زيارة اخرى للتاريخ: على تخوم القرن العشرين (٢-٩)
د. عمرو محمد عباس محجوب
29 June, 2023
29 June, 2023
عندما اعتكف الامام المهدي في مغارة جزيرة ابا، كان يطور في نظريته التي اختلطت فيها مجمل الاطروحات الفكرية للعصر الاسلامي في تدهوره ونهاياته، والصوفية المآفرقة والاساطير الشائعة والافكار المهدوية في اطارها السني وتجلياتها الشيعية. لكنه كان قد جاس ارجاء الوطن من كرري الي الجزيرة والنيل الابيض وبربر وبحكم طبيعة اهلة الدناقلة صناع المراكب النيلية كان متفاعلاً مع قضية الوطن الاجتماعية وضغط الادارة التركية القاسية واهوال جمع الضرائب اللانسانية.
كان الشريط النيلي واواسط السودان سليلاً لحكم مركزي مستقر عبر الالفيات في الممالك والسلطنات ومقترباً من العصر عبر الاستعمار التركي. وكان الوضع في سلطنات دارفور وكردفان سلالات من نظم اوتوقراطية طويلة ومجتمعات منظمة مستقرة بقوانين الارض والمراعي وسلطات المركز والاطراف. كانت الاطروحة الفكرية المهدوية غير ملائمة للوسط النيلي او السلطنات المركزية ذات التاريخ الطويل. لكنها ملائمة تماماً لمجموعات القبائل البدوية المتمردة على نظم الحكم والرافضة لاي نوع من هيمنة الدولة.
جاءت هجرة الامام المهدي لحيث تلائم اطروحته المزاج الشعبي والبنية الاجتماعية وبدأت بقدير -جاءت عكس هجرة الرسول (ص) والتي جاءت من بيئة بدوية تجارية لبيئة زراعية مستقرة وحضرية وتمور بالافكار والديانات. ورغم ان انصاره الاوائل كانوا من هذه القبائل، الا ان قادته ومفكريه كانوا من الافراد الذين احتكوا بالحكم التركي وبرقراطية الدولة والمنفتحين على العالم.
ورغم ايمان الكثيرين من افراد القبائل بدعوة المهدية اقلها فكرياً واغلبها لانها تتوائم مع نمط علاقتهم بالسلطة وطبيعة حياتهم، الا انهم كانوا متحفظين بشدة على التوجه لدار صباح وقاوموا رحلة الشرق وحدث هروب وهجرات وتمردات من كثير منهم. في حصار وفتح الخرطوم اخذت الحركة المهدية بعدها القومي بانضمام أربعة من السلالة الحضارية العريقة للوسط النيلي عثمان دقنة، محمد الخير، الشيخ المضوي عبدالرحمن والشيخ العبيد ود بدر " .
واذا اعتبرنا ماحدث في الخرطوم عند سقوطها بيد المهدي ومع اختلاف الروايات وماهو حقيقي وما هو مختلق، والتي لاتختلف كثيراً عن سرديات معظم الحروب في التاريخ، الا انها عادت كذكريات متعاكسة ومتوازية لما حدث في الخرطوم والجنجويد. سوف تبنى المدينة الجديدة على طراز ريفي ناسب القادمين الجدد. بنيتها الفكرية العروبية الاسلامية وبنيتها الاجتماعية والمعمارية قائمة على توزيع قبلي او اثني. ورغم الذكريات اللطيفة والمريرة فقد استطاعت امدرمان ان تبرز في الواقع السوداني كافضل مكان للتمازج والتعايش والمجتمع المتنوع حتى الحرب الاخيرة على الاقل.
يعد كثير من السودانيين فتح الخرطوم عام ١٨٨٥ من اتجاه الغرب تكرارا لهجرات وهجوم وتوغلات حدثت في تاريخ السودان مراراً وتكراراً منذ القدم. وترتبط في الوجدان الشعبي للوسط النيلي انتهاكاً حضارياً من مجموعات سكانية همجية ومتخلفة قياساً على عمق حضارتهم. وعندما ظهر الجنجويد في سماء السودان منذ العشرية الاولى في دارفور ومارسوا القتل والتهجير والسلب والنهب والاغتصابات في دارفور، خاصة في مناطق الفور ذات التراث الحضاري العريق، كان ذلك ايذاناً بما سيحدث لاحقاً، لكن كانت العاصمة ومواطنيها في انتظار درس قاس في التاريخ ( ان من لايقرأون التاريخ موعودون بتكراره).
