رد على مقالة الأستاذ/ مكي المغربي بعنوان: “حزب التحرير.. مكتب المحلل السياسي”
رد صحفي
الأخ الأستاذ مكي المغربي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
اطلعنا على مقالتكم بموقع سودانايل، بعنوان: (حزب التحرير.. مكتب المحلل السياسي)، والتي من خلالها أخذت علينا بعض المآخذ، مثل: (ومما يؤخذ عليهم أيضاً هو المزج بين التعليق السياسي، والتحليل السياسي، والموقف السياسي للحزب)، ومثل: (.. فإنهم يخلطون بين التحليل والتعليق في بيان الحزب حول أحداث اليمن)، ثم خلصت إلى: (هذا تحليل بعيد للغاية، فالسياسة البريطانية والأمريكية متطابقة..).
أولاً: نشكر لكم اهتمامكم بما يصدره حزب التحرير وتعليقكم عليه، وهو عندنا محل احترام وتقدير.
ثانياً: نحن نعلم أن التحليل السياسي غير التعليق السياسي، غير أننا حزب سياسي مبدئي لا يحلل الأحداث والوقائع ويكتفي بذلك فقط، كما يفعل الأكاديميون، وكذلك لا يعلق عليها - أي الأحداث والوقائع السياسية - دون تحليل، فإننا نعطي رأياً حول الأحداث السياسية الجارية، لذلك نحلل الأحداث ثم نعلق عليها من منطلق مبدئي هو العقيدة الإسلامية، ولذلك ليس هناك خلط كما ورد في مقالتكم.
ثالثاً: إن الوقوف على الوقائع السياسية والحكم عليها، يحتاج لمعرفة دقيقة بالسياسة الدولية، وربط هذه الوقائع بالمعلومات السياسية، وربطها بأحداث ووقائع سابقة، يعطي الحكم الصحيح، لأن الأحداث السياسية والوقائع السياسية لا يحكم عليها في ظاهرها، وإلا كان حكماً سطحياً، فإنها تحتاج إلى العمق، وربما الاستنارة، وهذا الحكم لا بد أن يكون من زاوية خاصة، ونحن بوصفنا مسلمين ننظر للأحداث والوقائع السياسية من زاوية العقيدة الإسلامية.
بيد أننا حزب سياسي مبدئي يسعى للنهضة على أساس الإسلام، ولذلك يعمل حزب التحرير على إيجاد الوعي السياسي عند الأمة بتثقيفها بأفكار الإسلام وأحكامه أولاً، لا باعتبارها نظريات مجردة، بل بتنزيلها على الوقائع والأحداث، وبتتبع الأحداث السياسية، لا كما يفعل الصحفيون لمعرفة الأخبار ونقلها، بل بالنظرة إليها من زاوية العقيدة الإسلامية لإعطائها الحكم الذي نراه، أو لنربطها بغيرها من الأحداث والأفكار، أو نربطها بالأعمال السياسية التي تحدث أمامنا. هذا هو الطريق الوحيد الذي يوجد الوعي السياسي عند الأمة، وهذا ما يفعله حزب التحرير، فنحن لا نعطي رأياً سطحياً أو انطباعياً، وإنما نتعمق في فهم الوقائع والأحداث مما يمكّننا من التحليل العميق والدقيق للواقع وللأحداث السياسية.
من هذا المنطلق كان تحليلنا للأحداث الجارية في اليمن، وحتى يفهم الأمر بوضوح نستعرض الأمور الآتية:
1- لقد استقر نفوذ الإنجليز في اليمن في العقود الأخيرة وبخاصة منذ تولي علي صالح السلطة في 1978م حيث قام بقصقصة، بل بقطع، أجنحة النفوذ الأمريكي في اليمن، وطارد عملاءها وأتباعها، وكادت تصبح الطبقة السياسية الفاعلة في اليمن خالصة للإنجليز وعملائهم... وقد استمر هذا الأمر حتى أحداث الربيع العربي سنة 2011 في اليمن، حيث انتفض الناس على علي صالح لطغيانه وتفرده في الحكم، وكانوا في تحركهم قد تأثروا برياح التغيير في البلاد العربية الأخرى، غير أن عدم الوعي السياسي عند الجماهير المنتفضة قد مكَّن الأطراف الأخرى، وبخاصة أمريكا وأحلافها: إيران إقليمياً والحوثيون والحراك الجنوبي محلياً، من استغلال الأحداث الجارية حيث رأت أمريكا فيها فرصة مميزة، فلأول مرة تهتز بشدة سلطة صالح، وتضعف قبضته على الحكم، وتَتخلخل مؤسسات السلطة.
