جُرْحُ المنظماتِ الأجنبيةِ وقَوْسُ الشفافيةِ .. قراءة في أعمال الجمعية العمومية لمنتدى شروق
جعفر خضر
6 January, 2024
6 January, 2024
جعفر خضر
كتب المفكر والحقوقي الأستاذ كمال الجزولي - رحمه الله - بعد هبة سبتمبر 2013 وبسببها - مقاله المعنون ب (الجُّرحُ والقَوْس: منظمات المجتمع المدني والفضاء المعنوي للتغيير!)*. ويتصل المقال - وفقا للجزولي - بـ "روحيَّة" قضايا "إنضاج العامل الذاتي"، كأحد أهمِّ الرَّوافع الاستراتيجيَّة للقوى التي يُنتظر أن تسهم في إحداث التغيير المنشود.
ونحن الآن في "نص" ثورة ديسمبر المجيدة والمستمرة والمنتصرة رغم الانقلاب وويلات الحرب الدائر رحاها قتلاً واغتصاباً ونهباً، "وشيل شيلتك بقيت للنص!! " - فيتوجّب أن يتم التأهيل الأخلاقي والمؤسسي لمنظمات المجتمع المدني، وإلا فسوف لن نحصد سوى الرُكام، بعد كل هذه التضحيات الجسام.
إذ لا يعقل أن ننادي بدولة المؤسسات، ولا نمارس المؤسسية على مستوى منظماتنا الصغيرة: روابط الشباب، الأندية الرياضية، الجمعيات المحلية.. الخ. ولا يعقل أن نتطلع لأن تُظلل العدالة الاجتماعية ربوع الوطن، ونحن نمارس المحسوبية في منظماتنا. ومن غير المنطقي أن ننتقد التعتيم والصفقات السرية في عهد الإنقاذ البائد وقبله وبعده، ونحن نخشى أن يجهر ضوء الشفافية أعيننا.
اختتم كمال الجزولي مقاله حاثا على الوضوح والصراحة في مناقشة أزمة المجتمع المدني، بقوله: (لئن كان من قبيل الحُجَّة غير المهضومة أن يدعو أحد لإرجاء المكاشفة الواجبة حول هذه القضيَّة، والمفاكرةِ الضَّروريَّة في شأنها، بدعوى أن الوقت غير مناسب، أو بزعم الحذر من إساءة استغلال هذه المكاشفة أو المفاكرة من جانب السُّلطة وأجهزتها المعادية للمنظمات المدنيَّة، فإن ثمَّة، مِن أهل نفس هذه المنظمات، مَن لا يتوانى في استخدام ذات هذه الحُجَّة لتكريس الاتجاهات الخاطئة، فتكون هذه المنظمات جرحاً بقدر ما هي قوس! لذا، ولأن الوقت المناسب لأي إصلاح هو، بالقطع، كلُّ الأوقات، فينبغي تفويت الفرصة على كلا الطرفين، السُّلطة والنشطاء الفاسدين، بحملة جادَّة يقودها الشُّرفاء في هذه المنظمات، لإصلاح أوضاعها).
اتكاء على مقال كمال الجزولي، المشار إليه، يسعى هذا المقال لإلقاء نظرة على نشاط منتدى شروق الثقافي عموما مع التركيز على الدورة 16 وأعمال جمعيتها العمومية.
إن تأَمُّل مسيرة المنتدى والوقوف عند محطاتها شديد الأهمية، إذ أن شروق أحد أبرز منظمات المجتمع المدني في السودان، والتي ينبغي العمل على حمايتها من الانزلاق في أتون الفساد، والسعي الحثيث لتطويرها ، لا لتكون رقما إضافيا، وإنما لتكون رقماً مختلفاً نوعاً وأنموذجاً يُحتذى.
الجدير بالذكر أن مقال الجزولي هذا ليس غريبا على منتدى شروق، فقد كان محلا للنقاش في الفعالية رقم 175، بتاريخ 12 أبريل 2014م، بعد أشهر معدودات من كتابة المقال، وقد أشار إليه خطاب الدورة السابعة بالجملة التالية (وقد استفاد المنتدى استفادة كبيرة من فعالية "واقع منظمات المجتمع المدني قراءة في أربع مقالات" التي نظمها، لا سيما مقالة الأستاذ كمال الجزولي "الجرح والقوس منظمات المجتمع المدني والفضاء المعنوي للتغيير" مما يسهم في تصحيح مواطن الخلل).
يرى الجزولي واقعا قاتما لمنظمات المجتمع المدني السودانية، إذ يقول (بأن نشاط هذه المنظمات ظلَّ يعاني، في السُّودان بالتحديد، مرضاً يكاد يستفحل، بل، ولولا فسحة الأمل، لقلنا إنه قد يستعصي على العلاج تماماً! وأبرز أعراض هذا المرض ثلاثة: "ضعف الوعي بالذات"، و"تناقض النظر والممارسة"، و"ازدواجيَّة الحقيقة والوهم")*.
فهل أصاب هذا المرض العضال منتدى شروق ؟
تمهيد:
نظم منتدى شروق الثقافي منذ تأسيسه في العام 2007م مئات الفعاليات في شتى المجالات التوعوية، وعقد عدد 16 اجتماع جمعية عمومية، ونظم العديد من الأنشطة النازعة للحقوق في حقبة الإنقاذ االكالحة، ونفذ الكثير من المشاريع المموَّلة بشراكات مع منظمات.
وبالضرورة أن تكون قد شابت هذه المسيرة الطويلة الكثير من الأخطاء، فالخطأ يلازم العمل؛ ولكن من المهم أن تتوفر آليات التصحيح، حتى تدفع بالمنتدى إلى الأمام في طريقٍ قويم.
مثلا كنت جزءا رئيسيا من أخطاء حدثت في تاريخ المنتدى. على سبيل المثال، لا الحصر، الخطأ الذي حدث في الدورة السادسة عندما نفذنا مشروع "أسبوع الضعفاء" لمناهضة العنف القانوني ضد المرأة بالدراما - إذ أننا لم ندرج ميزانية المشروع في خطاب الميزانية ضمن الإيرادات والمصروفات ، وجعلناها ميزانية موازية.
وتمت الاستفادة من هذا الخطأ في الدورة اللاحقة، بإدراج مشروع "رجال ضد العنف ضد النساء" في صلب خطاب ميزانية الدورة السابعة.
الدورة 16:
حسب خطاب الدورة فقد نفذ منتدى شروق خلال الدورة 16 عدد 30 فعالية، كما دخل في شراكات ممولة في أربعة مشروعات. ولبى المنتدى الدعوة لورش بالقضارف أو بمدن أخرى داخل السودان أو بالخارج.
وتميز خطاب الدورة لهذا العام، بأن أدرج قائمة لكل المشاركين في الورش، وهذه ميزة كبرى تحسب لسكرتارية العلاقات الخارجية وللجنة التنفيذية، كما أن إدراج الالتزام المادي للمشاركين في الورش في خطاب الميزانية كان مساهمة قيمة رسخت الشفافية في هذا الجانب.
وقد نفذت اللجنة التنفيذية صيانة لمقر المنتدى مما جعله أفضل حالا وأجمل منظرا.
ويؤخذ على اللجنة التنفيذية أنها لم تنشر خطة في بداية الدورة تكون هاديا لمسيرتها ومرجعا لمحاسبتها. ويبدو أنه لم تكن هناك ثمة خطة!
كان التطلع منذ سنوات أن يتطور المنتدى في جانب التخطيط، ويعمل على صياغة خطة استراتيجية. وبدلاً من المضي في هذا الاتجاه فإن تراجعا حدث في هذا الجانب ابتداء من الدورة 14، حيث عرضت اللجنة التنفيذية الخطة السنوية في بداية الدورة، ولكنها لم تنشرها؛ أما الدورتين 15، 16 فسجلتا غياباً تاماً عن عرض الخطة ونشرها، هذا بافتراض أن هنالك ثمة خطة في الأصل؛ وهذا تراجع يصعب تبريره.
نص خطاب الدورة على أنه تم تحديث اللائحة الداخلية حسب "الخطة". لكن اللائحة الداخلية للدورة 16 تم نشرها في قروب منتدى شروق الثقافي، وليس صفحة شروق، في مايو 2023 أي بعد مضي أكثر من نصف الدورة. فهل كانت "الخطة" تتضمن تحديث اللائحة بعد سبعة أشهر؟
إن المؤسسية والديمقراطية تقتضي التزام اللجنة التنفيذية بتوصيات الجمعية العمومية، لأن الجمعية العمومية هي أعلى سلطة في المنتدى. وكان هذا ديدن المنتدى طوال تاريخه المديد. ويتجلى الحرص والاهتمام بالتوصيات في أن مقدمة خطابات الدورة الخامسة والدورة السادسة والسابعة والثامنة والتاسعة - أن مقدمة أي خطاب من هذه الخطابات كانت عبارة عن توصيات خطاب الدورة السابق له. أي أن الخطاب يُذكِّر بالتوصيات ثم يقول للأعضاء، ولكل الناس، هَاؤُمُ اقرأوا كتابية!
بيد أنّ اللجنة التنفيذية للدورة 16 لم تولي توصيات الجمعية العمومية أدنى اهتمام، بحجة أنها لم تجاز تارة، وبحجة أنها أُجيزت بصورة متسرعة تارة أخرى. وقد أهملت حتى التوصيات المنصوص عليها في النظام الأساسي واللائحة الداخلية مثل إعداد خطة في بداية الدورة ونشرها.
وقد سبق أن استخفت اللجنة التنفيذية للدورة التاسعة بقرار الجمعية العمومية بتعديل خطاب الميزانية، إذ أن الخطاب المعدل لم يسلم للسكرتارية المالية حتى نهاية الدورة العاشرة!!
كما تحدّت لجنة الدورة 16 الجمعية العمومية وتعمّدت تجاهل توصيتها، بألا يبقى سكرتير أي مكتب في موقعه للمرة الثانية على التوالي - تحدّت هذه التوصية وقالت انها ستتحمل المسؤولية بعد عام أمام الجمعية العمومية القادمة!!
وهذا الاستخفاف لا يزال سارياً، ويتبدّى في تجاهل قرار الجمعية العمومية الأخيرة بنشر التقارير الإدارية والمالية للمشاريع في قروب منتدى شروق الثقافي ومناقشتها!!
أبدعت السكرتارية الإعلامية للدورة 16 بتصميم إعلانات متميزة. غير أنها رغم الإمكانات الممتازة للمنتدى، مقارنة بالماضي، لم تعكس ذلك كما يجب، بالتحديد في جانب التوثيق بالفيديو؛ إذ تظهر بصفحة المنتدى، من جملة 30 فعالية، أربع فعاليات فقط موثقة بالفيديو، وهي: ذكرى الاستقلال، إحدى حلقات "من نقد الحداثة إلى نقد الحضارة" ، واقع القوى السياسية والمدنية بولاية القضارف، وبين التسوية والجذرية، وهذه تمثل 13% فقط. وكما توجد نُتَف قصيرة لبعض الفعاليات: دقيقة، دقيقتان، سبع دقائق، 16 دقيقة.
وحسب خطاب الدورة، فقد واجهت السكرتارية الإعلامية بعض التحديات، تمثلت في عدم توفر واستقرار شبكات الانترنت، خاصة مع بداية الحرب، واستمرت حتى الآن؛ مما أدى إلى صعوبة رفع المواد والفعاليات التي تم توثيقها في الفترة السابقة.
ولكن لم تخبرنا السكرتارية الإعلامية كم عدد الفعاليات الموثقة التي لم ترفعها؟ وكيف ستحل هذه المشكلة؟ وكم عدد الفعاليات التي لم توثقها؟
. النَشْرُ عطرُ شروق:
كان ديدن المنتدى على مر السنوات نشر خطابي الدورة والميزانية لعموم الشعب قبل موعد انعقاد الجمعية العمومية، ترسيخا لمبدأ الشفافية، وتأكيداً لمبدأ أن الاطلاع على تفاصيل منظمات المجتمع المدني ليس شأنا داخليا خاصا بالأعضاء فقط، وإنما هو شأن يخص كل الشعب.
واظب على ذلك في وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية، بل ونَشَر النسخة الورقية لهذه الوثائق في المقاهي بسوق القضارف العمومي، وفي ظل قبضة نظام الإنقاذ الأمنية المتعسفة؛ لذلك كان يتفشى خبر نشر الخطابين ويعم القرى ويذيع الحضر.
قد يتأخر الخطابان، أو أحدهما ، ولا ينشر قبل الاجتماع، وذلك لأسباب موضوعية أو بسبب التقصير، ولكن لم يحدث ذلك بالقصد نهائيا.
وقد كان هذا هو السبب الرئيسي للسمعة الطيبة التي تمتع بها المنتدى بين عموم الناس، كما أبدى مثقفون بارزون إعجابهم بتجربة المنتدى وسلّطوا عليها الضوء.
فقد قال المفكر الأستاذ عبد العزيز حسين الصاوي - رحمه الله ـ تعليقا على خطابي الدورة والميزانية في مايو 2015 : (ثلاث وثائق صادرة عن إحدى أهم منظمات المجتمع المدني السودانية "شروق/ القضارف" توضح دقة التزامها بروح ونصوص تنظيمات المجتمع المدني (الشفافية، الانتخابات الحرة، مساءلة القيادة الخ.. الخ.. ) رغم المضايقات المستمرة وتعتبر بذلك نموذجا يحتذى لسودانيي الداخل والخارج بالكيفية الصحيحة لإدارة نشاطات المجتمع المدني. وبما أن السودان فقير إلى مصادر التربية الديموقراطية، فإن هذا النوع من النشاطات له دور رئيسي في سد هذا النقص الخطير الذي أودى بالتجارب الديمقراطية السابقة) .
وقال المفكر البروفيسير عبد الله علي إبراهيم ـ تعليقا على خطاب ميزانية الدورة الرابعة في أبريل 2011 : (هذا عمل مبروك وتربوي لا يترك شاردة ولا واردة. ذكرني حفظ "الدفاتر" في أبادماك). مما يشير إلى أن منتدى شروق سليل المنظمات الجماهيرية السودانية الأصيلة، وليس محض ظاهرة حديثة مستجلبة من الغرب، وفقا لرؤية الجزولي.
هذان نموذجان على سبيل المثال، لا الحصر، يكشفان الفائدة العظيمة لنشر خطابات الدورة والميزانية على الملأ، والتي جعلت عطر شروق يضوع بين الناس.
لكن اللجنة التنفيذية للدورة 16 كان لها رأي آخر!
التَنَكّر للنشأة والتاريخ:
لأول مرة في تاريخ المنتدى قررت اللجنة التنفيذية للدورة 16 عمداً ، ومع سبق الإصرار والترصد، مَنْعْ تمليك الأعضاء - المستوفين لحضور اجتماع الجمعية العمومية - خطابي الدورة والميزانية، إلا لحظة انعقاد الاجتماع.
مما يعني حرمان أعضاء المنتدى الآخرين من امتلاك الخطابين تماماً، بل وحرمان الشعب السوداني من الاطلاع على هاتين الوثيقتين المهمتين.
ومقللاً من أهمية نشر خطابي الدورة والميزانية، قال رئيس منتدى شروق - من على منصة اجتماع الجمعية العمومية - قال: (الشفافية الزايدة عن اللزوم لشنو؟ نحن مالنا ومال الشعب السوداني.. نحن مالنا ومال العالم.. نحن علينا بعضويتنا دي)!! وهذا بمثابة تنكُّر تام لنشأة وتاريخ المنتدى.
ولم يعترض على كلام الرئيس - رسمياً أثناء الاجتماع - أي عضو من أعضاء اللجنة التنفيذية الحاضرين!! وعدم اعتراضهم هذا لا يعني، بالضرورة، موافقتهم على كلامه، ولكن صمتهم يشير إلى ضعف الحساسيّة تجاه هذه المقولة التي ترتد بنا إلى ما وراء الصفر.
إن إرساء غلبة المحاذير الأمنيَّة - وفقا للجزولي - هو الأساس التَّبريري لتحوُّل الكثير من هذه المنظمات إلى محض كيانات مغلقة، لا يتجاوز عدد "مالكيها"، بل ولا يرغبون في أن يتجاوز، أصابع اليد الواحدة، بالمخالفة للمبدأ المتمثِّل في وجوب انفتاحها للعضويَّة الفاعلة والرَّاغبة في المشاركة في المجال المعيَّن، الأمر الذي يفضي، بالضَّرورة، إلى غياب الهيكلة والممارسة الدِّيموقراطيَّة الشَّفافة داخلها.
هذا وقد نص إعلان الجمعية العمومية الذي نشرته اللجنة التنفيذية للدورة 16 على صفحة المنتدى - نص على (كما عرفنا منتدى شروق الثقافي وعاصرنا "شفافيته" على مدار السنوات السابقة ، مواصلة لذلك فقد تم تحديد اجتماع الجمعية العمومية للدورة "17" في ..). ونص منشور للجنة التنفيذية بتاريخ 3 ديسمبر 2022 نص على (تمت مراجعة خطاب الميزانية، ومن باب "الشفافية" التي، هي ديدن المنتدى، تم التعديل ونشر في صفحة شروق) .
فهل ظنوا أن الشفافية تقتصر على عقد اجتماع الجمعية العمومية؟ أم أن الشفافية صارت "لُبانة"، فقدت حلاوتها، تُلاك بلا طعم وتمضغ بلا معنى؟!
أخشى أن نكون قد ولجنا في وحل العرض الثاني للمرض - الذي تناوله كمال الجزولي - الذي يتمثل في التَّناقض الفاضح لدى الكثير من المنظمات بين ضجيج اللغو النَّظري بالقيم والمبادئ، وبين المفارقة الخشنة لذات هذه القيم والمبادئ على صعيد الممارسة العمليَّة!
إن قرار اللجنة بعدم النشر لهو تشجيع لتكريس الاتجاهات الخاطئة في المنتدى.
