دفاعا عن الحرية والتغيير

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
abdullahaliabdullah1424@gmail.com

هذه المرافعة عن الحرية والتغيير، نسعي جهدنا الا تنطلق من موقف تعصبي علي طريقة هلال مريخ، او موقف اعمي يدرج اعمالها في خانة الافعال الصحيحة والاقوال الحكيمة. وهذا لا يمنع تركيزها علي الجوانب الايجابية، بعد ان أُشبعت ذما وتكسيرا لمجاديفها، وكأنها من احتكرت الحكم لمدة ثلاثة عقود، اذاقت فيها الشعب الويلات وسلمت البلاد للخراب! والسبب في ذكر محاسن بعضنا البعض في ظروف النكبات، هو تهيئة مدخل ملاءم للتركيز علي المخاطر الحقيقية التي تتعرض لها البلاد، والمحنة الدامية التي يعيشها شعبنا، بعد اندلاع الحرب الوحشية، ومن دون افق للحل في المدي القريب. وهو ما يتطلب جعل ايقافها اولوية، يجتمع حولها السياسيون المتشاكسون! عسي ولعل هكذا جهد (فرض عين) يعمل كآلية ضغط علي وحوش الاقتتال، الذين يبحثون عن مصالحهم الضيقة، ولو علي حساب المصلحة العامة.
اي هي حرب رغم كلفتها الباهظة علي كافة المستويات، لا تنطوي علي اي خير للمدنيين! لان انتصار اي طرف فيها، يعد بسلطة تسلطية ارهابية فاسدة. فالمؤسسة العسكرية تعدنا بارجاع الفلول، ومليشيا الدعم السريع تعدنا بعودة التعايشية الهمجية، في صورة ردة حضارية وانحدار لدرك العمالة الرخيصة. اما استمرارها دون حسم، فهو يعدنا بحالة مجهولة لا يمكن التنبؤ بها، بقدر ما يمكن التنبؤ بمآلاتها الكارثية.
وما يجب التاكيد عليه، انه في حال اجتمعت القوي السياسية والمدنية علي صعيد واحد، وهو امر يكاد يكون محال كما علمتنا التجربة، فان تاثيرها لا يتعدي الضغط الذي قد يثمر في احسن الظروف، وقد لا يثمر في اسوأها. علي اعتبار ان الصراع ذو طابع عسكري محض علي السلطة وامتيازاتها.
وهذا الدور الهامشي للسياسيين في واقعنا المتردي ليس استثناء، ولكنه واقعة مستديمة لسلطة متسلطة ظلت علي الدوام في ايدي العسكر. والمفارقة حتي عندما يحاول السياسيون والمدنيون استخلاص السلطة من ايدي النخبة العسكرية الحاكمة، بعد طوفان ثوري يعقب انسداد سلطوي، يتم ذلك عبر اللجوء لذات المؤسسة العسكرية لانجاز ذلك المطلب! ويمكن فقط اخراج الرعيل السياسي الاول الذي اعقب الاستقلال من دور الهامش، ولكنه للاسف هو ذات الجيل الذي سلم السلطة للعسكر، ليهمشو السياسية والسياسيين، ويدخلونا في ورطة الوصاية العسكرية التي لم نجد لها مخرجا!!
