تلاعبوا بالوطن ، لا تجدوه: في ملهاة الإنتخابات ومأساتها .. بقلمك محمد عثمان ابراهيم

 


 

 

 

هذا الخميس

 

إضحك إذن ما دام المقام مقام هزل ! لا تضحك مادام المقام مقام جد: كل شيء في العالم قابل للضحك والسخرية إلا الأمور الجادة فالجد جد ورعاية مصالح الناس المصطلح على تسميتها ب(الزعامة أو الرئاسة) هي أمر في غاية الجدية ينبغي أن ينظر إليه –فقط- من هذه الزاوية.

كل شعوب العالم تتندر على الإنتخابات وتضحك على الساسة، وتتبارى وسائل الإعلام شرقاً وغرباً ويتسابق الناخبون على السخرية من المرشحين، لكن أن يتفق المرشحون جميعاً على السخرية من الناخبين والإستهزاء بالوطن والتعاطي مع أمره كملهاة، فهذا لا يحدث إلا في السودان.

في الكثير من بلدان العالم هناك أحزاب (فكاهية ) غير جادة تقدم مرشحين غير جادين وفيما لم يستوعب مزاجنا الخشن وميلنا العام عن الهزل، حزبنا الفكاهي الوحيد الذي نشأ سراً ومات سراً ، حزب البهجة والمسرة، فإن البعض منا قام بخلط الجد بالهزل فنتج لدينا مسخ هجين يستعصي على الهضم.

في أوروبا وغيرها من بلدان العالم ينشيء الهزليون والمبدعون والممثلون الساخرون أحزاباً تقدم لشعوبها التسلية والترفيه والترويح   مثل (حزب الحكومة الأمريكية التي تتحدث بوضوح) الذي يسخر كما هو واضح من حكومات الولايات المتحدة التي تداور في حديثها وتظهر خلاف ما تبطن أو (حزب ملكات جمال بريطانيا العظمى) الذي لا يقدم إلا مرشحات سبق لهن المشاركة في مسابقات ملكات الجمال أو (حزب محبي تعاطي الجعة الأوكراني/والنرويجي / والبولندي / والبيلاروسي ...)  أو (الحزب الأحمق حماقة مطلقة الكندي) والذي يطالب بمنح حق التصويت للصبية من 14 عاماً والذي يصر على فوز المرشح الأقل أصواتاً وليس أكثرها !

الفرق بيننا وبينهم إن الملهاة لا تتداخل مع الواقع هناك بينما تتداخل هنا فتصنع مأساة محزنة.

***

أول مؤشرات إختلاط المأساة بالملهاة لدينا هو عدم جدية الترشح للإنتخابات الرئاسية هذه المرة وهي إنتخابات مختلفة تؤذن بمرحلة جديدة ومختلفة في مسار تداول السلطة في السودان، فإذا كانت الإنتخابات السابقة قد إحتوت على ملامح مفزعة من عدم الجدية فقد كان لذلك أسباباً موضوعية كثيرة أهمها مقاطعة القوى السياسية المعارضة ورفضها المطلق لقانون الإنتخابات ومجمل القوانين الأخرى وأمل تلك القوى في إزاحة النظام بوسائل أخرى ليست من ضمنها الإنتخابات، فإن الظروف هذه المرة أكثر ملاءمة من سابقتها.

لم يكن المناخ السياسي الذي جرت فيه إنتخابات الرئاسة السابقة يسمح بأكثر من مرشحين هزليين ينافسون على المقعد رقم واحد في هيكل الخدمة العامة في البلاد لكن سودان ما بعد إتفاقية السلام الشامل وسودان ما بعد نيفاشا يهيء الحد الأدنى من مطلوبات التنافس الحر بين القوى السياسية.

