جو بادين: وقف حرب اليمن

 


 

 


أحسن الرئيس الأمريكي جو بايدن صُنعاً، بتنفيذ أحد وعوده الانتخابية في السياسة الخارجية، بانتهاء دعم بلاده للمملكة العربية السعودية في حرب اليمن، بالذخيرة والاستخبارات والدعم اللوجستي والخبراء العسكريين، الذي بدأ في ولاية الرئيس الأسبق باراك أوباما، واستفحل في عهد دونالد ترامب، الذي استخدم "الفيتو" ثلاث مرات لوأد مشاريع قوانين "كونغرس"، اقترحت فعل ما فعله بايدن. لأن القرار يتضمن وضع حداً لأكبر كارثة إنسانية من صُنع البشر في العصر الحديث، محصلتها أكثر من ربع مليون قتيل وجريح، ضمنهم 20 ألفاً من المدنيين، ملايين النازحين واللاجئين، عشرة ملايين أمسوا على شفا المجاعة، انهيار البنية التحتية والمرافق الصحية، وتفشٍ هائل لوباء الكوليرا، وحديثاً، "كوفيد19". الذي فاقم كارثة اليمن، أنه كان قبل الحرب أفقر الأمصار العربية.

شنت مملكة آل سعود الحرب على اليمن بُغية منع نشوء دولة شيعية وصدّ النفوذ الإيراني من حدودها الجنوبية. غير أن الحوثيين لم يخوضوا تمردهم على السلطة المركزية واحتلال صنعاء في 2014 (بمشاركة الحرس الجمهوري التابع لعلي عبدالله صالح) من أرضية مذهبية، بل اجتماعية تتمثل في المظالم، لأن مناطقهم في شمال القطر عانت التهميش والإقصاء. والإمامة الزيدية أقرب المدارس الشيعية للسنة كونها - عكس حزب الله - لا تتبع الاثني عشرية، ولا تدين بولاية الفقيه، والمرشد الأعلى للثورة في طهران، أي لم يكونوا بيادق إيرانية. والذي حصل أن الحرب، واصطفاف عشرة دول سنية في تحالف السعودية، هو الذي دفع الحوثيين لترسيخ علاقتهم بالجمهورية الإسلامية، ومنح بالتالي الأخيرة مجالاً لتوطيد نفوذها الجيوسياسي في هذا البلد بموقعه الاستراتيجي. مثلما وهبها فرصة لاستنزاف منافستها التقليدية (السعودية)، إذ لا يتعدى ما أنفقته على الحوثيين مِعشار ما صرفته الأخيرة في الحرب. وآية ذاك النفوذ المُكتسب في أن أول عاصمة يزورها مارتن غريفنث مبعوث الأمم المتحدة الخاص باليمن، بعد قرار بايدن هي طهران، لبحث سُبل إحلال السلام. أي أن مسألة تحجيم النفوذ الإيراني في اليمن أتت عكس ما تشتهي سُفن السعودية.

رغم مغزي المرسوم الأمريكي كعتبة لوقف الحرب، إلا أن تحقيق الهوادة والاستقرار، وخروج اليمن موحّداً من هذه المعمعة لن يكون يسير المنال، فالمشهد بات شديد التعقيد، لأن الصراع لم يعد يقتصر على طرفين فحسب: التحالف السعودي والحوثيين. بل ثمة نزاعات تفرّخت داخل هذا الصراع، بفضل السعودية والإمارات، اللتان رعتا فصائل تناوئ بعضها، كدعم الأولي لـ"حزب الإصلاح" الإسلامي، والأخيرة للتيار السلفي "كتائب أبو العباس"، فكانت النتيجة اصطدام تلك الفصائل ببعضها، بدلاً عن مواجهة الحوثيين. وحتى بعد انسحاب اتحاد الإمارات من الحرب، إلا أنه يقوم برعاية مليشيات في الجنوب والغرب، علاوة على كفالة "المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذي يسعي لفصل جنوب اليمن عن شماله، وكثيراً ما احترب مع قوات "الحكومة الشرعية" التي يرأسها عبد ربه هادي. مُبتغى أبو ظبي من دعم أولئك الوكلاء هو إيجاد نفوذ لها في أي تسوية قادمة، وإنشاء قواعد أو تسهيلات عسكرية علي الساحل في حال انفصال الجنوب. عموماً، يُقدر عدد الفصائل والمليشيات بأكثر من عشرين، وثمة حركات قوت شوكتها أثناء الحرب كـ"القاعدة في شبه الجزيرة العربية" و"تنظيم الدولة الإسلامية".

