حدثَ، يحدُث وسيحدُث

 


 

 

ديسمبر 19 من العام 2021 الذي يلمْلِم أطْرافه مُسْتعِدّاً للرحيل، تاريخ ويوم فاصِل ومِفْصلي للسودان وشعبه وثورة شبابه التي تضع توقيعها بأحْرُفٍ بارِزة ومُضيئة في كتابها الثوري المفتوح. ثبت تماماً أنّ نِظام البُرْهان واللّجنة الأمنيّة لنِظام الإنقاذ البائد، بما في ذلك الاتِّفاق مع حمدوك، قد لفظ أنفاسه الأخيرة وصار جُثّة هامِدة تستحِق موراتها ثرى مقبرة "مزبلة التاريخ" التي تقْبُع فيها الأنظِمة الديكتاتوريّة والشموليّة السابِقة، وعليه يجِب دفن جثّته بأعجل ما تيسّر والتعافي من حالة التعفّن الذي ستنتهي إليه وتفرز به ومنه أضرارها وشرورها.
الأجساد الحيّة تفقِد أرواحها وتتحوّل لجُثثٍ وتبدأ الدخول في مرحلة تعفُّن وتحدث من ثَمّ، في حالة عدم دفْنِها، ضرراً بالِغاً للبيئة الحيّة حولها.
هذه هي حقائق الحياة والموت منذ الأزل.. إنْ كان ذلك في البشرِ أو الأنظِمة الحاكِمة. دفن أو حرق البشر بعد موتهم، وفقاً للتقاليد والأعراف والأديان، عمل طيّب وضروري جِدّاً. وكذا دفن الأنظِمة الساقِطة الميّتة، عملاً طيّبِاً وفقاً للتقاليد الثوريّة المُجرّبة، وأعراف الحِراك الثوري الذي أبدع فيه السودانيّون، وفوق ذلك فهو عِبادة ربّانية بدحرِ الظلم، فإنّ إرادة ثورة الشباب "من تلاتين سنة لتحت"، بُنيت على ثلاث "حريّة سلام وعدالة" والثورة خيار الشعب لمَن استطاع إليها سبيلا، وأضعف الإيمان للأجيال "من تلاتين سنة لفوق"، إلّا مَن رَحَمَ ربّي وهداه لاستكمال "نصف وطنيته" في المواكب المليونيّة، هو "العِصيان المدني" وترْك الخروج للشوارِع التي لا تخون للشباب الذين يغبّرون فيها أرْجلهم بمواكِبهم المُمْتدّة حدّ البصر وبعُمْقِ البصيرة التي تقودهم لأحدِ الحسنين، الانْتِصار أو الشِهادة في سبيلِ الانْتِصار، وبينهما الاسْتِعداد للتضحية بكلِ غالٍ ونفيسٍ وليس هنالك أغلى من دمِ الإنسان.
كمْ من أنظِمة سقطت وماتت ومع ذلك اسْتمرّت تفرِز في شعوبها حالة تعفُّنها السيّئة وتخرّب لهم حياتهم. بعض الشعوب تهرُب فرادا وجماعات من بلادها ومن تعفُّن السُلطة الحاكِمة فيها بعد أنْ سقطت وماتت ولم تسعِفها إرادة رفضها والثورة عليها لدفنِ جُثثها.
شعب السودان مُمثّلاً في شبابه، وكما فعل مع نِظام المخلوع عُمر البشير البائد، قرّر ألّا يهرُب من مواجهة مصيره والعمل لإصلاح حال بلده بدفنِ نظامِ الجنرال الانقلابي عبد الفتاح البُرْهان الذي يدخُل من اليوم الأول بعد 19 ديسمبر 2021 في حالة تحلُّل وتعفُّن سريع، بعد أنْ مات وشِبع موتاً.
كل ذلك نقرأه في أبواب حدثَ أمس ويحدث الآن، فماذا تخبئ لنا الأيام عمّا سيحدُث غداً، وما سيتمخّض عنه في المُستقْبل القريب وليس البعيد؟ وكيف ومتى سيكون دفن نظام البُرْهان الساقط الميّت؟
الشاهد أنّ كل العالم أمسك أنفاسه وهو يتابع ما حدَث ويحدُث، وسيراقب مرحلة التعفُّن التي سيدخل فيها النظام ويتحسّب لما سيحدُث بعد ذلك؟ فما هي المفاجأة الثوريّة المُنتظرة؟
لا ريب أنّ النصر، إنْ عاجلاً أمْ آجلاً، سيكون حليفاً للشباب الثائر، الذي انجَز مُهِمّة التغيير في ثورته الأولى التي انتصرت يوم 11 إبريل 2019 وبدأ، في ثورته الثانية، التأسيس لسودانٍ جديدٍ بعد انقلاب البُرْهان يوم 25 أكتوبر 2021، وفي الانتِظار انتصارها الحتمي، وقد ثبت أنّ أرادة شباب الثورة لا حدود لها، وصمودهم واصرارهم على مواصلة ثورتهم، فاق كل التوقُعات.

عصام محجوب
بوخارست - رومانيا
20 ديسمبر 2021
isammahgoub@gmail.com

 

آراء