زيارة اخرى للتاريخ: جيش القائد العام (٧-٩)

 


 

 

عندما استشهد عبد الفضيل الماظ على مدفعه وكون الاستعمار قوة دفاع السودان، كونه كجيش خاص بحاكم عام السودان وحماية الدولة الاستعمارية لكن بقوانين واسس والقاب حديثة. في الحقيقة سلطات "القائد العام" هي سلطات رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء في كل دول العالم عند خروج الاستعمار نقلت السلطة من الحاكم العام للقائد العام وظلت كذلك حتى اليوم.

عند الاستقلال كان الجيش السوداني في حاجة لتغييرات هيكلية واعادة بناء على اسس وطنية، والغاء منصب "القائد العام". كانت هناك نافذة عامين للحكومة الوطنية اللاطائفية في وضع برنامج تغيير مؤسسة الجيش، لكن غياب الرؤية والكسل الذهني والعبودية الفكرية للاستعمار انتهت باول استلام لسلطة القائد العام للسلطة - الفريق عبود- في نوفمبر ١٩٥٨م. وسهل من هذا ان الدولة كانت عروبية اسلاموية في نظامها الفكري.

منذ الاستقلال كان جيش السودان يتصرف كمنظومة خاصة موجهة طاقاتها لخدمة اغراض "القائد العام". وطوال تاريخه كان سلاحه موجها ضد شعبه في حروب الجنوب والتي مورست فيها كل الجرائم ضد الانسانية وبعدها في دارفور وكردفان والنيل الازرق واخيراً في ساحة الاعتصام وبعدها.

لم يكن لدي قادة ثورة اكتوبر اي برنامج اصلاحي للجيش بشكل رؤيوي، فظلت تابعة للقائد العام والذي يتمتع بسلطات لاتفوقها اي سلطة في جهاز الدولة. وقد جاءت الدولة بعد اكتوبر بنفس الفكر العروبي الاسلاموي وواصلت نهجها في حل المشكل الوطني في ما عرف بمشكلة الجنوب باستعمال سلطة الجيش الباطشة لحل قضية سياسية بالاساس. كان هذا الدافع الاكبر لتدخل جيش "القائد العام" في السلطة في انقلاب مايو ١٩٦٩ م.

رغم الشعارات البراقة فقد كان هناك ثابت واحد وهو عدم المساس بسلطات "القائد العام" وعلى امتداد ١٦ عاما كان جيش القائد العام تميل معه يسارا ويمينا. جاء الطرح الكيزاني بعد انقلاب الانقاذ ان يتم تغيير جيش القائد العام -خاصة ضباطه- تابعة لحزب السلطة باعتبارها جيش الدولة. وطوال تاريخ الانقاذ إحتفظ مجرم الحرب ضد الانسانية على سلطات "القائد العام" ولم يتنازل عنها مطلقاً. استمر الجيش في عهد الانقاذ ومال معه عندما تخلص من العراب الترابي واودعه اخوان الامس المعتقلات.

ليس مشكلة الجيش السوداني ان قادته كيزان، فهم كغيرهم مجرد تروس في يد "القائد العام" والسلطات التي تجعلهم يظلون هناك هي سلطات "القائد العام". بعكس ما حدث في السودان حدث في التاريخ ان الجيش الاحمر كان جيش حزب الدولة الشيوعية، لكن بنائه تم على اساس التبعية للدولة، وعندما انهار الجهاز السوفيتي السياسي انهار حيش الدولة بعد محاولة محدودة للانقلاب على التغيير.

وضح هذا جليا في الحرب الاخيرة: جيش "القائد العام" او ما يطلق عليه حالياً جيش الكيزان، لان " القائد العام" يستعين بهم وهو على علم انهم يعملون لمشروعهم الخاص. اما عصابة الجنجويد فهي شيدت على نفس المفهوم: سلطة زعيم القبيلة وتم تربيتها وتدريبها وتسليحها من سلطة القائد العام.

بعد ثورة ديسمبر الكبرى تحولت سلطات "القائد العام" من البشير الى البرهان وكان في مقدوره لوحده حسب سلطاته ان يتخذ ما يشاء من القرارات سواء التخلص من جميع ضباط الكيزان بقرار واحد او اعادة مفصولي الصالح العام بقرار اخر، ان يحل الجنجويد او يعيد العسكر للثكنات.

انتبه مفصولي الخدمة العامة لذلك مبكراً لاشكالية الجيش السوداني عبر تاريخه في انه لن يحدث تغيير الا بتعديل سلطة "القائد العام"، لذلك ووضعوا في برنامجهم المعلن انذاك "الغاء منصب "القائد العام" وايلولة سلطاته لراس الدولة المدني رئيس الوزراء كقائد اعلى للقوات النظامية". كان المبدأ ان هذا القرار مع اعادة التاسيس واعادة المفصولين واصلاح وتحديث الجيش هو الذي سيحول جيش القائد العام الى جيش السودان الوطني.

الغاء منصب "القائد العام" للجيش هو احد الدروس المهمة في سودان مابعد الحرب، ورغم الاحباط وسط الثوار والمواطنين كاحد نواتج مراحل الصدمة فسوف يكون هو القاعدة التي يبنى عليها السودان للتخلص للابد من الدائرة الشريرة: انقلاب ثورة انقلاب.

Dr. Amr M A Mahgoub
omem99@gmail.com
whatsapp: +249911777842

 

آراء