جبريل عليه الحرب !

 


 

 

لم يكن جبريل إبراهيم، إلا كغيره من رؤساء الأحزاب والحركات السودانية، ما أن يختلف معه أنصاره حول بعض القضايا الجوهرية، يجرد قراره فيسلخهم من حزبه مغاضباً، إن قرار جبريل الاسبوع الماضي عزل أبرز كبار قادته و رفقائه في النضال المسلح الذي خاضوه معا عقدين من الزمان، خلف شعارات العدل والمساواة،ما هو إلا تأكيد جديد على ضيق صدر الزعماء السياسيين ويضاف إلى سلة الرعونة والإنقسامات الحزبية،لاسيما أن الخطوة دارت حول قضايا مصيرية تتعلق بعلاقة حركة العدل والمساواة وموقفها تجاه حرب الخرطوم وبعض ممارسات مثيرة لرئيس الحركة ، فالخطوة التي إرتكبها جبريل تكشف أمام الملأ عورة الدكتاتورية الحزبية التي يخفيها قادة الأحزاب خلف أقنعة النضال الزائفة حيث عكف بعضهم على تغطيتها بثياب الديمقراطية الخادعة،فالسيف الذي جرده الرجل وبتر به رفقائه صندل،حسابو وشرف وغيرهم من جسد حركته،هو ذات النوع من السيوف التي أستخدمها من قبل حزب الامة،فبتروا مبارك،مسار و نهار وغيرهم، كما قطّع الاتحادي أوصال حزبه إربا إرباً،وكذلك البعثيون ،الشيوعيون ،المؤتمر السوداني والاسلاميون،مع أنهم جميعا يتشدقون بالنضال والكفاح من أجل الديمقراطية ومحاربة الاستبداد وإشاعة حرية التعبير ،بينما يفشلون في تطبيقها داخل شرايين أحزابهم وحركاتهم التي تكلست بالاحتقان والخلافات المستمرة حول القضايا الوطنية .
إن ماقام به الرجل يُكذّب ما كان يرفعونه من شعارات نضالية مزورة تنادي ببسط المساواة والعدل للمهمشين وقاتل الحكومة المركزية كوريث ثوري لشقيقة الذي أغتيل غدراً، فكيف لمن يرفع شعارات الحرية ويقاتل من أجلها يضيق صدره بمن يخالفه الرأي،كما أنها لايمكن أن تجعل منه رجلا ديمقراطياً صادقاً في بحثه عن القيم والمبادئ تحت ركام الزيف والخداع ، كيف لا هو خريج مدرسة أصولية لاتؤمن بالتعددية السياسية ولا تعترف بالاختلاف كسنة فطرية في البشر ، خطوته الأحادية هذه تجسيد عملي لما قاله الرئيس المخلوع ذات في مخاطبة جماهيرية راقصة في ولاية القضارف بعد أنفصال الجنوب " تاني مافي حاجة اسمها تعددية،اسلامية عربية بس".
سيناريوهات مماثلة شهدها المجتمع السوداني كثيراً، إنتهت بظهور مكونات سياسية موازية للقديمة ،فقد إنشطر حزب الأمة القومي إلى أكثر من خمسة شظايا حزبية،ومثله الاتحادي الديمقراطي إلى عدد من الأكوام الحزبية ،أما أحزاب اليسار أفرخت عددا من الكتاكيت السياسية،بينما تجرعت الحركة الاسلامية أيضا من كأس الدكتاتورية الحزبية المسموم، فتقيأت عدداً من الكيانات الإسلامية ..وطالت الانقسامات حتى حزب المؤتمر السوداني الذي يعد أحدث الأحزاب على الساحة،فتطاير منه عدد من الكوادر الحزبية.
كل هذه المعطيات تؤكد ان التجربة الحزبية في السودان وجه آخر للدكتاتورية ،وتعد عقبة أساسية في سبيل إرساء دعائم الدولة المدنية،فرئيس الحزب يظل على دفة القيادة إلى ان يختاره الموت وليس الناخبين في حزبه،ومن ناحية اخرى، تؤكد ايضا ان زعماء الأحزاب السياسية والحركات النضالية قصيرو النظر ،يمزحون بالديمقراطية معتبرين أحزابهم ككنتين خاص يتحكم فيه رئيس الحزب كيفما يشاء، ومن المنتظر أن برد خصوم اليوم وحلفاء الأمس الصاع ضعفه لجبريل ،وذلك بميلاد كيان سياسي جديد مثلما فعل اسلافهم الذين استغنت عنهم أحزابهم ،ولسان حالهم يقول " جبريل عليه الحرب"!

msharafadin@hotmail.com

 

آراء