شانتا أشاريا: شاعرةٌ مقيمةٌ عندَ برزَخِ حضارتين 

 


 

 


وصفت الدار الناشرة ديوان شعر شانتا أشاريا الأوّل "ليس هذا؛ ليس ذاكَ" بأنّه– بعنوانه المأخوذ عن العبارة السانسكرتية "بَيْتِي–بَيْتِي"– يستكشفُ، إذ يُكتَبُ في لغتها المتبنّاة كلغةٍ أُمٍّ "الإنجليزية"، اندياحات مفهوم عنوانه الموحي بتأمّلٍ في الحياةِ يُمازِجُ الرّوحيَّ بالحسِّيِّ، الشّرقَ بالغربِ، الحدسَ بالذِّهنانِيّة.  ومن خلال استخدامها كتابة شعريّة حرّة أنجزت شانتا أشاريا– كما تقولُ الدّار النّاشرة– رؤيةً مُوَحَّدةً تُصالحُ عالميها المختلفين.  فمعظم عمل شانتا مُستقَىً من خبراتها كامرأةٍ هنديّةٍ في سبيلها إلى بلوغ توافُقٍ مع تناقضات الحياة.  وتحتفلُ ملاحةُ تصوُّرِها وغنائيّة مُتَخَيّلها بذاكَ النُّشدان المستمرِّ، مع مساءلةٍ له، هما– معاً– يُشكِّلان عنصراً جوهرِيَّاً في عالمها الشِّعرِيِّ.


ولدت الشاعرة شانتا أشاريا في كُوتَاك في ولاية أوريسا بشرقِ الهند.  وتلقّت تعليمها في المدرسة الدينية المحلِّيّة وفي كلِّيّة رافينشو حيث أكملت درجة الماجستير في الأدب الإنجليزي.  وذهبت إلى أوكسفورد في العام 1979م حيث كتبت رسالةَ دكتوراة بعنوان "إمرسون والهند".  وفي العام 1983م عملت أكاديمية زائرة في جامعة هارفارد.  وحتى العام 1994م كانت تشغل منصب مديرة استثمار في بنك بيرِنْقْسْ في لندن والذي صُفِّيَت أعمالُهُ قبل ما يزيد على الثّلاثة أعوام من الآن (1999م).  نشرت شانتا العديد من قصائدها في مجلَّات في الهند، المملكة المتّحدة والولايات المتّحدة الأمريكية.


القصائد التي ترجمتُها هنا مأخُوذةٌ عن مجموعة شانتا أشاريا الشعريّة الأُولى المسمّاة "ليس هذا؛ ليسَ ذاكَ" والتي صدرت، في العام 1994م، عن دار النّشر الهندية روبا وشركاه (طبعة أصليّة فاخرة).



لا أفعلُ شيئاً، لا أعرفُ شيئاً، لا أُحِسُّ شيئاً


لا أفعلُ شيئاً، متجمِّدةً إزاءَ التِلفازّ

عشائي (الأرز، كاري الدّجاج، "باجي" البامية)،

 الذي ما مُسّ، بدأ يبردُ،

فيما الأنباءُ تتوامضُ من كلِّ أنحاء العالم

وتشلُّني كأرنبٍ عاجزةٍ عن الفرار

إذ نوَّمتْها مغناطيسياً، في منتصفِ الطَّريقِ،

الأنوار الأماميّة للسِيَّارات،

أو وُرِّطَتْ

في حرجِ اختناقِ حلقومها

بعوازلٍ طبِّيَّةٍ أو أكياسٍ بلاستيكيّة

آنما ظنّت– خطأ– أنَّ القُمامَةَ

طعامُ عافيةٍ طيِّبٍ.


لستُ عالمةً بشيءٍ، متقرفصةً حولي

      أمام التلفاز،

مُصغيَةً إلى ما وجبَ على مُقدِّمِي التّقارير

أن يقُولُوه؛

كانت ريبتي تحاول ان تعصم روحي

فيما كلمات الصّديق ترنُّ عالياً فيَّ كجرسٍ:

"كلُّ شيءٍ تقرئينَهُ عن بلادنا صحيحٌ".

