ثورة دارفور …. وخارطة الطريق؟
د. حسين أدم الحاج
8 January, 2009
8 January, 2009
helhag@juno.com
د. حسين آدم الحاج
الولايات المتحدة الأمريكية
تمهيد:
ظل مصطلح "خارطة الطريق" يستعمل منذ زمن بعيد كدلالة على خطة إستراتيجية ممرحلة منوطة بأهداف محددة ومتراكبة على بعضها لتنفيذ مشروع معيَّن, ويتمثل إستخدامه بصورة واسعة فى المجالات الصناعية, خاصة فيما يتعلق بتطوير شرائح التكنلوجيا وتسييرالبحوث العلمية, كما يستخدمه أيضاً خبراء التخطيط الإستراتيجى وإدارة الأعمال فى وضع الأهداف المبرمجة لنشاط مرفق ما يعتمدون فيه على تكاملات التكتيك المرحلى والغايات القصوى للمشاريع المعتمدة, لكن أخذ المصطلح ينحو بقوة نحو فهم معين تبلور مؤخراً ليتشكل فى قالب سياسى عطفاً على المشروع الأمريكى الهادف لحلحلة النزاع الفلسطينى الإسرائيلى, وقيام الدولة الفلسطينية عبر مراحل تكتيكية ثلاثة لكل مرحلة أهدافها المحددة يتم تطبيقها على أرض الواقع لتكتمل جميعها في موعد أقصاه العام 2005م. وبالرغم من إنهيار هذا المشروع, كما هو مشاهد, إلاَّ أنَّ المعنى السياسى لعبارة "خارطة أو خريطة الطريق" قد إنداح وتم الترويج له فى وسائل الإعلام المختلفة ليتم إطلاقه على أي مبادرة تصالحية تقوم على مدخل سياسى شامل لحل قضية ماعلى أساس مرحلى متدرج مقرون بسقف زمنى محدد.
تأسيساً على ذلك بدأ بعض الصحافيين والمعلقين يصفون مفاوضات السلام الجارية الآن بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان ب"خارطة الطريق السودانية" لإتساقها فى العديد من جوانبها بخارطة الطريق العربية الإسرائيلية, فالدكتور منصور خالد سبق له أن نشر مقالاً بعنوان "مشاكوس خارطة الطريق الوحيده لقبول النظام وطنياً وتطهيره دولياً" (جريدة الأيام 24 يونيو 2003م), وكذلك صرح السيد الصادق المهدي أن السودان يحتاج إلى "خارطة طريق للسلام" (جريدة الصحافة 1 سبتمبر 2003م), ومؤخراً وصف اللواء الدكتور الطيب إبراهيم محمد خير المستشار الأمنى السابق لرئيس الجمهورية إتفاقية أبَّشى الموقعة بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان ب"خارطة طريق السلام لدارفور" (صحيفة الرأى العام 7/9/2003م) وذلك ما يهمنا تماماً فى هذا المقال, وهو تلمس المداخل المحتملة للمساهمة بتصور إستراتيجى عريض لحل قضية دارفور التى باتت تمثل مفصلاً محورياً فى المشكلة السودانية لا يمكن التوصل لإحلال السلام فى البلاد بدونها, وحقيقة فإنَّ هذه القضية, وبهذه الصفة, تشتمل على العمق والأهمية بمكان بحيث لا يمكن محاصرتها مثلاً بقرار رئاسى يحدد عطايا من الأوعية القومية المختلفة كإستحقاقات لحلها, بل إنَّها تتعدى ذلك بمراحل لتصطدم بمسألة جوهرية فى الشأن السياسى السودانى, تتمثل فى إعادة هيكلة العلاقة بين المركز والإقليم فى الدولة السودانية على أسس جديدة, ومن أجل خلق أوضاع قومية مغايرة تسمح بوجود مساحات رحبة للإنصاف والعدالة, وتساعد فى تقويم هشاشة الدولة السودانية الحديثة فى معظم جوانبها وتتصدى لتأمين مستقبلها.
لقد جاءت خارطة الطريق الأمريكية في وقت يشهد العالم فيه توترا سياسيا فى منطقة الشرق الأوسط, وسبقتها, وما تزال, مفاوضات سلام سودانية سودانية متعسرة متعثرة لرسم خارطة مشابهة ينتقد الكثيرون منهجها التفاوضى وقصورها على أطراف بعينها. وفى خضم ذلك نشبت ثورة دارفور بدلالات شاملة تشير بأن المشكلة السودانية ليست مشكلة بين شمال وجنوب, وأنَّ الشمال, فى هذه الحالة, ليس هو ذلك الشمال الجغرافى الذى تشير إليه الأطراف العالمية ووسائل الإعلام, بل هناك شرق وغرب أيضاً, وأنَّ لكل منها قضايا وإشكالات لا تقل أهمية عن تلك التى موجودة فى الجنوب, إذاً والأمر كذلك فإنَّ هذه المناطق ترغب أيضاً فى طرح "عرضحالاتها" أسوة بجنوب البلاد, والأهم فى ذلك أنَّها تطلب ذلك فى وقت تتم فيه قسمة الحظوظ فى المواعين القومية وبإشراف وضمانات دولية. تأسيساً على ذلك فقد حزمت دارفور أمرها وأعلنت قضيتها ويدور الآن نقاش عميق بين مكونات أبنائها ومثقفيها, الذين يقودون الثورة والذين يشاركون فى السلطة والمبعثرون فى الداخل والذين هم فى الشتات, هدفهم على السواء واحد وهو مستقبل دارفور فى نطاق الدولة السودانية الحديثة نعتقد هنا أنها بحاجة إلى "خارطة طريق" وما هذه الدراسة إلا محاولة نحو تأسيس ذلك.
سوف يشمل هذا المقال تقييماً لما تم تحقيقه حتى الآن من بنود إتفاقية الهدنة بين الحركة المسلحة بدارفور والحكومة السودانية, ثم نتعرض للمحاذير التى تكتنف عادة التعامل مع الحكومة الحالية فى مثل هذه المواقف, نقوم بعدها بتحليل إمكانية تأجيل مرحلة التفاوض, المتفق عليها فى الإتفاقية, لأجل مسمى أو غير مسمى, ولو من جانب واحد, ثم نقترح بعدها بشيئ من التفصيل بعض الملفات التى يمكن لوفد الحركة التفاوضى إستصحابها لاحقاً فيما لو بدأ ذلك التفاوض, ونختم المقال بمناشدة للإخوة قادة الثورة فى دارفور حول تدبر بعض القضايا الإستراتيجية فى المرحلتين الراهنة والقادمة.
تقييم موجز لما تم تحقيقه من إتفاقية الهدنة وطبيعة المرحلة القادمة:
جاءت إتفاقية وقف إطلاق النار بين حكومة السودان وجيش تحرير السودان, والتى تم التوصل إليها برعاية الرئيس التشادى إدريس ديبى بمدينة أبَّشي بتشاد في 3 سبتمبر 2003م, ودخل تنفيذها فعلياً فى 6 سبتمبر 2003م, محتوياً على 9 بنود, وأقرت الإتفاقية هدنة عسكرية لمدة 45 يوماً يتم خلالها إنجاز متطلبات محددة لتبدأ بعدها مفاوضات بين الجانبين للتوصل لسلام شامل فى الإقليم, والآن بعد مضى أكثر من شهرعلى مدة الهدنة المتفق عليها, وتبقى أيام معدودة لبدء التفاوض, يجدر بالمراقب أن يستعرض بنود تلك الإتفاقية بإيجاز لتقصى درجة الإلتزام بها وما تبقى فيها من بنود لزوم الفترة المتبقية من المدة الزمنية للإتفاق, قبل الدخول فى مفاوضات نهائية توطئة للوصول إلى سلام دائم ومنصف بين الجانبين, نستعرض تلك البنود مع ملاحظات عليها فى السطور التالية:
البند الاول: "وقف إطلاق النار بين الطرفين ووقف كل العمليات العدائية التي من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الأوضاع". بالرغم من إلتزام الحركة المسلحة بهذا البند تماماً, حتى قبل الدخول فى مرحلة تنفيذ الإتفاقية, نجد أنه قد وردت خروقات متعددة من جانب الحكومة فى هذا الموضوع, فمنذ وقت مبكر من بدء سريان الإتفاقية حذَّر مقاتلو الحركة الحكومة من التمادي في خرقها للهدنة مؤكدين أنهم سيردون "الصاع صاعين" إذا تواصل الخرق, وأشار الناطق بإسم حركة تحرير السودان لـ"الشرق الاوسط" أنهم أحصوا 5 عمليات عسكرية قامت بها الحكومة خلال الأسبوع الأول فقط من بدء سريان الهدنة رسمياً، وأضاف بإن الحكومة شنت غارات وقامت بمداهمة القرى، مما أدى إلى مقتل 125 شخصا (الشرق الأوسط 15 سبتمبر 2003م). وفى ذات السياق إتهم أمين عام حركة تحرير السودان القوات الحكومية قيامها بقصف مواقع حركة تحرير السودان مرتين بالمروحيات رغم الهدنة المعلنة، ما إدى إلى سقوط قتيلين وأربعة جرحى في صفوفها (جريدة الصحافة 16 سبتمبر 2003م), وأشار السيد عثمان محمد يوسف كبر والي شمال دارفور إلى وجود إشكاليات مختلفة قد تزيد من حدة الصراع الذي كان دائرا في المنطقة ولم يوضح طبيعتها (صحيفة أخبار اليوم 19 سبتمبر 2003م). فى المقابل لم يرد من الحكومة أى شكوى تجاه الحركة التى وقعت معها الإتفاقية مما يثبت أنَّ كل الخروقات التى تمت كانت من جانبها.
البند الثاني: "التحكم والسيطرة على المجموعات المسلحة غير النظامية في مسارح العمليات". يبدو أنَّ معظم الخروقات الموثقة قد حدثت بالنسبة لهذا البند, فقد أصدرت إدارة دار حمرة, محلية ريفى كتم, بياناً تم نشره مؤخراً بموقع سودانيز أون لاين على شبكة الإنترنت إحتوى على كشف بأسماء الأشخاص الذين تم قتلهم فى حادثة الحمرة بتاريخ 11 سبتمبر 2003م حيث قامت مليشيات الحكومة السودانية (الجنجويت) بقتل و تشريد مواطنى أدارة دار الحمرة-محلية ريفى كتم, وقتلت 34 مواطناً من مختلف الأعمار كما نهبت أعداد كبيرة من الحيوانات ومبلغ 200و389و18 دينار سودانى (موقع سودانيز أون لاين 15 سبتمبر 2003م). من ناحية أخرى إتهم مني أركو ميناوي الحكومة السودانية بأانها تنتهك "بشكل منهجي ويومي الهدنة" وأنَّ المليشيات الحكومية قتلت 91 مدنياً خلال يومين بالرغم من وقف إطلاق النار, وقال في إتصال مع وكالة الصحافة الفرنسية في القاهرة أنَّ 75 مدنيا قتلوا يوم 12 سبتمبر 2003م في هجوم شنته الميليشيات الحليفة للقوات الحكومية على سكان منطقة خشبة شمال ولاية كتم, وتابع إنَّ 16 راعيا قتلوا فى اليوم التالى لذلك الهجوم في هجوم آخر لتلك للميليشيات على منطقة أبو ليحا, وطالب بتحقيق وبنشر مراقبين دوليين في دارفور لمراقبة تطبيق الهدنة (الشرق الأوسط 15 سبتمبر 2003م). وفى ذات السياق ناشد رئيس حركة تحرير السودان المحامى عبدالواحد محمد أحمد النور خلال اتصال هاتفي مع وكالة "فرانس برس" في القاهرة المنظمات الدولية بتقديم مساعدات إنسانية لمواجهة تدفق المجموعات البشرية إلى مناطقها في إقليم دارفور بسبب هجمات يتعرضون لها, وأوضح بأن مليشيات (الجنجويت) قد إجتاحت عدداً من القرى وأحرقتها, وأجبرت مجموعات كبيرة من المواطنين للنزوح من مناطقها بجبل مرة ووادي صالح والطينة وشمال كتم وكبكابية ونيرتيتي والإحتماء بمناطق الحركة فى العراء (صحيفة الأزمنة 25 سبتمبر 2003م), لكن كعادته نفى والى شمال دارفور ذلك وأشار إلى أنَّ الحكومة لا تسلح مليشيات الجنجويت وصرَّح بأنَّ ما ذكره رئيس الحركة بهذا الصدد "كذب وافتراء يهدف لزرع الفتنة وعدم الثقة!" (صحيفة الخرطوم 25 سبتمبر 2003م).
البند الثالث: "إطلاق سراح كافة أسرى الحرب والمقبوض عليهم والذين لهم صلة بهذه القضية من الطرفين". مما ورد فى المصادر الإعلامية يبدو أنًّ هذا البند قد صادف أكثر نجاحات الإتفاقية, فقد أعلنت الحكومة فى اليوم الأول من بداية سريان الإتفاقية عن إطلاقها سراح جميع المحتجزين لديها ممن لديهم علاقة باحداث دارفور وعددهم 54 شخصا (صحيفة الأنباء 7 سبتمبر 2003م), ومن جانبها قامت الحركة بإطلاق سراح 138 من أسرى القوات الحكومية منهم 79 كانت تحتجزهم بمنطقة نرتتي بجبل مرة إلي جانب إطلاق سراح 59 آخرين بمنطقة مابيا بالأجزاء الشمالية من محافظة كتم (صحيفة الأنباء 17 سبتمبر 2003م), ويبدو أنَّ الأمور تسير سيراً حسناً بخصوص تنفيذ هذا البند بالرغم من إشارة الجانب الحكومى إلى بروزعقبات تعترض إكمال الملف لكنها أكدت فى ذات الوقت مواصلة الجهود لتلافى ذلك (الأضواء 27 سبتمبر 2003م).
ومن الجدير بالذكر هو أنَّ بعضاً من الذين أطلقت السلطات الحكومية سراحهم وإدعت أنهم من أسرى الحركة هم أساساً منسوبى حزب المؤتمر الشعبى الذى يتزعمه الدكتور حسن الترابى وليس لهم علاقة بالحركة المسلحة سوى أنهم من أبناء الإقليم, ولا يوجد سبب واحد يدعو الحكومة لفعل ذلك اللهم إلاَّ إذا كانت محاولة منها لإشانة سمعة الحركة من خلال الإيحاء بإرتباطها بجماعة الترابى وهو أمر لا وجود له البتة.
البند الرابع: "يتم تجميع قوات جيش تحريرالسودان في مواقع يتم تحديدها بين الطرفين". يبدو أنَّ الجهد الحكومى منصب بوجه خاص نحو سرعة تنفيذ هذا البند, وذلك لسبب لا يخفى على حصيف, وهو محاصرة قوات الحركة فى جيوب محددة يسهل ضربها والقضاء عليها إذا ما تنصلت الحكومة من الإتفاق, وذلك وارد, أو إذا ما تعثرت خطوات الوصول إلى سلام شامل, ولا ندرى كيف فات ذلك على مفاوضى الحركة حتى يوافقوا على نقطة واضحة كهذه لا تفوت حتى على المدنيين ناهيك عن العسكريين ذوى الحساسية الأمنية. وعلى العموم فقد دعت اللجنة الثلاثية المكلفة بتنفيذ الإتفاق وبعد 9 أيام فقط من بدء سريان الإتفاقية قادة جيش تحرير السودان لتجميع قواتها في معسكرات محددة تمهيدا لوقف إطلاق النار (صحيفة الخرطوم 16 سبتمبر 2003م), كما شدد الجانب الحكومى على أنه بإنتهاء فترة الخمسة عشر يوماً الأولى فإن الاتفاقية ستدخل مرحلتها الثانية بتجميع قوات الحركة وحصرهم في مواقع محددة وفقاً لجدول زمني يُتفق عليه (الرأى العام 22 سبتمبر 2003م), وأشار مسئول منها إلى أنَّ اللجنة الثلاثية تنخرط في إجتماعات مطولة لتحديد جدول زمني لتجميع جيش الحركة بدارفور وأنها في إنتظار إشارة من حركة تحرير السودان لبداية المرحلة الثانية من الإتفاق والتي تبدأ بتحديد مواقع تجميع قوات الحركة (الأيام 22 سبتمبر 2003م), لكن يبدو أنَّ هنالك صعوبات تعترض تنفيذ هذا البند الحسَّاس, وفى محاولة لتذليل ذلك فقد إضطرت اللجنة الثلاثية المشتركة لاحقاً لوضع إطار نظرى فقط لتحديد مواقع تلك القوات, وأشار مسئول حكومي إن اللجنة بدأت في مناقشة الجدول الزمني الخاص بتجميع القوات خلال المرحلة المقبلة (الرأى العام 27 سبتمبر 2003م), ولم يتم تنفيذ شيئ إزاء ذلك حتى كتابة هذا المقال, وبالرغم من أنَّ ذلك قد يحسب ضد الحركة المسلحة إلاَّ أنَّ المجازر التى تقوم بها مليشيات الجنجويت وسكوت الحكومة عليها تجبرهم لإتخاذ الحذر تجاه هذا البند تحديداً.
البند الخامس: "إلتزام الطرفين بإرساء دعائم السلام الشامل والدائم في المنطقة من أجل تحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية". لم يلتزم الجانب الحكومى بذلك إذ ما زالت مليشيات الجنجويت طليقة ومعربدة دون ضبط أو ربط حسبما وعدت به الحكومة.
