سيد عبدالعزيز .. شاعر الحب والتجديد
طلال دفع الله عبدالعزيز
11 October, 2022
11 October, 2022
تنويه:-
هذه الدراسة البحثية سبق أن نشرت أجزاء منها في مقالات منفصلة في المطبوعات التالية:
1- مجلة الخرطوم العدد الحادي عشر _ أغسطس 1994 تحت عنوان "الشلوخ و الوشوم في الأدب السوداني"
2- صحيفة الرأي الآخَر العدد 349 بتاريخ 28 / 7 / 1996 تحت عنوان "الأصالة .. التأصيل و إشكالية الحداثة: محاولة لرفع الحصانة عن فن (الحقيبة) - ج1"
3- صحيفة ظلال العدد 40 بتاريخ 3 / 10 / 1996 تحت نفس العنوان السابق ج1.
4- صحيفة ظلال العدد 41 بتاريخ 7 / 10 / 1996 تحت نفس العنوان ج2
5- صحيفة ظلال العدد 60 تحت عنوان "سرد توثيقي لحياة الشاعر الراحل سيد عبدالعزيز"
كما يجب أن أنوه هنا إلى إعتمادي في كتابة تلك البحوث على المراجع و المصادر التالية:
- الشعر الشعبي في السودان / د. عزالدين إسماعيل،
- ديوان الحاردلو / د. إبراهيم الحاردلو،
- ديوان ود الرضي / أ. الطيب محمد الرضي،
- ديوان ليالي زمان / أ. سيد عبدالعزيز، و أ. عبيد عبدالرحمن،
- مخطوطات الشاعر سيد عبدالعزيز،
- كتاب مراثي شاعر / مطبعة السلام 1996،
- كتيبات لقصائد غنائية إصدار مكتبة محمود عزت المفتي - الخرطوم،
- قراءات .. مصادر شفاهية/سماعية.
تمهيد:
فن الغناء السوداني الحالي هو حلقة من سلسلة مترابطة أدت كل حلقة من حلقاتها إلى التي تليها بصورة طبيعية.
تعنينا هنا الإشارة إلى ثلاث حلقات من هذه السلسلة المتصلة، و هي:
أ- فن الدوبيت
ب- فن فترة الإنتقال
ج- فن (الحقيبة).
لكن قبل ذلك، و غض النظر عن إختلافنا الجوهري مع آراء د. عبداللطيف البوني التي وردت في سلسلة مقالاته تحت عنوان "الأغنية السودانية" بصحيفة الصباحية، الأعداد 55 إلى 62 إلا أنا نورد أجزاء منها و تعليقنا عليها و ذلك تعميماً للفائدة، و فتحاً لأبواب الدراسات الأعمق و الأكثر إستناداً على القراءات الصحيحة لتيار نهر الأغنية السودانية بتياراته المتفرعة حد المخادعة
- أن الإنسان السوداني ،مثل غيره، يغني منذ أن خلقه الله..
- لا بد من التسليم بوجود أغنية غير عربية بالسودان..
- قبل إنتشار اللغة في السودان يمكن أن نشير إلى الغناء غير العربي الموجود في السودان، أي أغاني الأطراف التي لا زالت ترطن، و منها يمكن أن نستشف تاريخ الأغنية قبل دخول العرب السودان..
- يمكننا ،و بإطمئنان شديد، أن نقول إن المديح النبوي كان طليعة الغناء العربي في السودان
- إرجاع سيطرة الأغنية العربية على الأذن السودانية إلى سببين;
* سيادة اللسان العربي
* وجود الوسائط الإعلامية من إذاعة و تلفزيون في منطقة وسط السودان (أم درمان) حيث سيادة اللسان العربي،
- إرجاع تميز الشعراء القوميين (شعراء الحقيبة) عن الشعراء الغنائيين الذين قبلهم ،كشعراء الدوبيت، إلى أنهم كانوا مستصحبين فكرة السودان الوطن، رغم أن ظروف نشأتهم أعقبت القمع الذي لحق بثوار ثورة 1924 و لذلك كانت الإنهزامية (الضعف العاطفي التسليمي) واضحةً ،إلى حدٍ ما، في أشعارهم الغنائية.
= فن الدوبيت (شعر البادية)
هناك تشابه بين شعر العرب القديم و شعر منطقة البطانة كما يؤكد بروفسور أحمد إبراهيم أبو سِن بصحيفة الطرفة العدد الرابع 13 / 9 / 1993 : (إشتُهِرَت منطقة البطانة بالشعر الشعبي، و هو ما يسمى بالدوبيت، و هو أشبه بشعر الرجز المعروف في الشعر العربي و الذي يتكون من أربع شطرات، و من أشهر شعراء الرجز رؤبة بن العجاج، و لعل هذا التشابه بين الدوبيت السوداني و الرجز العربي يوضح لنا مدى التقارب بين بئة الجزيرة العربية و منطقة البطانة من حيث الطقس و طبيعة الحياة البدوية و ما فيها من حيوان أليف و ري.
و من أشهر شعراء الدوبيت محمد أحمد عوض الكريم أبو سِن الشهير بالحاردلو المولود بالبطانة العام 1816م و المتوفي في ريرة 1916م)
= فن فترة الإنتقال
هو فن الفترة التي مهدت لظهور فن (الحقيبة) أو بالأصح الإنتقال من شعر القبائل الغنائي في البادية إلى الشعر الغنائي في المدينة، و هو الشعر الذي يقول عنه د. عزالدين إسماعيل: (إنه شعر متنوع الأشكال و الألوان، فلا يقتصر كشعر الدوبيت على وزن واحد و شكل واحد، كما إنه دقيق في إلتزامه بالأوزان و القوافي و الشكل المعماري الذي تُبنى فيه القصيدة و ليس كشعر الغناء القبلي الذي لا يلتزم دائماً بهذا الإلتزام)
نورد هذا الرأي مع بعض التحفظات التي ليس هذا مجالها، خاصةً و انه حدده تاريخياً بفترة ما بعد المهدية و أثناء الحكم الثنائي.
= فن فترة (الحقيبة)
و (الحقيبة) مصطلح شاع حتى ساد، نأخذ به رغم خطله و ذلك من باب الخطأ الشائع، و يعنى به فن الغناء السوداني الذي شكَّل الحلقة التالية لحلقة غناء الطَّنبارَة و يُؤرَّخ له ما بين أواخر العقد الثاني و حتى أواخر العقد الرابع من القرن العشرين و من شعراء هذه الفترة شاعرنا سيد عبدالعزيز.
هو سيد عبدالعزيز محمود عبدالعزيز أحمد سليمان، المولود بحي العرب - أم درمان العام 1906 (أو 1905) لأب من المواليد، مولود بمدينة الأبيض بعد إستشهاد والده محمود في معركة قدير، و ينحدر أسلافه من مصر مديرية الفيوم بلدة فرقص و أدهيت حجر، و هي قبيلة تسمى بالفِرجان و تمتد أساساً ما بين مصر و ليبيا و من أشهر شخصياتها أبو زيد الهلالي. و والدة عبدالعزيز هي السيدة فاطمة أم جاهين شاع الدين بحر الدين من الفور.
والدة شاعرنا سيد عبدالعزيز هي السيدة فاطمة إسماعيل أحمد.
عمل والده عبدالعزيز محمود موظفاً بمصلحة المعارف، ثم كاتب عوائد بزريبة المواشي - أم درمان، ثم تاجراً بمشاركة إبراهيم أحمد بابكر (الشاعر إبراهيم العبادي).
تلقى سيد عبدالعزيز تعليمه بخلوة الشيخ سيد بأم درمان، كما تلقى دروساً في اللغة العربية على يد الأستاذ عبدالرحمن حماد المدرس بمعهد أم درمان العلمي، كما تلقى دروساً في اللغة الإنجليزية على يدي أحد أصدقائه من أهالي جزيرة توتي، ثم بمدرسة سوميت، بعدها واصل بإجتهاده الخاص فإطلع على كثير من الآداب العربية و الأجنبية ما سيكون له أثرٌ واضح في إرثه الإبداعي. و يقف وراء سعيه المثابر لتعلم اللغة الإنجليزية حادث جارح تعرض له، إذ كان مستلقياً تحت عربة بمصلحة النقل الميكانيكي بغرض إصلاحها فأحس بضجيج من أحد الموظفين الإنجليز بنبرات غاضبة الذي كان ينادي عليه (دون أن يسمع) و عند خروجه أحس في لغة الموظف الإنجليزي الغاضبة ما يمكن أن يكون تجريحاً فصمم وقتها أن يتعلم هذه اللغة، و قد كان، بل أنه سيكون لهذه الحادثة أثرٌ في شعره يجر عليه إحتجازاً و تعنيفاً و غرامات مالية.
بدأ سيد عبدالعزيز كتابة الشعر في سن مبكرة، و قد ساعد في ذلك بالإجازة و الحث صديق والده و شريكه الشاعر إبراهيم أحمد بابكر (إبراهيم العبادي). و قصة ذلك أن سيد رجا الشاعر إبراهيم العبادي أن يتوسط له لدى والده أحد أتباع و شيوخ الطريقة القادرية لكي يسمح له أن يكون (مغني) أي شاعر، و قد فعلها الشاعر الكبير بعد أن طلب منه أن إسماعه شيئاً من شعره، فانبرى الفتى منشداً من شعره !خيل السحاب":-
شوف خيل السحاب في بعضها بتسابق،
و في الجو تقول دخان حريقة و عابق،
متراكم علي بعضو البعض متطابق،
يبكي علينا رحمة، و نبكي نطرى السابق.
و استزاده، فأنشد:
خَتَرَت جات تميل تنظر إلى قتلاها،
وافى الجم كتير بهواها يوت يتلاها،
دا خلاف الأسير و الأنفس الشاتلاها،
لي قلباً كسير ككثير بعزة تلاها.
و كعادة الشعراء الكبار في ذلك الوقت كان لا بد من إجراء إختبار يطمئن معه قلب المُجيز، فكان أن رسم الشاعر العبادي صورة تخيُّلية لفتاة تسير بالطريق معطياً أبعاد الوصف من قوام و ملبس و طِيب ...إلخ و قال له أن يذهب و يأخذ ما يريد من وقت، ففكر الفتى قليلاً، ثم أبدى إستعداداً لقول ذلك لحظياً، فأنشد:
خترت غصن بان من النسيم لها ميلهْ،
تتمايح طرب هي من شذاها ثُمَيلهْ،
توريك إن أقبَلَت بدر و مها و خُميلَهْ،
و إن ما أدبرَت مُهراً يخوض في رُمَيْلَهْ.
(و قد ضمَّن هذه الأبيات إحدى مسرحياته في ما بعد).
و لهذا فقد كان الشاعر العبادي كثير الترديد "أن سيد قد وُلِدَ راشداً في مجال الشعر."
قال عنه صديق عمره الشاعر عبيد عبدالرحمن: (لو أراد سيد أن يحدِّث الناس شعراً لفعل).
و إن كانت ثمةَ ملاحظاتٌ في بذرة هذا الشعر، فهي:-
1- إنه شعر تخيُّلي درج مدارج مربعات الدوبيت، أي أنه لم يخرج عن السائد من الشعر وقتها، إلا في تبنيه لغة حضرية سلسة (إنظر ،فضلاً، إجازة الشاعر ود
الرضي بواسطة الشاعر العبادي العام 1906):-
العبادي:
عكَّت جات تميل من الأرض حزَّازهْ،
زينة الخلقة داب ما حسَّبن بزَّازهْ،
دارت ليها دار و هو الفي الرزم عام زازهْ،
شفنا الدقة و الزرزور فصَل حزَّازهْ.
ود الرضي:
قادهْ غزير زراقهْ زولنا جيدا قزازهْ،
صارت تعترينا حنان و صرنا جزازهْ،
صرنا كزي زوال و العقل ذاب و إتزازهْ،
زارت الزام زبرجدا من فميله عزازهْ.
2- إنه شعر بدأ و منذ شرارته الأولى يركب مركباً صعباً، و ذلك بلزومه ما لا يلزم من ناحية القافية و حروف الرَّوي (إن صح التعبير).
3- السير على نهج السائد من الشعر (الدوبيت) من ناحية الشكل القالبي لم يحول دون توظيف المفردة الشاعرية البسيطة، و في ذلك دلالة على محاولته السير في طرق غير مطروقة، و تصميمه على المغايرة و التفرد، و تلك شهادة إثبات من ناحية أخرى بأن الشعر الجديد لم يأت منبتَّاً; بنفس القدر لم يكن ترديداً أو صدىً لما قبله بل إمتداداً و مواصلةً لرحلة الإكتشاف و التجديد. و قد ذكر سيد عبدالعزيز أنه كان مع أترابه حسن داراوي و عبيد عبدالرحمن يستمعون لما يقوله مَن سبقهم من شعراء معاصرين (العبادي و ود الرضي) بذهنية متفتحة و عينٍ ملؤها الإعجاب، ثم يأخذون في تقليد ذلك الشعر، و لأنه كان من جانبهم مجاراةً و تقليداً فإنهم لم يهتموا بحفظه.