2- بدأت أمريكا بالتحرك الجاد لإقرار حل للأحداث يناسبها عن طريق سفارتها ومبعوثيها، بالإضافة إلى أتباعها المحليين، وقد أحست بريطانيا فعلاً بأن أمريكا جادة في ذلك، فسارت على أسلوبها المعتاد، وهو أن تبادر هي إلى حل يحافظ لها على نفوذها ويكون فيه مسايرة لأمريكا وإرضاء لها بإعطائها شيئاً لا يُفقد بريطانيا نفوذها في اليمن، فحركت أدواتها في دول الخليج، وأطلقت في بداية نيسان/أبريل عام 2011 المبادرة الخليجية التي تقضي بتنحي علي عبد الله صالح والتعهد بعدم ملاحقته قضائيا وتسليم صلاحياته لنائبه عبد ربه منصور هادي الموالي لها، وبعد ذلك تجري انتخابات في غضون شهرين، ومن ثم يشرع بالعمل لوضع دستور جديد. وقد وافقت أمريكا على المبادرة في خطوة تعدها مرحلية لإبعاد علي عبد الله صالح فهي كانت ترى فيه رجل الإنجليز القوي في اليمن وأما هادي فرأته ليناً يسهل عليها التعامل معه وفق مصالحها أكثر مما كان يمكنها ذلك مع علي صالح، وقد نقلت وكالة اليمن الإخبارية/ رويترز في 14/8/2013 ما يدل على ذلك، فقالت: "تجد واشنطن أن هادي شريك يمكن التعامل معه بسهولة أكبر من صالح". ومن ثم كانت أمريكا ترى إمكانية إضعاف نفوذ بريطانيا في اليمن بعد التخلص من عميل الإنجليز القوي علي عبد الله صالح. واعتبرت أمريكا المبادرة خطوة مرحلية تريد منها ليّ عنق المبادرة لتحسينها أو إلغائها بوسيلتين: الأولى تشجيع أتباعها وبخاصة الحوثيون لرفض المبادرة والتشويش عليها، والثانية أرسلت رجلها جمال بن عمر كمبعوث للأمم المتحدة، أو بالأحرى لأمريكا، لإدارة شئون المبادرة بالشكل الذي يحقق مصالح أمريكا كاملة، أو بشكل جزئي فاعل.
وهكذا أصبحت المبادرة كالكرة تتقاذفها الأرجل، فمن جانب فإن بريطانيا وأتباعها في الخليج قد أمسكوا بخيوط الحل عن طريق المبادرة الخليجية، وأوجدوا لها رأياً عاماً جعل أمريكا تقبل بها، ومن جانب آخر فإن أمريكا تراها خطوة كسبت من خلالها التخلص من علي صالح العميل البريطاني الصلب، حيث إن خلفه هادي وإن كان من أتباع الإنجليز إلا أنه أقل وطأةً وأليَن عريكة ما يمكِّن أمريكا من أن تغير من شروط المبادرة أو تعطل تنفيذها أو تلغيها، وذلك عن طريق القوة من الحوثيين والحراك، وعن طريق الأعمال التفاوضية من خلال أحد رجالها "جمال بن عمر"... وبعبارة أخرى، فإن بريطانيا رأت في المبادرة إنقاذا لنفوذها والمحافظة عليه، فهادي من رجالها، والوسط السياسي من صنائعها، وفي الوقت نفسه تُرضي أمريكا لعل ذلك يخفف من ضغوطها... وأمريكا وافقت عليها مرحلياً لتنتقل من خلالها ليكون لها النفوذ الفعلي في اليمن...