لحد الآن فإن الحزب الوحيد الذي يتعامل بجدية مع موضوع الإنتخابات هو حزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي أعلن اسم مرشحه لرئاسة الجمهورية وأقام إنتخابات داخلية شهدت منافسات قاسية ومريرة في كافة ولايات البلاد للتأهل للحصول على ترشيح الحزب ثم الترشح بعدها للحصول على ثقة الناخبين. لم يجيء كل ذلك برداً وسلاماً على الحزب ذي العضوية الكبيرة والولاء الضعيف لأن كل من خسر الإنتخابات الداخلية للحزب هو مشروع منشق يأمل في الإنتماء إلى حزب جديد يمكنه من الترشح. قبل المؤتمر الوطني لحد الآن هذا الرهان الرابح إذ من المؤكد والحال كهذا أن يحصل بعد هذه الإنتخابات على أفضل العناصر ذات القدرات الرفيعة والسند الجماهيري .

أما غير حزب المؤتمر الوطني فما زالت الحركة الشعبية لتحرير السودان غائبة عن مشهد الإنتخابات الرئاسية فلا هي قادرة على طرح اسم زعيمها الفريق أول سلفاكير ميارديت كمرشح للرئاسة  ولا هي قادرة على التوافق على غيره. إذا رشحت الحركة سلفاكير فإنه قد يخسر رئاسة حكومة الجنوب لصالح نائبه المتحفز دوماً للإنقضاض ، د. رياك مشار! وإذا رشحت جيمس واني إيقا فسيغضب باقان أموم وإذا رشحت باقان أموم فهناك ألف جناح يريد استبعاده من كعكة الجنوب المضمونة. ليس امام الحركة الشعبية سوى ترشيح شمالي أو جنوبي من رجال الصف الثاني-مثلاً-  من بين عضويتها للمنصب فإذا كتيب له الفوز  وهو أمر مستبعد-بطبيعة الحال- فالحمد لله وإن خسر فإن الحركة لم تخسر شيئاً بالمشاركة في التمرين العنيف. ليس أمام الحركة سوى تمثل قصة الوليد بن عبدالملك ، الخليفة الأموي مع وضاح اليمن الشاعر الوسيم، الذي قيل أنه شك في وجوده في مخدع زوجته أم البنين داخل أحد الصناديق فأمر بدفن الصندوق وقال إن كان به فقد قضينا عليه وإن لم يكن به فما خسرنا إلا صندوقاً! سترسل الحركة مرشحها للخرطوم وهي تقول إن فاز فهذا من حظه وحظنا وإن خسر فإننا ما خسرنا إلا قيادياً من الصف الثاني.

فشلت احزاب تحالف جوبا في كل شيء ولم تنجح سوى في تسهيل إنفصال الجنوب وتسهيل إنقسام البلاد دون بكائيات على الوحدة المهزوزة الآن اكثر من أي وقت مضى.

ما إن اعلنت مصادر في التحالف عن توافقها على ترشيح الإمام الصادق المهدي حتى هبت مصادر أخرى داخل التحالف تنفي الإعلان جملة وتفصيلاً وهكذا فقد إنقسم التحالف حول القضية منذ البداية لأن صعوبة موافقة زعيم حزب الأمة وكيان الأنصار على أي مرشح آخر (سواه) سيجعله في مواجهة بقية أعضاء التحالف، وإن توافقوا كلهم على مرشح آخر. إن أمام تحالف جوبا طريق ضيق في إتجاه واحد وهو إما تسمية السيد الصادق مرشحاً لهم وإما ألا يكون هناك مرشح توافقي للحلف، إنتهى الكلام!

الحزب الإتحادي الديمقراطي بزعامة السيد الميرغني لا يرى حتى الآن أن هناك إنتخابات ستجرى في البلاد وحتى يتأكد الحزب من أن الإنتخابات هي أمر واقع، فسيكون الرئيس الجديد وبقية الدستوريين قد أدوا القسم وتسلموا مهامهم الجديدة! منذ سنوات طويلة والحزب الكبير يتفاعل مع الأحداث بعد فوات الأوان لذا فهو في الغالب خارج المنافسة وستصوت جماهيره -في الغالب أيضاً- لصالح مرشحي المؤتمر الوطني الذي سيطر قادته وكوادره على مسرح الحياة السياسية في معظم دوائر الولاء التقليدي للحزب في ولايات نهر النيل والشمالية والبحر الأحمر وكسلا وكردفان.

***

غير ذلك دعك من الحزب الشيوعي والبعث وحركة حق وحزب المؤتمر السوداني وتحالف عبدالعزيز خالد وحزب وحدة وادي النيل!

