حوار مع صديقي ال ChatGPT الحلقة (77)

 


 

 

د. أحمد جمعة صديق
جامعة الزعيم الازهري

حوار اليوم:
• كبار السن والاطفال والنساء هم اكثر الفئات تضررا من الحروب . ما هو السياق التاريخي لهذه العبارة؟
• النساء غالبًا ما يتعرضن للعنف الجنسي في الحروب، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي، لماذا يستخدم اغتصاب النساء كوسيلة في الحروب؟
• كان الاغتصاب الجماعي جزءًا من استراتيجية أوسع للتطهير العرقي والتغيير الديموغرافي، حيث استُخدم كوسيلة لتدمير المجتمعات الثقافية والدينية المعادية. فصل؟
• هل نجحت هكذا سياسة في تحقيق الاهداف المرجوة من ذلك؟
*******************
العبارة التي تقول "كبار السن، الأطفال، والنساء هم أكثر الفئات تضررًا من الحروب" تتعلق بالأثر الاجتماعي والإنساني المدمر الذي تتركه الحروب على هذه الفئات السكانية بشكل خاص. السياق التاريخي لهذه العبارة يشير إلى مجموعة من القضايا الإنسانية التي تم تسليط الضوء عليها في الدراسات والممارسات الدولية، خاصة بعد الحروب العالمية الكبرى والنزاعات المسلحة التي عرفها العالم في القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين.
السياق التاريخي:
1. الحروب العالمية: خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918) والحرب العالمية الثانية (1939-1945)، تعرض العديد من المدنيين، خصوصًا النساء والأطفال، للدمار نتيجة للقتال العنيف والدمار الشامل للمدن. في هذه الحروب، كانت الخسائر البشرية في صفوف المدنيين كبيرة، وتسبب القصف المستمر والهجمات الجوية في مقتل العديد من الأبرياء، ومنهم الفئات الأضعف مثل الأطفال وكبار السن.
2. حروب ما بعد الحرب العالمية الثانية: بعد نهاية الحروب العالمية، شهد العالم العديد من الحروب الإقليمية والنزاعات المسلحة مثل الحروب في فيتنام، أفغانستان، العراق، البوسنة، والكونغو، وغيرها. في هذه الحروب، تأثرت النساء والأطفال بشكل بالغ، خاصة في المناطق التي دمرت فيها البنية التحتية. النساء تعرضن للاغتصاب والقتل والتشريد، بينما فقد الأطفال حياتهم بسبب القصف أو التجنيد في صفوف القوات المسلحة، كما تأثرت الصحة النفسية للأطفال بسبب الصدمات.
3. الطفولة في زمن الحرب: في العديد من الحروب والنزاعات المسلحة، أصبح الأطفال أكثر عرضة للقتل أو التشوهات البدنية أو النفسية. تم استخدام الأطفال في كثير من الأحيان كمقاتلين في الحروب، أو تعرضوا للهجرة القسرية والتهجير داخل بلادهم. كثيرًا ما تكون هذه التجارب مدمرة وتؤثر على حياتهم حتى مراحل متقدمة من العمر.
4. النساء في الحروب: النساء غالبًا ما يتعرضن للعنف الجنسي في الحروب، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي، الذي كان يُستخدم كوسيلة للحرب النفسية والتشويه. في العديد من النزاعات المسلحة، مثل الحرب في يوغوسلافيا السابقة وحروب إفريقيا، كانت النساء هدفًا مباشرًا للعنف. أيضًا، قامت الحروب بتدمير الأدوار الاجتماعية والاقتصادية للنساء، حيث غالبًا ما يكن المسؤولات عن تربية الأطفال أو رعاية العائلات في ظل غياب الرجال بسبب القتال أو الموت.
5. كبار السن في الحروب: كبار السن يمثلون شريحة ضعيفة في الحروب، حيث يعانون من فقدان الرعاية الصحية، العزلة الاجتماعية، والفقر. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون لديهم صعوبة في الهروب من مناطق القتال أو الوصول إلى المساعدات الإنسانية. الحروب تضع عبئًا ثقيلًا على هؤلاء الأشخاص الذين غالبًا ما يعانون من أمراض مزمنة وأزمات صحية.