العدالة أو إعمال المعايير:
بقدر ما كان تدخل الأجهزة الأمنية لقمع منتدى شروق ضارا به وبأنشطتهِ؛ ومع المقاومة السلمية الباسلة التي خاض غمارها المنتدى - فإن هذا التدخل قد خلق ذيوعاً ، وجعل من المنتدى رقما معروفا على مستوى الوطن. وأضحت الدعوات تترى على المنتدى للمشاركة في ورش ودورات داخل وخارج السودان؛ فرُبّ ضارةٍ نافعة!
إن المنطق الأساسي لعمل منظمات المجتمع المدني - وفقا للجزولي - ينهض على دعامتين اثنتين من قيم الحداثة ومبادئ العدالة الاجتماعية.
وأضيف: لن تكون دعوة أي منظمة للعدالة الاجتماعية حقيقية، إذا لم تلتزم هي بالعدالة على مستواها الداخلي.
مع تزايد الدعوات لمنتدى شروق للمشاركة في أنشطة خارجية وداخلية، فإن اللجان التنفيذية المتعاقبة طوّرت معاييراً للاختيار، حتى تفي بمبدأ العدالة. وأضحت هذه المعايير جزءا لا يتجزأ من اللائحة الداخلية للمنتدى.
وقد بلغ إعمال هذه المعايير قمة النضج في الاختيار لورشة أديس أبابا في العام 2018م. فقد تجنبت اللجنة التنفيذية الترشيح، واعتبرت كل أعضاء الجمعية العمومية الأخيرة مرشحين! وأعملت المعايير بصورة رقمية عالية الدقة في بنود: الاشتراكات، وحضور الفعاليات، وحضور آخر اجتماع جمعية عمومية، والعدالة؛ وبدقة تقديرية معقولة في البنود الأخرى**.
ولكن اللجنة التنفيذية في الدورة 16 ضربت بهذه المعايير عرض الحائط، حتى أضحى الأعضاء المستوفين لحضور اجتماع الجمعية العمومية، بتسديد الاشتراكات وحضور الفعاليات، نصيبهم أقل من غير المستوفين؟!!
فحسب المعلومات الواردة في خطابي الدورة والميزانية، فإن الأعضاء المستوفين لاجتماع الجمعية العمومية نالوا 6 فرص فقط في الورش والدورات، في حين نال غير المستوفين 12 فرصة!! أما أعضاء اللجنة التنفيذية فكان لهم نصيب الأسد 22 فرصة كاملة!! . ونجد أن حوالي 33% فقط من جملة المستفيدين من الورش سددوا نصيب شروق ( لائحة شروق تنص: حين يشارك عضو في ورشة أو دورة فعليه تسديد 40% على الأقل من فائض النثرية للمنتدى) والأغلبية لم تسدد، ولم تكن هنالك نثرية في بعض الحالات (الرسم البياني أدناه يوضح توزيع فرص الورش على الأعضاء).
في اجتماع الجمعية العمومية شكّكتُ في إعمال المعايير اختيارا للورش، وسألت اللجنة التنفيذية، بصورة مباشرة، إن كانوا قد أعملوا المعايير!؟
ورغم أن المقام لمساءلة اللجنة التنفيذية، إلا أن أحد الأعضاء في الجمعية العمومية عكس وجهة السؤال، وصوّبه نحوي قائلا: كيف عرفت أن اللجنة التنفيذية لم تطبق المعايير؟
فكأن المُجرّم هو الحصول على المعلومات! ولأنّ الأثر يدل على المسير، والبعر يدل على البعير، فلم يكن إظهار الحقيقة يحتاج إلى جهدٍ كبير!
أما اللجنة التنفيذية فقد كان لها آراء متضاربة ولكن إجابتها بصورة عامة نحَت في اتجاه أنهم قد طبقوا المعايير! والأرقام أعلاه تُكذّب زعمهم.
إن العدالة لا تتعلق فقط بتوزيع فرص الورش والدورات التدريبية، وانما يجب ان تطال طريقة تنفيذ وفرص الحصول على وظائف في المشاريع الممولة التي ينفذها المنتدى. وأن تطال كيفية اختيار المنظمات التي يمولها منتدى شروق، باعتبار أن المنتدى قد أصبح منظمة وسيطة تموِّل المنظمات والمبادرات المحلية. إن منتدى شروق يحتاج إلى بذل جهدٍ كبير لتطوير المعايير وإعمالها.
التمويل نعمة أم نقمة:
إنّ أول مشروع ممول، من منظمة، في تاريخ المنتدى، كان في الدورة السادسة (2012 - 2013) حينما نفذ المنتدى مشروع "أسبوع الضعفاء" ، بتمويل مقداره 25 ألف جنيه، بالشراكة مع شبكة صيحة. وتوالت الشراكات من بعد.
ويمكن تصنيف الشراكات إلى ثلاثة أنماط:-
النمط الأول: شراكة ليس لها عائد مالي وأسلوب عملها جماعي.
وفي هذا النمط يساهم منتدى شروق ماليا في تكلفة التنفيذ، ولو بمساهمة أقل نسبياً. ويتم تنفيذ الأنشطة بمشاركة جماعية. ويندرج في هذا النمط الشراكة مع مشروع الفكر الديمقراطي - تحديدا - في الاحتفال بمرور خمس سنوات على برنامج "القراءة من أجل التغيير" في الدورة الحادية عشر (2017 - 2018)، والذي كان تتويجا لبرنامج القراءة الذي بدأ في الدورة الثامنة، وأثمر عن تكوين ست مجموعات قراءة، وتواصل في الدورات التاسعة والعاشرة (رغم أنه لم يظهر في ميزانيتها) والحادية عشر.
ويندرج في هذا النمط - أيضا - المشاركة في مهرجان محجوب شريف للشعر والذي انعقد في الدورتين العاشرة والحادية عشر. وكذلك الشراكة مع الجمعية السودانية للمعرفة في الدورة الحادية عشر التي أثمرت عن تنفيذ فعاليتين في القضارف والخرطوم.
النمط الثاني: العائد المالي يعود لشروق وأسلوب العمل جماعي.
وفي هذا النمط شروق لا يساهم ماليا في تنفيذ المشروع الذي يكون ممولا بالكامل من المنظمة الشريكة، بل ويكون هنالك عائدا للتنسيق، ويعود هذا العائد الى منتدى شروق الذي ينفذ المشروع بصورة جماعية.
ويندرج في هذا النمط مشروع أسبوع الضعفاء، السابق ذكره، بالشراكة مع شبكة صيحة.
فقد تركت صيحة للمنتدى حرية كبيرة في طريقة إدارة هذا المشروع. وقد اتبّعت اللجنة التنفيذية، وقتذاك، أسلوب التنفيذ الجماعي، وأن يعود عائد التنسيق للمنتدى، وقد كان.
وتم اتباع ذات النمط في الدورة الحادية عشر، أي العمل الجماعي والعائد لشروق، في تنفيذ ورشة الشفافية ومكافحة الفساد، بتمويل من المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً.
النمط الثالث: تعيين موظفين لتنفيذ المشروع
وفي هذا النمط يتم تحديد مسؤولين عن المشروع يتقاضون مقابلا ماليا نظير تفرغهم، جزئيا أو كليا، ويكونون هم المسؤولون عن تنفيذ المشروع.
وقد بدأ هذا النمط في الدورة السابعة (2013 - 2014) بتنفيذ مشروع "رجال ضد العنف ضد النساء"، بالشراكة مع شبكة صيحة، بتمويل 14783 جنيها، والذي استمر طوال الدورة الثامنة، واختتم في الدورة التاسعة.
وهذا النمط هو الذي ساد في المنتدى بسبب رؤية المانحين، ربما بحجة ضرورة أن يكون هنالك مسؤولين محددين مفرغين، حتى يستطيعوا إنجاز العمل، ومن ثم يمكن مساءلتهم.
وبعد انتصار ثورة ديسمبر جزئيا في العام 2019 زادت وتيرة الشراكات مع المنظمات بصورة مذهلة، وكان النمط الثالث هو سيد الموقف. فقد دخل شروق في شراكات مع منظمات متعددة: منظمة سيفر ويرلد Saferworld، منظمة السودان للتنمية (سودو)، ومنظمة فريدم هاوس Freedom House، ودي تي قلوبال DTGlobal، وغيرها.
وقد أفاد هذا النمط في توفير المعينات لمنتدى شروق من لابتوبات وموبايلات وكاميرات وأثاثات وصيانات ودفع للإيجارات. ولم تكن نتيجة هذا النمط تجويد التنفيذ في كل الأحوال، رغم الأجور، فمثلما نجد اداءً جيداً نجد أداءً رديئاً .
وقد تسبب هذا النمط في ذات الوقت في انعزال المشاريع عن أعضاء المنتدى، وانحسار الشفافية بصورة بالغة الخطورة! مما وضع المنتدى على شفا جُرُفٍ هارٍ!!
شروق من الفقر المدقع إلى الغنى الفاحش:
حتى نستطيع أن نطرح تقييما منطقيا ومقارنة سديدة بين إيرادات المنتدى وتمويل المنظمات من جهة، وبين حجم الإيرادات على مدار السنوات من جهة أخرى؛ فإن هذا يتطلب بذل الجهد لتوحيد عملة المقارنة. وقد استخدمتُ، لأغراض هذا المقال، الدولار كوحدة قياس، باعتبار استقراره النسبي، فحولتُ كل المبالغ في الميزانيات - محل المقارنة - إلى دولار.
وحتى يكون تحويل العملة هذا موضوعيا، استخدمتُ متوسط سعر الدولار في بنك السودان، في الأسبوع الأول من يناير، للسنوات من العام 2012م وحتى العام 2023م (12 سنة) باعتبار يناير يقع في منتصف الدورة تقريباً. وقد كان المتوسط، في الأسبوع الأول من يناير، بالترتيب ابتداء من 2012 كالآتي: (2.7ج، 4.4ج، 5.7ج، 5.9ج، 6.1ج، 6.6ج، 6.6ج، 47.6ج، 45.1ج، 55.1ج، 437.9ج، 445.4ج)
ونلاحظ أن تدهورا دراماتيكيا للجنيه السوداني قد حدث في أخريات شهور المخلوع البشير، اذ ان الدولار في الأسبوع الأول من يناير 2018 كان يعادل 6.6ج، وفي الأسبوع الأول من يناير 2019 صار يعادل 47.6ج، والمتوسط بينهما 27.1ج. لذلك اعتمدنا للدولار في الدورة 11 التي امتدت أشهرا طويلة في العام 2018م مبلغ 20.5ج، وهذا كان أفضل سعر لبيع الدولار مقابل الجنيه بمدينة القضارف أيام ورشة الحملات حسب خطاب ميزانية الدورة 11 نفسها.
وكذلك حدث انخفاض دراماتيكي في سعر الجنيه مقابل الدولار في الفترة من 2021م و 2022م لذلك اعتمدتُ المتوسط من سعر يناير 2021م ويناير 2022م، البالغ 246.5ج، لتحويل الجنيه السوداني إلى دولار، للدورتين 14 و15.
ولأن بعض المشاريع عابرة للدورات (مشروع بناء السلام + حقوق الإنسان) تم حساب المرحل من الدورة 14 إلى الدورة 15، والبالغ مليون و200 ألف ج، باعتبارها تكملة تمويل المشاريع في الدورة 15، وتم استقطاع نفس المبلغ من تمويل الدورة 14 حتى لا يحسب المبلغ مرتين.
لم أعثر على خطاب ميزانية الدورة 12 حتى لحظة كتابة هذا المقال، لكن ملخص خطاب الميزانية الوارد في خطاب الدورة 12 نص على أن جملة الإيرادات 54,316 جنيها و 200 جنيه استرليني و 174 دولار (يوم 10/1/2019 كان واحد جنيه استرليني يساوي تقريباً 1.3$). ويبدو أنه لم تكن هناك شراكات كبيرة من حيث التكلفة المادية في هذه الدورة، فقد نص خطاب الدورة 12 على نشاط بالشراكة مع منتدى دال الثقافي أثمر عن فعالية واحدة في الخرطوم، وهذه تمت بالنمط الأول، أي أن شروق ساهم في إقامتها ولو بالمساهمة الأقل. كما كانت هنالك شراكة مع المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً في دعم الحراك الثوري، ولا أتوقع أن التمويل كان كبيراً. سأضع مبلغ 10 دولار رمزية لتمويل المنظمات في الدورة 12.
لا تتضمن هذه المقارنة تمويلات ضخمة مثل تمويل منظمة DTGlobal، في مشروع تطوير دور الشباب بمبلغ 121,000 دولار وهو التمويل الأضخم في تاريخ المنتدى على الاطلاق، وذلك لتوفر معلومة أن الصرف تم عن طريق المنظمة الممولة، وليس عن طريق منتدى شروق.
أنظر التمثيل بالأعمدة المرفق أدناه (المقارنة بين إيرادات شروق وتمويل المنظمات بالدولار من الدورة الخامسة وحتى الدورة 16)
يظهر التمثيل بالأعمدة أن منتدى شروق الثقافي كان معدماً، نسبياً، من حيث الموارد المالية، في فترة ما قبل الدورة 13، أي ما قبل العام 2019م. كان معدماً حتى في الدورات الممولة من الدورة السادسة وحتى الدورة الثانية عشر. بمعنى أن التمويل كان يمثل مبلغاً لا يذكر بالمقارنة بالتمويل بعد العام 2019م.
إن الدورة الخامسة التي بدأت بها المقارنة هي دورة بلا تمويل من منظمات، وهي تشابه تماما الدورات الأربعة الأولى، حيث كان التقشف والترشيد هو سيد الموقف. فقد نص خطاب ميزانية الدورة الخامسة على العبارة التالية (بالرغم من هذه التحديات فقد تم انجاز تلك المنتديات بالطريقة التي يعتمدها المنتدى في عمله على إنجاز الأعمال بأقل تكلفة ممكنة،
وذلك يروح الأعضاء الممتلئة بالإصرار والعزيمة، وترسيخاً لثقافةِ الترشيد التي تحتاجها بلادنا، وكسرا لشماعة الإمكانات التي أقعدت الكثيرين).
بعد ظهور التمويل ابتداء من الدورة السادسة خفّت هذه اللغة التقشفية بل واختفت. ولكن ظلت خطابات الميزانية، لا تكتفي بالأرقام فقط، وإنما تتضمن كلاماً شارحاً وملاحظات.
ولكن في عهد التمويلات الطائلة، ما بعد 2019م، أي ابتداء من الدورة 13، تعطّلت لغة الكلام وتحولت خطابات الميزانية إلى أرقام، كأن لم تعد هناك حاجة للكلام، فالمال يتكلم وأحيانا يمشي، وبلغة الفرنجة
Money talks sometimes walks
إن التمويلات الضخمة بعد العام 2019 تأتي بسبب انتصار الثورة السودانية، وبداية انفتاح المنظمات الدولية على السودان، وقد بلغ هذا التمويل ذروته في الدورة 14، أي في فترة الحكومة المدنية، وتقلص قليلا في الدورة 15 التي حدث في أثنائها انقلاب 25 أكتوبر 2022م، وأثّر اندلاع الحرب في الدورة 16 سلباً، ولكن ظلت التمويلات طائلة.
إن تمويل الدورة 14 وحدها يعادل جملة إيرادات الدورات الممولة وغير الممولة قبل العام 2019م، أي من الدورة الخامسة إلى الدورة 12(ثماني دورات) يعادل جملة إيراداتها مجتمعة سبع مرات!!
وإن تمويل الدورة 14 وحدها يعادل إيرادات الدورة الخامسة غير الممولة 140 مرة! أي لو استمر منتدى شروق بنفس معدل صرفه في الدورة الخامسة (بالدولار) فإن إيرادات الدورة 14 تكفي المنتدى لمدة 140 سنة. ولو أضفنا تمويل DTGlobal، البالغ 121,000 دولار، فان الايرادات تكفي المنتدى مستقبلا لحوالي قرنين ونصف من الزمان!!
زادت إيرادات منتدى شروق في الدورات الأربعة الأخيرة، خاصة في الدورتين 15 و16، زيادة ملحوظة، وذلك بسبب عائد المنتدى من المشاريع الممولة، وليس بسبب الاشتراكات أو نصيب شروق من الورش. وقد ظهرت هذه الإيرادات في شكل معدات وأثاثات بالإضافة إلى إيجار الدار وصيانته، وهذه فائدة مهمة.
إن هذه التمويلات فاحشة ليس فقط لأنها شديدة الضخامة، وإنما - أيضا - لأنه بالرغم من هذه التمويلات ظل منتدى شروق فقيرا في أنشطته الراتبة، أو بعضها.
فبالرغم من وجود مفرغين من المنتدى يتقاضون مئات الدولارات - خلال الدورات الأربعة الأخيرة - رغم ذلك كان المنتدى في الدورة 16 عاجزا عن تغطية تكلفة خلفيةٍ قماشية، تكلفتها لا تتعدى 10 ألف جنيهاً سودانياً، لإقامة النشاط؛ وعكف أعضاء اللجنة التنفيذية "يرقِّعون" الخلفية القديمة لتواكب المنشط الجديد!! فانطبق على المنتدى قول الشاعر:
أعيذها نظراتٍ منك صادقة
أن تحسب الشحمَ فيمن شحمهُ ورمُ
والأغرب من ذلك، وفي ظل الفقر، أو الفقر المحتمل، فإن خطاب ميزانية الدورة 16 تضمن نثرية مواصلات اجتماعات لأعضاء اللجنة التنفيذية بمبلغ 66 ألف جنيه! وهذا يحدث للمرة الأولى في تاريخ المنتدى! وسيكون هذا مُبرراً في وضع تكون فيه ميزانية المنتدى جيدة.
بدلاً من أن يؤثر منتدى شروق في المحيط حوله بنشر قيم المدنية المتمثلة في المؤسسية والديمقراطية والشفافية والمساءلة والنزاهة؛ وأن يؤثر في المنظمات التي يكون شريكا لها ويدفعها في اتجاه هذه القيم - فقد حدث تأثيرٌ عكسيٌ في الدورات الأربعة الأخيرة، فقد بدأ المنتدى يتخفّف من بعض قيمه، فقد توقف نشر الخطط في الدورات 14 و 15 و 16، وتوقف نشر اللوائح الداخلية في هذه الدورات، اللهم إلا الدورة 16 التي نشرت لائحتها بعد سبعة أشهر من بداية الدورة. وحدث تراجع مريع في إعمال المعايير للورش والمشاريع!! ودخلنا بداية مرحلة إخفاء خطابات الدورة والميزانية من الأعضاء وعموم الناس!!