* نظرة في حقب شعره:-
أ- شعر فترة العشرينيات:
بدأ يتضح تماسك شعره و قسمات ملامحه في فترة العشرينيات، فتناقله رواة ذلك الزمان و غناه مغنوه; من ذلك:
# زهيرة روض الجنان - كرومة 1926
في خدورك و البدر نورك، يا زهيرة روض الجنان.
# بدر حالي - كرومة 1926
يا بدر حالي و عسلوك، عجزوا البدور ما يمثلوك.
# حور الجنة - كرومة 1926
يا خلي أنا عقلي جَنَّ، حين شفتَ حور الجنة.
# أنا متذكِّر - كرومة 1926
يا ليل يا ليل أنا متذكر، غالي و حالي طيبو يسكِّر.
# ملك الحِمى - عبدالعزيز المامون 1927
ملك الحِمى و رب الجمال، أهيف مهفهف خصرو مال.
# المال بالزهور - عبدالعال الحاج 1927
فرع البان المال بالزهور، أم دي الحياة و زينة الدهور؟!
# سيده و جمالها فريد - كرومة 1929
سيده و جمالها فريد، خلقوها زي ما تريد.
في خدودها وضعوا الريد.
ملاحظات:-
هناك تطور واضح في خط بيان الإبداع، و إصرار على إصطهاء الصعب و الذي لا بد أن يلقي ببعض الظلال على مضمون القصيدة نفسها، فهذا الإلتزام الصارم بنظام ختام كل بيت من القصيدة بخمسة أو أربعة أو ثلاثة حروف تسير على نهج واحد يقيد ،و لا شك، سلاسة الإبداع و يجعل الشاعر منشغل الذهن حد الصناعة،، و السؤال هو:
إذا لم يأت الشعر مقيداً هكذا فكيف تُرى كان يمكن أن يكون؟!
2- ثمةَ أرتباطٌ وثيق بين شاعر (سيد عبدالعزيز) و مطرب (كرومة)، و يجئ ملك الساحة وقتها (سرور) متأخراً في التعامل مع الشاعر، و لعل هذا يُعزَى للصداقة التي كانت تربط ما بين عبدالعزيز محمود والد الشاعر و محمد أحمد سرور و ما يتبع ذلك من حواجز إجتماعية و نفسية، و لعله ،أيضاً، جاء لمراهنة جيل ناشئ و صاعد على مقدراته و تقارب أحلامه و مغايرته.
3- بنهاية فترة العشرينيات بدأت تتضح ملامح الشعر الجديد و تسَيُّده للساحة مقابل شعر الدوبيت و الطَّنبارَة فالقصيدة تعدَّت طور البيت و البيتين كما كان الأمر عند الطَّنبارَة، كما أنها اخترقت قالب الرباعية الذي كان يسجن شعر الدوبيت.
ب- شعر فترة الثلاثينيات
هي أخصب الفترات و أزهاها في شعر سيد عبدالعزيز، كما أنها أوفر فترات الشاعر عطاءً و تنوعاً الأمر الذي أهَّله لإحتلال رقعة كبيرة من مساحة فن الغناء، كما أن هذه الفترة شهدت أكثر أشعاره رواجاً.. إذ تغنى له كرومة:
- السادة 1930
جنن عقلي يا السادة حب الكايدة حسَّادها.
- ما اشتكيت دهري
ما اشتكيت دهري و ما بكت عيناي،
لولا هجرك لي و حبي ليك يا مناي،
ما انتهب عقلي و ما اكتسبت ضناي،
و ما التهب جوفي و ما رضيت بعناي،
لى سواكي و يا قِبلة مناي و سناي،
فيك معاني خلودي و فيك معاني فناي.
- الجنان في الدنيا 1931
الجِنان في الدنيــا و الليالي تدور،
أم دي ليلة و جمعت بين شموش و بدور.
- مكارم الأخلاق 1932
يا مكارم الأخلاق ليها مثليني،
في غاية الإخلاص و عنها أسأليني،
يا مراية الماضي عودي و أريني،
صوراً أراها اليوم في النيريني.
- من حور الجنان 1932
من حور الجنان أم أنتَ إنسان الكمال
أم أنتَ الملاك جيت توري الناس الجمال.
و فيها (الثلاثينيات) تغنى له سرور، و أكثر ما غنى له في عامي 1933 و 1934 حين كان يفكر جدياً في إعتزال الغناء:
- أنة المجروح
يا أنَّة المجروح يا الروح حياتك روح
الحب; و فيك يا جميل معنى الجمال مشروح،
من الوله للقاك دمعي الغزير مسفوح،
ناقم علي الأيام مع إنو طبعي صفوح،
إن كان تميس بنميس و إن كان تموح بنموح،
عدل الطبيعة جعل جور الحبيب مصفوح.
- حليف الصون 1934
- أقيس محاسنك بِمَن 1934
- يا مداعب الغصن الرطيب
ذلك ،و إلى جانب أغانٍ أخرى، غنى له زنقار أغنية الإنسان 1935
يا ناس بحب إنسان الحسنِ و الإحسان،
رَشَحو الندى الهتَّان هو و الزهور شتان،
هذه أمثلة، إذ أن هناك العديد من الأغاني الأخرى:
بت ملوك النيل / نظرة ياالسمحة ام عجن / أنا ما معيون / إجلي النظر يا صاحي / حاول يخفي نفسو .. و الكثير الكثير.
وقفة مع شعر الفترة
هناك ملامح فلسفية تصوفية و إستلاف قرآني، و توظيف مسميات عالمية كنيشان ممتاز القائد الحربي و جائزة نوبل و (ماتريد) و التي يُقال إنها من آلهة اليونان القديمة، و ذهب البعض إلى أنها ملكة جمال أو ممثلة سينمائية!! و لم يفلح بحثي الطويل في إثبات أي من هذه الإدعاءات، و في يقيني أن المقصود ليس (ماتريد أو ماتريت) و إنما قصد الشاعر الذي أراد أبلغ من كل ذلك حيث عنى; حسب ما تريد و تتمنى و تشتهي و تتخيل أيها الرائي الناظر إليها، إذ أن مقياس الجمال كان و سيظل أمراً و مقياساُ فردياً و هنا تكمن فرادة و عبقرية المعنى. و لعل في ذلك مناهضة للذين يقولون إنها خُلِقت كما تريد هي، فالإنسان لا يستطيع تصور كماله ليوافق كل الأذواق، فيكون المنطقي الأرجح; كما تريد أنت أيها الرائي و ليس كما تريد هي، ففي الأخيرة تجاوز و تقليل من قدرة الذات الإلهية بإنصياعها لطلب الطالب المخلوق، و هذا لا يليق بحافظ للقرآن بثلاث روايات...
كما أن الشعر إحتوى على غير مثال من التضمين (أو التدوير) ما أعطى القصيدة نَفَساً محبباً أطول إلا أن الشعر لم يخلع عنه عباءة الصرامة الشكلية تماماً، الأمر الذي سنراه في شعره فترة الأربعينيات.
ج- فترة ما بعد الثلاثينيات
"إلتقيت به (بالشاعر سيد عبدالعزيز) وجهاً لوجه مع صديق عمره الشاعر الكبير عبيد عبدالرحمن بمنزل صديقنا حافظ عبودي بالموردة في منتصف الأربعينيات، لم يكن اللقاء غريباً فقد جمع نخبة من عشاق الكلمة الغنائية في جو سامر طروب، و كان لوجود الشاعرين المجددين فيه أعظم الأثر، و قد استطعت أن ألِم إلماماً سريعاً بدورهما الكبير في الإنتقال بالإغنية السودانية من حالة الركود في أواخر الثلاثينيات إلى الحركة القوية التي شملتها مع بداية الأربعينيات، و التي كانت بمثابة العصر الذهبي للأغنية السودانية، و كان سيد عبدالعزيز و عبيد عبدالرحمن ،دون ريب، رائديه العظيمين"
الشاعر مبارك المغربي رئيس إتحاد الأغنية السودانية.
13 / 11 / 1976م.
أفرزت تلك الفترة (فترة الحرب العالمية الثانية) إلى جانب الكساد الإقتصادي إنهياراً و إضمحلالاً في القِيَم فكان أن عانى فن الغناء سقوطاً مزرياً، فانتشرت الأغنية الهابطة فعلاً لا مجازاً، و تسيدت الساحة و هذا ما دعى شعراء الأغنية السودانية وقتها للتنادي إلى إجتماع إنقاذي كانت ثمرته إنشاء "جمعية ترقية الأغاني" في العام 1944م. و على ضوء ذلك يمكن أن نجد تفسيراً لقول الأستاذ محمد خوجلي صالحين مدير إذاعة جمهورية السودان الديمقراطية وقتها: هو -سيد عبدالعزيز- مَن إنتقل بزنقار إلى الأغاني الخالدات - 1976م.
تلك فترة إلتقائه بمجدد الأغنية السودانية و معلمنها العبقري إبراهيم بابكر أبوجبل (إبراهيم الكاشف)، فكانت الحصيلة أكثر من عشر أغنيات، مثل; الليلة لاقيتو 1942م، إستبدى و صار في حُكمو قاسي 1943م، و يا حبيبي أنا قلبي حاب رحلة بين طيات السحاب، و إنتَ عارف أنا بحبك و بحلفبك..إلخ.
كما استمر تعاونه مع زنقار بأغانٍ مثل (الفنان)
يا بلبل الأفنان أسمِعنا يا فنان،
موسيقة طرب من صوتك الرَّنان.
و هي من أغاني 1949م،،
كما تغنى له رمضان حسن إلى جانب أخريات بأغنية بلادي، العام 1951م
الجمال و الحب في بلادي
الحضارة و إزدهارها و إنتشارها.
و قد أجازت له لجنة النصوص آخر قصائده الغنائية (في ملتقى النيلين) 21 / 8 / 1976م و ذلك بعد رحيله في 18 / 8 / 1976م
و قد غني له من المطربين كل من:
- كرومة، أكثر من ثلاثين قصيدة،
- سرور، عشرين و نيف،
- الكاشف، أكثر من عشر قصائد
إلى جانب كل من: عبدالله الماحي - زنقار - عبدالعال الحاج - عبدالعزيز المامون - عبيد الطيب - إسماعيل عبدالمعين - فلاح - حكومة و الطيب - الثنائي ميرغني المامون/أحمد حسن جمعة - رمضان حسن - بادي محمد الطيب - رمضان زايد - عباس سرور - إبراهيم خوجلي .. و قد آخرون.
فاقت أغاني سيد عبدالعزيز المسجلة بالإذاعة المائة أغنية.
مؤثرات في حياته و شعره
1- حفظ القرآن الكريم و الحديث الشريف،
2- حي العرب النشأة و المولد،
3- قرب شعراء; إبراهيم العبادي، ود الرضي، صالح عبدالسيد (أبو صلاح)، أحمد حسين و الهادي العمرابي، سيد عبدالعزيز
شاعر الحب و التجديد
طلال دفع الله
تنويه:-
هذه الدراسة البحثية سبق أن نشرت أجزاء منها في مقالات منفصلة في المطبوعات التالية:
1- مجلة الخرطوم العدد الحادي عشر _ أغسطس 1994 تحت عنوان "الشلوخ و الوشوم في الأدب السوداني"
2- صحيفة الرأي الآخَر العدد 349 بتاريخ 28 / 7 / 1996 تحت عنوان "الأصالة .. التأصيل و إشكالية الحداثة: محاولة لرفع الحصانة عن فن (الحقيبة) - ج1"
3- صحيفة ظلال العدد 40 بتاريخ 3 / 10 / 1996 تحت نفس العنوان السابق ج1.
4- صحيفة ظلال العدد 41 بتاريخ 7 / 10 / 1996 تحت نفس العنوان ج2
5- صحيفة ظلال العدد 60 تحت عنوان "سرد توثيقي لحياة الشاعر الراحل سيد عبدالعزيز"
كما يجب أن أنوه هنا إلى إعتمادي في كتابة تلك البحوث على المراجع و المصادر التالية:
- الشعر الشعبي في السودان / د. عزالدين إسماعيل،
- ديوان الحاردلو / د. إبراهيم الحاردلو،
- ديوان ود الرضي / أ. الطيب محمد الرضي،
- ديوان ليالي زمان / أ. سيد عبدالعزيز، و أ. عبيد عبدالرحمن،
- مخطوطات الشاعر سيد عبدالعزيز،
- كتاب مراثي شاعر / مطبعة السلام 1996،
- قراءات .. مصادر شفاهية/سماعية.
تمهيد:
فن الغناء السوداني الحالي هو حلقة من سلسلة مترابطة أدت كل حلقة من حلقاتها إلى التي تليها بصورة طبيعية.