مسلَّحةً بـ"حقيقةِ" العالم، ماذا عليَّ أن أفعل؟

لستُ عالمةً بشيءٍ عمّأ يعني أن يكونَ الإنسان:

مسلماً في البوسنة؛ أسوداً في جنوبِ إفريقيا،

"هاريجاناً" في الهندِ أو منبوذاً

               في أيِّ حيثٍ من العالمِ هذا.

لستُ عالمةً بما يعني أن يعيشَ البشَرِيُّ

بلا طعامٍ أو ماء، دواءٍ أو مأوى؛

ليسَ بذِي أهمِّيَّةٍ أين ذلكَ حادثٌ:

في الصّومالو في الهند، في بنجلاديش

أو في المملكةِ المُتَّحِدة.


لستُ عالمةً بشيءٍ عن فقدِ صديقٍ،

طفلٍ، أبٍ أو أُمٍّ، أُختٍ، أو قريبٍ

في اعتداءاتِ قنابلٍ؛

ليس بذي أهمّيّةٍ أينَ ذلكَ حادثٌ:

في لندن، في دارنجتون، في نيويورك،

في بلفاست، في كولومبو، في كلاكُتَا،

في ليما، في بومبي، أو في القاهرة.

لستُ عالمةً بشيءٍ عن كونِ إنسانٍ يُولدُ

منزوعةً عنه حقوقُهُ؛

ليس مهمّاً أينَ ذلكَ حادثٌ:

في العراق، في الصّين، في أندونيسيا، في الهند، في أمريكا

أو أيّ مكانٍ آخرٍ في هذه الدُّنيا.

لستُ شاعرةً بشيءٍ، عدا رَهَقِ مُقَيِّدَاتِي الخاصّة،

قلَّة حيلتي وعاري.

مُذنِبَةٌ أنا بعيشِ حياتي الصّغيرة الخاصّة،

حياتي الأنانية، ولستُ عارفةً كيفَ– بالضّبطِ–

أُعينُ أو أُشَارِكُ "الآخَرَ" في بلائِهِ.


مُتَهَيِّئَةً لغدائِيَ المُعادَ تسخينُهُ بالمايكروويف

أُغلقُ مفتاحَ أخبارِ التّلفزيون؛

لا أشعرُ شيئاً، لا أعرِفُ شيئاً، لا أفعلُ شيئاً.



تأمُّلٌ في صحنِ حمّامٍ


تكثٌفٌ على المرآةِ

يمسحني خارجَ مداري.

يَتَقَوْلَبُ بُخارُ الأوهامِ المُتصاعدُ

على سقفِ حجرةِ السَّطحِ

تنبهِمُ الرُّؤى، يتسارعُ العالمُ

مع الأفكارِ، مع صِيَغٍ لا فِدَايَةَ لها

وأنا، السّيِّدةُ نارسيس،

ناشدةٌ، فقط، السّطْحَ غيرَ المُضَّطَرِب:

مرآةٌ نظيفةٌ، بيضاء ومُمِيْتَة.


بعدَ مُنازعَةٍ عظيمةٍ


بعدَ مُنازَعةٍ عظيمةٍ

تتنَزَّلُ سكينةٌ بديلةٌ–

فسماءُ الواعيةِ الزَّوبَعِيّةُ

الآنَ مُفْرَغَةً

من خواطرها في العاصفة الجليدِيّةِ

ومُلْتَفَّةً على نفسي كرهبانٍ ترابشسْتيِّين*

تحتفظُ الأشجارُ لنفسها

بصمتٍ لا شَيَّةَ فيه

الرّيح الباردةُ تهُزُّ

هذه السّكينةَ المزهُوّة

مُحيلةً نهارها إلى رقائقٍ متغضِّنَةٍ

وبلا رحمةٍ تبتسمُ

في وجهِ المنازعةِ اليائسةِ

في سبيلِ صونِ ماءِ وجهِ المظاهرِ

بأيِّ ثمنٍ

وجوهٌ غريبةٌ مُغمدَةٌ في قِرابَاتها

تسعى على هذى الشّوارعِ

راغبةً وصلاً

أكثَرَ مباشَرَةً

بالشَّمْسِ.