Dr. Amr M A Mahgoub
omem99@gmail.com
whatsapp: +249911777842
كان الشريط النيلي واواسط السودان سليلاً لحكم مركزي مستقر عبر الالفيات في الممالك والسلطنات ومقترباً من العصر عبر الاستعمار التركي. وكان الوضع في سلطنات دارفور وكردفان سلالات من نظم اوتوقراطية طويلة ومجتمعات منظمة مستقرة بقوانين الارض والمراعي وسلطات المركز والاطراف. كانت الاطروحة الفكرية المهدوية غير ملائمة للوسط النيلي او السلطنات المركزية ذات التاريخ الطويل. لكنها ملائمة تماماً لمجموعات القبائل البدوية المتمردة على نظم الحكم والرافضة لاي نوع من هيمنة الدولة.
جاءت هجرة الامام المهدي لحيث تلائم اطروحته المزاج الشعبي والبنية الاجتماعية وبدأت بقدير -جاءت عكس هجرة الرسول (ص) والتي جاءت من بيئة بدوية تجارية لبيئة زراعية مستقرة وحضرية وتمور بالافكار والديانات. ورغم ان انصاره الاوائل كانوا من هذه القبائل، الا ان قادته ومفكريه كانوا من الافراد الذين احتكوا بالحكم التركي وبرقراطية الدولة والمنفتحين على العالم.
ورغم ايمان الكثيرين من افراد القبائل بدعوة المهدية اقلها فكرياً واغلبها لانها تتوائم مع نمط علاقتهم بالسلطة وطبيعة حياتهم، الا انهم كانوا متحفظين بشدة على التوجه لدار صباح وقاوموا رحلة الشرق وحدث هروب وهجرات وتمردات من كثير منهم. في حصار وفتح الخرطوم اخذت الحركة المهدية بعدها القومي بانضمام أربعة من السلالة الحضارية العريقة للوسط النيلي عثمان دقنة، محمد الخير، الشيخ المضوي عبدالرحمن والشيخ العبيد ود بدر " .
واذا اعتبرنا ماحدث في الخرطوم عند سقوطها بيد المهدي ومع اختلاف الروايات وماهو حقيقي وما هو مختلق، والتي لاتختلف كثيراً عن سرديات معظم الحروب في التاريخ، الا انها عادت كذكريات متعاكسة ومتوازية لما حدث في الخرطوم والجنجويد. سوف تبنى المدينة الجديدة على طراز ريفي ناسب القادمين الجدد. بنيتها الفكرية العروبية الاسلامية وبنيتها الاجتماعية والمعمارية قائمة على توزيع قبلي او اثني. ورغم الذكريات اللطيفة والمريرة فقد استطاعت امدرمان ان تبرز في الواقع السوداني كافضل مكان للتمازج والتعايش والمجتمع المتنوع حتى الحرب الاخيرة على الاقل.
يعد كثير من السودانيين فتح الخرطوم عام ١٨٨٥ من اتجاه الغرب تكرارا لهجرات وهجوم وتوغلات حدثت في تاريخ السودان مراراً وتكراراً منذ القدم. وترتبط في الوجدان الشعبي للوسط النيلي انتهاكاً حضارياً من مجموعات سكانية همجية ومتخلفة قياساً على عمق حضارتهم. وعندما ظهر الجنجويد في سماء السودان منذ العشرية الاولى في دارفور ومارسوا القتل والتهجير والسلب والنهب والاغتصابات في دارفور، خاصة في مناطق الفور ذات التراث الحضاري العريق، كان ذلك ايذاناً بما سيحدث لاحقاً، لكن كانت العاصمة ومواطنيها في انتظار درس قاس في التاريخ ( ان من لايقرأون التاريخ موعودون بتكراره).
Dr. Amr M A Mahgoub
omem99@gmail.com
whatsapp: +249911777842