تعنينا هنا الإشارة إلى ثلاث حلقات من هذه السلسلة المتصلة، و هي:
- فن الدوبيت
- فن فترة الإنتقال
- فن (الحقيبة).
لكن قبل ذلك، و غض النظر عن إختلافنا الجوهري مع آراء د. عبداللطيف البوني التي وردت في سلسلة مقالاته تحت عنوان "الأغنية السودانية" بصحيفة الصباحية، الأعداد 55 إلى 62 إلا أنا نورد أجزاء منها تعميماً للفائدة، و فتحاً لأبواب الدراسات الأعمق و الأكثر إستناداً على القراءات الصحيحة لتيار نهر الأغنية السودانية بتياراته المتفرعة حد المخادعة
- أن الإنسان السوداني ،مثل غيره، يغني منذ أن خلقه الله..
- لا بد من التسليم بوجود أغنية غير عربية بالسودان..
- قبل إنتشار اللغة في السودان يمكن أن نشير إلى الغناء غير العربي الموجود في السودان، أي أغاني الأطراف التي لا زالت ترطن، و منها يمكن أن نستشف تاريخ الأغنية قبل دخول العرب السودان..
- يمكننا ،و بإطمئنان شديد، أن نقول إن المديح النبوي كان طليعة الغناء العربي في السودان
- إرجاع سيطرة الأغنية العربية على الأذن السودانية إلى سببين; * سيادة اللسان العربي * وجود الوسائط الإعلامية من إذاعة و تلفزيون في منطقة وسط السودان (أم درمان) حيث سيادة اللسان العربي،
- إرجاع تميز الشعراء القوميين (شعراء الحقيبة) عن الشعراء الغنائيين الذين قبلهم ،كشعراء الدوبيت، إلى أنهم كانوا مستصحبين فكرة السودان الوطن، رغم أن ظروف نشأتهم أعقبت القمع الذي لحق بثوار ثورة 1924 و لذلك كانت الإنهزامية (الضعف العاطفي التسليمي) واضحةً ،إلى حدٍ ما، في أشعارهم الغنائية.
فن الدوبيت (شعر البادية)
هناك تشابه بين شعر العرب القديم و شعر منطقة البطانة كما يؤكد بروفسور أحمد إبراهيم أبو سِن بصحيفة الطرفة العدد الرابع 13 / 9 / 1993 : (إشتُهِرَت منطقة البطانة بالشعر الشعبي، و هو ما يسمى بالدوبيت، و هو أشبه بشعر الرجز المعروف في الشعر العربي و الذي يتكون من أربع شطرات، و من أشهر شعراء الرجز رؤبة بن العجاج، و لعل هذا التشابه بين الدوبيت السوداني و الرجز العربي يوضح لنا مدى التقارب بين بئة الجزيرة العربية و منطقة البطانة من حيث الطقس و طبيعة الحياة البدوية و ما فيها من حيوان أليف و ري.
و من أشهر شعراء الدوبيت محمد أحمد عوض الكريم أبو سِن الشهير بالحاردلو المولود بالبطانة العام 1816م و المتوفي في ريرة 1916م)
فن فترة الإنتقال
هو فن الفترة التي مهدت لظهور فن (الحقيبة) أو بالأصح الإنتقال من شعر القبائل الغنائي في البادية إلى الشعر الغنائي في المدينة، و هو الشعر الذي يقول عنه د. عزالدين إسماعيل: (إنه شعر متنوع الأشكال و الألوان، فلا يقتصر كشعر الدوبيت على وزن واحد و شكل واحد، كما إنه دقيق في إلتزامه بالأوزان و القوافي و الشكل المعماري الذي تُبنى فيه القصيدة و ليس كشعر الغناء القبلي الذي لا يلتزم دائماً بهذا الإلتزام)
نورد هذا الرأي مع بعض التحفظات التي ليس هذا مجالها، خاصةً و انه حدده تاريخياً بفترة ما بعد المهدية و أثناء الحكم الثنائي.
فن فترة (الحقيبة)
و (الحقيبة) مصطلح شاع حتى ساد، نأخذ به رغم خطله و ذلك من باب الخطأ الشائع، و يعنى به فن الغناء السوداني الذي شكَّل الحلقة التالية لحلقة غناء الطَّنبارَة و يُؤرَّخ له ما بين أواخر العقد الثاني و حتى أواخر العقد الرابع من القرن العشرين و من شعراء هذه الفترة شاعرنا سيد عبدالعزيز.
هو سيد عبدالعزيز محمود عبدالعزيز أحمد سليمان، المولود بحي العرب - أم درمان العام 1906 (أو 1905) لأب من المواليد، مولود بمدينة الأبيض بعد إستشهاد والده محمود في معركة قدير، و ينحدر أسلافه من مصر مديرية الفيوم بلدة فرقص و أدهيت حجر، و هي قبيلة تسمى بالفِرجان و تمتد أساساً ما بين مصر و ليبيا و من أشهر شخصياتها أبو زيد الهلالي. و والدة عبدالعزيز هي السيدة فاطمة أم جاهين شاع الدين بحر الدين من الفور.
والدة شاعرنا سيد عبدالعزيز هي السيدة فاطمة إسماعيل أحمد.
عمل والده عبدالعزيز محمود موظفاً بمصلحة المعارف، ثم كاتب عوائد بزريبة المواشي - أم درمان، ثم تاجراً بمشاركة إبراهيم أحمد بابكر (الشاعر إبراهيم العبادي).
تلقى سيد عبدالعزيز تعليمه بخلوة الشيخ سيد بأم درمان، كما تلقى دروساً في اللغة العربية على يد الأستاذ عبدالرحمن حماد المدرس بمعهد أم درمان العلمي، كما تلقى دروساً في اللغة الإنجليزية على يدي أحد أصدقائه من أهالي جزيرة توتي، ثم بمدرسة سوميت، بعدها واصل بإجتهاده الخاص فإطلع على كثير من الآداب العربية و الأجنبية ما سيكون له أثرٌ واضح في إرثه الإبداعي. و يقف وراء سعيه المثابر لتعلم اللغة الإنجليزية حادث جارح تعرض له، إذ كان مستلقياً تحت عربة بمصلحة النقل الميكانيكي بغرض إصلاحها فأحس بضجيج من أحد الموظفين الإنجليز بنبرات غاضبة الذي كان ينادي عليه (دون أن يسمع) و عند خروجه أحس في لغة الموظف الإنجليزي الغاضبة ما يمكن أن يكون تجريحاً فصمم وقتها أن يتعلم هذه اللغة، و قد كان، بل أنه سيكون لهذه الحادثة أثرٌ في شعره يجر عليه إحتجازاً و تعنيفاً و غرامات مالية.
بدأ سيد عبدالعزيز كتابة الشعر في سن مبكرة، و قد ساعد في ذلك بالإجازة و الحث صديق والده و شريكه الشاعر إبراهيم أحمد بابكر (إبراهيم العبادي). و قصة ذلك أن سيد رجا الشاعر إبراهيم العبادي أن يتوسط له لدى والده أحد أتباع و شيوخ الطريقة القادرية لكي يسمح له أن يكون (مغني) أي شاعر، و قد فعلها الشاعر الكبير بعد أن طلب منه أن إسماعه شيئاً من شعره، فانبرى الفتى منشداً من شعره !خيل السحاب":-
شوف خيل السحاب في بعضها بتسابق،
و في الجو تقول دخان حريقة و عابق،
متراكم علي بعضو البعض متطابق،
يبكي علينا رحمة، و نبكي نطرى السابق.
و استزاده، فأنشد:
خَتَرَت جات تميل تنظر إلى قتلاها،
وافى الجم كتير بهواها يوت يتلاها،
دا خلاف الأسير و الأنفس الشاتلاها،
لي قلباً كسير ككثير بعزة تلاها.
و كعادة الشعراء الكبار في ذلك الوقت كان لا بد من إجراء إختبار يطمئن معه قلب المُجيز، فكان أن رسم الشاعر العبادي صورة تخيُّلية لفتاة تسير بالطريق معطياً أبعاد الوصف من قوام و ملبس و طِيب ...إلخ و قال له أن يذهب و يأخذ ما يريد من وقت، ففكر الفتى قليلاً، ثم أبدى إستعداداً لقول ذلك لحظياً، فأنشد:
خترت غصن بان من النسيم لها ميلهْ،
تتمايح طرب هي من شذاها ثُمَيلهْ،
توريك إن أقبَلَت بدر و مها و خُميلَهْ،
و إن ما أدبرَت مُهراً يخوض في رُمَيْلَهْ.
(و قد ضمَّن هذه الأبيات إحدى مسرحياته في ما بعد).
و لهذا فقد كان الشاعر العبادي كثير الترديد أن سيد قد وُلِدَ راشداً في مجال الشعر.
قال عنه صديق عمره الشاعر عبيد عبدالرحمن: (لو أراد سيد أن يحدِّث الناس شعراً لفعل).
و إن كانت ثمةَ ملاحظاتٍ في بذرة هذا الشعر، فهي:-
1- إنه شعر تخيُّلي درج مدارج مربعات الدوبيت، أي أنه لم يخرج عن السائد من الشعر وقتها، إلا في تبنيه لغة حضرية سلسة (إنظر ،فضلاً، إجازة الشاعر ود
الرضي بواسطة الشاعر العبادي العام 1906):-
العبادي:
عكَّت جات تميل من الأرض حزَّازهْ،
زينة الخلقة داب ما حسَّبن بزَّازهْ،
دارت ليها دار و هو الفي الرزم عام زازهْ،
شفنا الدقة و الزرزور فصَل حزَّازهْ.
ود الرضي:
قادهْ غزير زراقهْ زولنا جيدا قزازهْ،
صارت تعترينا حنان و صرنا جزازهْ،
صرنا كزي زوال و العقل ذاب و إتزازهْ،
زارت الزام زبرجدا من فميله عزازهْ.
2- إنه شعر بدأ و منذ شرارته الأولى يركب مركباً صعباً، و ذلك بلزومه ما لا يلزم من ناحية القافية و حروف الرَّوي (إن صح التعبير).
3- السير على نهج السائد من الشعر (الدوبيت) من ناحية الشكل القالبي لم يحول دون توظيف المفردة الشاعرية البسيطة، و في ذلك دلالة على محاولته السير في طرق غير مطروقة، و تصميمه على المغايرة و التفرد، و تلك شهادة إثبات من ناحية أخرى بأن الشعر الجديد لم يأت منبتَّاً; بنفس القدر لم يكن ترديداً أو صدىً لما قبله بل إمتداداً و مواصلةً لرحلة الإكتشاف و التجديد. و قد ذكر سيد عبدالعزيز أنه كان مع أترابه حسن داراوي و عبيد عبدالرحمن يستمعون لما يقوله مَن سبقهم من شعراء معاصرين (العبادي و ود الرضي) بذهنية متفتحة و عينٍ ملؤها الإعجاب، ثم يأخذون في تقليد ذلك الشعر، و لأنه كان من جانبهم مجاراةً و تقليداً فإنهم لم يهتموا بحفظه.
* نظرة في حقب شعره:-
1- شعر فترة العشرينيات:
بدأ يتضح تماسك شعره و قسمات ملامحه في فترة العشرينيات، فتناقله رواة ذلك الزمان و غناه مغنوه; من ذلك:
# زهيرة روض الجنان - كرومة 1926
في خدورك و البدر نورك، يا زهيرة روض الجنان.
# بدر حالي - كرومة 1926
يا بدر حالي و عسلوك، عجزوا البدور ما يمثلوك.
# حور الجنة - كرومة 1926
يا خلي أنا عقلي جَنَّ، حين شفتَ حور الجنة.
# أنا متذكِّر - كرومة 1926
يا ليل يا ليل أنا متذكر، غالي و حالي طيبو يسكِّر.
# ملك الحِمى - عبدالعزيز المامون 1927
ملك الحِمى و رب الجمال، أهيف مهفهف خصرو مال.
# المال بالزهور - عبدالعال الحاج 1927
فرع البان المال بالزهور، أم دي الحياة و زينة الدهور؟!
# سيده و جمالها فريد - كرومة 1929
سيده و جمالها فريد، خلقوها زي ما تريد.
في خدودها وضعوا الريد.
ملاحظات:-
هناك تطور واضح في خط بيان الإبداع، و إصرار على إصطهاء الصعب و الذي لا بد أن يلقي ببعض الظلال على مضمون القصيدة نفسها، فهذا الإلتزام الصارم بنظام ختام كل بيت من القصيدة بخمسة أو أربعة أو ثلاثة حروف تسير على نهج واحد يقيد ،و لا شك، سلاسة الإبداع و يجعل الشاعر منشغل الذهن حد الصناعة،، و السؤال هو:
إذا لم يأت الشعر مقيداً هكذا فكيف تُرى كان يمكن أن يكون؟!