3- لقد أدركت بريطانيا أن أمريكا جادة باستعمال القوة للوصول إلى مكاسب ذات شأن في حكم اليمن، وأن للحوثيين قوة مؤثرة من سلاح وعتاد زودت به عن طريق إيران... وإدراك بريطانيا لهذا الأمر جعلها تسير في مقاومة ذلك بخطين: الأول: أن يبذل هادي الوسع في استغلال منصبه كرئيس لعدم تمكين الحوثيين من السلطة الفاعلة، والخط الثاني إدخال علي صالح كشريك للحوثيين وكأنه يعارض حكم هادي، والبعض من أنصاره انضموا للحوثيين وهم يحملون راية المؤتمر الشعبي العام (حزب الرئيس اليمني السابق). وعندما سئلت السفيرة البريطانية عما إذا كانت تتواصل مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح قالت: "ليس لدي علاقة مباشرة مع علي عبد الله صالح، ولكن لدي تواصل مع حزب المؤتمر الشعبي العام بما في ذلك مع أطراف مقربة منه". (27/9/2014 الشرق الأوسط) فيفهم من ذلك أن بريطانيا هي التي أوعزت لعميلها علي صالح أن يتعاون هو أيضا مع الحوثيين حيث اعترفت السفيرة البريطانية بتواصلها مع حزب علي صالح وهو الذي يدير الحزب ويتحكم فيه ولا منافس ولا معارض له فيه. وكذلك قال الناطق الرسمي باسم الحوثيين محمد عبد السلام: "نعتبر صالح لم يكن له أي دور من بعد ثورة فبراير 2011 وما قبل ذلك، ونتمنى أن تعالجه مخرجات مؤتمر الحوار". (23/9/2014 السياسة الكويتية) وهذا يُظهر نظرة الحوثيين الإيجابية أيضا نحو علي صالح، ما يؤكد أن الإنجليز أوعزوا لعلي صالح ولحزبهم الحاكم حزب المؤتمر الذي يتزعمه علي صالح أن يتخذوا هذا الموقف ويتعاونوا مع الحوثيين خلال دخول العاصمة حتى إن محسن الأحمر مستشار الرئيس هادي لشؤون الدفاع والأمن الذي قاوم الحوثيين في البداية كما ذكر الناطق الرسمي باسم الحوثيين قد توقف عن مقاومة الحوثيين وخرج خارج البلاد ولجأ إلى النظام السعودي، وقد ذكر بعد ظهوره في السعودية حيث شكرها لحمايتها له، ذكر أن سبب خروجه هو: "قررنا بعد التشاور مع فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي أن نتجنب الحرب الأهلية بأي ثمن". (26/9/2014 العربي الجديد) وهكذا فإن بريطانيا تزج ببعض رجالها للاشتراك مع الحوثي وتُبعد بعض رجالها الذين قاوموا الحوثي...
وهذه الإجراءات من بريطانيا لزج علي صالح مع الحوثيين هي حتى إذا لم يتمكن هادي من استغلال منصبه كرئيس في منع أمريكا وأشياعها من الوصول الفعلي للحكم فإن علي صالح يكون شريكاً فاعلاً مع الحوثيين ومن ثم يبقى نفوذ الإنجليز موجوداً في اليمن وبخاصة وأن الحوثيين لا تأييد شعبياً لهم يجعلهم حكاماً منفردين لليمن...
4- وفي هذه الأجواء، أجواء القوة الحوثية المدعومة من أمريكا سياسياً وأمنياً، وأجواء الدهاء السياسي والمداراة البريطانية... في هذه الأجواء اقتحم الحوثيون صنعاء، ولما حاول الجيش أن يقاومهم تدخل جمال بن عمر بحجة التفاوض ومنع ذلك، واستغل الحوثيون هذه الأجواء لصالحهم واستولوا على المباني الحكومية، التي شملت مبنى رئيس الوزراء، ومركز قيادة الجيش، ومجمع التلفزيون... وهاجموا بعض المباني وعاثوا بمحتوياتها وأصبحت العاصمة كلها أو جلها بقبضتهم... وفي هذه الأجواء أيضاً عمل جمال بن عمر بوسائل الضغط المختلفة لعقد اتفاقية السلام والشراكة الوطنية، وكان واضحاً منها دخول النفوذ الأمريكي إلى اليمن بشكل لا يخفى، فقد جاء في الاتفاقية بعض المكاسب للحوثيين، فمثلاً جاء في بنود الاتفاقية "تعيين مستشارين سياسيين جدد لرئيس الجمهورية من حركة الجنوب والحوثيين"، "يضع المستشارون السياسيون لرئيس الجمهورية معايير المرشحين للمناصب في الحكومة الجديدة"، "يختار رئيس الجمهورية وزراء الدفاع والمالية والخارجية والداخلية شرط توافقهم مع المعايير المدرجة أعلاه، إضافة إلى عدم انتمائهم أو ولائهم إلى أي طرف سياسي."، "يكون رئيس الوزراء محايداً بدون أي انتماء حزبي"... واعتبر الحوثيون أن هذه الاتفاقية قد ألغت المبادرة الخليجية، فقد صرح الناطق باسم الحوثيين محمد عبد السلام أن المبادرة الخليجية انتهت إلى غير رجعة، مشيراً إلى أن اتفاق السلم والشراكة الذي وقع في دار الرئاسة الأحد الماضي 21/9/2014 يوثق عقداً سياسياً بشراكة سياسية جديدة ترتكز على مخرجات مؤتمر الحوار وتلبية للمطالب الشعبية. (نبأ أون لاين 25/9/2014).
