ذكرى صلاح هاشم: دبلوماسي ومثقف موسوعي مغمور

 


 

 

Khaldoon90@hotmail.com

يصادف هذا العام الحالي 2022م ، مرور مائة عام على ميلاد الدبلوماسي والكاتب والمترجم والمثقف السوداني الموسوعي الكبير السفير صلاح الدين عثمان هاشم الذين ولد بحي الهاشماب بمدينة ام درمان في عام 1922 ، وتوفي بالولايات المتحدة في عام 1988م.
وإنما وصفناه بالمغمور لأنه بالفعل كذلك للاسف الشديد. ذلك بأنّ ، معظم ابناء هذا الجيل لم يسمعوا به ولا يعرفون عنه شيئا ، بل لعل الكثيرين من ابناء الاجيال السابقة لا يعرفون عنه كثير شيء ايضا ، اذا ما استثنينا نفراً من معاصريه بوزارة الخارجية ، وربما بعض المهتمين بعالم الترجمة والدراسات الاستشراقية ، وخصوصا حركة النقل عن تراث الاستشراق الروسي على وجه التحديد.
لم ندرك السفير صلاح هاشم في سني خدمته بوزارة الخارجية ، وانما ألفيناه قد تقاعد للمعاش. بيد ان الصدفة السعيدة قد هيأت لي رؤيته والاستماع اليه لبرهة عن كثب ، لمرتين فقط خلال العامين الذين سبقا وفاته ، مرةً في مكتب السفير الاديب عبد الهادي الصديق عليه رحمة الله ، والاخرى احسبها بمكتب السفير الشاعر محمد المكي ابراهيم حياه الله وأبقاه ، وقد كانت حرفة الأدب واريحية هذين الاديبين الكبيرين ، تجرآني دائماً على الدخول عليهما غير هياب ولا وجل. ومن ذلك الحين أكننت في نفسي اعجاباً كبيراً بصلاح هاشم ، وجعلته على نحو ما ، أحد أمثالي العليا ، خصوصاً فيما ينبغي ان يكون عليه الدبلوماسي من حيث التحصيل والاطلاع والمثابرة والانتاج المفيد.
تخرج السفير صلاح هاشم رحمه الله في كلية الاداب بجامعة فؤاد الاول او جامعة القاهرة في اربعينيات القرن العشرين حيث درس التاريخ واللغات ، ثم التحق بالعمل بوزارة الخارجية المصرية وكان ذلك في اثناء فترة الحكم الثنائي البريطاني المصري للسودان ، ثم بعد ان نال السودان استقلاله في مطلع عام 1956 ، التحق على الفور بوزارة الخارجية الناشئة في السودان في ذات العام ، حيث قبل فيها بدرجة مستشار. وقد تم نقله في نفس السنة مستشاراً بسفارة السودان بموسكو بحكم إجادته للغة الروسية.
تقلب صلاح هاشم دبلوماسياً بين عدد من المواقع والوظائف بين ديوان الوزارة بالخرطوم وطائفة من بعثاتها الدبلوماسية في الخارج ، ولكنه عمل سفيرا في كل من موسكو وطهران ودار السلام ، وفقاً لما أسعفت به ذاكرة محدثي.
كان صلاح هاشم رجلا طلعة ، وقارئاً نهماً لا يصرفه عن القراءة والاطلاع اي صارف في اي وقت من الاوقات ، وقد ساعده على ذلك حذقه التام واتقانه المدهش لعدد كبير من اللغات الاجنبية ، التي لا نحسب انها قد اجتمعت او تأتت لشخص سوداني قبله ولا بعده على الاطلاق، على الاقل حتى الآن.
ولكي نقف على مصداق ما ذكرناه آنفاً عن هذه الجزئية من سيرة صلاح هاشم ، وعلى بعض الجوانب الاخرى من تلك السيرة الباذخة ، فبحسبنا أن نطلع فيما يلي على ما خطه يراع الاستاذ محمد خير رمضان يوسف ، في ترجمته لهذا العلم الفذ من أعلام السودان ومفاخره المجهولين:
" صلاح الدين عثمان هاشم 1922 - 1988. مترجم، دبلوماسي، كاتب، باحث.
وُلد في ام درمان بالسودان. تخرج في قسم التاريخ بجامعة القاهرة، ودرس اللغات التركية والفارسية والروسية في باريس وهامبورج وموسكو. عمل في السلك الدبلوماسي السوداني سفيرا. وكان عضواً في عدد من الجمعيات العلمية العالمية. وبالاضافة الى اجادته اللغتين الفارسية والتركية، كان يجيد من اللغات الاوروبية: الانجليزية والفرنسية والالمانية والروسية ، وملما بعدد من اللغات الاخرى منها اليونانية واللاتينية والمغولية القديمة والتركية القديمة والتترية ، والتركمانية ، والسويدية. وكان مندوباً لمجلة الثقافة العالمية في واشنطُن. "
( انظر ترجمته في كتاب محمد خير رمضان يوسف ، تكملة معجم المؤلفين ، وفيات:( 1977 - 1995م )، دار ابن حزم للطباعة والنشر ، بيروت ، 1997، ص 685 ).
خلف السفير صلاح هاشم عددا من المؤلفات الرائدة في مجالاتها ما بين مطبوع ومخطوط ، وان لم ينهض احد حتى الان - في حدود ما نعلم - بمهمة عمل رصد ببليوغرافي استقصائي لجملة المصنفات التي خطها يراعه. على أن أشهر عملين للمرحوم يظلان هما:
ترجمته الى العربية لكتاب: تاريخ الأدب الجغرافي العربي ، للمستشرق الروسي اغناطيوس كراتشفوسكي 1883 - 1951م، التي صدرت عن الادارة الثقافية بجامعة الدول العربية في عام 1957م ، وتعريبه لكتاب المستشرقة الروسية نينا فكتوريفنا بقولفسكايا 1894 - 1970م: العرب على تخوم فارس وبيزنطة بين القرنين الرابع والسادس الميلاديين، وقد صدرت تلك الترجمة عن المجلس الوطني للثقافة والاداب والفنون بدولة الكويت في عام 1985م.
تلك هي اذن ، محض ومضات من سيرة الدبلوماسي القدير والعالم الكبير ، السفير صلاح هاشم ، وددت ان اشير اليها في هذه العجالة ، بامل لفت الانظار اليه والى تراثه وتركته الفكرية والعلمية الضخمة ، داعياً ناشئة الدبلوماسيين وغيرهم من الدارسين والباحثين الى التنقيب في سيرته وتراثه بغرض توثيقه وعرضه وحفظه للاجيال القادمة باذن الله.

 

آراء