إنّ تأثُّر المنتدى سلبا بهذه التمويلات الكبيرة يذكِّر بطرفة سودانية: فقد أرادت أسرة قروية أن تعلم طفلها اللغة الإنجليزية، فاتفقوا مع خواجة وأغلقوه مع الطفل القروي في منزل، ووفروا لهما كل أسباب المعيشة. وجاءوا بعد ثلاثة أشهر للاطمئنان والتأكد أن الأمور تسير على ما يرام، وطرقوا الباب، ففتح الخواجة الباب ليمد رأسه قائلاً: (دايرين العَوَااااض) بتلك اللهجة الريفية في بعض مناطق السودان.
الشاهد أن العوض، المستمسك بثقافته ولهجته، هو الذي أثر في الخواجة. أما في حالة شروق، فقد تخفف المنتدى من قيمهِ، واكتسب لغة المموِّل.
تغييب المشاريع:
في اجتماع الجمعية العمومية للدورة 15 (أكتوبر 2022م) تم تغييب التقرير المالي لمشروع بناء السلام والحد من النزاعات الممول من منظمة سيفرويلد Saferworld، بمبلغ 22500 دولار - تم تغييبه عن خطاب الميزانية. وكذلك تم تغييب التقرير المالي لمشروع رصد انتهاكات حقوق الإنسان الممول من منظمة فريدَم هاوس Freedom House بمبلغ 10,000 دولار.
اقترح أحد أعضاء المنتدى المخلصين في ذلك الاجتماع، اقترح اقتراحاً سديداً، بعدم إجازة خطاب الميزانية، لتغييب المشاريع وللأخطاءِ الأخرى في الخطاب نفسه، ولكن هذا المقترح لم يجد آذانا صاغية، فغادر العضو الاجتماع مغاضبا! ثم استقال من المنتدى لاحقا!
اشترطت الجمعية العمومية لإجازة الخطاب تصحيحه وإضافة المشروعين المغيبين. وكونت لجنة من ثلاثة أشخاص، تتعاون مع اللجنة التنفيذية للدورة 15، ليكتمل التصحيح وينشر الخطاب المعدل في زمن محدد.
وقد اقترح أحد أعضاء اللجنة الثلاثية عقد اجتماع جمعية عمومية طارئ لمناقشة الخطاب المعدل وإجازة ميزانيتي المشروعين، وهو المقترح الذي أبيناه "مُمُلّحاً" في اجتماع الجمعية العمومية، فهل سنقبله "قروض"؟
ولكن رُفض المقترح ومن ثم رفع العضو يده عن عمل اللجنة، ولاحقا تقدم باستقالته من اللجنة التنفيذية للدورة 16، التي انتخب إليها حديثا.
وقد اختلف أعضاء اللجنة الثلاثية فيما بينهم ومع لجنة الدورة 15، في كيفية التعامل مع الأمر وظهر سوء التفاهم هذا في اجتماع الجمعية العمومية الأخير (أكتوبر 2023م) وتبادلت الأطراف اللوم.
بتاريخ 10 نوفمبر 2022م نشرت اللجنة التنفيذية على صفحة منتدى شروق الثقافي خطاب الميزانية المعدل. وتم توضيح تصحيح الخطأ في مصروفات خطاب الميزانية كما تم إرفاق ميزانيات المشروعات المغيّبة.
لكن ظهرت أخطاء جديدة في ميزانية حقوق الإنسان التي تم إرفاقها؛ إذ أن مجموع الإيرادات الوارد في ميزانية المشروع 3393320 جنيه، في حين أن جملة الإيرادات بالجمع المباشر2,433,320 جنيه. وهذا يستلزم تصحيح التصحيح.
طالبتُ وألححتُ في قروب منتدى شروق الثقافي - على الواتساب - بنسخة من التقرير الإداري لمشروع حقوق الإنسان، ولم أحصل عليها حتى لحظة كتابة هذا المقال! وجدّدتُ مقترح عقد جمعية عمومية طارئة، ورأيتُ أن ذلك يمثل المعالجة المنطقية الصحيحة لهذا الموضوع. ووافق على ذلك عدد مقدر من المشاركين.
ووعدَتْ اللجنة التنفيذية، بلسان السكرتير العام للدورة 16، بترتيب عقد اجتماع الجمعية العمومية لمناقشة وإجازة ميزانيتي المشروعين. ولكن وإلى أن انتهت الدورة لم ينعقد هذا الاجتماع.
وعلمت في اجتماع العمومية الأخير من أحد أعضاء اللجنة التنفيذية، أن اللجنة قد قررت عدم عقد اجتماع جمعية عمومية لمناقشة ميزانيتي المشروعين!
ولكن للأسف الشديد فإن اللجنة التنفيذية لم تخطرنا نحن الأعضاء، الذين وعدتنا بعقد الجمعية العمومية، لم تخطرنا بقرارها بعدم عقد الاجتماع، وإنما تركتنا هكذا معلقين في الهواء!
يحسب للجنة التنفيذية الدورة 16 - مقارنة بالدورة السابقة - أنها أرفقت المشاريع الممولة ضمن خطاب الميزانية. ولكن يؤخذ عليها عدم إحسان التعامل مع خلل تغييب المشاريع الموروث، إذ إن النظام الأساسي للمنتدى - الذي لم يتطور كما يجب - يضع معظم الأمور في يد اللجنة التنفيذية. ولا تزال هذه المشكلة معلقة!!
تجنيب المشاريع:
ورد في مداولات اجتماع الجمعية العمومية أن اللجنة التنفيذية كتبت خطابا لمنظمة اسمها فيوتشر - بعد أن بدأت الجمعية العمومية أعمالها. يتمثل مضمون الخطاب في أن رئيس المنتدى (ليس بوصفه رئيساً وإنما باسمه) عضو في منتدى شروق وأن المنتدى لا يمانع من أن ينسق ورشة لمنظمة فيوتشر بصفته الشخصية.
وقد قررت الجمعية العمومية إحالة الأمر للجنة التنفيذية الجديدة للنظر فيه.
وهنا تنطرحُ أسئلة: إذا كان من سينسق المشروع سيديرهُ بصفته الشخصية، فما دخل منتدى شروق في الموضوع؟ ولماذا لا تتعامل منظمة فيوتشر مع منتدى شروق - مباشرة - كجسم مؤسسي؟ وكيف للجنة التنفيذية أن تكتب خطابا، ذي صيغة غير مألوفة، وهي قد انهت اعمالها؟ هل يأتي ذلك بغرض الاتكاء على اسم شروق ومن ثم تجنيب المشروع بعيدا عنه؟!
وورد في مداولات اجتماع الجمعية العمومية أن رئيس المنتدى قد غيّب عن اللجنة التنفيذية معلومة ان من سيكتب المقترح Proposal لمشروع مدنية، الذي تموله منظمة باكس PAX، هو الذي سيكون منسقا. وأوضح الرئيس الأمر للجنة التنفيذية لاحقا، فوجدت اللجنة نفسها أمام الأمر الواقع، وقبلت أو تقبّلت الأمر، ربما بحجة عدم تضييع التمويل، أو ربما تجنبا لإثارة المشاكل، أو غير ذلك. وهذا يتضمن - في تقديري - تجنيباً جزئياً لموقع المنسق. ولكن اللجنة التنفيذية اختارت بقية المفرغين بإرادتها الكاملة.
وقد قدمت نائبة المنسق - في اجتماع الجمعية العمومية - عرضاً تفصيلياً مرتباً لما تم إنجازه في مشروع مدنية وطريقة العمل. ولكن يؤخذ على فريق العمل بالمشروع واللجنة التنفيذية أنهم احتكروا فرص الترشيح لوظائف المشروع، ولم يفتحوا الباب حتى لأعضاء المنتدى. وظهر لرئيس المنتدى نفوذ وحظوظ في الامتيازات والاختيارات.
جدير بالذكر أن هنالك حادثة حدثت في الدورة السابقة (الدورة 15)، لما كان مركز الدراسات السودانية بصدد تنفيذ مشروع إنصاف المرأة في ثلاث ولايات: القضارف، جنوب كردفان، الخرطوم. كنت قريبا من هذا الأمر منذ بدايته. في الأسبوع الأول من فبراير 2022 تمت مشاورتي - من مركز الدراسات السودانية - لشريك في القضارف، فاقترحت منتدى شروق أو تجمع طالبات القضارف. ولمّا اختاروا شروق أعطيتهم تلفون رئيس المنتدى، وتواصلوا معه في فبراير نفسه.
وتواصل معي مركز الدراسات السودانية مرة أخرى في آخر الاسبوع الاول من مارس، واتصلتُ على رئيس المنتدى لتأكيد الموافقة على الشراكة، فأكد لي موافقة اللجنة التنفيذية للمنتدى.
وفي يوم 8 مارس صمم مركز الدراسات السودانية إعلان لتدشين الشراكة وفيها لوقو شروق.
وعند بداية تنفيذ المشروع في أغسطس سألت رئيس المنتدى عن عدم ذكر شروق في الدعوة المكتوبة، قال لي سيكون شروق حاضرا في نشاط المسرح. ولم يكن شروق حاضرا حتى في المسرح!!
وعندما أشرت إلى هذا المشروع في مقالي المعنون "منتدى شروق في مفترق طرق"*** المنشور في سبتمبر 2022 قال لي رئيس المنتدى - في تعليق له على مقالي - بالحرف الواحد - (تم اختيار رئيس المنتدى بصفته "الشخصية" كمنسق للورشة والسيمنار بالقضارف)!! اعترضت على هذا الأمر في ردي عليه - باعتباري شاهداً على شراكة شروق- فقال لي الرئيس، متناولا حواره مع موظف مركز الدراسات السودانية، قال (كلامى كان معاهو هو بالذات وقلت ليهو شروق، قال لا، شروق ماعندها دخل بالموضوع، انتهى)!!
سيزول استغرابك جزئيا - أيها القارئ الكريم - إذا علمت أنه قد اتضح لاحقا، أن موظف مركز الدراسات السودانية ليس سوى أحد كوادر المؤتمر الوطني، الذي تمسّح بمسوح الثورة، وتمت زراعته في المركز الشامخ لتخريبه من الداخل.
وحينما ظهرت هذه الخبايا أثناء تنفيذ مشروع إنصاف المرأة؛ تمت إقالة الموظف من المركز، بل وتم فتح بلاغ فيه جراء عوثهِ فسادا في المشروع!!
وتبقى الأسئلة المؤرّقة: لماذا تناسى رئيس المنتدى كل الاتصالات السابقة بشأن شراكة المركز مع شروق؟! ولماذا رضي بإفادة الموظف بألا علاقة لشروق بالمشروع؟! ولماذا وافق بأن يكون منسقا لمشروع إنصاف المرأة بصفته الشخصية؟ ولماذا لم يدافع رئيس شروق عن حق منتدى شروق؟! ولماذا سكتت لجنة الدورة 15 عن هذا الأمر الجلل؟!
إدعاء النقاء:
ليس لدي تعريف محدد لمقولة "إدعاء النقاء"، وأحيانا "الطهرانية". لكن في فضاء العمل العام السوداني تستخدم هذه الكلمات على الأرجح لتعني أن جهة ما، أو شخصا ما، تدعي أنها تخلو من الأخطاء والنواقص والعيوب، وتزعم لنفسها سلطة أخلاقية على الآخرين تصحح لهم سلوكهم.
تمت السخرية في اجتماع الجمعية العمومية الأخير، وبدون أي مناسبة - تمت السخرية والتقليل من قيمة فعالية جرت في الدورة 11، أي قبل ست سنوات، وكان عنوانها: (تعالوا انقدوا منتدى شروق .. فعالية في تشجيع النقد الجاهر). وتم التذكير بنقاشات جرت وقتذاك وعباراتٍ قيلت، في ونسات جانبية، على شاكلة (يعني عاملين فيها نضاف!! ).
الغريب في الأمر أن هذه السخرية نفسها، والتقليل من قيمة الفعالية، لم تقدم على طاولتها حين جرت في العام 2017، كما لم يقدم هذا النقد في اجتماع الجمعية العمومية بنهاية الدورة 11!
انتظر هذا النقد/السخرية ست سنوات كاملة ليصعد، في الزمن والسياق الخطأ، على طاولة النقاش الرسمي.
وقد كان أحد أهداف تلك الفعالية نقل التهامس الجانبي في نقد شروق إلى الجهر على الطاولة الرسمية. وواضح أن تلك الفعالية فشلت جزئيا في تحقيق هذه الغاية.
ولكن لم يكن الجميع ساخرين ومقلّلين من قيمتها، فقد لبى البعض نداء تلك الفعالية وانطرحت فيها أسئلة مهمة مثل:
على أي أساس يتم التخصيص في الورش؟؟ وأن شراكة المنتدى مع شبكة صيحة أضرّت به؟؟ ودار نقاش مستفيض حولهما.
وقد نجحت تلك الفعالية في استنطاق المفكر الأستاذ عبد العزيز حسين الصاوي - رحمه الله - من مغتربه في لندن - ليلبي النداء مرسلا رؤية مكتوبة وتضمنت كلمته (لابد من الاستجابة للتحريض الوارد في دعوة الاستكتاب لنقد تجربة المنتدي باعتبارها تأكيداً لجوهرِ الفكرة التي يدور حولها التعليق وهي أن نشاطاته بالكيفية التي تتم بها، تصب في حقل تنمية ثقافة الديموقراطيةِ لكون الاستعداد لممارسة النقد والنقد الذاتي مظهرها الأساسي)****.
وقد تم ضمن الفعالية عرض تقييم الربع الأول للدورة 11 بالأرقام والنسب المئوية، والذي تم بناء على الخطة الرقمية التي صاغتها اللجنة التنفيذية في بداية الدورة ونشرتها على الملأ.
وقد نجحت الدورة 11 في إعمال معايير الاختيار لورشة تنزانيا بصورة منظمة رقمية مكتوبة مشفوعة بتوقيعاتِ أعضاء اللجنة التنفيذية الذين شاركوا في إعمال المعايير تحملا للمسؤولية. ومثلت تلك التجربة قمة العمل المنظم في التعاطي مع المعايير. واعتقد انه لم تتفوق عليها سوى تجربة إعمال المعايير لورشة أديس أببا في العام 2018م.
وإن الفرصتين الوحيدتين اللتين سنحتا لورش خارجية في هذه الدورة، قد حُظي بها أعضاء من خارج اللجنة التنفيذية، وهذه خلاصة لها دلالتها.
إن اللجنة التنفيذية في الدورة 11 لم تدعي النقاء وأن فعالية "تعالوا انقدوا منتدى شروق" نفسها تدلل على ذلك، إذ أنها كانت تبحث للتعرف على مواطن الخلل ليتم تجنبها. كما أن اعترافات اللجنة التنفيذية في خطاب الدوره تدلل على ذلك اإذ اعترفت بقصورها وأخطائها، فقد نص خطاب الدورة 11 - على سبيل المثال - على الجمل التالية:
"لم تكوّن السكرتاريات لجانها كما نصت الخطة وهذا أحد أوجه القصور التي ينبغي تلافيها"
"لكننا وللأسف أخفقنا في إقامة دورة تدريبية في مجال الكمبيوتر والتصوير والمونتاج"
"ولم يتم نشر القائمة الالكترونية للمكتبة وهذا فشل وإخلال بالخطة"
"وفشلت السكرتارية الثقافية في إقامة فعالية أزمة كرة القدم بعد أن تم الترتيب لها"
" لم نوفق حسب الخطة في الإعلانات الورقية حيث تم اعلان خمسة منتديات عن طريق الإعلان الورقي فقط في حين أن المستهدف 20"
"لم نتمكن من تلبية دعوة من جامعة القضارف بخصوص فعالية حول شرق السودان"
"اخفقت السكرتارية في إقامة أنشطة بجامعة القضارف وفي إحدى محليات القضارف التي نصت عليها الخطة"
فكيف للجنة انتقدت نفسها ودعت أعضاء المنتدى، بل وعموم الناس، لنقدها، أن تعالوا انقدوا منتدى شروق، كيف لها أن تدعي نقاء أو طهرانية!؟
الأقرب أن يطال اتهام" إدعاء النقاء" هذا لجنة الدورة 16 التي جمّلت الخطاب وغيّبت عمدا معلومات مهمة عنه.
إن الطهرانية وإدعاء النقاء مشكلة كبيرة لأن المصاب بهذا الداء لا يرى "عوجة رقبتو" ولذلك لن يصحح أخطاءه ولن يصلح اعوجاجه.
كما أن رمي الناقدين بتهمة الطهرانية وادعاء النقاء، بغير حيثيات، يضر بالمنظمة محل النقد، إذ أنها تستعيض عن إصلاح اعوجاجها باتهام الناقدين، "رمتني بدائها وانسلّت" .
لماذا تقهقهر منتدى شروق؟
تقهقر منتدى شروق عن قيم المؤسسية بإهمال المعايير؛ وعن الشفافية بتفضيل التعتيم، وعن المساءلة بمعاداة الناقدين. وأن هذا التراجع سببه تأثر المنتدى بالمنظمات الممولة التي يفتقر أغلبها إلى القيم التي ترسخت في شروق عبر السنوات.
ويتحمل أعضاء اللجنة التنفيذية القدامى المسؤولية الأكبر في هذا التراجع، إذ أنهم كانوا جزءا من بناء هذه القيم في مسيرة المنتدى، وكان عليهم نقلها للأجيال الجديدة، لتسهم في تطويرها مستلهمين قيم ثورة ديسمبر المجيدة.
وهذا بلغة الاستاذ كمال الجزولي العرَض الأول لمرض منظمات المجتمع المدني السودانية الذي يتمثل في "ضعف الوعي بالذات"، حين تغفل عن حقيقة كونها سليلة ما كان يُعرف في السَّابق بـ "المنظمات الجَّماهيرية"، وتتوهَّم، ضلالاً، أن ظاهرتها "مستجلبة"، أصلاً، من الغرب، ولا نسب لها في الخبرة الوطنيَّة!.