التوجهات الدولية والممارسات:
في السنوات الأخيرة، ومع تزايد الوعي حول أثر الحروب على الفئات الضعيفة، برزت عدة مبادرات دولية لحماية النساء والأطفال وكبار السن في الحروب. على سبيل المثال:
• اتفاقيات جنيف التي تهدف إلى حماية المدنيين في أوقات الحرب، بما في ذلك النساء والأطفال.
• المحكمة الجنائية الدولية التي تسعى لمحاكمة الجرائم ضد الإنسانية مثل العنف الجنسي ضد النساء في مناطق النزاع.
• القرار 1325 لمجلس الأمن الدولي (الذي تم تبنيه في 2000) والذي يعترف بأهمية مشاركة النساء في صنع السلام وحمايتهن في مناطق النزاع.
الاستنتاج:
العبارة تشير إلى الضعف المستمر لهذه الفئات في وجه الحروب. النساء والأطفال وكبار السن غالبًا ما يتعرضون لأشد الأضرار نتيجة النزاعات المسلحة، سواء على مستوى الحياة البشرية أو على مستوى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية. لذا تركز الجهود الدولية الآن على توفير الحماية لهذه الفئات وضمان حقوقهم في ظل الأزمات التي تتسبب فيها الحروب.
• النساء غالبًا ما يتعرضن للعنف الجنسي في الحروب، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي، لماذا يستخدم اغتصاب النساء كوسيلة في الحروب؟
استخدام الاغتصاب كوسيلة في الحروب هو أحد أشكال العنف الجنسي الذي يُمارس ضد النساء في سياقات النزاعات المسلحة. يشمل هذا العنف الاغتصاب الجماعي، الذي يُعتبر أداة نفسية واستراتيجية في الحروب. ويعود ذلك إلى عدة أسباب معقدة تتداخل بين الأبعاد العسكرية والنفسية والثقافية والسياسية. فيما يلي بعض الأسباب التي تفسر لماذا يُستخدم الاغتصاب كوسيلة في الحروب:
1. أسلوب للتدمير النفسي والتشويه
• إرهاب الضحايا والمجتمعات: يُعتبر الاغتصاب الجماعي وسيلة لتدمير الروح المعنوية للمدنيين وخلق جو من الرعب. عندما يتم اغتصاب النساء، يكون هذا بمثابة رسالة إلى المجتمع بأسره بأنهم غير قادرين على حماية أنفسهم. الضحايا يعانون من صدمات نفسية دائمة، وهو ما يعيق قدرتهم على التعافي أو مقاومة الاحتلال أو السيطرة العسكرية.
• إضعاف الروابط الاجتماعية: الاغتصاب الجماعي يهدف إلى تفكيك الأسرة والمجتمع، خاصة في الثقافات التي تعتبر الشرف الأسري والأنوثة جوانب مهمة من الهوية الاجتماعية. من خلال اغتصاب النساء، يُمكن إشاعة الفوضى الاجتماعية، حيث يمكن أن يشعر الأفراد بالعار أو الفشل في حماية أفراد أسرهم.
2. أسلوب لإذلال العدو
• إهانة الخصم واحتقار كرامته: في بعض الحروب، يُنظر إلى الاغتصاب كوسيلة للانتقام أو إذلال العدو. الاغتصاب يُستخدم ضد النساء من الجماعات العرقية أو القومية أو الدينية المعادية، كوسيلة لفرض السيطرة عليها وإهانتها. يمكن أن يُعتبر اغتصاب النساء بمثابة تدمير لهوية العدو بشكل أعمق من القتل نفسه.
• تفكيك الروابط الثقافية والدينية: في بعض الحالات، يُستخدم الاغتصاب كوسيلة لتدمير القيم الثقافية والدينية الخاصة بالعدو. إذا كانت الثقافة التي ينتمي إليها الضحايا تركز بشكل كبير على الشرف أو الطهارة الجنسية، فإن الاغتصاب يُعتبر بمثابة الاعتداء على هذه القيم.
3. أسلوب لتدمير الأجيال القادمة
• استخدام النساء كأداة لتدمير الأنساب: في بعض الحالات، يُعتبر الاغتصاب وسيلة لتغيير التكوين العرقي أو الثقافي لمجتمع العدو. فعلى سبيل المثال، في بعض النزاعات التاريخية (مثل حروب البلقان في التسعينيات) كان الهدف من اغتصاب النساء هو "إنتاج" أطفال ينتمون إلى الجماعة المهاجمة أو حتى ممارسة "التطهير العرقي" بشكل غير مباشر.
