شُجيراتُ السَّلامِ النَّابتةُ على أرضٍ عَانَقَ ثَقافيُّها اجتماعيَّها … بقلم: د. حسن محمد دوكه

 


 

 

(18)

د. حسن محمد دوكه

طوكيو - اليابان

dokahassan@yahoo.com

 

( إنَّها شُجيراتٌ مُحايدةُ الوُرَيقَاتِ " الطَّرَق " ، مُتجذِّرٌ فيها نبضُ البوحِ .

أو خِنجرُ الأسفلتِ " عولميُّ المنبتِ " على صَدْرِ الرَّواكِيبِ " الغَلَط " ! ).

 

" ...أعلمُ أنَّ الموتَ حقٌّ، والحياةَ باطله،

والمرءلا يعيشُ، مهما عاشَ، إلاّ ليموت ، وكلّ صرخةٍ مصبُّ نهرها السكوت،

وأروع النجومِ هاتيك التي تُضيء دربَ القافله... " .

( الشاعر السوداني : محمد مفتاح الفيتوري ).

 

حقلا العلم والتعليم بجانب التربية وهي ترفل مزدانةً بمآلاتها الحتمية،أو المُرتجاة – في شوقٍ وترقُّبٍ حميم و هميم - ،سابحةً في فضاءاتِ آفاقها المحلية، والإقليمية، والوطنية، والعولمية، مُختالةً " في غير ما عَجَبٍ وبَطَر " بين مضاربِ العبادِ والبلادِ ، تنثرُ عبقها مُنتاشاً أكبادَ إبلِ التقدُّمِ والرُّقي " دنيا وآخره " في ثوبها الإنسانوي،نواحي الرنك "البريق " وضواحيها، قد ظل يفلح أرضهما ( العلم والتعليم) أبناءُ الرنك " الخُلَّص " المنحدرون من بطون قبائلها "السودانوية" المتماوجة في تداخلٍ ثقافي اِجتماعي مآلي (دينكا أبيلانق،السليم،الشلك،نزِّي،البرون، التعايشه،بني هلبه،رفاعه،الفور،البرقو، النوير،دينكا بور ... إلخ )!حيث أضحى وَسمُ " الملكية " صفةً تُطلق على كل مَن ينتسب إلى الجنوبِ عرقاً، وأصلاً، ومواطنة ، ويعتقد في الإسلام ديناً . فخلال سبعينات الألفية الفائتة، تدافعت جموعٌ من أبناء الملكية تفلح الحقل التعليمي في الرنك وما جاورها من قرى وفرقان، راعيةً شجيرات السلامِ التربوي في كلوروفيلاته التعليمية ( الابتدائية، والمتوسطة، حتى تخوم الثانوي ). فهذه الجموع المستنيرة بقيم التداخل التاريخي الحميم بين قبائل شمال أعالي النيل، والمنيرة دروبَ المعرفة لأطفالٍ سيكبرون وهم يتسودنون فكراً ، وسلوكاً ، ومآلا ، ناسجين خيوط التطلع لغد أفضل، باذرين  – رغم برعمةسنهم- حُبيباتِ التماسكِ والعطاء على تربة الوطن الممهورة بمخصِّبات الذات وهي تتجلى في أسمى معاني الإنتماء لأرضٍ أسموها السودان، وأسميناها الوطن!!.

وجدنا أمامنا معلمين أكفاء، وأساتذة أجلاء، ومعلمين مهرة، وتربويين منحازين لمهنتهم،وإنسانيتهم،ووطنهم الكبير، ومجتمعهم الصغير. بعضهم قد خطَّ على مستقبلنا دروباً من المعارف أنارت لنا عتمة المستقبل، ومازالت تحثنا على المضي قدماً " غائصين" في لُججِ بحار العلم والتعلُّم. وبعضهم عايشناه  - على بُعدٍ – تلفنا سيرته العطرة في مسارات الحياة جميعها ( في الرنك وما جاورها من ضواحٍ وأرياف) وفي الحقل التربوي التعليمي على وجهٍ أخص. نذكر منهم العم ( عليه رحمة الله) الأستاذ أحمد سعيد آدم ( نمر) بصوته العميق الوهيط الواضح، وشخصيته الكاريزمية المؤثرة، ونهجه التربوي الصارم في لطفه، وهو يقود مدارس الرنك والقيقر معلماً ومديرا. ومثله أستاذنا حسين عيسى حسين ، والذي تشرفنا بتديسه لنا مادة الرياضيات، فقد كان مهاباً ومحبوباً في الوقت ذاته.  و الأستاذ مراد الإمام الذي اِنضم إلى كوكبة معلمي مدرسة وددكونه الإبتدائية معلماً إيانا ، ومربيا، وقد شاء الله أن لم نلتقِ منذها، وقدّر الله – يا سبحان الله – أن نلتقي بعد أكثر من ثلاثة عقود ( ثلاثين عاماً ) بمسجد الرنك الكبير أوان زيارتي الأخيرة لها عام 2006م، وقد كان ذلك بُعّيدَ صلاة العِشاء أمام المسجد. وقد عَرفته " ولم يتعرَّف عليَّ " ، فبادرته بالسلام الحار لأستاذ لنا كان لاسمه وقع قوي على آذاننا ، ونقش فوتوغرافي  على ذاكرتنا، حيث لم تألف مجتمعاتنا شمال أعالي النيل على إطلاق اسم ( مراد ) على أبنائها. كان أستاذ مراد هُوَ هُوَ ، لم تغير السنون في ملامح وجهه وجسده شيئاً ذا قيمة دلالية!. نسأل الله له العافية وطول العمر. ثم هناك أبناءُ خالتنا ( بتول الشيك ) الأستاذ الزبير محمد نور ، وعبد الحافظ محمد نور، وهما سليلا هجين التزاوج بين ملوك الحلفاية، ونظارة دينكا أبيلانق ( دينق الأحمر )،حيث ظلا يعلمان الأجيال تلو الأجيال بالرنك وما جاورها،وقد انشغل – إلى حين – الأستاذ الزبير محمد نور بالسياسة ، فصار نائباً برلمانياً ، وتفرَّغ الأستاذ عبد الحافظ محمد نور للدراسة بمعهد الموسيقى والمسرح ( كلية الدراما والموسيقى الآن بجامعة السودان )، وتخرَّج فيها أستاذاً موسيقيَّاً مازالت وزارة التربية والتعليم بأعالي النيل تستفيد من خدماته، ومعارفه، وقدراته الإبداعية الموسيقية والتربوية.

 

 

 

و نواصل

 

آراء