زيارة اخرى للتاريخ: بزوغ الامبراطورية العربية الاسلامية (٣-٩)

 


 

 

تلعب الجغرافيا السكانية، خاصة العنصر العربي، عاملا مهما في تكوين الدول التي تقع غرب السودان. ففي تشاد تعتبر المجموعات العربية امتدادا لعناصرها في السودان من قبائل التعايشة والماهرية والهبانية والمحاميد والسلامات وغيرها، وهي اقليات كبيرة في مالي والنيجر وغيرها

في الفاتح من سبتمبر ١٩٦٩ تسلق ضباط احرار عروبيين السلطة في بنغازي ليبيا بقيادة احد ابناء الجنوب الليبي -سبها- العقيد معمر القذافي. عند التاسعة والعشرين كانت لديه احلام ان يكون امبراطورية قومية عربية على خطى مثاله جمال عبد الناصر. فشلت محاولاته في فرض الوحدة مع مصر وليبيا والسودان، ثم ليبيا وتونس، وليبيا وسوريا.

في اوائل السبعينات شكلت ليبيا الفيلق الاسلامي العربي، وكانت عبارة عن قوات شبه عسكرية تضم كل العرب من الدول المجاورة من تشاد لمالي والنيجر وغيرها من الدول التي عرفت لاحقاً باسم دول الساحل والصحراء، وكانت تجسيداً لحلم القذافي بانشاء دولة الساحل العربية الاسلامية ضمن مفاهيم ايمانه بالتفوق الثقافي العربي.

كان على قمة أولويات الفيلق تشاد ثم السودان. فلقد دعم القذافي في السودان ماعرف بقوات المرتزقة ١٩٧٦ التي تكونت من الاحزاب الممثلة للعروبية الاسلامية لاحتلال الخرطوم (الامة والاتحادي والكيزان). عند فشلها تبنى إنشاء التجمع العربي في دارفور والتي وصفت بانها "منظمة عربية عنصرية مقاتلة تقوم بتأكيد الشخصية العربية للاقليم". وقد خاض هذا التجمع (كان اغلب قادته من الاخوان المسلمين ومقاتليه من المجموعات العرقية العربية في دارفور وكردفان وبمعاونة عرب دول الساحل) وخاضت حرباً اهلية ضد القبائل الافريقية وكانت تتلقى الدعم والتدريب والسلاح من ليبيا التي تواجدت في منطقة ساق النعام بدعوى التطوير الزراعي. احتفظ الفيلق بقوة قوامها ألفا محارب في دارفور. لكن الغارات المستمرة تقريبًا عبر الحدود ساهمت إسهامًا كبيرًا في حدوث صراع عرقي منفصل داخل دارفور أودى بحياة ما يقرب من 9 آلاف شخص ما بين عامي 1985 و1988.

بعد استقلال تشاد، وبعكس السودان، كان جنوب تشاد هو الاكثر تنظيماً وادارة وتعليماً وتنمية ويتكون من مجموعة السارا السكانية المسيحية والذي تولى منهم تمبلباي السلطة حتى اغتياله عام ١٩٧٥. كان تدخل ليبيا في تشاد اكثر تاثيراً، فقد تدخلت لتعديل معادلة السلطة بشكل عسكري وغزو لايصال العنصر العربي للسلطة. وخلال سنوات السبعينات والثمانينات احتلت شمال تشاد، ثم تدخلت في معارك عسكرية لتاييد جوكوني عويدي واصيل احمد ولكنها هزمت في معركة فيالارجو (وقع فيها العقيد خليفة حفتر في الاسر). لم تستقر الامور في فترة حسبن هبري والذي دعمته فرنسا والولايات المتحدة.

في بداية التسعينات تمرد ادريس دبي (وهو من زغاوة تشاد والتي كان يعدها القذافي ضمن القبائل العربية) على حكومة حسين حبري وهزم لكنه استطاع الوصول للسلطة بمساعدة نظام الانقاذ وحياد فرنسا بين المتقاتلين. قام القذافي بحل الفيلق عقب هزيمته في تشاد عام 1987 وانسحاب ليبيا منها. ولكن لا زال من الممكن اقتفاء أثره في تلك المنطقة. ويقال أن بعض قادة الجنجاويد كانوا بين من تدربوا في ليبيا.

لقد خلف الفيلق تأثيرًا كبيرًا على العرب الذين يعيشون في مالي والنيجر. فلقد جعلت سلسلة القحط الشديد العديد من الشباب يهاجرون إلي ليبيا حيث تم تجنيد عدد منهم في الفيلق، ولقد غُرست في أذهانهم فكرة الرؤساء بالوراثة ومحاربة الحكومات التي تستثنيهم من الحكم. وبعد حل الفيلق، عاد هؤلا الرجال إلى بلادهم ليلعبوا دورًا مهمًا في حركات التمرد التي اندلعت في الدولتين.

لقد بدأ الديكتاتور القذافي وضع اساس الفكر الامبراطوري للعنصر العربي وشجعه وموله بل وفتح بنك الساحل والصحراء لخدمة هذ الغرض وتقابل هذا مع رغبة فرنسية للتخلص من العنصر العربي بدفعهم نحو الشرق في السودان. هذه الفكرة ترعرعت وتشعبت حتى اصبحت مشروعاً استيطانيا كاملا حمل لواءه الاخير ال دقلوا وتراص ورائه من يحلمون بالامبراطوريات. وتتحقق جدلية هيجل في الانحطاط الذي يقود لانحطاط اكثر ترويعاً قبل ان يتبدل لدورة حضارية مزدهرة.

من المهم ان نتذكر ان فشل محاولة ليس معناها موت الفكرة، لذلك علينا ان نفكر معا كدول ساحل ان نغير البيئة التي انتجت الفكرة وتحويل المجموعات السكانية العربية من فئة مهملة ومهمشة وجاهلة الى دمجها في مجتمعاتها وقبولها باسس التعايش المتنوع. وجاء موقف شعب وحكومة تشاد الاخوي ليفتح الابواب نحو بناء رؤية متكاملة للتعاون من اجل نهضة شعوبها، والتي اثبتت الاحداث انها مرتبطة جغرافيا وتاريخيا بشكل لاينفصم.

Dr. Amr M A Mahgoub
omem99@gmail.com
whatsapp: +249911777842

 

آراء