البند السادس: "تكوين لجنة ثلاثية من الحكومة السودانية والحكومة التشادية وجيش تحرير السودان لمتابعة تطبيق بنود هذه الإتفاقية". تم تكوين هذه اللجنة وبدأت إجتماعاتها فى مدينة الفاشر ولكن يبدو وكأنها كسيحة ولم تفعل الكثير بشأن المهمة الموكولة إليها.
البند السابع: ويتكون من جزئين:
(1) تبدأ المفاوضات الخاصة بالملاحق بعد خمسة وأربعين يوماً من تاريخ التوقيع على هذه الإتفاقية للوصول لسلام شامل مع تسليم الأسلحة في فترة لا تتعدى الأسبوعين بعد الإتفاق النهائي حول الملاحق (أى ملفات التفاوض).
(2) تتبع هذه الإتفاقية ملاحق ومذكرات تفسيرية ويتم تنفيذها كالآتي:
(أ) خلال ال «15» يوماً الاولى يتم تنفيذ ما يلي :-
1- يدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بتاريخ 6 سبتمبر 2003م الساعة 1800 بتوقيت السودان.
2- تحديد مواقع تجميع القوات.
3- إطلاق سراح المقبوض عليهم.
4- إنسحاب القوات غير النظامية متزامناً مع تجميع القوات.
5- تكوين اللجنة الثلاثية.
(ب) " في اليوم الخامس عشر من بداية وقف إطلاق النار يتم إجازة الجدول الزمني المكمل لأعمال الفترة المتبقية حتى نهاية ال 45 يوماً".
بالرغم من مضى أكثر شهر دخول الإتفاقية حيز التنفيذ إلاَّ أنه ليس من الواضح ما إذا تمت خلالها إجازة أى جدول زمنى لتكملة الجوانب المتبقية من الإتفاقية, وعلى حسب النقطة (1) من البند السابع فإنَّ المفاوضات الخاصة بملفات المطالب يجب أن تبدأ فى الحادى والعشرين من هذا الشهر (21 أكتوبر 2003م), أى بعد خمسة وأربعين يوماً من تاريخ التوقيع على الإتفاقية, للوصول لسلام شامل.
البند الثامن: " في حالة وقوع خلاف حول بنود هذه الإتفاقية أو بروز مشكلة لم يشر إليها يقوم الطرف الثالث بمهمة التوفيق بين الطرفين".
البند التاسع: "تدخل هذه الإتفاقية حيز التنفيذ بمجرد التوقيع عليها".
شكوك وملاحظات:
لا يخفى على المراقب الواعى الإختلال المنطقى فى هيكلية هذه الإتفاقية وإنحيازها السافر لتلبية الجوانب الأمنية للحكومة فقط دون مقابل واضح بالنسبة للحركة المسلحة, وكما تساءلنا أعلاه كيف جاز لوفد الحركة المفاوض تمرير هذه الشروط المجحفة بحقها بكل المقاييس, خاصة العسكرية منها, وما هى الحجج والمبررات التى إستندوا عليها فى قبولهم ومن ثمَّ توقيعهم على الإتفاقية؟ خاصة وأنَّ مسلك الحكومة فى عدم الإلتزام بالعهود وخرق المواثيق معروفة وموثقة, ليس آخرها إتفاقية الخرطوم للسلام مع القوات الجنوبية المنشقة عن الحركة الشعبية والتى ضمنتها فى دستورها قبل أن تبدأ بنقض غزلها خيطاً فخيط, لكل ذلك لم يكن غريباً الشكوك المتعاظمة التى ساورت معظم المراقبين عن إمكانية التوصل لإتفاقية سلام فى وجود عدم ثقة متزايد بين الجانبين.
وحقيقة لم تتردد الحكومة فى توفير إنطباع تستبطن رغبة دفينة فى تجاوز بنود الإتفاقية والقفز على مراحلها, الشيئ الذى يمكنها من خرقها متى ما رأت الأمور تسير فى صالحها, فقبل أن يجف مداد حبر التوقيع على الإتفاقية صرح اللواء طبيب الطيب إبراهيم محمد خير فى مؤتمر صحفي تحت إشراف المركز السوداني للخدمات الصحفية عقب عودته من أبَّشى بعد توقيع الإتفاقية "إنَّ ما تم توقيعه مع جيش تحرير السودان هو إتفاقية سلام وليس وقفاً لإطلاق لنار!، وإنَّ الأمر سيؤدي في النهاية إلى وضع نهائي برؤية متفق عليها وفقاً لفترة زمنية تعود بعدها الحياة إلى طبيعتها في دارفور الكبرى" (الرأى العام 7 سبتمبر2003م), مثل هذا التصريح له مدلولات سالبة, أولها أنه ينسخ كل الجهود التى بذلت فى أبَّشى لتحقيق هدف أساسى هو وقف إطلاق النار من خلال هدنة عسكرية بترتيبات محددة, فإذا كان الأمر كذلك فكيف يتسنى لسعادة اللواء القفز بها دفعة واحدة ومحاولة تجييرها لإتفاقية سلام غير معروفة الهوية, ثم إنه يزيد من الغموض بقوله "أنَّ الأمر سيؤدي في النهاية إلى وضع نهائي برؤية متفق عليها", ويظهر الغموض هنا من بناء الجملة على فعل المجهول وإهمال الإستدلال بآليات معينة أو الإشارة إلى خطوات محددة أو تحديد فاعلين للقيام بذلك. إنَّ التلاعب بالكلمات على هذا النحو وفى مثل هذا الموقف تحديداً لا تشى إلا بإحتمالين هما إما عدم إيمان قائلها بما سبق الإتفاق عليه وتصغيره لمقراراتها والتسفيه بها تمهيداً تجاوزها وإما إضمار النية للتملص من الإتفاقية من خلال التلاعب بالكلمات وتحويل الموضوع برمته إلى ديماجوجية عقيمة لا طائل من وراءها. وأى كان ذلك فإنه فى النهاية تمثل خديعة للحركة المسلحة من خلال رجوع الحكومة لعادتها القديمة فى خرق العهود ونقض المواثيق.
من ناحية أخرى, يبدو أنَّ الحكومة فى خضم إحتفالاتها بتوقيع إتفاقية الترتيبات الأمنية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان قد نسيت دارفور فجأة, فالأخبار التى ظللنا نسمعها مؤخراً عن الأحوال فيها لا تسر, أبرزها هجوم أحدى فصائل الحركة المسلحة على بلدة كلبس على الحدود السودانية التشادية فى الخامس من هذا الشهر, حيث صرحت قيادة حركة العدل والمساواة أنها دخلت البلدة بصدد القضاء على معسكر لمليشيات الجنجويت, المحسوبة على الحكومة, وأوقعت بهاعشرات القتلى (جريدة البيان الأماراتية 6 أكتوبر 2003م), وقد بلغ عدد النازحين جراء ذلك الهجوم 7 ألف نازح (جريدة الخرطوم 9 أكتوبر 2003م), كما شهدت منطقة الصليعة غربي دارفور صراعاً قبلياً بسبب نزاع على ماشية أدى لمقتل 8 أشخاص وجرح 7 آخرين تم نقلهم لتلقي العلاج بمستشفى الجنينة (جريدة الخرطوم 7 أكتوبر 2003م), إضافة إلى نزوح مواطني 12 قرية بجنوب دارفور و90 ألف مواطن بحاجة لإغاثة عالجة (صحيفة الأنباء 6 أكتوبر 2003م), ثمَّ الدعوة العاجلة التى أطلقها والى شمال دارفور للحكومة الإتحادية والمنظمات الطوعية والخيرية إلى تقديم دعم عاجل وسريع لنازحي الولاية البالغ عددهم"100" ألف مواطن منهم "53" ألف نازح من منطقة جبل سى يعانون من نقص حاد في المواد الغذائية والكساء والمأوى, وأنَّ الأوضاع الإنسانية في مدن كتم وكبكابية وطويلة وكورما سيئة وتفوق طاقة الولاية (جريدة الخرطوم 7 أكتوبر 2003م), وقد أكد ذلك السيد إبراهيم أحمد حامد مفوض العون الإنساني بشمال دارفور بقوله إن ما قدمته المنظمات للنازحين لا يتجاوز "20%- 30%" من حاجة النازحين, مشيراً لوجود مناطق تحتاج إلى دعم عاجل من الغذاء وهي كبكابية وكتم ودار زغاوة وفتا برنو وجبل سى, وطالب الحكومة بتوفير "350" مليون دينار لتوفير الغذاء للنازحين لمدة ثلاثة أشهر, كماأعلن وزير الصحة بالولاية عن عجز المستشفيات بالولاية عن إستقبال أي جريح أو مريض وذلك لعدم وجود الأدوية الكافية بالمستشفيات لعلاجهم (جريدة الخرطوم 7 أكتوبر 2003م). وقد كشفت منظمة "أطباء بلا حدود" العالمية فى نشرة لها عن معاناة آلاف من اللاجئين السودانيين الذين تدفقوا إلى تشاد خلال الشهرين الماضيين هرباً من جحيم الحرب, وأنَّ معظمهم من بلدتى كرنوى وأمبرو (صحيفة الخليج الإمارتية 4 أكتوبر2003م), كما دخل معلمو الأساس والثانوي بمدينة الفاشر في إضراب مفتوح إبتداءاً من يوم الإثنين السادس من أكتوبر, وأعلنت الهيئة الفرعية لعمال التربية في بيان لها أن الإضراب سيستمر إلى حين تسديد متأخرات المعلمين إعتبارا من عام 98 وحتى عام 2003م، البالغ قدرها 7 مليارات جنيه، إلى جانب تعديل فروقات تحسين الرواتب لعام 2003م، مع تسوية كافة المتأخرات (جريدة الصحافة 7 أكتوبر 2003م). وقد وقع إعتداء على قرية "سنقطة" بجنوب دارفور قامت به بعض عناصر الجنجويت وحرقوا الجزء الجنوبي منها كما نهبوا جميع الممتلكات بها, كما تعرضت قرية "حلوق" شرق نيالا فى غضون ذلك لإعتداءات مماثلة راح ضحيتها "28" شخصاً (صحيفة الأزمنة 9 أكتوبر 2003م). على العموم ما يرد من أخبار فى إعلام الخرطوم يمثل المعلوم فقط, لكن ذلك نفسه لا يمثل إلاَّ القليل مما يحدث فى دارفور حقيقية, فأين الحكومة؟
وكأنَّ كل ذلك لم يكف الإقليم من إهمال ومشاكل فقد تم منع السفير البريطانى بالسودان من زيارة مدينة نيالا بعد أن أكمل زيارة ناجحة للفاشر إجتمع خلالها بالوالى ومسؤولي الأمم المتحدة وزعماء وممثلى القبائل في شمال دارفور, وإضطرت السفارة البريطانية لإصدار بيان إزاء تلك البلبلة جاء فيه: "خصصت المملكة المتحدة مليون جنيه إسترليني كمنحة لمبادرة الأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية لدارفورالكبري. ولمتابعة هذه المنحة سافر سفير صاحبة الجلالة السيد وليام باتي إلى دارفور في الثلاثين من سبتمبر لزيارة مسؤولى الأمم المتحدة ومناقشة قضايا دارفور مع المسؤولين المحليين وممثلي القبائل. وقد تحصل السيد السفير على تصريح رسمي بالسفر إلى كل من الفاشر ونيالا. سعد السيد السفير كثيرا بزيارته الناجحة جدا إلى الفاشر حيث إستضافه سعادة السيد وإلى ولاية شمال دارفور، عثمان محمد يوسف كبر، وتيسر له خلالها الإجتماع بمسؤولي الإمم المتحدة وزعماء وممثلى القبائل في شمال دارفور، وناقش معهم الوضع الراهن في دارفور، لقد مكنت هذه الزيارة سعادة السفير من تقييم الوسائل التي يمكن أن تقدم المملكة المتحدة من خلالها المزيد من المساعدات الإنسانية في شمال دارفور. إنه لأمر مؤسف أنَّ سعادة السيد السفير لم يتمكن من القيام بتقييم مماثل للموقف في جنوب دارفوركذلك لم يتمكن من مناقشة الدعم الذي يمكن أن تقدمه المملكة المتحدة في المستقبل مع المنظمات المحلية" (جريدة الصحافة 6 أكتوبر 2003م), لكنَّ صحيفة الوفاق الجريئة كتبت فى عنوان رئيسى لها "السفارة البريطانية تصدر بياناً حول إغلاق الطريق أمامها في دارفور والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها" (صحيفة الوفاق 6 أكتوبر 2003م), وأوردت الخبر وكأنَّ هناك مؤامرة منعت السفير البريطانى من إكمال جولته فى ربوع دارفور, لكن لم يتسنى لنا معرفة تفاصيلها, وبدورها, وعلى نحو ما نطالعه من أخبار السودان على الإنترنت, فإنَّ الحكومة السودانية سكتت عن إصدار أى بيان توضيحى لملابسات الحادث, ومهما يكن من أمر فليس هنالك ما يبرر إعتراض السفير طالما أنَّ زيارته تمثل فى الأساس رسالة خير وأنَّ سيادته قد تحصل مسبقاً على إذن من السلطات المعنية بالخرطوم بزيارة المدينتين, لكننا سنسعى لتقصى الحقيقة فى هذا الأمر ونخشى أن تتكرر مع آخرين فى مقبل الأيام.
إنَّ المعضلة الصعبة التى تواجهها دارفور اليوم وفى المستقبل هى مشكلة مليشيات الجنجويت المنفلتة والتى ظلت, رغم موافقة الحكومة فى إتفاقية الهدنة بضبطها, تعيث فى الأرض فساداً وتدميراً وقتلاً دون وازع من ضمير أو ذرة من دين, ويعتقد الكثيرون بأنَّ هذه المليشيات قد صنعتها الحكومة ودربتها ومولتها بالمال والسلاح بالرغم من نكرانها لذلك, لكن أتى إعترافها الضمنى بمسئوليتها فى بنود الإتفاقية بقدرتها على ضبطها ونزع أسلحتها ليؤكد المشكوك فيه, بل إنَّ خبراً صغيراً ورد فى جريدة الحياة الخرطومية, قد لا يثير الإنتباه من الوهلة الأولى, جاء حافلاً بالتأكيد القاطع لعلاقة الحكومة بهذه القوات, إذ أورد الخبرإستشهاد شرطي وإصابة "5" في إشتباك مسلح ببلدة هبيلا بغرب دارفور, وأنَّ "القوات المشتركة من الجيش والشرطة و(الفرسان) ألقت القبض علي «9» متهمين بمنطقة «نوقيا» بولاية جنوب دارفور بعد تنفيذهم لإعتداء مسلح علي قوة من الشرطة كانت في طريقها من منطقة هبيلا الي الجنينة, وكانت تعمل علي حراسة مدير شرطة هبيلا" (صحيفة الحياة الخرطومية 6 أكتوبر 2003م), والسؤال المباشر الذى يفرض نفسه هنا هو من هم هؤلاء الفرسان؟ والإجابة الوحيدة للذين يعرفون الأمور فى دارفور هى أنهم هم الجنجويت الذين يتحركون دائماً فى شكل كتائب مع القوات المسلحة حيث يتبادلون الدفاع عن بعضهم البعض. هذه القوات أسماها والى شمال دارفور فى أعقاب مذبحة كتم الشهيرة "بالقوات الراكبة الذين يدعون مساندة الحكومة" (البيان الأماراتية 17 أغسطس 2003م), وقد سبق أن أشارت لجنة محامي دارفور بالخرطوم صراحة لذلك فى مذكرة لها لوزير العدل عن ما حدث بمدينة كتم وما حولها, وعن علاقة الحكومة بتلك القوات, إذ ذكرت: "أنه و بتاريخ 5/8/2003 إعتدت مجموعة من الجنجويت علي مدينة كتم وعاثت فيها فسادا من قتل وتدمير للممتلكات ونهب بصورة إنتقائية وهذه القوة تم تسليحها وتدريبها بواسطة الحكومة" (صحيفة الأيام 18 أغسطس 2003م), وكعادتها قامت الحكومة بنفى ذلك أيضاً, لكن لا يمكن السكوت مطلقاً عن كشف الحقيقة إذ لا بد أن تتكشف الحقائق فى لحظة ما, فبعد لأى وتمنع إعترف والى شمال دارفور إعترافاً ضمنياً, ولأول مرة, بعلاقة قوات الجنجويت بالحكومة, وأجاب رداً على إستفسار صحفى أنَّ "الجنجويت إستنفروا ضمن الإستنفار الذي شمل كل القبائل لمعالجة الوضع في دارفور لكن المشكلة الآن ظهور أشخاص يدعون أنهم مع الحكومة ويقومون بشن الهجمات" (صحيفة الأيام 9 أكتوبر 2003م). لقد ذكر المواطنون الذين نجوا من تلك المذبحة وفروا من المدينة أنَّ بعض المتنفذين من أهل المدينة حاولوا إيقاف المليشيات المهاجمة عن دخول المدينة, وهددوهم بإبلاغ والى الولاية فوراً إذا لم يعودوا أدراجهم, لكنَّ قائد القوة ردَّ عليهم بأنهم لا يستلمون أوامرهم من السلطات المحلية وإنما يستلمونها من الخرطوم رأساً! فدخلوا المدينة وإستباحوها لثلاثة أيام خلفوا وراءهم عشرات القتلى والجرحى. الآن, وبرغم إتفاقية الهدنة, ما زالت قوات الجنجويت تسرح وتمرح فى أرض دارفور, وربما بعلم الحكومة, ويقول الأهلون هناك إنَّ الحكومة تعطى قيادات كتائب هذه المليشيات رتب عسكرية إسمية رفيعة, فقائد المجموعة التى إنتهكت كتم كان برتبة (لواء أركانحرب) إسمية, ويتسلم مرتب شهرى مقداره 20 مليون جنيه لصرفها على نفسه ومجموعته, وعليه تكون الحكومة قد أخلَّت بشرط رئيسى من شروط الإتفاقية متمثلاً فى البند الثانى مما قد يثير التساؤل عن موقفها من الإتفاقية.