***

من جهته أعلن حزب المعارضة الشمالي القوي ، حزب المؤتمر الشعبي بزعامة د. حسن الترابي، عن ترشيح الأستاذ عبدالله دينق نيال لرئاسة الجمهورية. أخرج الشيخ الترابي دفاتره الجنوبية القديمة كلها فبحث ليكتشف إن إسم أبوبكر دينق نيال القيادي الطلابي البارز ليس في سجلات الحزب وأنه قد إختار السير بالقرب من حائط الوظيفة الديوانية وكيلاً لوزارة ليست في مدى بصر الإعلام، وبحث عن اسم موسى المك كور فوجده ضمن دائرة الراغبين في محاورة المؤتمر الوطني لا منازلته كما تقول مجالس المدينة ، ولم يستدل الحزب على عناوين عوض رزق سعيد وعباس سامسون جامبو وأحمد الرضي جابر وآخرين!

ليس لمرشح الشعبي المعلن أي مؤهلات إستثنائية تساعده في الحصول على المنصب الرفيع فهو ظل غائباً عن ساحة النشاط السياسي العام منذ أن فقد منصبه الوزاري قبل ما يزيد عن العقد من السنوات. وإذا كان الأستاذ نيال يعمل ضمن طاقم الحزب للعمل السري فإن جماهير الناخبين لا تصوت للنشطاء السريين بل تمنح ثقتها لمن يعملون من أجلها تحت ضوء الشمس. في الواقع ليس للمرشح نيال مواصفات جاذبة سوى انه جنوبي ومسلم وليس من شروط الترشح للمنصب أي من الصفتين، إضافة إلى أن السيد نيال ليس أوباما والسودان ليس الولايات المتحدة. يكشف لجوء المؤتمر الشعبي لترشيح نيال أنه بات غير مستعد لوضع بقية بيضه في سلة دارفور التي تتهمه دوائر عديدة بما فيها دوائر السلطة وأجهزتها بأنه يعمل هناك على تأجيج الحرب فيها، ودفع حيالة الأهالي هناك  نحو اللجوء والهاوية. ربما لم يجد الحزب مرشحاً من دارفور وهي مركز قوته المتبقي سوى د. علي الحاج محمد ولا بد إن الحزب أدرك أي مصيرإنتخابي  ينتظر بطل طريق الإنقاذ الغربي القابع في المنفى الإختياري الألماني منذ إثني عشر عاماً.

باستثناء التصريح المقتضب الذي أدلى به مرشح المؤتمر الشعبي لقناة الجزيرة الفضائية (3 يناير 2010) لم اعثر على كلمة واحدة أخرى للرجل في الشأن العام. قال نيال للجزيرة إن ترشيحه مثّل مفاجأة لأهل السودان وكنت أتمنى لو قال إن ترشيح الشيخ الترابي له مثل مفاجأة غير متوقعة له شخصياً، وإنه لم يتخيل في أكثر تطلعاته شططاً أن يكون مرشحاً لرئاسة جمهورية السودان كجنوبي لم يثبت له التاريخ كلمة واحدة علنية لصالح اهله حين كانت الحرب تفتك بهم والجيوش تدك مدنهم وقراهم من كل جانب. كان سيشفع لمرشح المؤتمر الشعبي، الذي يتدثر الآن بعباءة كونه من أبناء الجنوب، لو قال كلمة واحد ضد حكومة الخرطوم أو ضد الحركة الشعبية أيام كانتا تحتربان على ارض أهله، لكنه اختار حينها ان يكون في معسكر النخبة الجهادية الحاكمة في الخرطوم. إذن عبدالله دينق نيال يمثل الشمال الذي يعيش فيه وينتمي إلى نخبته  وليست له صلة علنية بالحياة العامة في الجنوب .

