تناول صحيفة الإهرام القاهرية للشأن السوداني فى عهد الطغمة الاعلامية

 


 

 


تناول صحيفة الإهرام القاهرية للشأن السوداني فى عهد الطغمة الاعلامية لنظام حسنى مبارك

يوليو 1989م – يونيو 1998م

د/المعتصم احمد على الامين

شهدت العلاقات السودانية المصرية خلال فترة الديمقراطية الثالثة في السودان (1986-1989م) كثيرا من التوترات السياسية ، وربما ترجع هذه التوترات إلي اختلاف النظام السياسي في كلا البلدين بعد أن كانا شبه متطابقين في الرؤي والأفكار ، وفي علاقاتهما الدولية في الحقبة المايوية 1969- 1985م خصوصا في الفترة الأخيرة منها ، ويرجع (1) أحد الكتاب سبب توتر العلاقات أساسا إلي أن مصر استطاعت أن تربط ايقاعها السياسي الخاص منذ عام 1952م ، وذلك بعكس الحالة السودانية التي تخبطت في حقول التجريب السياسي ، وهو تجريب أعاق مصر في ايجاد خطاب سياسي موحد مع السودان ، وأعاق السودان في إيجاد خطاب سياسي لنفسه في المقام الأول .
ويلاحظ هنا أن الرؤية السابقة عممت الإستقرار السياسي في مصر منذ ميلاد ثورة يوليو وهذا الأمر تعوزه بعض الدقة .. ذلك أن نظام  ثورة يوليو 1952م مر بثلاث مراحل مختلفة ، يمكن تقسيمها إلي : مرحلة الرئيس محمد نجيب 1952- 1954م ، ومرحلة الرئيس عبدالناصر 1955- 1970 ، ومرحلة الرئيس السادات 1971م ، وإلي يومنا هذا ، وكل مرحلة من هذه المراحل اختلفت عن سابقتها ، فمثلا مرحلة الرئيس نجيب كان هناك حديث عن عودة الحياة الحزبية القديمة بعد تنقيتها ، وحديث عن وجود دور أكبر للدين في الحياة العامة ، أما مرحلة الرئيس عبدالناصر فتميزت بأيديولوجيا محاربة الرأسمالية والاستعمار ، والتأميم ، وحزب مركزي واحد هو الإتحاد الإشتراكي ، واهتمام بالقطاع العام ، أما مرحلة الرئيس السادات وحسني مبارك فقد تميزت باحاديث عن إقتصاد غير موجه ، وتحالف مع المعسكر الراسمالي وعلاقات طبيعية مع إسرائيل ، بيد أن صدق الرؤية السابقة لتوتر العلاقات المشتركة بين البلدين ربما ينبع من أن حدة الخلاقات داخل نظام ثورة يوليو 1952م كانت أقل بكثير عن مثيله السوداني ، كما أن آلية الدولة المصرية وسلطاتها استطاعت أن توحد الرؤية العامة في كل مرحلة من المراحل مهما كانت الخلافات .
ومع مجيء ثورة الأنقاذ الوطني في السودان في يونيو 1989م ، رحبت الحكومة المصرية بها ، وقدمت لها دعما واضحا ، تمثل في حض الدول العربية وعلى رأسها دول الخليج العربي وليبيا للإعتراف بالوضع الجديد في السودان ، كما أنها دعت الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية إلي محاولة تفهم سبب التغير في السودان ، والدواعي التي أدت إليه ، وذلك لأن هذه الدول ما كانت لترضى بوأد تجربة ديمقراطية في العالم الثالث.
وقد انعكس ذلك التأييد في الصحف المصرية ، حيث رحبت في مجملها الأعم بالتغيرات الجديدة وحملت كذلك في معظمها حكومة السيد الصادق المهدي الإخفاقات التي لازمت فترة الديمقراطية الثالثة في السودان ، والمتمثلة بحسب الصحف المصرية في تدهور الأوضاع العسكرية في جنوب السودان لصالح الحركة الشعبية لتحرير السودان ، وانعدام الأمن ، والشح في الموارد الغذائية والبترولية ، والفوضى السياسية والإضطرابات في السودان ، وعلى الأخص في دارفور .
وجاء في صحيفة الأهرام (2) ( موضع الدراسة ) في اليوم الثاني لانقلاب يونيو مقال مطول لرئيس تحريرها السيد إبراهيم نافع قال فيه ( إن العالم لم يفاجأ بالإنقلاب الذي وقع في السودان ، وفي اعتقادي أن الشعب نفسه لم يفاجأ بما حدث فقد كانت هناك مقدمات أولية  يوحي بها التمزق الرهيب الذي أصاب جسد السودان وروحه خلال الفترة الأخيرة ، بعد أن عادت تطل من جديد كل الأحقاد الطائفية والحساسيات المذهبية ، واصبحت السيادة للحسابات الذاتية والطائفية والإقليمية.
ومن المؤسف فإن حزب الأمة وزعامته لم يستطيع أن يفصل بين أهدافه وأغراضه الشخصية ، وبين المصالح العليا للبلاد، وكلنا يعلم التخبطات التي سار عليها الصادق المهدي مثل تفجير العلاقات السودانية المصرية وغيرها).
ثم ما لبثت أن أرسلت الصحيفة محررها المختص بشؤون السودان السيد محمود مراد لتغطية هذا الحدث ، فكتب من الخرطوم قائلا (3) ( يمكن القول إن ثورة الإنقاذ الوطني هي أول تحرك عسكري صرف قامت به القوات المسلحة بمعزل عن القوى السياسية ، وبالتقاء مباشر مع الجماهير ، والمتابع لتاريخ السودان الحديث يجد أنه شهد تحركين عسكريين هما تحرك الفريق ابراهيم عبود في 1958م ، وتحرك العقيد جعفر نميري في 1969م ، إلا أن كلا التحركين كانا مدعومين بالقوي السياسية الحزبية أو بالتعاون معها ، وأحيانا بطلبها ، أما ثورة الإنقاذ فكانت بعيدة عن هذه التشكيلات ومناقضة لها.
وجاء في كلمة صحيفة الإهرام (4) في تلك الأيام بخصوص السودان ( أنه يمكن تقسيم الإنقلابات إلي نوعين ، انقلابات مصنوعة ، وإنقلابات مطبوعة ، أما الإنقلابات من النوع الأول فتحدث تحت تأثير خارجي ،لتعطيل مسيرة ناجحة اصطدمت بمصالح أجنبية ، أما النوع الثاني فيأتى بدعوي من الظروف الداخلية ، لانقاذ مسيرة شعبية وإنتشالها من افتئات الحكم المدني وانحرافاته ، ومن الواضح أن انقلاب السودان ينتمي إلي النوع الثانى ).
ثم بدأت مظاهر التأييد واضحة في الأعداد التالية من الصحيفة حيث حملت في إحداها (5) مقابلة مطولة مع قائد الإنقلاب الجديد الفريق عمر البشير ، وصورة في الصفحة الاولي كذلك لعضوي مجلس قيادة الثورة يومئذ العقيد فيصل أبوصالح والعقيد التجاني آدم الطاهر لدى وصولهما إلي القاهرة لتقديم الشكر للرئيس مبارك لدعمه للسودان وثورته بحسب الصحيفة.
وتوالت بعد ذلك الكتابات في صحيفة الإهرام حول السودان حيث كتب محمد عيسي الشرقاوي قائلا(6) ( بلا دموع يزرفها عليه أحد سقط الصادق المهدي وحكمه في انقلاب فجر الجمعة 30 يونيو ، ولم يكن ممكنا لحكم المهدي أن يستمر دون أن تطبق الكارثة من كل جانب ) ، وكتب سلامة أحمد سلامة نائب رئيس تحرير الإهرام تحت عنوان عريض – وهل كانت هناك ديمقراطية في السودان – ذاكرا – أي ديمقراطية تلك التي تسمح بحالة الإنهيار الإقتصادي الرهيب الذي أدي إلي أرتفاع أسعار المواد الغذائية إلي أرقام خيالية ، وإلي اختفائها من الاسواق شهورا متتالية فيما يشبه المجاعة ، واي ديمقراطية تلك التي تسمح بسيطرة المتمردين على ثلث مساحة السودان ، واي ديمقراطية تلك التي تبيح قيام ميليشيات مسلحة لكل حزب سياسي أو طائفة دينية ، ثم يتم تمويل هذه المليشيات من قوت الشعب السوداني أو من الخارج ، بينما يجري أهمال أعداد وتسليح قوات الجيش المتهالكة في حرب لا يكترث السياسيون لوضع نهاية لها.
أما السيد مرسي عطا الله رئيس تحرير صحيفة الإهرام المسائي فقد جاء مقاله (7) محملا بدلائل ومؤشرات غير  واضحة مثل حديثه عن الضباط الأحرار ، ومن المعروف أن أول من تسمى بهذا الإسم هم ضباط ثورة يوليو 1952م ، في الفترة التي سبقت التحرك ، وقد اتبعهم في هذا الإسم عديد من التنظيمات المشابهة في الجيوش العربية ، إلا أن الذين استطاعوا الوصول عبر رؤية تنظيم الضباط الأحرار وفلسفتهم إلي السلطة كانوا في السودان واليمن وليبيا وسوريا وموريتانيا ، ومن أبرز ما يدعو إليه هذا التيار الوحدة العربية ، والإشتراكية ، والتأميم ، ودعم القطاع العام ، كما أن السيد مرسي عطا الله تحدث كذلك عن ثورة يوليو في مقاله المذكور في دلالة ذات أيحائات خاصة وقد جاء في المقال مايلي( إن فكرة التحرك السريع من جانب الفريق عمر البشير ورفاقه أعضاء مجلس قيادة الثورة أتت لأنه لم يكن هناك مجال للإنتظار لكي يسمح للصادق المهدي بمواصلة الإدعاء بمؤامرات يديرها نميري من أجل التخلص من صفوة الضباط الأحرار في الجيش السوداني ، وإكمال اللعبة الخطرة التي كان قد بدأها قبل سنوات لتسييس الجيش السوداني لصالح حزب الأمة،ولم يكن هناك أيضا مجال للإنتظار لكي يسمح لنميري بركوب موجة الغضب ، والعودة مرة أخري إلي مسرح السياسة السودانية ، ومن هنا جاءت حتمية الحركة السريعة التي ربما لم تكن تحتمل الإنتظار ولو ليوم واحد فيصبح أسمها ثورة يوليو بدلا من كونها الآن ثورة يونيو).
وعموما يمكن القول أن معظم تغطية صحيفة الإهرام لأنباء الإنقلاب في السودان كانت إيجابية للغاية بالنسبة للثوار الجدد ، وحوى معظمها عبارات تأييد لا لبس فيها، وقد استمرت هذه التغطيةالإيجابية لعدة شهور  ، ويبدو ذلك أوضح ما يكون من خلال إستعراض عناوين الأنباء والمقالات عن السودان في تلك الفترة لمعرفة ذلك الأمر :
-    قلوبنا مع السودان (8)
-    مجلس قيادة الثورة يؤكد حرصه علي وحدة السودان والإلتزام بالمواثيق الدولية (9).
-    قادة السودان والرؤية الواعية(10).
-    هل أفلست الديمقراطية  في العالم الثالث (11)
-    برنامج ثورة الإنقاذ الوطني في السودان إصلاح العلاقات مع الدول المجاورة وخاصة مصر(12)
-    الجيش السوداني يتعاون مع الجيوش العربية (13)
-    مجلس قيادة الثورة – عفو شامل عن المتهمين بالتمرد منذ 1983م واعلان هدنة بالجنوب (14).
-    صحيفة بريطانية تشير إلي أن القاهرة قد تقدم مبادرة لإنهاء صراع جنوب السودان (15).
-    حركة جارانج تؤكد موافقتها علي المفاوضات مع الحكومة السودانية ( 16)
-    مساعدات للسودان من مصر والسعودية والكويت (17)
-    برنامج للإصلاح الإقتصادي في السودان (18).
-    حكومة السودان ستبيع المؤسسات الخاسرة (19)
-    ليبيا تؤكد مساندتها للنظام الجديد في السودان (20)
-    عودة الهدوء إلي إقليم دارفور بعد الصلح بين القبائل (21)
-    اثيوبيا قررت وقف دعمها لحركة جارانج (22)
ومما لاشك فيه أن هذا التأييد المصري الواضح للسودان قد أفاده كثيرا ، خصوصا في مجال علاقاته الخارجية ، ذلك لأن الحديث الإيجابي من مصر بكل ما تملك من علاقات خارجية مميزة عن السودان في هذه المرحلة الدقيقة ساهم بلاشك في الأعتراف بالحكومة الجديدة ، لأن دولا عديدة تري أن مصر من أكثر الدول العربية معرفة بأحوال السودان من خلال القرب الجغرافي والتاريخ المشترك ، واعترافها وحماسها للوضع الجديد بعد تغيير في قيادة الدولة يعني ذلك ضمنيا الإطمئنان لذلك التغيير ، وانه لن يأتي خصما علي مصالحها أو مهددا لها ، إضف إلي ذلك أن راس المال الوطني والعربي علي وجه الخصوص يود استمرار الإستثمار في السودان ، وذلك للمزايا العديدة التي يتحلي بها .. مثل الثروات الطبيعية وغيرها ، إلا أن الذي يعيق مثل هذا الأمر عدم الإستقرار السياسي ، لذلك عندما يركز الإعلام المصري عموما علي جدية القادة الجدد في النهوض بالإقتصاد من خلال التخلص من المؤسسات الخاسرة والإلتزام بالمواثيق الدولية والعمل بالتضامن مع دول الجوار العربي والإفريقي وغيره يعنى ذلك علي الأقل البحث الجاد عن إستثمار أموال عربية في السودان.
بيد أن صحيفة الأهرام لم يفتها أن تبرز أحيانا بعض الإشارات التي يستشف منها معرفة محرريها ومن ثم السلطات المصرية بنفوذ الجبهة الإسلامية القومية في الحكم الجديد بالسودان ، ومن ذلك أنها أوضحت (23) تأييد أتحاد طلاب جامعة الخرطوم للوضع الجديد ، وهو اتحاد يسيطر علي إنصار الجبهة الإسلامية يومئذ، كما أنها أبانت (24) على صدر صفحاتها الأولي كلمة السيد علي الحاج محمد القيادي الإسلامي البارز في الجبهة الإسلامية والتي جاء فيها – أن القيادة الجديدة تلقي تأييدا واسع النطاق من القواعد الشعبية في السودان ، ومن داخل فصائل الجيش بلا أستثناء .
أضف إلي ذلك أن الوجود المصري قبل ثورة الإنقاذ الوطنى كان ممتدا عبر السودان من خلال البعثات الدبلوماسية في كل من الخرطوم وبورتسودان والأبيض ، وعبرمدارس البعثة التعليمية المصرية ومفتشي الري في ملكال وجوبا وعطبرة وحلفا القديمة وغيرها ، لذلك لم يكن مستغربا أن تكون المعرفة المصرية للأوضاع السودانية مساوية للمعرفة السودانية نفسها ولا عجب في ذلك نسبة للمصالح الكبيرة لجمهورية مصر في السودان.
كما أن الساحة السياسية يومئذ كانت ترشح (25) الجبهة الإسلامية القومية للقيام بمثل هذا الدور الإنقلابي لأنها كانت الحزب السياسي الوحيد المعترض على السلطة الموجودة وسياساتها ، وكان إعلامها يرى أن تشكيل الحكومة الإئتلافية الأخيرة تم بطريق غير ديمقراطي تمثل في مذكرة كبار ضباط القوات المسلحة السودانية لرئيس الوزراء السيد الصادق المهدي.. تدعوه فيها إلي ضرورة الإستجابة لإتفاقية السلام السودانية التي وقعها السيد محمد عثمان الميرغني راعي الحزب الإتحادي الديمقراطي مع العقيد جون قرنق في 16 نوفمبر 1988م ، أو دعم القوات المسلحة دعما مقدرا .
