شوقى أنا للبلد بى حالا والشوق لى تراب أهلى … بقلم: احلام اسماعيل حسن

 


 

 

 

(9)

 

 

كان لتلكم الزيارة لهذا الجبل الشامخ العظيم واستحضار كل ملوكه وسطوته أكبر الأثر فى نفسى حيث شعرت بقوة رهيبة إستقيتها من هذا الموقع التاريخى الذى يحكى كم هم عظماء أهل هذه الديار ....

إنتظم موكبنا للتوجه نحو أهلنا بالزومة وكانت فى المقدمة سيارة تحمل مكبرات صوت تنطلق منها هتافات داوية تشق عنان السماء مؤيدة ترشيح أبى إسماعيل ممثلا لأهلى الغبش فى تلك الدائرة وكان أبى قد سبق له الفوز عن دائرة سنار أكثر من مرة وقد إكتسب خبرة فى إدارة العمل السياسى بالعاصمة وكيفية التعامل مع الدوائر الحكومية ولم يكن يطلب سلطة ولا جاهاً لكنه حبذ أن يرشح نفسه بالمنطقة حتى يقدم من خلال موقعه خدمة لهذه الأرض التى أحبها فبادلته عشقاً بعشق ووفاءاً بوفاء ... إعتلت مجموعة من الشباب سطح الباصات واللوارى هاتفة لإسماعيل وصدحت اللوارى بترانيم أبواقها تعزف ألحان شجية وكانت تسير ببطىء متعمد حتى يشبع أهل القرى التى نمر بها تطلعاتهم لمعرفة الموكب ومن هو المرشح وكان أبى يقف ممشوقا يرد تحية الجماهير بأحسن منها ... فلقد كان معظم الأهالى يسمعون بإسماعيل عن طريق أشعاره التى تغنى بها كبار المطربين والآن يتطلعون لمشاهدته وهم فخورين به ... حقيقة لم أكن أعرف كم هى المسافة ما بين جبل البركل والزومة ولا أعرف كم من الوقت سنقضيه حتى نصل لمنزلتنا وهل هناك محطات كمحطات القطار سنتوقف عندها ..؟ كل هذه الأسئلة دارت بينى وبين نفسى سراً لم أفصح عنها لأحد وتظاهرت أننى أعلم كل شىء ... كنت أتابع هذه الجماهير وأتفحص أوجه الأهالى وأرسل نظراتى يمنة ويسرى لأرى منظر المبانى وأشجار النخيل حتى الحيوانات لم تسلم من إستطلاعاتى وكنت فى غاية السعادة والفرح لما يدور حولى وتمنيت أن يمتد الطريق لعدة أيام كالتى قضيناها فى القطار .... عندما تذكرت تلك الأيام الخمسة التى قضيناها من الخرطوم إلى كريمة وتلك العلاقة التى نشأت بين ركاب العربة التى كنا نستغلها شعرت بألم لفراق هؤلاء النفر الذى تمتــّنت العلائق بينهم فصاروا كالأسرة الواحدة ولقد تواعدنا أن نلتقى فى زيارات لبعضنا البعض .... وأنا فى غمرة فرحى بما اشاهد وبإستعراضى لرحلة القطار إذا بأبى ينتشلنى من هذا العالم لينبهنى أننا على مشارف الزومة التى ستكون مركز حملتنا الإنتخابية ثم أردف أن كل شىء مجهز لإستضافتنا .... فلقد تم تهيئة منزل كامل تابع لآل نمر ليكون منزلة للرجال وإستضفنا أنا وشقيقتى أمانى مع أسرة نمر والباشا وأسرة طمبل وهنالك بدأت الروابط الأسرية الصادقة النقية تفعل الأفاعيل بى وتهزنى لدرجة البكاء ... كم هم أخيار أهلى ... أين نحن فى المدن من هذا الحنان .... أين نحن من صدقهم .... أين نحن من كرمهم ...؟ فرحهم بضيفهم .... أين وأين وأين نحن ؟؟؟؟ عند وصولنا كان كل أهل الزومة رجالا ونساءا كبارا وصغارا فى إستقبالنا بالنحاس والهتاف والزغاريد والتهليل والتكبير ....ينتشرون فى كل الطرقات والأزقة.. فى تلك اللحظة شعرت أننى ذرة ماء وسط محيط لا ساحل له ...

.... كم هم واهمون أهل المدن وكم هم سعداء أهل القرى .... عرفت معنى أن تنبع البسمة من دواخلك لتسرى في شرايينك حتى تصل قلبك ..

هنالك عرفت أن أهلى إستمدوا من النخلة طولاً ومن النيل عذوبة ومن التاريخ عظمة و فخر

... شعرت أننى أنتقل من كوكب الأرض لفضاءات لا حدود لها ... أجواء صافية نقية .. فضاءات لا تعرف الدونية ... كم أحببتكم أهلى ... لكم سأغنى كما غنى إسماعيل

 

 

أنا يا بلد لو جيت زمان

 

أيام جدودي وعزهم

 

أيام سيوفا

 

والزمان ما بهزهم

 

لو ده الحصل من دون جدال

 

كنت الشهيد

 

وانا في البعيد خليت

 

طنابيرن ترن في كل بيت

 

والصفقة ضجت في الصعيد

 

أصلي ما طوعت حرف الريد

 

يزغرد لغناى

 

طبيعة طبعى من تاتيت

 

فوق هذا التراب الغالي

 

شعري وهبته للناس الشقايا

 

وتريت الحروف متل الحرير

 

نسجت بمنوال هواى توب العرايا

 

قطعت من جلدي الرهيف

فصلت نعلت الحفايا

ومن قلبي البينزف كان سقايا

واصلى ما ضنيت للعطشان

وللكايس السقايا

وللزراع

..والزراع دلاقينهم علي

درب الامل

أشرف عباية

 

 

هذه مجرد مقدمة ...سأعود لأحكى لكم عن تلكم الأيام ...

__________________

AHLAM HASSAN [ahlamhassan@live.ca]

 

آراء