***

حتى الآن لم يعلن ترشيح أي رجل دولة وسياسة من الوزن الثقيل من طرف المعارضة سوى السيد مبارك الفاضل المهدي الذي قرأت خبر ترشيحه للمرة الأولى في صحيفة (اليوم السابع) المصرية (4 يناير 2010) ثم نشر لاحقاً في الصحف السودانية. يتمتع السيد مبارك بمؤهلات عديدة ليكون منافساً قوياً وحقيقاً في إنتخابات رئاسة الجمهورية فهو سياسي محترف ومرموق وسليل إحدى أكبر العائلات السودانية نفوذاً كما إن لديه تجربة كبيرة في العمل السياسي حاكماً قوياً ومعارضاً شرساً. يملك الفاضل وهو سياسي براغماتي ماهر، المال الذي يمكن ان يعينه في حملته الإنتخابية كما إنه أصغر سناً من غالبية المنافسين الجديين الآخرين (سيبلغ الستين في الثالث من فبراير المقبل). مشكلة السيد مبارك الكبرى هي خصومته الحادة مع إبن عمه القوي وإمام الأنصار السيد الصادق المهدي وبالرغم من الخطوات السلمية التي ما انفك يقوم بها باتجاه المصالحة إلا ان التيار الرئيسي في حزب الأمة وكيان الأنصار لم يغفر له، حتى الآن، انشقاقه العنيف قبل عدة سنوات. إذا عاد السيد مبارك للتيار الرئيسي لحزبه لن يكون بمقدوره الترشح في وجود إبن عمه الإمام وإذا ترشح وهو منشق فسيواجه خصومة شرسة من آل بيته قبل منافسته مع مرشح المؤتمر الوطني الأوفر حظاً بالفوز. على كل سيمنح ترشيح السيد مبارك، إن مضى فيه قدماً ، طابعاً جدياً للمنافسة الإنتخابية.

***

المهرجون

خارج إطار الجد أعلن بعض الأفراد عن ترشيح أنفسهم منذ فترة طويلة لمنصب الرئيس دون مؤهلات تذكر وأعتقد أن هؤلاء (جميعهم أو جلهم) يرنون إلى الصيت فقط،  ويبتغون الفلاح الناتج عن كون الشخص مرشحاً سابقاً لرئاسة الجمهورية. أتى غالب هؤلاء المرشحين-حتى الآن- من خلفيات ذات صلة بالنجاح والتميز الأكاديمي لكنهم يفتقرون جميعهم الى الأمل في الفوز بقراءة مؤهلاتهم كما تبرزها سيرهم الذاتية. نحن لا نقدح، بالطبع، في سير هؤلاء المهنية  أو شخوصهم ولكنا نعتقد إعتقاداً لا يدانيه شك في أن إعلانات الحملات الإنتخابية لهؤلاء المرشحين وحصولهم على فرص في المنابر العامة الرسمية –وفقاً للقانون- لا يعدو على كونه إهدار للمال العام والجهد العام ووقت المواطن فيما لا طائل منه. ماذا لو قام هؤلاء المرشحين بالتبرع بالأموال التي يزمعون إنفاقها في حملاتهم الإنتخابية لصالح دار للمشردين أو الأيتام او ضحايا الحرب أو الإدمان؟ أعتقد أن الفائدة ستكون أفضل وأعم والبركة ستكون أوقع في النفوس من إهدار وقت المواطن وماله وجهده فيما لا طائل منه.

يفتقر ترشيح هؤلاء السادة الكرام إلى حيثيات مثل تلك التي كانت للأكاديمي العربي الإسرائيلي عزمي بشارة حين ترشح لمنصب رئيس وزراء إسرائيل عام 1999 بهدف تحدي طبيعة الدولة اليهودية التي ينتمي إليها وبهدف خلق مسار ثالث لعرب عام 1948 خارج تنافس حزبي الليكود والعمل حينذاك. لم يكن ينقص عزمي بشارة السند السياسي ممثلاً في التجمع الوطني الديمقراطي العربي الذي كان يتزعمه او السند القومي المتمثل في عرب إسرائيل والدروز إضافة إلى انه قادم من داخل المؤسسة السياسية لبلده حيث كان عضواً في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست).

وبشارة مثله مثل الأكاديمي والمفكر الكندي مايكل إغنتياف الذي يستعد منذ سنوات لتولي رئاسة الوزراء في بلاده لكنه يأتي أيضاً إن قدر له أن يحصل على المنصب من باب الممارسة السياسية والعمل العام إذ أنه انتمى للحزب الليبرالي الكندي ثم ترشح عنه في الإنتخابات البرلمانية التي فاز فيها ثم تولي بعدها زعامة الحزب نفسه الذي انتمى إليه منذ أعوام قليلة.