2- ثمةَ أرتباطٌ وثيق بين شاعر (سيد عبدالعزيز) و مطرب (كرومة)، و يجئ ملك الساحة وقتها (سرور) متأخراً في التعامل مع الشاعر، و لعل هذا يُعزَى للصداقة التي كانت تربط ما بين عبدالعزيز محمود والد الشاعر و محمد أحمد سرور و ما يتبع ذلك من حواجز إجتماعية و نفسية، و لعله ،أيضاً، جاء لمراهنة جيل ناشئ و صاعد على مقدراته و تقارب أحلامه.
3- بنهاية فترة العشرينيات بدأت تتضح ملامح الشعر الجديد و تسَيُّده للساحة مقابل شعر الدوبيت و الطَّنبارَة فالقصيدة تعدَّت طور البيت و البيتين كما كان الأمر عند الطَّنبارَة، كما أنها اخترقت قالب الرباعية الذي كان يسجن شعر الدوبيت.
ب- شعر فترة الثلاثينيات
هي أخصب الفترات و أزهاها في شعر سيد عبدالعزيز، كما أنها أوفر فترات الشاعر عطاءً و تنوعاً الأمر الذي أهَّله لإحتلال رقعة كبيرة من مساحة فن الغناء، كما أن هذه الفترة شهدت أكثر أشعاره رواجاً.. إذ تغنى له كرومة:
- السادة 1930
جنن عقلي يا السادة حب الكايدة حسَّادها.
- ما اشتكيت دهري
ما اشتكيت دهري و ما بكت عيناي،
لولا هجرك لي و حبي ليك يا مناي،
ما انتهب عقلي و ما اكتسبت ضناي،
و ما التهب جوفي و ما رضيت بعنا،
لى سواكي وفيا قِبلة مناي و سناي،
فيك معاني خلودي و فيك معاني فناي.
- الجنان في الدنيا 1931
الجِنان في الدنيــا و الليالي تدور،
أم دي ليلة و جمعت بين شموش و بدور.
- مكارم الأخلاق 1932
يا مكارم الأخلاق ليها مثليني،
في غاية الإخلاص و عنها أسأليني،
يا مراية الماضي عودي و أريني،
صوراً أراها اليوم في النيريني.
- من حور الجنان 1932
من حور الجنان أم أنتَ إنسان الكمال
أم أنتَ الملاك جيت توري الناس الجمال.
و فيها (الثلاثينيات) تغنى له سرور، و أكثر ما غنى له في عامي 1933 و 1934 حين كان يفكر جدياً في إعتزال الغناء:
- أنة المجروح
يا أنَّة المجروح يا الروح حياتك روح
الحب; و فيك يا جميل معنى الجمال مشروح،
من الوله للقاك دمعي الغزير مسفوح،
ناقم علي الأيام مع إنو طبعي صفوح،
إن كان تميس بنميس و إن كان تموح بنموح،
عدل الطبيعة جعل جور الحبيب مصفوح.
- حليف الصون 1934
- أقيس محاسنك بِمَن 1934
- يا مداعب الغصن الرطيب
ذلك ،و إلى جانب أغانٍ أخرى، غنى له زنقار أغنية الإنسان 1935
يا ناس بحب إنسان الحسنِ و الإحسان،
رَشَحو الندى الهتَّان هو و الزهور شتان،
هذه أمثلة، إذ أن هناك العديد من الأغاني الأخرى:
بت ملوك النيل / نظرة ياالسمحة ام عجن / أنا ما معيون / إجلي النظر يا صاحي / حاول يخفي نفسو .. و الكثير الكثير.
وقفة مع شعر الفترة
هناك ملامح فلسفية تصوفية و إستلاف قرآني، و توظيف مسميات عالمية كنيشان ممتاز القائد الحربي و جائزة نوبل و (ماتريد) و التي يُقال إنها من آلهة اليونان القديمة، و ذهب البعض إلى أنها ملكة جمال أو ممثلة سينمائية!! و لم يفلح بحثي الطويل في إثبات أي من هذه الإدعاءات، و في يقيني أن المقصود ليس (ماتريد أو ماتريت) و إنما قصد الشاعر الذي أراد أبلغ من كل ذلك حيث عنى; حسب ما تريد و تتمنى و تشتهي و تتخيل أيها الرائي الناظر إليها، إذ أن مقياس الجمال كان و سيظل أمراً و مقياساُ فردياً و هنا تكمن فرادة و عبقرية المعنى. و لعل في ذلك مناهضة للذين يقولون إنها خُلِقت كما تريد هي، فالإنسان لا يستطيع تصور كماله ليوافق كل الأذواق، فيكون المنطقي الأرجح; كما تريد أنت أيها الرائي و ليس كما تريد هي، ففي الأخيرة تجاوز و تقليل من قدرة الذات الإلهية بإنصياعها لطلب الطالب المخلوق، و هذا لا يليق بحافظ للقرآن بثلاث روايات...
كما أن الشعر إحتوى على غير مثال من التضمين (أو التدوير) ما أعطى القصيدة نَفَساً محبباً أطول إلا أن الشعر لم يخلع عنه عباءة الصرامة الشكلية تماماً، الأمر الذي سنراه في شعره فترة الأربعينيات.
فترة ما بعد الثلاثينيات
"إلتقيت به (بالشاعر سيد عبدالعزيز) وجهاً لوجه مع صديق عمره الشاعر الكبير عبيد عبدالرحمن بمنزل صديقنا حافظ عبودي بالموردة في منتصف الأربعينيات، لم يكن اللقاء غريباً فقد جمع نخبة من عشاق الكلمة الغنائية في جو سامر طروب، و كان لوجود الشاعرين المجددين فيه أعظم الأثر، و قد استطعت أن ألِم إلماماً سريعاً بدورهما الكبير في الإنتقال بالإغنية السودانية من حالة الركود في أواخر الثلاثينيات إلى الحركة القوية التي شملتها مع بداية الأربعينيات، و التي كانت بمثابة العصر الذهبي للأغنية السودانية، و كان سيد عبدالعزيز و عبيد عبدالرحمن ،دون ريب، رائديه العظيمين"
الشاعر مبارك المغربي رئيس إتحاد الأغنية السودانية.
13 / 11 / 1976م.
أفرزت تلك الفترة (فترة الحرب العالمية الثانية) إلى جانب الكساد الإقتصادي إنهياراً و إضمحلالاً في القِيَم فكان أن عانى فن الغناء سقوطاً مزرياً، فانتشرت الأغنية الهابطة فعلاً لا مجازاً، و تسيدت الساحة و هذا ما دعى شعراء الأغنية السودانية وقتها للتنادي إلى إجتماع إنقاذي كانت ثمرته إنشاء "جمعية ترقية الأغاني" في العام 1944م. و على ضوء ذلك يمكن أن نجد تفسيراً لقول الأستاذ محمد خوجلي صالحين مدير إذاعة جمهورية السودان الديمقراطية وقتها: هو -سيد عبدالعزيز- مَن إنتقل بزنقار إلى الأغاني الخالدات - 1976م.
تلك فترة إلتقائه بمجدد الأغنية السودانية و معلمنها العبقري إبراهيم بابكر أبوجبل (إبراهيم الكاشف)، فكانت الحصيلة أكثر من عشر أغنيات، مثل; الليلة لاقيتو 1942م، إستبدى و صار في حُكمو قاسي 1943م، و يا حبيبي أنا قلبي حاب رحلة بين طيات السحاب، و إنتَ عارف أنا بحبك و بحلفبك..إلخ.
كما استمر تعاونه مع زنقار بأغانٍ مثل (الفنان)
يا بلبل الأفنان أسمِعنا يا فنان،
موسيقة طرب من صوتك الرَّنان.
و هي من أغاني 1949م،،
كما تغنى له رمضان حسن إلى جانب أخريات بأغنية بلادي، العام 1951م
الجمال و الحب في بلادي
الحضارة و إزدهارها و إنتشارها.
و قد أجازت له لجنة النصوص آخر قصائده الغنائية (في ملتقى النيلين) 21 / 8 / 1976م و ذلك بعد رحيله في 18 / 8 / 1976م
و قد غني له من المطربين كل من:
- كرومة، أكثر من ثلاثين قصيدة،
- سرور، عشرين و نيف،
- الكاشف، أكثر من عشر قصائد
إلى جانب كل من: عبدالله الماحي - زنقار - عبدالعال الحاج - عبدالعزيز المامون - عبيد الطيب - إسماعيل عبدالمعين - فلاح - حكومة و الطيب - الثنائي ميرغني المامون/أحمد حسن جمعة - رمضان حسن - بادي محمد الطيب - رمضان زايد - عباس سرور - إبراهيم خوجلي .. و قد آخرون.
فاقت أغاني سيد عبدالعزيز المسجلة بالإذاعة المائة أغنية.
مؤثرات في حياته و شعره
1- حفظ القرآن الكريم و الحديث الشريف،
2- حي العرب النشأة و المولد،
3- قرب شعراء; إبراهيم العبادي، ود الرضي، صالح عبدالسيد (أبو صلاح)، أحمد حسين و الهادي العمرابي، أبوالجود، سلطان العاشقين..إلخ
و كذلك معاصرته للشعراء; عبيد عبدالرحمن، حسن داراوي، يوسف الحسن، عبدالرحمن الريح، محمد بشير عتيق، عمر البنا، علي محمود التنقاري، عبدالله سليمان (العشوق)، مسعد حنفي..الخ
4- الإطلاع على الشعر العربي خاصةً الجاهلي و حفظه الكثير منه،
5- الإطلاع على آداب وه ثقافات عالمية مثل الشكسبيريات، و لعل هذه مع سابقتها أعطت شعره تنوّعاُ و نَفَساً ملحمياً تمظهر و تجلى في مسرحياته الشعرية الثلاث:
* حسناء البادية (من خمسة فصول)
* معرض الأشكال (من أربعة فصول)
* صوَر العصر (من خمسة فصول)
6- مدينة الأبيض، التي نُقِل إليها في مأمورية حكومية فمكث بها فترة 14 عاماً
7- وفاة والديه في تاريخين متقاربين،
8- وفاة إبنه الطيار محمد في حادثة الطائرة الشهير بالدندر، و التي عزَّ عليه نعيه.
آثار الشاعر
^ قصائد أغنيات في بعض كتيبات صغيرة درجت على نشرها له و لرصفائه مكتبة محمود عزت المفتي بالخرطوم،
^ ديوان ليالي زمان; الجزء الأول و الجزء الثاني، و هما بالإشتراك مع الشاعر عبيد عبدالرحمن،كثير من القصائد العامية و الفصحى،
^ ثلاث مسرحيات سبق ذكرها،
^ مساهماته في الندوات و إلقاء المحاضرات بالأندية و المراكز و المشاركة بالأحاديث للإذاعة و التلفزيون،
^ له العديد من الدراسات و المقالات،
^ خاض الكثير من المساجلات.
و كذلك معاصرته للشعراء; عبيد عبدالرحمن، حسن داراوي، يوسف الحسن، عبدالرحمن الريح، محمد بشير عتيق، عمر البنا، علي محمود التنقاري، عبدالله سليمان (العشوق)، مسعد حنفي..الخ
و شعراء الشعر الهجين:
حاج عثمان جقود، يوسف حسب الله (سلطان العاشقين) و محمد على عثمان بدري و عثمان دوبيت و عبدالله سليمان (العشوق) خليل فرح.
4- الإطلاع على الشعر العربي خاصةً الجاهلي و حفظه الكثير منه،
5- الإطلاع على آداب وه ثقافات عالمية مثل الشكسبيريات، و لعل هذه مع سابقتها أعطت شعره تنوّعاُ و نَفَساً ملحمياً تمظهر و تجلى في مسرحياته الشعرية الثلاث:
* حسناء البادية (من خمسة فصول)
* معرض الأشكال (من أربعة فصول)
* صوَر العصر (من خمسة فصول)
6- مدينة الأبيض، التي نُقِل إليها في مأمورية حكومية فمكث بها فترة 14 عاماً
7- وفاة والديه في تاريخين متقاربين،
8- وفاة إبنه الطيار محمد في حادثة الطائرة الشهير بالدندر، و التي عزَّ عليه نعيه.
آثار الشاعر
^ قصائد أغنيات في بعض كتيبات صغيرة درجت على نشرها له و لرصفائه مكتبة محمود عزت المفتي بالخرطوم،
^ ديوان ليالي زمان; الجزء الأول و الجزء الثاني، و هما بالإشتراك مع الشاعر عبيد عبدالرحمن،كثير من القصائد العامية و الفصحى،
^ ثلاث مسرحيات سبق ذكرها،
^ مساهماته في الندوات و إلقاء المحاضرات بالأندية و المراكز و المشاركة بالأحاديث للإذاعة و التلفزيون،
^ له العديد من الدراسات و المقالات،
^ خاض الكثير من المساجلات.
^ إصدارات شعرية تمت طباعتها بعد رحيله، من دار البلد قائد الأسطول، أنة المجروح و غيرها ك الجمال و الحب.