مشروعية تأجيل التفاوض إلى أجل مسمى:
بناءاً على ما يحدث الآن فى الإقليم من إنفلات أمنى وغياب رؤى واضحة للخطوات التى يجب إتباعها فى الفترة القادمة, ثمَّ إنشغال الحكومة بكاملها بشأن تكملة مفاوضات السلام مع الحركة الشعبية بكينيا, فليس من الحكمة التسرع فى الدخول فى مفاوضات موازية بينها وبين الحركة المسلحة فى دارفور, وقد لا يتم ذلك فى المستقبل القريب لدواعى منطقية تعترض تنفيذ ذلك, فبموعد نشر هذا المقال يكون قد تبقى من فترة ال 45 يوماً, المتفق عليها كهدنة, أسبوع واحد فقط, على أن يجتمع الجانبان ربما فى العشرين من هذا الشهر لبدء التفاوض حول الملاحق والمذكرات التفسيرية, أو ملفات قضايا المطالب والحقوق بلغة أخرى, فكيف يمكن ترتيب أمر المفاوضات فى هذه الفترة الضيقة؟ وعليه فنحن نرى أنَّ هنالك جملة من المبررات المنطقية مما يجعل التأجيل أمراً مشروعاً, نجملها فى الآتى:
(1) حسب ما جاء فى النقطة "ب" من رقم "2" من البند السابع من الإتفاقية أنَّه "في اليوم الخامس عشر من بداية وقف إطلاق النار يتم إجازة الجدول الزمني المكمل لأعمال الفترة المتبقية حتى نهاية ال 45 يوماً", هذه النقطة لم تتم حسب ما ظللنا نطالعه فى وسائل الإعلام, وتبعاً لذلك فإنَّه يفتح الباب لوجوب تمديد فترة الهدنة حتى يتم تنفيذ هذا البند, والذى يتضمن أيضاً تحديد إجراءات التفاوض والجوانب الفنية الأخرى المتعلقة بها.
(2) عدم وفاء الحكومة بواجبها نحو "التحكم والسيطرة على المجموعات المسلحة غير النظامية في مسارح العمليات", كما ورد فى البند الثانى, وإستمرار قوات الجنجويت فى القتل والسحل وتدمير القرى يشكل خرقاً لبند أساسى فى الإتفاقية, يسند ذلك إهتمام الحكومة المبكر بتجميع قوات الحركة المسلحة فى مناطق معلومة دون موازاة ذلك بأى إجراءات للسيطرة على الجنجويت, بل ظلت ساكتة على أفعالهم وما زالت تستعين بهم كما تكشَّف فى حادثة بلدة هبيلا المذكورة أعلاه.
(3) لا الحكومة ولا الحركة المسلحة تبدوان جاهزتين من حيث الإعداد الجاد للتفاوض, فالحكومة مهتمة بكلتيها بمحادثات كينيا والمؤتمر العام لحزبها السياسى الحاكم, والحركة ما زالت تستشير قواعدها وأهل دارفور حول تطلعاتهم فى مفاوضات السلام.
(4) الحركات المسلحة المتفاوضة يجب ألاَّ يغيب عنها حقيقة أنَّها لا تتفاوض نيابة عن نفسها فقط بل وعن أهل دارفور كلها والمناطق المهمشة عموماً, وبهذه الصفة فلديها إلتزام أخلاقى أن تستصحب أفكار وآمال تلك المجموعات, ولا يكون ذلك ممكناً إلاَّ إذا إستعدت إستعداداً مؤهلاً ودفعت للمفاوضات بوفد تفاوضى "سياسى" قوى ومحنَّك وملفات تفاوضية متكاملة وشاملة لكل القضايا المهمة. ويجب أن يفهم قادة الحركة أنَّ الحكومة ستحاول خداعهم وتمرير بعض الحلول الماكرة يصعب التنصل منها مستقبلاً أو حتى إعادة التفاوض عليها.
(5) إذا رفضت الحكومة تأجيل موعد التفاوض فللحركة المسلحة الحق فى إتخاذ ذلك من طرف واحد, عن طريق إلتماس أو تبليغ الرئيس التشادى راعى المفاوضات بذلك قبل حلول موعد التفاوض بوقت كافى, والبند الثامن من الإتفاقية ينص على أنَّه "في حالة وقوع خلاف حول بنود هذه الإتفاقية أو بروز مشكلة لم يشر إليها يقوم الطرف الثالث بمهمة التوفيق بين الطرفين", وطالما لم يرد شيئ فى بنود إتفاقية الهدنة عن إحتمال تمديدها, أو تأجيل التفاوض بعدها, فيمكن للجانب التشادى إضافة ملحق ليشمل ذلك.
(6) من المهم جداً للحكومة أن تدرك أنَّ التفاوض برمته لا يعنى تحقيق مكاسب أو تسجيل نقاط على حساب الآخر لأنَّ ذلك قد يبعث الخلاف مجدداَ وبصورة أكثر ضراوة, وحروب الجنوب خير مثال لذلك, وعليه فيجب عليها أن تعى أنَّ الهدف الأساسى من المفاوضات هو محاولة جادة لخلق دولة معافاة من الحزازات والغبائن من خلال آليات العدل والإنصاف ورد الحقوق, وأنَّ مسار السلام سوف لن تتعدل إذا بقيت دارفور مظلومة على الهامش كما هو الحال منذ ضمها لدولة السودان.
(7) في عموده اليومى "أصوات وأصداء" بجريدة الأيام أشارالسيد محجوب محمد صالح إلى ضرورة تأجيل موعد المفاوضات, إذ قال: "إن فترة الهدنة المتاحة «ستة اسابيع» بالنسبة لقضية دارفور أقصر من أن توفر الزمن المطلوب لبحث هذه القضايا، والوصول إلى حلول لها ونثق أنه لن يكون من الصعب تمديد الفترة الزمنية لتتيح الوقت الكافي لدراسة القضايا العديدة المثارة وإستصحاب كل وجهات النظر للمجموعات الإثنية المختلفة التي تتعايش في هذا الإقليم" (الأيام 30 سبتمبر 2003م).
(8) البيان الذى نشرته القيادة الميدانية لقوات التحالف الفدرالى مؤخراً حول وقف الدكتور شريف عبدالله حرير نائب رئيس تنظيم التحالف الفدرالى الديمقراطى السودانى والوفد المرافق له فى مطار إنجمينا ومنعه الدخول إلى تشاد بالرغم من موافقة الرئيس التشادى على تلك الزيارة يلقى بظلال ثقيلة على الدور التشادى الحقيقى حيال الإتفاقية, وإذ يحدث ذلك للتحالف الفدرالى وهو طرف مؤثر فى ثورة دارفور فيجدر بالفصائل الأخرى أن تنتبه لما حدث وتتريث فى الإندفاع نحو أى تعامل تتعلق بالإتفاقية.
ملفات التفاوض:
بالرغم من أنَّ كل الدلائل تشير إلى إستحالة المضى قدماً فى مرحلة التفاوض حسب الموعد المضروب إلاَّ أنَّه يجب على قيادة الحركة المسلحة الإستمرار والتشاور فى إعداد الملفات المطلوبة للتفاوض, وعليه فنحن نطرح هنا بعض الإقتراحات والرؤى التى قد تعينهم فى القيام بتلك الترتيبات, آملين أن ينشط أبناء دارفور حول العالم بمساعدتهم فى ذلك.
تحتوى ملفات التفاوض بالنسبة لوفد الحركة المسلحة على جملة من القضايا محل الخلاف بينها وبين الدولة السودانية, ممثلة فى نظام الإنقاذ, قد تكون بعضها تاريخية موروثة وأخريات آنية تحتاج لمعالجات محددة, هذه المعالجات, أو الحلول, هى بالأساس إستراتيجية الصبغة, أى تتعامل مع تلك القضايا بحلول جذرية تتصف بالفعالية والعقلانية والإستدامة. ثمَّ أنَّ الملفات المعروضة تشتمل على أبعاد متعددة تتضمن البُعد المحلى, والبُعد القومى, والبُعد الدولى بحسبان أنَّ قضية دارفور قد فرضت نفسها على المجال الدولى متمثلةً فى الإهتمام التشادى والليبى والمصرى والأمريكى والبريطانى والفرنسى والأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية وغيرها من الدول والمنظمات العالمية تجاه ما يدور فيها, ولذلك فلابد من أخذ هذه الأبعاد وتفاعلاتها بالنسبة لقضية الإقليم. ويمكننا فى هذا المقال أن نقدر نوعية الملفات التى سيعرضها وفد الحركة المسلحة مستنتجين ذلك مما ورد فى الإعلانات السياسية المؤسسة لفصائلها ثم على طبيعة الأوضاع على أرض الواقع فى دارفور.
من الناحية المنطقية ستنقسم ملفات المفاوضات بالنسبة إلى الحركة إلى قسمين: ملفات قومية تشمل كل السودان, وملفات محلية خاصة بإقليم دارفور, نوجزها فى النقاط التالية:
[1] ملفات القضايا القومية:
سوف لن يستطع وفد الحركة المسلحة أن يفعل شيئاً تجاه ملفات القضايا القومية أكثر من عرض رأى الحركة, ودارفور عموماً, حول ما يتوجب أن تكون عليه الأوضاع فى مستقبل الدولة السودانية طالما أنَّه من الثابت قيام المؤتمر الدستورى لمناقشة قضايا البلاد المختلفة والخروج برؤية قومية ينبنى عليها كتابة دستور جديد دائم لحكم البلاد, ومما يسهل لوفد الحركة التعامل مع هذا الموضوع هو أنَّ البيانات التأسيسية للحركات الثلاثة الكبرى بدارفور كلها قومية التوجه, وكلها تعنى بالمشهد القومى الكبير ولا تتناول البعد الإقليمى لدارفور إلاَّ فى نقاط ضيقة تبلغ درجة العدم, وكتوضيح لذلك نورد أدناه ملخصاً لمحاورالبيانات التأسيسية والسياسية (Manifestos) للحركات الثورية بدارفور كما يلى:
محاور البيان التأسيسى لحركة تحرير السودان تتمثل فى القضايا التالية:
(1) وحدة السودان, (2) حقوق الإنسان, (3) نظام الحكم, (4) الهوية، الثقافة، السلطة والثروة, (5) الدين, (6) الصراع المسلح والمجموعات المعارضة المسلحة, (7) القبائل والجماعات العربية فى دارفور, (8) الحل السلمى للمشكل السودانى, (9) التجمع الوطنى الديمقراطى, (10) الدول المجاورة والمجتمع الدولى.
محاور البيان التأسيسى لحركة العدل والمساواة السودانية تتمثل فى القضايا التالية:
(1) حقوق الإنسان, (2) نظام الحكم, (3) الثروة, (4) الدستور, (5) الجيش والديمقراطية, (6) الأحزاب والتعددية, (7) المشكلة الإجتماعية, (8) الدين والدولة, (9) الوحدة وتقرير المصير, (10) المشكلة الثقافية, (11) المواطنة.
محاور البيان التأسيسى لتنظيم التحالف الديمقراطى الفدرالى السودانى تتمثل حول القضايا التالية:
(1) نظام الحكم, (2) العدالة الإجتماعية والثقافية, (3) الدين والسياسية, (4) حكم القانون, (5) الحريات الأساسية, (6) الخدمة المدنية والعسكرية, (7) العلاقات الخارجية, (8) الإقتصاد السوداني, (9) المرأة.
وتأسيساً على ذلك يمكننا تحديد ملفات القضايا القومية التى قد يطرحها الوفد المفاوض للحركة المسلحة لتشتمل على الآتى دون تفصيل:
(1) نظام الحكم على مستوى رئاسة الجمهورية والأجهزة العليا, (2) الديمقراطية والتعددية, (3) الفدرالية ونظام الحكم بالولايات, (4) الدستور, (5) العلاقة بين الدين والدولة, (6) وحدة السودان وقضية تقرير المصير, (7) الهوية القومية وقضايا الثقافة, (8) توزيع الثروة القومية, (9) كيفية المشاركة فى السلطة المركزية, (10) حقوق الإنسان, (11) حقوق المرأة والطفل, (12) الجيش القومى.
ويبقى واجباً على الحركة أن تعد ملفات جيدة حول هذه المحاور لأنها ستتحدث عنها نيابة عن قواعدها والشعب السودانى العريض, ونجاحها فى هذا الجانب قد يساعد كثيراً فى بلورة مفاهيم عملية تساعد الجماعات المتفاوضة لاحقاً فى المؤتمر الدستورى القومى.
[2] ملفات قضايا إقليم دارفور:
قضايا دارفور ستشكل ساحة الجدل وستأخذ جلَّ وقت المفاوضات وإلاَّ لما كانت هناك ثورة بالأساس, وتبعاً لذلك ستكون الملفات ذات طبائع ومتطلبات محددة حسب نوعية كل ملف, والتى يمكن تفصيلها, لا حصراً, فى الملفات التالية:
(1) ملف خصوصية دارفور:
هذا الملف أساسى ويجب أن يبادر وفد الحركة بعرضه إبتداءاً كونه يبنى الأرضية المناسبة لطرح قضايا دارفور, ويشكل سياجاً مناسباً لتوجيه التفاوض بطريقة تخدم فلسفة وفد الحركة للحصول على مكاسب جيدة, ويجب على وفد الحركة أن يضغط لكى يؤمن عليه الجانب الحكومى إبتداءً, ومن المناسب أن يحتوى هذا الملف على النقاط التالية:
أ- كانت دارفور دولة مستقلة وضمت لدولة السودان قسراً دون إستشارة أهلها, ثم صارت جزءاً من دولة السودان المستقل دون إشراكها أو إستشارتها أو أخذ موافقتها حول ما يجب أن يكون عليه وضع الحكم فى البلاد.
ب- قضية دارفور, عبر العمل المسلح, قضية سياسية ولا بد لها على هذا الأساس أن يكون حلها سياسياً عبر الحوار, وهي ليست قضية نهب مسلح ولا قطاع طرق.
ت- جوهر الحل الحقيقي لمشكلة دارفور تتمثل فى السلام العادل والتنمية المستدامة, والمشاركة المنصفة فى مواعين السلطة والثروة القومية, وهى مشاكل بالنسبة لدارفور قديمة، ومتجددة، وعمرها من عمرإستقلال السودان.
ث- يجب أن تؤدى المفاوضات إلى تسوية تاريخية تحدد العلاقة العادلة والمتوازنة بين دارفور والدولة السودانية, وتضع حداً للصراع مع المركز, وتضمن التنمية المتوازنة المستدامة التي تضع حدا لظلم موروث ومستحدث, وتقيم الحكم على أساس العدل والمساواة.
ج- ضرورة إعتراف الحكومة بخطل سياساتها فى دارفور, مع ضرورة إعتذارها عن دورها فى الدمار الذى لحق بدارفور وأهلها, و تخريب التعايش السلمى بين القبائل من خلال تدمير هياكل الإدارة الاهلية, وإستقطاب بعض قادتها, وخلق صراعات فيما بينها, والذى إنعكس سلبا على الإستقرار الأمني، وتسليح بعض القبائل والمليشيات والإستعانة بها لمحاربة قبائل أخرى, وتفتيت ديار القبائل الموجودة عبر التاريخ.
(2) ملف التعايش السلمى:
يشترك فى تناول هذا الملف كل القوى المهتمة بشأن دارفور, فإلى جانب السلطات المحلية وأبناء وقيادات القبائل نفسها, فإنَّ قوى مقدرة أخرى مثل السلطة المركزية السودانية ومنظمات المجتمع المدني والقوى السياسية والدولية لها أدوار موازية لتدارك إفرازات الصراع وإنهيار التعايش السلمي بين القبائل المختلفة, فخلال فترات الصراع المحموم ترسبت في المجتمع الدارفورى مرارات وثارات وبات إسترداد التعايش السلمى يحتاج لمجهودات جبارة وحلول مبرمجة بإشراف كل الأطراف نجمل بعضها فى المستويات التالية:
مستوى البرامج العاجلة (من شهر إلى شهرين):
أ- إعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية بأسرع طريقة ممكنة, ففى آخر إحصائية عن العدد الكلى لهؤلاء ذكر السيد عثمان كبر والي شمال دارفور إنَّ عددهم بالولاية يبلغ أكثر من 404 ألف (الرأى العام 9 أكتوبر 2003م), لكنَّ وكالة الأمم المتحدة لشئون النازحين أعلنت فى تقرير عاجل لها مؤخراً أنَّ جملة العدد حولى نصف مليون وناشدت المجتمع الدولى بحاجتها العاجلة لمبلغ 6و16 مليون دولارلإنقاذ 70 ألف مواطن يتعرضون للموت ويعيشون منذ شهور على الحدود السودلنية التشادية.
ب- وضع برامج عاجلة لتوفير المساعدات الانسانية العاجلة للذين تعرضت قراهم ومزارعهم للحرق والتدمير.