• التأثير طويل الأمد على الأجيال القادمة: الاغتصاب لا يقتصر تأثيره على الضحايا المباشرين، بل يمتد ليؤثر على الأجيال القادمة. الأطفال الذين يُنتجون من حالات الاغتصاب قد يُعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية أو يُواجهون التمييز، مما يعزز من الاستقطاب العرقي أو الاجتماعي.
4. تعبير عن القوة والسلطة
• إظهار الهيمنة العسكرية: في بعض الأحيان، يكون الاغتصاب أداة لفرض السيطرة الميدانية أو التأكيد على القوة العسكرية. هذا النوع من العنف الجنسي قد يُستخدم من قبل الجنود أو الفصائل المسلحة لإظهار الهيمنة على مناطق معينة، من خلال خرق حرمة المدنيين ونسائهم.
• كسر الإرادة الجماعية: الاغتصاب يُعتبر وسيلة لكسْر إرادة المجتمعات المحلية في مقاومة الاحتلال أو السيطرة العسكرية. يهدف المعتدون إلى زعزعة استقرار المجتمع وزرع مشاعر الخوف والضعف بين المدنيين.
5. الفوضى وعدم المساءلة
• الغياب القانوني والأخلاقي: في كثير من الأحيان، أثناء الحروب، تتفكك الهياكل القانونية والأخلاقية في مناطق النزاع. الجنود أو المليشيات الذين يرتكبون هذه الجرائم قد لا يواجهون أي نوع من المساءلة أو العقاب، مما يتيح لهم استغلال النساء دون خوف من العقاب.
• حالة من الإفلات من العقاب: في بعض الحالات، تُعتبر هذه الجرائم جزءًا من "القاعدة" في الحروب، ما يؤدي إلى تهميش حقوق النساء في الحروب والاعتداء عليهن كجزء من "طبيعة" النزاع.
6. التحكم في الموارد الاجتماعية والتاريخية
• استهداف النساء كمصدر للموارد الاجتماعية: في بعض الحروب، يُعتبر الاغتصاب وسيلة لانتزاع النساء من دورهن التقليدي في المجتمع، سواء من خلال تشويههن جسديًا أو اجتماعيًا. هذا النوع من العنف يُعتبر جزءًا من استراتيجية "التدمير الاجتماعي" التي تهدف إلى استنزاف القوة الاجتماعية التي تشكّلها النساء في العديد من المجتمعات.
استنتاج:
الاغتصاب في الحروب يُعتبر أداة استراتيجية متعددة الأبعاد، تهدف إلى تدمير المجتمعات ثقافيًا واجتماعيًا ونفسيًا. بعيدًا عن كونه مجرد عمل من أعمال العنف الجسدي، يُستخدم الاغتصاب كوسيلة للهيمنة والإذلال وإحداث تغييرات ديموغرافية على المدى الطويل. ولهذا السبب، يعتبر الاغتصاب الجماعي في الحروب من أبشع الجرائم التي تُرتكب ضد الإنسانية، ويتم تجريمها دوليًا بموجب معاهدات مثل اتفاقيات جنيف.
• استخدام النساء كأداة لتدمير الأنساب: في بعض الحالات، يُعتبر الاغتصاب وسيلة لتغيير التكوين العرقي أو الثقافي لمجتمع العدو. فعلى سبيل المثال، في بعض النزاعات التاريخية (مثل حروب البلقان في التسعينيات) . فصل؟ كان الاغتصاب الجماعي جزءًا من استراتيجية أوسع للتطهير العرقي والتغيير الديموغرافي، حيث استُخدم كوسيلة لتدمير المجتمعات الثقافية والدينية المعادية. هل نجحت هكذا سياسة في تحقيق الاهداف المرجوة من ذلك؟

استخدام الاغتصاب كوسيلة لتغيير التكوين العرقي أو الثقافي لمجتمع العدو كان أحد التكتيكات البشعة التي تم توثيقها في العديد من النزاعات المسلحة، لا سيما في حروب البلقان في التسعينيات. في هذه الحروب، كان يُستخدم الاغتصاب الجماعي كأداة استراتيجية لممارسة "التطهير العرقي" وتهديد الهوية الثقافية والدينية للجماعات المستهدفة. يمكن تلخيص ذلك في تفاصيل الحروب في البلقان وآثارها على النساء:
1. الحرب في البوسنة (1992-1995)
• السياق السياسي والديني: بعد تفكك يوغوسلافيا في أوائل التسعينيات، نشأت حروب دموية بين المجموعات العرقية والدينية في المنطقة، وعلى رأسها الصراع بين المسلمين البوشناق، الصرب الأرثوذكس، والكروات الكاثوليك. كانت البوسنة واحدة من أكثر الأماكن تضررًا، حيث استهدفت القوات الصربية (بالتعاون مع القوات الموالية لها) المسلمين البوشناق والكروات.