والحق أن قرار جو بادين قد وهب مملكة آل سعود حبل نجاة، مسّت إليه حاجتها لتطفو من وحل اليمن، الذي رطمت فيه حتى الرقبة، إذ كانت تقديراتها عند بدء الحرب أنها لن تستغرق خلا أسابيع معدودات، فأكملت حولها السادس. اقتصادياً، استنزف الصراع الموارد المالية للمملكة، إذ فاق الإنفاق عليه 140 مليار دولار، مع انحسار عائدات النفط، بالخصوص بعد "كوفيد19" ووقف الحج والعمرة، في ظل أزمات اجتماعية، كارتفاع نسبة البطالة، بالخصوص وسط الشباب. وأمنياً، باتت صواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيّرة تدكّ العمق السعودي، من مدن كبيرة ضمنها العاصمة، ومنشآت النفط والمطارات. وهكذا، قبل أن يجفّ حبر مرسوم الرئيس الأمريكي، تلقفته الرياض بشغف، حين أعلن بيانها الرسمي أنها تسعي للتوصل "لحل سياسي شامل للأزمة في اليمن".
۞۞
في سودان الثورة، أصدرت وزارة الخارجية بياناً يدين قصف الحوثيين لمطار أبها قائلاً "إن الإصرار على استهداف أمن المملكة العربية السعودية، ومهاجمة الأهداف المدنية وتهديد حياة المواطنين المدنيين، يمثل استخفافاً بكل الشرائع السماوية والوضعية، وتمادياً في ارتكاب جرائم الحرب، وتحدياً للشرعية الدولية".
الآن، بحمد جو بايدن، ستضع الحرب أوزارها، وسينتهي تالياً الاستخفاف بتلك الشرائع، وسيؤوب مرتزقة الجيش والدعم السريع - وضمنهم أطفال - إلى ذويهم!

في بدء المغامرة، ظن البلاط السعودي أن الحملة لن تستغرق سوي أسابيع معدودات، دون اتعاظ من دروس التاريخ، كالذي حاق بالجيش الأمريكي في فيتنام والعراق وأفغانستان، أو بالجيش المصري في اليمن ذاته في الستينيات الفائتة. فكانت المحصلة

جرائم حرب، من قصف مناسبات أعراس، بيوت عزاء، مساجد، مشافي، مدارس
لا يعني ذلك أن الحوثيين لم يقترفوا جرائم من شاكلة تجنيد الأطفال وفرض ضرائب مرور علي الإعانات
ظلّ الغرب يتجاهل، ولا يجهل، مأساة اليمن لأن الحرب باتت سوق سلاح، فبريطانيا، مثلاً، ابتاعت عتاداً إلى السعودية بلغت قيمته 15 مليار جنيه منذ بدء النزاع، واستمرت في تزويدها بالسلاح، رغم قرار محكمة بريطانية، وصف تلك الصفقات بأنها "غير قانونية" كونها تنتهك القانون الدولي الإنساني، نسبة لإمكانية استخدامها لارتكاب جرائم
ح والنفس البشرية في العالم اللاغربي أقلّ مرتبة من تلك الغربية، كما رأينا في الحقبة الكولونالية والحروب (هيروشيما)، أو حديثاً حين تسبب موت ثلاثة آلاف أمريكي في الحادي عشر من سبتمبر لاحتلال دولتين اثنتين، و"حرب علي الإرهاب" طالت عدة دول وراح ضحيتها عشرات الألوف.

علي الأقل، لتلطيف وقع الكارثة، كان الأجدر بالنظام السعودي، ضمن سياساته التي أدت لتقليص العمالة الأجنبية، أن يستثني اليمنيين من الإبعاد من المملكة، إذ تم طرد عشرات الآلاف منهم، فلم يجد معظمهم بديلاً سوي الانخراط في هذه المليشيا أو تلك، كمصدر رزق، بما غذّي الصراع والمعاناة.


البيان السعودي رداً علي
أبدت دولتان في التحالف حكمة في الانسحاب من الحرب بعد أن أيقنتا أنها حرب بلا نهاية وبلا هدف: المغرب وماليزيا
ثلث السكان
نأمل أن يخرج اليمن من الحرب موحداً،

الميزانة العسكرية الثالثة بعد أمريكا والصين
جذور المشكل التهميش


babiker200@yahoo.ca
//////////////////////

 

آراء