والحال كذلك، المؤسسة العسكرية الحامية للسلطة، اصبحت هي نفسها حرامي السلطة، الذي صادر كافة الانشطة المدنية او رهنها لمشيئته ومصلحته، او حاربها محاربة لاهوادة فيها. والغالب ان السبب في ذلك يرجع من ناحية، للمرحلة التاريخية التي يعيشها الشعب (لم ينجز مستحقات التحرر والتحديث والتمدن، للتخلص من الثقافة الابوية السائدة في الفضاء العام)، ومن ناحية للمنطقة الجغرافية المحيطة والموبوءة بالاستبداد الاستيطاني. وعليه، مرحلة تداول السلطة سلميا بين النخبة السياسية بعيدا عن سطوة العسكر، لم تتأهل لها البلاد وشعبها بعد. خاصة وهي ما زالت عالقة في منطق البيضة قبل الدجاجة ام الدجاجة قبل البيضة الدائري! اي ترسيخ الحياة المدنية والممارسة الديمقراطية، يسبقه نشر الوعي، وتحسين ظروف الحياة، وتوسيع مساحة الحريات، ونطاق الحقوق ..الخ، ولكن هذا عينه ما تتصدي له الانظمة المستبدة بنسختها العسكرية، وثقافتها الابوية الوصائية المتغلغلة داخل نسيج المجتمع باعرافه وتقاليده، حتي تحافظ علي بقاءها (من ينكر ان الكثيرين مازالو يراهنون علي ان خلاص البلاد في يد عسكري كارب قاشو، وذلك بعد كل هذه الاهوال والكوارث التي سببها العسكر!!). والمهم، حتي تصبح الثقافة المدنية هي السائدة، وتنزوي المؤسسة العسكرية في زاوية هامشية تختص بدورها المحدد لا تتجاوزه، ستظل السلطة تحت سيطرة البندقية، وما يترتب علي ذلك من تجيير موارد البلاد للخدمة الانشطة والمصالح العسكرية، وكأن المؤسسة العسكرية ملكة النحل التي يخدمها ويخضع لها الجميع، ولكن للاسف من غير عسل، استبداد وفساد فقط. والحال ان سيادة الثقافة المدنية تحتاج لجهود مضنية تضطلع بها جماعات وافراد ومؤسسات مؤمنة بالتمدين، وآخر ما يشغلها السلطة وامتيازاتها.
والمؤسف بعد ان استنفدت المؤسسة العسكرية اغراضها يسارا ويمينا وادمنت الفشل في سدة السلطة، وبدل الاعتراف بالخطأ (الانقلابات) وارجاع الامانة (السلطة) الي اهلها (حرية الاختيار). اخذت كبار جنرالاتها العزة بالاثم، ليتم التشكيك في ولاء المؤسسة العسكرية ذاتها، ويستعاض عنها اولا، بتكوين هيئة العمليات بجهاز الامن، وثانيا بتكوين مليشيا الدعم السريع، وبقدرات توازي امكانات الجيش ان لم تفُقه! وهنا ولاول مرة يختل صراع السلطة الذي كان محسوم سلفا لبندقية المؤسسة العسكرية! ليتحول صراع السلطة لحرب ضروس بين قوتين مسلحتين يكاد يتقاسمان النفوذ والسيطرة والمصالح! لتهدد حربهما العدمية بقاء الدولة بعد ان اهلكت الحرث والنسل.
ونخلص من ذلك، الي ان السياسيين والمعارضين بصفة خاصة، ليس لهم تاثير كبير سواء علي مجريات الحرب او اسباب نشوبها! بل هي اكدت مدي هامشية السياسيين وضاعفت من تهمشيهم! اما تاثير الاسلامويون فمرجعه يتعدي ادلجة العسكر لاندغام المصالح بينهما، كواحدة من استراتيجيات الترابي لضمان ولاء العسكر، وهو ما انتهي بخضوع الاسلامويين للعسكر بعد المفاصلة.
وما يهم، يمكن الجدل والمشاكسة بين السياسيين علي مدي الاستفادة من الهامش وكيفية استغلاله، ولكن يظل الهامش هو الحاكم للجميع. وهو ما لا يستدعي كل هذا التشاكس والاختلاف، إلا اذا كان مرجعهما تصور قدرات وهمية تدفع لطموحات اكثر وهما.
