عفارم عليك: وزير الخارجية الاسبق محمد مرغنى مبارك (الفك المفترس!!)

 


 

 


نقلت الاسافير ان السيد ابراهيم منعم منصور قد اصدر مذكراته فى كتاب (اتمنى الحصول عليه)... حكى فيه بخبرة الانسان المسكون بحب الوطن، مسار حياته و تجاربه، وهو الذى تبوأ المنصب الوزارى مرتين فى القطاع الاقتصادى والمالى والتجارى ابان العهد المايوى، وعين فى العهد الانقاذى لوظيفة حبذ تركها حين وجد اياد خفية تعيق عمله، كتاب جدير بالاطلاع عليه لان أمثال ابراهيم يكتبون بصدق وو ضوح رؤية .

-- 2--
فى متن الكتاب ذكر السيد ابراهيم قصة مواجهة من الراحل محمد مرغنى مبارك فى مواجهة المجلس الوزارى للجامعة العربية فى جلسة عقدت بتونس بعد نقل مقر الجامعة العربية اليها من القاهرة ، تقول القصة ان بعض الوزراء طالبوا بتجميد عضوية الدول التى لم تسدد التزاماتها المالية، و كانت الدول المعنية تشمل السودان ، و اليمن ، و جيبوتى ، وموريتانيا ، وهنا طلب الوزير محمد مرغنى الاذن بمخاطبة الجلسة..و قال انه سيتحدث عن دولته السودان .وانبرى قائلا..بأنه شخصيا غير عربى ، ووالده تعلم العربية للالتحاق بعمل ، ووالدته لا تعرف العربية و تتحدث بالنوبية ، وفى غرب السودان قبائل عدة لا تنتمى للعنصر العربى و كذلك القبائل قى شرق السودان من الجنس الحامى ، و الجنوب بأكمله بعيد من الارومة العربية ... و حكى عن التحاق السودان بالجامعة العربية تحت تأثير من نخب الوسط...ولكن رغم ذلك كان للسودان الدور الايجابى فى القضية العربية حين دفع بمقاتلين اشاوس فى حرب 1948 ، و ساند مصر معنويا و ماديا لمواجهة العدو الصهيونى ، و كان له الدور الايجابى لمواجهة الخطر الذى واجهته الكويت من جراء حكم عبد الكريم قاسم..الذى سعى لاجتياحها ، و ساهم بفعالية شهد بها الجميع لدرء الفتنة التى استعرت بين القيادة الفلسطينية و الحكومة الاردنية بعد احداث ماعرف بايلول الاسود, و كان للسودان الدور الاكبر فى اصلاح ذات البين بين الدول العربية بعد ان تكفل بعقد مؤتمر القمة الشهيرة فى الخرطوم اثر الهزيمة الصاعقة عام 1967 ..واستطاع السودان بحنكته و حياده الايجابى ان بقرب وجهات النظر بين مصر والسعودية..لتعم المصالحة بين الدولتين الشقيقتين، ومن نتائج هذا المؤتمر تدفقت اموال من الدول البترولية لدول المواجهة المباشرة ضد الكيان الصهيونى، و من قبل كان السودان يقدم كسوة للكعبة المشرفة ،فاذا كان المجلس الموقر يتجاهل كل هذه المجاهدات ، و يريد ان يحول الجامعة الى شركة مساهمات مالية .. فاننى اعلن انسحاب السودان من الجامعة العربية ..، و بعد هذا التصريح المدوى خرج الى حجرته وسط ذهول الوزراء...الذين توافدوا الى الحجرة مبدين اسفهم ...و عند عودته للخرطوم افاد الرئيس نميرى بالسيناريو الذى حدث.. ليقول له . لماذا رجعت لهم ؟!