وكانت هذه الإتفاقية فيما بدأ ثمار جهود إتحادية ديمقراطية من أجل المساهمة في حل مشكلة جنوب السودان ، والإستعداد للإنتخابات العامة التي اقترب آوانها باعتبارها انجازا سياسيا باهرا يمكن الإتحاديين من الفوز في الإنتخابات العامة ، وكانت صحف الجبهة الإسلاميةالقومية تتحدث (26) عن مساندة مصرية في إبرام هذه الإتفاقية لمساعدة حليفها الحزب الإتحادي الديمقراطي.
وجاء الرفض من الإسلاميين لعدة اسباب لعل من أهمها ( بحسب وجهة نظرهم) أنها تجمد العمل بالشريعة الإسلامية حتي انعقاد المؤتمر الدستوري ، وهذا التجميد المؤقت لو مر سيؤدي إلي إلغائها في آخر الأمر ، لأن من له القدرة على التجميد له القدرة على الإلغاء، كما أن إلغاء إتفاقيات الدفاع المشتركة مع بعض الدول العربية سيؤدي إلي إضعاف الجيش السوداني الضعيف اصلا في تلك الفترة ، أضف إلي ذلك إن إلغاء حالة الطواريء سيدخل البلاد في حالة فوضى عارمة بدأت نذرها واضحة في كل أقاليم السودان.
ومن هنا إتجهت الأنظار نحو حزب الأمة القومي باعتبار أن موقفه سيرجح موقف أحد الطرفين – الحزب الإتحادي الديمقراطي أو الجبهة الإسلامية القومية ، وفيما بدأ أن حزب الأمة رجح موقف الجبهة الإسلامية القومية بدليل سقوط الإتفاقية عند عرضها علي الجمعية التاسيسية وإنسحاب الحزب الإتحادي الديمقراطي من الحكم وتشكيل إئتلاف  يجمع لأول مرة بين حزب الأمة والجبهة الإسلامية القومية لوحدهما في سد الحكم .
وعند صدور مذكرة الجيش الداعية إلي احياء إتفاقية السلام السودانية أو دعم الجيش السوداني انحاز السيد الصادق المهدي تحت الضغوط العسكرية ربما للإتحاديين والشيوعيين والكتلة الجنوبية ، فخرجت الجبهة الإسلامية من السلطة مغاضبة ، ولم يكن مستغربا عندئذ أن تدبر تحركا عسكريا مضادا لصالحها.
لذلك لم يكن مستبعدا أن تعرف السلطات المصرية حقيقة الوضع الجديد في السودان منذ أيامه الأولي ، وربما ينبع السبب الذي جعلها تواصل تأييدها للنظام أنها لم تكن تعرف مقدار النفوذ الذي تتحلي به الجبهة الإسلامية القومية في مجلس قيادة الثورة والجيش على وجه العموم ، لأن التجارب علمتها أن هناك بعض الأحزاب تستطيع أن تدبر انقلابا ناجحا لكنها لا تستطيع أن تسيطر عليه فيما بعد ، وتجربتها مع ثورة يوليو خير شاهد على ذلك ، حيث بدأت واضحا منذ البدء مدى نفوذ الأخوان المسلمين لدى ثوار يوليو ، وعلى وجه الخصوص الرئيس محمد نجيب ، إلا أنه لم تكد تمضي بضع سنوات حتي تلقت حركة تلقت حركة الإخوان المسلمون أكبر ضربة لها من ثوار يوليو ، وحتي اختيار الرئيس السادات بعد موت عبدالناصر تم من خلال توازن قوى بين رجال  عبدالناصر الأقوياء إلا أنه سرعان ما أطاح بهم بعد أقل من عام في 15 مايو 1971م ، وتجربة الرئيس نميري كذلك مع الحزب الشيوعي السوداني .
وفيما يبدو لكل هذه الحقائق اختارت مصر أن تتعامل مع الوضع الجديد كما هو ، أضف إلي ذلك أنها ربما لم تكن تتوجس اصلا خيفة من خطورة التغيير في السودان وذلك لسبب بسيط هو حالة الضعف الشديد الذي اعتراه في الفترة  الأخيرة ، بداية من الجفاف والتصحر الذي ضرب أجزاء واسعة من أقاليمه وأهدر ثروته الحيوانية وشرد الملايين من سكانه ، بالإضافة إلى عدم الإستقرار السياسى المتمثل في الثورات والإنقلابات والاضرابات ، حيث مر علي حكم السودان في سنوات قليلة عدة حكومات بداية من حكومة نميري المنهارة أمام ثورة شعبية في إبريل 1985م ، ثم حكومة إنتقالية لعام واحد ، ثم حكومة ديمقراطية منتخبة أئتلفت وانفضت لأربع مرات ، بالإضافة إلي حركات التمرد الواسعة في جنوب السودان ودارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق والإضرابات والإحتجاجات العمالية والنقابية ، لذلك كان من المستبعد أن يشكل السودان في مثل هذه الظروف تهديد محتملا للقطر المصري ، الذي رتب أوضاعه الإقتصادية والعسكرية والأمنية وتحالفاته الخارجية في أعقاب إتفاقية كامب ديفيد 1978م.
والكتابات المصرية في تلك الحقبة تعكس بوضوح حقيقة ضعف السودان حيث ذكر(27) الدكتور عبدالملك عودة في أوائل التسعينيات في أحدي مقالاته أن السودان ينحدر بشدة نحو الإنقسام وانهيار الدولة ، وأنه يمكن حل مشكلة حلايب العالقة بين البلدين عن طريق مقايضة السودان ، وهو أن يمنح مايشاء من منطقة حلايب وجبل علبة وتعوض مصر بامداد حدودها الجنوبية علي ضفتي نهر النيل حتي الجندل الثالث عند  مروي وكريمة ، وبهذا لايكون هناك غالب او مغلوب ، إذ تتوحد منطقتا النوبة المصرية والسودانية كجزء من الدولة المصرية ، ويمارس السودان سلطاته في مناطق القبائل علي ساحل البحر الأحمر ، وله في ذلك خبرات تفتقدها مصر التي تمارس الحكم والسلطة تاريخيا في مناطق الإستقرار الحضري علي ضفاف النهر ، وهذا الأمر ربما يساهم في إستقرار السودان.
ويمكن إفتراض أن مثل هذا التوجه لم ينبع من فراغ أو نتيجة لنزوة سياسية، وإنما نشأ لأسباب منطقية على راسها أن كل الدلائل كانت تشير يومئذ إلي زوال الدولة المركزية في السودان ، وإلا كيف يتم الإفتراض أنه يمكن أن يقبل أن تشمل مقايضة الصحراء الجرداء بضفاف النيل الخصيبة حتي حدود مروي وكريمة ، مدخلا في نطاق هذه المبادلة قبائل أسهمت بعمق في تاريخ السودان القديم والحديث مثل الحلفاويين والمحس والدناقلة والبديرية والشايقية ، والأغرب من ذلك أن منطقة حلايب أصلا يطالب بها السودان دون مقايضة ، ومنطقة جبل علبة منطقة صغيرة لاتكاد تظهر حتي في الخرائط الجغرافية ، وانتزاع هاتين  المنطقتين يكاد لايؤثر علي الخريطة الجغرافية لمصر.
ثم يعيد الدكتور عبدالملك عودة نفس هذا الإقتراح بطريقة أخرى قائلا ( ربما يشهد السودان حالة تقسيم سياسي ، وربما نشهد قيام دولتين أو أكثر ، وإن على السياسة  المصرية أن تفكر وتهتم أشد الإهتمام بمصير الإقليم الشمالي ، وسواحل البحر الأحمر في الشرق ).
لذلك كان من المستبعد في تلك الحقبة تصور أن السودان يمكن أن يشكل أي خطورة على أمن مصر .
أما صحيفة الإهرام والصحف والمجلات الأخري عموما فقد تنوعت كتاباتها بعد ذلك حول السودان وكانت لاتخلو من تأييد واضح لحكومة السودان حتى أواخر عام 1989م وأوائل عام 1990م.
ومن ذلك مقالة (28) مطولة للسيد فتحي على يقول فيه ( إن أهم مسألة معلقة بين الحكومة السودانية وحركة التمرد موضوع الشريعة الإسلامية .. والإسلام حسم هذه المسألة منذ نشأته الأولي ( لا أكراه في الدين ) وهو ما نص عليه دستور الجبهة الإسلامية القومية في 1990م في مادتيه الرابعة والعاشرة ، التي تعني بصيانة حقوق الكيانات الدينية غير المسلمة ، والمساواة في الحقوق السياسية والمدنية وحرية الإعتقاد والعبادة واستقلال نظم الأحوال الشخصية ، أما بخصوص المادة 29 التي تنص على أن اللغة العربية  لغة التعليم في كل مراحله يمكن تجميدها بقليل من التفاوض والأرجح أنها وضعت هكذا لأغراض تفاوضية.
ثم زادت بعدئذ فيما بدأ من خلال الصحيفة اهتمامات الكتاب الإسلاميين بالأوضاع في السودان .. وجاء على رأس هؤلاء الكتاب المهتمين الأستاذ فهمى هويدي الكاتب الإسلامي المعروف والمتعاطف مع التيارات الإسلامية عموما في الوطن العربي والإسلامي من خلال عدة كتب ومقالات كلها تدافع عن هذا التيار وأبرزها القرآن والسلطان " وتزييف الوعي " و" المفترون " وغيرها ، حيث ذكر (29) أن تدين أعضاء مجلس قيادة الثورة في السودان يعني في حقيقة الأمر أنهم سودانيون أقحاح ، فالأصل في السوداني مسلما كان أم مسيحيا أن يكون متدينا وصوفيا أيضا ، وأكبر القوى السياسية في السودان خرجت من وعاء التدين وقاعدته ، وبالتالي ماهو شاذ ولافت للنظر حقا أن يكون المرء سودانيا ومقطوع الصلة بالدين وليس العكس .
ومن ناحية ثانية صارت تلك الشائعات التي تتحدث عن إرتباط وثيق بين النظام الوليد والجبهة الإسلامية أكبر دعاية للأخيرة لأن أصحابها ضموا كل متدين لعضويتها واعتبروا عن غير حق أن الإسلام هو الجبهة.
ثم إستمر السيد فهمي هويدي ذاكرا أنه لما يعجب له ويثير الدهشة حقا في هذه الظروف أن يخرج مجلس قيادة الثورة قرارا يلغي فيه المحاكم العسكرية الإستثنائية ، بحيث لن يحكم في البلاد سوى القضاء المدني ، وبسبب هذا الإلغاء ستنعقد محاكمة مجددة للسيد ادريس البنا نائب رئيس مجلس رأس الدولة السابق بعد أن كان القضاء العسكري قد حكم عليه بالسجن لاربعين عاما).
وبدأ واضحا في الفقرة لأخيرة أن الأستاذ فهمي هويدي يغمز الجانب الرسمى المصري لإعتماده في مرحلة ما على المحاكم العسكرية الإستثنائية ثم أعادة تنشيط قانونها فيما بعد .
وفي مقال آخر (30)  للأستاذ فهمي هويدي بعد أن ذهب إلي الخرطوم والتقي الرئيس البشير وأجري حوارا مطولا معه سأله فيه بحسب الصحيفة عن الديمقراطية والإيمان بها؟ والمعتقلين السياسيين والشريعة الإسلامية ؟ حيث أجابه البشير بخصوص الشريعة أن الجدل الدائر حولها مبالغ فيه ومفتعل والذين حثونا علي التراجع عن موضوع الشريعة  قلنا لهم بصراحة أن البلاد كانت فيها حكومة إنتقالية وحكومة أخري منتخبة أي منهما لم تقم بهذه الخطوة رغم أن رئيس الحكومة المنتخبة وعد بالغائها ولم يستطع ، فلماذا نطالب نحن بهذه الخطوة.
ومن أجل معالجة هذا الموقف عقدنا مؤتمرا للحوار الوطني من أجل قضايا السلام ، حيث إتفق الجميع على ضرورة احترام مختلف الديانات والمعتقدات السائدة في البلاد واقروا أنه من حق الأغلبية المسلمة أن تتبع تشريعات دينها في مجالات الحياة المختلفة دون غمض لحقوق الآخرين أو الإضرار بها ، كما أنهم قرروا من حق أي ولاية أن يستثني نفسها من المواد التشريعية ذات الصبغة الدينية.
ثم حدثت خطوة أخرى في العلاقات السودانية المصرية تشير إلى وجود مشكلة ما في العلاقات بين البلدين بحيث عدها المراقبون الأكثر تأثيرا ودلالة في تلك الحقبة والمتمثلة في أعلان تكوين التجمع الوطنى الديمقراطي في القاهرة في 21 اكتوبر 1989م ، أي بعد حوالي ثلاثة اشهر من قيام الإنقلاب ، ربما في خطوة تعكس تأكد القاهرة التام من سيطرة الجبهة الإسلامية القومية بالكامل على الأوضاع في السودان ، لذلك سمحت بإنشاء مثل ذلك الكيان واختيار يوم 21 اكتوبر تحديدا للإعلان عن تكوينه لأنه يصادف ذكرى ثورة شعبية أطاحت بحكومة عسكرية في السودان في 1964م. وربما يذكر البعض أن الاعلان عن إنشاء التجمع الوطني الديمقراطى حدث نتيجة لتطورات داخل السودان تمثلت في الحكم الديكتاتوري الذي ازاح الديمقراطية في السودان وأتي بحزب عقائدي منفردا للسلطة ولا علاقة لمصر بهذا الأمر ، إلا أن مثل هذا الأمر يبدو مستبعدا لأن الديكتاتوريات توجد في مناطق كثيرة في الوطن العربي مثل ليبيا وسوريا والعراق ، وجميعها لاتوجد لديها أحزاب معارضة تنطلق اعلاميا علي الأقل من مصر ، إلا أنه ربما كانت الخصوصيات السياسية بين مصر والسودان أكثف من سواها لذلك سمح في هذا الإطار بمثل هذه الخطوة ، كما أن الأحزاب التي شكلت التجمع المعارض ذات تاريخ عريق في الحكم وفي علاقاتها مع مصر.
إلا أننا يمكننا القول ومن خلال ما بدأ في أجهزة الإعلام المصري بعد انقضاء الأشهر الأولي لثورة الإنقاذ الوطني أن مصر لم تكن راضية عن الإرتباط العميق بين النظام السوداني وحزب الجبهة الإسلامية القومية ، إلا أنها فيما يبدو لم ترد أن تثير مثل هذه القضية ، وذلك لعد اسباب لعل من أهمها أن النظام الجديد بدأ كترياق مضاد لعوامل الإنقسام في السودان وزوال الدولة المركزية ، أضف إلي ذلك أن عوامل الإستمرارية لهذا النظام في ظل وجود تحديات كثيرة كان مشكوكا فيه ، كما أن اتجاه النظام لفرض هيبة الدولة خصوصا في جنوب السودان كان عامل تهدئة اخري ، لذلك لم تكن توجد إشارات مع بداية عام 1990 في صحيفة الإهرام عن حدوث تطور اقتصادي أو تبادل تجاري بين البلدين أو الشروع في بروتكول ينظم تبادل السلع بين البلدين أو حتي مساعدات مصرية للسودان ، وهذا لايعني أن مثل هذه الأشياء غير موجودة بقدر مايعني عدم وجود إنعكاس لها في صحيفة الإهرام ، وأن بدأ ذلك  احتمالا بعيدا لأن الصحيفة علي وجه العموم تهتم في كثير من الأحيان بالأنشطة الحكومية السياسية والإقتصادية .