طلال دفع الله عبدالعزيز
نوفمبر 1996.
tilalaziz@gmail.com
هذه الدراسة البحثية سبق أن نشرت أجزاء منها في مقالات منفصلة في المطبوعات التالية:
1- مجلة الخرطوم العدد الحادي عشر _ أغسطس 1994 تحت عنوان "الشلوخ و الوشوم في الأدب السوداني"
2- صحيفة الرأي الآخَر العدد 349 بتاريخ 28 / 7 / 1996 تحت عنوان "الأصالة .. التأصيل و إشكالية الحداثة: محاولة لرفع الحصانة عن فن (الحقيبة) - ج1"
3- صحيفة ظلال العدد 40 بتاريخ 3 / 10 / 1996 تحت نفس العنوان السابق ج1.
4- صحيفة ظلال العدد 41 بتاريخ 7 / 10 / 1996 تحت نفس العنوان ج2
5- صحيفة ظلال العدد 60 تحت عنوان "سرد توثيقي لحياة الشاعر الراحل سيد عبدالعزيز"
كما يجب أن أنوه هنا إلى إعتمادي في كتابة تلك البحوث على المراجع و المصادر التالية:
- الشعر الشعبي في السودان / د. عزالدين إسماعيل،
- ديوان الحاردلو / د. إبراهيم الحاردلو،
- ديوان ود الرضي / أ. الطيب محمد الرضي،
- ديوان ليالي زمان / أ. سيد عبدالعزيز، و أ. عبيد عبدالرحمن،
- مخطوطات الشاعر سيد عبدالعزيز،
- كتاب مراثي شاعر / مطبعة السلام 1996،
- كتيبات لقصائد غنائية إصدار مكتبة محمود عزت المفتي - الخرطوم،
- قراءات .. مصادر شفاهية/سماعية.
تمهيد:
فن الغناء السوداني الحالي هو حلقة من سلسلة مترابطة أدت كل حلقة من حلقاتها إلى التي تليها بصورة طبيعية.
تعنينا هنا الإشارة إلى ثلاث حلقات من هذه السلسلة المتصلة، و هي:
أ- فن الدوبيت
ب- فن فترة الإنتقال
ج- فن (الحقيبة).
لكن قبل ذلك، و غض النظر عن إختلافنا الجوهري مع آراء د. عبداللطيف البوني التي وردت في سلسلة مقالاته تحت عنوان "الأغنية السودانية" بصحيفة الصباحية، الأعداد 55 إلى 62 إلا أنا نورد أجزاء منها و تعليقنا عليها و ذلك تعميماً للفائدة، و فتحاً لأبواب الدراسات الأعمق و الأكثر إستناداً على القراءات الصحيحة لتيار نهر الأغنية السودانية بتياراته المتفرعة حد المخادعة
- أن الإنسان السوداني ،مثل غيره، يغني منذ أن خلقه الله..
- لا بد من التسليم بوجود أغنية غير عربية بالسودان..
- قبل إنتشار اللغة في السودان يمكن أن نشير إلى الغناء غير العربي الموجود في السودان، أي أغاني الأطراف التي لا زالت ترطن، و منها يمكن أن نستشف تاريخ الأغنية قبل دخول العرب السودان..
- يمكننا ،و بإطمئنان شديد، أن نقول إن المديح النبوي كان طليعة الغناء العربي في السودان
- إرجاع سيطرة الأغنية العربية على الأذن السودانية إلى سببين;
* سيادة اللسان العربي
* وجود الوسائط الإعلامية من إذاعة و تلفزيون في منطقة وسط السودان (أم درمان) حيث سيادة اللسان العربي،
- إرجاع تميز الشعراء القوميين (شعراء الحقيبة) عن الشعراء الغنائيين الذين قبلهم ،كشعراء الدوبيت، إلى أنهم كانوا مستصحبين فكرة السودان الوطن، رغم أن ظروف نشأتهم أعقبت القمع الذي لحق بثوار ثورة 1924 و لذلك كانت الإنهزامية (الضعف العاطفي التسليمي) واضحةً ،إلى حدٍ ما، في أشعارهم الغنائية.
= فن الدوبيت (شعر البادية)
هناك تشابه بين شعر العرب القديم و شعر منطقة البطانة كما يؤكد بروفسور أحمد إبراهيم أبو سِن بصحيفة الطرفة العدد الرابع 13 / 9 / 1993 : (إشتُهِرَت منطقة البطانة بالشعر الشعبي، و هو ما يسمى بالدوبيت، و هو أشبه بشعر الرجز المعروف في الشعر العربي و الذي يتكون من أربع شطرات، و من أشهر شعراء الرجز رؤبة بن العجاج، و لعل هذا التشابه بين الدوبيت السوداني و الرجز العربي يوضح لنا مدى التقارب بين بئة الجزيرة العربية و منطقة البطانة من حيث الطقس و طبيعة الحياة البدوية و ما فيها من حيوان أليف و ري.
و من أشهر شعراء الدوبيت محمد أحمد عوض الكريم أبو سِن الشهير بالحاردلو المولود بالبطانة العام 1816م و المتوفي في ريرة 1916م)
= فن فترة الإنتقال
هو فن الفترة التي مهدت لظهور فن (الحقيبة) أو بالأصح الإنتقال من شعر القبائل الغنائي في البادية إلى الشعر الغنائي في المدينة، و هو الشعر الذي يقول عنه د. عزالدين إسماعيل: (إنه شعر متنوع الأشكال و الألوان، فلا يقتصر كشعر الدوبيت على وزن واحد و شكل واحد، كما إنه دقيق في إلتزامه بالأوزان و القوافي و الشكل المعماري الذي تُبنى فيه القصيدة و ليس كشعر الغناء القبلي الذي لا يلتزم دائماً بهذا الإلتزام)
نورد هذا الرأي مع بعض التحفظات التي ليس هذا مجالها، خاصةً و انه حدده تاريخياً بفترة ما بعد المهدية و أثناء الحكم الثنائي.
= فن فترة (الحقيبة)
و (الحقيبة) مصطلح شاع حتى ساد، نأخذ به رغم خطله و ذلك من باب الخطأ الشائع، و يعنى به فن الغناء السوداني الذي شكَّل الحلقة التالية لحلقة غناء الطَّنبارَة و يُؤرَّخ له ما بين أواخر العقد الثاني و حتى أواخر العقد الرابع من القرن العشرين و من شعراء هذه الفترة شاعرنا سيد عبدالعزيز.
هو سيد عبدالعزيز محمود عبدالعزيز أحمد سليمان، المولود بحي العرب - أم درمان العام 1906 (أو 1905) لأب من المواليد، مولود بمدينة الأبيض بعد إستشهاد والده محمود في معركة قدير، و ينحدر أسلافه من مصر مديرية الفيوم بلدة فرقص و أدهيت حجر، و هي قبيلة تسمى بالفِرجان و تمتد أساساً ما بين مصر و ليبيا و من أشهر شخصياتها أبو زيد الهلالي. و والدة عبدالعزيز هي السيدة فاطمة أم جاهين شاع الدين بحر الدين من الفور.
والدة شاعرنا سيد عبدالعزيز هي السيدة فاطمة إسماعيل أحمد.
عمل والده عبدالعزيز محمود موظفاً بمصلحة المعارف، ثم كاتب عوائد بزريبة المواشي - أم درمان، ثم تاجراً بمشاركة إبراهيم أحمد بابكر (الشاعر إبراهيم العبادي).
تلقى سيد عبدالعزيز تعليمه بخلوة الشيخ سيد بأم درمان، كما تلقى دروساً في اللغة العربية على يد الأستاذ عبدالرحمن حماد المدرس بمعهد أم درمان العلمي، كما تلقى دروساً في اللغة الإنجليزية على يدي أحد أصدقائه من أهالي جزيرة توتي، ثم بمدرسة سوميت، بعدها واصل بإجتهاده الخاص فإطلع على كثير من الآداب العربية و الأجنبية ما سيكون له أثرٌ واضح في إرثه الإبداعي. و يقف وراء سعيه المثابر لتعلم اللغة الإنجليزية حادث جارح تعرض له، إذ كان مستلقياً تحت عربة بمصلحة النقل الميكانيكي بغرض إصلاحها فأحس بضجيج من أحد الموظفين الإنجليز بنبرات غاضبة الذي كان ينادي عليه (دون أن يسمع) و عند خروجه أحس في لغة الموظف الإنجليزي الغاضبة ما يمكن أن يكون تجريحاً فصمم وقتها أن يتعلم هذه اللغة، و قد كان، بل أنه سيكون لهذه الحادثة أثرٌ في شعره يجر عليه إحتجازاً و تعنيفاً و غرامات مالية.
بدأ سيد عبدالعزيز كتابة الشعر في سن مبكرة، و قد ساعد في ذلك بالإجازة و الحث صديق والده و شريكه الشاعر إبراهيم أحمد بابكر (إبراهيم العبادي). و قصة ذلك أن سيد رجا الشاعر إبراهيم العبادي أن يتوسط له لدى والده أحد أتباع و شيوخ الطريقة القادرية لكي يسمح له أن يكون (مغني) أي شاعر، و قد فعلها الشاعر الكبير بعد أن طلب منه أن إسماعه شيئاً من شعره، فانبرى الفتى منشداً من شعره !خيل السحاب":-
شوف خيل السحاب في بعضها بتسابق،
و في الجو تقول دخان حريقة و عابق،
متراكم علي بعضو البعض متطابق،
يبكي علينا رحمة، و نبكي نطرى السابق.
و استزاده، فأنشد:
خَتَرَت جات تميل تنظر إلى قتلاها،
وافى الجم كتير بهواها يوت يتلاها،
دا خلاف الأسير و الأنفس الشاتلاها،
لي قلباً كسير ككثير بعزة تلاها.
و كعادة الشعراء الكبار في ذلك الوقت كان لا بد من إجراء إختبار يطمئن معه قلب المُجيز، فكان أن رسم الشاعر العبادي صورة تخيُّلية لفتاة تسير بالطريق معطياً أبعاد الوصف من قوام و ملبس و طِيب ...إلخ و قال له أن يذهب و يأخذ ما يريد من وقت، ففكر الفتى قليلاً، ثم أبدى إستعداداً لقول ذلك لحظياً، فأنشد:
خترت غصن بان من النسيم لها ميلهْ،
تتمايح طرب هي من شذاها ثُمَيلهْ،
توريك إن أقبَلَت بدر و مها و خُميلَهْ،
و إن ما أدبرَت مُهراً يخوض في رُمَيْلَهْ.
(و قد ضمَّن هذه الأبيات إحدى مسرحياته في ما بعد).
و لهذا فقد كان الشاعر العبادي كثير الترديد "أن سيد قد وُلِدَ راشداً في مجال الشعر."
قال عنه صديق عمره الشاعر عبيد عبدالرحمن: (لو أراد سيد أن يحدِّث الناس شعراً لفعل).
و إن كانت ثمةَ ملاحظاتٌ في بذرة هذا الشعر، فهي:-
1- إنه شعر تخيُّلي درج مدارج مربعات الدوبيت، أي أنه لم يخرج عن السائد من الشعر وقتها، إلا في تبنيه لغة حضرية سلسة (إنظر ،فضلاً، إجازة الشاعر ود
الرضي بواسطة الشاعر العبادي العام 1906):-
العبادي:
عكَّت جات تميل من الأرض حزَّازهْ،
زينة الخلقة داب ما حسَّبن بزَّازهْ،
دارت ليها دار و هو الفي الرزم عام زازهْ،
شفنا الدقة و الزرزور فصَل حزَّازهْ.
ود الرضي:
قادهْ غزير زراقهْ زولنا جيدا قزازهْ،
صارت تعترينا حنان و صرنا جزازهْ،
صرنا كزي زوال و العقل ذاب و إتزازهْ،
زارت الزام زبرجدا من فميله عزازهْ.
2- إنه شعر بدأ و منذ شرارته الأولى يركب مركباً صعباً، و ذلك بلزومه ما لا يلزم من ناحية القافية و حروف الرَّوي (إن صح التعبير).
3- السير على نهج السائد من الشعر (الدوبيت) من ناحية الشكل القالبي لم يحول دون توظيف المفردة الشاعرية البسيطة، و في ذلك دلالة على محاولته السير في طرق غير مطروقة، و تصميمه على المغايرة و التفرد، و تلك شهادة إثبات من ناحية أخرى بأن الشعر الجديد لم يأت منبتَّاً; بنفس القدر لم يكن ترديداً أو صدىً لما قبله بل إمتداداً و مواصلةً لرحلة الإكتشاف و التجديد. و قد ذكر سيد عبدالعزيز أنه كان مع أترابه حسن داراوي و عبيد عبدالرحمن يستمعون لما يقوله مَن سبقهم من شعراء معاصرين (العبادي و ود الرضي) بذهنية متفتحة و عينٍ ملؤها الإعجاب، ثم يأخذون في تقليد ذلك الشعر، و لأنه كان من جانبهم مجاراةً و تقليداً فإنهم لم يهتموا بحفظه.