لم يأت إغنتياف من مؤسسته العلمية أو الطبية ليقول إنني اصلح لرئاسة الجمهورية مرة واحدة.

***

من بين هؤلاء المرشحين نتناول ترشيح إثنين منهما على وجه الخصوص وهما البروفيسور معز عمر بخيت الطبيب والأكاديمي وعثمان الريح الطبيب الشاب.

لم يقدم  كلا الرجلان ، حتى الآن، مسوغات تدفع الناخبين للتصويت لصالحهم  لتولي المناصب العامة التي خلقت في الأساس لخدمة المواطنين، وضبط إيقاع إدارة جهاز الدولة الضخم إذ أنهما يفتقران تماماً لأي تجربة أو خبرة في العمل العام ناهيك عن إدارة الدولة.

البروفيسور معز عمر بخيت عالم سوداني نابغة وطبيب بارع نشر ما يربو على الثمانين ورقة علمية في دوريات تتراوح بين الرفيعة والمتوسطة وما دون ذلك وهو بهذا أحد أكثر العلماء السودانيين توفراً للبحث العلمي والإنتاج. حقق البروفيسور معز مكانة علمية مرموقة لكن الرجل مصاب بهوس مرضي بالإعلام.

يستخدم البروفيسور معز درجته العلمية الرفيعة ونجوميته التي قاتل لبنائها مدماكاً فوق مدماك للحصول على ثناء العامة ! وبتوافره المثير  -للإعجاب- في المنابر والمنتديات الإلكترونية فهو يمنح الكثيرين ممن تستهويهم مخالطة النجوم، الفرصة للتواصل وتبادل بعض الأحاديث معه. والرجل رؤوف بمعجبيه ويستخدم معهم خطاباً رقيقاً يعتمد على مفردات حميمة مثل الحبيب والصديق وغيرها وهي عناوين قادرة على امتصاص الكثير من المشاعر السلبية وعلى بناء مشاعر إيجابية مكانها. يستخدم البروفيسور موقعين الكترونيين معروفين على شبكة الإنترنت يملكهما إضافة الى مواقع أخرى يشارك فيها بحماسة متقدة ودأب لا يلين. ولأغراض البحث على شبكة الإنترنت وتوفير آلاف النتائج فإنه يستخدم طريقة كتابة موحدة باللغة الإنجليزية لإسمه. في موقعه الرئيسي يستخدم البروفيسور صفة (إمبراطور!) ويضع تاجاً بجانب إسمه بالإضافة إلى عدة صور شخصية لسيادته بملابس مختلفة ويستخدم توقيعاً يحتوي على صورة شخصية له كذلك. بسبب زعامته على موقع إلكتروني فقط يضع الرجل تاجاً ويستخدم صفة إمبراطور فماذا لو تولي رئاسة الجمهورية.

يقوم البروفيسور معز بفتح مواضيع جديدة للنقاش (بوستات) بصورة دائبة وكل المواضيع التي يناقشها متعلقة بذاته (الكريمة) وفتوحاته العلمية وإنجازاته البحثية بالإضافة الى بعض شئونه العائلية وتحتوي بوستاته في الكثير من الأحيان على صور تجذب اليها القراء وعابري السبيل الإلكتروني ويشارك هو بأكبر نصيب في المداخلات وذلك لرفع عدد القراءات والمشاركات و لايترك عابراً إلا ويقوم بالرد عليه بشكل منفصل بكلمتين طيبيتين كصدقة مستردة في الحال.

تحت شعار (صباحات روعة) الرومانسي العجيب، أعلن البروفيسور منذ عدة سنوات (2004) عن رغبته في ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية من خلال بوابة (الحركة السودانية للتغيير) التي أنشأها ولم يقم –حسب متابعتي- بتسجيلها كحزب سياسي ولا يعرف على وجه التحديد من هم رفاقه فيها. لا تحمل الحركة طابعاً جدياً وإنما هي واحدة من أنشوطات البروفيسور الكثيرة للحصول على حضور إعلامي لا يترفع هو نفسه عن السعي الى تحقيقه بكل الوسائل المتاحة بالعلم وكتابة الشعر والأغاني والمجاملات ومتابعة مباريات كرة القدم. لذا فإن ترشح الرجل للمنصب الرفيع لا يعدو على كونه ملهاة يتسلى بها الرجل ويتسرى إذ يرى نفسه حاضراً في وسائل الإعلام.

