شوقى أنا للبلد بى حالا والشوق لى تراب أهلى

 


 

 

 

 (10)

 

 

بدأ أهالى البلد يتوافدون على المقر المعد لإقامة أبى إسماعيل بمنزل العم نمر وكانت الوفود من الزومة والمناطق التى حولها مقاشى .... الأراك .... حزيمة .... البرصة ..... البار ... الكرو .. بعض هذه الوفود أتى من مروي .... الطريف... كريمة ..... البركل .... أضفى هذا الحضور على الزومة جواً إحتفائياً وانتعشت حركة العربات منها وإليها وحتى الدواب ساهمت فى هذا الحراك ..... وكان لأهلى بالزومه رجالاً ونساءاً فضل القيام بواجب الضيافة لكل القادمين وتهيئة المنازل لإستقبالهم ونصب الصيوانات وتوفير الماء وحتى علف الدواب ... كم أنا فخورة بكم أهلى لهذا الكرم الفياض والأريحية السمحة ....

 

بدأ كرنفال الإحتفال للدعاية الميدانية بزيارة مواطنى القرى المجاورة بموكب كبير يتكون من عربات مختلفة الأحجام والموديلات وكان إسماعيل حسن يستغل عربة لاندروفر تسير فى وسط الموكب بينما تتقدم الموكب عربة بوكس وضعت مكبرات صوت فى أعلاها تهتف لأبى بشعارات حماسية لبرنامجه الإنتخابى من أجل إنسان المنطقة وللمزارعين والغلابا .... وسط هذا الكم الهائل من الناس والعربات كنت ضمن ركاب أحد البكاسى وكنت أتابع هذا الحراك فتخيلت أننا نزحف فوق بساط سحرى يتحرك بنا فى عالم الخيال فقد كانت هذه هى المرة الأولى التى أخرج فيها من مجتمع المدرسة والأسرة لتجمع كبير يجمع كل هذا النفر بقصد مؤازرة أبى إسماعيل ..

كان الموكب يتوقف على فترات متفاوتة عند كل تجمع فيخاطبهم إسماعيل ويشعل حماسهم بطريقته المتفردة فى الإلقاء خاصة عندما تتخلل خطبه أبيات من شعره ولقد لاحظت أن الجميع يحفظون شعره ويتغنون به جماعات وفرادى ...من شدة فرحى كنت أتمنى أن اقف فوق مكان مرتفع لأصرخ بأعلى صوتى أنا بنت إسماعيل حسن (تخيلات تحت بند كل فتاة بأبيها معجبة)

الآن نحن وسط ميدان متسع به تجهيزات تدل على أنه قد تم إعداده ليكون نقطة التجمع الرئيسية فلقد تم توزيع مكبرات الصوت على كل أرجائه بطريقة تسهل للجميع سماع من يخطب وقد تم كذلك توزيع أوانى كبيرة تحتوى على مياه الشرب وفى منتصف الميدان تم إنشاء منصة وضع عليها المايكرفون وكانت تحتوى أيضاً على تربيزة كبيرة وبعض الكراسى ... توقف موكبنا عند هذا الميدان واعتلى إسماعيل المنصة مع بعض مرافقيه ..... تم إفتتاح اللقاء بايآت من القران الكريم وبدأ المتكلمون فى إلقاء الخطب وتهيئة الناس وتوعيتهم بمغزى الإنتخابات وتحريضهم لإعطاء صوتهم لإسماعيل ليمثلهم فى البرلمان محققاً لطموحاتهم ومطالباً بحقوقهم .... أخيراً تم تقديم إسماعيل لمخاطبة الجماهير الذى وقف بطوله الفارع يرتدى الجلابية البيضاء والعمامة والشال وفوق ذلك يلبس بالطو اسود يقى جسمه النحيل قسوة برد الشمال .... إرتج الميدان بالتصفيق والهتاف ترحيباً به وبادلهم أبى الترحيب بالتلويح معبراً عن سعادته بهم وبجمعهم الكريم فشكرهم على هذا التدافع والإلتفاف حوله وعدد لهم إحتياجات البلد فهو ليس غريب عنهم فكان يعرف مشاكلهم ويحس معاناتهم ووعدهم بأن لا يغمض له جفن ولا يهدأ له بال سعياً لتحقيق مطالب المنطقة وكان الناس يقاطعونه بالتصفيق والهتاف واختتم خطبته بإلقاء بعض قصائده التى ترتبط بالبلد .... كلنكاكول .... يا حليلك يابلدنا ..... بلادى أهلا يا بلادى ... وكان كلما أراد أن ينهى خطابه يهتف الناس له طالبين منه مواصلة حديثه فلقد كان أبى عذب الحديث مفوهاً يجيد فن الخطابة فكان ينصاع لطلبهم حتى ظهر الإجهاد عليه وعلى نبرات صوته فسمحوا له بأن يختم حديثه الذى كرر لهم فيه شكره وعرفانه وعهده لهم ....عندها إعتلى عشرة شبان المسرح وهم يحملون طنابير يعزفون عليها بنغمات متناسقة يرافقهم عازف الدليب الشهير محى الدين بإيقاعاته المميزة يترنمون بأغانى إسماعيل حسن وكان الجمهور يشاركهم الأداء