ت- إنشاء صندوق قومى عاجل لتوفير مبالغ نقدية وهبات عينية للعائدين لمناطقهم لمساعدتهم فى إسترداد أنماط حياتهم العادية, هذا الصندوق يجب أن يتم تمويله من الخزينة المركزية مباشرة مع إستقطاب العون الدولي وإستنفار منظمات المجتمع المدني لدعمه.
ث- القضاء التام على مليشيات الجنجويت سواء بسيطرة الحكومة عليهم أو تصفيتهم عسكرياً مع محاولة إدماج التائبين منهم فى المجرى العام للمجتمع.
مستوى البرامج متوسطة المدى (خلال السنة الأولى):
أ- إعادة بناء المدارس وتأهيل المستشفيات وإقامة مشاريع المياه وتأمين الطرق وتنظيم الأسواق وتهيئة البنية التحتية لدعم التعايش السلمى.
ب- تنظيم مسارات القبائل الرحل وفتح ممرات أمنة لهم ولحيواناتهم ووضع التدابير الكفيلة بمنع الإحتكاكات والتعدى على حقوق الغير.
ت- العمل على بناء القدرات بكل مناطق دارفور وإنشاء آلية فنية مختصة بالتعاون مع برنامج وكالة التنمية الأمريكية التى إقترحت تطبيق مبادرة أبيى للتعايش السلمى فى دارفور.
مستوى البرامج طويلة المدى (سنة واحدة فأكثر):
أ- وضع إستراتيجية طويلى المدى لإعادة بناء النسيج الإجتماعي بدارفور بعد الحروب التي جعلت القبائل تقتتل مع بعضها البعض.
ب- مراجعة قانون الإدارة الأهلية وإعادة تأهيلها بما يضمن لها السيطرة على الخلافات القبلية كسابق عهدها لقرون فى ضبط دارفور, وإقرار ممارسات الشورى والأعراف في اختيار زعماء القبائل.
ت- إلغاء إمارات القبائل المصطنعة التي إستحدثتها حكومة الإنقاذ بغرض تفتيت القبائل لتسهل السيطرة عليها.
ث- تثبيت حواكير القبائل كما كانت يوم خروج المستعمر في عام 1956م, وإعتبار القبائل والبطون التى تم زرعها أو فرضها بالقوة وبضغط من الدولة فى ديار قبائل أخرى قبائل راحلة, ويمكن إعطائهم صفة عموديات الرحل فى أراضى تلك الديار.
ج- تكوين مجلس شورى قبلى يضم زعماء كل القبائل بدارفور بواقع ممثل واحد فقط لكل قبيلة هو زعيمها, ويكون هذا المجلس بمثابة برلمان أهلى لشئون القبائل, ولها صفة الإستشارية فقط, ويكون لها مقر دائم بمدينة الفاشر, العاصمة التاريخية لدارفور, ولها أمانة دائمة, وتتبع للوالى مباشرة, وتنعقد جلساتها مرتين على الأقل فى العام. مثل هذا المجلس سيكون له أثر إيجابى وسريع فى رفد التعايش السلمى بدارفور ودعم خيارات التعاون والتصالح.
(3) ملف قسمة الثروة القومية:
هذه من الملفات التى سيتناولها المؤتمر الدستورى أيضاً بالنسبة لقسمة الثروة القومية بين ولايات شمال السودان, بعد أن أخذ الجنوب حقوقه كاملة فى هذا الجانب, إلاَّ أنَّ وفد الحركة يمكنه طرح رؤى محددة فى هذا المجال فيما يختص بدارفور, نوجزها فى الآتى:
أ- تتم قسمة المبالغ المقررة على أساس التمثيل النسبى لسكان الولايات, وسيعتمد ذلك على آخر التقديرات الإحصائية لسكان كل ولاية ثم على التعداد السكانى القومى المقرر إجراءه خلال السنوات الثلاث الأولى من الفترة الإنتقالية.
ب- إعتماد مبدأ "التمييز الإيجابى" لتعويض الولايات الأقل نمواً جبراً لتخلفها ويتم تخصيص نسبة من الميزانية المقررة للقسمة للصرف عليها.
ت- مراجعة الكيفية التى إنفقت بها ديون السودان الخارجية منذ الإستقلال وعدم تحميل الولايات التى لم تستفد منها فى تسديدها.
ث- إنشاء آلية تتمثل فيها جميع الولايات لضمان الشفافية والنزاهة فى عملية تقسيم الثروة.
ج- حصول دارفور على حقها من موارد البترول المنتجة من حقل أبو جابرة, وبأثر رجعى منذ بداية الإنتاج فيه, مع تحديد نصيبها كاملاً فى إيرادات المستقبل.
(4) ملف المشاركة فى السلطة:
لم يشارك أهل دارفور بصورة عادلة بالنسبة لعدد سكان الإقليم فى كل الحكومات منذ الإستقلال, وظلَّ تمثيلهم هامشياً متمثلاً فى وزارات الدرجة الثالثة والرابعة, وعليه:
أ- إعتماد مبدأ التمثيل النسبى لعدد سكان الولايات فى توزيع الوزارات والمناصب القومية الكبرى.
ب- حصول دارفور لوزارة واحدة على الأقل من وزارات السيادة وهى الداخلية, الخارجية, الدفاع, والمالية.
ج- إعتماد مبدأ الترشيح والإنتخاب الحر المباشر لمنصب رئاسة الجمهورية.
(5) ملف حكم الإقليم:
أ- تطبيق نظام الحكم الفدرالى فى حكم دارفور والسودان, وأن تعود الولايات كسابق عهدها كمديريات, وذلك توفيراً للصرف ومنعاً لعمليات الفرز العرقى التى طبقته نظام الإنقاذ.
ب- أن يحكم الإقليم نفسه بنفسه عبر صناديق الإقتراع علي كل مستويات الحكم الإقليمي والولائي والمحلي, وأن ينتهي تصدير الحكام والولاة من المركز إلي الأقليم أو تنصيبهم فيها دون إرادة سكانها.
ت- أن تكون لحكومة الولاية حق النقض (الفيتو) علي السلطات الإتحادية في الأمور التي تتعلق بهيكل إدارة الإقليم مثل تعديل الحدود الإدارية وقضايا الثقافة والتراث.
ث- رد الإعتبار للإدارة الأهلية كآلية تاريخية أصيلة ومصدر تراثى إلهامى لضبط إنفلات القبائل وإثراء جوانب التعايش السلمى بين القبائل.
(6) ملف مشاريع التنمية والخدمات الإجتماعية:
هذا البند هو بيت القصيد إرساء دعائم الحل الدائم لمشكلة دارفور, ولمَّا كانت التنمية والخدمات الإجتماعية عملية مستمرة فليس من المهم هنا الإشارة إلى تنفيذ مشروعات بعينها, وإنما المطلوب هى الآلية التى تقوم برسم السياسات اللازمة لذلك, ومن ثمَّ تخطيط وتنفيذ المشاريع والبرامج المختلفة, ومن أجل ذلك نقترح الآتى:
أ- تشكيل مفوضية عليا للتنمية بدارفور تكون تابعة لرئاسة الجمهورية مباشرة يرأسها شخص بدرجة وزير, أو وزير دولة على الأقل, لكنه يكون محاسباً أيضاً من والى ولاية دارفور وبرلمانه.
ب- كفالة مجانية التعليم وإلزاميتها لكل طفل بلغ سن الدخول للتعليم الأولى, وكفالة مجانية العلاج, والتوسع فى برامج محو الأمية وتعليم الكبار خاصة المرأة.
ت- تنفيذ المشاريع الزراعية فى ساق النعام وأم بياضة ووادى صالح وأم عجاجة وقوز دنقو وهبيلا وغيرها على أساس الإستثمار الحر, وتقسيم الأراضى فيها إلى حواشات يتم إستصلاحها على أساس الحيازة بالوكالة بحيث يمكن نزعها إذا فشل المزارع فى إستثمارها.
ث- إنشاء صوامع الغلال ومشاريع المياه لدعم الأمن الغذائى والمائى بالإقليم, خاصة فى سنوات الجدب والجفاف والذى تكرر كثيراً فى العقود الأخيرة, وزاد من حدة الصراع على الموارد مما أدى إلى الحروبات والنزاعات المسلحة.
(7) ملف حقوق دارفور التاريخية:
لدارفور حقوق تاريخية سلبت منها قهراً بواسطة المركز ولم تسترد حتى الآن مما يعنى طرح المطالب الآتية:
أ- إستعادة دارفور للأوقاف التى أنشأها السلطان على دينار فى الأراضى المقدسة, منها أرض القنصلية السودانية بجدة, وعدد من قطع الأراضى والمبانى بكل من مدن جدة, مكة المكرمة, والمدينة المنورة. لقد قامت وزارة الشئون الدينية والأوقاف السودانية مؤخراً بحصر كل تلك الأوقاف وتملك وثائقها, كما قامت بتتبع المفقود منها, وقد آن الأوان أن تعود تلك الأوقاف إلى وريثتها الشرعية ممثلة فى حكومة ولاية دارفور.
ب- عودة كل أراضي دارفور التاريخية التي ضمت للإقليم الشمالي (قطاع الميدوب والعطرون), وكذلك منطقة حفرة النحاس التى ضمها نظام النميرى لبحر الغزال.
ت- إستعادة الآثار التاريخية والأثرية لدارفور من داخل وخارج السودان.
ث- إسترداد أهل دارفور لأموالهم التى ضاعت فى مؤامرة طريق الإنقاذ الغربى وتحمل حكومة الإنقاذ لذلك, ولا يجب أن يحسب ذلك فى نصيب الإقليم فى بند قسمة الثروة أو ميزانية التنمية.
(8) ملف تعزيز التجارة والتعاون الدولى:
أ- أن تمتلك ولاية دارفورحقوق التبادل التجارى والثقافى والفنى والتعليمى والرياضى والتعاون مع دول الجوار دون الرجوع إلى المركز إلاَّ فيما يتعلق بقضايا الأمن القومى.
ب- أن تكون للولاية الحق فى عقد صفقات تجارية مباشرة مع كل دول العالم دون الرجوع إلى المركز.
ت- أن تكون للولاية الحق فى المشاركة فى المعارض الدولية ومواسم التسويق الخارجية وإستقبال وفود الإستثمار الخارجية دون تدخل من المركز.
ث- للولاية الحق فى رفض أى ترتيبات أو إتفاقات حكومية فى مجال الإستثمار تضر بمصالحها, مثل الإتفاقية الحصرية لتصدير الماشية السودانية إلى دول الخليج, أو تصدير اللحوم والمنتجات الأخرى عموماً, دون أخذ رأيها فى الإعتبار.
(9) ملف وضع قوات الحركة المسلحة بعد إتفاقية السلام:
تتفاوت التقديرات الخاصة بعدد القوات العسكرية لدى كل فصيل من فصائل الحركة المسلحة, لكن فى حال التوصل لإتفاقية سلام نهائية بينها وبين الحكومة السودانية فمن الواجب إستيعاب هذه القوات فى الجسم الكبير للجيش السودانى, على غرار ما تم فى إتفاقية أديس أبابا عام 1973م مع قوات الأنانيا, وأتفاقية الترتيبات العسكرية المبرمة مؤخراً مع الجيش الشعبى لتحرير السودان, أما فيما يختص بالحركة المسلحة بدارفور نرى الآتى:
أ- عدم حل قوات الحركة أو تسليم الأسلحة بعد التوصل إلى إتفاقية سلام إلاَّ بعد مرور وقت كافى يتفق عليه للتأكد من إلتزام الحكومة بتنفيذ ما يليها من متطلبات الإتفاق النهائى.
ب- إنشاء قوة عسكرية بإسم "حرس السلام" من قوات الحركة, نسبة لمعرفتها بدارفور ووعورة تضاريسها, تكون تابعة للجيش السودانى, ويتم تدريبها على فنون فض النزاعات بين القبائل فى دارفور, ومراقبة مسارات الرحل, وإستباق تفجر المشاكل نحو الأسوأ فى حال وقوعها, والقيام ببرامج توعية للقبائل لتعزيز سمات التعايش السلمى, هذه القوات طبيعة عملها ميدانية ولذلك يجب تجهيزها فى شكل فرق تتحرك على طول وعرض الإقليم, وتوفير معينات لها مثل الأسلحة و وسائل الحركة وطائرات الهليكوبتر والإتصالات الحديثة ومراكز للإمداد والتحرك والتنظيم, وسوف لن تتردد الجهات المانحة العالمية فى دعم مثل هذا البرنامج الفريد.
ت- إستيعاب أكبر قدر ممكن من المسلحين فى الجيش السودانى وإلحاقهم بالمستويات العسكرية المناسبة.
ث- إستيعاب غير المستوعبين فى الجيش السودانى فى القوات النظامية الأخرى مثل البوليس, السجون, حرس الصيد, حرس الحدود, قوات الجمارك, والخدمة المدنية.
(10) ملف الضمانات لتنفيذ الإتفاقية:
لا بد من ضمانات لتنفيذ ما قد يتفق عليه وتنزيله لأرض الواقع مخافة من تنصل الحكومة المركزية لاحقاً أو إنحياز الرئيس التشادى لجانب الحكومة, ولمَّا صار للبعد الدولى شأن مؤثر على القرار السودانى, مع إحتمال تواجده الذى سيكون متزايداً بدارفور فى فترة ما بعد توقيع إتفاقية السلام بين الحركة المسلحة فى دارفور والحكومة السودانية, فلا بد من وجودها فى لجنة الضمانات, وكذلك لا بد من تمثيل للحركة الشعبية لتحرير السودان كونها ستكون الشريك الرئيسى فى حكم السودان خلال الفترة الإنتقالية, وعليه فيجب على كل هؤلاء أن يكونوا من الضامنين لتنفيذ الإتفاقية بجانب الأطراف الأخرى, ونرى أن يشمل لجنة الضمانات الشخصيات التالية:
أ- فخامة الرئيس التشادى إدريس ديبى
ب- الدكتور جون قرنق دى مابيورالنائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس الحركة الشعبية
ب- سعادة السفير الأمريكى بالسودان
ت- سعادة السفير البريطانى بالسودان
ث- سعادة ممثل الأمم المتحدة بالسودان
أخيراً يمكن لهذه الملفات أن تزيد أو تنقص حسب ما تخرج به المشاورات التى تقوم بها الحركة المسلحة الآن على قدم وساق, لكنا نؤكد بأنَّه كلما كانت الملفات متعددة كلما كان ذلك خير لأهل دارفور نسبة لأنَّها ستكون أكثر تفصيلاً وشاملة لمعظم القضايا الأساسية لدارفور, إنَّ المطلوب من جانب أهل دارفور هو الوصول لإتفاق سلام بينهم والحكومة المركزية السودانية يعمل على تقويض البنيات التعريفية الجاهزة، ويعيد تركيبها، وإنَّ المطلوب أيضاً التوصُّل إلى (تسوية) تشمل إعادة النظر فى هيكلة الدولة بأسرها وتنهى علاقة الأبوة وفرض الوصاية بين دارفور ودولة السودان.
كلمة أخيرة للثوار:
مما لا شكَّ فيه أنَّ جماهير دارفور بأسرها تحيى ثوارها الأيامن وتقف من خلفها من أجل إنتزاع الحقوق التاريخية والمنصفة لكل شعب الإقليم, وتحملهم أمانيهم الغالية وأشواقهم فى العيش بعز وكرامة, وتسندهم على طاولات التفاوض مثلما ساندتهم على ساحات الحرب, وتتمنى أن يستصحب وفد دارفور المفاوض كل ذلك ويعلم تمام العلم أنَّ دارفور كلها مصطف خلفها وهم فى قاعات التفاوض حيث لا تنازل ولا تفريط فى حقوق البؤساء والمحرومين منذ إستقلال الدولة السودانية. بناء على ذلك, وقبل بلوغ مرحلة التفاوض, متى ما كان ذلك, يجب على قيادات الفصائل المسلحة العمل على تحقيق المطالب الآتية كضرورات ملحة ستساعدهم فى الخروج بنتائج إيجابية فى مائدة التفاوض, وهى:
(1) إنتهاز هذه المناسبة لتوحيد كل الفصائل العسكرية فى حركة واحدة تحت قيادة عسكرية وميدانية موحدة.
(2) تشكيل قياد سياسية ومكتب سياسى لتولى العمل السياسى والإعلامى للحركة المسلحة والترتيب لعملية التفاوض مع الجانب الحكومى وهذه مهمة لا تحتمل التأجيل أو التردد أو المزايدة.
(3) ضرورة إشراك القبائل العربية فى صنع القرار الدارفورى, ولا يجب أن يشكل أفعال قوات الجنجويت الضالة حاجزاً للتواصل مع العناصر العربية عموماً, وللحقيقة فإنَّه يكاد أن يكون كل أبناء القبائل العربية مستنكرون لما يحدث بإسمهم, وتنادى معظمهم للعمل الجاد لإزالة الأحقاد والمرارات التى تولدت من موجات العنف والدمار, إنَّ القبائل العربية جزء لا يتجزأ من دارفور: سكانها وتاريخها وتراثها وثقافتها, ولا يمكن تجاوزهم بأى حال من الأحوال.
(4) العمل لإنشاء مكاتب إعلامية ونقاط إتصال داخل وخارج السودان وضرورة التواصل مع المثقفين من أبناء الإقليم المنتشرين حول العالم.
(5) التفكير فى خلق تنظيم سياسى قومى جامع لأهل دارفور يتجاوزون بها التمثيل السياسى الفطير مثلما كانت فى العهود السابقة.
