عدالة ما بعد النزاع … تعمل علي ترسيخ الاستقرار السياسي والاستعداد لتقبل واقع تباين المصالح .. تقرير: حسن اسحق

 


 

 

تشير عدالة ما بعد النزاع إلى الجهود القانونية والمجتمعية المبذولة بعد النزاع أو الحرب لمعالجة الظلم وانتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت أثناء النزاع، وتعمل علي محاسبة الافراد علي جرائم الابادة الجماعية، وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية.
ويمكن تحقيق عدالة مابعد النزاع، من خلال آليات مثل المحاكم الدولية، والمحاكم المختلطة، ولجان الحقيقة والمصالحة، والعمليات القانونية المحلية، والهدف منها، هو تعزيز المساءلة، وتوفير العدالة للضحايا، والمساهمة في المصالحة والسلام الدائم في اعقاب الصراع.
كي يستمر السلم والاستقرار، اعقاب النزاعات مباشرة، يجب التأثير علي القيادات الوطنية وتغيير مفاهيمها، بحيث تلتزم بتحقيق الوحدة والمصالح الوطنية، ان المهمة الحيوية للقيادة بعد النزاع، عليها ان تسعي الي ترسيخ الاستقرار السياسي، هذا يتطلب التحلي بصفات القيادة الحازمة والاستعداد لتقبل واقع تباين المصالح.
ان عدالة ما بعد النزاع هي موضوع مهم ، لتأسيس دولة تكون فيها العدالة والحقوق، هي من صميم العدالة الانتقالية، في ظل الوضع الحالي في السودان الذي يشهد حروبات، حتي الحروب لا تستمر الي الابد، اوضح ان فترة ما بعد الحرب، من اهم القضايا التي يجب العمل عليها، هي قضية العدالة وعدالة ما بعد النزاع.
بناء السلام والحفاظ عليه
اشارت ميشيل باشيليت مفوضة الامم المتحدة السامية لحقوق الانسان في بيان رفعته امام مجلس الامن في فبراير 2020 بنيويورك، الي بناء السلام والحفاظ علي سلام دائم، في العدالة الانتقالية في حالات النزاع، وما بعد النزاع، ان عمليات العدالة الانتقالية اظهرت مرارا وتكرارا، بامكانها ان تساهم في معالجة المظالم والانقسامات.
اشارت ميشيل الي تجربتها الشخصية في دولتها شيلي، بأن عمليات العدالة الانتقالية القائمة علي السياقات الوطنية، يجب ان تركز عدالة ما بعد الحرب علي احتياجات الضحايا وخياراتهم، يمكن ان توحد المجتمعات، وتمكنها، هذا ما يساهم في احلال سلام دائم وعادل، في العقود الثلاثة الماضية، ساهمت لجان تقصي الحقائق المختلفة في الامريكتين واماكن اخري بشكل كبير في عمليات العدالة الانتقالية.
اشارت بصورة واضحة الي تجربة غواتيمالا في التقرير التاريخي الذي اعدته لجنة تقصي الحقائق، في عام 1999، ذكر فيه لائحة موثقة بانتهاكات حقوق الانسان وقعت اثناء النزاع، اضافة الي منح الضحايا صوتا وحلولا للديناميات الكامنة وراء 36 عاما من الصراع، ولعب دورا فعالا في النهوض بحقوق الضحايا، بما فيها العديد من القضايا القضائية البارزة بشأن العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، ما ادي الي اصدار اوامر بالتعويض علي الضحايا، وجبر الضرر بطريقة تحويلية.

نحو العدالة والمصالحة في البلدان الخارجة من الصراع
الدكتور تشارلز موليندا كابويتي أستاذ مشارك في جامعة رواندا ، في قسم دراسات التاريخ والتراث، في ورقة له، نحو العدالة والمصالحة في البلدن الخارجة من الصراع، في هذه القضية الحساسة، المعرفة مطلوبة، وتستخدم لفهم العنف في الماضي، لتمهيد الطريق نحو اعادة بناء مجتمعات ما بعد الصراع، اضافة الي معرفة العنف بالماضي، يجب الاعتراف بالم الضحايا، من خلال اعتراف الجناة بالانتهاكات.
اوضح موليندا ان اهم نقطة في قضية عدالة ما بعد النزاع، يجب مناقشة مسألة الغفران بمعناه الاساسي، والجهات الفاعلة المشاركة، اضافة الي اغراضه، واعلان المصالحة، وتجربة المصالحة في التفاعل اليومي بين الجناة والضحايا، هي ركزت علي عمليات الاعمار بعد انتهاء الصراع.
يجب اتباع ثلاث اليات مترابطة، الالية الاولي تعمل علي تناول تعزيز السلام، والالية الثانية عليها بالتركيز علي اسباب الصراع، والالية الثالثة يجب عليها صياغة ما اطلق عليه العدالة الانتقالية التي تشمل العدالة القانونية والاجتماعية، وحماية حقوق الانسان، والتعويض والمصالحة والحقيقة.
تعزيز سيادة القانون والعدالة الانتقالية في أعقاب الصراع
يوضح تقرير صادر من منظمة الامم المتحدة ان الهدف هو إبراز القضايا الرئيسية والدروس المستفادة مـن خـبراتها في قضية مجتمعات الصراع وما بعد الصراع، بهدف تعزيز العدالة، وسيادة القانون في هذه المجتمعات، والعمل الجاد علي توطيد اركان السلام ما بعد الصراع مباشرة، والحفاظ علي السلام لفترات طويلة الاجل.
ولا يمكن ان يتحقق، الا اذا كان الضحايا علي ثقة من الحصول علي حقوقهم عن طريق الهياكل القانونية لتسوية المنازعات بالوسائل السلمية، واقامة العدل بشكل منصف، خاصة في حالة الضعف الشديد للاقليات والنساء والاطفال والسجناء والمحتجزين واللاجئين، في قضية عدالة ما بعد النزاع، يجب استعجال علي حتمية استعادة سيادة القانون.
تتطلـب عدالة ما بعد النزاع، إيـلاء الاهتمـام لصـنوف شـتى مـن حـالات العجـز، مـن بينـها، انعـدام الإرادة السياسـية للإصـلاح، وانعـدام الاسـتقلال المؤسسـي داخـل قطاع العدالة، وانعدام القـدرة الفنيـة المحليـة، والافتقـار إلى المـو ارد الماديـة والماليـة، وانعـدام ثقـة الجمهـور في الحكومة، وانعدام الاحترام الرسمي لحقوق الانسان، والسلام والامن، وتعمل الامم المتحدة علي مساعدة هذه المجتمعات في الاعمال المعقدة ذات الاهمية الحيوية المتمثلة في اصلاح سيادة القانون والتنمية.