وقد ضعف وعي اللجنة التنفيذية للدورة 16 بذاتها، وضلّت عن خبرة منتدى شروق القريبة والمبذولة لكل الناس، والتي شارك أعضاء اللجنة - بالذات القدامى - في بنائها.
و"ضعف الوعي بالذات" هذا يستند - وفقا للجزولي - إلى ثلاثة أسباب أساسيَّة: أولا: العُسر النسبي في الحصول على التمويل من السُّوق المحلي، مقارنة باليُسر النسبي في انسياب التمويل من المصادر الأجنبيَّة. ثانيا: طبيعة مناهج التدريب الغربيَّة التي غالباً ما تأتي في أذيال التمويل الأجنبي، والتي تصمَّم، على نحو ما، بتصوُّرات أيديولوجيَّة زائفة تنزلق، بنعومة، إلى فكر هذه المنظمات. ثالثا: غلبة المصطلحات والمرجعيَّات الأجنبيَّة المعرَّبة بلا هوادة، والمعتمدة كلغة عمل لهذا المجال.
وتأكيدا لكلام الجزولي اذكر الورشة الوحيدة التي حضرتها في الدورة 16، والتي كانت عن التقييم والمتابعة، ومع عظم فائدتها، يمكنني ان الخصها بأنها كانت تشرح لغة المموّل.
الأولويات المقلوبة:
استغرق نقاش منشور شخصي الضعيف الذي نُشر قبل اجتماع الجمعية العمومية بساعات، والذي كان عنوانه (دق ناقوس الخطر في عشية اجتماع الجمعية العمومية لمنتدى شروق)***** - استغرق أكثر من ربع زمن الاجتماع، الذي استمر على مدى أربعة أيام، إذ أخذ النقاش فيه قسطا معتبرا من اليوم الأول، ثم اعتمد كجند إضافي، وخصص له اليوم الثاني بأكمله (ست ساعات تقريبا).
في حين جاء نقاش خطاب الميزانية في اليوم الرابع، ولم تتم مناقشة ميزانيات المشاريع الممولة، لضيق الزمن!، والتي يبلغ جملتها أكثر من 29 مليون (مليار بالقديم) جنيه سوداني!!
وقررت الجمعية العمومية أن يُدار النقاش حولها في قروب منتدى شروق الثقافي، إلا أن هذا القرار لم يجد حظه من التنفيذ حتى لحظة كتابة هذا المقال!!!
وبعد أن عجز أعضاء اللجنة التنفيذية عن دحض ما ورد في المنشور، اتجهت الجمعية العمومية في اتجاه إدانة توقيت نشر المنشور.
ولنا أن نتساءل: إذا كان المنشور مادحاً للجنة التنفيذية، فهل سيدان توقيت النشر؟!
كما أنهم لم يحددوا تقويماً calendar للمواقيتِ المناسبة للنشر، في بداية الدورة أم في منتصفها؟! في الخريف أم في الصيف؟!
العرض الثالث للمرض.. أو الحزبية:
لقد خاض منتدى شروق عملياً معركة فكرية شرسة مع السلطات والأجهزة الأمنية، حينما اتهموا المنتدى بأنه انحرف عن خطهِ الثقافي إلى خط سياسي. وكان رد منتدى شروق في الاجتماعات المغلقة مع السلطات، وفي التحقيقات مع الأجهزة الأمنية، وفي المنابر المفتوحة - أن الثقافة، ذلك الكل المركب، شاملة وتتضمن السياسة في جوفها، وأن أول فعالية نظمها منتدى شروق في يونيو 2007 جاءت تحت عنوان (قراءة في الخطاب السياسي السوداني) وكان هذا التذكير لدحض فكرة "الانحراف". وأن مدير إدارة الثقافة الأستاذ حسن عمارة - رحمه الله - قد كتب خلفيات سلسلة الطريق إلى انتخابات نزيهة - تطوعاً - بخط يده.
استطاع المنتدى عنوة واقتدارا منذ العام 2007م، وبعد التضييق عليه في العام 2010م، أن يواصل نشاطه الثقافي بما يحويه من سياسة، بل وطالب بإسقاط نظام الإنقاذ بصورة مباشرة.
يقول كمال الجزولي أن العـرَض الثالث، لمرض منظمات المجتمع المدني الذي تطرق إليه، فيتمـثَّل في بعـض "الأوهـام" التي ما تنفكُّ تعشعـش في أذهان الكـثير مـن النُّشـطاء، وأخطـرهـا طـرَّاً تعـريـف "منظـمـة المجـتمـع المدني" ككـيان "غـير سياسـي" ، بينما المقصود أنها كيان "غير حزبي" ، والفرق، يقيناً، جدُّ شاسع!
ولقد كان الوعي الجمعي حاضراً بأن منتدى شروق الثقافي منتدى غير حزبي، ولذلك عندما تم التضييق على المنتدى كان يتحاشى اللجوء الى دور الأحزاب السياسية ولم يلجأ إليها إلا متأخرا ومضطراً. وقد أحدث ذلك اضطرابا في المنتدى، إذ تم اتخاذ قرار اللجوء لدور الأحزاب بأغلبية اللجنة التنفيذية، ورفض البعض وابتعد.
وكانت هنالك حساسية عالية في المنتدى عند دعوة الأحزاب السياسية للمشاركة في نشاط ما، فقد كان الحرص على الاتزان وعدم الميلان إلى جهة دون أخرى.
وقد نجحت لجنة الدورة 16 في هذا الاتزان، ويتبدّى ذلك في فعالية الاحتفال بالاستقلال، من حيث دعوة أغلب الأحزاب الوطنية؛ وفي فعالية بين التسوية والجذرية، من حيث المضمون الذي تم تقديمه.
تمثلت أول وأوضح محاولة حزبية لتخريب أو السيطرة على منتدى شروق - في الحشد الذي نظمه حزب المؤتمر الوطني في اجتماع الجمعية العمومية في مارس 2008م. ولكن أعضاء المنتدى استطاعوا بحنكة أن يُحبطوا ذلك المخطط.
وجرت محاولة ثانية للمؤتمر الوطني للإجهاز على شروق، بتعطيل ومنع نشاط المنتدى بواسطة الأجهزة الأمنية من جهة، وإنشاء منتدى كيزاني ضرار باسم "منتدى الشرق" من جهة أخرى، ولكن ذلك المخطط - أيضا - باء بالفشل، وتبخر منتدى الشرق هباء منثورا، وبقي منتدى شروق كالطود الأشم.
ولمٍّا عجزت سلطات المؤتمر الوطني اكتفت بالتضييق والحصار في انتظار أن يموت المنتدى من تلقاء نفسه جراء هذا التضييق.
أما الأحزاب الحرة المؤيدة لثورة ديسمبر المجيدة، فيتوقع منها أن تكون مستوعبةً لكلامِ الجزولي أعلاه، بأن منظمة المجتمع المدني هي بالضرورة غير حزبية.
إن الخوف الأكبر على المنتدى ليس من سيطرة حزب على شروق؛ وإنما الخطر المحدق يتأتى من إمكانية سيطرة كتلة عابرة للأحزاب (تتضمن حتى المؤتمر الوطني) وعابرة للأجيال، تسيطر على المنتدى، وتعمل على إقصاء الآخرين، لامتصاص فائض القيمة المتمثل في عوائد التمويلات وفرص الورش وامتيازات الأسفار!!
وإن هذا الخطر قابل للتحقق في حال عدم الالتزام بالقيم المدنية، خاصة وان منتدى شروق تتغير لجنته التنفيذية بمعدل خمسة اعضاء لكل دورة جديدة، وقد تسنم لجنته التنفيذية على مر الدورات أكثر من 80 شخصا. إن هذا التغيير القيادي المستمر - في المنتدى - ظاهرة صحية، لكنه يتطلب الحرص على التمسك بالمبادئ والقيم وترسيخ المؤسسية واللوائح المنظمة.
الجرح والقوس:
إن انهيال التمويلات الطائلة على منتدى شروق، خاصة بعد ثورة ديسمبر، يضع على عاتق المنتدى مسؤولية جسيمة. وإن طريقة التعامل مع هذا الملف هي التي ستحدد ما إذا كان المنتدى سينحدر في مستنقع الفساد ويصير جرحا يضاف إلى جراحات الوطن؛ أم أنه سيسمو ليكون قوساً يصوّب إلى أهداف ثورة ديسمبر فيصيبها في مأمن!
ستكون المشاريع الممولة من المنظمات الأجنبية جُرحا حينَ تنعزل عن أعضاء المنتدى، لا يلتقون بها إلا لماما في اجتماع الجمعية العمومية، وقد يتم تغييبها ولا يلتقون بها أبداً . أي تقتصر علاقة المنظمة الممولة بالمكتب التنفيذي للمنتدى، ويكون أعضاء المنتدى خارج الصورة! ومن الممكن أن يكون الأمر أسوأ من ذلك بأن تختزل العلاقة لأن تكون بين المنظمة الممولة والمسؤول الإداري والمالي للمشروع، ويكون أعضاء المكتب التنفيذي أنفسهم خارج الصورة!!
إن ركون اللجنة التنفيذية لما هو سائد في المجتمع المدني من تعتيم للمعلومات، عدم إعمال المعايير وكراهية المساءلة، والاكتفاء فقط بتلبية مطالب الممولين - سيجعل من منتدى شروق جُرحاً لا يندمل.
لكي يصبح تمويل المنظمات الأجنبية قوسا،
فينبغي للجنة شروق التنفيذية أن تشرك أعضاء المنتدى مشاركة حقيقية في تفاصيل المشاريع الممولة، بأن تدير حوارا شفافاً مع الأعضاء، حول هذه المشاريع قبل تنفيذها وأثناء التنفيذ وبعده، وفي خطابي الدورة والميزانية. بل على المنتدى أن يكسر الحائط الرابع و"يكشح" كل المعلومات عن المشاريع الممولة على قارعة الطريق لجماهير الشعب السوداني. إن هذا هو الترياق الأساسي والوحيد للمحافظة على المنتدى وتقديمه كنموذج يُحتذى في ظل ثورة ديسمبر المستمرة .
بالإضافة إلى ضرورة احياء النمط الثاني للشراكات، باتباع أسلوب العمل الجماعي وأن يكون العائد لمنتدى شروق. وليس هنالك ما يمنع تكليف مفرغين للمشاريع الممولة، للقيام بالمهمة على الوجه الأكمل، ويتقاضون مقابلا مالياً نظير ذلك، ويخضعون للمساءلة، على أن تكون هنالك طريقة عادلة لتوزيع التكليف على الأعضاء، بحيث لا يُسمح باحتكار هذه المهام بواسطة قلة.
بعد نقاش مستفيض خلصت الجمعية العمومية إلى ضرورة استقطاع 10% من مرتبات المفرغين للمشاريع الجديدة. أما المشاريع التي بدأت سلفا توصل المجتمعون لأن يتفق المفرغون فيما بينهم ويتبرعون للمنتدى.
يقول الأستاذ كمال الجزولي (مع إقرارِنا بوجود تمويل أجنبي "حميد"، يجدر بنا الإقرار، أيضاً، بوجود تمويل أجنبي "خبيث"، ومنبع "خبثه" إمَّا الاستراتيجيَّات السِّياسيَّة للمانحين أنفسهم، أو فساد أساليب عمل إداريي هؤلاء المانحين أو ممثليهم الإقليميين! مهما يكن من أمر، فإن هذا النوع "الخبيث" من التمويل هو الذي يلعب الدَّور الأكبر في تحويل مثل هذه المنظمات إلى محض "كناتين للعمل المدني!"... هذا النوع من التَّمويل يقف، في تقديرنا، وتحت ضغط الضَّوائق الاقتصاديَّة المعلومة، على رأس مهدِّدات مثل هذه المؤسَّسات بالفناء، أو بالشَّلل في أفضل الأحوال، إذ يحوِّلها إلى مجرَّد "مشروعات إعاشة" لـ "أصحابها" وذويهم، أو "مطايا" للأسفار التي تُحتكر، فحسب، لمن في يدهم القلم في قمَّة إداراتها).
يستطيع منتدى شروق أن يفلت من هذا الخطر المحتمل، بالتزام الشفافية مبدأً راسخاً، وإعمال المعايير لتحقيق العدالة، والالتزام الصارم بالقيم المدنية.
المسار الثالث:
إن لمنتدى شروق الثقافي، في تاريخه الحافل الذي امتد على مدى 16 عاما- ثلاثة مسارات: أحدهما مسار رئيسي يغلب عليه الجانب التوعوي النظري، ومساران فرعيان مهمان يغلب عليهما الجانب التطبيقي العملي.
في المسار التوعوي الأول نظم منتدى شروق مئات الفعاليات، بتمويله الذاتي، وعشرات الفعاليات، الممولة من منظمات - للتثقيف ورفع وعي المجتمع: لمقاومة النعرات العنصرية والجهوية، واستلهام القيم الإنسانية، وفي قضايا المرأة والطفل، والتعليم والصحة، وتعزيز التثقيف الديمقراطي وحقوق الإنسان، وفي المسرح والآداب والفنون والموسيقى.
وفي المسار الثاني قدم منتدى شروق تجربة توعوية عملية في انتزاع الحقوق عندما تصدى لنظام الانقاذ مدافعا عن حقه في التعبير وعن حق المجتمع. وأزعم أن منتدى شروق هو أول من نظم وقفة احتجاجية معلنة بشعارات مكتوبة بولاية القضارف - لا يشمل الزعم شريحة طلاب الجامعة - في تاريخها، وذلك يوم 27 مارس 2011، وبذلك كان المنتدى رائدا وسباقا في هذا المجال. ونظم بعدها العديد من المخاطبات والأنشطة المناهضة لنظام الإنقاذ ومحاولاته لتكميم الأفواه.
ولم يكن نضال شروق السلمي فقط ردة فعل لانتهاك حقوقه، وإنما كان - في ذات الوقت - يعمل - بوعي - على رفع الوعي في مجال النضال السلمي بتقديم النماذج العملية، فقد نص خطاب الدورة الخامسة (2012) في توصيته الأولى على (مواصلة نشاط منتدى شروق حرا دون قيد أو شرط يحكمه الدستور والقانون ونظامه الاساسي واستخدام كل الوسائل السلمية لتحقيق ذلك، واضعين في الاعتبار أن استخدام الوسائل السلمية لأخذ الحقوق هو نفسه يحقق أهداف المنتدى المنصوص عليها في نظامه الأساسي).
لقد كان منتدى شروق رائدا في مجال النضال السلمي، وهو أحد الجهات، مع غيره، التي عبدت الطريق إلى ثورة ديسمبر المجيدة.
وبعد الثورة لم يعد تنفيذ الوقفات الاحتجاجية وإقامة المخاطبات الجماهيرية شيئا مميزا، إذ أن هذا الباب انفتح على مصراعيه، بسواعد ثوار وكنداكات ديسمبر البواسل. وستكون مساهمة شروق في هذا المضمار مهمة، ولكنها عادية، مثله ومثل الآخرين.
وفي المسار الثالث، وعلى مر السنوات، قدم المنتدى تجربة توعوية تطبيقية في جانب الإدارة الديمقراطية وإعمال المعايير وترسيخ الشفافية، بحرصه على عقد جمعياته العمومية وتطوير اللوائح، وتمليك وثائقه لعموم الشعب السوداني، في تجربة فريدة قلّما تجد لها نظيرا وسط المجتمع المدني السوداني. وها هنا تكمن القيمة المضافة للمنتدى التي تجعل منه قوْساً.
شروق كحقل إيضاحي:
الحقل الإيضاحي - في الزراعة - عبارة عن جزء من حقل المزارع. الهدف منه تعريف المزارعين بسبل الزراعة النموذجية، والمحاصيل الموافقة للميّز النسبية ذات التكلفة الأقل.
أعتقد أن واجب المرحلة يتطلب من منتدى شروق أن يجعل من نفسه حقلاً ثقافياً إيضاحياً لشرح الطريقة السليمة للممارسة الديمقراطية وتحقيق العدالة بإعمال المعايير وتجذير الشفافية وتشجيع المساءلة في المجتمع المدني السوداني.
وهذا يتطلّب أن نخرج - أولا - المنتدى من النفق المظلم الذي دخل فيه، في السنوات الأخيرة، مع ورود التمويلات الضخمة، ومن ثم نتحزّم ونتلزّم لتمثل قيَم المجتمع المدني.
وإن إرث منتدى شروق وقيم ثورة ديسمبر والإمكانات الحالية المتاحة للتطوير والفرص المتوفرة - تمكّن من هذا. وليس هناك سبب يمنع المنتدى من النهوض، ولا مبرر من التقاعس عن هذه المهمة العظيمة..
ولم أرَ في عيوب الناس عيباً
كنقص القادرين على التمام
انتهى
……….
للمزيد من التفصيل يمكن الرجوع للمصادر التالية:
* كمال الجزولي، الجُّرحُ والقَوْس: منظمات المجتمع المدني والفضاء المعنوي للتغيير!، الحوار المتمدن، الرابط أدناه
https://m.ahewar.org/s.asp?aid=388489&r=325&cid=0&u=&i=319&q=
**للتعرف على تجربة منتدى شروق في تطبيق المعايير.. اطّلع على مقال ( شروق القضارف.. اعتماد المعايير ومحاولة الإفلات من الشللية)
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=637874833814003&id=345501959717960&mibextid=Nif5oz
***منتدى شروق في مفترق طرق
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=10225805209736080&id=1207143483&mibextid=Nif5oz
**** تعالوا انقذوا منتدى شروق.. فعالية في تشجيع النقد الجاهر
https://www.alrakoba.net/2867871/%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7-%D8%A7%D9%86%D9%82%D8%AF%D9%88%D8%A7-%D9%85%D9%86%D8%AA%D8%AF%D9%89-%D8%B4%D8%B1%D9%88%D9%82-%D9%81%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D8%B4/
***** دق ناقوس الخطر في عشية اجتماع الجمعية العمومية لمنتدى شروق
https://sudanile.com/%D8%AF%D9%82-%D9%86%D8%A7%D9%82%D9%88%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D8%B4%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%88%D9%85%D9%8A/
gafar.khidir70@gmail.com
///////////////////////
كتب المفكر والحقوقي الأستاذ كمال الجزولي - رحمه الله - بعد هبة سبتمبر 2013 وبسببها - مقاله المعنون ب (الجُّرحُ والقَوْس: منظمات المجتمع المدني والفضاء المعنوي للتغيير!)*. ويتصل المقال - وفقا للجزولي - بـ "روحيَّة" قضايا "إنضاج العامل الذاتي"، كأحد أهمِّ الرَّوافع الاستراتيجيَّة للقوى التي يُنتظر أن تسهم في إحداث التغيير المنشود.