***

من خباء بعيد ظهر طبيب شاب (مواليد 1969) تخرج من جامعة الأزهر في مصر واسمه عثمان الريح وطرح نفسه على الفور مرشحاً لرئاسة الجمهورية بتوجهات إسلامية مختلفة عن توجهات الحكومة الحالية. بدأ الرجل حملته الإنتخابية من خلال الموقع الإلكتروني الشهير (فيس بوك) ثم حصل على عضوية المنبر العام لأكبر المواقع السودانية على شبكة الإنترنت (سودانيز أونلاين) لكن بقاءه هناك لم يدم طويلاً إذ جعله البعض من أعضاء المنبر هزواً بسبب مواضيعه الكثيرة التي يطرحها للنقاش وطريقته الفطيرة في الدفع بالحجج والمحاورة. خسر الريح عضويته بالمنبر الإلكتروني الكبير لكنه واصل نشاطه في المنابر السودانية المنتشرة واتهم موقع سودانيز أونلاين بعقد صفقة مع (جهاز الأمن) وجهات أخرى لإلغاء حسابه(منتدي منطقة الحلاويين 12 يونيو 2009).  وفي غمرة الشعور المتزايد بالعظمة و(الميجالومانيا) أعلن في بيان صادر عن (المكتب السياسي لدكتور عثمان الريح عمر) أنه يتعرض لمضايقات من جهات لم يسمها تقوم بحظر مجموعاته في الفيسبوك وتسرق بريده الإلكتروني وتتجسس على هاتفه وتقطع الماء عن منزله! هذا الكلام أكتبه بمنتهى الجدية عن رجل يطمح في رئاسة جمهورية السودان.

بالطبع لم يهتم أحد لأمر هذا الطبيب الطامح سوى صحيفة واحدة تعاني دائماً من عجز مقيم لملء فراغات صفحاتها كل أمسية فمنحت الرجل مساحة مقدرة بالصور.

لا يصلح كل الأطباء النوابغ لرئاسة الجمهورية ومن يريد التأمل فعليه بسيرة (أمبراطور) هايتي الراحل فرانسوا دوفالييه الذي حمل لقب بابا دوك ثم أورث (رئاسة الجمهورية) لإبنه ذي التسعة عشر عاماً جان كلود دوفالييه (بيبي دوك) حتى أطيح به في إنقلاب عسكري مفاجيء لم يمكنه من أخذ شيء معه في طائرة الهروب سوى بعض المال المنهوب ومئات القناني من الجعة! رفضت فرنسا منح الرئيس السابق حق اللجوء على اراضيها وظل يعيش هناك كمهاجر غير شرعي.

***

إن الشعب السوداني يتطلع الى ممارسة حقه في إنتخاب رئيس جمهورية يملك القدرة والتأهيل والكفاءة لإدارة الدولة وقيادة الأمة،  وفي غياب ترشيح زعماء من ذوي الثقل والتأييد الشعبي، وفي ظل رهبة زعماء الأحزاب من الخضوع للإختبار الديمقراطي فإن الإنتخابات ستكون صورية وستضيف فشلاً جديداً للقوى السياسية التي تتشدق بالديمقراطية. إن إزاحة المؤتمر الوطني من السلطة (وهذا هو هدف كافة القوى السياسية المعارضة) لا تتم بالمكايدات، وتسهيل إنفصال الجنوب، ودعم تقسيم البلاد، والإحتشاد في جوبا، ولكن تتم من خلال صناديق الإقتراع فإذا لم يكن الفوز من نصيب المعارضة، فإنها قادرة لا محالة على وضع المؤتمر الوطني أمام إختبار حقيقي وطرح مرشحها كبديل قوي ومحتمل لرئاسة الجمهورية وإلا فكلا.

 

 

آراء