* نظرة في حقب شعره:-
أ- شعر فترة العشرينيات:
بدأ يتضح تماسك شعره و قسمات ملامحه في فترة العشرينيات، فتناقله رواة ذلك الزمان و غناه مغنوه; من ذلك:
# زهيرة روض الجنان - كرومة 1926
في خدورك و البدر نورك، يا زهيرة روض الجنان.
# بدر حالي - كرومة 1926
يا بدر حالي و عسلوك، عجزوا البدور ما يمثلوك.
# حور الجنة - كرومة 1926
يا خلي أنا عقلي جَنَّ، حين شفتَ حور الجنة.
# أنا متذكِّر - كرومة 1926
يا ليل يا ليل أنا متذكر، غالي و حالي طيبو يسكِّر.
# ملك الحِمى - عبدالعزيز المامون 1927
ملك الحِمى و رب الجمال، أهيف مهفهف خصرو مال.
# المال بالزهور - عبدالعال الحاج 1927
فرع البان المال بالزهور، أم دي الحياة و زينة الدهور؟!
# سيده و جمالها فريد - كرومة 1929
سيده و جمالها فريد، خلقوها زي ما تريد.
في خدودها وضعوا الريد.
ملاحظات:-
هناك تطور واضح في خط بيان الإبداع، و إصرار على إصطهاء الصعب و الذي لا بد أن يلقي ببعض الظلال على مضمون القصيدة نفسها، فهذا الإلتزام الصارم بنظام ختام كل بيت من القصيدة بخمسة أو أربعة أو ثلاثة حروف تسير على نهج واحد يقيد ،و لا شك، سلاسة الإبداع و يجعل الشاعر منشغل الذهن حد الصناعة،، و السؤال هو:
إذا لم يأت الشعر مقيداً هكذا فكيف تُرى كان يمكن أن يكون؟!
2- ثمةَ أرتباطٌ وثيق بين شاعر (سيد عبدالعزيز) و مطرب (كرومة)، و يجئ ملك الساحة وقتها (سرور) متأخراً في التعامل مع الشاعر، و لعل هذا يُعزَى للصداقة التي كانت تربط ما بين عبدالعزيز محمود والد الشاعر و محمد أحمد سرور و ما يتبع ذلك من حواجز إجتماعية و نفسية، و لعله ،أيضاً، جاء لمراهنة جيل ناشئ و صاعد على مقدراته و تقارب أحلامه و مغايرته.
3- بنهاية فترة العشرينيات بدأت تتضح ملامح الشعر الجديد و تسَيُّده للساحة مقابل شعر الدوبيت و الطَّنبارَة فالقصيدة تعدَّت طور البيت و البيتين كما كان الأمر عند الطَّنبارَة، كما أنها اخترقت قالب الرباعية الذي كان يسجن شعر الدوبيت.
ب- شعر فترة الثلاثينيات
هي أخصب الفترات و أزهاها في شعر سيد عبدالعزيز، كما أنها أوفر فترات الشاعر عطاءً و تنوعاً الأمر الذي أهَّله لإحتلال رقعة كبيرة من مساحة فن الغناء، كما أن هذه الفترة شهدت أكثر أشعاره رواجاً.. إذ تغنى له كرومة:
- السادة 1930
جنن عقلي يا السادة حب الكايدة حسَّادها.
- ما اشتكيت دهري
ما اشتكيت دهري و ما بكت عيناي،
لولا هجرك لي و حبي ليك يا مناي،
ما انتهب عقلي و ما اكتسبت ضناي،
و ما التهب جوفي و ما رضيت بعناي،
لى سواكي و يا قِبلة مناي و سناي،
فيك معاني خلودي و فيك معاني فناي.
- الجنان في الدنيا 1931
الجِنان في الدنيــا و الليالي تدور،
أم دي ليلة و جمعت بين شموش و بدور.
- مكارم الأخلاق 1932
يا مكارم الأخلاق ليها مثليني،
في غاية الإخلاص و عنها أسأليني،
يا مراية الماضي عودي و أريني،
صوراً أراها اليوم في النيريني.
- من حور الجنان 1932
من حور الجنان أم أنتَ إنسان الكمال
أم أنتَ الملاك جيت توري الناس الجمال.
و فيها (الثلاثينيات) تغنى له سرور، و أكثر ما غنى له في عامي 1933 و 1934 حين كان يفكر جدياً في إعتزال الغناء:
- أنة المجروح
يا أنَّة المجروح يا الروح حياتك روح
الحب; و فيك يا جميل معنى الجمال مشروح،
من الوله للقاك دمعي الغزير مسفوح،
ناقم علي الأيام مع إنو طبعي صفوح،
إن كان تميس بنميس و إن كان تموح بنموح،
عدل الطبيعة جعل جور الحبيب مصفوح.
- حليف الصون 1934
- أقيس محاسنك بِمَن 1934
- يا مداعب الغصن الرطيب
ذلك ،و إلى جانب أغانٍ أخرى، غنى له زنقار أغنية الإنسان 1935
يا ناس بحب إنسان الحسنِ و الإحسان،
رَشَحو الندى الهتَّان هو و الزهور شتان،
هذه أمثلة، إذ أن هناك العديد من الأغاني الأخرى:
بت ملوك النيل / نظرة ياالسمحة ام عجن / أنا ما معيون / إجلي النظر يا صاحي / حاول يخفي نفسو .. و الكثير الكثير.
وقفة مع شعر الفترة
هناك ملامح فلسفية تصوفية و إستلاف قرآني، و توظيف مسميات عالمية كنيشان ممتاز القائد الحربي و جائزة نوبل و (ماتريد) و التي يُقال إنها من آلهة اليونان القديمة، و ذهب البعض إلى أنها ملكة جمال أو ممثلة سينمائية!! و لم يفلح بحثي الطويل في إثبات أي من هذه الإدعاءات، و في يقيني أن المقصود ليس (ماتريد أو ماتريت) و إنما قصد الشاعر الذي أراد أبلغ من كل ذلك حيث عنى; حسب ما تريد و تتمنى و تشتهي و تتخيل أيها الرائي الناظر إليها، إذ أن مقياس الجمال كان و سيظل أمراً و مقياساُ فردياً و هنا تكمن فرادة و عبقرية المعنى. و لعل في ذلك مناهضة للذين يقولون إنها خُلِقت كما تريد هي، فالإنسان لا يستطيع تصور كماله ليوافق كل الأذواق، فيكون المنطقي الأرجح; كما تريد أنت أيها الرائي و ليس كما تريد هي، ففي الأخيرة تجاوز و تقليل من قدرة الذات الإلهية بإنصياعها لطلب الطالب المخلوق، و هذا لا يليق بحافظ للقرآن بثلاث روايات...
كما أن الشعر إحتوى على غير مثال من التضمين (أو التدوير) ما أعطى القصيدة نَفَساً محبباً أطول إلا أن الشعر لم يخلع عنه عباءة الصرامة الشكلية تماماً، الأمر الذي سنراه في شعره فترة الأربعينيات.
ج- فترة ما بعد الثلاثينيات
"إلتقيت به (بالشاعر سيد عبدالعزيز) وجهاً لوجه مع صديق عمره الشاعر الكبير عبيد عبدالرحمن بمنزل صديقنا حافظ عبودي بالموردة في منتصف الأربعينيات، لم يكن اللقاء غريباً فقد جمع نخبة من عشاق الكلمة الغنائية في جو سامر طروب، و كان لوجود الشاعرين المجددين فيه أعظم الأثر، و قد استطعت أن ألِم إلماماً سريعاً بدورهما الكبير في الإنتقال بالإغنية السودانية من حالة الركود في أواخر الثلاثينيات إلى الحركة القوية التي شملتها مع بداية الأربعينيات، و التي كانت بمثابة العصر الذهبي للأغنية السودانية، و كان سيد عبدالعزيز و عبيد عبدالرحمن ،دون ريب، رائديه العظيمين"
الشاعر مبارك المغربي رئيس إتحاد الأغنية السودانية.
13 / 11 / 1976م.
أفرزت تلك الفترة (فترة الحرب العالمية الثانية) إلى جانب الكساد الإقتصادي إنهياراً و إضمحلالاً في القِيَم فكان أن عانى فن الغناء سقوطاً مزرياً، فانتشرت الأغنية الهابطة فعلاً لا مجازاً، و تسيدت الساحة و هذا ما دعى شعراء الأغنية السودانية وقتها للتنادي إلى إجتماع إنقاذي كانت ثمرته إنشاء "جمعية ترقية الأغاني" في العام 1944م. و على ضوء ذلك يمكن أن نجد تفسيراً لقول الأستاذ محمد خوجلي صالحين مدير إذاعة جمهورية السودان الديمقراطية وقتها: هو -سيد عبدالعزيز- مَن إنتقل بزنقار إلى الأغاني الخالدات - 1976م.
تلك فترة إلتقائه بمجدد الأغنية السودانية و معلمنها العبقري إبراهيم بابكر أبوجبل (إبراهيم الكاشف)، فكانت الحصيلة أكثر من عشر أغنيات، مثل; الليلة لاقيتو 1942م، إستبدى و صار في حُكمو قاسي 1943م، و يا حبيبي أنا قلبي حاب رحلة بين طيات السحاب، و إنتَ عارف أنا بحبك و بحلفبك..إلخ.
كما استمر تعاونه مع زنقار بأغانٍ مثل (الفنان)
يا بلبل الأفنان أسمِعنا يا فنان،
موسيقة طرب من صوتك الرَّنان.
و هي من أغاني 1949م،،
كما تغنى له رمضان حسن إلى جانب أخريات بأغنية بلادي، العام 1951م
الجمال و الحب في بلادي
الحضارة و إزدهارها و إنتشارها.
و قد أجازت له لجنة النصوص آخر قصائده الغنائية (في ملتقى النيلين) 21 / 8 / 1976م و ذلك بعد رحيله في 18 / 8 / 1976م
و قد غني له من المطربين كل من:
- كرومة، أكثر من ثلاثين قصيدة،
- سرور، عشرين و نيف،
- الكاشف، أكثر من عشر قصائد
إلى جانب كل من: عبدالله الماحي - زنقار - عبدالعال الحاج - عبدالعزيز المامون - عبيد الطيب - إسماعيل عبدالمعين - فلاح - حكومة و الطيب - الثنائي ميرغني المامون/أحمد حسن جمعة - رمضان حسن - بادي محمد الطيب - رمضان زايد - عباس سرور - إبراهيم خوجلي .. و قد آخرون.
فاقت أغاني سيد عبدالعزيز المسجلة بالإذاعة المائة أغنية.
مؤثرات في حياته و شعره
1- حفظ القرآن الكريم و الحديث الشريف،
2- حي العرب النشأة و المولد،
3- قرب شعراء; إبراهيم العبادي، ود الرضي، صالح عبدالسيد (أبو صلاح)، أحمد حسين و الهادي العمرابي، سيد عبدالعزيز
شاعر الحب و التجديد
طلال دفع الله
تنويه:-
هذه الدراسة البحثية سبق أن نشرت أجزاء منها في مقالات منفصلة في المطبوعات التالية:
1- مجلة الخرطوم العدد الحادي عشر _ أغسطس 1994 تحت عنوان "الشلوخ و الوشوم في الأدب السوداني"
2- صحيفة الرأي الآخَر العدد 349 بتاريخ 28 / 7 / 1996 تحت عنوان "الأصالة .. التأصيل و إشكالية الحداثة: محاولة لرفع الحصانة عن فن (الحقيبة) - ج1"
3- صحيفة ظلال العدد 40 بتاريخ 3 / 10 / 1996 تحت نفس العنوان السابق ج1.
4- صحيفة ظلال العدد 41 بتاريخ 7 / 10 / 1996 تحت نفس العنوان ج2
5- صحيفة ظلال العدد 60 تحت عنوان "سرد توثيقي لحياة الشاعر الراحل سيد عبدالعزيز"
كما يجب أن أنوه هنا إلى إعتمادي في كتابة تلك البحوث على المراجع و المصادر التالية:
- الشعر الشعبي في السودان / د. عزالدين إسماعيل،
- ديوان الحاردلو / د. إبراهيم الحاردلو،
- ديوان ود الرضي / أ. الطيب محمد الرضي،
- ديوان ليالي زمان / أ. سيد عبدالعزيز، و أ. عبيد عبدالرحمن،
- مخطوطات الشاعر سيد عبدالعزيز،
- كتاب مراثي شاعر / مطبعة السلام 1996،
- قراءات .. مصادر شفاهية/سماعية.
تمهيد:
فن الغناء السوداني الحالي هو حلقة من سلسلة مترابطة أدت كل حلقة من حلقاتها إلى التي تليها بصورة طبيعية.
تعنينا هنا الإشارة إلى ثلاث حلقات من هذه السلسلة المتصلة، و هي:
- فن الدوبيت
- فن فترة الإنتقال
- فن (الحقيبة).