وعلى العكس من ذلك نجد أن اهتمامها منصب ( الصحيفة ) على وجه التحديد في تلك الفترة علي التطورات العسكرية في جنوب السودان وذلك ربما يأتي من رغبة الإستراتيجيين المصريين والسلطة السياسية في مصر على وجه العموم أن يروا السودان كبلد متحد ومجموعة دول حوض النيل كذلك ، وذلك لسبب بسيط هو أن إنقسام السودان ودخوله  في حالة فوضي  سيؤثر بالتأكيد على الأوضاع في المنطقة، أضف إلي ذلك أن الأوضاع القانونية لتوزيع حصص مياه النيل قد استقرت منذ الخمسينيات على وضع ثابت متفق عليه مع كثير من دول حوض النيل وأصبحت ذا طابع دولي ، وصار مثل هذا الإستقرار من ثوابت السياسة المصرية التى ترى أن دخول دولة جديدة لمجموعة دول حوض النيل قد يخل بهذه  التركيبة ، كما أن لمصر مشاريع مائية عديدة خصوصا مع السودان مثل مشروع قناة جونقلي ، ومشروع قناة مشار ، وكلها مشاريع متفق عليها مع حكومة السودان ، إلا أنها تقع في جنوب السودان وبالتالي المحافظة علي السودان الموحد تعنى المحافظة علي الصيغة القانونية لهذه الإتفاقيات.
وسوف نرى أن صحيفة الإهرام أبدت باستمرار تأييدا للحكومة المركزية مهما كانت نوعية الحركات الإنفصالية ، خصوصا في السنوات الأخيرة التي تفاقم فيها التمرد بجنوب السودان ، وقد أبرزت كل ذلك على صفحاتها ، وأرجعت فيما بعد سبب سقوط الصادق المهدي إلي هذه القضية تحديدا ، بل إنها ذهبت أبعد من ذلك عندما نشرت ( 31) وجهة نظر يؤيد فيها صاحبها قيام قوات دفاع شعبي بالسودان ، ويرجع سبب هذه الخطوة إلي سعي الحكومة لتحقيق نجاحات عسكرية في جنوب السودان لدعم موقفها التفاوضى مع المتمردين ( من أجل تحقيق مثل هذا الهدف فإنها خططت لزيادة قوتها العسكرية بإنشاء هذه القوات ) ، وذكرت ايضا أن الرئيس السوداني قدم إلي مصر خصيصا لهذا الغرض وهو إنشاء الدفاع الشعبي ، بيد أنها لم توضح إذا كان طلبه بغرض الدعم العسكري أم بغرض التفهم السياسي المصري لضرورة هذه الخطوة .
وعموما يمكن القول  أن متابعة صحيفة الإهرام للفترة التي سبقت غزو العراق للكويت في أغسطس1990 اتسمت بالحيادية مقارنة بالحماس الأول للإنقلاب ، وغلب عليها طابع المهنية الإعلامية ، وأنباء الحرب في جنوب السودان ، وكانت أبرز الأخبار عن السودان يومئذ كالآتي :
-    حل المحاكم العسكرية بالسودان والعودة للقضاء المدني (32).
-    كيف يتنفس الجنوب والسودان هواء الحرب الفاسد (33)
-    قائد الجيش التشادي يعالج بباريس لإصابته في معارك بالسودان (34).
-    سفارة السودان تنفي مواصلة ترحيل الفلاشا لإسرائيل (35)
-    في أول تقرير رسمي الخرطوم تعلن مصرع نحو 300 ألف مدني وعسكري خلال سنوات الحرب بالجنوب (36)
-    صراع عنيف داخل حركة التمرد بجنوب السودان (37)
-    البشير الثورة لن تفرط في شبر من السودان والجنوب لن ينفصل (38)
-    قلق أمريكي بعد انهيار وقف إطلاق النار بالسودان (39).
-    قصف سوداني لمواقع المتمردين في أوغندا (40).
-    انتصار كبير لجيش السودان علي المتمردين (41)
-    القليبي يحذر من إستمرار تفجر مشكلة جنوب السودان (42)
-    تنفيذ حكم الإعدام في 28 ضابطا شاركوا في محاولة إنقلاب (43)
-    ضبط أسلحة إسرائيلية مع المتمردين في الجنوب (44).
-    مصرع 200 متمرد بجنوب السودان (45).
ويلاحظ في عناوين الأنباء التي جاءت في الصحيفة مقارنة بالعناوين التي وردت في السابق عند بداية الإنقلاب أن الأخيرة تخلو تماما من الأنباء الإقتصادية مثل سابقتها ، كما تخلو أيضا من أنباء حول تقديم مساعدات أيا كان نوعها للسودان ، فعلي سبيل المثال ورد في السابق عناوين حول عزم حكومة الثورة علي النهوض بالإقتصاد ، ووجود رغبة في التخلص من الشركات الخاسرة وغيرها من عناوين ، كما تمت الإشارة إلي تقديم مساعدات كويتية وسعودية ومصرية إلي حكومة السودان ، بيد أن كل ذلك تلاشي في العناوين الأخيرة ، وهذا الأمر ربما يعنى أن السودان تمكن جزئيا من تجاوز أزمته الإقتصادية ، وهذا أمر مستبعد لأن فترة الثلاث أشهر غير كافية لمثل هذا الغرض ، أو يعني أن هناك بعض التعقيدات في العلاقات المشتركة دفع بأحد الأطراف لإلتزام الحيادية والحذر من الطرف الآخر ، أو أن الإقتصاد شهد سكونا غامضا صعبت فيه الرؤية للأطراف الخارجية ، أو أن السودان ممثلا في حكومته امتنع عن استلام مساعدات بغرض الإعتماد على الذات.
ويمكن تلخيص العلاقات المشتركة حتي غزو العراق للكويت بأنها مرت بطورين رئيسيين : الطور الأول تميز بالتأييد للحكومة الجديدة في السودان ، والتعريف بها على نطاق الدول العربية والدول الأخري ، ومسايرتها إعلاميا وسياسيا وإقتصاديا مع العلم بوجود دور ما للجبهة الإسلامية القومية في التغيير الجديد ، إلا أنها فيما يبدو لم تكن تعرف أبعاد هذا الدور وعمقه الحقيقي وامتدادات نفوذه ، وبعد إدراكها هذا الدور دخلت العلاقات المشتركة في طور آخر تميز بالترقب والحياد والحذر، مع وجود نازعين مختلفين تجاه الحكومة الجديدة ، تمثل الأول في الحذر من وجود تنسيق بين حركة الإخوان المسلمون في مصر التيار المعارض الرئيسي للحكومة المصرية مع الحكومة الجديدة في الخرطوم ، وتمثل الثاني في تاييد السلطة الجديدة لأنها فرضت سيادة الدولة وعملت على حسم التمرد وهذا أمر له تفضيل عند الحكومة المصرية ، وأخيرا يبدو أن السلطات المصرية قد انحازت إلي الخيار الثاني والذي ربما يكون قد شجع عليه أكثر في تلك الفترة ضعف السلطة المركزية في السودان وعدم استقرارها ، والتحديات الكبيرة التي تواجهها مثل الحرب في جنوب السودان ، والإنفلات الأمني في دارفور والتدهور الإقتصادي وهجرة الكفاءات العلمية وغيرها:
بيد أن غزو العراق للكويت في أغسطس 1990 وضع المنطقة كلها في مرحلة جديدة اختلطت فيها العلاقات الإقليمية مع الأوضاع الداخلية .
وقد شكل هذا الغزو علامة فارقة في العلاقات بين البلدين ، أضف إلي ذلك أن الخلاف لم يعد متعلقا بين بلدين متجاورين بقدر ما أصبح خلافا إقليميا واسعا من الصعب أن يحل في إطار ثنائي ، فالمعسكر الأول يضم مصر ، ودول الخليج الست ، وسوريا ، والمغرب ، كان يري(46) أن العراق أخطأ بغزوه للكويت كما أن تهديد المملكة العربية السعودية باجراء مماثل جعل من حق هاتين الدولتين الدفاع عن نفسيهما بالطريقة التي يودانها ، بغض النظر عن أي تحفظ ، بما في ذلك الإستعانة بقوات أجنبية للدفاع عن بلديهما ، وبالفعل ارسلت مصر والمغرب وسوريا قوات عسكرية للدفاع عن السعودية بالإضافة إلي قوات عسكرية من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا واستراليا وغيرها من الدول .
أما المعسكر الآخر الذي يضم الأردن ، واليمن ، والسودان ، وموريتانيا  ، ومنظمة التحرير الفلسطينية ، فقد كان يري(47) أن مسألة الغزو لدولة عربية مجاورة فيه تجاوز لميثاق جامعة الدول العربية ، وخطأ كبير إلا أن الحل من الأفضل أن يكون عربيا في المقام الأول ، ومحاولة إرجاع الأمور إلي ماقبل 2 أغسطس 1990م ، لذلك عندما صوتت جامعة الدول العربية علي قرار الإستعانة بقوات خارجية تحفظ المعسكر الأخير على القرار بدعوي السماح أولا بمجهودات عربية مما عد هذا التوجه في أجهزة الإعلام المملوكة للمعسكر الأول انحيازا للجانب العراقي .
وبما أن الإستقطاب كان حادا في الدول العربية والحدث يتكرر لأول مرة بصورته الراهنة مع بدء وصول طلائع القوات الأجنبية التي خشي الجميع من عدم خروجها في حالة إستكمال مهمتها، لأن بقاءها في هذه المنطقة الإستراتيجية من العالم يمكنها  من أن تسيطر علي أكثر من نصف الأحتياطي العالمي من البترول ، لذلك خرجت الأمور فيما بدأ عن نطاق المستوى المحلى والعلاقات بين البلدين.
وأخذت أجهزة الإعلام في كلا البلدين تزيد من تدهور العلاقات على أمتداد الوطن العربي ، وشهد التدهور في العلاقات حدا لم يصله منذ العام 1957م عندما رفض رئيس الوزراء السوداني يومها السيد عبدالله خليل قيام استفتاء في منطقة حلايب يقوم به الجانب المصري ، وذهب أبعد من ذلك بإرسال قوات مسلحة إلي تلك المنطقة مما أجبر الجانب المصرى علي العدول عن مشاريعه.
وواصل  الإعلام علي وجه العموم الأزمة إلي منتاها ، حتي أن بعض العاملين فيه بعد عام من الأحداث ذكروا هذا الأمر حيث أكد (48) كاتب سوداني في أحد الصحف المصرية أن بعض صحف المعارضة المصرية ولحاجة في نفسها أو لتحقيق نسبة توزيع أكبر يومئذ لجأت إلي حديث مثل نصب السودان لصواريخ عراقية تجاه السد العالي ، ومن ثم اللعب علي ذيول وخلفيات هذا الخبر الوهمي بطريقة صعدت من مشاعر الرأي العام في البلدين ، بيد أن الكاتب هذا خص صحف المعارضة بتصعيد الموقف إعلاميا كما بدأ بالرغم من أن الإعلام في كلا البلدين ساهم بشكل ما في تصعيد الخلافات .
هذا الموقف السودانى الذي اتخذ تجاه ازمة الخليج على وجه العموم أضاع كل رصيد السودان من علاقات عربية ، وعلى الأخص الدول العربية الغنية ذات العلاقات الدولية المؤثرة ، وتسبب في وقف كافة المساعدات العربية للسودان ، كما أنه سمح للمعارضة الخارجية ممثلة في التجمع الوطني الديمقراطي ، والحركة الشعبية لتحرير السودان بتوسيع نطاق تحركهما علي المستوي  العربي والدولي ، ووضع امكانيات مادية واعلامية هائلة بين أيديهما ، اضف إلي ذلك أن السودان بدأ وكأنه يفتقد مجموعته العربية الإقليمية التي طالما انتمي إليها وانتسب بحيث شكل هذا الإنتماء درعا واقيا ضد الأطماع الخارجية ، سواء أكانت علي نطاق الدول الإفريقية المحيطة به أو على نطاق العالم الخارجي ، وبالتالى أصبح ظهره مكشوفا  الآن للإستهداف ومعرضا للتقسيم أو التغيير الديمغرافي الشامل ، بالإضافة إلي ظهور أحاديث حتي على لسان الرئيس البشير نفسه – بحسب صحيفة الإهرام (49) – بأن المملكة العربية السعودية مدت التمرد بالأسلحة والتمويل ، وهذا تحول عميق في علاقات السودان الخارجية .
وبالرغم من أن الموقف السوداني عشية الغزو العراقي للكويت بدأ منطقيا بضرورة اللجوء للحل العربي أولا إلا أن الغزو أخرج الحل عمليا من أيدي الدول العربية ، ووضعه في يد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها البريطانيين والإستراليين ، واصبحت كل الدول العربية تقريبا متفرجة أكثر  من كونها مشاركة ، ومن هنا كان لابد لأجهزة الإعلام العربية المملوكة للدول العربية من تبرير موقف قادتها ، وإظهار  صدقه ، ومهاجمة المواقف الأخرى بعنف ، لأن المعركة يومئذ لم تكن مجرد اختلاف عابر بقدر ما أصبحت صراعا يهدد حتى مشروعية الحكومات العربية في ذاتها .
وقد إتضح فيما بعد أن الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية قبيل وبعد غزو العراق للكويت كانت نتيجة لتخطيط محكم وفعال وضعته (50) أكبر المراكز الإستراتيجية  في الولايات المتحدة والغرب على وجه العموم للإستيلاء نهائيا على هذا المنطقة الحيوية والمهمة من العالم ، وذلك باستفزاز العراق الخارج لتوه من حرب استمرت ثمانية أعوام أو تزيد دمرت فيها بنيته الإقتصادية بشكل شبه تام ، مع وجود تراكم في القوة العسكرية لا يمكن لها أن تهمد في حالة عدم وجود تعويض إقتصادي مجز للعائدين من ميادين القتال إلا وتحولوا إلي عنصر اضطراب ، ومن هنا وعندما وقع الإستفزاز الكويتي الموجه وجدت القيادة العراقية أن أفضل حل لشغل هذه الطاقة العسكرية والخروج من الأزمة الإقتصادية الإتجاه جنوبا نحو الكويت ، وعندما وقع الغزو وأخذ مئات الآلاف من الجنود الأمريكيين وحلفائهم يتدفقون نحو المنطقة بمئات القطع البحرية والأسلحة الحديثة شعر الجميع أن هناك مصيدة هائلة أطبقت علي الجميع.
وكان العقل الإستراتيجي الأمريكي قد جرب (51) مثل هذه الخطط من قبل وأثبتت نجاحا كبيرا لدرجة ساهمت مساهمة كبيرة في أسقاط الإتحاد السوفيتي عدوه التقليدي دون الدخول معه في مواجهة مباشرة ، وذلك من خلال إستفزازه في المناطق الحساسة على حدوده الجنوبية ذات الأغلبية الإسلامية عن طريق باكستان ودفعه لغزو أفغانستان ، ليرتفع صوت الجهاد المقدس ، ثم الإيحاء لدول الخليج الغنية بدعم الجهاد وإرسال المتطوعين ، ليسقط الإتحاد السوفيتي في آخر المطاف ، بعد أن خسر أكثر من خمس وثلاثين ألف جندي ومليارات الروبلات.
وربما ترجع خسارة موقف الحكومة السودانية من الغزو العراقي في أنها لم تنتبه للمخططات الهائلة التي تحاك في المنطقة وتتصرف بحسب قدرتها الحقيقية وأوضاعها الداخلية ، والتحديات التي تواجهها خصوصا في جنوب السودان واندفعت إلي مواقف مثالية بدأت استفزازا للآخرين ، أضف إلي ذلك أن الإعلام السوداني الداخلي والمظاهرات المناهضة أكدت أو أوحت بالتأييد السوداني للغزو بالرغم من الموقف المعلن بضرورة اللجوء أولا للحل العربي.
والحقيقة أن الأوضاع الداخلية في السودان لم تكن تسمح بأي هامش للخطأ على المستوى الخارجي أو شبهه انحياز لأي طرف لايستطيع أن يسهم في معالجة مشكلة السودان في المستوى الأول ، وذلك لأن السودان يعاني من حرب أهلية طاحنة في جنوبه مع امتدادات شمالية ، كما أن بنيته الإقتصادية منهارة وتحتاج إلي أعادة تأهيل ، وهذا أمر يتطلب أموالا ضخمة ، اضف إلي ذلك أن اقاليم السودان الشمالية أخذت تضعف تدريجيا ، وتخلو سكانيا بفعل الهجرة ، والتناقص الديمغرافي لدرجة أن هذا الأمر هدد بتغيير وجه السودان الذي استمر على حاله منذ قيام دولة سنار في 1505م ، أي دولة تتاخى أقاليمها المختلفة مع وجود غلبة للصوت العربى والإسلامي ، إلا أن انتصار الحركة الشعبية لتحرير السودان في حربها ضد الشمال يعنى في المقام الأول دخول السودان في مرحلة جديدة من تاريخه لايمكن التنبؤ معها بحقيقة التغيير الذي سوف يتم .