ومع ذلك فقد بقيت السلطة الرسمية بيد بريطانيا عن طريق الرئيس هادي، وبعض الوزارات المهمة... وكما قلنا آنفاً فإن بريطانيا جعلت مدخلاً لعلي صالح مع الحوثيين كخط رجعة لنفوذها إن لم يستطع هادي استغلال سلطته الرئاسية بالحد من التدخلات الفاعلة للحوثيين في الحكم. وهناك ملحق أمني للاتفاقية رفض توقيعه الحوثيون ابتداءً ولكنهم وقعوه بعد نحو أسبوع عندما أجَّل هادي اختيار رئيس الوزراء لعدم توقيع الحوثيين الملحق الأمني، أي أن الرئيس قد استغل هذه المرة سلطته الرئاسية بتأجيل تسمية رئيس الوزراء لرفض الحوثيين توقيع الملحق الأمني فوقعوه مع أنهم حتى الآن لم ينفذوه عملياً! وإنما وقعوه بعد أن أحرجهم تأخير تسمية رئيس الوزراء، فرأى جمال بن عمر أن يوقع الحوثيون الاتفاق ويكون الأخذ والرد في تنفيذه وليس في توقيعه! وهكذا فقد صرح جمال بن عمر أن جماعة الحوثي قد وقعت على الملحق الأمني لاتفاق السلم والشراكة بعد أسبوع من رفضها التوقيع عليه، وأكد ذلك الناطق الرسمي باسم الحوثيين محمد عبد السلام قائلا: "إنه تم التوقيع على الملحق الأمني بعد إجراء تعديلات بسيطة" (27/9/2014 وكالة خبر للأنباء) ويبدو أن لإيران دوراً كذلك فقد جاء التوقيع بعد يومين من قيام السلطات اليمنية بالإفراج عن اثنين من خبراء الحرس الثوري الإيراني المتهمين بالتجسس وتدريب المسلحين بالإضافة إلى الإفراج عن ثمانية آخرين أدينوا بتهمة تهريب السلاح من إيران إلى الحوثيين! وقد اهتمت بريطانيا بضرورة التنفيذ وليس مجرد التوقيع، فقد عبرت عن هذا الموقف السفيرة البريطانية في اليمن جين ماريوت حيث "طالبت الحوثيين أن يحترموا ما وقعوا عليه وذلك بسحب قواتهم من شوارع صنعاء ومن المعسكر المحيط بها". وقالت: "إننا نريد أن نراهم يتركون (صنعاء) عاجلا بدلا من آجل، وأن يتركوا الأمن للقوات الأمنية اليمنية بينما نحن نقبل بأن الحوثيين وغيرهم لديهم دور شرعي يلعبونه في اليمن. عليهم الانسحاب من شوارع صنعاء عند تعيين رئيس الوزراء الجديد وسننظر عن قرب إلى ذلك مع التوقع أن يفعل الحوثيون ذلك، وإن لم يفعلوا فسنعتبر ذلك خرقا للاتفاق". (27/9/2014 الشرق الأوسط).