-- 3----
هذا الحدث الزلزال..اوضح ان الوزير محمد مرغنى كان حاسما وواضحا، و مما يؤكد ثقة الرئيس فيه التعليق الذى ابداه ( وليه رجعت ليهم ؟ )..و أخال انه تأييد مطلق لموقف الوزير..و تأكيد لما يمكن ان يحدث.لو ظلت الجامعة تعامل السودان بدونية...!! ، و يثير هذا الموقف أسئلة عدة
..تمس الهوية .. والمحافظة على كرامة البلد.و كيفية اتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب.

---4-----
و الراحل محمد مرغنى مبارك من اوائل الذين اختيروا كدبلوماسيين فى وزارة الخارجية التى أسست مباشرة بعد اعلان استقلال السودان كوزارة سيادية . و شملت التعيينات شخصيات من مواقع مختلفة..و جاء اختيار محمد مرغنى من سلك الشرطة..وقد كان ضابطا ملتزما بأصول الضبط والربط.
والحقيقة التى يجب ان تقال :- بأن كل العاملين فى اجهزة الدولة حتى فى الخدمة المدنية اتسموا بالانضباط ناهيك عن القوات النظامية

--5---
عرف الراحل محمد مرغنى ..بجديته و حرصه الالتزام بالوقت ، و كل المهنيين يذكرون دوره حين كان مسؤؤلا عن الادارة فى الوزارة و حتى وكيلا ووقوفه الراتب عند بوابة الوزارة بقامته المهيبة .و لسان حاله يقول ياويل من يأتى متأخرا !...و كان يمثل رعبا واطلق عليه البعض لقب ( الفك المفترس ! )
كان دائم القول بأن على الدبلوماسى الالتزام بالوقت، والحضور الى المكاتب فى الميعاد المحدد..و ردا على القائلين بأن انجاز العمل يمكن ان يتم دون الالتزام بالمواعيد..كان يردد ..تقييم عمل كل فرد مجاله يحدد بعد الالتزام بالوقت ..والا ما كان ضروريا تحديد ساعات اليوم ..ليتحول العمل الى مقاولات يمكن ان تتم والانسان قابع بمنزله او متسكع فى المقاهى ! و لا غرو فامثال محمد مرغنى تربوا على ايدى ( الخواجات ) الالى عرفوا باحترام الوقت ..، والمحافظة على ممتلكات الدولة ، و يذكر فى هذا المضمار ان الراحل كان مبالغا ..حين أمر بمساءلة احد العاملين حين اكتشف استعماله لظرف حكومى مكتوب عليه جمهورية السودان لكتابة خطاب خاص!!، و أمر باستقطاع يوم منه قائلا بأن هذه المظاريف قد صممت للمكانبات الرسمية ..مكتوب عليها جمهورية السودان .و لا يجوز استعمالها لمكاتبات شخصية !...

--- 5----
اذكر قبل رحيله الابدى باشهر قليلة قابلته عند صديقه الراحل فتحى المصرى .و سأل عن أحوال الوزارة ...قائلا بانه كان قاسيا على العاملين بالوزارة ...لاقول له بأن الجميع يدركون ان هذه القسوة لم تكن نزعة سادية . بل من لأجل تجويد العمل واتقانه، ولم تكن فى زمنه ذاك هذه التقنيات التى تحدد زمن حضور العاملين و انصرافهم ...و لكل زمن ظروفه و ملابساته

