طـلائع البجا في اوربا: ردا علي مقال الاستاذ يحيى العوض … بقلم: د. ابومحـمد ابوامـنة
اطلعت علي مقال الاستاذ يحيى العوض الممتع عن ’الشتات السودانى: مفجآت البحث عن الشتات’ بسودانايل بتاريخ 17 آب/أغسطس 2010.
لي ملاحظات عابرة عن ذلك تتعلق عن البجا واحضارهم لاوربا في القرن التاسع عشر. صحيح ان كثيرين من البجا احضروا لاوربا في ذلك الوقت وخاصة الي المانيا والنمسا. ولم يكن الغرض من ذلك تشييد خيام السيرك, كما جاء في المقال, وانما للاسف ويا للمرارة لعرضهم هم انفسهم في حدائق الحيوانات وداخل اقفاص للفرجة وللربح. وربما توجد صور لذلك في ارشيفات المكتبات المتخصصة والمتاحف. مثل تلك المعارض التي اقامها كارل هاقنبك كان الغرض منها الي جانب الكسب المادي ترويج للنظرة العنصرية التي تنادي باستعلاء الجنس الابيض والتي انتشرت بشكل حاد منذ عام 1880 م.
اشتد الاهتمام بقبائل البجا في اوربا اثر انتصاراتهم المذهلة علي القوات البريطانية في شرق السودان في القرن التاسع عشر وكانت بريطانيا حينها قوة عالمية لا تقهر وانتشرت مستعمراتها في كل بقاع العالم شرقا وغربا ولم تكن الشمس تغيب عن ممتلكاتها. كانت بريطانيا وقتها تهزم ولا تهزم. الا ان قوات البجا تحت قيادة الاميرعثمان دقنة الحقت بها هزائم فادحة وحطمت اسطورة المربع الانجليزي في معركة تاماي الكبرى, هذا المربع العتيد الذي كان مفخرة الفرق البريطانية, والذي عجزعن تحطيمه الإمبراطور نابليون بونا بارت في معركة وترلو.
قد خلد روديارد كبلنج, شاعر الامبراطورية المعروف, في قصيدته ’فزي وزي’ الشهيرة, بسالة المقاتل البجاوي. ترجم الاستاذ عبد المنخم خليفة تلك القصيدة ونشرت في سودانيزاونلاين علي الموقع:
http://www.sudaneseonline.com/ar/article_22427.shtml
جاء فيها انهم خبروا الحرب مع رجال عديدين عبر البحار الممتدة منهم البايثان والزولو والبورميين غير أن البجا كانوا أكثرهم روعة, وان القوات البريطانية لم تجد منفذا لاختراق صفوفهم أبدا, بينما البجا يرمون خيلها ويمزقون حراسها في سواكن وكأنهم يلاعبون الجند لعبة القطط الموسيقية وبذلك تبوءوا أرقى مراتب المحاربين. وقال ايضا:ـ
لكم أيها البجاويون يا أصحاب الهامات الشامخة
لكم أيها الفقراء السود يا ذوي العزائم العالية
يا من نجحتم في كسر صفوف كتيبة بريطانية
أهدي هذه القصيدة.
اثارت هذه المعارك وتلك القصيدة اهتمام الراي العام الاوروبي باكمله عن مجريات الاحداث علي ساحل البحر الاحمر.
قد جعلت الصحف في مختلف ارجاء اوربا اخبار معارك شرق السودان علي صدر صفحاتها الاولي وحينها كما اليوم لم يكن العالم يعرف الكثير عن قبائل البجا التي تنازل الجيوش البريطانية وتلحق بها الهزائم. وزاد حب الاستطلاع ونمي الاحساس بالتعرف عن المزيد عن تلك القبائل.
لقد انفجر الاهتمام بالبجا كالهشيم في النار.
حينها قرر بعض المغامرين من التجار الاوربيين استغلال الفرصة واحضار البجا احياء وعرضهم في حدائق الحيوانات طلبا للمال. وقد تم ذلك فعلا واقيمت المعارض في بعض المدن الالمانية والنمساوية.
ومن اللطيف ان نذكر هنا انه بينما كان الاوربيون يتأملون في هذه المخلوقات الغريبة كان البجا يسخرون من جانبهم من تصرفات المتفرجين نحوهم وقد ألفوا قصائد شعرية رائعة عكسوا فيها كثير من التهكم بتلك الوجوه وفيها الاعتزاز بالنفس وبالتاريخ المشرف وبالفخر بالفروسية التي اشتهروا بها.
لقد احتفظ الاحفاد بتلك القصائد الي وقتنا هذا, كما حكي لي استاذ الاجيال محمد طاهر حمد, رحمه الله, وكان يحفظ هو بنفسه الكثير منها.
اما كون البجا المصدرين من الحلنقة, كما جاء في مقال الاستاذ يحي العوض فشئ غير محتمل لبعد هذه القبيلة عن ميناء التصدير في سواكن والاحتمال الاكبر انهم من القبائل التي لا تبعد كثيرا عن الميناء, وربما تكشف قصائدهم عن هويتهم لو تمكن الحصول عليها.
جاء بالمقال ان الرحالة راينش فقد بعض اوراقه في بورتسودان, لكن في ذلك الوقت لم تكن بورتسودان موجودة علي الاطلاق, اذ ان الميناء تم انشاؤه في العشرينات من القرن العشرين.
لعله من المناسب هنا ان نذكر ان ناظر قبيلة البشاريين مكث سنين طويلة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين حتي الحرب العالمية الاولي في المانيا ودول اوروبية اخري.
drabuamna [abuamnas@gmail.com]