الولايات المتحدة الأمريكية
تمهيد:
ظل مصطلح "خارطة الطريق" يستعمل منذ زمن بعيد كدلالة على خطة إستراتيجية ممرحلة منوطة بأهداف محددة ومتراكبة على بعضها لتنفيذ مشروع معيَّن, ويتمثل إستخدامه بصورة واسعة فى المجالات الصناعية, خاصة فيما يتعلق بتطوير شرائح التكنلوجيا وتسييرالبحوث العلمية, كما يستخدمه أيضاً خبراء التخطيط الإستراتيجى وإدارة الأعمال فى وضع الأهداف المبرمجة لنشاط مرفق ما يعتمدون فيه على تكاملات التكتيك المرحلى والغايات القصوى للمشاريع المعتمدة, لكن أخذ المصطلح ينحو بقوة نحو فهم معين تبلور مؤخراً ليتشكل فى قالب سياسى عطفاً على المشروع الأمريكى الهادف لحلحلة النزاع الفلسطينى الإسرائيلى, وقيام الدولة الفلسطينية عبر مراحل تكتيكية ثلاثة لكل مرحلة أهدافها المحددة يتم تطبيقها على أرض الواقع لتكتمل جميعها في موعد أقصاه العام 2005م. وبالرغم من إنهيار هذا المشروع, كما هو مشاهد, إلاَّ أنَّ المعنى السياسى لعبارة "خارطة أو خريطة الطريق" قد إنداح وتم الترويج له فى وسائل الإعلام المختلفة ليتم إطلاقه على أي مبادرة تصالحية تقوم على مدخل سياسى شامل لحل قضية ماعلى أساس مرحلى متدرج مقرون بسقف زمنى محدد.
تأسيساً على ذلك بدأ بعض الصحافيين والمعلقين يصفون مفاوضات السلام الجارية الآن بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان ب"خارطة الطريق السودانية" لإتساقها فى العديد من جوانبها بخارطة الطريق العربية الإسرائيلية, فالدكتور منصور خالد سبق له أن نشر مقالاً بعنوان "مشاكوس خارطة الطريق الوحيده لقبول النظام وطنياً وتطهيره دولياً" (جريدة الأيام 24 يونيو 2003م), وكذلك صرح السيد الصادق المهدي أن السودان يحتاج إلى "خارطة طريق للسلام" (جريدة الصحافة 1 سبتمبر 2003م), ومؤخراً وصف اللواء الدكتور الطيب إبراهيم محمد خير المستشار الأمنى السابق لرئيس الجمهورية إتفاقية أبَّشى الموقعة بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان ب"خارطة طريق السلام لدارفور" (صحيفة الرأى العام 7/9/2003م) وذلك ما يهمنا تماماً فى هذا المقال, وهو تلمس المداخل المحتملة للمساهمة بتصور إستراتيجى عريض لحل قضية دارفور التى باتت تمثل مفصلاً محورياً فى المشكلة السودانية لا يمكن التوصل لإحلال السلام فى البلاد بدونها, وحقيقة فإنَّ هذه القضية, وبهذه الصفة, تشتمل على العمق والأهمية بمكان بحيث لا يمكن محاصرتها مثلاً بقرار رئاسى يحدد عطايا من الأوعية القومية المختلفة كإستحقاقات لحلها, بل إنَّها تتعدى ذلك بمراحل لتصطدم بمسألة جوهرية فى الشأن السياسى السودانى, تتمثل فى إعادة هيكلة العلاقة بين المركز والإقليم فى الدولة السودانية على أسس جديدة, ومن أجل خلق أوضاع قومية مغايرة تسمح بوجود مساحات رحبة للإنصاف والعدالة, وتساعد فى تقويم هشاشة الدولة السودانية الحديثة فى معظم جوانبها وتتصدى لتأمين مستقبلها.
لقد جاءت خارطة الطريق الأمريكية في وقت يشهد العالم فيه توترا سياسيا فى منطقة الشرق الأوسط, وسبقتها, وما تزال, مفاوضات سلام سودانية سودانية متعسرة متعثرة لرسم خارطة مشابهة ينتقد الكثيرون منهجها التفاوضى وقصورها على أطراف بعينها. وفى خضم ذلك نشبت ثورة دارفور بدلالات شاملة تشير بأن المشكلة السودانية ليست مشكلة بين شمال وجنوب, وأنَّ الشمال, فى هذه الحالة, ليس هو ذلك الشمال الجغرافى الذى تشير إليه الأطراف العالمية ووسائل الإعلام, بل هناك شرق وغرب أيضاً, وأنَّ لكل منها قضايا وإشكالات لا تقل أهمية عن تلك التى موجودة فى الجنوب, إذاً والأمر كذلك فإنَّ هذه المناطق ترغب أيضاً فى طرح "عرضحالاتها" أسوة بجنوب البلاد, والأهم فى ذلك أنَّها تطلب ذلك فى وقت تتم فيه قسمة الحظوظ فى المواعين القومية وبإشراف وضمانات دولية. تأسيساً على ذلك فقد حزمت دارفور أمرها وأعلنت قضيتها ويدور الآن نقاش عميق بين مكونات أبنائها ومثقفيها, الذين يقودون الثورة والذين يشاركون فى السلطة والمبعثرون فى الداخل والذين هم فى الشتات, هدفهم على السواء واحد وهو مستقبل دارفور فى نطاق الدولة السودانية الحديثة نعتقد هنا أنها بحاجة إلى "خارطة طريق" وما هذه الدراسة إلا محاولة نحو تأسيس ذلك.
سوف يشمل هذا المقال تقييماً لما تم تحقيقه حتى الآن من بنود إتفاقية الهدنة بين الحركة المسلحة بدارفور والحكومة السودانية, ثم نتعرض للمحاذير التى تكتنف عادة التعامل مع الحكومة الحالية فى مثل هذه المواقف, نقوم بعدها بتحليل إمكانية تأجيل مرحلة التفاوض, المتفق عليها فى الإتفاقية, لأجل مسمى أو غير مسمى, ولو من جانب واحد, ثم نقترح بعدها بشيئ من التفصيل بعض الملفات التى يمكن لوفد الحركة التفاوضى إستصحابها لاحقاً فيما لو بدأ ذلك التفاوض, ونختم المقال بمناشدة للإخوة قادة الثورة فى دارفور حول تدبر بعض القضايا الإستراتيجية فى المرحلتين الراهنة والقادمة.
تقييم موجز لما تم تحقيقه من إتفاقية الهدنة وطبيعة المرحلة القادمة:
جاءت إتفاقية وقف إطلاق النار بين حكومة السودان وجيش تحرير السودان, والتى تم التوصل إليها برعاية الرئيس التشادى إدريس ديبى بمدينة أبَّشي بتشاد في 3 سبتمبر 2003م, ودخل تنفيذها فعلياً فى 6 سبتمبر 2003م, محتوياً على 9 بنود, وأقرت الإتفاقية هدنة عسكرية لمدة 45 يوماً يتم خلالها إنجاز متطلبات محددة لتبدأ بعدها مفاوضات بين الجانبين للتوصل لسلام شامل فى الإقليم, والآن بعد مضى أكثر من شهرعلى مدة الهدنة المتفق عليها, وتبقى أيام معدودة لبدء التفاوض, يجدر بالمراقب أن يستعرض بنود تلك الإتفاقية بإيجاز لتقصى درجة الإلتزام بها وما تبقى فيها من بنود لزوم الفترة المتبقية من المدة الزمنية للإتفاق, قبل الدخول فى مفاوضات نهائية توطئة للوصول إلى سلام دائم ومنصف بين الجانبين, نستعرض تلك البنود مع ملاحظات عليها فى السطور التالية:
البند الاول: "وقف إطلاق النار بين الطرفين ووقف كل العمليات العدائية التي من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الأوضاع". بالرغم من إلتزام الحركة المسلحة بهذا البند تماماً, حتى قبل الدخول فى مرحلة تنفيذ الإتفاقية, نجد أنه قد وردت خروقات متعددة من جانب الحكومة فى هذا الموضوع, فمنذ وقت مبكر من بدء سريان الإتفاقية حذَّر مقاتلو الحركة الحكومة من التمادي في خرقها للهدنة مؤكدين أنهم سيردون "الصاع صاعين" إذا تواصل الخرق, وأشار الناطق بإسم حركة تحرير السودان لـ"الشرق الاوسط" أنهم أحصوا 5 عمليات عسكرية قامت بها الحكومة خلال الأسبوع الأول فقط من بدء سريان الهدنة رسمياً، وأضاف بإن الحكومة شنت غارات وقامت بمداهمة القرى، مما أدى إلى مقتل 125 شخصا (الشرق الأوسط 15 سبتمبر 2003م). وفى ذات السياق إتهم أمين عام حركة تحرير السودان القوات الحكومية قيامها بقصف مواقع حركة تحرير السودان مرتين بالمروحيات رغم الهدنة المعلنة، ما إدى إلى سقوط قتيلين وأربعة جرحى في صفوفها (جريدة الصحافة 16 سبتمبر 2003م), وأشار السيد عثمان محمد يوسف كبر والي شمال دارفور إلى وجود إشكاليات مختلفة قد تزيد من حدة الصراع الذي كان دائرا في المنطقة ولم يوضح طبيعتها (صحيفة أخبار اليوم 19 سبتمبر 2003م). فى المقابل لم يرد من الحكومة أى شكوى تجاه الحركة التى وقعت معها الإتفاقية مما يثبت أنَّ كل الخروقات التى تمت كانت من جانبها.
البند الثاني: "التحكم والسيطرة على المجموعات المسلحة غير النظامية في مسارح العمليات". يبدو أنَّ معظم الخروقات الموثقة قد حدثت بالنسبة لهذا البند, فقد أصدرت إدارة دار حمرة, محلية ريفى كتم, بياناً تم نشره مؤخراً بموقع سودانيز أون لاين على شبكة الإنترنت إحتوى على كشف بأسماء الأشخاص الذين تم قتلهم فى حادثة الحمرة بتاريخ 11 سبتمبر 2003م حيث قامت مليشيات الحكومة السودانية (الجنجويت) بقتل و تشريد مواطنى أدارة دار الحمرة-محلية ريفى كتم, وقتلت 34 مواطناً من مختلف الأعمار كما نهبت أعداد كبيرة من الحيوانات ومبلغ 200و389و18 دينار سودانى (موقع سودانيز أون لاين 15 سبتمبر 2003م). من ناحية أخرى إتهم مني أركو ميناوي الحكومة السودانية بأانها تنتهك "بشكل منهجي ويومي الهدنة" وأنَّ المليشيات الحكومية قتلت 91 مدنياً خلال يومين بالرغم من وقف إطلاق النار, وقال في إتصال مع وكالة الصحافة الفرنسية في القاهرة أنَّ 75 مدنيا قتلوا يوم 12 سبتمبر 2003م في هجوم شنته الميليشيات الحليفة للقوات الحكومية على سكان منطقة خشبة شمال ولاية كتم, وتابع إنَّ 16 راعيا قتلوا فى اليوم التالى لذلك الهجوم في هجوم آخر لتلك للميليشيات على منطقة أبو ليحا, وطالب بتحقيق وبنشر مراقبين دوليين في دارفور لمراقبة تطبيق الهدنة (الشرق الأوسط 15 سبتمبر 2003م). وفى ذات السياق ناشد رئيس حركة تحرير السودان المحامى عبدالواحد محمد أحمد النور خلال اتصال هاتفي مع وكالة "فرانس برس" في القاهرة المنظمات الدولية بتقديم مساعدات إنسانية لمواجهة تدفق المجموعات البشرية إلى مناطقها في إقليم دارفور بسبب هجمات يتعرضون لها, وأوضح بأن مليشيات (الجنجويت) قد إجتاحت عدداً من القرى وأحرقتها, وأجبرت مجموعات كبيرة من المواطنين للنزوح من مناطقها بجبل مرة ووادي صالح والطينة وشمال كتم وكبكابية ونيرتيتي والإحتماء بمناطق الحركة فى العراء (صحيفة الأزمنة 25 سبتمبر 2003م), لكن كعادته نفى والى شمال دارفور ذلك وأشار إلى أنَّ الحكومة لا تسلح مليشيات الجنجويت وصرَّح بأنَّ ما ذكره رئيس الحركة بهذا الصدد "كذب وافتراء يهدف لزرع الفتنة وعدم الثقة!" (صحيفة الخرطوم 25 سبتمبر 2003م).
البند الثالث: "إطلاق سراح كافة أسرى الحرب والمقبوض عليهم والذين لهم صلة بهذه القضية من الطرفين". مما ورد فى المصادر الإعلامية يبدو أنًّ هذا البند قد صادف أكثر نجاحات الإتفاقية, فقد أعلنت الحكومة فى اليوم الأول من بداية سريان الإتفاقية عن إطلاقها سراح جميع المحتجزين لديها ممن لديهم علاقة باحداث دارفور وعددهم 54 شخصا (صحيفة الأنباء 7 سبتمبر 2003م), ومن جانبها قامت الحركة بإطلاق سراح 138 من أسرى القوات الحكومية منهم 79 كانت تحتجزهم بمنطقة نرتتي بجبل مرة إلي جانب إطلاق سراح 59 آخرين بمنطقة مابيا بالأجزاء الشمالية من محافظة كتم (صحيفة الأنباء 17 سبتمبر 2003م), ويبدو أنَّ الأمور تسير سيراً حسناً بخصوص تنفيذ هذا البند بالرغم من إشارة الجانب الحكومى إلى بروزعقبات تعترض إكمال الملف لكنها أكدت فى ذات الوقت مواصلة الجهود لتلافى ذلك (الأضواء 27 سبتمبر 2003م).
ومن الجدير بالذكر هو أنَّ بعضاً من الذين أطلقت السلطات الحكومية سراحهم وإدعت أنهم من أسرى الحركة هم أساساً منسوبى حزب المؤتمر الشعبى الذى يتزعمه الدكتور حسن الترابى وليس لهم علاقة بالحركة المسلحة سوى أنهم من أبناء الإقليم, ولا يوجد سبب واحد يدعو الحكومة لفعل ذلك اللهم إلاَّ إذا كانت محاولة منها لإشانة سمعة الحركة من خلال الإيحاء بإرتباطها بجماعة الترابى وهو أمر لا وجود له البتة.
البند الرابع: "يتم تجميع قوات جيش تحريرالسودان في مواقع يتم تحديدها بين الطرفين". يبدو أنَّ الجهد الحكومى منصب بوجه خاص نحو سرعة تنفيذ هذا البند, وذلك لسبب لا يخفى على حصيف, وهو محاصرة قوات الحركة فى جيوب محددة يسهل ضربها والقضاء عليها إذا ما تنصلت الحكومة من الإتفاق, وذلك وارد, أو إذا ما تعثرت خطوات الوصول إلى سلام شامل, ولا ندرى كيف فات ذلك على مفاوضى الحركة حتى يوافقوا على نقطة واضحة كهذه لا تفوت حتى على المدنيين ناهيك عن العسكريين ذوى الحساسية الأمنية. وعلى العموم فقد دعت اللجنة الثلاثية المكلفة بتنفيذ الإتفاق وبعد 9 أيام فقط من بدء سريان الإتفاقية قادة جيش تحرير السودان لتجميع قواتها في معسكرات محددة تمهيدا لوقف إطلاق النار (صحيفة الخرطوم 16 سبتمبر 2003م), كما شدد الجانب الحكومى على أنه بإنتهاء فترة الخمسة عشر يوماً الأولى فإن الاتفاقية ستدخل مرحلتها الثانية بتجميع قوات الحركة وحصرهم في مواقع محددة وفقاً لجدول زمني يُتفق عليه (الرأى العام 22 سبتمبر 2003م), وأشار مسئول منها إلى أنَّ اللجنة الثلاثية تنخرط في إجتماعات مطولة لتحديد جدول زمني لتجميع جيش الحركة بدارفور وأنها في إنتظار إشارة من حركة تحرير السودان لبداية المرحلة الثانية من الإتفاق والتي تبدأ بتحديد مواقع تجميع قوات الحركة (الأيام 22 سبتمبر 2003م), لكن يبدو أنَّ هنالك صعوبات تعترض تنفيذ هذا البند الحسَّاس, وفى محاولة لتذليل ذلك فقد إضطرت اللجنة الثلاثية المشتركة لاحقاً لوضع إطار نظرى فقط لتحديد مواقع تلك القوات, وأشار مسئول حكومي إن اللجنة بدأت في مناقشة الجدول الزمني الخاص بتجميع القوات خلال المرحلة المقبلة (الرأى العام 27 سبتمبر 2003م), ولم يتم تنفيذ شيئ إزاء ذلك حتى كتابة هذا المقال, وبالرغم من أنَّ ذلك قد يحسب ضد الحركة المسلحة إلاَّ أنَّ المجازر التى تقوم بها مليشيات الجنجويت وسكوت الحكومة عليها تجبرهم لإتخاذ الحذر تجاه هذا البند تحديداً.
البند الخامس: "إلتزام الطرفين بإرساء دعائم السلام الشامل والدائم في المنطقة من أجل تحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية". لم يلتزم الجانب الحكومى بذلك إذ ما زالت مليشيات الجنجويت طليقة ومعربدة دون ضبط أو ربط حسبما وعدت به الحكومة.