وشبهة الأنحياز للعراق تستدعي للذاكرة تطابق الموقف العراقى مع الموقف المصرى في المطالبات بأن الكويت والسودان جزء لايتجزأ من كلا البلدين ، وأن الإستعمار بذر بذور الفتنة في البلد الواحدة وقسمها إلي قسمين ، ولا تزال هناك مجموعات سياسية فاعلة في كلا البلدين تطالب بعودة الأمور إلي طبيعتها الأولي، لذلك في حالة سكوت المجتمع العربي على ضم العراق للكويت يعنى ذلك ضمنيا أن هذا الأمر يمكن أن يتكرر في حالة مصر والسودان .
والذي أضاف غرابة للموقف السوداني أن العراق تتناهض ايديولوجيته الحاكمة مع ايديولوجيا السودان الاصولية، وسبق للعراق أن حامت حوله التهمة في الإسهام بمحاولة إنقلاب في السودان كادت أن تطيح بالحكومة القائمة ، ونتج عنها إعدام ثمانية وعشرين ضابطا يشتبه في إنتمائهم إلي حزب البعث العربي الإشتراكي جناح   العراق في 1990م.
إذا  فيما يبدو أن الموقف السوداني ربما ينبع من واقع داخلي أو من مواقف تاريخية أو ايديولوجية معينة حالت دون أن يرفض السودان ومكوناته الداخلية غزو الكويت بوضوح أشد ، وأغلب الظن أن هذا الموقف متعلق بايديولوجيته الأصولية التي تفترض أنها يجب أن تتخذ مواقف نابعة من تفسيراتها الدينية للعلاقات الدولية بغض النظر عن النتائج المترتبة على ذلك ، كما أن النظرة السلبية للغرب علي وجه العموم أسهمت في هذا الأمر ، لأنها ومن خلال تجاربها التاريخية  تعتقد أن الغرب في جميع حركاته وسكناته يغلب مصالحه الذاتية فوق كل ما عداه ، ويتآمر علي الدول الإسلامية، وعلي الحركات الإسلامية على وجه الخصوص ، وتستدل على ذلك من خلال تجاربها القريبة ، خصوصا أبان تحالفها مع الرئيس الاسبق جعفر محمد نميري ، وكيف أن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية ، ممثلا في نائب رئيسه يومئذ جورج بوش ، أوحي إلي الرئيس نميري بضرورة التخلص من حلفائه الإسلاميين حتي تعود العلاقات الإستراتيجية والإقتصادية إلي عهدها السابق ، وإنقاذ نظامه من المخاطر التي تحيط به من حرب أهلية ومجاعات ،وبالفعل استجاب الرئيس نميري لهذا الطلب وزج بقادة الحركة الإسلامية في السجون تمهيدا لإتخاذ إجراء أكبر ضدهم لولا تفجر إنتفاضة داخلية ضده في إبريل 1985م .
وتستدل ايضا من خلال تجاربها في حقبة الديمقراطية الثالثة عندما تبلور تحالف متين بينها وبين حزب الأمة القومي وشكلا تحالفا وثيقا في السلطة بدأ في إنزال تجربة ديمقراطية بمشاركة إسلاميين لأول مرة في الوطن العربي إلا أن التآمر الداخلي والخارجي سرعان ما أطاح بهحا ورمي بها بعيدا عن سدة الحكم  ، لذلك اصبحت مواقفها تجاه الآخر خصوصا دول الغرب تتسم بالشك والريبة ومن هنا عندما رأت الإنزال الغربي العسكري الكثيف في اراضي العربية السعودية والكويت وبقية دول الخليج اتخذت ما إتخذته من مواقف .
ولازالت بعض أفكار الإسلاميين المنشورة (52) ترجح اتخاذ مثل هذا الموقف خوفا علي عروبة العراق وشعبه لا تأييدا للنظام البعثي ، ونقطة الضعف في هذه الرؤية – كما يرى البعث – أن السودان في مقام أولي أن  يخاف عليه أكثر من العراق ، وذلك لأن حجم التهديد علي السودان أكبر مما عداه في فقدان قوميته وعروبته ، فالأوضاع حول العراق قد استقرت بالفعل ، بحيث يمكن لأي دولة مجاورة مثل تركيا أو إيران أن تضم إليها العراق عسكريا دون أن يتغير نمط الحياة السائد في العراق كثيرا ، وقد حدث مثل ذلك الأمر في التاريخ القريب والبعيد دون أن يغير في الأمر شيئا وحتي لو أفترضنا أن الولايات المتحدة قد احتلت العراق ، فإن مثل هذه التجربة مرت بها معظم الدول العربية ، ولم تعدو أن تكون استعماراً جديدا لايغير الواقع الداخلي ، مثلما لم يستطع الإستعمار القديم أن يغير  الأوضاع الداخلية في الدول الإسلامية ، بالرغم من أن فترات احتلال بعض الدول استمرت أكثر من  مائة وثلاثين عاما ، وسيزول هذا الإستعمار بالمقاومة الداخلية ، أو تغير ميزان القوى الدولية التي لاتبقي علي حال أجلا أم عاجلا، أما في حالة السودان فالأمر يختلف لأن انتصار  الحركة الشعبية لتحرير السودان في الحرب سينجم عنه تغيير غير محدد المعالم.
المهم فيما يختص بالعلاقات السودانية المصرية أنها وصلت درجة كبيرة من التدهور ، والذي زاد من نسبة هذا التدهور اكتشاف السلطات المصرية للعلاقات الوثيقة  بين النظام السوداني والجبهة الإسلامية القومية ، ولقد راينا كيف أن مصر صارت اكثر حذرا في تعاملها مع السودان ، إلا أنها لم تقطع إتصالاتها مع الحكومة السودانية ، ربما املا في أن تنجح السلطة الجديدة في توحيد السودان أمنيا ، وتصل إلي معادلة ما مع حزب الجبهة الإسلامية القومية يجعلها أكثر سيطرة علي قراراتها وتوجهاتها الخاصة ، بيد أن اشتعال أزمة الخليج الثانية عجل بتغيير الأوضاع التي كانت في حالة أزمة أصلا .
ومن خلال استعراض أهم ما نشرته صحيفة الإهرام يومئذ يمكن إستكشاف توجهات الإعلام المصري نحو السودان بعد أزمة حرب الخليج :
-    السودان يعلن تأييده للعراق (53).
-    السعودية لن تمنح تأشيرات لدخول السودانيين (54).
-    أنباء عن نقل صواريخ اسكود العراقية إلي السودان (55).
-    المجاعة تهدد الخرطوم بعد نزوح الريفيين إليها باعداد كبيرة (56).
-    المعارضة السودانية تبحث إعلان الحرب العسكرية لإسقاط البشير (57)
-    5 من كبار قادة الجيش السوداني ينضمون إلي المتمردين (58)
-    القائد  العام السابق للجيش السوداني يدعو للإطاحة بنظام البشير(59)
-    سفارة بريطانيا في السودان تنصح جاليتها بمغادرته خشية المجاعة (60).
-    مسئول أمريكي 8 ملايين سوداني عرضة للموت جوعا لعدم تعاون الحكومة(61).
-    المجاعة الصامتة تزحف علي السودان (62)
-    القوات السودانية تلحق بالمتمردين هزيمة في منطقة بانتو(63)
-    السودان تضاعف أسعار الخبز والبنزين (64).
-    البشير يعلن تطبيق الشريعة في شمال السودان (65)
-    دبلوماسي غربي يحذر – السودان سيتعرض لمجاعة رهيبة في الربيع (66)
-    ازمة إقتصادية في السودان بعد توقف البترول الخليجي المجاني (67)
-    حظر التجول يعود للخرطوم (68)
-    الآلاف يموتون من المجاعة في السودان (69)
-    البشير يقيل عضوين بمجلس قيادة الثورة دون تحديد أسباب (70).
-    السودان يجمد 30% من ودائع مواطنيه في البنوك (71)
-    إيران تؤكد مساندتها لتطبيق الشريعة بالسودان (72)
-    انباء عن عرض سوداني بتخزين مواد نووية عراقية (73)
-    دعوة القوي العربية لإنقاذ السودان من نظام القهر والظلام (74)
ويمكن تقسيم الأنباء السابقة إلي ثلاث مجموعات رئيسية : الأولي أنباء صحيحة مثل أخبار المجاعة في السودان ، وربما يرجع السبب الأساسي في ذلك إلي الجفاف الذي ضرب السودان منذ منتصف الثمانينيات ولازالت تداعياته تؤثر علي الأوضاع الإقتصادية بالبلاد ، وكان السودان يتلقي أعانات سنوية إبان حقبة الديمقراطية الثالثة تقدر بأكثر من ثمانمائة مليون دولار أمريكي سنويا من جهات مختلفة ، وقد توقفت معظم هذه المعونة لأسباب مختلفة منها إطاحة النظام السوداني الجديد بحكومة ديمقراطية منتخبة ، أو موقف السودان من حرب الخليج الثانية ، وبالتالي حدث نقص كبير في الإمدادات الغذائية التي كانت المساعدات في معظمها تتجه نحو تأمينها فحدثت المجاعة ، ويلاحظ أنه في تلك الحقبة لم تصاحب أنباء المجاعة أنباء مساعدات خارجية.
أما مجموعة الأنباء الثانية فأنباء مبالغ فيها مثل نقل صواريخ عراقية من طراز اسكود إلي  السودان ، ونصبها باتجاه السد العالي ، أو وجود عرض سوداني بتخزين مواد نووية عراقية ، وذلك لعدة أسباب لعل من أهمها أن التكنلوجيا الأمريكية المتطورة مثل الأقمار الصناعية وطائرات التجسس تستطيع رصد الأراضي العراقية طوال ساعات اليوم وتستطيع أن تعرف عدد القطع العسكرية من صواريخ وغيرها خصوصا تلك التي يتم تحريكها من مكان إلي آخر ، ولايبطل مثل هذه التقنية إلا  تمويه معقد حتى داخل الدولة نفسها ، أضف إلي ذلك أن قطع الاساطيل الأمريكية والغربية في الخليج العربي وخليج العقبة تمنع أي سفينة من الدخول إلي الخروج إلا بعد تفتيش دقيق وإذن من الأمم المتحدة ، هذا بالإضافة إلي أن الوقود النووي يحتاج إلي تكنولوجيا معقدة لحفظه لا تتوفر في السودان .
أما المجموعة الثالثة فهي أنباء جديدة في صحيفة الإهرام مثل المعارضة السودانية تبحث أعلان الحرب العسكرية لإسقاط البشير ، ومثل هذه الأنباء التي تتحدث عن معارضة ترغب في الإطاحة بنظام سوداني عن طريق الحرب لم تكن موجودة في السابق ، وكما رأينا فإن مصر كانت تتجنب حتى توجيه أي دعوة لجون قرنق لزيارة القاهرة تدليلا علي رفضها للاساليب العسكرية في التعامل مع الحكومات القائمة.
وتوجد ملاحظة أخري حول هذه الأنباء هى أن الإعلام المصري رغم الأزمة استمر في تسمية الحركة الشعبية لتحرير السودان بالتمرد ، وواظب على نشر أنباء يمكن أن نطلق عليها انتصارات للجيش السوداني ، مثل القوات السودانية تلحق بالمتمردين هزيمة في منطقة بانتو ( بانتيو ) ، أو 5 من كبار قادة الجيش السوداني ينضمون إلي المتمردين .
أما فيما يختص بمتون الأنباء في الصحيفة فقد أتت مماثلة للعناوين ، وباستعراض جزء من هذه المتون يتضح ذلك المعني ، ومن تلك المقالات مقال يري(75) ( إن الإفراج عن محمد إبراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعى السوداني وفك الإقامة الجبرية عن السيد الصادق المهدي يؤشر لمدى عمق الأزمة السياسية التي يعيشها النظام العسكري ، ويتمثل ذلك في عجزه عن الوصول لحل مشكلة جنوب السودان وتفاغم المجاعة في جنوب وغرب السودان ).
وفي مقال آخر جاء (76) فيه ) أن لجوء الحكومة العسكرية وأنصارها من الجبهة الإسلامية إلي الأعلان عن إحباط محاولات انقلابات عسكرية ومدنية كدليل على تحقيق إنتصارات ويقظة للحكومة العسكرية يعني علي نفس المستوى أن هناك من يرفضون تحالف نظام الحكم والجبهة الإسلامية ).
وأكدت الصحيفة كذلك في المتون على ضرورة احترام سيادة السودان على كامل اراضيه دون تدخل خارجي مهما كانت دعاويه ، ومن ذلك إستنكار الصحيفة(77) لدخول وزير الشئون الإنسانية الفرنسى برنار كونشير إلي جنوب السودان دون إذن من الحكومة السودانية بغرض الإجتماع مع جون جارانج بعد أن أحبط محاولة إنقلاب ضده قادها د. رياك مشار ود. لام أكول ، حيث ذكرت الصحيفة أن هذا العمل غير مفهوم ويتناقض مع مباديء استقلال الدولة وسيادتها على أراضيها ، وأن مصر مهما إختلفت مع نظام الخرطوم فإنها تعتقد أن السودان شماله وجنوبه كيان واحد ، وأنها من منطلق الحرص علي كل شبر من الأراضي السودانية ترفض أية محاولة لفصل الجنوب تحت أي حجة أو ذريعة .
وفي فترة حرب الخليج الثانية وبعدها حدثت تطورات ومؤثرات في الساحة السياسية والعسكرية السودانية أسهمتا إلي حد ما في تخفيف الضغوط العسكرية على حكومة السودان ومنها سقوط نظام منقستو هالي مريام في إثيوبيا وحدوث انشقاق واسع في الحركة الشعبية لتحرير السودان.
وجاء سقوط النظام الإثيوبي متماشيا مع سقوط الأنظمة الشيوعية في تلك الحقبة وعلى رأسها الإتحاد السوفيتي نفسه ، ثم بفضل الحرب الشرسة التي خاضتها اريتريا بمختلف فصائلها منذ العام 1961م وحتي زوال نظام منقستو ، بالإضافة إلي حركات القبائل الجهوية داخل إثيوبيا نفسها سواء كانوا من التجراي أو الأرومو أو الأوغادين.
وقد أسهمت الحكومة السودانية بدورها في هذا التغيير بالسماح لقوى المعارضة الأثيوبية بالإنطلاق من أراضيها ، نكاية في الدعم الإثيوبي للحركة الشعبية لتحرير السودان ، والحقيقة إن إمكانيات السودان الإقتصادية والعسكرية كما رأينا لم تكن تسمح بتقديم أكثر من ذلك ،ومن هنا يمكن القول أن نهاية النظام الإثيوبي جاءت على يد جهات اخرى مثل مخابرات الدول الغربية  وإسرائيل وبمساعدات مؤثرة من الدول العربية خصوصا اليمن وسوريا والعراق قبل حرب الخليج الثانية ، وقد بدأت تلك الحقيقة كأوضح ما يكون عندما وصل إلي السلطة في كل من إثيوبيا وإريتريا بعد الإستقلال قادة مقربون من الدول الغربية .
أضف إلي ذلك أن شرط التغيير الأساسي فيما يبدو كان عدم تمزق إثيوبيا إلي قوميات متصارعة وانهيار شكل الدولة فيها ، وهو أمر كان محتملا في إثيوبيا أكثر من الصومال ، إلا أن مطلب المحافظة علي الدولة الإثيوبية كان مطلباً غربيا في المقام الأول ، والجدير بالملاحظة أن ضمان استمرار الدولة الإثيوبية بشكلها الراهن ظل تحت ضمانة الدول الغربية منذ عهد توسع الإمبراطورية البرتغالية في 1592م .
