سيرة ومسيرة

 


 

طارق حاج التوم
21 September, 2022

 

غاب عمي د. سيدأحمد حاج التوم عن أرض الوطن سبعة سنوات مغتربًا في السعودية ثم الكويت محاضرًا في الرياضيات بكليات التربية ومعاهد المعلمين العليا. وجدير بالذكر أنه كان قبل ذلك من الأساتذة الذين أسسوا قسم الرياضيات بمعهد المعلمين العالي والذي تطور بعد ذلك إلى كلية التربية وأتبعت الكلية إلى جامعة الخرطوم. وسيدأحمد حاج التوم كان من ضمن الذين وضعوا مناهج التفاضل والتكامل والهندسة التحليلة التي درسناها في المرحلة الثانوية وكان يحلو لنا أن نناديه ( أبو السيد) مثلما كان يناديه أبي وعماتي أما جدتي بتول فقد كانت تناديه (فرج الهم البزيل الغم) كان محبوبًا جدًا فما أن يتواجد في مكان إلَّا وقد أشاع فيه جوًا من الفرح اللا محدود، وكان هو وأبي محمد عثمان وعمي د. بشير حاج التوم عليهم رحمة الله ورضوانه، كانوا جميعًا من المشتغلين بالتدريس وهذا بدوره ما جعلنا ننشأ في أسرة تقلقل فيها القاف وتُفخَّم الضاد ويخرج جميع منتسبيها ألسنتهم عند نطق الذال والثاء وقد جرت طبيعتنا بذلك بدون تنطع أو تصنع.
رحم الله أبو السيد وقد درس في طقَّت ثم في كلية الخرطوم الجامعية (جامعة الخرطوم فيما بعد) وتخرَّج في قسم العلوم وتخصص في الرياضيات وعمل معلمًا في وادي سيدنا الثانوية ثمَّ ابتعث إلى الماجستير في بريطانيا ثم نال درجة الدكتوراة من أمريكا متخصصًا في تدريس الرياضيات ( How to teach Mathematics ) وبذلك صار من بواكير أساتذة الرياضيات بكليات التربية ومعاهد المعلمين العليا وكان ذلك في نهاية الستينيات من القرن الماضي وبعد وصول نميري إلى الحكم خرج من السودان إلى السعودية كما أسلفت ومنها إلى الكويت وطالت غيبته عن الوطن وعن أمه بتول لسبع سنوات. وعند عودته احتفت به الأسرة أيما احتفاء وأذكر أنه كان يمضي اجازاته قبل ذلك في السفر إلى دول أخرى غير السودان وكان يعتزم السفر إلى بانكوك عاصمة تايلاند في تلك السنة غير أنه عزف عن ذلك وجاء إلى السودان ونظم في ذلك أغنيةً وشارك لحنها مع ابن عمتي د. طه العطا التشكيلي المعروف والأستاذ بكلية الفنون الجميلة والتطبيقية رحمه الله
كان نصيبي من ذلك أن أقوم أنا بأداء تلك الأغنية مع مصاحبة طه بالعزف على العود في بيتنا بحي الختمية (غرب) في تلك الأمسية الحالمة وقد تحلقت كل أسرتنا الكبيرة الحوش الكبير وأنا في ذلك الزمان الغضِّ أصدح بأغنية ألفها فرج الهم وكانت تمثل لنا جميعًا أهم ما اجتمعنا عليه!
كان مطلع الأغنية يقول:
(أوعى أوعى من بانكوك أقول
يلَّا لي بتول وبلاد الزول
بانكوك خطيرة الخوف منها
وبتول أمان تجذبني بحنَّها )
وأتحفظ الآن عن ذكر باقي الأغنية لما فيه من خصوصية لنا آل حاج التوم.
وفي تلك الأمسية في بيت بتول احتفالًا بها وبعودة فرج الهم شرَّفنا الأستاذ الفنان القامة محمد ميرغني صديق الأسرة وغنَّى:
شفتك ابتهجت
(وين يا غالي إنت
أنحنا الزمن شقانا
وإنت زي ما إنت)
كانت أمسية جميلة وتاريخية غنت فيها أختي المرحومة فواتح أغنية خليل اسماعيل الأماني العذبة وغنت سعاد بنت عمي أبو السيد أغنية الأستاذ أنس العاقب الجميلة والشهيرة:
( يا بلدينا
الماك طارينا
قاسية ليالي الفرقة علينا
آه يا بلدينا
الموجة الراحلة متين ترسى
حنيتك ليها تكون مرسى
بنريدك نحنا
وليه تقسى
ما تودينا
لبلدينا
يا
يا بلدينا)
يا وقع هذه الذكريات التي شهدها الصبي الذي لم يتعدَّ عمره الثانية عشرة وتتأتاه الآن وقد اقترب من الستين وهو إذ يقر بأثر تلك الذكرى في نفسه يعلم أنها تمتد بآثارها على كل أهله ممن كانوا حضورًا في ذلك المساء فأردت أن أشاركهم هذه الذكرى وأترحم على من مضوا وأدعو بطول العمر وسعة العافية لكل الأحياء

 

 

آراء