البند السادس: "تكوين لجنة ثلاثية من الحكومة السودانية والحكومة التشادية وجيش تحرير السودان لمتابعة تطبيق بنود هذه الإتفاقية". تم تكوين هذه اللجنة وبدأت إجتماعاتها فى مدينة الفاشر ولكن يبدو وكأنها كسيحة ولم تفعل الكثير بشأن المهمة الموكولة إليها.
البند السابع: ويتكون من جزئين:
(1) تبدأ المفاوضات الخاصة بالملاحق بعد خمسة وأربعين يوماً من تاريخ التوقيع على هذه الإتفاقية للوصول لسلام شامل مع تسليم الأسلحة في فترة لا تتعدى الأسبوعين بعد الإتفاق النهائي حول الملاحق (أى ملفات التفاوض).
(2) تتبع هذه الإتفاقية ملاحق ومذكرات تفسيرية ويتم تنفيذها كالآتي:
(أ) خلال ال «15» يوماً الاولى يتم تنفيذ ما يلي :-
1- يدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بتاريخ 6 سبتمبر 2003م الساعة 1800 بتوقيت السودان.
2- تحديد مواقع تجميع القوات.
3- إطلاق سراح المقبوض عليهم.
4- إنسحاب القوات غير النظامية متزامناً مع تجميع القوات.
5- تكوين اللجنة الثلاثية.
(ب) " في اليوم الخامس عشر من بداية وقف إطلاق النار يتم إجازة الجدول الزمني المكمل لأعمال الفترة المتبقية حتى نهاية ال 45 يوماً".
بالرغم من مضى أكثر شهر دخول الإتفاقية حيز التنفيذ إلاَّ أنه ليس من الواضح ما إذا تمت خلالها إجازة أى جدول زمنى لتكملة الجوانب المتبقية من الإتفاقية, وعلى حسب النقطة (1) من البند السابع فإنَّ المفاوضات الخاصة بملفات المطالب يجب أن تبدأ فى الحادى والعشرين من هذا الشهر (21 أكتوبر 2003م), أى بعد خمسة وأربعين يوماً من تاريخ التوقيع على الإتفاقية, للوصول لسلام شامل.
البند الثامن: " في حالة وقوع خلاف حول بنود هذه الإتفاقية أو بروز مشكلة لم يشر إليها يقوم الطرف الثالث بمهمة التوفيق بين الطرفين".
البند التاسع: "تدخل هذه الإتفاقية حيز التنفيذ بمجرد التوقيع عليها".
شكوك وملاحظات:
لا يخفى على المراقب الواعى الإختلال المنطقى فى هيكلية هذه الإتفاقية وإنحيازها السافر لتلبية الجوانب الأمنية للحكومة فقط دون مقابل واضح بالنسبة للحركة المسلحة, وكما تساءلنا أعلاه كيف جاز لوفد الحركة المفاوض تمرير هذه الشروط المجحفة بحقها بكل المقاييس, خاصة العسكرية منها, وما هى الحجج والمبررات التى إستندوا عليها فى قبولهم ومن ثمَّ توقيعهم على الإتفاقية؟ خاصة وأنَّ مسلك الحكومة فى عدم الإلتزام بالعهود وخرق المواثيق معروفة وموثقة, ليس آخرها إتفاقية الخرطوم للسلام مع القوات الجنوبية المنشقة عن الحركة الشعبية والتى ضمنتها فى دستورها قبل أن تبدأ بنقض غزلها خيطاً فخيط, لكل ذلك لم يكن غريباً الشكوك المتعاظمة التى ساورت معظم المراقبين عن إمكانية التوصل لإتفاقية سلام فى وجود عدم ثقة متزايد بين الجانبين.
وحقيقة لم تتردد الحكومة فى توفير إنطباع تستبطن رغبة دفينة فى تجاوز بنود الإتفاقية والقفز على مراحلها, الشيئ الذى يمكنها من خرقها متى ما رأت الأمور تسير فى صالحها, فقبل أن يجف مداد حبر التوقيع على الإتفاقية صرح اللواء طبيب الطيب إبراهيم محمد خير فى مؤتمر صحفي تحت إشراف المركز السوداني للخدمات الصحفية عقب عودته من أبَّشى بعد توقيع الإتفاقية "إنَّ ما تم توقيعه مع جيش تحرير السودان هو إتفاقية سلام وليس وقفاً لإطلاق لنار!، وإنَّ الأمر سيؤدي في النهاية إلى وضع نهائي برؤية متفق عليها وفقاً لفترة زمنية تعود بعدها الحياة إلى طبيعتها في دارفور الكبرى" (الرأى العام 7 سبتمبر2003م), مثل هذا التصريح له مدلولات سالبة, أولها أنه ينسخ كل الجهود التى بذلت فى أبَّشى لتحقيق هدف أساسى هو وقف إطلاق النار من خلال هدنة عسكرية بترتيبات محددة, فإذا كان الأمر كذلك فكيف يتسنى لسعادة اللواء القفز بها دفعة واحدة ومحاولة تجييرها لإتفاقية سلام غير معروفة الهوية, ثم إنه يزيد من الغموض بقوله "أنَّ الأمر سيؤدي في النهاية إلى وضع نهائي برؤية متفق عليها", ويظهر الغموض هنا من بناء الجملة على فعل المجهول وإهمال الإستدلال بآليات معينة أو الإشارة إلى خطوات محددة أو تحديد فاعلين للقيام بذلك. إنَّ التلاعب بالكلمات على هذا النحو وفى مثل هذا الموقف تحديداً لا تشى إلا بإحتمالين هما إما عدم إيمان قائلها بما سبق الإتفاق عليه وتصغيره لمقراراتها والتسفيه بها تمهيداً تجاوزها وإما إضمار النية للتملص من الإتفاقية من خلال التلاعب بالكلمات وتحويل الموضوع برمته إلى ديماجوجية عقيمة لا طائل من وراءها. وأى كان ذلك فإنه فى النهاية تمثل خديعة للحركة المسلحة من خلال رجوع الحكومة لعادتها القديمة فى خرق العهود ونقض المواثيق.
من ناحية أخرى, يبدو أنَّ الحكومة فى خضم إحتفالاتها بتوقيع إتفاقية الترتيبات الأمنية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان قد نسيت دارفور فجأة, فالأخبار التى ظللنا نسمعها مؤخراً عن الأحوال فيها لا تسر, أبرزها هجوم أحدى فصائل الحركة المسلحة على بلدة كلبس على الحدود السودانية التشادية فى الخامس من هذا الشهر, حيث صرحت قيادة حركة العدل والمساواة أنها دخلت البلدة بصدد القضاء على معسكر لمليشيات الجنجويت, المحسوبة على الحكومة, وأوقعت بهاعشرات القتلى (جريدة البيان الأماراتية 6 أكتوبر 2003م), وقد بلغ عدد النازحين جراء ذلك الهجوم 7 ألف نازح (جريدة الخرطوم 9 أكتوبر 2003م), كما شهدت منطقة الصليعة غربي دارفور صراعاً قبلياً بسبب نزاع على ماشية أدى لمقتل 8 أشخاص وجرح 7 آخرين تم نقلهم لتلقي العلاج بمستشفى الجنينة (جريدة الخرطوم 7 أكتوبر 2003م), إضافة إلى نزوح مواطني 12 قرية بجنوب دارفور و90 ألف مواطن بحاجة لإغاثة عالجة (صحيفة الأنباء 6 أكتوبر 2003م), ثمَّ الدعوة العاجلة التى أطلقها والى شمال دارفور للحكومة الإتحادية والمنظمات الطوعية والخيرية إلى تقديم دعم عاجل وسريع لنازحي الولاية البالغ عددهم"100" ألف مواطن منهم "53" ألف نازح من منطقة جبل سى يعانون من نقص حاد في المواد الغذائية والكساء والمأوى, وأنَّ الأوضاع الإنسانية في مدن كتم وكبكابية وطويلة وكورما سيئة وتفوق طاقة الولاية (جريدة الخرطوم 7 أكتوبر 2003م), وقد أكد ذلك السيد إبراهيم أحمد حامد مفوض العون الإنساني بشمال دارفور بقوله إن ما قدمته المنظمات للنازحين لا يتجاوز "20%- 30%" من حاجة النازحين, مشيراً لوجود مناطق تحتاج إلى دعم عاجل من الغذاء وهي كبكابية وكتم ودار زغاوة وفتا برنو وجبل سى, وطالب الحكومة بتوفير "350" مليون دينار لتوفير الغذاء للنازحين لمدة ثلاثة أشهر, كماأعلن وزير الصحة بالولاية عن عجز المستشفيات بالولاية عن إستقبال أي جريح أو مريض وذلك لعدم وجود الأدوية الكافية بالمستشفيات لعلاجهم (جريدة الخرطوم 7 أكتوبر 2003م). وقد كشفت منظمة "أطباء بلا حدود" العالمية فى نشرة لها عن معاناة آلاف من اللاجئين السودانيين الذين تدفقوا إلى تشاد خلال الشهرين الماضيين هرباً من جحيم الحرب, وأنَّ معظمهم من بلدتى كرنوى وأمبرو (صحيفة الخليج الإمارتية 4 أكتوبر2003م), كما دخل معلمو الأساس والثانوي بمدينة الفاشر في إضراب مفتوح إبتداءاً من يوم الإثنين السادس من أكتوبر, وأعلنت الهيئة الفرعية لعمال التربية في بيان لها أن الإضراب سيستمر إلى حين تسديد متأخرات المعلمين إعتبارا من عام 98 وحتى عام 2003م، البالغ قدرها 7 مليارات جنيه، إلى جانب تعديل فروقات تحسين الرواتب لعام 2003م، مع تسوية كافة المتأخرات (جريدة الصحافة 7 أكتوبر 2003م). وقد وقع إعتداء على قرية "سنقطة" بجنوب دارفور قامت به بعض عناصر الجنجويت وحرقوا الجزء الجنوبي منها كما نهبوا جميع الممتلكات بها, كما تعرضت قرية "حلوق" شرق نيالا فى غضون ذلك لإعتداءات مماثلة راح ضحيتها "28" شخصاً (صحيفة الأزمنة 9 أكتوبر 2003م). على العموم ما يرد من أخبار فى إعلام الخرطوم يمثل المعلوم فقط, لكن ذلك نفسه لا يمثل إلاَّ القليل مما يحدث فى دارفور حقيقية, فأين الحكومة؟
وكأنَّ كل ذلك لم يكف الإقليم من إهمال ومشاكل فقد تم منع السفير البريطانى بالسودان من زيارة مدينة نيالا بعد أن أكمل زيارة ناجحة للفاشر إجتمع خلالها بالوالى ومسؤولي الأمم المتحدة وزعماء وممثلى القبائل في شمال دارفور, وإضطرت السفارة البريطانية لإصدار بيان إزاء تلك البلبلة جاء فيه: "خصصت المملكة المتحدة مليون جنيه إسترليني كمنحة لمبادرة الأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية لدارفورالكبري. ولمتابعة هذه المنحة سافر سفير صاحبة الجلالة السيد وليام باتي إلى دارفور في الثلاثين من سبتمبر لزيارة مسؤولى الأمم المتحدة ومناقشة قضايا دارفور مع المسؤولين المحليين وممثلي القبائل. وقد تحصل السيد السفير على تصريح رسمي بالسفر إلى كل من الفاشر ونيالا. سعد السيد السفير كثيرا بزيارته الناجحة جدا إلى الفاشر حيث إستضافه سعادة السيد وإلى ولاية شمال دارفور، عثمان محمد يوسف كبر، وتيسر له خلالها الإجتماع بمسؤولي الإمم المتحدة وزعماء وممثلى القبائل في شمال دارفور، وناقش معهم الوضع الراهن في دارفور، لقد مكنت هذه الزيارة سعادة السفير من تقييم الوسائل التي يمكن أن تقدم المملكة المتحدة من خلالها المزيد من المساعدات الإنسانية في شمال دارفور. إنه لأمر مؤسف أنَّ سعادة السيد السفير لم يتمكن من القيام بتقييم مماثل للموقف في جنوب دارفوركذلك لم يتمكن من مناقشة الدعم الذي يمكن أن تقدمه المملكة المتحدة في المستقبل مع المنظمات المحلية" (جريدة الصحافة 6 أكتوبر 2003م), لكنَّ صحيفة الوفاق الجريئة كتبت فى عنوان رئيسى لها "السفارة البريطانية تصدر بياناً حول إغلاق الطريق أمامها في دارفور والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها" (صحيفة الوفاق 6 أكتوبر 2003م), وأوردت الخبر وكأنَّ هناك مؤامرة منعت السفير البريطانى من إكمال جولته فى ربوع دارفور, لكن لم يتسنى لنا معرفة تفاصيلها, وبدورها, وعلى نحو ما نطالعه من أخبار السودان على الإنترنت, فإنَّ الحكومة السودانية سكتت عن إصدار أى بيان توضيحى لملابسات الحادث, ومهما يكن من أمر فليس هنالك ما يبرر إعتراض السفير طالما أنَّ زيارته تمثل فى الأساس رسالة خير وأنَّ سيادته قد تحصل مسبقاً على إذن من السلطات المعنية بالخرطوم بزيارة المدينتين, لكننا سنسعى لتقصى الحقيقة فى هذا الأمر ونخشى أن تتكرر مع آخرين فى مقبل الأيام.
إنَّ المعضلة الصعبة التى تواجهها دارفور اليوم وفى المستقبل هى مشكلة مليشيات الجنجويت المنفلتة والتى ظلت, رغم موافقة الحكومة فى إتفاقية الهدنة بضبطها, تعيث فى الأرض فساداً وتدميراً وقتلاً دون وازع من ضمير أو ذرة من دين, ويعتقد الكثيرون بأنَّ هذه المليشيات قد صنعتها الحكومة ودربتها ومولتها بالمال والسلاح بالرغم من نكرانها لذلك, لكن أتى إعترافها الضمنى بمسئوليتها فى بنود الإتفاقية بقدرتها على ضبطها ونزع أسلحتها ليؤكد المشكوك فيه, بل إنَّ خبراً صغيراً ورد فى جريدة الحياة الخرطومية, قد لا يثير الإنتباه من الوهلة الأولى, جاء حافلاً بالتأكيد القاطع لعلاقة الحكومة بهذه القوات, إذ أورد الخبرإستشهاد شرطي وإصابة "5" في إشتباك مسلح ببلدة هبيلا بغرب دارفور, وأنَّ "القوات المشتركة من الجيش والشرطة و(الفرسان) ألقت القبض علي «9» متهمين بمنطقة «نوقيا» بولاية جنوب دارفور بعد تنفيذهم لإعتداء مسلح علي قوة من الشرطة كانت في طريقها من منطقة هبيلا الي الجنينة, وكانت تعمل علي حراسة مدير شرطة هبيلا" (صحيفة الحياة الخرطومية 6 أكتوبر 2003م), والسؤال المباشر الذى يفرض نفسه هنا هو من هم هؤلاء الفرسان؟ والإجابة الوحيدة للذين يعرفون الأمور فى دارفور هى أنهم هم الجنجويت الذين يتحركون دائماً فى شكل كتائب مع القوات المسلحة حيث يتبادلون الدفاع عن بعضهم البعض. هذه القوات أسماها والى شمال دارفور فى أعقاب مذبحة كتم الشهيرة "بالقوات الراكبة الذين يدعون مساندة الحكومة" (البيان الأماراتية 17 أغسطس 2003م), وقد سبق أن أشارت لجنة محامي دارفور بالخرطوم صراحة لذلك فى مذكرة لها لوزير العدل عن ما حدث بمدينة كتم وما حولها, وعن علاقة الحكومة بتلك القوات, إذ ذكرت: "أنه و بتاريخ 5/8/2003 إعتدت مجموعة من الجنجويت علي مدينة كتم وعاثت فيها فسادا من قتل وتدمير للممتلكات ونهب بصورة إنتقائية وهذه القوة تم تسليحها وتدريبها بواسطة الحكومة" (صحيفة الأيام 18 أغسطس 2003م), وكعادتها قامت الحكومة بنفى ذلك أيضاً, لكن لا يمكن السكوت مطلقاً عن كشف الحقيقة إذ لا بد أن تتكشف الحقائق فى لحظة ما, فبعد لأى وتمنع إعترف والى شمال دارفور إعترافاً ضمنياً, ولأول مرة, بعلاقة قوات الجنجويت بالحكومة, وأجاب رداً على إستفسار صحفى أنَّ "الجنجويت إستنفروا ضمن الإستنفار الذي شمل كل القبائل لمعالجة الوضع في دارفور لكن المشكلة الآن ظهور أشخاص يدعون أنهم مع الحكومة ويقومون بشن الهجمات" (صحيفة الأيام 9 أكتوبر 2003م). لقد ذكر المواطنون الذين نجوا من تلك المذبحة وفروا من المدينة أنَّ بعض المتنفذين من أهل المدينة حاولوا إيقاف المليشيات المهاجمة عن دخول المدينة, وهددوهم بإبلاغ والى الولاية فوراً إذا لم يعودوا أدراجهم, لكنَّ قائد القوة ردَّ عليهم بأنهم لا يستلمون أوامرهم من السلطات المحلية وإنما يستلمونها من الخرطوم رأساً! فدخلوا المدينة وإستباحوها لثلاثة أيام خلفوا وراءهم عشرات القتلى والجرحى. الآن, وبرغم إتفاقية الهدنة, ما زالت قوات الجنجويت تسرح وتمرح فى أرض دارفور, وربما بعلم الحكومة, ويقول الأهلون هناك إنَّ الحكومة تعطى قيادات كتائب هذه المليشيات رتب عسكرية إسمية رفيعة, فقائد المجموعة التى إنتهكت كتم كان برتبة (لواء أركانحرب) إسمية, ويتسلم مرتب شهرى مقداره 20 مليون جنيه لصرفها على نفسه ومجموعته, وعليه تكون الحكومة قد أخلَّت بشرط رئيسى من شروط الإتفاقية متمثلاً فى البند الثانى مما قد يثير التساؤل عن موقفها من الإتفاقية.
