للبروفيسور بدر الدين، فضلاً عن أن ما طلبه مني، هو تشريف وامتياز بين طوق به عنقي، وأنا له عليه إذاً، من الشاكرين المقدرين.
لقد ظلت تربطني في الواقع، علاقة وثيقة، بل صداقة حميمة، ما تزال عراها تتوثق منذ مطلع هذه الألفية الجديدة. وقد بدأت تلك الصلة إسفيرية افتراضبة، ولكن سرعان ما تعززت تلك الصلة الافتراضية، عندما التقينا كفاحا في عام 2012م بالعاصمة العمانية مسقط حيث كان يعمل بجامعة السلطان قابوس، فأكرم وفادتي واحتفى بي ايما احتفاء. وكان قد شجعني بصفة خاصة على الاحتفاظ بتلك الصلة بالبروف الهاشمي التي أنا بها سعيد وفخور، حرصي دائماً على الاطلاع بشغف وتلذذ وإعجاب، على القدر الكبير من التراجم القيمة والمفيدة والمتنوعة، التي ظل يرفد بها المكتبة السودانية والعربية عموماً، بنفائس المصنفات في مختلف ضروب الدراسات الإنسانية والآداب والفنون ذات الصلة الحصرية بالسودان، وتاريخه وثقافته وإنسانه. تلك المقالات المترجمة التي عمد بروفيسور الهاشمي إلى جمعها وإصدارها في سلسلة من المجلدات بعنوان: " السودان بعيون غربية "، والتي غدت -بكل تأكيد - واحداً من أهم المصادر المعرفية عن السودان في مختلف المجالات باللغة العربية، بعد أن بذل البروف بدر الدين جهوداً شاقة في تتبعها في مظانها، والتنقيب عنها في مصادرها الأصلية المنشورة فيها أساسا باللغة الإنجليزية، التي ضعف الطالب والمطلوب فيها بالسودان خلال العقود الأخيرة خاصة، فعربها وقربها ، لكي تكون في متناول سائر الطلاب والباحثين وعموم القراء، فمهد لهم بذلك طريقاً مهيعاً للامتياح منها بسهولة ويسر. هذا مع العلم بأن البروفيسور بدر الدين الهاشمي هو في الاساس، أستاذ جامعي متخصص في علم الادوية والسموم، بكليات الطب والطب البيطري معا.
ولقد شرفني البروفيسور الهاشمي ذات مرة، بأن طلب الي أيضاً، أن أشارك مع أشخاص آخرين، في التقديم لواحد من مجلدات تلك السلسلة الباذخة الآنف ذكرها.
تحتوي التراجم الصادرة في هذا الكتاب، على بضعة عشر مقالاً ورسالة ومذكرة عن مدينة سواكن، ميناء السودان التاريخي العريق والشهير على البحر الأحمر، شاملةً تاريخها ومعمارها واقتصادها وثقافتها وجهود إعادة إحيائها، وبعض ما كتب عنها.
وقد أثبت المترجم في هذا الخصوص في كتابه هذا على سبيل التمثيل فقط: ترجمة لمقدمة كتبها بالإنجليزية الراحل الدكتور منصور خالد لكتاب جان بيير غرينلو، مؤسس كلية الفنون الجميلة بالخرطوم في أربعينيات القرن الماضي، بعنوان " مباني سواكن المرجانية "، فضلاً عن مواد أخرى عن ذات المدينة بأقلام مؤلفين آخرين مثل الأستاذ ضرار صالح ضرار، والدكتورة شادية طه ، وخصوصاً المهندس الدكتور عبد الرحيم سالم، الذي أنفق جل حياته تقريباً ، معرفياً ومهنياً وذهنياً وبدنياً لموضوع سواكن، حيث يحتوي الكتاب على ترجمة لمقال له بعنوان: " إحياء مدينة ساحلية قديمة على البحر الأحمر ". هذا إلى جانب مواد أخرى لمؤلفين آخرين.
على أن عمل البروفيسور بدر الدين الهاشمي هذا، يتميز بأنه قد جاء حاوياً وشاملاً، من حيث السعة والتنوع والتناول. ذلك بأنه قد قارب الموضوع من جوانب متعددة، ومن مشارب معرفية وعلميّة متباينة، ولم يقتصر على مشرب أو جانب واحد منها فقط، كأن يكون تاريخياً، أو آثارياً، او فولكلورياً، او معمارياً فحسب ، أو مثلاً من حيث رمزية سواكن الثقافية والحضارية بالنسبة لعموم السودانيين، بل بالنسبة للملايين غيرهم من مسلمي الداخل الأفريقي، الذين ظلوا يعرفون هذه المدينة ويقدرونها حق قدرها لقرون عديد، لأنها كانت فُرضتهم التي كانوا يبحرون منها إلى الأراضي المقدسة، وإنما جمع كتابه كل ذلك في صعيد واحد، ولأول مرة.
إنني بوصفي مندوباً دائماً " الدائم هو الله فقط !" للسودان لدى منظمة اليونسكو في الوقت الراهن، وفي فترة سابقة أيضا، ظللت وأظلّ معنيّاً بموضوع سواكن هذا، على الأقل من وجهة النظر المهنية. ذلك بأن السودان قد ظل حريصاً جداً ومنذ عقود خلت، على تقديم ملف سواكن إلى هذه المنظمة، لكي تقوم بتسجيلها من ضمن قائمة التراث الثقافي العالمي الخاص بها. ولكن ذلك الطلب لم تتم الاستجابة له حتى الآن مع الأسف، لسبب أو لآخر، مما خلف غصة مرة في حلوق السودانيين، وطعنة نجلاء في كبريائهم الوطني، وذلك بحكم حبهم لسواكن، والمكانة السامية وشبه الأسطورية التي ظلت تتبوأه في قلوبهم ومخيلتهم بصفة عامة.
ولعلنا لا نغالي مطلقاً، إذا ما وصفنا صلة السودانيين عموما بسواكن بأنها قد ظلت صلة عاطفية، كما وصفتها محقةً الدكتورة شادية طه في دراستها الاكاديمية القيمة عن هذه المدينة، والتي نشر المؤلف ترجمة لطرف منها في هذا الكتاب أيضا.
ولعليّ أختم هذا التقديم في ذات السياق، بالقول بأن سواكن هي المدينة الوحيدة التي ظلت تطلق اسماً علماً على الإناث في بعض مناطق السودان، وخصوصاً في كردفان، وربما في مناطق أخرى من السودان وغيرها من بلاد وسط وغرب افريقيا المسلمة تيمناً بها، وذلك نظرا لارتباطها في مخيلة الناس بمنسك الحج، مما يضفي عليها هالة ما من التقديس. فهي في هذا الباب، مثلها مثل بعض مناسك الحج ومتعلقاته من مواضع جغرافية معينة، ظل السودانيون يسمون بناتهم عليها كعرفة، ومنى، ومزدلفة، والروضة، والحرم، والبقيع، وحتى جدة التي قلدوها ذلك الشرف بقرينة الجوار، فسموا إناثهم تيمناً بها أيضا.
فالتحية للأخ البروفيسور بدر الدين الهاشمي على إصداره هذا الكتاب المرجعي والثقافي المهم عن سواكن، و " حار فراقك نار يا سواكن! " كما غنى بلبل الشرق الراحل الفنان " إدريس الأمير ".

خالد محمد فرح
باريس المحروسة
يناير 2024م.

khaldoon90@hotmail.com

 

آراء