حرب الهامش ضد الهامش: مداخلة
12 يوليو 2017
-1-
عقب مقال الدكتور حيدر الاول حول خلافات الحركة الشعبية (سودانايل 22/6/2017) بعنوان " حرب الهامش ضد الهامش وتهافت شعار السودان الجديد" انهالت عليه ردود وتعقيبات اتسمت لغة العديد منها بالخشونة والعنف اللفظي، وهي لغة غير مقبولة في أدب المساجلات ولا تضيف شيئا لحجة كاتبها. ورغم ذلك فإن بعضها قد أثار نقاطا موضوعية أوضحت عدم معقولية التعميمات والنتائج والاسقاطات التأريخية التي أوردها الدكتور حيدر في مقاله المذكور في إطارتسفيهه لما أسماه جدلية المركز والهامش بحسبان أنها لا ترتكز علي تنظير متماسك. ورغم عنف لغتهم فإن عدد من المعقبين قد أثنوا علي الدكتور حيدر ومواقفه التأريخية واسهاماته الثقافية وجهوده الراسخة والمستمرة في مجال الاستنارة مما لا ينكره إلا مكابر ، في نفس الوقت الذي عبروا فيه عن خيبة أملهم في صدور المقال من شخص في مقامه
هذه مداخلة حول الموضوع وليست ردا علي مقالات الدكتور حيدر .ولكن للاسف أجد نفسي أيضا مختلفا مع الاخ الدكتورحيدر في الكثير من تعميماته وقطعياته مثل (لقد أثبت صراع الحركة الشعبية أن فرضية جدل المركز والهامش وهم كبير) وأن (الصراع في السودان ليس اثنيا ولا جهويا بل هو صراع اقتصادي-اجتماعي قد يلبس احيانا أقنعة ثقافية) أو أن( فرضية الهامش والمركز تقود بالضرورة الي عنصرية مضادة وتخريب أي محاولة للوحدة الوطنية القائمة علي حقوق المواطنة) أو أن (فرضية المركز والهامش تدليس مبتذل لنظرية سمير امين عن التبعية أو التطور غير المتكافئ) من بين نقاط اخري كثيرة.
واعتقد كذلك في أن الدكتور حيدر لم يكن محقا في رفضه جملة واحدة كل التعقيبات والردود حيث يقول في مقاله الثالث (نظرة إلي المستقبل -سودانايل 7 يوليو2017 ) " مازلت مصرا علي كل الآراء التي ذكرتها ليس عنادا ولكن تلقيت كثيرا من سقط القول ولم يفند أحد بموضوعية ما طرحت بل لم يحاول احد من الهامشيين الكرام فهم مقصدي الحقيقي من الكتابة". والحق يقال فإنني أري أن بعض التعقيبات بها تفنيد لكثير من مقولات الدكتور حيدر أو نقاط جديرة بالرد ، مثل تعقيبات الاساتذة محمد عثمان (دريج) (سودانايل 28 يونيو2017 ) وعلي الدكوك (الراكوبة 27 يونيو 2017 ) رغم العنف اللفظي في المقالين. إن دمغ التعقيبات فقط "بأنها من سقط القول" يمكن أن يدخل في باب الاستعلاء علي الخصوم ، ولا اعتقد أن الرد علي بعض النقاط الموضوعية كان سيقلل من مقام الدكتور حيدر ويمكن أن يتم ذلك بعد تقريع المعقبين علي لغتهم العنيفة إن اراد.
هنالك اسئلة أري أن الاجابة عليها مهمة في قضية "الهامش مع المركز"، وهي: هل هنالك مظالم تأريخية للهامش من قبل المركز( والمركز هنا هو الوسط والشمال النيلي المسيطرة نخبه علي الحكم منذ الاستقلال) أم لا؟ وهل علي المظلوم أن ينتظر حتي يقوم هو أو غيره بصياغة نظرية تفسِّر له ولغيره ما وقع عليه من مظالم حتي يحق له أن يقوم بأي نوع من الاحتجاج سلميا كان أو غير سلمي؟ وهي بعض ما يفهم من مقال الدكتور حيدر. وهل علي الهامش المتظلم أن ينتظر حتي تتحقق بعض "الامنيات " الهلامية؟ " إن ازالة التهميش في بلادنا يرتبط ارتباطا موضوعيا بانجاز وتحقيق الثورة الوطنية الديمقراطية" (ادم شريف المحامي-الراكوبة 26 يونيو 2017).