هامش:-

* من "تِرَابِسْتْ" التي تعني راهباً مُنتَمِياً إلى فرعٍ من طائفةٍ دينية مسيحيّة تُدعى "الطائفةَ السِّسْتَرْشيَّة"...  يتبعُ هذا الفرعُ من الطَّائفَةِ إيَّاها– والذي أُسِّسَ خلال النِّصفِ الأوَّلِ من القرنِ الثَّامن عشر– قانوناً كَنَسِيَّاً إصلاحيَّاً وضعهُ، في العام 1664م، دي فرانس، راعي دَير لاترَابي في نورماندي.

انشغَالُ لحظةٍ


ومُنَشَّرةً حيَّةً

كنهرٍ على تُربَةٍ يَبَابْ

أرغَبُ فَقَطْ

في أن أُصِيْرَ خاليةً تماماً؛

أن أحيا وعينَاي

مُدَارةً صُعُدَا

ومُفْرَغَةً من كلِّ الرّغباتِ

مُنْدَاحةً أكونُ، فجأةً،

على زَمِيْمِ زوبعةٍ،

مُصعَّدَةً على الحِسِّ،

مُقَوَّسَةً على النَّشوَةِ ومندغِمةً

في انثيالِ لحظةٍ، حرِّيَّةٍ.

تحني الشّمسُ ضوءَها على رؤيتي

متجاوزَةً محصَ انشِغَالِ لحظَةٍ.


تعدادُ أوهامِ أيّامنا


زهُورِكَ مائلةٌ إلى الوراءِ

في قاعدةِ إنائي

عزيزةٌ كتلكَ الأيّامِ المُنافقةِ

التي غادرتني صامتَةً،

محتشِدَةً بالشَّماتَةِ،

مانحةً إيّايَ

مِضْمَارَ رؤيةٍ فخيمْ

أنا أبحثُ عن الكلماتِ

على حوائطٍ صفراءٍ،

من ضوءِ الشّمسِ،

          واقِفَةً بيننا

وكلُّ صباحِ يومِ "أَحَدٍ"

أُراقِبُ بصبرٍ

ظِلَّينا وهما ينسلاّنْ

واحدُهُما في الآخرِ

نحنُ نكبَرُ والشّمسُ

مُعَدِّدِيْنَ أوهامَ أيَّامِنَا.


إيمان


"ثمةُ أشياءٍ لا حاجةَ لكِ في معرفتها"،

قالت أُمِّي لي ذاتَ مرّةٍ

وخزْتُ فيها بالوناً

كي أعرِفُ خباياه.


"ثمةُ أشياءٍ لا تحتاجينَ إلى معرفتها"،

قالَ أبي ذاتَ حينٍ

وخزْتُ فيهِ إصبعي

لأرى كيفَ أنزِفُ.


"ثمةُ أشياءٍ ستفشلينَ في أن تجِدِيْنَهَا"،

قالَ والِدَيَّ معاً

آنما طرتُ بعيداً عن عُشِّهِمَا

كي أكتشِفُ "عالماً جديداً جريئاً".


حكمة


وقفت الشّجرةُ

       ضخمَةً:

   جَدَّةً بدينَةً

   بُوذَاً ضاحكاً

يُعَلِّمُ الأوراقَ اليافِعَةَ

أن تتثَنَّى مع النَّسيم

وتلعبُ مع الشَّمس.



لندن، ا أبريل 1999م.

إبراهيم جعفر.

khalifa618@yahoo.co.uk

 

آراء