أما الحدث الآخر فقد كان إنقسام الحركة الشعبية لتحرير السودان على نفسها فى أكبر إنشقاق مؤثر بعد الإنشقاق الأول التي صاحب تأسيسها في 1983م ، وفي كلا الحالتين كان سبب الإنشقاق واحد ، حيث رأت (78) إحدي المجموعتين بقيادة رياك مشار ولام أكول أن مسألة تحرير السودان بأكمله  بحسب رؤية الحركة طموح مبالغ فيه ومن الصعب تحقيقه ، وسيؤدي العمل به إلي أفناء القبائل الجنوبية وخيرة شبابها ، لذلك من الأفضل النضال من أجل إقامة دولة مستقلة في جنوب السودان ، وهو مطلب يمكن تحقيقه بقليل من التضحيات ، أضف إلي ذلك أن الشمال ملّ الحرب أيضا وتوجد قطاعات عديدة داخله مع فصل جنوب السودان مهما كان الثمن المترتب على ذلك .
أما رؤية المجموعة الأولى فيبدو أنها كانت ترى أن تحقيق الإنتصار الكامل على حكومة الخرطوم ممكن .. وذلك من خلال عدة مؤشرات لعل من أبرزها أن الحركة الشعبية استطاعت أن تعقد تحالفا وثيقا مع أحزاب مؤثرة في الشمال مثل الحزب الشيوعي السوداني بمنظماته العديدة ، والحزب الإتحادي الديمقراطي والحزب القومي السوداني بقيادة الأب فيليب عباس غبوش ، وأخيرا حزب الأمة بالإضافة إلي اعداد متزايدة تقدر باثنين مليون من الجنوبيين في الخرطوم ، كما أن تحالفها مع الدول الغربية والإفريقية وإسرائيل متين للغاية ، ثم أخيرا بات السودان معزولا عن محيطه العربي بعد موقفه من حرب الخليج الثانية.
وهناك سبب آخر ايضا يحتم ضرورة القتال تحت شعارات الوحدة وهو أن الدول الإفريقية المجاورة لها مشاكل مشابهة لمشاكل السودان ولاتحبذ اللجوء إلي خيار الإنفصال كي لاتصيبها العدوي , لذلك تقاتل الحركة الشعبية بشعاراتها الوحدوية.
أما الحكومة السودانية فقد استفادت من سقوط النظام الإثيوبي والنتائج المترتبة عليه والمتمثلة في انقسام الحركة الشعبية ، وذلك من خلال فقدان الحركة الشعبية لدعمها السياسي واللوجستي ، ومن خلال الإستيلاء على أسلحة الجيوش الأثيوبية التي فرت بها إلي السودان ، حيث استولت الحكومة السودانية عليها ، وبذلك ضمنت امدادات عسكرية هائلة ظل النظام الإثيوبي السابق يحشدها منذ أكثر من عقد من الزمان ، ثم ما لبثت أن وجهتها نحو الحركة الشعبية بشقيها في عمليات صيف العبور 1992م ، وكان من نتائجها فقدان الحركة الشعبية لكافة مكاسبها العسكرية السابقة وحصارها في شريط ضيق مع الحدود السودانية اليوغندية.
وفي هذه الأثناء تابعت صحيفة الإهرام أخبار التطورات العسكرية في السودان ،ونبهت كالعادة للتدخلات الأجنبية في السودان ، وقد نشرت (79) في ديسمبر 1993 تنديدا بالإجتماع الذي عقد في واشنطن من أجل اعادة توحيد الفصيلين ( قرنق ومشار ) في نفس الشهر ، وذلك تحت أسس الرضاء بحق تقرير المصير – حسب رأي الصحيفة -.
كما بدأ واضحا في تلك الحقبة من خلال الصحيفة رفض السلطة المصرية دعوة جون قرنق للحضور إلي القاهرة ، حيث ورد (80) في أحد ندواتها أن السيد على أبوسن من التجمع الوطنى الديمقراطى أرجع سبب إنعقاد ملتقي التنسيق بين القبائل الجنوبية في واشنطن إلي رفض القاهرة استقبال جون قرنق ، وذكر أنهم في التجمع الوطني الديمقراطي الحوا في السماح لقرنق بزيارة مصر إلا أن رجاءاتهم لم تقبل ، وطلبنا مرة أخري أن يحضر خلال إنعقاد مؤتمر القمة الإفريقية المنعقد في القاهرة ليجري إتصالات ومشاورات مع الزعماء إلا أنهم رفضوا أيضا .
ومن أمثلة عناوين الأنباء التي حملتها صحيفة الإهرام في فترة عمليات صيف العبور 1992م والحقبة التي تلتها ما يلي :-
-    القضاء علي فلول المتمردين بإحدي مناطق كردفان (81).
-    القوات المسلحة السودانية تستعيد  4 مدن من المتمردين (82)
-    استسلام كتيبة من حركة التمرد بجنوب السودان (83)
-    50 ألف طفل تحتجزهم قوات التمرد بالسودان (84)
-    الجيش السوداني يقترب من توريت المقر الرئيسي لحركة التمرد في الجنوب (85)
-    القوات السودانية تستعيد توريت مقر قيادة المتمردين (86)
-    بدء خطة  صيف العبور للقضاءا علي المتمردين بجنوب السودان (87).
-    وثيقة تكشف مذابح جارانج ضد معارضي الحرب بالجنوب (88).
-    مصرع عشرات السودانيين في القتال الدائر بين أجنحة المتمردين (89).
وهكذا تغيرت الصورة في السودان في خلال ثلاثة أعوام عما كانت عليه في السابق ، حيث تراجع تهديد الحركة الشعبية لتحرير السودان بعد أن أنقسمت على نفسها ، وبعد عمليات صيف العبور التي حصرتها في شريط ضيق في اقصي جنوب السودان ، أضف إلي ذلك أن انهيار اثيوبيا وسقوط منقستو هايلا ماريام ، واستقلال اريتريا ووصول أصدقاء للسودان في كل من إثيوبيا وإريتريا خفف من الضغوط العسكرية علي حكومة السودان ، كما أن النظام التشادي المناوئي كذلك للحكومة السودانية سقط أيضا تحت ضربات المعارضة المدعومة من الحكومة السودانية ، وبذلك أمكن عن طريق تنسيق مشترك السيطرة على الإضطرابات في إقليم دارفور .
أما على المستوي الداخلى فقد استطاعت الحكومة السودانية بسط قبضتها الأمنية والعسكرية علي كافة الأوضاع ، وذلك من خلال إبعاد كافة المشكوك في ولائهم سواء كان ذلك في القوات المسلحة أو في الخدمة المدنية ، وإستنفار كوادرها من خارج السودان لقيادة العمل التنفيذي ، وإنشاء أجهزة أمنية متعددة ، وقوات عسكرية موازية للقوات المسلحة يغلب عليها الطابع الإيديولوجي.
وفيما يبدو كذلك أنها حلت أشكالياتها المالية المزمنة بعد توقف الدعم الخارجى عن طريق ثلاثة حلول رئيسية ، الأول من خلال أموال الحركة الإسلامية المستثمرة خارج السودان منذ سبعينيات القرن الماضي ، وكانت الحركة قد درجت على إبتعاث بعض من لديهم خبرات مالية إلى خارج السودان وتزويدهم ببعض الأموال لإستثمارها .
أما الطريقة الثانية فقد كانت عبر جذب أموال المستثمرين العرب ذوي الخلفية الأصولية ، خصوصا من المملكة العربية السعودية ، وكان هؤلاء يرفضون في الأصل إستثمار أموالهم في الغرب للشكوك المتعلقة باستعمالات هذه الأموال في دعم إسرائيل ، والمنظمات الكنسية ، بالإضافة إلي تعاملاتها الربوية، وقد قنعوا آخر الأمر بتواجد  أموالهم في العربية السعودية ، إلا أن إنزال القوات الأمريكية والغربية في المملكة العربية السعودية أثناء حرب الخليج الثانية وبقاءهم هناك بصورة دائمة أغضب هؤلاء الأصوليين ، وصادف أنه في تلك الفترة أن اعلن السودان عن توجهاته الإسلامية وإنفاذ قوانين الشريعة الإسلامية وغيرها من خطوات ، مما أقنع اصحاب الأموال الإسلامية في الخليج العربي بالتوجه نحو السودان.
أما الطريقة الثالثة فقد تمثلت في قيام تحالف ( غير مكتوب ) بين الحكومة السودانية والراسمالية الوطنية غير المسيسة ، قوام هذا التحالف يتمثل في الإصلاح الإقتصادي وخصصه شركات القطاع العام ، وحرية التجارة ، وعدم التراجع عن المنهج الراسمالي ، وبسط هيبة الدولة ، لذلك نجد في هذه الحقبة أن أسماء تجارية كبري عاودت نشاطها بعد توقف إستمر منذ التأمينات الشهيرة التي قادها الرئيس جعفر نميري إبان تحالفه مع الحزب الشيوعي السوداني في أول السبعينيات ، مثل أل النفيدي وآل داود عبداللطيف وأل إبراهيم مالك وأل الشيخ مصطفي الأمين وآل البرير  وغيرهم ، وعلى سبيل المثال نجد أن آل النفيدي قاموا بنقل أنابيب البترول السوداني .
وظلت الحكومة المصرية ترصد كافة التطورات في السودان بعدئذ ، ومما لاشك فيه أنها بدأت الآن أكثر تخوفا  مما يجرى في السودان عن السابق ، كما أن النظام السوداني اعتمد بشكل متزايد على استنفار اتباعه واعلاء الحماس الديني بشعارات تكاد تتطابق مع شعارات الجماعات الإسلامية ( التكفير والهجرة ) في مصر مع وجود تفاعل صوفي حد من لجوئها قليلا إلي العنف في الحالة السودانية ، بيد أن الشعار المرفوع متطابق  ، وبدأ السودان في تلك المرحلة مثل التيارات السياسية التي كانت تنشأ عند أطراف المدن وفي الصحاري والفلوات ، عند أقوام أقل في المدنية متأثرون بالبداوة ومتقشفون  ، عركتهم الحروب الأهلية ، ثم فجأة يتبنون أيديولوجية ما ويدافعون عنها بحماس بالغ ويندفعون للإستيلاء على الدول القريبة ، ويسيرون إلي المدن بحماس طاغ لا يبرد إلا بعد إنشاء امبراطورية جديدة ، تبدأ في إكتساب المدنية والتحضر إلي أن تدخل في مرحلة التفسخ عند الجيل الثالث والرابع كما يقول إبن خلدون.
وبالرغم من  أن عصر الإمبراطوريات قد انتهي مع ميلاد الدولة الحديثة بحدودها المعترف بها من قبل المجتمع الدولي ، إلا أن ذلك لاينفى أن التأثر بالإيديولوجيات يبقي  موجودا خصوصا بين الدول التي تتشابه في النسيج السكاني والثقافي والإجتماعي كما في حالتى مصر والسودان ، أضف إلي ذلك أن فكرة العودة بالدولة مرة أخري للحكم بالإسلام في العصر الحديث أصلا فكرة منبعها الاساسي حركة الأخوان المسلمون التي نشأت أول ما نشأت في مصر منذ ما يزيد علي السبعين عاما ، وبالتالي ترسخت الفكرة لدي الجماهير المصرية بالرغم من الإختلاف مع السلطة الحاكمة ، والدخول معها في مواجهات مستمرة ، كما أن التدهور الإقتصادي والإحباط السياسي جعلا العديدين يؤمنون بأن الخلاص يتمثل في قيام دولة دينية .
ويمكن فهم حقيقة هذا الصراع بين السلطة المصرية والإخوان المسلمون وتأثيرات ذلك علي السودان بصورة أفضل لو تابعناها منذ بداية عهد الرئيس المصري محمد حسني مبارك في اكتوبر 1981م على الأقل ، وهي فترة منقسمة إلي مرحلتين أساسيتين في التعامل مع حركة الإخوان المسلمون .
تميزت الفترة الأولي ( 1981-1987 ) بنهج مماثل لنهج الرئيس السادات في تعامله مع الإخوان المسلمون ، إلا أن السادات منح(90) مساحة واسعة للحركة خصوصا في المجال الإعلامي حيث سمح لهم باعادة إصدار مجلتي الدعوة والإعتصام وغيرها من الدوريات ، مما سمح لها ( الحركة ) بالإنتعاش مجددا بعد فترة كبت عاشتها طوال العهد الناصري ، ويذكر المؤرخون (91) أن السبب الذي جعل الرئيس السادات يتخذ مثل هذه الخطوة رغبته في أن تتصدي الحركة لتيارات القوميين العرب والناصريين الذين خرج عن مناهجهم واتجه اتجاها آخر ، أما السبب الذي دفع بالرئيس مبارك في حقبته الأولي لتجاهل أنشطتهم فربما يتمثل في رغبته أن تتصدي الحركة فكريا لتيارات العنف الديني الخارجة من ثيابها مثل الجماعة الإسلامية والجهاد وغيرهما، وكانت هذه الجماعات قد تكاثرت بشكل كبير في ثمانينيات القرن الماضي ، وتوسعت لدرجة أنها شملت القطر المصرى بأكمله ، وقتلت الرئيس السادات في اكتوبر 1981م ، وحاولت الإستيلاء علي مديرية اسيوط ونفذت مئات من العمليات المسلحة ضد النظام المصري ورموزه المختلفة .
وحينها ارتفعت أصوات حركة الإخوان المسلمون وطالبت بحرية الحركة لتقطع الطريق أمام هذه الحركات المتطرفة لأنها فعلت مافعلت من قتل وإرهاب لعدم وجود جهة إسلامية غير مرتبطة بالسلطة تشرح لها الطريق القويم ، وتدعوهم إلي نبذ العنف والدعوة إلي الله سبحانه وتعالي بالحكمة والموعظة الحسنة ، ومن هنا ربما جاءت حكمة تجاهل حركة الإخوان المسلمون في الحقبة الأولى للرئيس مبارك ، بالرغم من الشكوك العميقة في مسئوليتها عن إخراج هذه الحركات المتطرفة ورغبتها في الوصول إلي الحكم.
أو ربما كان هناك سبب آخر يتمثل في أن السلطة الحاكمة لم ترغب في الدخول في مواجهة شاملة مع جميع التيارات الإسلامية في فترة لم تتبلور فيها فوائد السلام الإقتصادية والسياسية مثل ، أنسحاب إسرائيل من سيناء ، وتوالي الدعم الإقتصادي الغربي للحكومة المصرية وغيرها، أو ربما السببين معا .
ثم كان أن استغلت حركة الإخوان المسلمون هذه الحقبة ، وشاركت بنشاط في الحياة السياسية المصرية ، وقد أدي هذا الأمر إلي إسماع صوتها وأفكارها لأعداد مقدرة من الأجيال الحديثة التي لم تعاصر نشأة الحركة في بدايتها الأولى اثناء الفترة الحزبية التى سبقت ثورة يوليو 1952م .
وتحالفت في إنتخابات 1984م مع حزب الوفد بالرغم من التحفظات على مباديء وأفكار هذا الحزب التي تتكيء على العلمانية ، وذلك لعدم السماح لها بممارسة نشاطها السياسي بصورة مستقلة ، ويعكس هذا الأمر مرونة الحركة الكبيرة في المجال السياسي ، وقد سمح هذا التحالف الجديد بكسب سبعة وخمسين مقعدا في البرلمان المصرى من مجموع أربعمائة خمسة وخمسين مقعدا (92).
وفي انتخابات 1987م تحالف الإخوان مع  حزب العمل المصري بالرغم من توجهاته العربية وحققوا مكاسب أكبر من سابقتها ، حيث نال الأخوان وحدهم 36 مقعدا في البرلمان (93).
وكان لدخول الإخوان المسلمون البرلمان المصري في هاتين الدورتين مكاسب عديدة لعل من أهمها إسماع صوتهم للمسئولين المصريين ، وتدريب كوادر جديدة للحركة لتحمل المسئولية بعد وفاة أعداد كبيرة من الجيل المؤسس سواء كان ذلك داخل السجون الناصرية من أمثال سيد قطب وعبدالقادر عودة أو بواسطة تقادم السنوات مثل المرشد حسن الهضيبي والمرشدعمر التلمساني .