قناعتي أن الاجابة علي السؤال الأول هي بالايجاب، وعلي الثاني بالسلب لأن الهامش يري أن المركز هو الذي يهيمن علي السلطة وفشل أن يكون عادلا في توزيع الموارد بل وعاملا حاسما في الاقصاء من المشاركة الفاعلة (وليست الديكورية) في السلطة نفسها والدلائل (علي قفا من يشيل)، كما أن من التعسُّف أن نطالبه بأن يبحث عن تناقض رئيسي في صراعه لأخذ حقوقه قبل ان يبدأ في الإحتجاج. إن المؤشِّرات التي توضح أن حظوظ الاقاليم والولايات الطرفية (الهامش) ليست متساوية فيما يختص بالتمتع بالخدمات الاقتصادية والاجتماعية علي قلتها، كثيرة ومتوفرة. كما إن نسبة ذلك "التخليف" ،كما في لغة الدكتور حيدر، الي المركز هو شئ طبيعي نتيجة لتركيز السلطة في يد نخب المركز علي اختلاف مشاربهم السياسية ، سواء كان ذلك عن قصر نظر أوغيره ، هو كذلك مما لا يحتاج الي برهان. لكن لمزيد من التأكيد يمكن أن نشير الي ما جاء في كتاب الدكتور عبده مختار الصادر في 2010 عن دار عزة للنشر(دارفور: من ازمة دولة الي صراع القوي العظمي) الذي جاء فيه " حققت حكومة الانقاذ أكبر مشاركة للقبائل في الحقب المختلفة حيث بلغ عدد القبائل التي شاركت فيها حتي 1998 اربعون قبيلة يأتي اولها الجعليون بنسبة 19.4% يليهم االدناقلة بنسبة 16.1% ثم الشايقية 12.8% (صفحات 52-53)". (أي أن معامل التركيز للثلاثة قبائل المذكورة 48.3%). وهو ما يؤكد ما جاء في الكتاب الاسود (2001) الذي قوبل بانتقادات واسعة من الاجهزة الاعلامية وتمت نسبته للمؤتمرالشعبي المعارض حينها. ويجدر بالذكرهنا أن الكتاب الاسود نفسه قد اتضح أنه مستخلص من دراسة أعدتها رئاسة الجمهورية كما جاء في مقال للاستاذ خالد فتحي (خليل ابراهيم الرجل الذي قال لا-سودانايل 27 ديسمبر 2011) " ففي اجتماع مع القوى السياسية امتد الى الفجر ببيت الضيافة في 14 يوليو 2008 قال السيد المشير عمر البشير رئيس الجمهورية أن الكتاب الاسود هو بالأساس دراسة أعدتها رئاسة الجمهورية للاطلاع على خارطة المشاركة السياسية في السلطة على مستوى المركز."
إن مظالم الهامش "جمرة بتحرق الواطيها" وقد تم التعبير عنها منذ عقود ، ولكن للاسف النخب السياسية ممثلة في الحكومات المتعاقبة مدنية وعسكرية لم تلفت نظرهم تلك المظالم واعتبروا انهم يصدُرون في سياساتهم وتصرُّفاتهم عن رؤي وطنية وأنهم قوميون في المقام الاول وكل ما عداهم جهوية وربما عنصرية. لقد بدأت تلك الاحتجاجات منذ اوخر الخمسينات من القرن الماضي ، ولكن بشكل أوضح في النصف الاول من الستينات عندما ظهرت حركات من الهامش تطالب بالعدالة في توزيع الموارد وفي المشاركة في السلطة واتخاذ القرار منها اتحاد جبال النوبة ، اتحاد البجة وجبهة نهضة دارفور. ويمكننا أن نشير علي الاقل الي أهداف واحدة من هذه الحركات المطلبية وهي جبهة نهضة دارفور.