ونحن الآن في "نص" ثورة ديسمبر المجيدة والمستمرة والمنتصرة رغم الانقلاب وويلات الحرب الدائر رحاها قتلاً واغتصاباً ونهباً، "وشيل شيلتك بقيت للنص!! " - فيتوجّب أن يتم التأهيل الأخلاقي والمؤسسي لمنظمات المجتمع المدني، وإلا فسوف لن نحصد سوى الرُكام، بعد كل هذه التضحيات الجسام.
إذ لا يعقل أن ننادي بدولة المؤسسات، ولا نمارس المؤسسية على مستوى منظماتنا الصغيرة: روابط الشباب، الأندية الرياضية، الجمعيات المحلية.. الخ. ولا يعقل أن نتطلع لأن تُظلل العدالة الاجتماعية ربوع الوطن، ونحن نمارس المحسوبية في منظماتنا. ومن غير المنطقي أن ننتقد التعتيم والصفقات السرية في عهد الإنقاذ البائد وقبله وبعده، ونحن نخشى أن يجهر ضوء الشفافية أعيننا.
اختتم كمال الجزولي مقاله حاثا على الوضوح والصراحة في مناقشة أزمة المجتمع المدني، بقوله: (لئن كان من قبيل الحُجَّة غير المهضومة أن يدعو أحد لإرجاء المكاشفة الواجبة حول هذه القضيَّة، والمفاكرةِ الضَّروريَّة في شأنها، بدعوى أن الوقت غير مناسب، أو بزعم الحذر من إساءة استغلال هذه المكاشفة أو المفاكرة من جانب السُّلطة وأجهزتها المعادية للمنظمات المدنيَّة، فإن ثمَّة، مِن أهل نفس هذه المنظمات، مَن لا يتوانى في استخدام ذات هذه الحُجَّة لتكريس الاتجاهات الخاطئة، فتكون هذه المنظمات جرحاً بقدر ما هي قوس! لذا، ولأن الوقت المناسب لأي إصلاح هو، بالقطع، كلُّ الأوقات، فينبغي تفويت الفرصة على كلا الطرفين، السُّلطة والنشطاء الفاسدين، بحملة جادَّة يقودها الشُّرفاء في هذه المنظمات، لإصلاح أوضاعها).
اتكاء على مقال كمال الجزولي، المشار إليه، يسعى هذا المقال لإلقاء نظرة على نشاط منتدى شروق الثقافي عموما مع التركيز على الدورة 16 وأعمال جمعيتها العمومية.
إن تأَمُّل مسيرة المنتدى والوقوف عند محطاتها شديد الأهمية، إذ أن شروق أحد أبرز منظمات المجتمع المدني في السودان، والتي ينبغي العمل على حمايتها من الانزلاق في أتون الفساد، والسعي الحثيث لتطويرها ، لا لتكون رقما إضافيا، وإنما لتكون رقماً مختلفاً نوعاً وأنموذجاً يُحتذى.
الجدير بالذكر أن مقال الجزولي هذا ليس غريبا على منتدى شروق، فقد كان محلا للنقاش في الفعالية رقم 175، بتاريخ 12 أبريل 2014م، بعد أشهر معدودات من كتابة المقال، وقد أشار إليه خطاب الدورة السابعة بالجملة التالية (وقد استفاد المنتدى استفادة كبيرة من فعالية "واقع منظمات المجتمع المدني قراءة في أربع مقالات" التي نظمها، لا سيما مقالة الأستاذ كمال الجزولي "الجرح والقوس منظمات المجتمع المدني والفضاء المعنوي للتغيير" مما يسهم في تصحيح مواطن الخلل).
يرى الجزولي واقعا قاتما لمنظمات المجتمع المدني السودانية، إذ يقول (بأن نشاط هذه المنظمات ظلَّ يعاني، في السُّودان بالتحديد، مرضاً يكاد يستفحل، بل، ولولا فسحة الأمل، لقلنا إنه قد يستعصي على العلاج تماماً! وأبرز أعراض هذا المرض ثلاثة: "ضعف الوعي بالذات"، و"تناقض النظر والممارسة"، و"ازدواجيَّة الحقيقة والوهم")*.
فهل أصاب هذا المرض العضال منتدى شروق ؟
تمهيد:
نظم منتدى شروق الثقافي منذ تأسيسه في العام 2007م مئات الفعاليات في شتى المجالات التوعوية، وعقد عدد 16 اجتماع جمعية عمومية، ونظم العديد من الأنشطة النازعة للحقوق في حقبة الإنقاذ االكالحة، ونفذ الكثير من المشاريع المموَّلة بشراكات مع منظمات.
وبالضرورة أن تكون قد شابت هذه المسيرة الطويلة الكثير من الأخطاء، فالخطأ يلازم العمل؛ ولكن من المهم أن تتوفر آليات التصحيح، حتى تدفع بالمنتدى إلى الأمام في طريقٍ قويم.
مثلا كنت جزءا رئيسيا من أخطاء حدثت في تاريخ المنتدى. على سبيل المثال، لا الحصر، الخطأ الذي حدث في الدورة السادسة عندما نفذنا مشروع "أسبوع الضعفاء" لمناهضة العنف القانوني ضد المرأة بالدراما - إذ أننا لم ندرج ميزانية المشروع في خطاب الميزانية ضمن الإيرادات والمصروفات ، وجعلناها ميزانية موازية.
وتمت الاستفادة من هذا الخطأ في الدورة اللاحقة، بإدراج مشروع "رجال ضد العنف ضد النساء" في صلب خطاب ميزانية الدورة السابعة.
الدورة 16:
حسب خطاب الدورة فقد نفذ منتدى شروق خلال الدورة 16 عدد 30 فعالية، كما دخل في شراكات ممولة في أربعة مشروعات. ولبى المنتدى الدعوة لورش بالقضارف أو بمدن أخرى داخل السودان أو بالخارج.
وتميز خطاب الدورة لهذا العام، بأن أدرج قائمة لكل المشاركين في الورش، وهذه ميزة كبرى تحسب لسكرتارية العلاقات الخارجية وللجنة التنفيذية، كما أن إدراج الالتزام المادي للمشاركين في الورش في خطاب الميزانية كان مساهمة قيمة رسخت الشفافية في هذا الجانب.
وقد نفذت اللجنة التنفيذية صيانة لمقر المنتدى مما جعله أفضل حالا وأجمل منظرا.
ويؤخذ على اللجنة التنفيذية أنها لم تنشر خطة في بداية الدورة تكون هاديا لمسيرتها ومرجعا لمحاسبتها. ويبدو أنه لم تكن هناك ثمة خطة!
كان التطلع منذ سنوات أن يتطور المنتدى في جانب التخطيط، ويعمل على صياغة خطة استراتيجية. وبدلاً من المضي في هذا الاتجاه فإن تراجعا حدث في هذا الجانب ابتداء من الدورة 14، حيث عرضت اللجنة التنفيذية الخطة السنوية في بداية الدورة، ولكنها لم تنشرها؛ أما الدورتين 15، 16 فسجلتا غياباً تاماً عن عرض الخطة ونشرها، هذا بافتراض أن هنالك ثمة خطة في الأصل؛ وهذا تراجع يصعب تبريره.
نص خطاب الدورة على أنه تم تحديث اللائحة الداخلية حسب "الخطة". لكن اللائحة الداخلية للدورة 16 تم نشرها في قروب منتدى شروق الثقافي، وليس صفحة شروق، في مايو 2023 أي بعد مضي أكثر من نصف الدورة. فهل كانت "الخطة" تتضمن تحديث اللائحة بعد سبعة أشهر؟
إن المؤسسية والديمقراطية تقتضي التزام اللجنة التنفيذية بتوصيات الجمعية العمومية، لأن الجمعية العمومية هي أعلى سلطة في المنتدى. وكان هذا ديدن المنتدى طوال تاريخه المديد. ويتجلى الحرص والاهتمام بالتوصيات في أن مقدمة خطابات الدورة الخامسة والدورة السادسة والسابعة والثامنة والتاسعة - أن مقدمة أي خطاب من هذه الخطابات كانت عبارة عن توصيات خطاب الدورة السابق له. أي أن الخطاب يُذكِّر بالتوصيات ثم يقول للأعضاء، ولكل الناس، هَاؤُمُ اقرأوا كتابية!
بيد أنّ اللجنة التنفيذية للدورة 16 لم تولي توصيات الجمعية العمومية أدنى اهتمام، بحجة أنها لم تجاز تارة، وبحجة أنها أُجيزت بصورة متسرعة تارة أخرى. وقد أهملت حتى التوصيات المنصوص عليها في النظام الأساسي واللائحة الداخلية مثل إعداد خطة في بداية الدورة ونشرها.
وقد سبق أن استخفت اللجنة التنفيذية للدورة التاسعة بقرار الجمعية العمومية بتعديل خطاب الميزانية، إذ أن الخطاب المعدل لم يسلم للسكرتارية المالية حتى نهاية الدورة العاشرة!!
كما تحدّت لجنة الدورة 16 الجمعية العمومية وتعمّدت تجاهل توصيتها، بألا يبقى سكرتير أي مكتب في موقعه للمرة الثانية على التوالي - تحدّت هذه التوصية وقالت انها ستتحمل المسؤولية بعد عام أمام الجمعية العمومية القادمة!!
وهذا الاستخفاف لا يزال سارياً، ويتبدّى في تجاهل قرار الجمعية العمومية الأخيرة بنشر التقارير الإدارية والمالية للمشاريع في قروب منتدى شروق الثقافي ومناقشتها!!
أبدعت السكرتارية الإعلامية للدورة 16 بتصميم إعلانات متميزة. غير أنها رغم الإمكانات الممتازة للمنتدى، مقارنة بالماضي، لم تعكس ذلك كما يجب، بالتحديد في جانب التوثيق بالفيديو؛ إذ تظهر بصفحة المنتدى، من جملة 30 فعالية، أربع فعاليات فقط موثقة بالفيديو، وهي: ذكرى الاستقلال، إحدى حلقات "من نقد الحداثة إلى نقد الحضارة" ، واقع القوى السياسية والمدنية بولاية القضارف، وبين التسوية والجذرية، وهذه تمثل 13% فقط. وكما توجد نُتَف قصيرة لبعض الفعاليات: دقيقة، دقيقتان، سبع دقائق، 16 دقيقة.
وحسب خطاب الدورة، فقد واجهت السكرتارية الإعلامية بعض التحديات، تمثلت في عدم توفر واستقرار شبكات الانترنت، خاصة مع بداية الحرب، واستمرت حتى الآن؛ مما أدى إلى صعوبة رفع المواد والفعاليات التي تم توثيقها في الفترة السابقة.
ولكن لم تخبرنا السكرتارية الإعلامية كم عدد الفعاليات الموثقة التي لم ترفعها؟ وكيف ستحل هذه المشكلة؟ وكم عدد الفعاليات التي لم توثقها؟
. النَشْرُ عطرُ شروق:
كان ديدن المنتدى على مر السنوات نشر خطابي الدورة والميزانية لعموم الشعب قبل موعد انعقاد الجمعية العمومية، ترسيخا لمبدأ الشفافية، وتأكيداً لمبدأ أن الاطلاع على تفاصيل منظمات المجتمع المدني ليس شأنا داخليا خاصا بالأعضاء فقط، وإنما هو شأن يخص كل الشعب.
واظب على ذلك في وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية، بل ونَشَر النسخة الورقية لهذه الوثائق في المقاهي بسوق القضارف العمومي، وفي ظل قبضة نظام الإنقاذ الأمنية المتعسفة؛ لذلك كان يتفشى خبر نشر الخطابين ويعم القرى ويذيع الحضر.
قد يتأخر الخطابان، أو أحدهما ، ولا ينشر قبل الاجتماع، وذلك لأسباب موضوعية أو بسبب التقصير، ولكن لم يحدث ذلك بالقصد نهائيا.
وقد كان هذا هو السبب الرئيسي للسمعة الطيبة التي تمتع بها المنتدى بين عموم الناس، كما أبدى مثقفون بارزون إعجابهم بتجربة المنتدى وسلّطوا عليها الضوء.
فقد قال المفكر الأستاذ عبد العزيز حسين الصاوي - رحمه الله ـ تعليقا على خطابي الدورة والميزانية في مايو 2015 : (ثلاث وثائق صادرة عن إحدى أهم منظمات المجتمع المدني السودانية "شروق/ القضارف" توضح دقة التزامها بروح ونصوص تنظيمات المجتمع المدني (الشفافية، الانتخابات الحرة، مساءلة القيادة الخ.. الخ.. ) رغم المضايقات المستمرة وتعتبر بذلك نموذجا يحتذى لسودانيي الداخل والخارج بالكيفية الصحيحة لإدارة نشاطات المجتمع المدني. وبما أن السودان فقير إلى مصادر التربية الديموقراطية، فإن هذا النوع من النشاطات له دور رئيسي في سد هذا النقص الخطير الذي أودى بالتجارب الديمقراطية السابقة) .
وقال المفكر البروفيسير عبد الله علي إبراهيم ـ تعليقا على خطاب ميزانية الدورة الرابعة في أبريل 2011 : (هذا عمل مبروك وتربوي لا يترك شاردة ولا واردة. ذكرني حفظ "الدفاتر" في أبادماك). مما يشير إلى أن منتدى شروق سليل المنظمات الجماهيرية السودانية الأصيلة، وليس محض ظاهرة حديثة مستجلبة من الغرب، وفقا لرؤية الجزولي.
هذان نموذجان على سبيل المثال، لا الحصر، يكشفان الفائدة العظيمة لنشر خطابات الدورة والميزانية على الملأ، والتي جعلت عطر شروق يضوع بين الناس.
لكن اللجنة التنفيذية للدورة 16 كان لها رأي آخر!
التَنَكّر للنشأة والتاريخ:
لأول مرة في تاريخ المنتدى قررت اللجنة التنفيذية للدورة 16 عمداً ، ومع سبق الإصرار والترصد، مَنْعْ تمليك الأعضاء - المستوفين لحضور اجتماع الجمعية العمومية - خطابي الدورة والميزانية، إلا لحظة انعقاد الاجتماع.
مما يعني حرمان أعضاء المنتدى الآخرين من امتلاك الخطابين تماماً، بل وحرمان الشعب السوداني من الاطلاع على هاتين الوثيقتين المهمتين.
ومقللاً من أهمية نشر خطابي الدورة والميزانية، قال رئيس منتدى شروق - من على منصة اجتماع الجمعية العمومية - قال: (الشفافية الزايدة عن اللزوم لشنو؟ نحن مالنا ومال الشعب السوداني.. نحن مالنا ومال العالم.. نحن علينا بعضويتنا دي)!! وهذا بمثابة تنكُّر تام لنشأة وتاريخ المنتدى.
ولم يعترض على كلام الرئيس - رسمياً أثناء الاجتماع - أي عضو من أعضاء اللجنة التنفيذية الحاضرين!! وعدم اعتراضهم هذا لا يعني، بالضرورة، موافقتهم على كلامه، ولكن صمتهم يشير إلى ضعف الحساسيّة تجاه هذه المقولة التي ترتد بنا إلى ما وراء الصفر.
إن إرساء غلبة المحاذير الأمنيَّة - وفقا للجزولي - هو الأساس التَّبريري لتحوُّل الكثير من هذه المنظمات إلى محض كيانات مغلقة، لا يتجاوز عدد "مالكيها"، بل ولا يرغبون في أن يتجاوز، أصابع اليد الواحدة، بالمخالفة للمبدأ المتمثِّل في وجوب انفتاحها للعضويَّة الفاعلة والرَّاغبة في المشاركة في المجال المعيَّن، الأمر الذي يفضي، بالضَّرورة، إلى غياب الهيكلة والممارسة الدِّيموقراطيَّة الشَّفافة داخلها.
هذا وقد نص إعلان الجمعية العمومية الذي نشرته اللجنة التنفيذية للدورة 16 على صفحة المنتدى - نص على (كما عرفنا منتدى شروق الثقافي وعاصرنا "شفافيته" على مدار السنوات السابقة ، مواصلة لذلك فقد تم تحديد اجتماع الجمعية العمومية للدورة "17" في ..). ونص منشور للجنة التنفيذية بتاريخ 3 ديسمبر 2022 نص على (تمت مراجعة خطاب الميزانية، ومن باب "الشفافية" التي، هي ديدن المنتدى، تم التعديل ونشر في صفحة شروق) .
فهل ظنوا أن الشفافية تقتصر على عقد اجتماع الجمعية العمومية؟ أم أن الشفافية صارت "لُبانة"، فقدت حلاوتها، تُلاك بلا طعم وتمضغ بلا معنى؟!
أخشى أن نكون قد ولجنا في وحل العرض الثاني للمرض - الذي تناوله كمال الجزولي - الذي يتمثل في التَّناقض الفاضح لدى الكثير من المنظمات بين ضجيج اللغو النَّظري بالقيم والمبادئ، وبين المفارقة الخشنة لذات هذه القيم والمبادئ على صعيد الممارسة العمليَّة!
إن قرار اللجنة بعدم النشر لهو تشجيع لتكريس الاتجاهات الخاطئة في المنتدى.
العدالة أو إعمال المعايير:
بقدر ما كان تدخل الأجهزة الأمنية لقمع منتدى شروق ضارا به وبأنشطتهِ؛ ومع المقاومة السلمية الباسلة التي خاض غمارها المنتدى - فإن هذا التدخل قد خلق ذيوعاً ، وجعل من المنتدى رقما معروفا على مستوى الوطن. وأضحت الدعوات تترى على المنتدى للمشاركة في ورش ودورات داخل وخارج السودان؛ فرُبّ ضارةٍ نافعة!