ولكن لحسن الحظ الهامش نفسه يسمح بالمناورة والحركة، ويظل هنالك متاح للسياسيين الهامشيين ما يمكن عمله، وليس اقل من الانتظام في جبهة عريضة ليقوي تاثيرها، ولكن الاهم امتلاك رؤية لايقاف الحرب تقنع الطرفين المتقاتلين علي ان مكاسبهم من ايقاف الحرب اكبر من استمرارها. اما العشم باخراج العسكر من المشهد السياسي والاقتصادي والسلطوي، من دون دفع كلفة اقناعهم بذلك تفاوضيا، وعلي مدي طويل نسبيا، اقلاه بما يكافئ تاريخ تسلطهم واحتكارهم للامتيازات (اي يصعب فطامهم منها مرة واحدة)، فهذا ضرب من الامنيات التي لا تعكس موازين القوي علي ارض الواقع، ولا كيفية يعمل الواقع المحكوم بصراع المصالح؟ وهذا بالطبع اذا ما كنا محظوظين ولم تنفرط عري الدولة، وهو احتمال يظل قائم بذات نسبة الاستهانة به، والانصراف لقضايا انصرافية، كعادة السياسيين علي التشاكس في كل شئ والاختلاف حول كل شئ! وعموما، امر ذو دلالة ان معظم تجارب الانتقال الناجحة، شملت نقاظ التقاء بين قوي معارضة فاعلة ومنفتحة علي المستقبل، وجزء وازن من المنظومة الحاكمة، ذو تاثير ومؤمن بالاصلاح (ويا كافي البلاء نعاني نقص مريع في الجانبين) والاسوأ من ذلك يتعرض الاقرب لهكذا موقف، وهو قوي الحرية والتغيير، لهجوم واشانة سمعة آنا الليل واطراف النهار!
وبالرجوع لقوي الحرية والتغيير، اكبر لوم يوجه لها، هو الاداء البائس اثناء الفترة الانتقالية، وتركيزها علي تفاصيل (دوامة الاداء الحكومي) الذي لا ينتهي، علي حساب قضايا الانتقال الاستراتيجية. وكذلك عدم التواصل المستمر مع قوي الثورة الحية (لجان المقاومة)، بسبب ارتفاع سقوف الاخيرة وميلها للجانب الشعاراتي والتطهُري غير العملي، علي حساب الجانب البرغماتي الذي يلاءم تعقيدات الحكم. ولكن هذا الاداء الموصوف اعلاه، من العدل والموضعية ان يستصحب ضعف الخبرة، والاهم العراقيل والمؤامرات التي واظب علي صنعها المكون العسكري، وبما فيها افساح المجال امام الفلول لتعطيل الفترة الانتقالية، وتشويه صورة الحكم المدني كمقدمة للانقضاض عليه. ولكن ما لا يمكن ايجاد عذر او مسامحة لقوي الحرية والتغيير هو السماح بتمرير اتفاقية جوبا التي وُظفت حصريا لخدمة (شراء) قادتها، نظير السماح لقوي الحرية والتغيير بتقلد المناصب والوزارات والتمكين لانصارها. وهذا الخطأ القاتل عانت منه قوي الحرية والتغيير ذاتها، قبل التآمر علي الفترة الانتقالية برمتها! وفي هذا السياق، ليس صحيح ان قحت هي من عطل المجلس التشريعي وبقية المفوضيات، رغم انها كانت مستفيدة من التعطيل، الذي يسمح لها بالعمل الحكومي من غير ضغوط، تصرفها عن تحسين صورتها مستقبلا! اما المتسبب الاول في تعطيل تكوين المجلس التشريعي عن عمد، بل والاصرار علي بقاء الجنرالات ولاة علي الولايات، هي الحركات المسلحة، التي تحالفت سرا ومن وراء ظهر قوي الثورة، مع المكون العسكري، والعمل معه كتفا بكتف لاجهاض الفترة الانتقالية! لكل ذلك اتهام قحت بخيانة الثورة غير صحيح، فمن خان الثورة وقبض الثمن، هم تحالف الموز بمختلف مكوناته، وعلي راسهم اطراف اتفاقية جوبا.