جاء في كتاب الدكتور يوسف تكنة-2013-" دارفور- صراع السلطة والموارد 1650-2002) ما يلي "كانت مطالب كل من منظمتي جبهة نهضة دارفور ومنظمة سوني السرية ( وكلاهما انشأ في عام 1964) عقب ثورة اكتوبر- تتمحور حول المساواة بين ابناء دارفور وأبناء الشمال في الحقوق والواجبات، المساواة في الوظائف العسكرية والمدنية، في مجال تقسيم السلطة والثروة وفي مجال التنمية والخدمات والطرق والبنيات التحتية" (ص 89). ويضيف في مكان آخر" استشعرت الاحزاب السياسية خطرها (جبهة نهصة دارفور) فاتهمتها بالعنصرية والجهوية وأنها حركة انفصالية . وقد شملت الحملة الدعائية في الصحف أن مثل هذا التنظيم الاقليمي المطلبي لايمت الي الوطنية السودانية بصلة، مما اضطر لجنتها التنفيذية إلي عقد مؤتمر صحفي لتوضيح موقفها المطلبي المتمثل في حق مواطني دارفور في المشاركة السياسية ونيل دارفور نصيبها من الثروة من خلال مشاريع التنمية والخدما ت الاجتماعية حتي تلحق بباقي مديريات السودان الشمالية ويطمئن المواطن بدارفور علي عدالة الدولة." (ص 84) . وللأسف فإن مواطن دارفور (والهامش عموما) مازال يبحث عن ذلك الإطمئنان بعد أكثر من ستين عاما من الاستقلال.
مما يجدرذكره أن قيادة حركة سوني العسكرية السرية قد تشكلت حينها من قبائل مختلفة عربية وغير عربية ، كما أن لجان جبهة نهضة دارفور قد ضمت علي وجه التقريب كل أعيان مدن دارفور الرئيسية من كل الاحزاب والمجموعات الاثنية المختلفة. والمطالب المشروعة أعلاه لم تقابل إلا بالاستنكار والاتهام بالعنصرية والجهوية ، صب الملح علي الجرح ، أو في قول الخواجات –معدَّل-"وكمان جابت ليها اساءة". وهو سلوك كان متواترا في رفض مطالب الهامش في المشاركة واستنكار ذلك وكأنما الهامش تحت الوصاية (انظرالفقرة حول "التضامن النيلي" أدناه). إن النخب السياسية كانت ولازالت مصابة بحمي الاستئثار بالسلطة ومزاياها، والسلطة في الدول النامية هي المصدر الاول للثروة كما هو معلوم . أنظر إلي النخبة الحاكمة اليوم ، أين كانوا وأين هم الآن.؟ للسطة في الدول النامية بريق هو بريق الكنوز التي ترقد تحت أسنِّة أقلام متخذي القرار والمقدرة علي تنفيذ مايريدون، ولذلك ينظر هؤلاء إلي المشاركة في السلطة علي أساس أنها تفريط و"اختراق" ودون ذلك فلتدم الحروب أو يتمزق الوطن "ما مهم".
إن تأييد ودعم الحركات المسلحة من قبل غمار الناس في الهامش ضعيف في رأي وكثير من أبناء الهامش وأنا منهم لا يؤيدون الحركات المسلحة ، وقد ازداد عددهم خاصة بعد الدمار الهائل للبني التحتية في الهامش وللخسائر المادية والبشرية الجسيمة وإهدار حقوق الانسان وللجرائم المختلفة المصاحبة للحرب ، مما لا يمكن تعويضه تحت أي تسوية كانت ومما لا يعيد مناطق الصراع الي ما كانت عليه بعد عشرات السنين. وزادت كذلك بعد خيبة املهم في القيادات التي شاركت في السلطة ولم تستطيع تحقيق أي شئ يذكر لأبناء الهامش ، وسقوط كثير منهم في "نعيم" السلطة أو "مستنقعها" .كذلك عدم اختلاف أولئك المشاركين في السلطة عمن سبقوهم فيها من الحزب الحاكم سواء كان ذلك فسادا أو غيره من سوءات الحكام. ولكن في جميع الأحوال ، في وجود المظالم ، تبقي خيارات التعبير مفتوحة كل حسب قناعاته ، ويتحمل مسئوليتها بالمشاركة، الناكرين والمستخفِّين بتلك المظالم من النخب الحاكمة.