5- لقد كشف هادي كثيراً من الضغوط التي وقعت عليه، فقد جاء في خطابه أمام المسئولين من رؤساء ووزراء ونواب في نظامه في 23/9/2014 أي بعد توقيع الاتفاقية بيومين كما نقلته وكالة الأنباء اليمنية سبأ ما يلي: "أخاطبكم في هذه اللحظة العصيبة من تاريخنا اليمني وأنا مدرك تماما صعوبة الأيام الفائتة، وأدرك أنكم جميعا تشعرون بالصدمة مما حدث ومن تسليم بعض مؤسسات الدولة ووحدات الجيش بالصورة التي شاهدناها، ولكن عليكم أن تعرفوا أيضا أن المؤامرة قد كانت فوق التصور، وأننا طُعِنّا وغُدرنا". وقال: "إنها مؤامرة تعدت حدود الوطن، تحالفت فيه قوى عديدة من أصحاب المصالح التي فقدت، ومن الانتهازيين الذين نراهم في كل فاجعة يأكلون من كبد هذا الوطن". (23/9/2014 وكالة الأنباء اليمنية /سبأ). وكان هادي قد هاجم إيران كما جاء في (العصرية نت بتاريخ 15 أيلول/سبتمبر 2014) قائلاً: «حذرنا مرارا من أي تدخل في شؤون اليمن الداخلية، ولكن ما يحدث ربما هي رسائل من أجل فرض الهيمنة الإقليمية وتعريض اليمن للمخاطر الكبيرة، وهناك أدلة تثبت تدخل إيران في شؤون اليمن».
6- لقد باركت أمريكا الاتفاق ما يدل على أنها تؤيد كل ما حدث، وأنها أرادت أن يدخل الحوثيون العاصمة، ويجري الاتفاق معهم تحت ضغط السلاح، وقبولهم كمكوِّن سياسي ذي شأن... فقد قالت مستشارة الرئيس الأمريكي لشؤون مكافحة الإرهاب ليزا موناكو في مكالمة هاتفية من البيت الأبيض مع الرئيس اليمني هادي "إن هذا الإنجاز (توقيع الاتفاق) سيمثل الركيزة الأساسية التي بنيت على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل". وقالت "إن الولايات المتحدة تتابع الأحداث عن كثب خطوة بخطوة" (24/9/2014 يمن ستريت عن المؤتمر نت) وهكذا يكون كل ما حدث قد تم بضغط من أمريكا لتملي على النظام الاعتراف بالمكون الحوثي التابع لإيران كمكون من مكونات التركيب السياسي في اليمن على الرغم من تسليحه، وذلك لتعمل أمريكا على تسخيره لتنفيذ مخططاتها هناك كما فعلت في لبنان مع الأحزاب السياسية المسلحة التابعة لإيران.
وهناك أمر تسعى إليه أمريكا في اليمن ويجعلها تهتم بأن يكون اليمن طوع بنانها، ليس لموقعه الاستراتيجي فحسب، بل لما نُشر من تقارير تشير إلى أن اليمن تقع على ثروة نفطية وغازية هائلة فقد (كشفت "سكاي نيوز" محطة التلفزيون الأميركية، أن أكبر منبع نفط في العالم يصل إلى مخزون نفطي تحت الأرض هو في اليمن، ويمتد قسم منه إلى السعودية
بجزء بسيط على عمق 1800 متر، إلا أن المخزون الكبير هو تحت أرض اليمن... (موقع اليمن السعيد 8/1/2013). ومع أن وزارة النفط اليمنية نفت تقرير سكاي نيوز كما جاء في (موقع وزارة النفط والمعادن اليمنية 13/1/2013) إلا أن خبر سكاي نيوز يبقى موضع اهتمام وبخاصة عند الدول المستعمرة مثل أمريكا، ولذلك فإن علاقات السفير الأمريكي مع وزارة النفط اليمنية هي علاقات دافئة! وقد نقلت (سبأ نت 15/9/2014) عن لقاء السفير الأمريكي في اليمن مع وزير النفط في الوزارة في 15/9/2014، نقلت ما يلي: "أشار السفير الأمريكي إلى رغبة العديد من الشركات الأمريكية لقاء المختصين في وزارة النفط والمعادن على هامش مؤتمر أبو ظبي الدولي للبترول الذي سينعقد في نوفمبر 2014م... لافتا إلى مؤشرات توسيع الاستثمار في القطاع البترولي في اليمن خصوصا وأن الكثير من المناطق ما زالت قيد الاستكشاف"، وكل هذا يزيد من اهتمام أمريكا باليمن.