صميم العدالة الانتقالية … المشاركة المجتمعية
يقول الزهاوي ادريس ناشط بمنظمات المجتمع المدني ومدير مركز الحوار المستدام بحاضرة ولاية غرب دارفور الجنينة، ان عدالة ما بعد النزاع هي موضوع مهم، لتأسيس دولة تكون فيها العدالة والحقوق، هي من صميم العدالة الانتقالية، في ظل الوضع الحالي في السودان الذي يشهد حروبات، حتي الحروب لا تستمر الي الابد، اوضح ان فترة ما بعد الحرب، من اهم القضايا التي يجب العمل عليها، هي قضية العدالة وعدالة ما بعد النزاع.
يوضح الزهاوي ان اهمية ذلك في السودان، تساهم في ارجاع حقوق الضحايا، نتيجة الانتهاكات التي ارتكبت، وتحقيق نوع من المساواة، ويجب الاجابة علي موضوع العدالة، والانتهاكات التي ارتكبت في فترة النزاع، يكرر انها تعمل علي تحقيق المساواة، وشكل من الرضي لديهم، اضافة الي ذلك، هي نجاح لدولة المواطنة، التي يجب ان تشارك في عدالة ما بعد النزاع، هذا يتطلب مشاركة مجتمعية، لان الضرر الاكبر يقع علي المجتمعات.
يؤكد الزهاوي ان المشاركة المجتمعية يجب ان تشارك في جميع المستويات، كي تظهر، علي من وقع الضرر الاكبر؟، ومن قام بذلك؟ وكيف؟، والاطراف التي يجب ان تشارك القواعد الشعبية، والارياف، ومجتمعات المدن، والضحايا انفسهم، يجب مشاركة القوي السياسية، وشكل المؤسسات في الدولة يتطلب وجودها، وغياب اي طرف من الاطراف الرئيسية، يؤدي الي خلل وضعف في عدالة ما بعد النزاع، كان نموذج للتجارب بعد اتفاقية جوبا للسودان، والاتفاقيات السابقة.
التمثيل في مثل هذه القضايا يجب ان يمثل الاطراف المتضررة، باعتبارهم المتضررين من الحروب والنزاعات، اضافة الي الاجهزة الرسمية، بعد ان تضمن وجود كل الاجسام الفاعلة، والمهمة والنشطة في هذا الشأن، والقوي السياسية، كما ذكر سابقا، ومنظمات المجتمع المدني، من اجل تكامل الادوار، حتي تتحقق عدالة ما بعد النزاع في السودان.
الديمقراطية وحقوق الانسان من نظم الحكم
بينما يوضح سوكيهيرو هاسيغاوا رئيس مجلس مركز هيروشيما لبناة السلام، في اليابان ان الامم المتحددة عملت علي تحقيق السلام والاستقرار بشكل مستدام في البلدان الخارجة من النزاعات من خلال قبول واتباع الفلسفة السياسية والاخلاقية التي وضعها جون رولز في عام 1971، منذ ذلك الوقت اصبحت الديمقراطية وحماية حقوق الانسان من مرتكزات نظم الحكم، بعدها كتبت الدساتير وانشئت مؤسسات الحكم الرسمية بهدف تحقيق العدالة في المجتمع.
كي يستمر السلم والاستقرار، اعقاب النزاعات مباشرة، يجب التأثير علي القيادات الوطنية، وتغيير مفاهيمها، بحيث تلتزم بتحقيق الوحدة والمصالح الوطنية، ويعتقد سوكيهيرو ان المهمة الحيوية للقيادة بعد النزاع، عليها ان تسعي الي ترسيخ الاستقرار السياسي، هذا يتطلب التحلي بصفات القيادة الحازمة، والاستعداد لتقبل واقع تباين المصالح، وبناء مجتمع قائم علي سيادة القانون، ومراعاة الانضباط في سلوك والتصرفات الشخصية للقادة، ورفض سياسة التشبث بكرسي الحكم.
يري سوكيهيرو ان تجربة الامم المتحدة في دعم السلام والتنمية، ان قادة تيمور- ليتشي، كانوا يمارسون القيادة علي نحو يساهم في توطيد السلام في اعقاب النزاع المسلح مع قوة الاحتلال الاندونيسية، التي كان سببها الصراعات الداخلية علي السلطة، اضافة الي وعي القاة الدروس المستفادة من ازمات الامن السياس التي نشلت في عامي 2006 و2008، وحققوا الوحدة الوطنية، ما ادي الي انتقال السلطة سلميا.

ishaghassan13@gmail.com

 

آراء