-2-
إن ردود الفعل اللفظية العنيفة التي طالت الدكتور حيدر ربما كان لها أسبابها التراكمية (والله أعلم). من هذه الأسباب خيبة أمل عامة لأهل الهامش في عدد كبير من المتعلمين والمثقَّفين من أهل الوسط والشمال النيلي، فيما يبدو عليهم أو يبدر منهم أحيانا من عدم قناعة بأن للهامش قضية أصلا (يرد كثيرا أثناء الماقشات قول "ما كل السودان مهمش" الخ) ، وكذلك عدم الشعور بالمواطنة والحقوق المتساوية لأبناء الهامش مثل ما يظهر من خلال قرارت غير مدروسة مثل الكشَّات (في زمن سابق) التي تختارأهدافها للترحيل خارج العاصمة باللون واللهجة (أسمع قصيدة شاعر الشعب محجوب شريف "أدم في الكشًّة")، أو عدم جدِّية الحكومات المختلفة في الاستماع الي الاحتجاجات التي تتم علي استحياء (حتي لايوصف قائلها أو يوصم بالعنصرية) او حتي التي تمَّت بصوت السلاح ، ودونك عدم تنفيذ "الانقاذ" لبنود إتفاقيات السلام المختلفة وحتي توصيات مؤتمراتها حول دارفور(مؤتمر كنانة كمثال). وكذلك جراحات الكلام التي لا تبرأ مثلما ينشر في الصحف. فالتعليقات والأعمدة في الصحف السيارة تجد فيها ما يستنكر المطالب "الجهوية" (التي تعني عند الكثيرين الغرب والشرق والجنوب الجديد) ومنها ما يستخِف بها أو يفسِّر المطالبة بالمشاركة في اتخاذ القرار والحكم الي أن المقصود ليس "كَدَّة" في الحكم وإنما الإقصاء أوحتي أكثر منه (الثأر) ، ويتم في المجالس تدوال قصص الحزام الاسود حول المدن والنوايا المبيتة للانقضاض الخ . والترجمة لكل ذلك "علي الشريط "، وتبدو بوضوح ليس فقط في عدم الجدية في معالجة المظالم التأريخية بل وفي "التضامن" لعدم التفريط في المكتسبات التأريخية للحكم ومزاياه.
وخير مثال لذلك الوصف الدقيق لميكانزمات "الكنكشة" المهلكة عند متنفذي الانقاذ الذي جاء في مقالي الدكتور عبداللطيف سعيد حول ما أسما "التضامن النيلي" (الصحافة 13 و 27/2/2012 ) من "أن هذا التضامن لايعتمد على الكفاءة الشخصية ، ولكنه يعتمد على التعاضد والتكاتف .... فهذا التضامن يحمي أفراده ويقدمهم ويحفظ لهم المناصب ، بل ويتخلص من كل منافس لهم بغض النظر عن مؤهلاته الشخصية والأكاديمية ، ففي كل المؤسسات يكون أعضاء التضامن هم القادة ويكون الآخرون هم الكمبارس" ويضيف "هناك واقع (سياسي) موجود بالفعل ، خلقته عوامل تاريخية وجغرافية وإثنية وثقافية وجعلت هذه الصفوة النيلية تتضامن وترى لنفسها الحق دون سواها في الحصول على القيادة والثروة والسلطان ، وترى أنها بموجب هذه العوامل مسئولة عن الآخرين ، وأنها لو تركتهم في السودان يديرون شئونهم بأنفسهم لضاع السودان".