مشروعية تأجيل التفاوض إلى أجل مسمى:
بناءاً على ما يحدث الآن فى الإقليم من إنفلات أمنى وغياب رؤى واضحة للخطوات التى يجب إتباعها فى الفترة القادمة, ثمَّ إنشغال الحكومة بكاملها بشأن تكملة مفاوضات السلام مع الحركة الشعبية بكينيا, فليس من الحكمة التسرع فى الدخول فى مفاوضات موازية بينها وبين الحركة المسلحة فى دارفور, وقد لا يتم ذلك فى المستقبل القريب لدواعى منطقية تعترض تنفيذ ذلك, فبموعد نشر هذا المقال يكون قد تبقى من فترة ال 45 يوماً, المتفق عليها كهدنة, أسبوع واحد فقط, على أن يجتمع الجانبان ربما فى العشرين من هذا الشهر لبدء التفاوض حول الملاحق والمذكرات التفسيرية, أو ملفات قضايا المطالب والحقوق بلغة أخرى, فكيف يمكن ترتيب أمر المفاوضات فى هذه الفترة الضيقة؟ وعليه فنحن نرى أنَّ هنالك جملة من المبررات المنطقية مما يجعل التأجيل أمراً مشروعاً, نجملها فى الآتى:
(1) حسب ما جاء فى النقطة "ب" من رقم "2" من البند السابع من الإتفاقية أنَّه "في اليوم الخامس عشر من بداية وقف إطلاق النار يتم إجازة الجدول الزمني المكمل لأعمال الفترة المتبقية حتى نهاية ال 45 يوماً", هذه النقطة لم تتم حسب ما ظللنا نطالعه فى وسائل الإعلام, وتبعاً لذلك فإنَّه يفتح الباب لوجوب تمديد فترة الهدنة حتى يتم تنفيذ هذا البند, والذى يتضمن أيضاً تحديد إجراءات التفاوض والجوانب الفنية الأخرى المتعلقة بها.
(2) عدم وفاء الحكومة بواجبها نحو "التحكم والسيطرة على المجموعات المسلحة غير النظامية في مسارح العمليات", كما ورد فى البند الثانى, وإستمرار قوات الجنجويت فى القتل والسحل وتدمير القرى يشكل خرقاً لبند أساسى فى الإتفاقية, يسند ذلك إهتمام الحكومة المبكر بتجميع قوات الحركة المسلحة فى مناطق معلومة دون موازاة ذلك بأى إجراءات للسيطرة على الجنجويت, بل ظلت ساكتة على أفعالهم وما زالت تستعين بهم كما تكشَّف فى حادثة بلدة هبيلا المذكورة أعلاه.
(3) لا الحكومة ولا الحركة المسلحة تبدوان جاهزتين من حيث الإعداد الجاد للتفاوض, فالحكومة مهتمة بكلتيها بمحادثات كينيا والمؤتمر العام لحزبها السياسى الحاكم, والحركة ما زالت تستشير قواعدها وأهل دارفور حول تطلعاتهم فى مفاوضات السلام.
(4) الحركات المسلحة المتفاوضة يجب ألاَّ يغيب عنها حقيقة أنَّها لا تتفاوض نيابة عن نفسها فقط بل وعن أهل دارفور كلها والمناطق المهمشة عموماً, وبهذه الصفة فلديها إلتزام أخلاقى أن تستصحب أفكار وآمال تلك المجموعات, ولا يكون ذلك ممكناً إلاَّ إذا إستعدت إستعداداً مؤهلاً ودفعت للمفاوضات بوفد تفاوضى "سياسى" قوى ومحنَّك وملفات تفاوضية متكاملة وشاملة لكل القضايا المهمة. ويجب أن يفهم قادة الحركة أنَّ الحكومة ستحاول خداعهم وتمرير بعض الحلول الماكرة يصعب التنصل منها مستقبلاً أو حتى إعادة التفاوض عليها.
(5) إذا رفضت الحكومة تأجيل موعد التفاوض فللحركة المسلحة الحق فى إتخاذ ذلك من طرف واحد, عن طريق إلتماس أو تبليغ الرئيس التشادى راعى المفاوضات بذلك قبل حلول موعد التفاوض بوقت كافى, والبند الثامن من الإتفاقية ينص على أنَّه "في حالة وقوع خلاف حول بنود هذه الإتفاقية أو بروز مشكلة لم يشر إليها يقوم الطرف الثالث بمهمة التوفيق بين الطرفين", وطالما لم يرد شيئ فى بنود إتفاقية الهدنة عن إحتمال تمديدها, أو تأجيل التفاوض بعدها, فيمكن للجانب التشادى إضافة ملحق ليشمل ذلك.
(6) من المهم جداً للحكومة أن تدرك أنَّ التفاوض برمته لا يعنى تحقيق مكاسب أو تسجيل نقاط على حساب الآخر لأنَّ ذلك قد يبعث الخلاف مجدداَ وبصورة أكثر ضراوة, وحروب الجنوب خير مثال لذلك, وعليه فيجب عليها أن تعى أنَّ الهدف الأساسى من المفاوضات هو محاولة جادة لخلق دولة معافاة من الحزازات والغبائن من خلال آليات العدل والإنصاف ورد الحقوق, وأنَّ مسار السلام سوف لن تتعدل إذا بقيت دارفور مظلومة على الهامش كما هو الحال منذ ضمها لدولة السودان.
(7) في عموده اليومى "أصوات وأصداء" بجريدة الأيام أشارالسيد محجوب محمد صالح إلى ضرورة تأجيل موعد المفاوضات, إذ قال: "إن فترة الهدنة المتاحة «ستة اسابيع» بالنسبة لقضية دارفور أقصر من أن توفر الزمن المطلوب لبحث هذه القضايا، والوصول إلى حلول لها ونثق أنه لن يكون من الصعب تمديد الفترة الزمنية لتتيح الوقت الكافي لدراسة القضايا العديدة المثارة وإستصحاب كل وجهات النظر للمجموعات الإثنية المختلفة التي تتعايش في هذا الإقليم" (الأيام 30 سبتمبر 2003م).
(8) البيان الذى نشرته القيادة الميدانية لقوات التحالف الفدرالى مؤخراً حول وقف الدكتور شريف عبدالله حرير نائب رئيس تنظيم التحالف الفدرالى الديمقراطى السودانى والوفد المرافق له فى مطار إنجمينا ومنعه الدخول إلى تشاد بالرغم من موافقة الرئيس التشادى على تلك الزيارة يلقى بظلال ثقيلة على الدور التشادى الحقيقى حيال الإتفاقية, وإذ يحدث ذلك للتحالف الفدرالى وهو طرف مؤثر فى ثورة دارفور فيجدر بالفصائل الأخرى أن تنتبه لما حدث وتتريث فى الإندفاع نحو أى تعامل تتعلق بالإتفاقية.
ملفات التفاوض:
بالرغم من أنَّ كل الدلائل تشير إلى إستحالة المضى قدماً فى مرحلة التفاوض حسب الموعد المضروب إلاَّ أنَّه يجب على قيادة الحركة المسلحة الإستمرار والتشاور فى إعداد الملفات المطلوبة للتفاوض, وعليه فنحن نطرح هنا بعض الإقتراحات والرؤى التى قد تعينهم فى القيام بتلك الترتيبات, آملين أن ينشط أبناء دارفور حول العالم بمساعدتهم فى ذلك.
تحتوى ملفات التفاوض بالنسبة لوفد الحركة المسلحة على جملة من القضايا محل الخلاف بينها وبين الدولة السودانية, ممثلة فى نظام الإنقاذ, قد تكون بعضها تاريخية موروثة وأخريات آنية تحتاج لمعالجات محددة, هذه المعالجات, أو الحلول, هى بالأساس إستراتيجية الصبغة, أى تتعامل مع تلك القضايا بحلول جذرية تتصف بالفعالية والعقلانية والإستدامة. ثمَّ أنَّ الملفات المعروضة تشتمل على أبعاد متعددة تتضمن البُعد المحلى, والبُعد القومى, والبُعد الدولى بحسبان أنَّ قضية دارفور قد فرضت نفسها على المجال الدولى متمثلةً فى الإهتمام التشادى والليبى والمصرى والأمريكى والبريطانى والفرنسى والأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية وغيرها من الدول والمنظمات العالمية تجاه ما يدور فيها, ولذلك فلابد من أخذ هذه الأبعاد وتفاعلاتها بالنسبة لقضية الإقليم. ويمكننا فى هذا المقال أن نقدر نوعية الملفات التى سيعرضها وفد الحركة المسلحة مستنتجين ذلك مما ورد فى الإعلانات السياسية المؤسسة لفصائلها ثم على طبيعة الأوضاع على أرض الواقع فى دارفور.
من الناحية المنطقية ستنقسم ملفات المفاوضات بالنسبة إلى الحركة إلى قسمين: ملفات قومية تشمل كل السودان, وملفات محلية خاصة بإقليم دارفور, نوجزها فى النقاط التالية:
[1] ملفات القضايا القومية:
سوف لن يستطع وفد الحركة المسلحة أن يفعل شيئاً تجاه ملفات القضايا القومية أكثر من عرض رأى الحركة, ودارفور عموماً, حول ما يتوجب أن تكون عليه الأوضاع فى مستقبل الدولة السودانية طالما أنَّه من الثابت قيام المؤتمر الدستورى لمناقشة قضايا البلاد المختلفة والخروج برؤية قومية ينبنى عليها كتابة دستور جديد دائم لحكم البلاد, ومما يسهل لوفد الحركة التعامل مع هذا الموضوع هو أنَّ البيانات التأسيسية للحركات الثلاثة الكبرى بدارفور كلها قومية التوجه, وكلها تعنى بالمشهد القومى الكبير ولا تتناول البعد الإقليمى لدارفور إلاَّ فى نقاط ضيقة تبلغ درجة العدم, وكتوضيح لذلك نورد أدناه ملخصاً لمحاورالبيانات التأسيسية والسياسية (Manifestos) للحركات الثورية بدارفور كما يلى:
محاور البيان التأسيسى لحركة تحرير السودان تتمثل فى القضايا التالية:
(1) وحدة السودان, (2) حقوق الإنسان, (3) نظام الحكم, (4) الهوية، الثقافة، السلطة والثروة, (5) الدين, (6) الصراع المسلح والمجموعات المعارضة المسلحة, (7) القبائل والجماعات العربية فى دارفور, (8) الحل السلمى للمشكل السودانى, (9) التجمع الوطنى الديمقراطى, (10) الدول المجاورة والمجتمع الدولى.
محاور البيان التأسيسى لحركة العدل والمساواة السودانية تتمثل فى القضايا التالية:
(1) حقوق الإنسان, (2) نظام الحكم, (3) الثروة, (4) الدستور, (5) الجيش والديمقراطية, (6) الأحزاب والتعددية, (7) المشكلة الإجتماعية, (8) الدين والدولة, (9) الوحدة وتقرير المصير, (10) المشكلة الثقافية, (11) المواطنة.
محاور البيان التأسيسى لتنظيم التحالف الديمقراطى الفدرالى السودانى تتمثل حول القضايا التالية:
(1) نظام الحكم, (2) العدالة الإجتماعية والثقافية, (3) الدين والسياسية, (4) حكم القانون, (5) الحريات الأساسية, (6) الخدمة المدنية والعسكرية, (7) العلاقات الخارجية, (8) الإقتصاد السوداني, (9) المرأة.
وتأسيساً على ذلك يمكننا تحديد ملفات القضايا القومية التى قد يطرحها الوفد المفاوض للحركة المسلحة لتشتمل على الآتى دون تفصيل:
(1) نظام الحكم على مستوى رئاسة الجمهورية والأجهزة العليا, (2) الديمقراطية والتعددية, (3) الفدرالية ونظام الحكم بالولايات, (4) الدستور, (5) العلاقة بين الدين والدولة, (6) وحدة السودان وقضية تقرير المصير, (7) الهوية القومية وقضايا الثقافة, (8) توزيع الثروة القومية, (9) كيفية المشاركة فى السلطة المركزية, (10) حقوق الإنسان, (11) حقوق المرأة والطفل, (12) الجيش القومى.
ويبقى واجباً على الحركة أن تعد ملفات جيدة حول هذه المحاور لأنها ستتحدث عنها نيابة عن قواعدها والشعب السودانى العريض, ونجاحها فى هذا الجانب قد يساعد كثيراً فى بلورة مفاهيم عملية تساعد الجماعات المتفاوضة لاحقاً فى المؤتمر الدستورى القومى.
[2] ملفات قضايا إقليم دارفور:
قضايا دارفور ستشكل ساحة الجدل وستأخذ جلَّ وقت المفاوضات وإلاَّ لما كانت هناك ثورة بالأساس, وتبعاً لذلك ستكون الملفات ذات طبائع ومتطلبات محددة حسب نوعية كل ملف, والتى يمكن تفصيلها, لا حصراً, فى الملفات التالية:
(1) ملف خصوصية دارفور:
هذا الملف أساسى ويجب أن يبادر وفد الحركة بعرضه إبتداءاً كونه يبنى الأرضية المناسبة لطرح قضايا دارفور, ويشكل سياجاً مناسباً لتوجيه التفاوض بطريقة تخدم فلسفة وفد الحركة للحصول على مكاسب جيدة, ويجب على وفد الحركة أن يضغط لكى يؤمن عليه الجانب الحكومى إبتداءً, ومن المناسب أن يحتوى هذا الملف على النقاط التالية:
أ- كانت دارفور دولة مستقلة وضمت لدولة السودان قسراً دون إستشارة أهلها, ثم صارت جزءاً من دولة السودان المستقل دون إشراكها أو إستشارتها أو أخذ موافقتها حول ما يجب أن يكون عليه وضع الحكم فى البلاد.
ب- قضية دارفور, عبر العمل المسلح, قضية سياسية ولا بد لها على هذا الأساس أن يكون حلها سياسياً عبر الحوار, وهي ليست قضية نهب مسلح ولا قطاع طرق.
ت- جوهر الحل الحقيقي لمشكلة دارفور تتمثل فى السلام العادل والتنمية المستدامة, والمشاركة المنصفة فى مواعين السلطة والثروة القومية, وهى مشاكل بالنسبة لدارفور قديمة، ومتجددة، وعمرها من عمرإستقلال السودان.
ث- يجب أن تؤدى المفاوضات إلى تسوية تاريخية تحدد العلاقة العادلة والمتوازنة بين دارفور والدولة السودانية, وتضع حداً للصراع مع المركز, وتضمن التنمية المتوازنة المستدامة التي تضع حدا لظلم موروث ومستحدث, وتقيم الحكم على أساس العدل والمساواة.
ج- ضرورة إعتراف الحكومة بخطل سياساتها فى دارفور, مع ضرورة إعتذارها عن دورها فى الدمار الذى لحق بدارفور وأهلها, و تخريب التعايش السلمى بين القبائل من خلال تدمير هياكل الإدارة الاهلية, وإستقطاب بعض قادتها, وخلق صراعات فيما بينها, والذى إنعكس سلبا على الإستقرار الأمني، وتسليح بعض القبائل والمليشيات والإستعانة بها لمحاربة قبائل أخرى, وتفتيت ديار القبائل الموجودة عبر التاريخ.
(2) ملف التعايش السلمى:
يشترك فى تناول هذا الملف كل القوى المهتمة بشأن دارفور, فإلى جانب السلطات المحلية وأبناء وقيادات القبائل نفسها, فإنَّ قوى مقدرة أخرى مثل السلطة المركزية السودانية ومنظمات المجتمع المدني والقوى السياسية والدولية لها أدوار موازية لتدارك إفرازات الصراع وإنهيار التعايش السلمي بين القبائل المختلفة, فخلال فترات الصراع المحموم ترسبت في المجتمع الدارفورى مرارات وثارات وبات إسترداد التعايش السلمى يحتاج لمجهودات جبارة وحلول مبرمجة بإشراف كل الأطراف نجمل بعضها فى المستويات التالية:
مستوى البرامج العاجلة (من شهر إلى شهرين):
أ- إعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية بأسرع طريقة ممكنة, ففى آخر إحصائية عن العدد الكلى لهؤلاء ذكر السيد عثمان كبر والي شمال دارفور إنَّ عددهم بالولاية يبلغ أكثر من 404 ألف (الرأى العام 9 أكتوبر 2003م), لكنَّ وكالة الأمم المتحدة لشئون النازحين أعلنت فى تقرير عاجل لها مؤخراً أنَّ جملة العدد حولى نصف مليون وناشدت المجتمع الدولى بحاجتها العاجلة لمبلغ 6و16 مليون دولارلإنقاذ 70 ألف مواطن يتعرضون للموت ويعيشون منذ شهور على الحدود السودلنية التشادية.
ب- وضع برامج عاجلة لتوفير المساعدات الانسانية العاجلة للذين تعرضت قراهم ومزارعهم للحرق والتدمير.