اما الشراكة مع العسكر فهي تقدير سياسي، حكمته موازين القوي وتاريخ طويل للمؤسسة العسكرية في اجهاض الحكم الديمقراطي. اي كان متوقع اقلاه ان تمنع الشراكة الانقلاب بوصف العسكر شركاء، وتاليا مصالحهم محفوظة. ولكن كعادة العسكر في الغدر، والرغبة في فرض سطوتهم المطلقة، عجل بالانقلاب! والغريبة ان اصحاب التفكير الارتدادي (ناس اللو وكان) ممن كانوا يراهنون علي امكانية ابعاد العسكر، يتناسون ان فض الاعتصام الوحشي منبعه محاولة ابعاد العسكر او مجرد التلويح بذلك، كما انهم ينسون قبل ذلك، نحن لسنا حيال عسكر بالمعني الحرفي للكلمة، ولكننا امام مصالح مافيوية ومسيرة اجرامية كان ابطالها هؤلاء الجنرالات المجرمون. كما ان الغاية من ازاحة اللجنة الامنية للبشير، ليس نصرة الثورة او الوقوف بجانب التغيير والانتقال، ولكن اخفاء رموز النظام السابق، للحلول محلهم، مع بقاء الحال كما هو عليه. وهذا ما جعل الشراكة نفسها عُرضة للانقلاب، بعد ان انتهت فترة سيطرة العسكر حسب منطوق الوثيقة الدستورية. اي في كل الاحوال العسكر متشبثون بالسلطة لامتلاكهم امتياز السلاح، وعدم استنكافهم استخدامه ضد المدنيين. وهذا عين ما اسرفت في الحديث عنه سابقا، من هامشية السياسيين والمدنيين وقلة حيلتهم وضعف تاثيرهم مهما ادعو او تخيلو عكس ذلك. ومن ينكر ذلك عليه مراجعة واقعنا القريب وتاريخنا البعيد، وما الحرب الدائرة الآن إلا التجلي الابرز لعجز السياسيين والمدنيين بمحتلف ضروبهم، ناهيك ان البعض ما زال يحدثنا عن الحلول الجذرية (الانتصار الحاسم علي العسكر واعلان نهاية دولتهم التي غطست حجرنا)! والحال كذلك (الله يلمنا في الدولة التغيير ملحوق).
اما مطالبة قحت بعمل المستحيل لايقاف الحرب وكانها تملك عصا موسي، او الضغط علي مليشيا الدعم السريع وكانها خاضعة لنفوذها، فهكذا مطلب يتغافل عن محدودية ليست قدرات قحت علي التاثير علي هذه الحرب الصفرية او احد اطرافها، ولكن هذا واقع يطال كل القوي السياسية. وفي هذا السياق يحمد لقحت انها الاعلي صوتا للمناداة بايقاف الحرب، والاكثر حركة خارجيا للوصول لاتفاقية توقف الحرب وتستأنف الفترة الانتقالية. اما مطالبتها داخليا بتبني حملات ايقاف الحرب، فحسب علمي ان الاستاذ ياسر عرمان من اوئل من طالب بذلك. ولكن كما هو معلوم في معظم مناطق سيطرة الجيش، يتعرض ليس انصار قحت ولكن كل انصار الثورة للمضايقات والاعتقالات، بمجرد التلويح او الاعلان عن مطلب ايقاف الحرب، لدرجة القول ان الاقاليم التي يسيطر عليها الجيش رجعت كيزانية بامتياز، وكاننا رجعنا الي اوائل عهد الانقاذ، بقبضتها الامنية الباطشة.
اما الحملة الجبانة لاشانة سمعة قحت، ومحاولة تصوير مواقف قحت وكانها متواطئة مع مليشيا الدعم السريع التي تمتهن الانتهاكات وارتكاب الفظائع. وهي حملة قد لا نستغربها من الفلول الذين يتبنون موقف معادٍ لقحت، ويرغبون في الخلاص منها بكافة الوسائل. ولكن ما مصلحة قوي الثورة في تبني هكذا اقوال فطيرة تصب في مصلحة خصمهم الاسلاموي! إلا اذا كان الغرض من شيطنة قحت محاولة ازاحتها لافساح المجال لقوي ثورية اخري، لتتسيد المشهد السياسي وتفرض اجندتها دون اعتراض او مقاومة، غض النظر عن مدي واقعيتها. في حين ان الظروف تتطلب النأي عن المصالح الخاصة والعناد (المكاجرة) والانفتاح علي المصلحة العامة، التي تتطلب توحيد الجهود، ويحمد للدكتور صديق الزليعي توضيح هذه الامور كاحسن ما يكون.