وللاسف هذا (فيما يبدو) هو ما يستبطنه كثير من متعلمي ومثقفي الوسط النيلي –ناهيك عن العامة- من حيث عدم قبولهم لمجرد فكرة أن يكون علي رئاسة الدولة شخص من الهامش (عبَّادة وغرَّابة الخ في قولهم). وأري أن القبول بهذا هو بداية التصالح الحقيقي والمواطنة الحقة. وبالطبع فهذا لا يحلُّ قضية "الهامش والمركز" لكنه يذهب بعيدا نحوتنفيس "بالون" الغبن التأريخي. إن حل القضية رهين بمحاولات جادة لمعالجة جذور المشكلة وتجسيدها في عدالة توزيع الموارد والتمييز الايجابي لِحِين ، والمشاركة الحقيقية في السلطة باعادة هيكلة مؤسسات الحكم ليري الجميع أنفسهم فيها، وقد يعني ذلك محاصصة المواقع القيادية لفترة طويلة حتي يتم وضع أسس لإدارة الدولة يقبلها الجميع. إليك أمثلة أخري.
الاستاذ ابراهيم دقش في عموده "عابر سبيل" (الخرطوم 10 ابريل 2014) يقول " جاتكم تارَّة ، الجهوية ،ومن داخل المجلس الوطني وعلي رؤوس الاشهاد فقد طالب (النائب) كمندان جودة رئيس الجمهورية بتعيين مساعدين للرئيس من جنوب كردفان النيل الازرق أسوة بالسلطة الاقليمية لدارفور والشرق.... وذهب الي أبعد من ذلك فطلب معرفة نصيب النيل الازرق من الوزارات الاتحادية" ويضيف السيد دقش "في كل الاحوال الواحد يكتشف أن "قومية" السودان قد ارتحلت وفي غفلة منا (كذا!)بعد أن (تمرمطت) واغفلت تاركة البلاد تحت رحمة الجهويات والقبليات والترضيات .." يعني السيد دقش لم يري أي جهوية في أن يكون الرئيس ونائب الرئيس ووزراء غالبية الوزارات السيادية من إقليم وجهة واحدة لأكثر من ربع قرن إلا حينما رفع السيد النائب كمندان جودة صوته مطالبا بمساعد رئيس. انظر إلي هذا (الكيْل).
أما سيف الدين البشير فقد كتب غاضبا في عموده-"هذا كتابي" (الوطن 27 اكتوبر 2005) تحت عنوان "ليست ورقة حمدي بل وجدان أُمَّه" ( أنظر كيف تنادوا يستغلون ورقة حمدي (التي اشتهرت فيما بعد بمثلث حمدي) للنيل من الحضارة الغالبة وتقديمها علي أنها متغوِّلة علي حقوق الاخرين؟ ........دعهم يهلِّلون لسماجة مبعوثة حقوق الانسان .. ولخطرفات متمردي دارفور ، ولموالاة طلاب الكراسي لكل من يحمل هراوة ضد الحضارة الغالبة ... لكن الحضارة الغالبة لن تسكت بعد اليوم ... ليس هنالك تهميش في السودان وإنما فقر ورثناه من ظروفنا وفساد حكوماتنا السابقة.(!).. لا يوجد تهميش ثقافي وليس ذنب المركز الحضاري أنه يحمل ديانة للناس جميعا." السيد سيف الدين لا يري في الذين انتقدوا ورقة حمدي إلا مجموعة من المغرضين واليساريين والشئ الذي جمعهم هو ربما (حقدهم) علي ما أسماه الحضارة الغالبة وقد عرَّفها بأنها "المديرية الشمالية من بحري حتي أسوان ، بحسبانها بوابة الحراسة والكياسة والسياسة منذ،تهراقا". ويقطع بأنه ليس هنالك تهميش ولا يحزنون، (كلَّو حقد ساي). فماذا يمكن أن يقال لمثله؟