إضافة إلي ذلك أن الحركة استطاعت  في السابق أن تصعد أجيالا قيادية جديدة أبان فترة الهدنة مع السادات خصوصا في الجامعات المصرية من خلال وصولهم لرئاسة الإتحادات الطلابية مثل الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح والدكتور عصام الدين العريان وغيرهم ، وبالتالي سمحت الفترة البرلمانية الأخيرة بتكثيف خبرات هؤلاء الكوادر الصاعدة .
واتجهت بعد ذلك حركة الإخوان المسلمون إلي النقابات والعمل العام واحرزت فيه أيضا نجاحات كبيرة واستطاعت أن تسيطر علي معظم النقابات الفاعلة ، وعلي سبيل المثال كان لها في نقابة الأطباء 20 مقعدا من أصل 25 مقعدا ، وفي نقابة المحامين كان لها 18 مقعدا من أصل 25 مقعدا ، وفي نقاية المعلمين كان لها 16 مقعدا من أصل 25 مقعدا(94).
ويضاف إلي ذلك أن بعض المراقبين ذكروا أن حركة الإخوان المسلمون تستطيع أن تكتسح معظم النقابات الموجودة (95) ،إلا أن الأمر الذي يحول دون ذلك أن هناك بعض النقابات كانت تعتمد بشكل تام على الحكومة في دفع  مرتباتها مثل نقابة المعلمين وغيرها لذلك فضلت الحركة الإبتعاد عن هذه النقابات وعدم تحدى مرشحي الحكومة .
والأهم  من ذلك كله أن بعض الدراسات (96) أشارت إلي أن أكثر من 60% من أعضاء النقابات المهنية دون سن الأربعين صوتوا لصالح التيار الإسلامي، ويعنى ذلك ضمنيا أن الحركة صار رهانها على المستقبل شبه مؤكد، فمن يستطيع أن يجذب الشباب يستطيع أن يكسب المستقبل.
أما السلطة المصرية الحاكمة من جانبها فقد أخذت في معالجة قضايا الإقتصاد المصري بصورة جذرية وقد ساعدها علي ذلك إن الإنفاق لصالح المجهود الحربي الذي أضر بالحكومتين الناصرية والساداتية  رفع عن كاهل حكومة حسني مبارك بفضل إتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل من جهة ، وتوجيه ضربات موجعة للنظام الليبي من جهة أخرى جعلته لايفكر مرة ثانية في الإقدام على أي مغامرة تضر بالأمن القومي المصري ،اما من جهة الجنوب فقد كان النظام السودانى غارقا في حروبه الأهلية ومشاكله الإقتصادية وموجات جفافه التي تظهر صورا مأساوية تصلح للإستعطاف الدولي ومد يد العون والمساعدة.
وكان من تداعيات السلام مع إسرائيل أن قررت الولايات المتحدة تقديم مساعدة اقتصادية لمصر تقدر بثلاث مليارات دولار في العام ، وبذلك صارت مصر ثاني دولة في العالم بعد إسرائيل تلقيا للمعونات الأمريكية ، هذا بالإضافة إلي المعونات الأوربية والكندية والإسترالية واليابانية وغيرها.
أضف إلي ذلك أن اعادة فتح قناة السويس مرة أخري للملاحة بعد توقف استمر منذ حرب حزيران1967م رفد الخزينة المصرية بأكثر من ثلاثة مليارات دولار أخري.
كما أن الجيش المصري أسهم كذلك في النهوض الإقتصادي حيث حول فلسفته (97) إلي اعادة البناء الإقتصادي والإسهام في التنمية ، وتوفير إحتياجات افراده من السلع الاساسية وغيرها بالإضافة إلي المشاركة من خلال مؤسساته الهندسية في تجديد خطوط السكك الحديدية ، وإنشاء الشبكات التلفونية ، والطرق والكباري ، وحفر الآبار في الصحراء ، وتأمين الجبهة الداخلية وحل مشاكل انتاج الخبز.
وشهد القطاع الإقتصادي الصناعي كذلك نهوضا بفضل توفير قطع الغيار والتدريب للعاملين في داخل وخارج مصر ، ودخول شركات عالمية للإستفادة من وفرة الايدي العاملة المصرية ، وحاجة السوق المصري للمواد الإقتصادية الإستهلاكية ، ثم كانت الركيزة الأساسية في دعم الإقتصاد المصري تتمثل في تنشيط السياحة ، حيث قدرت أرباحها في أوائل التسعينيات بأكثر من ثلاثة مليارات دولار .
ومما لاشك فيه أن تحقيق مثل هذه الطفرة الإقتصادية قد شابه كثير من المعاناة، لأن النتائج الإقتصادية لأي إصلاح اقتصادي قد لاتبدو واضحة للعيان خصوصا للطبقات الأقل تعليما في المجتمع وهي اشبه بحالة المخاض التي تسبق الولادة، والدليل على ذلك أن هذه الفترة شهدت تظاهرات حاشدة قام بها العمال في المحلة الكبري وشبرا الخيمة ، وعمال السكك الحديدية ، ومظاهرات الصيادين في بحيرات مصر الشمالية ، وإضراب عمال الحديد والصلب بحلوان 1987م ، وعمال شركة مصر للغزل والنسيج وغيرها (98)، وفيما يبدو أن نجاحات حركة الإخوان المسلمون كانت في هذه الفترة .
أما علي صعيد العلاقات بين الحكومة المصرية وحركة الإخوان المسلمون طوال هذه الفترة فقد اتسمت من قبل السلطة بالتجاهل الحذر والتنديد الأعلامي مع عدم التصادم معها إلا فيما ندر ، وربما اختراقها من الداخل .
بيد أن الصدام سرعان ما وقع كما هو متوقع بين السلطة المصرية وحركة الأخوان المسلمين في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي ، نتيجة للتناقض الحاد بين الإيديولوجية العلمانية والدينية ، وقد اختلفت الآراء في السبب الحقيقي الذي فجر الصراع مجددا ، ويذكر أنصار السلطة (99) أن حركة الإخوان المسلمين بعد دورتين برلمانيتين خاضتهما متحالفة مع أطراف أخري يئست من الإعتراف الرسمي بها، لذلك فكرت في زيادة مساحتها وحركتها السياسية عن طريق اساليب أخري منها مناوئة السلطة ومعارضتها بطريقة اشد من السابق ، وقد زين لها أتباع مثل هذا الطريق قوتها السياسية التي اكتسبتها في النقابات المصرية، أضف إلي ذلك أنها في 1990م رفضت خوض الإنتخابات  البرلمانية تحت دعاوي مختلفة مثل التزوير وغيره ، بالرغم من أرتضائها في السابق أسلوب الإنتخابات القديم ، وهذا ربما يدلل على أنها ترغب في تصعيد مطالبها السياسية وسقف مطامحها كذلك .
وترى بعض الجهات الأخري (100) أن السلطة المصرية بعد أن استكملت أصلاحاتها الإقتصادية وكثيرا من المشكلات السابقة التفتت عندئذ لحركة الأخوان المسلمين وارادت تحجيم قوتها التي زادت بشكل مطرد أقلق الحكومة المصرية ، لذلك انهت الهدنة غير المعلنة مع الحركة وشرعت في تعاملات جديدة معها مثل المراقبات الأمنية اللصيقة ، ومنع الإجتماعات ، والإعتقال التحفظي ، واعادة العمل بقانون المحاكمات العسكرية ، ومصادرة الأموال ،واغلاق الصحف الموالية.
وأخذ الإعلام المصري الحكومي يتهم (101) حركة الإخوان المسلمين بأنها وبقية الحركات المتطرفة مثل جماعة المسلمين ( التكفير والهجرة) والناجين من النار والجهاد في منزلة واحدة ، وأنهم متفقون على عدة نقاط منها ضرورة وحدة العمل الإسلامي ، وأهم أهدافهم أعادة بناء المجتمع الإسلامي ، وإقامة الدولة الإسلامية.
وارتفعت أصوات أخري ( 102) حول  الإضطهاد الذي يمكن أن يحدث للأقباط في حالة وصول الإسلاميين للسلطة ، حيث سيعاملون معاملة الذميين وأهل الكتاب وهي حقوق لاتعطيهم حق المشاركة في السلطة أو التشريع .
ويذكر السيد إبراهيم نافع (103) رئيس تحرير الإهرام وقتها أن الجماعات الإسلامية تريد أن تسوء الأحوال الإقتصادية وينفجر السخط الشعبي علي الحكومة فتنطلق هذه الجماعات منتهزة فرصة  الإضطرابات للإستيلاء علي الحكم بالقوة.
وجاء في الأنباء (104) ايضا أن الغرب ممثلا في استخباراته كان قد نصح الرئيس السادات في أواخر عهده بالتخلص من نفوذ الإسلاميين بمختلف تشكيلاتهم إلا أن استجابته كانت بطيئة إلي أن حدث له ما حدث ، ويمكن بقليل من الإستشفاف معرفة أن هذه النصيحة مقصود بها المستقبل أكبر من كونها ذكريات.
ودافع الإخوان ايضا في هذا الجو المتوتر بضراوة عما يعتبرونه حقا ، وذكروا (105) أن القوة الغربية تخشي أن تنجح الحركة الإسلامية في مصر في ضم صوتها الشعبي إلي قوة الدولة وسلطان الحكم ، وبذلك تتاح الفرصة لظهور صلاح الدين آخر في مصر ، فتتبخر أحلام اليهود في القدس وفلسطين ودولة إسرائيل الكبري من النيل إلي الفرات كما تحطمت من قبل آمال الصليبيين ، ويلاحظ في دفاع الإخوان السابق أنهم تحدثوا عن تحالف بين السلطة والحركة ، ولم يتحدثوا عن تغيير شامل في الأوضاع كما أنهم دغدغوا مشاعر مواطنيهم بحديث عن صلاح الدين والصليبيين والقدس .
ثم ابرز آخرون (106) في ظل هذه المعركة الإعلامية المشتعلة تصريحات الكسندر هيج وزير خارجية الولايات المتحدة في عهد الرئيس ريغان والمستشار السياسي للرئيس جورج بوش الإبن والتي جاء فيها أن المساعدات السخية للنظام المصري تعزز من قدرته على الصمود أمام الخطر الأعظم الذي تمثله الحركة الإسلامية لأن هذا الدعم  الأمريكي سيؤخر أن لم يمنع حدوث ثورة إسلامية في مصر .
وفي ظل هذا الصراع الممتد تحركت الدولة المصرية في أوائل التسعينيات لمواجهة  الإخوان المسلمين باساليب اشد صرامة ، ففي مجال الإعلام مثلا نصت (107) القوانين الجديدة علي إلغاء العمل بالتوكيل الخاص بإصدار صحف أو مجلات في حالة وفاة صاحب التوكيل الاصلي ، وبذلك تمكنت من منع كافة الصحف والمجلات التي كانت تؤيد الإسلاميين وتصدر بين الحين والآخر بأسماء لصحف ومجلات قديمة .
وفي مجال النقابات أصدرت قوانين جديدة لتحجيم نفوذ الإسلاميين ، منها ضرورة إكمال النصاب القانوني في أي نقابة تود إجراء إنتخابات ، وفي حالة عدم إكتمال النصاب تسلم النقابة ممتلكاتها إلي جهة قضائية لحين اعلان موعد انتخابات جديد ، والذي يحدث في الغالب أنه لايعلن لسنوات عن إنتخابات جديدة ، أي أن الأوضاع تتجمد داخلها، بينما كان القانون السابق ينص في حالة عدم إكتمال النصاب تحديد ميعاد آخر في ظرف اسبوع على الأكثر ثم تجرى الإنتخابات بأي نسبة حضور ، وتصبح إنتخابات قانونية.
وفي العام 1995م أعيد العمل بقانون المحاكم العسكرية استنادا إلي نصوص صدرت في الحقبة الناصرية (108) ، وقد نكأ العمل بهذا القانون جراحات قديمة لقادة الإخوان المسلمين ، وكان قد توقف العمل بهذا القانون بعيد حرب رمضان 1973م.
ومن جهة أخري تواصلت أعمال العنف المتبادل بين السلطة المصرية والجماعات المتطرفة حيث شهدت تصعيدا متتاليا راح ضحيته المئات ، وكان من أبرز من قتلوا في هذه الحقبة  رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب المصري في 1990 وفرج فودة 1992م ، وحدوث محاولات لإغتيال وزير الإعلام المصري السيد صفوت الشريف  ورئيس مجلس الوزراء السيد عاطف صدقي والداخلية ذكي بدر والكاتب نيجب محفوظ .
وفي هذه الأثناء لم تستثن السلطة المصرية منتسبي حركة  الإخوان المسلمين عن غيرهم من جماعات العنف الديني ، وزجت بالجميع في السجون ، وقد قدرت (109) المنظمة المصرية لحقوق الإنسان اعداد المعتقلين السياسيين في السجون المصرية في النصف الأول من التسعينيات مابين 55 ألف و60 ألف معتقل.
هذا هو على وجه التقريب الواقع السياسي المصري وتأثيراته المختلفة غداة تمكن الحكومة السودانية من حل مشاكلها مع إثيوبيا وتشاد بوجود حكومات صديقة في هذين البلدين ، كما أنها الفترة التي صادفت أكبر حملة عسكرية حكومية في جنوب السودان في صيف 1992م ، والتي نتج عنها دحر الحركة الشعبية لتحرير السودان إلا من شريط ضيق علي الحدود السودانية اليوغندية.
وصادف كذلك بداية تعافي الحكومة السودانية من آثار المجاعة المتفشية نتيجة لخريف جيد في 1992م، والإعتماد علي مصادر تمويل جديدة لتسيير شؤون السلطة المختلفة ، أضف إلي ذلك أن السودان شهد مؤتمرا أمميا  جديدا هو المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي ، وتنبع فكرته الاساسية من جعل الحراك السياسي الداعي لوحدة الامة الإسلامية حراكا شعبيا ، بمعني عدم الإعتماد علي الحكومات في مناهضة التحديات الخارجية ، والإعتماد علي فعاليات المجتمع المدني بمنظماته المختلفة وأحزابه ، وربما أن معظم الكتل والمجموعات الحزبية خارج السلطة كانت ذات اتجهات إسلامية فقد عد هذا المؤتمر بمثابة  مؤتمر للمعارضات الإسلامية في العالم العربي علي وجه الخصوص ، بالرغم من وجود جماعات قومية ومسيحية ويسارية ، إلا أن الطابع العام وشعارات الدولة السودانية يومئذ كانت تشير إلي هذا الإتجاه .
أضف إلي ذلك أن هذه الفترة شهدت اضطرابا متواصلا سواء كان ذلك بفعل حرب الخليج الثانية ، ووجود قوات امريكية مكثفة في الخليج العربي ، أو من خلال تنامي التيارات الإسلامية ، ووجود صعوبات إقتصادية معقدة ، وزيادةحجم القوي العاطلة عن العمل ، وفشل عمليات التحديث عموما في الوطن العربي ، بالإضافة إلي مشكلة فلسطين وكبت الحريات وغيرها ، لذلك عد قيام المؤتمر العربي الشعبي والإسلامي بمثابة تهديد محتمل لعدد من الدول العربية وعلي رأسها جمهورية مصر العربية والتي كانت حركة الإخوان المسلمين المعارضة لها تحظي بدور مهم في فترة انعقاد المؤتمر وغالبا ما يخصص مقعد في المقصورة الرئيسية لممثلها.
ومن أسباب توتر العلاقات السودانية المصرية أيضا في تلك الفترة تنامي العلاقات السودانية الإيرانية حيث اعتبرت السلطات المصرية أن مثل هذا الأمر قد يشكل خطرا محتملا علي أمنها القومي ، فكلا الدولتين ( السودان وإيران ) ترفعان شعارات سياسية إسلامية.