اما الجانب الآخر الذي يحرك الاسلامويين وكبار جنرالات المؤسسة العسكرية ضد مطلب قحت بايقاف الحرب، هو رغبتهم في استمرار الحرب غض النظر عن كلفتها وخطورتها وتمددها لمناطق آمنة، بمظنة الانتصار الحاسم علي مليشيا الدعم السريع، بوصفها القوة الوحيدة المسلحة التي تقف حجر عثرة امام اعادة السيطرة المطلقة علي البلاد. في حين ان كل المؤشرات تدلل علي صعوبة ذلك، وهذا اذا لم يحدث العكس! لانه ببساطة لا يمكن القيام بمهام الدفاع (مقرات الجيش الكبري علي وجه الخصوص) ولمدة نصف عام، والحديث عن الانتصار او حسم المعركة قريبا. كما انه لا يمكن الحديث عن انتصار الجيش بمثل قائد كالبرهان، يتميز بالضعف واهتزاز الشخصية وعدم معرفة اي شئ في اي شئ (مجرد دمية)! ولا يجيد غير امتهان الكذب وكره المدنيين والتنمر عليهم في وقت السلم، والاختباء والهروب اثناء المعركة، واكل الزلابية علي انغام احتراق العاصمة من حوله! وعموما اذا كانت قراراته في ادارة المعركة، من ذات نوع قراره العشوائي بفتح المدارس والجامعات من غير استعداد وتهيئة مناخ ومجرد توفير المرتبات للاساتذة والعاملين، ناهيك ان معظم المدارس والجامعات اصبحت مأوي لمن شردتهم الحرب؟ او قراره فاقد المعني باشراف جنرالات مجلس السيادة علي كوتات الوزارات التي توزعت بينهم كالكوتشينة، ما عدا من لم يقف معه في الحرب كالهادي ادريس والطاهر حجر (وكانه قرار قصده المكاواة). المهم، اذا كانت هذه عقلية وقرارات من يدير المعارك، فالمؤكد (واطتنا اصبحت وابشر بطول سلامة يادعامة)!
المهم الحرية والتغيير كانت حريصة علي ايقاف الحرب لايقاف ذات الانتهاكات التي يتباكي عليها اعداؤها! وكذلك منع تمددها علي يد مليشيا الدعم السريع، التي تجوس خلال الديار فوضي وتخريب واذلال ونهب واستباحة كاملة (وكان الله في عون اهل العيلفون، ولا نعرف الدور علي مين في ظل استمرار هذه الحرب اللعينة)! فهل هنالك شخص عاقل او به ذرة اخلاق يمكن يؤيد هكذا مليشيا همجمية، ناهيك عن تحالف سياسي يتغيا البحث عن تاييد الجماهير لانجاز اهدافه ومشاريعه السياسية؟ بل الموقف من فظائع الدعم السريع تحول لمعيار لمعرفة حقيقة الرجال، وازال القناع عن الكثير من الذين لطالما شنفوا آذاننا بالحديث عن الوعي والقيم والعدالة والثورة والانتقال..الخ، لنكتشف جماعة تعاني من مركبات النقص والاطماع السلطوية، ورغبة محمومة لتصفية حسابات ضد ابرياء، ذنبهم فقط انهم مختلفون عرقيا ويسكنون رقعة جغرافية مختلفة!
اما علاقة قحت بالدعم السريع، فمنشأها الاتفاق الاطاري، الذي اتي اصلا لحل مشكلة الانقلاب التي تورط فيها المكون العسكري بشقيه واجهض الفترة الانتقالية. اي هو جهد لاستئناف الفترة الانتقالية باقل التكاليف، ونزع فتيل الازمة بين اطراف المكون العسكري بتوسط المدنيين! لانه حتي في غياب الاتفاق الاطاري كانت الحرب مرجحة، طالما ان الجنرالين طامعين في السلطة بطريقة منفردة، بعد ان تضاربت مصالح داعميهم خلف الكواليس. كما ان ذات الاتفاق تنبه لمعضلتين جهد لحلهما، وهما قضية توحيد الجيوش، وخروجها من السياسة والاقتصاد والسلطة، علي اعتبارها القنابل الموقوتة التي تهدد استقرار البلاد وتمنعها من النهوض. وتاليا اجهاض الاتفاق الاطاري عجل بالحرب، بسبب عقدة ذات المعضلتين، ومن يتضرر من علاجهما.