ومثال آخر ما جاء في مقال للسد راشد عبدالرحيم في عموده "إشارات" في صحيفة (الرأي العام 14/3/2014 ) بعنوان "الأزمة هي أبناء دارفور" فيقول" ليست دارفور أكثر تهميشا من بقية السودان ... والشمال هو الذي يعاني بما لا يقارن من الأوضاع المأساوية والتهميش الحقيقي .. ولكن أهل الشمال لا يرفعون السلاح وأبناء الشمالية في الجامعات هم الذين يعانون ويفقدون سنوات الدراسة (هل وحدهم؟) بسبب هذا الصراع الذي يقوم به أبناء دارفور". لو نظر السيد راشد إلي تقاريرالمؤسسات الدولية التي صدرت بالتعاون مع حكومة السودان وأي دراسات حول التباين في حظوظ الاقاليم المختلفة من التنمية علي ضعفها لرأي أن مؤشِّرات ولايات الهامش هي الأسوأ وأن المظالم حقيقية ، وحتي تحت سوء الأحول فإن "الظلم بالمساواة عدل". وفي كل العالم تعمل الدول التي تعرضت لحروب اهلية وصراعات داخلية ، علي معالجة المظالم حتي تنعم بالسلام والاستقرار ولا تنفي تلك المظالم جملة واحدة. وإذا كان السيد راشد موضوعيا لرأي بالعين المجردة الاستئثار بالسلطة وتركيزها في مناطق دون أخري. فهل يعتقد السيد راشد وأمثاله أن ذلك شئ طبيعي ويجب أن يتم تقبله علي طول الخط. أم أنه فعلا يري أن الاخرين (مواطنون من الدرجة الثانية) يجب أن يلعبوا دور "الكومبارس" (كما ورد أعلاه) ولا يشاركوا في السلطة؟
إن الذي يقود الي عنصرية مضادة (كما أشار الدكتور حيدر) ليس هو فرضية الهامش والمركز وإنما استمرار المظالم وبعضها علي أسس عنصرية واضحة للأسف في النصف الثاني من حكم الانقاذ. ودونك كمثال قول الاستاذ محمد عبدالقادر سبيل ("كيف استجدت العنصرية في حياتنا ومؤسساتنا العامة" الصحافة 18/8/ 2011 ) والذي تقدم الي عدد من الوظائف هو مؤهل لها فقيل له " إنت من وين؟ " وتم حرمانه منها " لأني لست من شعب الله المختار" علي حد قوله (هومن النيل الازرق). من المعلوم أن إستمارة الرقم الوطني تحتوي علي خانة للقبلية ، وربما بعض الوزارات ذات الأهمية تحتوي فورمات التقديم للإلتحاق بها علي ملء خانة عن القبيلة أيضا.
إن أراء الدكتور حيدر في مقاله الأول قد كتبت علي عَجَل ،فيما يبدو لي ، وهو ما يفهم من قوله في المقال الثالث (بل لم يحاول احد من الهامشيين الكرام فهم مقصدي الحقيقي من الكتابة) مما يعني أنه لم يوضِّح أو لم ينتبه الي ما يمكن أن تثيره الجمل القطعية الواردة في المقال من سوء/عدم فهم لمقاصده . وجملة آرائه الوارده في المقال قد تنطبق عليها اشارة الاستاذ كمال الجزولي في مقال أخير( درس انتفاضة 1985-سودانايل يونيو 2017 ) من أنه " ما يزال يتحتَّم على قوى المعارضة في المركز استيعاب درس القصورالاساسي لإنتفاضة 1985، من حيث ضرورة الاقتراب بدرجة كافية من حركات (الهامش) والتَّعرُّف اللَّصيق على همومها ....حتَّى لا تجد نفسها عاجزة حتَّى عن الاستيعاب السَّليم للأحداث، دَعْ عنك تحليلها بما يمكِّن من اتِّخاذ الموقف السَّليم تجاهها."
أما عن قول الدكتور حيدر في مقاله الأخير عن قندول " وسألت نفسي ناس قندول وهم معارضة زيَّنا يردُّوا علي مقال بهذه الطريقة فلمُّا يكونوا في السلطة حيعملوا فينا ايه؟ بالتأكيد سوف يقطعوننا من خلاف أو نرجم تأسيا باسلوب ردع الجبهة " (نظرة الى المستقبل -سودانايل 7يوليو2017) ، فأعتقد أن غضبته قد أدخلته في مكان لا يحب أن يكون فيه وهو الميدان الذي تلعب عليه "الانقاذ" في تخويف أهل الوسط من "شرور" ناس الهامش.
لكن مهما يكن فإن اعتقادي هو أن مواقف الدكتور حيدر يمثلها ما جاء في رده علي الطيب مصطفي من أنه "لم يتغير موقفي الداعم لمظلومية مايسمى بالمهمشين ولكننا نختلف في التحليل"
صديق امبده
12 يوليو 2017
sumbadda@gmail.com