إن المنطق الأساسي لعمل منظمات المجتمع المدني - وفقا للجزولي - ينهض على دعامتين اثنتين من قيم الحداثة ومبادئ العدالة الاجتماعية.
وأضيف: لن تكون دعوة أي منظمة للعدالة الاجتماعية حقيقية، إذا لم تلتزم هي بالعدالة على مستواها الداخلي.
مع تزايد الدعوات لمنتدى شروق للمشاركة في أنشطة خارجية وداخلية، فإن اللجان التنفيذية المتعاقبة طوّرت معاييراً للاختيار، حتى تفي بمبدأ العدالة. وأضحت هذه المعايير جزءا لا يتجزأ من اللائحة الداخلية للمنتدى.
وقد بلغ إعمال هذه المعايير قمة النضج في الاختيار لورشة أديس أبابا في العام 2018م. فقد تجنبت اللجنة التنفيذية الترشيح، واعتبرت كل أعضاء الجمعية العمومية الأخيرة مرشحين! وأعملت المعايير بصورة رقمية عالية الدقة في بنود: الاشتراكات، وحضور الفعاليات، وحضور آخر اجتماع جمعية عمومية، والعدالة؛ وبدقة تقديرية معقولة في البنود الأخرى**.
ولكن اللجنة التنفيذية في الدورة 16 ضربت بهذه المعايير عرض الحائط، حتى أضحى الأعضاء المستوفين لحضور اجتماع الجمعية العمومية، بتسديد الاشتراكات وحضور الفعاليات، نصيبهم أقل من غير المستوفين؟!!
فحسب المعلومات الواردة في خطابي الدورة والميزانية، فإن الأعضاء المستوفين لاجتماع الجمعية العمومية نالوا 6 فرص فقط في الورش والدورات، في حين نال غير المستوفين 12 فرصة!! أما أعضاء اللجنة التنفيذية فكان لهم نصيب الأسد 22 فرصة كاملة!! . ونجد أن حوالي 33% فقط من جملة المستفيدين من الورش سددوا نصيب شروق ( لائحة شروق تنص: حين يشارك عضو في ورشة أو دورة فعليه تسديد 40% على الأقل من فائض النثرية للمنتدى) والأغلبية لم تسدد، ولم تكن هنالك نثرية في بعض الحالات (الرسم البياني أدناه يوضح توزيع فرص الورش على الأعضاء).
في اجتماع الجمعية العمومية شكّكتُ في إعمال المعايير اختيارا للورش، وسألت اللجنة التنفيذية، بصورة مباشرة، إن كانوا قد أعملوا المعايير!؟
ورغم أن المقام لمساءلة اللجنة التنفيذية، إلا أن أحد الأعضاء في الجمعية العمومية عكس وجهة السؤال، وصوّبه نحوي قائلا: كيف عرفت أن اللجنة التنفيذية لم تطبق المعايير؟
فكأن المُجرّم هو الحصول على المعلومات! ولأنّ الأثر يدل على المسير، والبعر يدل على البعير، فلم يكن إظهار الحقيقة يحتاج إلى جهدٍ كبير!
أما اللجنة التنفيذية فقد كان لها آراء متضاربة ولكن إجابتها بصورة عامة نحَت في اتجاه أنهم قد طبقوا المعايير! والأرقام أعلاه تُكذّب زعمهم.
إن العدالة لا تتعلق فقط بتوزيع فرص الورش والدورات التدريبية، وانما يجب ان تطال طريقة تنفيذ وفرص الحصول على وظائف في المشاريع الممولة التي ينفذها المنتدى. وأن تطال كيفية اختيار المنظمات التي يمولها منتدى شروق، باعتبار أن المنتدى قد أصبح منظمة وسيطة تموِّل المنظمات والمبادرات المحلية. إن منتدى شروق يحتاج إلى بذل جهدٍ كبير لتطوير المعايير وإعمالها.
التمويل نعمة أم نقمة:
إنّ أول مشروع ممول، من منظمة، في تاريخ المنتدى، كان في الدورة السادسة (2012 - 2013) حينما نفذ المنتدى مشروع "أسبوع الضعفاء" ، بتمويل مقداره 25 ألف جنيه، بالشراكة مع شبكة صيحة. وتوالت الشراكات من بعد.
ويمكن تصنيف الشراكات إلى ثلاثة أنماط:-
النمط الأول: شراكة ليس لها عائد مالي وأسلوب عملها جماعي.
وفي هذا النمط يساهم منتدى شروق ماليا في تكلفة التنفيذ، ولو بمساهمة أقل نسبياً. ويتم تنفيذ الأنشطة بمشاركة جماعية. ويندرج في هذا النمط الشراكة مع مشروع الفكر الديمقراطي - تحديدا - في الاحتفال بمرور خمس سنوات على برنامج "القراءة من أجل التغيير" في الدورة الحادية عشر (2017 - 2018)، والذي كان تتويجا لبرنامج القراءة الذي بدأ في الدورة الثامنة، وأثمر عن تكوين ست مجموعات قراءة، وتواصل في الدورات التاسعة والعاشرة (رغم أنه لم يظهر في ميزانيتها) والحادية عشر.
ويندرج في هذا النمط - أيضا - المشاركة في مهرجان محجوب شريف للشعر والذي انعقد في الدورتين العاشرة والحادية عشر. وكذلك الشراكة مع الجمعية السودانية للمعرفة في الدورة الحادية عشر التي أثمرت عن تنفيذ فعاليتين في القضارف والخرطوم.
النمط الثاني: العائد المالي يعود لشروق وأسلوب العمل جماعي.
وفي هذا النمط شروق لا يساهم ماليا في تنفيذ المشروع الذي يكون ممولا بالكامل من المنظمة الشريكة، بل ويكون هنالك عائدا للتنسيق، ويعود هذا العائد الى منتدى شروق الذي ينفذ المشروع بصورة جماعية.
ويندرج في هذا النمط مشروع أسبوع الضعفاء، السابق ذكره، بالشراكة مع شبكة صيحة.
فقد تركت صيحة للمنتدى حرية كبيرة في طريقة إدارة هذا المشروع. وقد اتبّعت اللجنة التنفيذية، وقتذاك، أسلوب التنفيذ الجماعي، وأن يعود عائد التنسيق للمنتدى، وقد كان.
وتم اتباع ذات النمط في الدورة الحادية عشر، أي العمل الجماعي والعائد لشروق، في تنفيذ ورشة الشفافية ومكافحة الفساد، بتمويل من المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً.
النمط الثالث: تعيين موظفين لتنفيذ المشروع
وفي هذا النمط يتم تحديد مسؤولين عن المشروع يتقاضون مقابلا ماليا نظير تفرغهم، جزئيا أو كليا، ويكونون هم المسؤولون عن تنفيذ المشروع.
وقد بدأ هذا النمط في الدورة السابعة (2013 - 2014) بتنفيذ مشروع "رجال ضد العنف ضد النساء"، بالشراكة مع شبكة صيحة، بتمويل 14783 جنيها، والذي استمر طوال الدورة الثامنة، واختتم في الدورة التاسعة.
وهذا النمط هو الذي ساد في المنتدى بسبب رؤية المانحين، ربما بحجة ضرورة أن يكون هنالك مسؤولين محددين مفرغين، حتى يستطيعوا إنجاز العمل، ومن ثم يمكن مساءلتهم.
وبعد انتصار ثورة ديسمبر جزئيا في العام 2019 زادت وتيرة الشراكات مع المنظمات بصورة مذهلة، وكان النمط الثالث هو سيد الموقف. فقد دخل شروق في شراكات مع منظمات متعددة: منظمة سيفر ويرلد Saferworld، منظمة السودان للتنمية (سودو)، ومنظمة فريدم هاوس Freedom House، ودي تي قلوبال DTGlobal، وغيرها.
وقد أفاد هذا النمط في توفير المعينات لمنتدى شروق من لابتوبات وموبايلات وكاميرات وأثاثات وصيانات ودفع للإيجارات. ولم تكن نتيجة هذا النمط تجويد التنفيذ في كل الأحوال، رغم الأجور، فمثلما نجد اداءً جيداً نجد أداءً رديئاً .
وقد تسبب هذا النمط في ذات الوقت في انعزال المشاريع عن أعضاء المنتدى، وانحسار الشفافية بصورة بالغة الخطورة! مما وضع المنتدى على شفا جُرُفٍ هارٍ!!
شروق من الفقر المدقع إلى الغنى الفاحش:
حتى نستطيع أن نطرح تقييما منطقيا ومقارنة سديدة بين إيرادات المنتدى وتمويل المنظمات من جهة، وبين حجم الإيرادات على مدار السنوات من جهة أخرى؛ فإن هذا يتطلب بذل الجهد لتوحيد عملة المقارنة. وقد استخدمتُ، لأغراض هذا المقال، الدولار كوحدة قياس، باعتبار استقراره النسبي، فحولتُ كل المبالغ في الميزانيات - محل المقارنة - إلى دولار.
وحتى يكون تحويل العملة هذا موضوعيا، استخدمتُ متوسط سعر الدولار في بنك السودان، في الأسبوع الأول من يناير، للسنوات من العام 2012م وحتى العام 2023م (12 سنة) باعتبار يناير يقع في منتصف الدورة تقريباً. وقد كان المتوسط، في الأسبوع الأول من يناير، بالترتيب ابتداء من 2012 كالآتي: (2.7ج، 4.4ج، 5.7ج، 5.9ج، 6.1ج، 6.6ج، 6.6ج، 47.6ج، 45.1ج، 55.1ج، 437.9ج، 445.4ج)
ونلاحظ أن تدهورا دراماتيكيا للجنيه السوداني قد حدث في أخريات شهور المخلوع البشير، اذ ان الدولار في الأسبوع الأول من يناير 2018 كان يعادل 6.6ج، وفي الأسبوع الأول من يناير 2019 صار يعادل 47.6ج، والمتوسط بينهما 27.1ج. لذلك اعتمدنا للدولار في الدورة 11 التي امتدت أشهرا طويلة في العام 2018م مبلغ 20.5ج، وهذا كان أفضل سعر لبيع الدولار مقابل الجنيه بمدينة القضارف أيام ورشة الحملات حسب خطاب ميزانية الدورة 11 نفسها.
وكذلك حدث انخفاض دراماتيكي في سعر الجنيه مقابل الدولار في الفترة من 2021م و 2022م لذلك اعتمدتُ المتوسط من سعر يناير 2021م ويناير 2022م، البالغ 246.5ج، لتحويل الجنيه السوداني إلى دولار، للدورتين 14 و15.
ولأن بعض المشاريع عابرة للدورات (مشروع بناء السلام + حقوق الإنسان) تم حساب المرحل من الدورة 14 إلى الدورة 15، والبالغ مليون و200 ألف ج، باعتبارها تكملة تمويل المشاريع في الدورة 15، وتم استقطاع نفس المبلغ من تمويل الدورة 14 حتى لا يحسب المبلغ مرتين.
لم أعثر على خطاب ميزانية الدورة 12 حتى لحظة كتابة هذا المقال، لكن ملخص خطاب الميزانية الوارد في خطاب الدورة 12 نص على أن جملة الإيرادات 54,316 جنيها و 200 جنيه استرليني و 174 دولار (يوم 10/1/2019 كان واحد جنيه استرليني يساوي تقريباً 1.3$). ويبدو أنه لم تكن هناك شراكات كبيرة من حيث التكلفة المادية في هذه الدورة، فقد نص خطاب الدورة 12 على نشاط بالشراكة مع منتدى دال الثقافي أثمر عن فعالية واحدة في الخرطوم، وهذه تمت بالنمط الأول، أي أن شروق ساهم في إقامتها ولو بالمساهمة الأقل. كما كانت هنالك شراكة مع المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً في دعم الحراك الثوري، ولا أتوقع أن التمويل كان كبيراً. سأضع مبلغ 10 دولار رمزية لتمويل المنظمات في الدورة 12.
لا تتضمن هذه المقارنة تمويلات ضخمة مثل تمويل منظمة DTGlobal، في مشروع تطوير دور الشباب بمبلغ 121,000 دولار وهو التمويل الأضخم في تاريخ المنتدى على الاطلاق، وذلك لتوفر معلومة أن الصرف تم عن طريق المنظمة الممولة، وليس عن طريق منتدى شروق.
أنظر التمثيل بالأعمدة المرفق أدناه (المقارنة بين إيرادات شروق وتمويل المنظمات بالدولار من الدورة الخامسة وحتى الدورة 16)
يظهر التمثيل بالأعمدة أن منتدى شروق الثقافي كان معدماً، نسبياً، من حيث الموارد المالية، في فترة ما قبل الدورة 13، أي ما قبل العام 2019م. كان معدماً حتى في الدورات الممولة من الدورة السادسة وحتى الدورة الثانية عشر. بمعنى أن التمويل كان يمثل مبلغاً لا يذكر بالمقارنة بالتمويل بعد العام 2019م.
إن الدورة الخامسة التي بدأت بها المقارنة هي دورة بلا تمويل من منظمات، وهي تشابه تماما الدورات الأربعة الأولى، حيث كان التقشف والترشيد هو سيد الموقف. فقد نص خطاب ميزانية الدورة الخامسة على العبارة التالية (بالرغم من هذه التحديات فقد تم انجاز تلك المنتديات بالطريقة التي يعتمدها المنتدى في عمله على إنجاز الأعمال بأقل تكلفة ممكنة،
وذلك يروح الأعضاء الممتلئة بالإصرار والعزيمة، وترسيخاً لثقافةِ الترشيد التي تحتاجها بلادنا، وكسرا لشماعة الإمكانات التي أقعدت الكثيرين).
بعد ظهور التمويل ابتداء من الدورة السادسة خفّت هذه اللغة التقشفية بل واختفت. ولكن ظلت خطابات الميزانية، لا تكتفي بالأرقام فقط، وإنما تتضمن كلاماً شارحاً وملاحظات.
ولكن في عهد التمويلات الطائلة، ما بعد 2019م، أي ابتداء من الدورة 13، تعطّلت لغة الكلام وتحولت خطابات الميزانية إلى أرقام، كأن لم تعد هناك حاجة للكلام، فالمال يتكلم وأحيانا يمشي، وبلغة الفرنجة
Money talks sometimes walks
إن التمويلات الضخمة بعد العام 2019 تأتي بسبب انتصار الثورة السودانية، وبداية انفتاح المنظمات الدولية على السودان، وقد بلغ هذا التمويل ذروته في الدورة 14، أي في فترة الحكومة المدنية، وتقلص قليلا في الدورة 15 التي حدث في أثنائها انقلاب 25 أكتوبر 2022م، وأثّر اندلاع الحرب في الدورة 16 سلباً، ولكن ظلت التمويلات طائلة.
إن تمويل الدورة 14 وحدها يعادل جملة إيرادات الدورات الممولة وغير الممولة قبل العام 2019م، أي من الدورة الخامسة إلى الدورة 12(ثماني دورات) يعادل جملة إيراداتها مجتمعة سبع مرات!!
وإن تمويل الدورة 14 وحدها يعادل إيرادات الدورة الخامسة غير الممولة 140 مرة! أي لو استمر منتدى شروق بنفس معدل صرفه في الدورة الخامسة (بالدولار) فإن إيرادات الدورة 14 تكفي المنتدى لمدة 140 سنة. ولو أضفنا تمويل DTGlobal، البالغ 121,000 دولار، فان الايرادات تكفي المنتدى مستقبلا لحوالي قرنين ونصف من الزمان!!
زادت إيرادات منتدى شروق في الدورات الأربعة الأخيرة، خاصة في الدورتين 15 و16، زيادة ملحوظة، وذلك بسبب عائد المنتدى من المشاريع الممولة، وليس بسبب الاشتراكات أو نصيب شروق من الورش. وقد ظهرت هذه الإيرادات في شكل معدات وأثاثات بالإضافة إلى إيجار الدار وصيانته، وهذه فائدة مهمة.
إن هذه التمويلات فاحشة ليس فقط لأنها شديدة الضخامة، وإنما - أيضا - لأنه بالرغم من هذه التمويلات ظل منتدى شروق فقيرا في أنشطته الراتبة، أو بعضها.
فبالرغم من وجود مفرغين من المنتدى يتقاضون مئات الدولارات - خلال الدورات الأربعة الأخيرة - رغم ذلك كان المنتدى في الدورة 16 عاجزا عن تغطية تكلفة خلفيةٍ قماشية، تكلفتها لا تتعدى 10 ألف جنيهاً سودانياً، لإقامة النشاط؛ وعكف أعضاء اللجنة التنفيذية "يرقِّعون" الخلفية القديمة لتواكب المنشط الجديد!! فانطبق على المنتدى قول الشاعر:
أعيذها نظراتٍ منك صادقة
أن تحسب الشحمَ فيمن شحمهُ ورمُ
والأغرب من ذلك، وفي ظل الفقر، أو الفقر المحتمل، فإن خطاب ميزانية الدورة 16 تضمن نثرية مواصلات اجتماعات لأعضاء اللجنة التنفيذية بمبلغ 66 ألف جنيه! وهذا يحدث للمرة الأولى في تاريخ المنتدى! وسيكون هذا مُبرراً في وضع تكون فيه ميزانية المنتدى جيدة.
بدلاً من أن يؤثر منتدى شروق في المحيط حوله بنشر قيم المدنية المتمثلة في المؤسسية والديمقراطية والشفافية والمساءلة والنزاهة؛ وأن يؤثر في المنظمات التي يكون شريكا لها ويدفعها في اتجاه هذه القيم - فقد حدث تأثيرٌ عكسيٌ في الدورات الأربعة الأخيرة، فقد بدأ المنتدى يتخفّف من بعض قيمه، فقد توقف نشر الخطط في الدورات 14 و 15 و 16، وتوقف نشر اللوائح الداخلية في هذه الدورات، اللهم إلا الدورة 16 التي نشرت لائحتها بعد سبعة أشهر من بداية الدورة. وحدث تراجع مريع في إعمال المعايير للورش والمشاريع!! ودخلنا بداية مرحلة إخفاء خطابات الدورة والميزانية من الأعضاء وعموم الناس!!