كما ان الحرية والتغيير لم تصنع مليشيا الدعم السريع، ولم تفسح لها المجال لتتحول الي غول يرغب في ابتلاع الدولة! ولكنها تعاملت معها كامر واقع. فهي تحولت لقوة مسلحة توازي الجيش وقد تفوقه في النفوذ والسيطرة! وعليه، اي محاول لانكار ذلك او الاستهانة به، يمثل وصفة جاهزة لفناء الدولة وتعذيب اهلها اكثر مما هم معذبون! اي هنالك فارق بين كره مليشيا الدعم السريع وتشنيع فظائعها، وبين حقيقة وجودها المادي علي الارض، وقدرتها علي التاثير الحاسم في موازين القوي، وتحديد مسار الدولة! اي وجود الدعم السريع من الاخطاء الاسترتيجية والتفريط في الامن القومي، التي ليس لها علاج ساهل او طوباوي، او يمكن ارجاع الاوضاع لما قبل ميلاد هذا المسخ الدموي وتضخمه. ويبدو والله اعلم ان الحرية والتغيير بوصفها الاكثر واقعية، تتعامل مع هذه الوضع كما هو، دون انكار او اماني او شعارات ليس لها جذور علي ارض الواقع. ومن ثمَّ تجهد لايجاد حلول لهذا الواقع البئيس، واهوال الحرب الكارثية. والسؤال والحال كذلك هل يمكن ايقاف الحرب دون التواصل مع الدعم السريع، ومراعاة مخاوفه ومصالحه؟ وهل هنالك مؤشر لحسم الحرب ضد الدعم السريع في ظل توازن القوي المتقارب، وسيطرة الدعم السريع علي العاصمة كمركز السلطة والقرار؟ وهل حسم معركة العاصمة اذا حدث، يعني نهاية الدعم السريع؟ وفي كل الاحوال، الخطورة كل الخطورة ان يكون امرنا خرج من ايدينا وذهب لايادٍ خارجية كل ما يهمها مصالحها، وهي بطبعها الاكثر جهلا بتعقيدات هذه البلاد الهشة.
وهنالك جانب هام، وهو ان قحت لم تدعِ انها وصي علي الثورة او البلاد، وظلت علي الدوام تؤكد اهمية تكوين جبهة عريضة، تتصدي لمهام الانتقال سابقا وايقاف الحرب راهنا. وغالبا كثافة نشاطها واعتدالها الذي ساعدها علي التواصل مع المكون العسكري في الداخل، والفاعلين في الخارج، والوقوف بصرامة ضد الفلول ومخططاتهم، هو ما جعلها محط شيطنة بدل الاستفادة من مميزاتها، لمواجهة الشياطين الحقيقين وعلي راسهم شيطان الحرب وداعميها من اعداء الانتقال.
وعلي العموم قحت مكون افرزه المجتمع بمشاكله وتعقيداته ومرحلة تطوره، لتصبح كغيرها من الكيانات والتجمعات السياسية احد مظاهر المجتمع. رغم وقوع العبء عليها كغيرها من المكونات السياسية، لمعالجة قصور المجتمع والنهوض به، كاحد وظائفها. كما لا يمكن محو تاريخ مكونات قحت ونضالاتها كافراد وكيانات ضد الانقاذ منذ انقلاب يونيو 89م. وما راكمته من خبرات سياسية وتنظيمية ونضالية لا يمكن التفريط فيها بسهولة. لنبدأ من جديد وكان التاريخ بدا مع ثورة ديسمبر وقحت ليس لها اسهام فيها! ولكن من جانب آخر، توقع خروج قحت من قانون الهامش الحاكم للقوي السياسية، ومن ثمَّ امتلاك تاثير حاسم علي الاوضاع كتاثير العسكر، هو نفسه يدخلنا في دائرة الاوهام والنيات الطيبة بعواقبها الجهنمية.