• الاغتصاب كوسيلة للتطهير العرقي: في هذه الحرب، كان الاغتصاب الجماعي يستخدم بشكل واسع كأداة لتدمير المجتمع المسلم، إذ تم اغتصاب النساء بشكل منهجي بهدف إهانة العدو و"إنتاج" أطفال من المجموعة العرقية التي نفذت الاعتداءات. تمثل هذه الانتهاكات جزءًا من سياسة "التطهير العرقي" التي كان الهدف منها تغيير التركيبة العرقية للمجتمعات المحلية. النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب كان يتم إبعادهن عن عائلاتهن في معسكرات الاعتقال، وكنّ يُجبرن على الحمل، مما يهدف إلى تكوين أجيال جديدة تنتمي إلى الجماعة المعتدية.
• الآثار الاجتماعية والنفسية: الاغتصاب الجماعي في حرب البوسنة كان له آثار مدمرة على النساء وأسرهن، حيث كانت العديد من الضحايا تعاني من صدمات نفسية شديدة تظل تؤثر عليهن مدى الحياة. بعض النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب اضطررن للعيش مع العار الاجتماعي، وأحيانًا في عزلة تامة داخل المجتمعات التي ترفض ضحايا هذه الجرائم.
2. الحرب الكرواتية (1991-1995)
• التداخل بين العرق والدين: مثلما كانت الحال في البوسنة، كانت الحرب الكرواتية أيضًا تمثل صراعًا عرقيًا ودينيًا بين الكروات، الصرب، والمجتمعات الأخرى. تم استخدام الاغتصاب الجماعي كوسيلة لتدمير الروابط العائلية والاجتماعية للمجتمعات المستهدفة.
• الاغتصاب كأداة لتغيير التركيبة السكانية: تم اغتصاب النساء كجزء من الاستراتيجية العسكرية لإذلال السكان المدنيين وفرض السيطرة على المناطق. في بعض الحالات، كانت النساء تُغتصب أمام عائلاتهن، وهو ما يعكس درجة العنف النفسية والمجتمعية التي كانت تهدف إلى إضعاف الروح المعنوية للمجتمعات.
3. الاغتصاب الجماعي في سياق الحرب - استراتيجية عسكرية
• التغيير الديموغرافي: في بعض الحالات، كان الاغتصاب الجماعي يُستخدم كأداة لتغيير التكوين الديموغرافي في المناطق المتنازع عليها. من خلال اغتصاب النساء وإجبارهن على الحمل، كانت الجماعات المهاجمة تأمل في "إنشاء" أطفال ينتمون إلى العرق أو الدين الذي يمثله المعتدون، مما يؤدي إلى تغيير التكوين العرقي للمنطقة. هذا كان جزءًا من سياسة "التهجير القسري" التي شملت دفع السكان الأصليين إلى مغادرة الأراضي التي كانت تُعتبر "مناطق استراتيجية" للغزاة.
• التحكم في الهوية الثقافية والدينية: في السياق البوسني، كان من الواضح أن الهدف لم يكن فقط تغيير التركيبة العرقية، بل أيضًا محاولة تدمير الثقافة الإسلامية للمجتمع البوشناقي. كانت هذه العمليات تتضمن استخدام الاغتصاب كوسيلة لإضعاف المجتمعات على المستوى الثقافي والديني.
4. التوثيق الدولي والاعتراف بالجرائم
• المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة (ICTY): في محاكمة جرائم الحرب في البلقان، تم الاعتراف باستخدام الاغتصاب كأداة استراتيجية للقتال و"التطهير العرقي". المحكمة كانت أول محكمة دولية تُدين الاغتصاب الجماعي كجريمة ضد الإنسانية، مع التركيز على المسئولين العسكريين والسياسيين الذين خططوا ونفذوا هذه السياسات.