وفي السنوات الأولي لتطور العلاقات السودانية الإيرانية ، بدأ المصريون في مراقبة تطورها لتحديد ما إذ كانت هذه العلاقات طبيعية أم علاقات استراتيجية لها أبعاد أخري ، وفيما يبدو من مقالات في صحيفة الأهرام أن المصريين اعتبروها علاقات املتها الحاجة المشتركة بين كل من الدولتين لان كليهما يعاني من عزلة دولية خانقة ، وفي ذلك يقول السيد رئيس تحرير الإهرام (110) ( إن تطور العلاقات السودانية الإيرانية أملته احتياجات إقتصادية وحاجات عسكرية لمواجهة جون قرنق ، وإيران تريد من خلال هذه العلاقة الضغط علي الولايات المتحدة ودول الخليج لإدخالها في ترتيبات الأمن في منطقة الخليج ، لأنها من خلال وجودها في  السودان  تصبح مطلة علي الخليج العربي والبحر الأحمر ) ويذكر كاتب آخر هو أحمد نافع ( 111) ( إن الوجود الإيراني بالسودان يفتح لها أكثر من مجال للإنطلاق في إفريقيا التي أصبحت هدفا مشتركا للقوي الإستثمارية العالمية لوفرة مواردها وسعة حجم استهلاكها).
بيد أن هذه النظرة التي تعد وجود إيران في المنطقة لدوافع اقتصادية سرعان ما تغيرت وربما يعود ذلك لعدة أسباب ، منها أن عمليات صيف العبور في السودان وانهيار النظام الإثيوبي والتشادي ربما عد في جمهورية مصر أنه تم من خلال ايدي إيرانية ، أو إن القوي الدولية حذرت مصر من تنامي الوجود الإيراني في حدودها الجنوبية  ، أو أن المؤتمر الشعبي  العربي والإسلامي جعل الشكوك المصرية تتزايد حول السودان وعلاقته الخارجية، أو أن السودان بالفعل سعي لدعم المعارضة المصرية ، أو أن كتابات إبراهيم نافع وبعض الكتاب الذين تحدثوا عن الأبعاد الإقتصادية في العلاقات السودانيةالمصرية كانوا يعبرون عن أفكار خاصة لا تمثل الرؤية الرسمية للمخططين السياسيين المصريين ، والنقطة الأخيرة تتعلق بالبحث في صورته الشاملة حيث أنه ليس من الضروري أن كل ما يتم نشره في الإهرام يعني ذلك رؤية الدولة الرسمية .
وأول الإشارات لعلاقة السودان وإيران بالجماعات المتطرفة وردت(112) في صحيفة الأهرام في أواخر 1992 ، حيث ذكرت الصحيفة نقلا عن صحيفة جزائرية أن هناك فريقا ايرانيا في الخرطوم لإقامة إذاعة للمتطرفين – الجبهة  الإسلامية للإنقاذ – وفي الأسبوع الثاني ذكرت أيضا أن وكيل الخارجية الإيرانية المعروف بإرتباطه بالإرهاب يمد زيارته للسودان .
ويمكن أختيار عدة عناوين رئيسية للتدويل علي رؤية صحيفة الإهرام فيما يختص بالعلاقات السودانية الإيرانية وذلك في الفترة الممتدة من أكتوبر 1992م وحتي 1994م .
-    شبكة تلفزيونية المانية – 3 آلاف جندي إيراني يشتركون في قتال متمردي السودان (113).
-    وزير الخارجية السودانية الاسبق – تنسيق بين البلدين لإنشاء إمبراطورية عاصمتها طهران ( منصور خالد ) (114).
-    الموت والمجاعة والخراب مواليد حكم الترابي الثمن الباهظ للحصول علي التاييد الإيراني (115) .
-    ندوة دولية في باريس – إيران تصدر الإرهاب إلي الدول العربية عن طريق الجبهة الإسلامية الحاكمة في السودان (116).
-    واشنط تقرر إضافة السودان إلي قائمة الدول المؤيدة للأرهاب (117).
-    إيران أكثر الدول رعاية للإرهاب تزيد إرتباطها بالسودان (118).
-    المعارض السودانية تدين انعقاد مؤتمر المتطرفين بالخرطوم (119)
-    صحيفة أمريكية إيران تريد تحول السودان إلي قاعدة خارجية لنشاطها (120)
-    السودان يدرب أجيالا جديدة من الإرهابيين (121).
-    مسئول أمريكي لدينا أدلة علي دعم السودان للجماعات الإرهابية (112).
ويلاحظ في في هذه العناوين بالرغم من خطورة محتواها والنتائج التي يمكن أن تترتب عليها أن مصادرها ضعيفة مثل شبكة تلفزيونية أو صحيفة أمريكية أو المعارضة السودانية ( من الطبيعي أن تبالغ أي معارضة مسلحة لكسب المعركة الإعلامية ) وكلها غير معززة بدليل حاسم بيد أن نشرها في الصحيفة ربما يدلل على تخوف ما من العلاقات السودانية الإيرانية أكثر من أن يعبر عن واقع حقيقى له أدلته الملموسة .
أما في متون الأخبار في الصحيفة  فقد أوردت (123) في هذه الفترة تقرير معهد الدراسات السياسية والإستراتيجية في لندن حول إيران والسودان ، جاء فيه ( أن إيران لها أطماع في الدول العربية وتحتل الجزر الإماراتية ، وتسعى للتسلح بمبالغ طائلة ، وتود الحصول على تكنولوجيا نووية ، وتوجهات السياسة الخارجية الإيرانية نحو تأييد الحركات الاصولية في كل من مصر وتونس والجزائر واضح ، واستغلال الجبهة الإسلاميةالقومية لتحويلها لقاعدة إنطلاق لنشر التطرف في كل من مصر وتونس والجزائر ، أما السودان فإن زعيمه الترابي لاينفي عن نفسه ولابده تهمه الطموح لنشر رياح التطرف الإسلامي في الدول المجاورة ).
وفيما يبدو أن العلاقات السودانية الإيرانية المتنامية والشكوك الدائرة حولها لم تكن قضية علاقات بين دولتين بقدر ما  كانت صراعات دوليا ولد في منطقة أخرى هى منطقة الخليج العربي وذلك لعدة اعتبارات أهمها البترول الذي يقدر بأكثر من 60%  في هذه المنطقة من العالم ، حيث وجد السودان نفسه مقحما في هذا الأمر أو أقحم نفسه نتيجة لعدة أسباب لعل من أبرزها حاجة السودان الإقتصادية خصوصا لسلعة البترول بعد أن توقفت الإمدادات العربية ،  وتوافق ايديولوجيته السياسية جزئيا مع الرؤية الإيرانية .
وقد وجدت القوى العظمي في هذه العلاقات الجديدة سببا يمكن من خلاله تأزيم العلاقات العربية العربية ، وأجبار بعض الدول تحت ضغوط الخوف   شراء أسلحة وإجراء تنسيق أمنى مشترك وإجبارها على غض الطرف مثلا عن الحصار الأمريكي علي العراق ، أو تأييد خطوات السلام الإسرائيلي العربي ، أو الوجود الأمريكي في دول الخليج بعد انتهاء الحرب بانسحاب العراق من الكويت وموافقته علي كافة شروط الأمم المتحدة .
أضف إلي ذلك أن العلاقات المصرية الإيرانية كانت مقطوعة أصلا منذ أكثر من عقد من الزمان ، عندما كانت هناك حكومة سودانية متفقة في كثير من النقاط مع النظام المصري بما في ذلك السلام مع إسرائيل .
ومن المعروف أن إيران ومصر لم يلتقيا في تاريخهما القريب وظلا على خلافاتهما منذ أكثر من خمسين عاما ، فحينما كان النظام المصري معاديا لإسرائيل داخلا معها في عدة حروب بداية من حرب 1948 ، وحرب السويس 1956م وحرب يونيو 1967م ، وحرب الإستنزاف 1968- 1970 – وحرب أكتوبر 1973م كانت إيران أكبر داعم لاسرائيل بالوقود ولها سفارة نشطة في طهران ، وعندما إتجه الرئيس السادات نحو السلام مع إسرائيل والإنخراط في المعسكر الراسمالي ، خرجت إيران من هذا المعسكر بعنف عن طريق الثورة الإيرانية 1979م ، وعندما إرتفع العلم الإسرائيلي في القاهرة أنزل في طهران.
ويذكر السيد محمد حسنين هيكل في كتاب (124) منشور حديثا يستشف منه أن مصر هي التي بدأت بمعاداة الثورة الإيرانية والكيد لها من خلال السماح للطائرات الأمريكية بالإنطلاق من قواعد مصرية في الصعيد لإنقاذ الرهائن الأمريكيين من السفارة الإمريكية في طهران ، وإيواء الشاه الإيراني بعد أن أطاحت به الجماهير الإيرانية في ثورة شعبية ، وكل ذلك لتأكيد إستعداد مصر للإنخراط في كتلتها الراسمالية الجديدة .
وعند توريط العراق في حرب ضد إيران في 1980م وجدت السلطات المصرية أن هذه الحرب تمكنها من التخلص من أسلحتها الروسية القديمة التي يعتمد عليها  النظام العراقي في تسليح جيشه وبيعها له لأنها اعتمدت في تسلح جيشها بعد السلام علي المعسكر الراسمالي ، كما أنها بعثت (125) بمستشاريها العسكريين وطياريها ومهندسيها للعراق للمساهمة في الحرب ، وبذلك تكون قد عوضت العسكريين المصريين قبيل تقاعدهم بفرصة ممتازة لتحسين أوضاعهم المعيشية من جبهة وتنفيس طاقاتهم القتالية من جهة أخري ، وكان لذلك الأمر مردود كبير على الإستقرار السياسي في مصر .
أضف إلى ذلك ونتيجة للمساعدة المصرية للعراق غض الأخير الطرف عن مقاطعة مصر اقتصاديا بحسب قرارات جامعة الدول العربية بعيد زيارة الرئيس المصري الراحل انور السادات لإسرائيل 1977م ، وبالتالي نشطت المبادرات التجارية وامدادات الحروب مثل الأغذية والأدوية والأكسية وغيرها ، وزادت هجرة الايدي العاملة المصرية للعراق لسد النقص في الأيدي العاملة العراقية التي اتجهت نحو ميادين التقال حتى أنها قدرت بالملايين .
ومما لاشك فيه أن إيران كانت تعرف الدور المصري في هذه الحرب وتأثيراته العسكرية والإعلامية خصوصا علي المواطنين العرب ، مما قطع أي أمل في وجود تطبيع بين الدولتين في ظل وجود النظامين الحاكمين في كل منهما .
أما مسألة تصدير الثورة فلربما أخطأ الإعلام الإيراني في التركيز علي هذا الأمر إبان تفجر الثورة نتيجة للحماس وعدم الخبرة السياسية ، حيث جرت عليه مثل هذه الشعارات مصاعب جمة ، واستعملت كدلالة علي نوايا الثورة الإيرانية المبيتة ، مع العلم أن النظام الإيراني الشيعي تكاد فرصته في نشر الثورة أن تكون معدومة في الدول العربية السنية فيما عدا العراق والبحرين .
وعند غزو العراق للكويت في 1990م تغيرت الصورة في المنطقة بزوال عدو إيران الأساسي المتمثل في حزب البعث العربي الإشتراكي الحاكم في العراق ، مما سمح لإيران بالبروز كقوة إقليمية ضخمة مناوئة للوجود الأمريكي في الخليج ، وثابتة عند أسوار مدينة القدس بحسب تعبير (126) محمد حسنين هيكل ، والأهم من ذلك فيما يختص بمصر أن إيران رفضت الوجود المصري ضمن ترتيبات الأمن في منطقة الخليج العربي ، ورفضت كذلك كل محاولات التقارب أو أعادة العلاقات أو توجهات مصر بالتطبيع مع إسرائيل والإنخراط في المسيرة السلمية .
وعند ميلاد النظام الجديد في السودان وتعقيد علاقته مع الدول العربية الغنية بعد حرب الخليج ، وإعلان الجماهيرية الليبية بين الفينة والأخرى رغبتها في قطع المواد البترولية المجانية عن السودان إتجه لإيران للتعاون الإقتصادي والتآذر السياسي ، وربما لمساعدته في مجال التسليح ، بيد أن تلك الخطوة زادت من تأزيم العلاقات مع مصر المتأزمة اصلا نتيجة لتوجهات النظام الإسلامية ، وموقفه من حرب الخليج ، ثم أخيرا تعاونه مع إيران الدولة التي تعتبرها مصر من أكثر الدول المناهضة لها في العالم .
وقد ورد في الصحف المصرية (127) إن إيران والسودان يسمحان للإرهابيين بالتسلل عبر حدود مصر الجنوبية ، ويسمحان أيضا لشحنات الأسلحة بالوصول إلي أيدي المتطرفين ، وأن هناك تنسيقا مشتركا لأسقاط النظام المصري .
وقد رد السودانيون بإنكارهم هذا الأمر وذكروا أن العمليات الإرهابية داخل مصر، مستمرة منذ الثمانينيات بحالتها الراهنة ولايوجد تصعيد فيها ، وعلى العكس منذ ذلك  وتيرة العنف قد إنخفضت كثيرا عما كانت عليه في السابق ، ولو وجدت مساعدات إيرانية سودانية كما تذكر الحكومة المصرية لتم استعراضها في أجهزة الإعلام المصرية المؤثرة سواء كانت أسلحة أو متطرفين .
وهناك بعض المؤشرات تبدو معززة لوجهة النظر السودانية ومنها أنه في بداية التسعينيات صدرت فتاوي من قادة الجماعات المتطرفة للإستيلاء على ذهب الاقباط المصريين واعتباره حلالا ، وهذه الفتوى تثبت جزئيا أن الجماعات المتطرفة كانت تعاني من أزمة تمويل بدليل لجوئها لخيار الإستيلاء على أموال الأقباط على خطورته وإثارته للرأي العام ولو وجد تمويل مالى إيرانى أو سوداني لما احتاجت هذه الجماعات للمال .
وثانى المؤشرات أنه في تلك الفترة أصدرت الحكومة المصرية أوامر مشددة لأصحاب المناجم التي تستعمل الدناميت بمسئوليتهم المباشرة عن هذه المادة بعد أن ثبت أن بعض الاسلحة التي استعملت في بعض الجرائم الإرهابية العنيفة كانت من الدناميت الذي يدخل في صناعة التعدين ، وهى نقطة أخري تثبت أن الحركات المتطرفة كانت لديها أزمة تسليح ، كما تم ملاحظة سرقات أسلحة من مخازن الجيش ، وحرص المتطرفون على الإستيلاء على سلاح الضحايا من البوليس عقب تنفيذ هجمات ضدهم .
وثالث المؤشرات أن إيران لها تجارب ثرة في دعم المعارضة المنطلقة ضد إسرائيل خصوصا حزب الله ، حيث استطاعت أن تلحق بإسرائيل خسائر فادحة على مدى سنوات قليلة من انطلاق المقاومة من جنوب لبنان للدرجة التي أجبرت(إسرائيل)على الإنسحاب لأول مرة من أراض دول عربية  دون قيد أو شرط ، فلا يعقل في حالة دعمها للجماعات المتطرفة المصرية مع إتساع الحدود السودانية المصرية أن تكون محصلة هذا الدعم حوالي 9 عمليات في أربع سنوات.
ويمكن أن نستنتج – وهو مجرد إستنتاج قد يصدق أو يكذب – أن أجهزة الإعلام المصرية ركزت على الدعم الإيراني السوداني للمتطرفين لمخاطبة قضايا داخلية في المقام الأول ، فمن خلال الإعلان عن وجود دعم أجنبي للمتطرفين لضرب الإستقرار المصري سيؤدي ذلك تلقائيا إلي حالة عاطفية وطنية ، وتدمغ الجماعات الإسلامية بالخيانة ، والتعامل مع عدو مما يسمح بأحكام رادعة مبررة أمام المواطنين ومخيفة لبقية أعضاء الجماعات الإسلامية.
أما الحادث العميق الذي أوصل العلاقات السودانية المصرية إلي أدني مستوياتها كان محاولة أغتيال الرئيس المصرى حسنى مبارك في أديس أبايا في يونيو 1995م، بعد أن اتهمت الحكومة المصرية علي لسان رئيسها بعد الحادث مباشرة بضلوع السودان في هذه المحاولة ، ونفت الحكومة السودانية صحة الإتهام المصرى، وكانت أبرز العناوين الرئيسية صحيفة الإهرام في تلك الفترة مايلي:-
-    معارض سوداني البشير أبعد ما يكون عن الإسلام (128).