ت- إنشاء صندوق قومى عاجل لتوفير مبالغ نقدية وهبات عينية للعائدين لمناطقهم لمساعدتهم فى إسترداد أنماط حياتهم العادية, هذا الصندوق يجب أن يتم تمويله من الخزينة المركزية مباشرة مع إستقطاب العون الدولي وإستنفار منظمات المجتمع المدني لدعمه.
ث- القضاء التام على مليشيات الجنجويت سواء بسيطرة الحكومة عليهم أو تصفيتهم عسكرياً مع محاولة إدماج التائبين منهم فى المجرى العام للمجتمع.
مستوى البرامج متوسطة المدى (خلال السنة الأولى):
أ- إعادة بناء المدارس وتأهيل المستشفيات وإقامة مشاريع المياه وتأمين الطرق وتنظيم الأسواق وتهيئة البنية التحتية لدعم التعايش السلمى.
ب- تنظيم مسارات القبائل الرحل وفتح ممرات أمنة لهم ولحيواناتهم ووضع التدابير الكفيلة بمنع الإحتكاكات والتعدى على حقوق الغير.
ت- العمل على بناء القدرات بكل مناطق دارفور وإنشاء آلية فنية مختصة بالتعاون مع برنامج وكالة التنمية الأمريكية التى إقترحت تطبيق مبادرة أبيى للتعايش السلمى فى دارفور.
مستوى البرامج طويلة المدى (سنة واحدة فأكثر):
أ- وضع إستراتيجية طويلى المدى لإعادة بناء النسيج الإجتماعي بدارفور بعد الحروب التي جعلت القبائل تقتتل مع بعضها البعض.
ب- مراجعة قانون الإدارة الأهلية وإعادة تأهيلها بما يضمن لها السيطرة على الخلافات القبلية كسابق عهدها لقرون فى ضبط دارفور, وإقرار ممارسات الشورى والأعراف في اختيار زعماء القبائل.
ت- إلغاء إمارات القبائل المصطنعة التي إستحدثتها حكومة الإنقاذ بغرض تفتيت القبائل لتسهل السيطرة عليها.
ث- تثبيت حواكير القبائل كما كانت يوم خروج المستعمر في عام 1956م, وإعتبار القبائل والبطون التى تم زرعها أو فرضها بالقوة وبضغط من الدولة فى ديار قبائل أخرى قبائل راحلة, ويمكن إعطائهم صفة عموديات الرحل فى أراضى تلك الديار.
ج- تكوين مجلس شورى قبلى يضم زعماء كل القبائل بدارفور بواقع ممثل واحد فقط لكل قبيلة هو زعيمها, ويكون هذا المجلس بمثابة برلمان أهلى لشئون القبائل, ولها صفة الإستشارية فقط, ويكون لها مقر دائم بمدينة الفاشر, العاصمة التاريخية لدارفور, ولها أمانة دائمة, وتتبع للوالى مباشرة, وتنعقد جلساتها مرتين على الأقل فى العام. مثل هذا المجلس سيكون له أثر إيجابى وسريع فى رفد التعايش السلمى بدارفور ودعم خيارات التعاون والتصالح.
(3) ملف قسمة الثروة القومية:
هذه من الملفات التى سيتناولها المؤتمر الدستورى أيضاً بالنسبة لقسمة الثروة القومية بين ولايات شمال السودان, بعد أن أخذ الجنوب حقوقه كاملة فى هذا الجانب, إلاَّ أنَّ وفد الحركة يمكنه طرح رؤى محددة فى هذا المجال فيما يختص بدارفور, نوجزها فى الآتى:
أ- تتم قسمة المبالغ المقررة على أساس التمثيل النسبى لسكان الولايات, وسيعتمد ذلك على آخر التقديرات الإحصائية لسكان كل ولاية ثم على التعداد السكانى القومى المقرر إجراءه خلال السنوات الثلاث الأولى من الفترة الإنتقالية.
ب- إعتماد مبدأ "التمييز الإيجابى" لتعويض الولايات الأقل نمواً جبراً لتخلفها ويتم تخصيص نسبة من الميزانية المقررة للقسمة للصرف عليها.
ت- مراجعة الكيفية التى إنفقت بها ديون السودان الخارجية منذ الإستقلال وعدم تحميل الولايات التى لم تستفد منها فى تسديدها.
ث- إنشاء آلية تتمثل فيها جميع الولايات لضمان الشفافية والنزاهة فى عملية تقسيم الثروة.
ج- حصول دارفور على حقها من موارد البترول المنتجة من حقل أبو جابرة, وبأثر رجعى منذ بداية الإنتاج فيه, مع تحديد نصيبها كاملاً فى إيرادات المستقبل.
(4) ملف المشاركة فى السلطة:
لم يشارك أهل دارفور بصورة عادلة بالنسبة لعدد سكان الإقليم فى كل الحكومات منذ الإستقلال, وظلَّ تمثيلهم هامشياً متمثلاً فى وزارات الدرجة الثالثة والرابعة, وعليه:
أ- إعتماد مبدأ التمثيل النسبى لعدد سكان الولايات فى توزيع الوزارات والمناصب القومية الكبرى.
ب- حصول دارفور لوزارة واحدة على الأقل من وزارات السيادة وهى الداخلية, الخارجية, الدفاع, والمالية.
ج- إعتماد مبدأ الترشيح والإنتخاب الحر المباشر لمنصب رئاسة الجمهورية.
(5) ملف حكم الإقليم:
أ- تطبيق نظام الحكم الفدرالى فى حكم دارفور والسودان, وأن تعود الولايات كسابق عهدها كمديريات, وذلك توفيراً للصرف ومنعاً لعمليات الفرز العرقى التى طبقته نظام الإنقاذ.
ب- أن يحكم الإقليم نفسه بنفسه عبر صناديق الإقتراع علي كل مستويات الحكم الإقليمي والولائي والمحلي, وأن ينتهي تصدير الحكام والولاة من المركز إلي الأقليم أو تنصيبهم فيها دون إرادة سكانها.
ت- أن تكون لحكومة الولاية حق النقض (الفيتو) علي السلطات الإتحادية في الأمور التي تتعلق بهيكل إدارة الإقليم مثل تعديل الحدود الإدارية وقضايا الثقافة والتراث.
ث- رد الإعتبار للإدارة الأهلية كآلية تاريخية أصيلة ومصدر تراثى إلهامى لضبط إنفلات القبائل وإثراء جوانب التعايش السلمى بين القبائل.
(6) ملف مشاريع التنمية والخدمات الإجتماعية:
هذا البند هو بيت القصيد إرساء دعائم الحل الدائم لمشكلة دارفور, ولمَّا كانت التنمية والخدمات الإجتماعية عملية مستمرة فليس من المهم هنا الإشارة إلى تنفيذ مشروعات بعينها, وإنما المطلوب هى الآلية التى تقوم برسم السياسات اللازمة لذلك, ومن ثمَّ تخطيط وتنفيذ المشاريع والبرامج المختلفة, ومن أجل ذلك نقترح الآتى:
أ- تشكيل مفوضية عليا للتنمية بدارفور تكون تابعة لرئاسة الجمهورية مباشرة يرأسها شخص بدرجة وزير, أو وزير دولة على الأقل, لكنه يكون محاسباً أيضاً من والى ولاية دارفور وبرلمانه.
ب- كفالة مجانية التعليم وإلزاميتها لكل طفل بلغ سن الدخول للتعليم الأولى, وكفالة مجانية العلاج, والتوسع فى برامج محو الأمية وتعليم الكبار خاصة المرأة.
ت- تنفيذ المشاريع الزراعية فى ساق النعام وأم بياضة ووادى صالح وأم عجاجة وقوز دنقو وهبيلا وغيرها على أساس الإستثمار الحر, وتقسيم الأراضى فيها إلى حواشات يتم إستصلاحها على أساس الحيازة بالوكالة بحيث يمكن نزعها إذا فشل المزارع فى إستثمارها.
ث- إنشاء صوامع الغلال ومشاريع المياه لدعم الأمن الغذائى والمائى بالإقليم, خاصة فى سنوات الجدب والجفاف والذى تكرر كثيراً فى العقود الأخيرة, وزاد من حدة الصراع على الموارد مما أدى إلى الحروبات والنزاعات المسلحة.
(7) ملف حقوق دارفور التاريخية:
لدارفور حقوق تاريخية سلبت منها قهراً بواسطة المركز ولم تسترد حتى الآن مما يعنى طرح المطالب الآتية:
أ- إستعادة دارفور للأوقاف التى أنشأها السلطان على دينار فى الأراضى المقدسة, منها أرض القنصلية السودانية بجدة, وعدد من قطع الأراضى والمبانى بكل من مدن جدة, مكة المكرمة, والمدينة المنورة. لقد قامت وزارة الشئون الدينية والأوقاف السودانية مؤخراً بحصر كل تلك الأوقاف وتملك وثائقها, كما قامت بتتبع المفقود منها, وقد آن الأوان أن تعود تلك الأوقاف إلى وريثتها الشرعية ممثلة فى حكومة ولاية دارفور.
ب- عودة كل أراضي دارفور التاريخية التي ضمت للإقليم الشمالي (قطاع الميدوب والعطرون), وكذلك منطقة حفرة النحاس التى ضمها نظام النميرى لبحر الغزال.
ت- إستعادة الآثار التاريخية والأثرية لدارفور من داخل وخارج السودان.
ث- إسترداد أهل دارفور لأموالهم التى ضاعت فى مؤامرة طريق الإنقاذ الغربى وتحمل حكومة الإنقاذ لذلك, ولا يجب أن يحسب ذلك فى نصيب الإقليم فى بند قسمة الثروة أو ميزانية التنمية.
(8) ملف تعزيز التجارة والتعاون الدولى:
أ- أن تمتلك ولاية دارفورحقوق التبادل التجارى والثقافى والفنى والتعليمى والرياضى والتعاون مع دول الجوار دون الرجوع إلى المركز إلاَّ فيما يتعلق بقضايا الأمن القومى.
ب- أن تكون للولاية الحق فى عقد صفقات تجارية مباشرة مع كل دول العالم دون الرجوع إلى المركز.
ت- أن تكون للولاية الحق فى المشاركة فى المعارض الدولية ومواسم التسويق الخارجية وإستقبال وفود الإستثمار الخارجية دون تدخل من المركز.
ث- للولاية الحق فى رفض أى ترتيبات أو إتفاقات حكومية فى مجال الإستثمار تضر بمصالحها, مثل الإتفاقية الحصرية لتصدير الماشية السودانية إلى دول الخليج, أو تصدير اللحوم والمنتجات الأخرى عموماً, دون أخذ رأيها فى الإعتبار.
(9) ملف وضع قوات الحركة المسلحة بعد إتفاقية السلام:
تتفاوت التقديرات الخاصة بعدد القوات العسكرية لدى كل فصيل من فصائل الحركة المسلحة, لكن فى حال التوصل لإتفاقية سلام نهائية بينها وبين الحكومة السودانية فمن الواجب إستيعاب هذه القوات فى الجسم الكبير للجيش السودانى, على غرار ما تم فى إتفاقية أديس أبابا عام 1973م مع قوات الأنانيا, وأتفاقية الترتيبات العسكرية المبرمة مؤخراً مع الجيش الشعبى لتحرير السودان, أما فيما يختص بالحركة المسلحة بدارفور نرى الآتى:
أ- عدم حل قوات الحركة أو تسليم الأسلحة بعد التوصل إلى إتفاقية سلام إلاَّ بعد مرور وقت كافى يتفق عليه للتأكد من إلتزام الحكومة بتنفيذ ما يليها من متطلبات الإتفاق النهائى.
ب- إنشاء قوة عسكرية بإسم "حرس السلام" من قوات الحركة, نسبة لمعرفتها بدارفور ووعورة تضاريسها, تكون تابعة للجيش السودانى, ويتم تدريبها على فنون فض النزاعات بين القبائل فى دارفور, ومراقبة مسارات الرحل, وإستباق تفجر المشاكل نحو الأسوأ فى حال وقوعها, والقيام ببرامج توعية للقبائل لتعزيز سمات التعايش السلمى, هذه القوات طبيعة عملها ميدانية ولذلك يجب تجهيزها فى شكل فرق تتحرك على طول وعرض الإقليم, وتوفير معينات لها مثل الأسلحة و وسائل الحركة وطائرات الهليكوبتر والإتصالات الحديثة ومراكز للإمداد والتحرك والتنظيم, وسوف لن تتردد الجهات المانحة العالمية فى دعم مثل هذا البرنامج الفريد.
ت- إستيعاب أكبر قدر ممكن من المسلحين فى الجيش السودانى وإلحاقهم بالمستويات العسكرية المناسبة.
ث- إستيعاب غير المستوعبين فى الجيش السودانى فى القوات النظامية الأخرى مثل البوليس, السجون, حرس الصيد, حرس الحدود, قوات الجمارك, والخدمة المدنية.
(10) ملف الضمانات لتنفيذ الإتفاقية:
لا بد من ضمانات لتنفيذ ما قد يتفق عليه وتنزيله لأرض الواقع مخافة من تنصل الحكومة المركزية لاحقاً أو إنحياز الرئيس التشادى لجانب الحكومة, ولمَّا صار للبعد الدولى شأن مؤثر على القرار السودانى, مع إحتمال تواجده الذى سيكون متزايداً بدارفور فى فترة ما بعد توقيع إتفاقية السلام بين الحركة المسلحة فى دارفور والحكومة السودانية, فلا بد من وجودها فى لجنة الضمانات, وكذلك لا بد من تمثيل للحركة الشعبية لتحرير السودان كونها ستكون الشريك الرئيسى فى حكم السودان خلال الفترة الإنتقالية, وعليه فيجب على كل هؤلاء أن يكونوا من الضامنين لتنفيذ الإتفاقية بجانب الأطراف الأخرى, ونرى أن يشمل لجنة الضمانات الشخصيات التالية:
أ- فخامة الرئيس التشادى إدريس ديبى
ب- الدكتور جون قرنق دى مابيورالنائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس الحركة الشعبية
ب- سعادة السفير الأمريكى بالسودان
ت- سعادة السفير البريطانى بالسودان
ث- سعادة ممثل الأمم المتحدة بالسودان
أخيراً يمكن لهذه الملفات أن تزيد أو تنقص حسب ما تخرج به المشاورات التى تقوم بها الحركة المسلحة الآن على قدم وساق, لكنا نؤكد بأنَّه كلما كانت الملفات متعددة كلما كان ذلك خير لأهل دارفور نسبة لأنَّها ستكون أكثر تفصيلاً وشاملة لمعظم القضايا الأساسية لدارفور, إنَّ المطلوب من جانب أهل دارفور هو الوصول لإتفاق سلام بينهم والحكومة المركزية السودانية يعمل على تقويض البنيات التعريفية الجاهزة، ويعيد تركيبها، وإنَّ المطلوب أيضاً التوصُّل إلى (تسوية) تشمل إعادة النظر فى هيكلة الدولة بأسرها وتنهى علاقة الأبوة وفرض الوصاية بين دارفور ودولة السودان.
كلمة أخيرة للثوار:
مما لا شكَّ فيه أنَّ جماهير دارفور بأسرها تحيى ثوارها الأيامن وتقف من خلفها من أجل إنتزاع الحقوق التاريخية والمنصفة لكل شعب الإقليم, وتحملهم أمانيهم الغالية وأشواقهم فى العيش بعز وكرامة, وتسندهم على طاولات التفاوض مثلما ساندتهم على ساحات الحرب, وتتمنى أن يستصحب وفد دارفور المفاوض كل ذلك ويعلم تمام العلم أنَّ دارفور كلها مصطف خلفها وهم فى قاعات التفاوض حيث لا تنازل ولا تفريط فى حقوق البؤساء والمحرومين منذ إستقلال الدولة السودانية. بناء على ذلك, وقبل بلوغ مرحلة التفاوض, متى ما كان ذلك, يجب على قيادات الفصائل المسلحة العمل على تحقيق المطالب الآتية كضرورات ملحة ستساعدهم فى الخروج بنتائج إيجابية فى مائدة التفاوض, وهى:
(1) إنتهاز هذه المناسبة لتوحيد كل الفصائل العسكرية فى حركة واحدة تحت قيادة عسكرية وميدانية موحدة.
(2) تشكيل قياد سياسية ومكتب سياسى لتولى العمل السياسى والإعلامى للحركة المسلحة والترتيب لعملية التفاوض مع الجانب الحكومى وهذه مهمة لا تحتمل التأجيل أو التردد أو المزايدة.
(3) ضرورة إشراك القبائل العربية فى صنع القرار الدارفورى, ولا يجب أن يشكل أفعال قوات الجنجويت الضالة حاجزاً للتواصل مع العناصر العربية عموماً, وللحقيقة فإنَّه يكاد أن يكون كل أبناء القبائل العربية مستنكرون لما يحدث بإسمهم, وتنادى معظمهم للعمل الجاد لإزالة الأحقاد والمرارات التى تولدت من موجات العنف والدمار, إنَّ القبائل العربية جزء لا يتجزأ من دارفور: سكانها وتاريخها وتراثها وثقافتها, ولا يمكن تجاوزهم بأى حال من الأحوال.
(4) العمل لإنشاء مكاتب إعلامية ونقاط إتصال داخل وخارج السودان وضرورة التواصل مع المثقفين من أبناء الإقليم المنتشرين حول العالم.
(5) التفكير فى خلق تنظيم سياسى قومى جامع لأهل دارفور يتجاوزون بها التمثيل السياسى الفطير مثلما كانت فى العهود السابقة.