واخيرا
قد نختلف مع حماس في خطابها السياسي وتوجهاتها في كيفية تحرير فلسيطين وادارة الدولة؟! ولكن ذلك لا يمنع ان العملية العسكرية التي قام بها جناحها العسكري، سواء من جهة التخطيط والتنفيذ او النجاح وقوة التاثير، فهي تثير العجب وتحكي عن قدرات الانسان الفلسطيني، الذي تنقصه الامكانات ويعاني الحصار، ولكن ذلك لم يمنعه تحويل التحديات الي انجازات ودروس في كيفية تحويل المعاناة والظلم الي قدرة علي الابتكار ومضاعفة روح الصمود والمقاومة (لا ياس مع الحياة)؟! ولكن نقطة الضعف تجسدت في عدم حساب ردة فعل اسرائيل، وانعكاس ذلك علي الشعب الفلسطيني في غزة. اي التركيز علي الجانب العسكري واهمال حساب الكلفة السياسية والانسانية والعمرانية. وهنا نجد حماس كغيرها من الحركات المسلحة، تحتكر حق التصرف نيابة عن السكان، مع ان الاخيرين هم من يدفع الثمن! ولو ان العدو الصهيوني الاحتلالي يصعب ان يقارن باي عدوٍ آخر.
اما من جانب اسرائيل فقد دفعت ثمن الغطرسة وعدم الاكتراث بحقوق الشعب لفلسطيني واعتمادها فقط علي القوة المادية لفرط سطوتها. لتتلقي ضربة موجعة كسرت هيبتها وهشمت الصورة النمطية التي كرستها، كقوة لا تقهر وغير قابلة للاختراق. وبدل من مراجعة هذه السياسة العدوانية ليس علي الفلسطينين فقط، وانما ضاعفت فاتورتها بالتآمر علي كل الثورات ومشاريع الانتقال الديمقراطي في المنطقة، وذلك بالعمل علي اجهاضها عبر عملاءها في المنطقة من قادة بلاد وجيوش ومليشيات وتنظيمات مجتمعية! لمنع الشعوب العربية والافريقية من النهوض والمساهمة في انجازات الحياة والاستمتاع بمنجزاتها. في حين ان مراعاة الحق الفلسطيني ومساعدة شعوب المنطقة العربية والافريقية علي عيش الحياة الكريمة في اجواء الحرية والديمقراطية والتنمية، هو اكبر ضامن ليعيش الجميع في سلام، واوربا الغربية اصدق نموذج.
اما صمت المجتمع الدولي علي تجاوزات اسرائيل لكافة القوانين والاعراف والمبادئ الانسانية، وهي تشن حرب ابادة علي شعب غزة الاعزل، في حملة انتقامية رعناء. فهو يعمل قبل كل شئ علي عدم احترام هذه القوانين والمبادئ، لانها تفتقد للتعميم والحياد. قبل ان تهتز صورة العالم الغربي الجميلة، التي تتطلع لها الشعوب المقهورة. والاسوأ ان هذا الكيل بمكيالين قد يهيئ البيئة لانتاج متطرفين وارهابيين، او اقلاه قد يمنح سرديتهم التعاطف. اما المجاهرة بدعم اسرائيل علي عدوانها علي الابرياء (ولو كان الثمن انتصار انتخابي)، فهو الهمجية عينها، التي تنشرها المليشيات المنفلتة في منطقتنا المنكوبة. يا للمأساة الانسانية وهشاشة وجودها، حتي ما تتحصل عليه من مكاسب بكلفة خرافية، تثبت المحكات كم الزيف الذي يختبئ تحت قشرتها السطحية. ودمتم في رعاية الله.

abdullahaliabdullah1424@gmail.com

 

آراء