 

مـِـتـِـيــنْ يـَا الـلـَّـه نـَـرْجـَـعْ لـِـى الـبـَـلـَــدْ طـَـوَّلـْـنـَـا مِـنْ أرْضْ الـحُــنـَـان

يـَا حـِـلـِــيــــلْ بــِــلادْ وَادِى الـنـَّـخـِـيــلْ الـعَــالـْـيـَـة تـِـتـْـحَــدَّى الــزَّمَـــان

 

******

يـَا حـِـلــِـيـــلْ بــِــنـَــيــَّـات الـفـَـريـــقْ والـلـِّـيــلْ يـَـزَغـْـــردْ بــِالــدِّلـِــيــب

الـصَّـفـْــقـَــه والـطـَّــنـْـبـُـورْ يـَــرنْ ... الــشُّــوقْ يـَـهَــوِّدْ بــِالـلـَّــبــِــيــب

الــسُّــــوط ْعـَـلـِـى ضَــهَـــرَ الـبـُـطـَــانْ يــِـنـْـجـَــرَّ زَىْ دَرْبْ الـــدَّبــِــيــب

يـَا حـِـلـِــيـــلْ صَــنـَـادِيـــدْ الـرِّجَــالْ الـحَـاشَــا مَـا خـَــتـُّـولـْــنـَـا عــِــيــب

 

******

يـَا حـِـلـِــيـــلْ نـِـويــــرَاتْ الــفـَــريـــقْ بــِــتـْــضَـــوِّى زَىْ نـُــورْ الأمَــــل

يـَا حـِـلـِــيـــلْ حـَــنـِــيــنْ الأمَّــهَــــات مُــشْــتـَــاقــَــه لـِـى وَلـَـــدَاً رَحـَـــل

لامْــتـِــيــنْ يـَـعُــودْ يـَـمْــلأ الــفـَــريــقْ بــِالـفـَـرْحَــه زَىْ مَــلـَـكـَــاً نـَـــزَل

يـَـمْــسَــحْ دُمُــــوعْ سَــالـَــتْ كـَــتــِــيـــرْ ويـَـعَـــدِّلْ الــعَــــوَجْ الـحَــصَــل

 

******

بــِالــلـَّـهِ يـَا سـِــرْبْ الـحَــمَــامْ ......... لـَــمَّــنْ تـَـــرُوحْ دَارْ وَدْ قــَـمَـــر

سَــلـِّـمْ لـِـى بــِالــشُّــوقْ الــكـَـتــِـيـــرْ ...

حـَـتــَّى الــتـُّـــرَابْ حـَـتــَّى الــقــِـمــِــيــريـَّـاتْ يـَـقــُـوقــِـنْ فـِـى الــتـَّــمُــر

حـَـتــَّى الـجَّـــدَاولْ والـنـِّــعَــاجْ ......... الــرَّاقـْـــدَه فـِـى ضُـــلَّ الـعَـصُــر

والـلـَّـهِ يـَا سـِــرْبْ الـحَــمَـــامْ طـَــعْـــــمَ الــفـُـــرَاقْ فـِـى حَــلـْــقـِـى مُــــر

خـَـايــِـفْ مَــغـَــبــَّـاتْ الــزَّمَــانْ ....... بـَـاكـِــرْ وَرَايـَـا يـَـقـُــولـُـوا كـُـــر

 

عندها إستبد الطرب بأبى فعاد واقفاً رافعاً يديه مبشراً مشاركاً الشباب طربهم وكانت عينيه تذرف الدموع لهذا الوفاء النادر الذى يلقاه من أهله البسطاء الغلابا الذين إقتطعوا من قوت يومهم ومن وقتهم وجهدهم ليتفرغوا للترحيب به ... فصاح إسماعيل بأعلى صوته

 

ديلة قبيلتى لما أدور أفصل للبدور فصلى

أسياد روحى والإحساس وسافر فى بحار شوقن زمان عقلى

أقول بعضى ، ألاقيهم تسربوا فى مسارب الروح بقوا كلى

محل قبلت ألقاهم معاى معاى زى ضلى

لو ما جيت من زى ديل ، كان أسفاى وا مأساتى وا ذلى

تصور كيف يكون الحال لو ما كنت سودانى وأهل الحارة ما أهلى

 

 

بدأت السماء فى إرسال زخات مطر وكأنها تبارك هذا اللقاء فلطفت الجو وهدأت من الغبار الذى أثارته الحركة المتداخلة من البشر والعربات والدواب ... بعد ذلك تم توجيه الجماهير لتناول الغداء الذى تم توزيعه على مجموعات وقد قام المشرفون على الإحتفال بتنظيم فائق الدقة جعل كل الحضور يجدون مكاناً للجلوس لتناول الطعام وإحتساء الشاى .......

كان يوماً حافلاً إستقر فى ذاكرتى إلى يومنا هذا وسيظل ما حييت .....

__________________

 

AHLAM HASSAN [ahlamhassan@live.ca]

 

آراء