إنّ تأثُّر المنتدى سلبا بهذه التمويلات الكبيرة يذكِّر بطرفة سودانية: فقد أرادت أسرة قروية أن تعلم طفلها اللغة الإنجليزية، فاتفقوا مع خواجة وأغلقوه مع الطفل القروي في منزل، ووفروا لهما كل أسباب المعيشة. وجاءوا بعد ثلاثة أشهر للاطمئنان والتأكد أن الأمور تسير على ما يرام، وطرقوا الباب، ففتح الخواجة الباب ليمد رأسه قائلاً: (دايرين العَوَااااض) بتلك اللهجة الريفية في بعض مناطق السودان.
الشاهد أن العوض، المستمسك بثقافته ولهجته، هو الذي أثر في الخواجة. أما في حالة شروق، فقد تخفف المنتدى من قيمهِ، واكتسب لغة المموِّل.
تغييب المشاريع:
في اجتماع الجمعية العمومية للدورة 15 (أكتوبر 2022م) تم تغييب التقرير المالي لمشروع بناء السلام والحد من النزاعات الممول من منظمة سيفرويلد Saferworld، بمبلغ 22500 دولار - تم تغييبه عن خطاب الميزانية. وكذلك تم تغييب التقرير المالي لمشروع رصد انتهاكات حقوق الإنسان الممول من منظمة فريدَم هاوس Freedom House بمبلغ 10,000 دولار.
اقترح أحد أعضاء المنتدى المخلصين في ذلك الاجتماع، اقترح اقتراحاً سديداً، بعدم إجازة خطاب الميزانية، لتغييب المشاريع وللأخطاءِ الأخرى في الخطاب نفسه، ولكن هذا المقترح لم يجد آذانا صاغية، فغادر العضو الاجتماع مغاضبا! ثم استقال من المنتدى لاحقا!
اشترطت الجمعية العمومية لإجازة الخطاب تصحيحه وإضافة المشروعين المغيبين. وكونت لجنة من ثلاثة أشخاص، تتعاون مع اللجنة التنفيذية للدورة 15، ليكتمل التصحيح وينشر الخطاب المعدل في زمن محدد.
وقد اقترح أحد أعضاء اللجنة الثلاثية عقد اجتماع جمعية عمومية طارئ لمناقشة الخطاب المعدل وإجازة ميزانيتي المشروعين، وهو المقترح الذي أبيناه "مُمُلّحاً" في اجتماع الجمعية العمومية، فهل سنقبله "قروض"؟
ولكن رُفض المقترح ومن ثم رفع العضو يده عن عمل اللجنة، ولاحقا تقدم باستقالته من اللجنة التنفيذية للدورة 16، التي انتخب إليها حديثا.
وقد اختلف أعضاء اللجنة الثلاثية فيما بينهم ومع لجنة الدورة 15، في كيفية التعامل مع الأمر وظهر سوء التفاهم هذا في اجتماع الجمعية العمومية الأخير (أكتوبر 2023م) وتبادلت الأطراف اللوم.
بتاريخ 10 نوفمبر 2022م نشرت اللجنة التنفيذية على صفحة منتدى شروق الثقافي خطاب الميزانية المعدل. وتم توضيح تصحيح الخطأ في مصروفات خطاب الميزانية كما تم إرفاق ميزانيات المشروعات المغيّبة.
لكن ظهرت أخطاء جديدة في ميزانية حقوق الإنسان التي تم إرفاقها؛ إذ أن مجموع الإيرادات الوارد في ميزانية المشروع 3393320 جنيه، في حين أن جملة الإيرادات بالجمع المباشر2,433,320 جنيه. وهذا يستلزم تصحيح التصحيح.
طالبتُ وألححتُ في قروب منتدى شروق الثقافي - على الواتساب - بنسخة من التقرير الإداري لمشروع حقوق الإنسان، ولم أحصل عليها حتى لحظة كتابة هذا المقال! وجدّدتُ مقترح عقد جمعية عمومية طارئة، ورأيتُ أن ذلك يمثل المعالجة المنطقية الصحيحة لهذا الموضوع. ووافق على ذلك عدد مقدر من المشاركين.
ووعدَتْ اللجنة التنفيذية، بلسان السكرتير العام للدورة 16، بترتيب عقد اجتماع الجمعية العمومية لمناقشة وإجازة ميزانيتي المشروعين. ولكن وإلى أن انتهت الدورة لم ينعقد هذا الاجتماع.
وعلمت في اجتماع العمومية الأخير من أحد أعضاء اللجنة التنفيذية، أن اللجنة قد قررت عدم عقد اجتماع جمعية عمومية لمناقشة ميزانيتي المشروعين!
ولكن للأسف الشديد فإن اللجنة التنفيذية لم تخطرنا نحن الأعضاء، الذين وعدتنا بعقد الجمعية العمومية، لم تخطرنا بقرارها بعدم عقد الاجتماع، وإنما تركتنا هكذا معلقين في الهواء!
يحسب للجنة التنفيذية الدورة 16 - مقارنة بالدورة السابقة - أنها أرفقت المشاريع الممولة ضمن خطاب الميزانية. ولكن يؤخذ عليها عدم إحسان التعامل مع خلل تغييب المشاريع الموروث، إذ إن النظام الأساسي للمنتدى - الذي لم يتطور كما يجب - يضع معظم الأمور في يد اللجنة التنفيذية. ولا تزال هذه المشكلة معلقة!!
تجنيب المشاريع:
ورد في مداولات اجتماع الجمعية العمومية أن اللجنة التنفيذية كتبت خطابا لمنظمة اسمها فيوتشر - بعد أن بدأت الجمعية العمومية أعمالها. يتمثل مضمون الخطاب في أن رئيس المنتدى (ليس بوصفه رئيساً وإنما باسمه) عضو في منتدى شروق وأن المنتدى لا يمانع من أن ينسق ورشة لمنظمة فيوتشر بصفته الشخصية.
وقد قررت الجمعية العمومية إحالة الأمر للجنة التنفيذية الجديدة للنظر فيه.
وهنا تنطرحُ أسئلة: إذا كان من سينسق المشروع سيديرهُ بصفته الشخصية، فما دخل منتدى شروق في الموضوع؟ ولماذا لا تتعامل منظمة فيوتشر مع منتدى شروق - مباشرة - كجسم مؤسسي؟ وكيف للجنة التنفيذية أن تكتب خطابا، ذي صيغة غير مألوفة، وهي قد انهت اعمالها؟ هل يأتي ذلك بغرض الاتكاء على اسم شروق ومن ثم تجنيب المشروع بعيدا عنه؟!
وورد في مداولات اجتماع الجمعية العمومية أن رئيس المنتدى قد غيّب عن اللجنة التنفيذية معلومة ان من سيكتب المقترح Proposal لمشروع مدنية، الذي تموله منظمة باكس PAX، هو الذي سيكون منسقا. وأوضح الرئيس الأمر للجنة التنفيذية لاحقا، فوجدت اللجنة نفسها أمام الأمر الواقع، وقبلت أو تقبّلت الأمر، ربما بحجة عدم تضييع التمويل، أو ربما تجنبا لإثارة المشاكل، أو غير ذلك. وهذا يتضمن - في تقديري - تجنيباً جزئياً لموقع المنسق. ولكن اللجنة التنفيذية اختارت بقية المفرغين بإرادتها الكاملة.
وقد قدمت نائبة المنسق - في اجتماع الجمعية العمومية - عرضاً تفصيلياً مرتباً لما تم إنجازه في مشروع مدنية وطريقة العمل. ولكن يؤخذ على فريق العمل بالمشروع واللجنة التنفيذية أنهم احتكروا فرص الترشيح لوظائف المشروع، ولم يفتحوا الباب حتى لأعضاء المنتدى. وظهر لرئيس المنتدى نفوذ وحظوظ في الامتيازات والاختيارات.
جدير بالذكر أن هنالك حادثة حدثت في الدورة السابقة (الدورة 15)، لما كان مركز الدراسات السودانية بصدد تنفيذ مشروع إنصاف المرأة في ثلاث ولايات: القضارف، جنوب كردفان، الخرطوم. كنت قريبا من هذا الأمر منذ بدايته. في الأسبوع الأول من فبراير 2022 تمت مشاورتي - من مركز الدراسات السودانية - لشريك في القضارف، فاقترحت منتدى شروق أو تجمع طالبات القضارف. ولمّا اختاروا شروق أعطيتهم تلفون رئيس المنتدى، وتواصلوا معه في فبراير نفسه.
وتواصل معي مركز الدراسات السودانية مرة أخرى في آخر الاسبوع الاول من مارس، واتصلتُ على رئيس المنتدى لتأكيد الموافقة على الشراكة، فأكد لي موافقة اللجنة التنفيذية للمنتدى.
وفي يوم 8 مارس صمم مركز الدراسات السودانية إعلان لتدشين الشراكة وفيها لوقو شروق.
وعند بداية تنفيذ المشروع في أغسطس سألت رئيس المنتدى عن عدم ذكر شروق في الدعوة المكتوبة، قال لي سيكون شروق حاضرا في نشاط المسرح. ولم يكن شروق حاضرا حتى في المسرح!!
وعندما أشرت إلى هذا المشروع في مقالي المعنون "منتدى شروق في مفترق طرق"*** المنشور في سبتمبر 2022 قال لي رئيس المنتدى - في تعليق له على مقالي - بالحرف الواحد - (تم اختيار رئيس المنتدى بصفته "الشخصية" كمنسق للورشة والسيمنار بالقضارف)!! اعترضت على هذا الأمر في ردي عليه - باعتباري شاهداً على شراكة شروق- فقال لي الرئيس، متناولا حواره مع موظف مركز الدراسات السودانية، قال (كلامى كان معاهو هو بالذات وقلت ليهو شروق، قال لا، شروق ماعندها دخل بالموضوع، انتهى)!!
سيزول استغرابك جزئيا - أيها القارئ الكريم - إذا علمت أنه قد اتضح لاحقا، أن موظف مركز الدراسات السودانية ليس سوى أحد كوادر المؤتمر الوطني، الذي تمسّح بمسوح الثورة، وتمت زراعته في المركز الشامخ لتخريبه من الداخل.
وحينما ظهرت هذه الخبايا أثناء تنفيذ مشروع إنصاف المرأة؛ تمت إقالة الموظف من المركز، بل وتم فتح بلاغ فيه جراء عوثهِ فسادا في المشروع!!
وتبقى الأسئلة المؤرّقة: لماذا تناسى رئيس المنتدى كل الاتصالات السابقة بشأن شراكة المركز مع شروق؟! ولماذا رضي بإفادة الموظف بألا علاقة لشروق بالمشروع؟! ولماذا وافق بأن يكون منسقا لمشروع إنصاف المرأة بصفته الشخصية؟ ولماذا لم يدافع رئيس شروق عن حق منتدى شروق؟! ولماذا سكتت لجنة الدورة 15 عن هذا الأمر الجلل؟!
إدعاء النقاء:
ليس لدي تعريف محدد لمقولة "إدعاء النقاء"، وأحيانا "الطهرانية". لكن في فضاء العمل العام السوداني تستخدم هذه الكلمات على الأرجح لتعني أن جهة ما، أو شخصا ما، تدعي أنها تخلو من الأخطاء والنواقص والعيوب، وتزعم لنفسها سلطة أخلاقية على الآخرين تصحح لهم سلوكهم.
تمت السخرية في اجتماع الجمعية العمومية الأخير، وبدون أي مناسبة - تمت السخرية والتقليل من قيمة فعالية جرت في الدورة 11، أي قبل ست سنوات، وكان عنوانها: (تعالوا انقدوا منتدى شروق .. فعالية في تشجيع النقد الجاهر). وتم التذكير بنقاشات جرت وقتذاك وعباراتٍ قيلت، في ونسات جانبية، على شاكلة (يعني عاملين فيها نضاف!! ).
الغريب في الأمر أن هذه السخرية نفسها، والتقليل من قيمة الفعالية، لم تقدم على طاولتها حين جرت في العام 2017، كما لم يقدم هذا النقد في اجتماع الجمعية العمومية بنهاية الدورة 11!
انتظر هذا النقد/السخرية ست سنوات كاملة ليصعد، في الزمن والسياق الخطأ، على طاولة النقاش الرسمي.
وقد كان أحد أهداف تلك الفعالية نقل التهامس الجانبي في نقد شروق إلى الجهر على الطاولة الرسمية. وواضح أن تلك الفعالية فشلت جزئيا في تحقيق هذه الغاية.
ولكن لم يكن الجميع ساخرين ومقلّلين من قيمتها، فقد لبى البعض نداء تلك الفعالية وانطرحت فيها أسئلة مهمة مثل:
على أي أساس يتم التخصيص في الورش؟؟ وأن شراكة المنتدى مع شبكة صيحة أضرّت به؟؟ ودار نقاش مستفيض حولهما.
وقد نجحت تلك الفعالية في استنطاق المفكر الأستاذ عبد العزيز حسين الصاوي - رحمه الله - من مغتربه في لندن - ليلبي النداء مرسلا رؤية مكتوبة وتضمنت كلمته (لابد من الاستجابة للتحريض الوارد في دعوة الاستكتاب لنقد تجربة المنتدي باعتبارها تأكيداً لجوهرِ الفكرة التي يدور حولها التعليق وهي أن نشاطاته بالكيفية التي تتم بها، تصب في حقل تنمية ثقافة الديموقراطيةِ لكون الاستعداد لممارسة النقد والنقد الذاتي مظهرها الأساسي)****.
وقد تم ضمن الفعالية عرض تقييم الربع الأول للدورة 11 بالأرقام والنسب المئوية، والذي تم بناء على الخطة الرقمية التي صاغتها اللجنة التنفيذية في بداية الدورة ونشرتها على الملأ.
وقد نجحت الدورة 11 في إعمال معايير الاختيار لورشة تنزانيا بصورة منظمة رقمية مكتوبة مشفوعة بتوقيعاتِ أعضاء اللجنة التنفيذية الذين شاركوا في إعمال المعايير تحملا للمسؤولية. ومثلت تلك التجربة قمة العمل المنظم في التعاطي مع المعايير. واعتقد انه لم تتفوق عليها سوى تجربة إعمال المعايير لورشة أديس أببا في العام 2018م.
وإن الفرصتين الوحيدتين اللتين سنحتا لورش خارجية في هذه الدورة، قد حُظي بها أعضاء من خارج اللجنة التنفيذية، وهذه خلاصة لها دلالتها.
إن اللجنة التنفيذية في الدورة 11 لم تدعي النقاء وأن فعالية "تعالوا انقدوا منتدى شروق" نفسها تدلل على ذلك، إذ أنها كانت تبحث للتعرف على مواطن الخلل ليتم تجنبها. كما أن اعترافات اللجنة التنفيذية في خطاب الدوره تدلل على ذلك اإذ اعترفت بقصورها وأخطائها، فقد نص خطاب الدورة 11 - على سبيل المثال - على الجمل التالية:
"لم تكوّن السكرتاريات لجانها كما نصت الخطة وهذا أحد أوجه القصور التي ينبغي تلافيها"
"لكننا وللأسف أخفقنا في إقامة دورة تدريبية في مجال الكمبيوتر والتصوير والمونتاج"
"ولم يتم نشر القائمة الالكترونية للمكتبة وهذا فشل وإخلال بالخطة"
"وفشلت السكرتارية الثقافية في إقامة فعالية أزمة كرة القدم بعد أن تم الترتيب لها"
" لم نوفق حسب الخطة في الإعلانات الورقية حيث تم اعلان خمسة منتديات عن طريق الإعلان الورقي فقط في حين أن المستهدف 20"
"لم نتمكن من تلبية دعوة من جامعة القضارف بخصوص فعالية حول شرق السودان"
"اخفقت السكرتارية في إقامة أنشطة بجامعة القضارف وفي إحدى محليات القضارف التي نصت عليها الخطة"
فكيف للجنة انتقدت نفسها ودعت أعضاء المنتدى، بل وعموم الناس، لنقدها، أن تعالوا انقدوا منتدى شروق، كيف لها أن تدعي نقاء أو طهرانية!؟
الأقرب أن يطال اتهام" إدعاء النقاء" هذا لجنة الدورة 16 التي جمّلت الخطاب وغيّبت عمدا معلومات مهمة عنه.
إن الطهرانية وإدعاء النقاء مشكلة كبيرة لأن المصاب بهذا الداء لا يرى "عوجة رقبتو" ولذلك لن يصحح أخطاءه ولن يصلح اعوجاجه.
كما أن رمي الناقدين بتهمة الطهرانية وادعاء النقاء، بغير حيثيات، يضر بالمنظمة محل النقد، إذ أنها تستعيض عن إصلاح اعوجاجها باتهام الناقدين، "رمتني بدائها وانسلّت" .
لماذا تقهقهر منتدى شروق؟
تقهقر منتدى شروق عن قيم المؤسسية بإهمال المعايير؛ وعن الشفافية بتفضيل التعتيم، وعن المساءلة بمعاداة الناقدين. وأن هذا التراجع سببه تأثر المنتدى بالمنظمات الممولة التي يفتقر أغلبها إلى القيم التي ترسخت في شروق عبر السنوات.
ويتحمل أعضاء اللجنة التنفيذية القدامى المسؤولية الأكبر في هذا التراجع، إذ أنهم كانوا جزءا من بناء هذه القيم في مسيرة المنتدى، وكان عليهم نقلها للأجيال الجديدة، لتسهم في تطويرها مستلهمين قيم ثورة ديسمبر المجيدة.
وهذا بلغة الاستاذ كمال الجزولي العرَض الأول لمرض منظمات المجتمع المدني السودانية الذي يتمثل في "ضعف الوعي بالذات"، حين تغفل عن حقيقة كونها سليلة ما كان يُعرف في السَّابق بـ "المنظمات الجَّماهيرية"، وتتوهَّم، ضلالاً، أن ظاهرتها "مستجلبة"، أصلاً، من الغرب، ولا نسب لها في الخبرة الوطنيَّة!.