-    النظام الثنائي المعزول ( حول الثنائي البشير والترابي ) (129).
-    زعيم حركة إستقلال  جنوب السودان المحاولة الإجرامية كشفت الوجه القبيح لنظام البشير الترابي ( حول محاولة إغتيال مبارك ) (130).
-    نظام الترابي ينتظر دفنه في مقبرة التاريخ ( 131).
-    وزير سوداني سابق : النظام السوداني يعذب الشعب (132)
-    أبوعيسي  السودان يعيش الإرهاب والفقر والمجاعة (133)
-    سياسي سوداني بارز : نظام البشير مأساة الشعب السوداني ( 134)
-    في بيان للجان الثورية : السودان أصبح وكرا للأرهاب العالي (135)
-    مظاهرات عارمة ضد البشير بجامعة الخرطوم وإصابة وإعتقال 71 طالبا (136).
-    اريتريا تطالب مجلس الأمن باتخاذ إجراءات ضد السودان (137)
-    تعاون بين السودان والعراق في مجال التخابر ( 138).
-    وزيرة سودانية هاربة من جحيم البشير : الإعتقال والتعذيب مصير أي معارض (139)
-    مجلة فرنسية السودان الأرض الموعودة للتطرف والأرهاب الجديد(140)
-    تزايد ازمة الخبر ( السوداني ) وظهور ازمة بالمواصلات(141)
-    المعارضة السودانية تدعو الجيش والشرطة إلي الإنضمام للجماهير (142)
-    السودان يسب وزراء خارجية الدول الإفريقية ( 143)
-    الترابي  : السودان سيحرر العالم ( 144).
-    حكومة إثيوبيا تتهم النظام السوداني بمحاولة اغتيال مبارك في أديس ابابا (145)
-    معارض سوداني : الخرطوم تتآمر لقلب نظام الحكم في ليبيا (146).
-    المعارضة الإريترية بالسودان تستعد لشن هجوم ضد قوات افورقي (147)
-    حزب الأمة نظام البشير استخدم الأسلحة الكيماوية ضد المتمردين بالجنوب (148).
-    مصرع 500 جندي سوداني والحكومة تستعمل الأسلحة الكيماوية (149).
-    الحكومة السودانية تقتل 260 شخصا بالنابالم (150)
هذه هي أهم عناوين صحيفة الإهرام عقب محاولة اغتيال الرئيس مبارك في أديس أبابا يوليو 1995م والشهور التي تلته ويمكن القول أنه في هذه الفترة شهدت العلاقات السودانية المصرية أسوأ حالتها.
وقد استمر تدهور العلاقات بعد ذلك لأكثر من عامين ، وقد بدأ ذلك واضحا في صحيفة الإهرام ، حيث أصبحت المعارضة السودانية والمتمثلة في التجمع الوطن الديمقراطي هي صاحبة الصوت الأعلي فيما يختص بالعلاقات المشتركة.
ومن أكثر الصعوبات التي واجهت العلاقات بعد ذلك أعلان القاهرة أن ما يجري في جنوب وشرق السودان من عمليات حربية هو أمر داخلي يختص بالسودان ، ولا علاقة لاثيوبيا وإريتريا ويوغندا بما يجرى ، وكان السودان قد اعتبر في أوائل العام 1997م ، أن إثيوبيا وإريتريا ويوغندا دخلت بجيوشها إلي حدوده تحت غطاء المعارضة السودانية ، في عملية غزو واضحة ، وكان تصريح الرئيس مبارك في هذا الخصوص مصدر غضب عارم للحكومة السودانية .
وذهبت صحيفة الإهرام في نفس الإتجاه الرسمي المصري حيث ذكرت في عناوين بارزة :
-    قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان تهاجم القوات الحكومية وتستولي علي معظم ولاية النيل الأزرق (151).
-    المعارضة السودانية : الجيش السوداني محاصر في مدن الشرق والوسط والجنوب (152).
-    المعارضة السودانية تحتل شمال كسلا والترابي يهدد بمهاجمة إثيوبيا وإريتريا )(153).
-    التلفزيون الإثيوبي يبرز تصريحات مبارك بمعرض الكتاب حول الأوضاع في السودان (154) ( وكان الرئيس مبارك ذكر في هذا المعرض أن ما يجرى في السودان شأن داخلي .
-    الباز مصر لا تتدخل في الشؤون السودانية(155).

مصادر ومراجع الدراسة :
1)    حسن ساتي ، حركة المد والجذر في العلاقات السودانية المصرية ، مجلة السياسة الدولية ، عدد أكتوبر1991م ، ص ص 122- 125.
2)    صحيفة الإهرام 1 يوليو 1989م.
3)    صحيفة الإهرام 3 يوليو 1989م.
4)    صحيفة الإهرام 3 يوليو 1989م
5)    صحيفة الإهرام 5 يوليو 1989م
6)    صحيفة الإهرام 7 يوليو 1989م
7)    صحيفة الإهرام10 يوليو 1955م
8)    صحيفة الإهرام1/7/ 1989م
9)    صحيفة الإهرام2/7/1989م
10)    صحيفة الإهرام7/7/1989م
11)    صحيفة الإهرام7/7/1989م
12)    صحيفة الإهرام4/7/1989م
13)    صحيفة الإهرام2/7/1989م
14)    صحيفة الإهرام5/7/1989م
15)    صحيفة الإهرام25/7/1989م
16)    صحيفة الإهرام29/7/1989م
17)    صحيفة الإهرام15/8/1989م
18)    صحيفة الإهرام14/8/1989م
19)    صحيفة الإهرام20/8/1989م
20)    صحيفة الإهرام6/8/1989م
21)    صحيفة الإهرام21/8/1989م
22)    صحيفة الإهرام20/9/1989م
23)    صحيفة الإهرام2 يوليو 1989م
24)    صحيفة الإهرام 3 يوليو 1989م
25)    المعتصم أحمد علي الأمين ، دور إتفاقيات السلام في تحقيق الإستقرار بالسودان ،  رسالة ماجستير غير منشورة ، مركز البحوث والدراسات الإفريقية ، جامعة إفريقيا العالمية ، الخرطوم 1999، ص 91
26)    د. عمار الشيخ ، معالجة الصحافة السودانية لقضية الحرب والسلام في جنوب السودان 1989- 1992م ، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة إفريقيا العالمية 2001م.
27)    د. عبدالملك عودة ، مستقبل العلاقات السودانية المصرية ( مجلة السياسة الدولية ) عدد يوليو 1990م
28)    فتحي علي حسين  ، مشكلة الجنوب والتطورات الأخيرة في السودان ، مجلة السياسة الدولية ، عدد أبريل 1990م
29)    صحيفة الإهرام 7 /11/ 1989م
30)    صحيفة الإهرام 14/11/ 1989م
31)    صحيفة الإهرام 28/2/ 1989م
32)    صحيفة الإهرام 7/10/ 1989م
33)    صحيفة الإهرام 29/10/1 1989م
34)    صحيفة الإهرام 28/10/ 1989م
35)    صحيفة الإهرام 27/10/ 1989م
36)    صحيفة الإهرام 5/10/1989م
37)    صحيفة الإهرام 9/10/ 1990م
38)    صحيفة الإهرام 25/10/ 1990م
39)    صحيفة الإهرام 5/11/ 1990م
40)    صحيفة الإهرام 26/2/ 1990م
41)    صحيفة الإهرام 12/2/ 1990م
42)    صحيفة الإهرام 22/3/ 1990م
43)    صحيفة الإهرام 25/4/1990م
44)    صحيفة الإهرام 4/4/ 1990م
45)    صحيفة الإهرام 16/7/1990م
46)    د. محمد الرميحي ، ردود الفعل العربية على غزو وحرب تحرير الكويت ، سلسلة عالم المعرفة رقم 195 ، الكويت 1995م ، ص 233.
47)    المرجع السابق ، ص 335
48)    حسن ساتي ، حركة المد والجزر في العلاقات السودانية – المصرية ، مقال مجلة السياسة الدولية عدد اكتوبر 1991م ، ص ص 122- 125
49)    صحيفة الإهرام 29/5/1992م
50)    محمد حسين هيكل ، الزمن الامريكي من نيويورك إلي كابول ، ط ثالثة ، المصرية للنشر العربي والدولي ، القاهرة 2002م ص 175
51)    المرجع السابق 231.
52)    د. عبدالوهاب الأفندي ، الثورة والإصلاح السياسي في السودان ، الناشر منتدي أبن رشد لندن 1995م ، ص 25.
53)    صحيفة الإهرام 6/8/1990م
54)    صحيفة الإهرام 14/8/1990م
55)    صحيفة الإهرام 27/8/1990م
56)    صحيفة الإهرام 18/9/1990م
57)    صحيفة الإهرام 25/9/1990م
58)    صحيفة الإهرام 12/10/1990م
59)    صحيفة الإهرام 16/10/1990م
60)    صحيفة الإهرام 1/11/1990م
61)    صحيفة الإهرام 29/11/1990م
62)    صحيفة الإهرام 12/12/1990م
63)    صحيفة الإهرام 25/12/1990م
64)    صحيفة الإهرام 22/1/1991م
65)    صحيفة الإهرام  6/1/1991م
66)    صحيفة الإهرام 10/2/1991م
67)    صحيفة الإهرام 26/3/1991م
68)    صحيفة الإهرام 19/4/1991م
69)    صحيفة الإهرام 22/4/1991م
70)    صحيفة الإهرام 16/7/1991م
71)    صحيفة الإهرام 27/5/1991م
72)    صحيفة الإهرام 20/7/1991م
73)    صحيفة الإهرام 23/7/1991م
74)    صحيفة الإهرام 25/12/1991م
75)    صحيفة الإهرام 8/5/1991م
76)    صحيفة الإهرام 9/10/1991م
77)    صحيفة الإهرام 7/9/1991م
78)    ابراهيم محمد آدم ، الأبعاد الفكرية والسياسية والتنظيمية للحركة الشعبية لتحرير السودان 1930 – 2000م ، إصدار جامعة إفريقيا العالمية ، مركز البحوث والدراسات الإفريقية ، الخرطوم 2001م، ص 164.
79)    صحيفة الإهرام 27/12/1993م
80)    صحيفة الإهرام 22/12/1993م
81)    صحيفة الإهرام  1/4/1994م
82)    صحيفة الإهرام 12/4/1992م
83)    صحيفة الإهرام 12/4/1992م
84)    صحيفة الإهرام 18/5/1992م
85)    صحيفة الإهرام 26/5/1992م
86)    صحيفة الإهرام 15/7/1992م
87)    صحيفة الإهرام 4/10/1992م
88)    صحيفة الإهرام 12/11/1992م
89)    صحيفة الإهرام 10/12/1992م
90)    د. فؤاد عبدالرحمن البنا ، الإخوان المسلمون والسلطة السياسية في مصر ، إصدار مركز البحوث والدراسات الإفريقية ، جامعة إفريقيا العالمية، الخرطوم 1999م ، ص 1980م .
91)    المرجع السابق ، ص 197
92)    د. عبدالعاطي محمد أحمد ، الحركات الإسلامية في مصر وقضايا التحول الديمقراطي ، ط أولي ، مركز الإهرام للترجمة والنشر ، القاهرة ، 1990 م ص 169.
93)    المرجع السابق ، ص 219.
94)    أحمد حسين حسن ، الصعود السياسي الإسلامي داخل النقابات المهنية ، ط أولي الدار الثقافية للنشر القاهرة 2000م ، ص 24.
95)    د. عبدالعاطي محمد أحمد ، الحركات الإسلامية في مصر وقضايا التحول الديمقراطي ، مرجع سابق ، ص 254
96)    أحمد حسين حسين ، الصعود السياسي الإسلامي داخل النقابات المهنية ، مرجع سابق ، ص 23.
97)    إبراهيم نافع ، افاق التسعينيات ، مركز الأهرام للترجمة والنشر ، طبعة ثانية 1981م ، ص 51.
98)    د.عبدالعاطي محمد أحمد ، الحركات الإسلامية في مصر وقضايا التحول الديمقراطي ، مرجع سابق ، ص 222.
99)    المرجع السابق ، ص 246.
100)    د. فؤاد عبدالرحمن محمد البنا ، الإخوان المسلمون والسلطة السياسية في مصر ، مرجع سابق ، ص 197.
101)    د. فؤاد عبدالعاطي محمد أحمد ، الحركات الإسلامية في مصر وقضايا التحول الديمقراطي ، مرجع سابق ، ص 288.
102)    المرجع السابق ، ص 169.
103)    إبراهيم نافع، كابوس الإرهاب وسقوط الاقنعة ، مركز الأهرام للترجمة والنشر ط أولي ، 1994م ، القاهرة ص 8.
104)    د. فؤاد عبدالرحمن البنا الإخوان المسلمون والسلطة السياسية في مصر ، مرجع سابق ص 479.
105)    المرجع السابق ، ص 451
106)    المرجع السابق ، ص 484
107)    المرجع السابق ، ص 415
108)    المرجع السابق ، ص 442
109)    المرجع السابق ، ص 445
110)    صحيفة الإهرام 21/12/1991م
111)    صحيفة الإهرام 17/7/1992م
112)    صحيفة الإهرام 8/12/1992م
113)    صحيفة الإهرام 28/4/1993م
114)    صحيفة الإهرام 28/4/1993م
115)    صحيفة الإهرام 19/5/1993م
116)    صحيفة الإهرام 8/5/1993م
117)    صحيفة الإهرام 15/8/1993م
118)    صحيفة الإهرام 2/5/1993م
119)    صحيفة الإهرام 30/11/1993م
120)    صحيفة الإهرام 28/4/1994م
121)    صحيفة الإهرام 17/5/1994م
122)    صحيفة الإهرام 16/6/1994م
123)    صحيفة الإهرام 19/5/1995م
124)    محمد حسنين هيكل ، الزمن الأمريكي من نيويورك إلي كابول ، مرجع سابق ص 152
125)    محمد حسنين هيكل ، الزمن الأمريكي من نيويورك أي كابول ، مرجع سابق ، ص 256
126)    محمد حسنين هيكل  ، ازمة العرب ومستقبلهم ، دار الشروق ، ط ثانية القاهرة 2002م ، ص 46.
127)    صحيفة الإهرام 7/1/1994م
128)    صحيفة الإهرام 1/7/1995م
129)    صحيفة الإهرام 2/7/1995م
130)    صحيفة الإهرام 2/7/1995م
131)    صحيفة الإهرام 5/7/1995م
132)    صحيفة الإهرام 11/7/1995م
133)    صحيفة الإهرام 12/7/1995م
134)    صحيفة الإهرام 25/7/1995م
135)    صحيفة الإهرام 31/7/1995م
136)    صحيفة الإهرام 30/7/1995م
137)    صحيفة الإهرام 8/7/1995م
138)    صحيفة الإهرام 4/7/1995م
139)    صحيفة الإهرام 8/8/1995م
140)    صحيفة الإهرام 6/8/1995م
141)    صحيفة الإهرام 11/9/1995م
142)    صحيفة الإهرام 13/9/1995م
143)    صحيفة الإهرام 13/9/1995م
144)    صحيفة الإهرام 22/9/1995م
145)    صحيفة الإهرام 2/9/1995م
146)    صحيفة الإهرام 8/9/1995م
147)    صحيفة الإهرام 2/10/1995م
148)    صحيفة الإهرام 30/11/1995م
149)    صحيفة الإهرام 26/11/1995م
150)    صحيفة الإهرام 28/11/1995م
151)    صحيفة الإهرام 14/1/1997م
152)    صحيفة الإهرام 15/1/1997م
153)    صحيفة الإهرام 26/1/1997م
154)    صحيفة الإهرام 21/1/1997م
155)    صحيفة الإهرام 31/1/1997م


Matasm al-ameen [matasm.alameen@gmail.com]

 

آراء