• الاعتراف بالضحايا: العديد من الناجيات من الاغتصاب الجماعي في الحرب البوسنية وحروب البلقان الأخرى تم تحديدهن كضحايا رئيسيات في هذه الجرائم. تم تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهن، مع الاعتراف بأن الأثر الذي تركته هذه الجرائم هو تأثير طويل الأمد يمتد عبر الأجيال.
5. الردود الدولية
• الضغط على المجتمع الدولي: على الرغم من أن الاغتصاب كوسيلة حرب كان معروفًا عبر التاريخ، إلا أن الجرائم ضد النساء في حروب البلقان كانت نقطة تحول في كيفية تعامل المجتمع الدولي مع هذه الانتهاكات. في أعقاب هذه الحروب، تم تكثيف الجهود للحد من العنف الجنسي في الحروب، بما في ذلك تبني قوانين دولية تحظر هذا النوع من الانتهاك.
• القرارات الأممية: على سبيل المثال، في عام 2000، اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار 1325 الذي يطالب بحماية النساء أثناء الحروب وتعزيز مشاركتهن في عمليات السلام.
استنتاج:
في حروب البلقان في التسعينيات، كان الاغتصاب الجماعي جزءًا من استراتيجية أوسع للتطهير العرقي والتغيير الديموغرافي، حيث استُخدم كوسيلة لتدمير المجتمعات الثقافية والدينية المعادية. كان يُنظر إلى النساء كأداة لإضعاف المجتمعات المستهدفة، سواء من خلال إهانتهن جسديًا أو من خلال إنتاج نسل ينتمي إلى المجموعة المهاجمة. هذا العنف الجنسي أصبح جزءًا من العديد من الجرائم ضد الإنسانية التي تم توثيقها ومحاكمة مرتكبيها بعد الحرب.
• كان الاغتصاب الجماعي جزءًا من استراتيجية أوسع للتطهير العرقي والتغيير الديموغرافي، حيث استُخدم كوسيلة لتدمير المجتمعات الثقافية والدينية المعادية. هل نجحت هكذا سياسة في تحقيق الاهداف المرجوة من ذلك؟
الاغتصاب الجماعي كجزء من استراتيجية للتطهير العرقي والتغيير الديموغرافي في الحروب، مثل تلك التي شهدها الصراع في البلقان خلال التسعينيات، كان يهدف إلى تحقيق أهداف سياسية وعسكرية على المدى الطويل، ولكن في الواقع، لم ينجح هذا النوع من السياسات في تحقيق أهدافه بالكامل. بينما كانت بعض الآثار قصيرة المدى تبدو وكأنها تحقق مكاسب سياسية أو عسكرية للمعتدين، فإن النتائج على المدى الطويل كانت أكثر تعقيدًا وأقل نجاحًا في تحقيق الأهداف المرجوة.
1. تحقيق أهداف تغيير التكوين الديموغرافي
• الفشل في تغيير التكوين الديموغرافي بشكل دائم: على الرغم من أن الاغتصاب الجماعي كان جزءًا من استراتيجية لتغيير التركيبة السكانية لصالح الجماعات المعتدية، إلا أن هذه السياسة لم تنجح بشكل دائم. بينما قد ينجح الاغتصاب في "إنتاج" أطفال ينتمون إلى الجماعة المعتدية، إلا أن هذا لا يغير بشكل فعّال التكوين الديموغرافي الكامل للمناطق المستهدفة. على سبيل المثال، في حروب البلقان، على الرغم من حجم الانتهاكات الجنسية، لم تنجح هذه الاستراتيجية في تغيير جوهري في التركيبة العرقية والدينية للمجتمعات المستهدفة، لأن تأثيرات هذه السياسات لم تكن دائمة.
• التطهير العرقي والتشريد: في بعض الحالات، كانت سياسة التطهير العرقي المتمثلة في إجبار الأشخاص على مغادرة مناطقهم أو تغيير هويتهم العرقية قد حققت نتائج أكبر من الاغتصاب الجماعي. كانت عملية تهجير السكان بالقوة أكثر فعالية في تغيير التكوين الديموغرافي، بينما كانت محاولات استخدام الاغتصاب كوسيلة لتغيير الأنساب تواجه مقاومة اجتماعية وثقافية قوية.