وقد ضعف وعي اللجنة التنفيذية للدورة 16 بذاتها، وضلّت عن خبرة منتدى شروق القريبة والمبذولة لكل الناس، والتي شارك أعضاء اللجنة - بالذات القدامى - في بنائها.
و"ضعف الوعي بالذات" هذا يستند - وفقا للجزولي - إلى ثلاثة أسباب أساسيَّة: أولا: العُسر النسبي في الحصول على التمويل من السُّوق المحلي، مقارنة باليُسر النسبي في انسياب التمويل من المصادر الأجنبيَّة. ثانيا: طبيعة مناهج التدريب الغربيَّة التي غالباً ما تأتي في أذيال التمويل الأجنبي، والتي تصمَّم، على نحو ما، بتصوُّرات أيديولوجيَّة زائفة تنزلق، بنعومة، إلى فكر هذه المنظمات. ثالثا: غلبة المصطلحات والمرجعيَّات الأجنبيَّة المعرَّبة بلا هوادة، والمعتمدة كلغة عمل لهذا المجال.
وتأكيدا لكلام الجزولي اذكر الورشة الوحيدة التي حضرتها في الدورة 16، والتي كانت عن التقييم والمتابعة، ومع عظم فائدتها، يمكنني ان الخصها بأنها كانت تشرح لغة المموّل.
الأولويات المقلوبة:
استغرق نقاش منشور شخصي الضعيف الذي نُشر قبل اجتماع الجمعية العمومية بساعات، والذي كان عنوانه (دق ناقوس الخطر في عشية اجتماع الجمعية العمومية لمنتدى شروق)***** - استغرق أكثر من ربع زمن الاجتماع، الذي استمر على مدى أربعة أيام، إذ أخذ النقاش فيه قسطا معتبرا من اليوم الأول، ثم اعتمد كجند إضافي، وخصص له اليوم الثاني بأكمله (ست ساعات تقريبا).
في حين جاء نقاش خطاب الميزانية في اليوم الرابع، ولم تتم مناقشة ميزانيات المشاريع الممولة، لضيق الزمن!، والتي يبلغ جملتها أكثر من 29 مليون (مليار بالقديم) جنيه سوداني!!
وقررت الجمعية العمومية أن يُدار النقاش حولها في قروب منتدى شروق الثقافي، إلا أن هذا القرار لم يجد حظه من التنفيذ حتى لحظة كتابة هذا المقال!!!
وبعد أن عجز أعضاء اللجنة التنفيذية عن دحض ما ورد في المنشور، اتجهت الجمعية العمومية في اتجاه إدانة توقيت نشر المنشور.
ولنا أن نتساءل: إذا كان المنشور مادحاً للجنة التنفيذية، فهل سيدان توقيت النشر؟!
كما أنهم لم يحددوا تقويماً calendar للمواقيتِ المناسبة للنشر، في بداية الدورة أم في منتصفها؟! في الخريف أم في الصيف؟!
العرض الثالث للمرض.. أو الحزبية:
لقد خاض منتدى شروق عملياً معركة فكرية شرسة مع السلطات والأجهزة الأمنية، حينما اتهموا المنتدى بأنه انحرف عن خطهِ الثقافي إلى خط سياسي. وكان رد منتدى شروق في الاجتماعات المغلقة مع السلطات، وفي التحقيقات مع الأجهزة الأمنية، وفي المنابر المفتوحة - أن الثقافة، ذلك الكل المركب، شاملة وتتضمن السياسة في جوفها، وأن أول فعالية نظمها منتدى شروق في يونيو 2007 جاءت تحت عنوان (قراءة في الخطاب السياسي السوداني) وكان هذا التذكير لدحض فكرة "الانحراف". وأن مدير إدارة الثقافة الأستاذ حسن عمارة - رحمه الله - قد كتب خلفيات سلسلة الطريق إلى انتخابات نزيهة - تطوعاً - بخط يده.
استطاع المنتدى عنوة واقتدارا منذ العام 2007م، وبعد التضييق عليه في العام 2010م، أن يواصل نشاطه الثقافي بما يحويه من سياسة، بل وطالب بإسقاط نظام الإنقاذ بصورة مباشرة.
يقول كمال الجزولي أن العـرَض الثالث، لمرض منظمات المجتمع المدني الذي تطرق إليه، فيتمـثَّل في بعـض "الأوهـام" التي ما تنفكُّ تعشعـش في أذهان الكـثير مـن النُّشـطاء، وأخطـرهـا طـرَّاً تعـريـف "منظـمـة المجـتمـع المدني" ككـيان "غـير سياسـي" ، بينما المقصود أنها كيان "غير حزبي" ، والفرق، يقيناً، جدُّ شاسع!
ولقد كان الوعي الجمعي حاضراً بأن منتدى شروق الثقافي منتدى غير حزبي، ولذلك عندما تم التضييق على المنتدى كان يتحاشى اللجوء الى دور الأحزاب السياسية ولم يلجأ إليها إلا متأخرا ومضطراً. وقد أحدث ذلك اضطرابا في المنتدى، إذ تم اتخاذ قرار اللجوء لدور الأحزاب بأغلبية اللجنة التنفيذية، ورفض البعض وابتعد.
وكانت هنالك حساسية عالية في المنتدى عند دعوة الأحزاب السياسية للمشاركة في نشاط ما، فقد كان الحرص على الاتزان وعدم الميلان إلى جهة دون أخرى.
وقد نجحت لجنة الدورة 16 في هذا الاتزان، ويتبدّى ذلك في فعالية الاحتفال بالاستقلال، من حيث دعوة أغلب الأحزاب الوطنية؛ وفي فعالية بين التسوية والجذرية، من حيث المضمون الذي تم تقديمه.
تمثلت أول وأوضح محاولة حزبية لتخريب أو السيطرة على منتدى شروق - في الحشد الذي نظمه حزب المؤتمر الوطني في اجتماع الجمعية العمومية في مارس 2008م. ولكن أعضاء المنتدى استطاعوا بحنكة أن يُحبطوا ذلك المخطط.
وجرت محاولة ثانية للمؤتمر الوطني للإجهاز على شروق، بتعطيل ومنع نشاط المنتدى بواسطة الأجهزة الأمنية من جهة، وإنشاء منتدى كيزاني ضرار باسم "منتدى الشرق" من جهة أخرى، ولكن ذلك المخطط - أيضا - باء بالفشل، وتبخر منتدى الشرق هباء منثورا، وبقي منتدى شروق كالطود الأشم.
ولمٍّا عجزت سلطات المؤتمر الوطني اكتفت بالتضييق والحصار في انتظار أن يموت المنتدى من تلقاء نفسه جراء هذا التضييق.
أما الأحزاب الحرة المؤيدة لثورة ديسمبر المجيدة، فيتوقع منها أن تكون مستوعبةً لكلامِ الجزولي أعلاه، بأن منظمة المجتمع المدني هي بالضرورة غير حزبية.
إن الخوف الأكبر على المنتدى ليس من سيطرة حزب على شروق؛ وإنما الخطر المحدق يتأتى من إمكانية سيطرة كتلة عابرة للأحزاب (تتضمن حتى المؤتمر الوطني) وعابرة للأجيال، تسيطر على المنتدى، وتعمل على إقصاء الآخرين، لامتصاص فائض القيمة المتمثل في عوائد التمويلات وفرص الورش وامتيازات الأسفار!!
وإن هذا الخطر قابل للتحقق في حال عدم الالتزام بالقيم المدنية، خاصة وان منتدى شروق تتغير لجنته التنفيذية بمعدل خمسة اعضاء لكل دورة جديدة، وقد تسنم لجنته التنفيذية على مر الدورات أكثر من 80 شخصا. إن هذا التغيير القيادي المستمر - في المنتدى - ظاهرة صحية، لكنه يتطلب الحرص على التمسك بالمبادئ والقيم وترسيخ المؤسسية واللوائح المنظمة.
الجرح والقوس:
إن انهيال التمويلات الطائلة على منتدى شروق، خاصة بعد ثورة ديسمبر، يضع على عاتق المنتدى مسؤولية جسيمة. وإن طريقة التعامل مع هذا الملف هي التي ستحدد ما إذا كان المنتدى سينحدر في مستنقع الفساد ويصير جرحا يضاف إلى جراحات الوطن؛ أم أنه سيسمو ليكون قوساً يصوّب إلى أهداف ثورة ديسمبر فيصيبها في مأمن!
ستكون المشاريع الممولة من المنظمات الأجنبية جُرحا حينَ تنعزل عن أعضاء المنتدى، لا يلتقون بها إلا لماما في اجتماع الجمعية العمومية، وقد يتم تغييبها ولا يلتقون بها أبداً . أي تقتصر علاقة المنظمة الممولة بالمكتب التنفيذي للمنتدى، ويكون أعضاء المنتدى خارج الصورة! ومن الممكن أن يكون الأمر أسوأ من ذلك بأن تختزل العلاقة لأن تكون بين المنظمة الممولة والمسؤول الإداري والمالي للمشروع، ويكون أعضاء المكتب التنفيذي أنفسهم خارج الصورة!!
إن ركون اللجنة التنفيذية لما هو سائد في المجتمع المدني من تعتيم للمعلومات، عدم إعمال المعايير وكراهية المساءلة، والاكتفاء فقط بتلبية مطالب الممولين - سيجعل من منتدى شروق جُرحاً لا يندمل.
لكي يصبح تمويل المنظمات الأجنبية قوسا،
فينبغي للجنة شروق التنفيذية أن تشرك أعضاء المنتدى مشاركة حقيقية في تفاصيل المشاريع الممولة، بأن تدير حوارا شفافاً مع الأعضاء، حول هذه المشاريع قبل تنفيذها وأثناء التنفيذ وبعده، وفي خطابي الدورة والميزانية. بل على المنتدى أن يكسر الحائط الرابع و"يكشح" كل المعلومات عن المشاريع الممولة على قارعة الطريق لجماهير الشعب السوداني. إن هذا هو الترياق الأساسي والوحيد للمحافظة على المنتدى وتقديمه كنموذج يُحتذى في ظل ثورة ديسمبر المستمرة .
بالإضافة إلى ضرورة احياء النمط الثاني للشراكات، باتباع أسلوب العمل الجماعي وأن يكون العائد لمنتدى شروق. وليس هنالك ما يمنع تكليف مفرغين للمشاريع الممولة، للقيام بالمهمة على الوجه الأكمل، ويتقاضون مقابلا مالياً نظير ذلك، ويخضعون للمساءلة، على أن تكون هنالك طريقة عادلة لتوزيع التكليف على الأعضاء، بحيث لا يُسمح باحتكار هذه المهام بواسطة قلة.
بعد نقاش مستفيض خلصت الجمعية العمومية إلى ضرورة استقطاع 10% من مرتبات المفرغين للمشاريع الجديدة. أما المشاريع التي بدأت سلفا توصل المجتمعون لأن يتفق المفرغون فيما بينهم ويتبرعون للمنتدى.
يقول الأستاذ كمال الجزولي (مع إقرارِنا بوجود تمويل أجنبي "حميد"، يجدر بنا الإقرار، أيضاً، بوجود تمويل أجنبي "خبيث"، ومنبع "خبثه" إمَّا الاستراتيجيَّات السِّياسيَّة للمانحين أنفسهم، أو فساد أساليب عمل إداريي هؤلاء المانحين أو ممثليهم الإقليميين! مهما يكن من أمر، فإن هذا النوع "الخبيث" من التمويل هو الذي يلعب الدَّور الأكبر في تحويل مثل هذه المنظمات إلى محض "كناتين للعمل المدني!"... هذا النوع من التَّمويل يقف، في تقديرنا، وتحت ضغط الضَّوائق الاقتصاديَّة المعلومة، على رأس مهدِّدات مثل هذه المؤسَّسات بالفناء، أو بالشَّلل في أفضل الأحوال، إذ يحوِّلها إلى مجرَّد "مشروعات إعاشة" لـ "أصحابها" وذويهم، أو "مطايا" للأسفار التي تُحتكر، فحسب، لمن في يدهم القلم في قمَّة إداراتها).
يستطيع منتدى شروق أن يفلت من هذا الخطر المحتمل، بالتزام الشفافية مبدأً راسخاً، وإعمال المعايير لتحقيق العدالة، والالتزام الصارم بالقيم المدنية.
المسار الثالث:
إن لمنتدى شروق الثقافي، في تاريخه الحافل الذي امتد على مدى 16 عاما- ثلاثة مسارات: أحدهما مسار رئيسي يغلب عليه الجانب التوعوي النظري، ومساران فرعيان مهمان يغلب عليهما الجانب التطبيقي العملي.
في المسار التوعوي الأول نظم منتدى شروق مئات الفعاليات، بتمويله الذاتي، وعشرات الفعاليات، الممولة من منظمات - للتثقيف ورفع وعي المجتمع: لمقاومة النعرات العنصرية والجهوية، واستلهام القيم الإنسانية، وفي قضايا المرأة والطفل، والتعليم والصحة، وتعزيز التثقيف الديمقراطي وحقوق الإنسان، وفي المسرح والآداب والفنون والموسيقى.
وفي المسار الثاني قدم منتدى شروق تجربة توعوية عملية في انتزاع الحقوق عندما تصدى لنظام الانقاذ مدافعا عن حقه في التعبير وعن حق المجتمع. وأزعم أن منتدى شروق هو أول من نظم وقفة احتجاجية معلنة بشعارات مكتوبة بولاية القضارف - لا يشمل الزعم شريحة طلاب الجامعة - في تاريخها، وذلك يوم 27 مارس 2011، وبذلك كان المنتدى رائدا وسباقا في هذا المجال. ونظم بعدها العديد من المخاطبات والأنشطة المناهضة لنظام الإنقاذ ومحاولاته لتكميم الأفواه.
ولم يكن نضال شروق السلمي فقط ردة فعل لانتهاك حقوقه، وإنما كان - في ذات الوقت - يعمل - بوعي - على رفع الوعي في مجال النضال السلمي بتقديم النماذج العملية، فقد نص خطاب الدورة الخامسة (2012) في توصيته الأولى على (مواصلة نشاط منتدى شروق حرا دون قيد أو شرط يحكمه الدستور والقانون ونظامه الاساسي واستخدام كل الوسائل السلمية لتحقيق ذلك، واضعين في الاعتبار أن استخدام الوسائل السلمية لأخذ الحقوق هو نفسه يحقق أهداف المنتدى المنصوص عليها في نظامه الأساسي).
لقد كان منتدى شروق رائدا في مجال النضال السلمي، وهو أحد الجهات، مع غيره، التي عبدت الطريق إلى ثورة ديسمبر المجيدة.
وبعد الثورة لم يعد تنفيذ الوقفات الاحتجاجية وإقامة المخاطبات الجماهيرية شيئا مميزا، إذ أن هذا الباب انفتح على مصراعيه، بسواعد ثوار وكنداكات ديسمبر البواسل. وستكون مساهمة شروق في هذا المضمار مهمة، ولكنها عادية، مثله ومثل الآخرين.
وفي المسار الثالث، وعلى مر السنوات، قدم المنتدى تجربة توعوية تطبيقية في جانب الإدارة الديمقراطية وإعمال المعايير وترسيخ الشفافية، بحرصه على عقد جمعياته العمومية وتطوير اللوائح، وتمليك وثائقه لعموم الشعب السوداني، في تجربة فريدة قلّما تجد لها نظيرا وسط المجتمع المدني السوداني. وها هنا تكمن القيمة المضافة للمنتدى التي تجعل منه قوْساً.
شروق كحقل إيضاحي:
الحقل الإيضاحي - في الزراعة - عبارة عن جزء من حقل المزارع. الهدف منه تعريف المزارعين بسبل الزراعة النموذجية، والمحاصيل الموافقة للميّز النسبية ذات التكلفة الأقل.
أعتقد أن واجب المرحلة يتطلب من منتدى شروق أن يجعل من نفسه حقلاً ثقافياً إيضاحياً لشرح الطريقة السليمة للممارسة الديمقراطية وتحقيق العدالة بإعمال المعايير وتجذير الشفافية وتشجيع المساءلة في المجتمع المدني السوداني.
وهذا يتطلّب أن نخرج - أولا - المنتدى من النفق المظلم الذي دخل فيه، في السنوات الأخيرة، مع ورود التمويلات الضخمة، ومن ثم نتحزّم ونتلزّم لتمثل قيَم المجتمع المدني.
وإن إرث منتدى شروق وقيم ثورة ديسمبر والإمكانات الحالية المتاحة للتطوير والفرص المتوفرة - تمكّن من هذا. وليس هناك سبب يمنع المنتدى من النهوض، ولا مبرر من التقاعس عن هذه المهمة العظيمة..
ولم أرَ في عيوب الناس عيباً
كنقص القادرين على التمام
انتهى
……….
للمزيد من التفصيل يمكن الرجوع للمصادر التالية:
* كمال الجزولي، الجُّرحُ والقَوْس: منظمات المجتمع المدني والفضاء المعنوي للتغيير!، الحوار المتمدن، الرابط أدناه
https://m.ahewar.org/s.asp?aid=388489&r=325&cid=0&u=&i=319&q=
**للتعرف على تجربة منتدى شروق في تطبيق المعايير.. اطّلع على مقال ( شروق القضارف.. اعتماد المعايير ومحاولة الإفلات من الشللية)
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=637874833814003&id=345501959717960&mibextid=Nif5oz
***منتدى شروق في مفترق طرق
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=10225805209736080&id=1207143483&mibextid=Nif5oz
**** تعالوا انقذوا منتدى شروق.. فعالية في تشجيع النقد الجاهر
https://www.alrakoba.net/2867871/%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7-%D8%A7%D9%86%D9%82%D8%AF%D9%88%D8%A7-%D9%85%D9%86%D8%AA%D8%AF%D9%89-%D8%B4%D8%B1%D9%88%D9%82-%D9%81%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D8%B4/
***** دق ناقوس الخطر في عشية اجتماع الجمعية العمومية لمنتدى شروق
https://sudanile.com/%D8%AF%D9%82-%D9%86%D8%A7%D9%82%D9%88%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D8%B4%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%88%D9%85%D9%8A/
gafar.khidir70@gmail.com
///////////////////////