لكن قبل ذلك، و غض النظر عن إختلافنا الجوهري مع آراء د. عبداللطيف البوني التي وردت في سلسلة مقالاته تحت عنوان "الأغنية السودانية" بصحيفة الصباحية، الأعداد 55 إلى 62 إلا أنا نورد أجزاء منها تعميماً للفائدة، و فتحاً لأبواب الدراسات الأعمق و الأكثر إستناداً على القراءات الصحيحة لتيار نهر الأغنية السودانية بتياراته المتفرعة حد المخادعة
- أن الإنسان السوداني ،مثل غيره، يغني منذ أن خلقه الله..
- لا بد من التسليم بوجود أغنية غير عربية بالسودان..
- قبل إنتشار اللغة في السودان يمكن أن نشير إلى الغناء غير العربي الموجود في السودان، أي أغاني الأطراف التي لا زالت ترطن، و منها يمكن أن نستشف تاريخ الأغنية قبل دخول العرب السودان..
- يمكننا ،و بإطمئنان شديد، أن نقول إن المديح النبوي كان طليعة الغناء العربي في السودان
- إرجاع سيطرة الأغنية العربية على الأذن السودانية إلى سببين; * سيادة اللسان العربي * وجود الوسائط الإعلامية من إذاعة و تلفزيون في منطقة وسط السودان (أم درمان) حيث سيادة اللسان العربي،
- إرجاع تميز الشعراء القوميين (شعراء الحقيبة) عن الشعراء الغنائيين الذين قبلهم ،كشعراء الدوبيت، إلى أنهم كانوا مستصحبين فكرة السودان الوطن، رغم أن ظروف نشأتهم أعقبت القمع الذي لحق بثوار ثورة 1924 و لذلك كانت الإنهزامية (الضعف العاطفي التسليمي) واضحةً ،إلى حدٍ ما، في أشعارهم الغنائية.
فن الدوبيت (شعر البادية)
هناك تشابه بين شعر العرب القديم و شعر منطقة البطانة كما يؤكد بروفسور أحمد إبراهيم أبو سِن بصحيفة الطرفة العدد الرابع 13 / 9 / 1993 : (إشتُهِرَت منطقة البطانة بالشعر الشعبي، و هو ما يسمى بالدوبيت، و هو أشبه بشعر الرجز المعروف في الشعر العربي و الذي يتكون من أربع شطرات، و من أشهر شعراء الرجز رؤبة بن العجاج، و لعل هذا التشابه بين الدوبيت السوداني و الرجز العربي يوضح لنا مدى التقارب بين بئة الجزيرة العربية و منطقة البطانة من حيث الطقس و طبيعة الحياة البدوية و ما فيها من حيوان أليف و ري.
و من أشهر شعراء الدوبيت محمد أحمد عوض الكريم أبو سِن الشهير بالحاردلو المولود بالبطانة العام 1816م و المتوفي في ريرة 1916م)
فن فترة الإنتقال
هو فن الفترة التي مهدت لظهور فن (الحقيبة) أو بالأصح الإنتقال من شعر القبائل الغنائي في البادية إلى الشعر الغنائي في المدينة، و هو الشعر الذي يقول عنه د. عزالدين إسماعيل: (إنه شعر متنوع الأشكال و الألوان، فلا يقتصر كشعر الدوبيت على وزن واحد و شكل واحد، كما إنه دقيق في إلتزامه بالأوزان و القوافي و الشكل المعماري الذي تُبنى فيه القصيدة و ليس كشعر الغناء القبلي الذي لا يلتزم دائماً بهذا الإلتزام)
نورد هذا الرأي مع بعض التحفظات التي ليس هذا مجالها، خاصةً و انه حدده تاريخياً بفترة ما بعد المهدية و أثناء الحكم الثنائي.
فن فترة (الحقيبة)
و (الحقيبة) مصطلح شاع حتى ساد، نأخذ به رغم خطله و ذلك من باب الخطأ الشائع، و يعنى به فن الغناء السوداني الذي شكَّل الحلقة التالية لحلقة غناء الطَّنبارَة و يُؤرَّخ له ما بين أواخر العقد الثاني و حتى أواخر العقد الرابع من القرن العشرين و من شعراء هذه الفترة شاعرنا سيد عبدالعزيز.
هو سيد عبدالعزيز محمود عبدالعزيز أحمد سليمان، المولود بحي العرب - أم درمان العام 1906 (أو 1905) لأب من المواليد، مولود بمدينة الأبيض بعد إستشهاد والده محمود في معركة قدير، و ينحدر أسلافه من مصر مديرية الفيوم بلدة فرقص و أدهيت حجر، و هي قبيلة تسمى بالفِرجان و تمتد أساساً ما بين مصر و ليبيا و من أشهر شخصياتها أبو زيد الهلالي. و والدة عبدالعزيز هي السيدة فاطمة أم جاهين شاع الدين بحر الدين من الفور.
والدة شاعرنا سيد عبدالعزيز هي السيدة فاطمة إسماعيل أحمد.
عمل والده عبدالعزيز محمود موظفاً بمصلحة المعارف، ثم كاتب عوائد بزريبة المواشي - أم درمان، ثم تاجراً بمشاركة إبراهيم أحمد بابكر (الشاعر إبراهيم العبادي).
تلقى سيد عبدالعزيز تعليمه بخلوة الشيخ سيد بأم درمان، كما تلقى دروساً في اللغة العربية على يد الأستاذ عبدالرحمن حماد المدرس بمعهد أم درمان العلمي، كما تلقى دروساً في اللغة الإنجليزية على يدي أحد أصدقائه من أهالي جزيرة توتي، ثم بمدرسة سوميت، بعدها واصل بإجتهاده الخاص فإطلع على كثير من الآداب العربية و الأجنبية ما سيكون له أثرٌ واضح في إرثه الإبداعي. و يقف وراء سعيه المثابر لتعلم اللغة الإنجليزية حادث جارح تعرض له، إذ كان مستلقياً تحت عربة بمصلحة النقل الميكانيكي بغرض إصلاحها فأحس بضجيج من أحد الموظفين الإنجليز بنبرات غاضبة الذي كان ينادي عليه (دون أن يسمع) و عند خروجه أحس في لغة الموظف الإنجليزي الغاضبة ما يمكن أن يكون تجريحاً فصمم وقتها أن يتعلم هذه اللغة، و قد كان، بل أنه سيكون لهذه الحادثة أثرٌ في شعره يجر عليه إحتجازاً و تعنيفاً و غرامات مالية.
بدأ سيد عبدالعزيز كتابة الشعر في سن مبكرة، و قد ساعد في ذلك بالإجازة و الحث صديق والده و شريكه الشاعر إبراهيم أحمد بابكر (إبراهيم العبادي). و قصة ذلك أن سيد رجا الشاعر إبراهيم العبادي أن يتوسط له لدى والده أحد أتباع و شيوخ الطريقة القادرية لكي يسمح له أن يكون (مغني) أي شاعر، و قد فعلها الشاعر الكبير بعد أن طلب منه أن إسماعه شيئاً من شعره، فانبرى الفتى منشداً من شعره !خيل السحاب":-
شوف خيل السحاب في بعضها بتسابق،
و في الجو تقول دخان حريقة و عابق،
متراكم علي بعضو البعض متطابق،
يبكي علينا رحمة، و نبكي نطرى السابق.
و استزاده، فأنشد:
خَتَرَت جات تميل تنظر إلى قتلاها،
وافى الجم كتير بهواها يوت يتلاها،
دا خلاف الأسير و الأنفس الشاتلاها،
لي قلباً كسير ككثير بعزة تلاها.
و كعادة الشعراء الكبار في ذلك الوقت كان لا بد من إجراء إختبار يطمئن معه قلب المُجيز، فكان أن رسم الشاعر العبادي صورة تخيُّلية لفتاة تسير بالطريق معطياً أبعاد الوصف من قوام و ملبس و طِيب ...إلخ و قال له أن يذهب و يأخذ ما يريد من وقت، ففكر الفتى قليلاً، ثم أبدى إستعداداً لقول ذلك لحظياً، فأنشد:
خترت غصن بان من النسيم لها ميلهْ،
تتمايح طرب هي من شذاها ثُمَيلهْ،
توريك إن أقبَلَت بدر و مها و خُميلَهْ،
و إن ما أدبرَت مُهراً يخوض في رُمَيْلَهْ.
(و قد ضمَّن هذه الأبيات إحدى مسرحياته في ما بعد).
و لهذا فقد كان الشاعر العبادي كثير الترديد أن سيد قد وُلِدَ راشداً في مجال الشعر.
قال عنه صديق عمره الشاعر عبيد عبدالرحمن: (لو أراد سيد أن يحدِّث الناس شعراً لفعل).
و إن كانت ثمةَ ملاحظاتٍ في بذرة هذا الشعر، فهي:-
1- إنه شعر تخيُّلي درج مدارج مربعات الدوبيت، أي أنه لم يخرج عن السائد من الشعر وقتها، إلا في تبنيه لغة حضرية سلسة (إنظر ،فضلاً، إجازة الشاعر ود
الرضي بواسطة الشاعر العبادي العام 1906):-
العبادي:
عكَّت جات تميل من الأرض حزَّازهْ،
زينة الخلقة داب ما حسَّبن بزَّازهْ،
دارت ليها دار و هو الفي الرزم عام زازهْ،
شفنا الدقة و الزرزور فصَل حزَّازهْ.
ود الرضي:
قادهْ غزير زراقهْ زولنا جيدا قزازهْ،
صارت تعترينا حنان و صرنا جزازهْ،
صرنا كزي زوال و العقل ذاب و إتزازهْ،
زارت الزام زبرجدا من فميله عزازهْ.
2- إنه شعر بدأ و منذ شرارته الأولى يركب مركباً صعباً، و ذلك بلزومه ما لا يلزم من ناحية القافية و حروف الرَّوي (إن صح التعبير).
3- السير على نهج السائد من الشعر (الدوبيت) من ناحية الشكل القالبي لم يحول دون توظيف المفردة الشاعرية البسيطة، و في ذلك دلالة على محاولته السير في طرق غير مطروقة، و تصميمه على المغايرة و التفرد، و تلك شهادة إثبات من ناحية أخرى بأن الشعر الجديد لم يأت منبتَّاً; بنفس القدر لم يكن ترديداً أو صدىً لما قبله بل إمتداداً و مواصلةً لرحلة الإكتشاف و التجديد. و قد ذكر سيد عبدالعزيز أنه كان مع أترابه حسن داراوي و عبيد عبدالرحمن يستمعون لما يقوله مَن سبقهم من شعراء معاصرين (العبادي و ود الرضي) بذهنية متفتحة و عينٍ ملؤها الإعجاب، ثم يأخذون في تقليد ذلك الشعر، و لأنه كان من جانبهم مجاراةً و تقليداً فإنهم لم يهتموا بحفظه.
* نظرة في حقب شعره:-
1- شعر فترة العشرينيات:
بدأ يتضح تماسك شعره و قسمات ملامحه في فترة العشرينيات، فتناقله رواة ذلك الزمان و غناه مغنوه; من ذلك:
# زهيرة روض الجنان - كرومة 1926
في خدورك و البدر نورك، يا زهيرة روض الجنان.
# بدر حالي - كرومة 1926
يا بدر حالي و عسلوك، عجزوا البدور ما يمثلوك.
# حور الجنة - كرومة 1926
يا خلي أنا عقلي جَنَّ، حين شفتَ حور الجنة.
# أنا متذكِّر - كرومة 1926
يا ليل يا ليل أنا متذكر، غالي و حالي طيبو يسكِّر.
# ملك الحِمى - عبدالعزيز المامون 1927
ملك الحِمى و رب الجمال، أهيف مهفهف خصرو مال.
# المال بالزهور - عبدالعال الحاج 1927
فرع البان المال بالزهور، أم دي الحياة و زينة الدهور؟!
# سيده و جمالها فريد - كرومة 1929
سيده و جمالها فريد، خلقوها زي ما تريد.
في خدودها وضعوا الريد.
ملاحظات:-
هناك تطور واضح في خط بيان الإبداع، و إصرار على إصطهاء الصعب و الذي لا بد أن يلقي ببعض الظلال على مضمون القصيدة نفسها، فهذا الإلتزام الصارم بنظام ختام كل بيت من القصيدة بخمسة أو أربعة أو ثلاثة حروف تسير على نهج واحد يقيد ،و لا شك، سلاسة الإبداع و يجعل الشاعر منشغل الذهن حد الصناعة،، و السؤال هو:
إذا لم يأت الشعر مقيداً هكذا فكيف تُرى كان يمكن أن يكون؟!