7- والخلاصة:
أ- إن الصراع في اليمن مستعر بين فريقين: أمريكا والأتباع والعملاء، وبين بريطانيا والأتباع والعملاء، وكل من الطرفين يستعمل وسائله وأساليبه... أما أمريكا فتسير بمنطق قوة الحوثيين والحراك الجنوبي وإيران، بالإضافة إلى أسلوب التفاوض لتحقيق المكاسب عن طريق جمال بن عمر... وأما بريطانيا فتسير بمنطق الدهاء السياسي عن طريق استغلال هادي لسلطته الرئاسية ومداراة أمريكا لاتقاء ضغوطها، ودون تمكينها من المناصب الحساسة في الحكم، ثم عن طريق زج علي صالح ورجالاته مع الحوثيين حتى إذا فشل هادي ورجحت كفة الحوثيين كان لبريطانيا في الحكم نصيب، وأي نصيب، عن طريق علي صالح ورجاله.
ب- إن الحوثيين ليس لهم سند شعبي كاف لحكم اليمن، وما دام الوضع كذلك فإن عنصر القوة لا يكفي للإمساك بالحكم في اليمن واستمراره، وبخاصة وأن الطبقة السياسية ليست معهم، وإيجاد طبقة سياسية جديدة فيه صعوبة حسب الظروف الحالية... وأما هادي وجماعته فمع أن لهم وسطاً سياسياً إلا أن هيبتهم قد اهتزت بفعل التطورات الأخيرة، وهذا سيؤثر في نزول النفوذ الإنجليزي عن تفرده الكامل كما كان في اليمن خلال العقود الماضية، ولذلك فليس من السهل على بريطانيا وعملائها أن يمسكوا بالحكم وحدهم كما كان سابقاً ويستمر هذا الحكم.
ج- إن هذا يعني أن الحل المتوقع في اليمن هو الحل الوسط بين أمريكا وبريطانيا على طريقة الرأسماليين، فيكون الحكم مشتركاً بين الأطراف... والحل الوسط عادة لا يدوم عندهم إلا كاستراحة محارب إلى أن تستطيع أمريكا أو بريطانيا أن تحسم الموضوع إلى جانبها، أي أن الأحداث في اليمن ستستمر متقلبة، تهدأ حيناً، ثم تشتد حيناً آخر وفق ميزان القوى السياسية والعسكرية عند المتصارعين.
د- بناء على ما سبق فيمكن الاستنتاج بأن الأمور في اليمن هي في تصاعد دون أن تستقر على نحو حاسم إلا في حالتين: الأولى: أن تتمكن أمريكا أو بريطانيا من حسم الأمور لصالحها، ومن ثم تهيمن على النفوذ الفعلي في اليمن. وليس هذا الأمر سهلاً كما بيَّنا آنفاً، والثانية: أن يكرم الله هذه الأمة بالخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فتدوس نفوذ الكفار المستعمرين وتقلع جذورهم من البلاد وتقضي على شرورهم بين العباد، فيذل الكفر وأهله، ويعز الإسلام وأهله، ويفرح المؤمنون بنصر الله ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾... وحقيقٌ بأهل اليمن أهل الإيمان والحكمة، أن يقيموا هذا الأمر فيفوزوا في الدارين، والله يتولى الصالحين.
أما أن سياسة بريطانيا متطابقة مع سياسة أمريكا فهذا يحتاج لمراجعة، فأمريكا اليوم هي الدولة ذات التأثير الأقوى في السياسة الدولية، بل تكاد تكون المتحكم الوحيد في الموقف الدولي، إلا أن بريطانيا التي كانت دولة عظمى قبل الحرب العالمية الثانية، لا يتصور أن تنزوي وتصبح تابعاً لأمريكا، رغم أنها تعلم أنها لا تستطيع أن تزاحم أمريكا على مركز الدولة الأولى، ولذلك لا نقول إن سياستها تتطابق مع أمريكا، ولكنا نقول إنها تجاري أمريكا ولا تصطدم معها مباشرة في حلبة الصراع على النفوذ والمصالح في بلاد المسلمين، فبريطانيا تستخدم في ذلك عملاءها القدامى في المنطقة، الذين يدينون لها بالولاء، ويحنون رؤوسهم أحياناً للعاصفة الأمريكية حتى لا يفقدوا كراسيهم المعوجة قوائمها.
مع خالص ودي وتقديري
إبراهيم عثمان أبو خليل- الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
spokman.sd@gmail.com