2. التأثيرات الاجتماعية والثقافية
• فشل في تدمير الهوية الثقافية: على الرغم من أن الاغتصاب الجماعي كان يُستخدم كأداة لإهانة المجتمعات الثقافية والدينية المستهدفة، إلا أن هذه السياسات لم تكن فعّالة في القضاء على الهوية الثقافية لهذه المجتمعات. على سبيل المثال، في الحرب البوسنية، وعلى الرغم من تعرض العديد من النساء للاغتصاب الجماعي، إلا أن المجتمع المسلم البوسني استطاع أن يحافظ على هويته الثقافية والدينية بشكل كبير. فعلى الرغم من الصدمات العميقة التي تركتها هذه الجرائم، لم تتمكن محاولات محو الهوية الثقافية أو الدينية من النجاح بشكل دائم.
3. الآثار النفسية والاجتماعية على الضحايا
• آثار طويلة الأمد على الضحايا: الاغتصاب الجماعي تسبب في صدمات نفسية عميقة للضحايا، حيث عانت العديد من النساء من اضطرابات ما بعد الصدمة، وعزلة اجتماعية، والعديد من المشاكل النفسية والصحية طويلة الأمد. لكن على الرغم من هذه الأضرار، العديد من الناجيات وُجدنَ في مجتمعاتهن وواصلنَ المشاركة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، مما يعني أن الاغتصاب لم ينجح في تدمير الأنساب أو المجتمع بالكامل.
• العواقب الاجتماعية: الاغتصاب الجماعي يمكن أن يُحدث شرخًا اجتماعيًا عميقًا، لكنه لا يُعني القضاء على المجتمعات المستهدفة. بالعكس، في بعض الحالات، يمكن أن يُقوي المجتمعات المتضررة من خلال مقاومتها، وخاصة في ظل الدعم الدولي والمحلي. مثال على ذلك هو حالة الناجيات من الاغتصاب في الحرب البوسنية، حيث شكلت هذه الفئة جزءًا من السعي لتحقيق العدالة والمصالحة.
4. ردود فعل المجتمع الدولي
• التعرض للانتقادات والمحاسبة: بعد انتهاء الحروب في البلقان، تم تسليط الضوء على استخدام الاغتصاب الجماعي كأداة في النزاع، مما أدى إلى محاكمات دولية واعترافات قانونية. محكمة جرائم الحرب في لاهاي (المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة) أدانت هذه الجرائم واعتبرت الاغتصاب الجماعي جزءًا من جرائم ضد الإنسانية. هذه المحاكمات وجهت ضغوطًا كبيرة على الدول والفاعلين العسكريين، وأثرت على السياسة الدولية بشأن حماية حقوق الإنسان في الحروب.
5. المقاومة المجتمعية والتعافي
• التعافي الاجتماعي والنفسي: على الرغم من أن الاغتصاب الجماعي ترك تأثيرات سلبية على المستوى النفسي والاجتماعي، إلا أن العديد من المجتمعات التي عانت من هذه الانتهاكات استطاعت أن تجد سبلًا للتعافي وإعادة بناء هويتها بعد الحرب. في البوسنة، على سبيل المثال، بذل العديد من الناجين من الاغتصاب جهودًا كبيرة للمشاركة في عمليات المصالحة وبناء المجتمع، في إطار دعم منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي.
• دور النساء في إعادة بناء المجتمع: النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب الجماعي لعبن دورًا محوريًا في مواجهة الصدمات، وكان لهن دور رئيسي في إعادة بناء المجتمعات بعد الحرب، سواء على المستوى الاجتماعي أو السياسي.
6. الاستنتاج العام
فشل السياسات في تحقيق الأهداف المرجوة: بصفة عامة، يمكن القول أن سياسة استخدام الاغتصاب الجماعي كوسيلة للتطهير العرقي والتغيير الديموغرافي في الحروب لم تنجح في تحقيق أهدافها بالكامل. بينما كانت هذه السياسات تؤدي إلى صدمات اجتماعية وثقافية هائلة، إلا أنها لم تتمكن من القضاء على المجتمعات المستهدفة أو تغيير تركيبتها بشكل جذري. في الواقع، العديد من المجتمعات التي تعرضت لهذا العنف استطاعت الصمود واستعادة هويتها الثقافية والدينية، بل وقد واجهت المجتمع الدولي بهذه الجرائم ودعت إلى تحقيق العدالة


aahmedgumaa@yahoo.com

 

 

آراء