2- ثمةَ أرتباطٌ وثيق بين شاعر (سيد عبدالعزيز) و مطرب (كرومة)، و يجئ ملك الساحة وقتها (سرور) متأخراً في التعامل مع الشاعر، و لعل هذا يُعزَى للصداقة التي كانت تربط ما بين عبدالعزيز محمود والد الشاعر و محمد أحمد سرور و ما يتبع ذلك من حواجز إجتماعية و نفسية، و لعله ،أيضاً، جاء لمراهنة جيل ناشئ و صاعد على مقدراته و تقارب أحلامه.
3- بنهاية فترة العشرينيات بدأت تتضح ملامح الشعر الجديد و تسَيُّده للساحة مقابل شعر الدوبيت و الطَّنبارَة فالقصيدة تعدَّت طور البيت و البيتين كما كان الأمر عند الطَّنبارَة، كما أنها اخترقت قالب الرباعية الذي كان يسجن شعر الدوبيت.
ب- شعر فترة الثلاثينيات
هي أخصب الفترات و أزهاها في شعر سيد عبدالعزيز، كما أنها أوفر فترات الشاعر عطاءً و تنوعاً الأمر الذي أهَّله لإحتلال رقعة كبيرة من مساحة فن الغناء، كما أن هذه الفترة شهدت أكثر أشعاره رواجاً.. إذ تغنى له كرومة:
- السادة 1930
جنن عقلي يا السادة حب الكايدة حسَّادها.
- ما اشتكيت دهري
ما اشتكيت دهري و ما بكت عيناي،
لولا هجرك لي و حبي ليك يا مناي،
ما انتهب عقلي و ما اكتسبت ضناي،
و ما التهب جوفي و ما رضيت بعنا،
لى سواكي وفيا قِبلة مناي و سناي،
فيك معاني خلودي و فيك معاني فناي.
- الجنان في الدنيا 1931
الجِنان في الدنيــا و الليالي تدور،
أم دي ليلة و جمعت بين شموش و بدور.
- مكارم الأخلاق 1932
يا مكارم الأخلاق ليها مثليني،
في غاية الإخلاص و عنها أسأليني،
يا مراية الماضي عودي و أريني،
صوراً أراها اليوم في النيريني.
- من حور الجنان 1932
من حور الجنان أم أنتَ إنسان الكمال
أم أنتَ الملاك جيت توري الناس الجمال.
و فيها (الثلاثينيات) تغنى له سرور، و أكثر ما غنى له في عامي 1933 و 1934 حين كان يفكر جدياً في إعتزال الغناء:
- أنة المجروح
يا أنَّة المجروح يا الروح حياتك روح
الحب; و فيك يا جميل معنى الجمال مشروح،
من الوله للقاك دمعي الغزير مسفوح،
ناقم علي الأيام مع إنو طبعي صفوح،
إن كان تميس بنميس و إن كان تموح بنموح،
عدل الطبيعة جعل جور الحبيب مصفوح.
- حليف الصون 1934
- أقيس محاسنك بِمَن 1934
- يا مداعب الغصن الرطيب
ذلك ،و إلى جانب أغانٍ أخرى، غنى له زنقار أغنية الإنسان 1935
يا ناس بحب إنسان الحسنِ و الإحسان،
رَشَحو الندى الهتَّان هو و الزهور شتان،
هذه أمثلة، إذ أن هناك العديد من الأغاني الأخرى:
بت ملوك النيل / نظرة ياالسمحة ام عجن / أنا ما معيون / إجلي النظر يا صاحي / حاول يخفي نفسو .. و الكثير الكثير.
وقفة مع شعر الفترة
هناك ملامح فلسفية تصوفية و إستلاف قرآني، و توظيف مسميات عالمية كنيشان ممتاز القائد الحربي و جائزة نوبل و (ماتريد) و التي يُقال إنها من آلهة اليونان القديمة، و ذهب البعض إلى أنها ملكة جمال أو ممثلة سينمائية!! و لم يفلح بحثي الطويل في إثبات أي من هذه الإدعاءات، و في يقيني أن المقصود ليس (ماتريد أو ماتريت) و إنما قصد الشاعر الذي أراد أبلغ من كل ذلك حيث عنى; حسب ما تريد و تتمنى و تشتهي و تتخيل أيها الرائي الناظر إليها، إذ أن مقياس الجمال كان و سيظل أمراً و مقياساُ فردياً و هنا تكمن فرادة و عبقرية المعنى. و لعل في ذلك مناهضة للذين يقولون إنها خُلِقت كما تريد هي، فالإنسان لا يستطيع تصور كماله ليوافق كل الأذواق، فيكون المنطقي الأرجح; كما تريد أنت أيها الرائي و ليس كما تريد هي، ففي الأخيرة تجاوز و تقليل من قدرة الذات الإلهية بإنصياعها لطلب الطالب المخلوق، و هذا لا يليق بحافظ للقرآن بثلاث روايات...
كما أن الشعر إحتوى على غير مثال من التضمين (أو التدوير) ما أعطى القصيدة نَفَساً محبباً أطول إلا أن الشعر لم يخلع عنه عباءة الصرامة الشكلية تماماً، الأمر الذي سنراه في شعره فترة الأربعينيات.
فترة ما بعد الثلاثينيات
"إلتقيت به (بالشاعر سيد عبدالعزيز) وجهاً لوجه مع صديق عمره الشاعر الكبير عبيد عبدالرحمن بمنزل صديقنا حافظ عبودي بالموردة في منتصف الأربعينيات، لم يكن اللقاء غريباً فقد جمع نخبة من عشاق الكلمة الغنائية في جو سامر طروب، و كان لوجود الشاعرين المجددين فيه أعظم الأثر، و قد استطعت أن ألِم إلماماً سريعاً بدورهما الكبير في الإنتقال بالإغنية السودانية من حالة الركود في أواخر الثلاثينيات إلى الحركة القوية التي شملتها مع بداية الأربعينيات، و التي كانت بمثابة العصر الذهبي للأغنية السودانية، و كان سيد عبدالعزيز و عبيد عبدالرحمن ،دون ريب، رائديه العظيمين"
الشاعر مبارك المغربي رئيس إتحاد الأغنية السودانية.
13 / 11 / 1976م.
أفرزت تلك الفترة (فترة الحرب العالمية الثانية) إلى جانب الكساد الإقتصادي إنهياراً و إضمحلالاً في القِيَم فكان أن عانى فن الغناء سقوطاً مزرياً، فانتشرت الأغنية الهابطة فعلاً لا مجازاً، و تسيدت الساحة و هذا ما دعى شعراء الأغنية السودانية وقتها للتنادي إلى إجتماع إنقاذي كانت ثمرته إنشاء "جمعية ترقية الأغاني" في العام 1944م. و على ضوء ذلك يمكن أن نجد تفسيراً لقول الأستاذ محمد خوجلي صالحين مدير إذاعة جمهورية السودان الديمقراطية وقتها: هو -سيد عبدالعزيز- مَن إنتقل بزنقار إلى الأغاني الخالدات - 1976م.
تلك فترة إلتقائه بمجدد الأغنية السودانية و معلمنها العبقري إبراهيم بابكر أبوجبل (إبراهيم الكاشف)، فكانت الحصيلة أكثر من عشر أغنيات، مثل; الليلة لاقيتو 1942م، إستبدى و صار في حُكمو قاسي 1943م، و يا حبيبي أنا قلبي حاب رحلة بين طيات السحاب، و إنتَ عارف أنا بحبك و بحلفبك..إلخ.
كما استمر تعاونه مع زنقار بأغانٍ مثل (الفنان)
يا بلبل الأفنان أسمِعنا يا فنان،
موسيقة طرب من صوتك الرَّنان.
و هي من أغاني 1949م،،
كما تغنى له رمضان حسن إلى جانب أخريات بأغنية بلادي، العام 1951م
الجمال و الحب في بلادي
الحضارة و إزدهارها و إنتشارها.
و قد أجازت له لجنة النصوص آخر قصائده الغنائية (في ملتقى النيلين) 21 / 8 / 1976م و ذلك بعد رحيله في 18 / 8 / 1976م
و قد غني له من المطربين كل من:
- كرومة، أكثر من ثلاثين قصيدة،
- سرور، عشرين و نيف،
- الكاشف، أكثر من عشر قصائد
إلى جانب كل من: عبدالله الماحي - زنقار - عبدالعال الحاج - عبدالعزيز المامون - عبيد الطيب - إسماعيل عبدالمعين - فلاح - حكومة و الطيب - الثنائي ميرغني المامون/أحمد حسن جمعة - رمضان حسن - بادي محمد الطيب - رمضان زايد - عباس سرور - إبراهيم خوجلي .. و قد آخرون.
فاقت أغاني سيد عبدالعزيز المسجلة بالإذاعة المائة أغنية.
مؤثرات في حياته و شعره
1- حفظ القرآن الكريم و الحديث الشريف،
2- حي العرب النشأة و المولد،
3- قرب شعراء; إبراهيم العبادي، ود الرضي، صالح عبدالسيد (أبو صلاح)، أحمد حسين و الهادي العمرابي، أبوالجود، سلطان العاشقين..إلخ
و كذلك معاصرته للشعراء; عبيد عبدالرحمن، حسن داراوي، يوسف الحسن، عبدالرحمن الريح، محمد بشير عتيق، عمر البنا، علي محمود التنقاري، عبدالله سليمان (العشوق)، مسعد حنفي..الخ
4- الإطلاع على الشعر العربي خاصةً الجاهلي و حفظه الكثير منه،
5- الإطلاع على آداب وه ثقافات عالمية مثل الشكسبيريات، و لعل هذه مع سابقتها أعطت شعره تنوّعاُ و نَفَساً ملحمياً تمظهر و تجلى في مسرحياته الشعرية الثلاث:
* حسناء البادية (من خمسة فصول)
* معرض الأشكال (من أربعة فصول)
* صوَر العصر (من خمسة فصول)
6- مدينة الأبيض، التي نُقِل إليها في مأمورية حكومية فمكث بها فترة 14 عاماً
7- وفاة والديه في تاريخين متقاربين،
8- وفاة إبنه الطيار محمد في حادثة الطائرة الشهير بالدندر، و التي عزَّ عليه نعيه.
آثار الشاعر
^ قصائد أغنيات في بعض كتيبات صغيرة درجت على نشرها له و لرصفائه مكتبة محمود عزت المفتي بالخرطوم،
^ ديوان ليالي زمان; الجزء الأول و الجزء الثاني، و هما بالإشتراك مع الشاعر عبيد عبدالرحمن،كثير من القصائد العامية و الفصحى،
^ ثلاث مسرحيات سبق ذكرها،
^ مساهماته في الندوات و إلقاء المحاضرات بالأندية و المراكز و المشاركة بالأحاديث للإذاعة و التلفزيون،
^ له العديد من الدراسات و المقالات،
^ خاض الكثير من المساجلات.
و كذلك معاصرته للشعراء; عبيد عبدالرحمن، حسن داراوي، يوسف الحسن، عبدالرحمن الريح، محمد بشير عتيق، عمر البنا، علي محمود التنقاري، عبدالله سليمان (العشوق)، مسعد حنفي..الخ
و شعراء الشعر الهجين:
حاج عثمان جقود، يوسف حسب الله (سلطان العاشقين) و محمد على عثمان بدري و عثمان دوبيت و عبدالله سليمان (العشوق) خليل فرح.
4- الإطلاع على الشعر العربي خاصةً الجاهلي و حفظه الكثير منه،
5- الإطلاع على آداب وه ثقافات عالمية مثل الشكسبيريات، و لعل هذه مع سابقتها أعطت شعره تنوّعاُ و نَفَساً ملحمياً تمظهر و تجلى في مسرحياته الشعرية الثلاث:
* حسناء البادية (من خمسة فصول)
* معرض الأشكال (من أربعة فصول)
* صوَر العصر (من خمسة فصول)
6- مدينة الأبيض، التي نُقِل إليها في مأمورية حكومية فمكث بها فترة 14 عاماً
7- وفاة والديه في تاريخين متقاربين،
8- وفاة إبنه الطيار محمد في حادثة الطائرة الشهير بالدندر، و التي عزَّ عليه نعيه.
آثار الشاعر
^ قصائد أغنيات في بعض كتيبات صغيرة درجت على نشرها له و لرصفائه مكتبة محمود عزت المفتي بالخرطوم،
^ ديوان ليالي زمان; الجزء الأول و الجزء الثاني، و هما بالإشتراك مع الشاعر عبيد عبدالرحمن،كثير من القصائد العامية و الفصحى،
^ ثلاث مسرحيات سبق ذكرها،
^ مساهماته في الندوات و إلقاء المحاضرات بالأندية و المراكز و المشاركة بالأحاديث للإذاعة و التلفزيون،
^ له العديد من الدراسات و المقالات،
^ خاض الكثير من المساجلات.
^ إصدارات شعرية تمت طباعتها بعد رحيله، من دار البلد قائد الأسطول، أنة المجروح و غيرها ك الجمال و الحب.
طلال دفع الله عبدالعزيز
نوفمبر 1996.
tilalaziz@gmail.com