--- 6-----
أيام ان اطل علينا الانقاذ، وأعدت الملفات هذا (مع) وذاك ( ضد) أو ( محايد )، و تعرضت الوزارة لتجريف لم تعهده فى اى عهد، فاجأنى أحدهم بقوله ان الوزارة كانت حكرا لاثنيات معينة ، و كانت المحسوبية حاضرة ، فى اشارة بأننا فى المنطقة الشمالية كنا نستأثر بالوظائف فى الوزارة دون غيرنا، و غاب على هذا المفترى ان امثال محمد مرغنى ، و جمال محمد احمد وابو بكر عثمان محمد صالح و رصفائهم من الافذاذ من قبل محمد عثمان ياسين و خليفة عباس و أحمد خير...كانوا يخافون الله فى عملهم و تقييمهم... وأجزم صادقا ومحمد مرغنى كان من اقربائى لم يكن يعرف اننى انخرطت فى العمل الدبلوماسى الا بعد سنوات لى فيها ، و من غرائب الامور ان الذى جاهر بأن الوزارة كانت حكرا لبعض العائلات او الاثنيات ولج عالم الدبلوماسية قافزا من شباك الانتماء - غير واضح المعالم - و مترقيا بالزان ... و لم نعهد له انجازا فى هذا عالم الدبلوماسية.. و الآن يستمتع بمخصصات . فى ارض لا ناقة للسودان فيه او جمل . !! وهذا هو الحرام بعينه .. و حال مدارسنا و مشافينا يغنى عن السؤال.

-- 7---
اسوق حدثا سيبدو مدهشا للكثيريين فى هذه الايام .حين رحل ( عاطف ) الشاب شقيق زوجته الى الملآ الآعلى و هرع العاملون فى الوزارة لتفديم العزاء.. و قف للمعزيين شاكرا لهم تقديم واجب العزاء ... ليردف ذلك بقوله طبعا كلكم تركتم الوزارة .. و جئتم للعزاء بسيارات الحكومة . و كما أقول دائما .. الموت جار فينا يوما اثر يوم، فاذا تركنا اعمالنا الرسمية لتقديم العزاءات فى اوقات العمل على ظهر سيارات الدولة ...فمعنى ذلك ان يتعطل العمل ...فتأملوا الى اى حد كان الاحترام للعمل العام !!
والحديث عن الراحل محمد مرغنى يتشعب ، و قد افاض السفير احمد دياب فى الحديث عنه فى كتابه الممتع عن تجاربه....قائلا بأن محمد مرغنى كان فى دواخله انسانا شفيفا.. يحترم كل من يبدى رأيه بشجاعة

--- 8 --
و عن موقف الراحل محمد مرغنى فى الجامعة العربية تأتينى خاطرة هامة ابدأها بسؤال ,وهل نحن عرب اقحاح . . نميل للعرب على حساب الافارقة أم من المحتم علينا ـ الموازنة بين الكيانين...لا كقنطرة سلبية تربط بينهما ، انما كبوتقة انصهار مبدع؟ ، و لا يخفى على أحد بأننا فى سفارات عدة اتهمنا من بعض الافارقة بأننا نهرول لعالم العروبة..متناسيين افريقيتنا .. لدرجة ان يصيح أحد المذيعيين حين نقل مباريات تجمعنا مع احدى الفرق الافريفية ليقول بملء فيه..هكذا الحكام ( الافارقة ) ظالمين و مرتشيين..حين اشارته لخطأ من الاخطاء النى تصاحب اللعبة - وكأن الظلم والرشوة صفتان تلازمان الافارقة دون غيرهم .!!. بل و تنتفخ اوداجهم لتصنيف فرقنا مع العرب دون الافارقة قائلين أنا و ابن عمى على الغريب !! والغريب هو الفريق الافريقى !
و حين اختيرت الخرطوم كعاصمة للثقافة العربية كنت قد كتبت مقالة صغيرة فى صحيفة ( الحياة السياسية ) أدعو ان تكون الفعاليات تحت عنوان ( الخرطوم عاصمة للثقافة العربية فى محيط افريقى ) لنعطى البعد الافريقى لهويتنا...فنحن لسنا عرب اقحاح من الساميين أو من زنوج اصلاء من قلب افريقيا...بل نحن خليط من هؤلاء واؤلئك .. و قدر علينا ام نحفظ للكيانيين الاحترام والالتزام بهما بتحرك ذكى و مبدع ، و من الملاحظ ان السودان بلغته العربية المميزة اقرب وجدانيا مع اثيوبيا وارتريا و الصومال و جيبوتى بل و لدول فى غرب افريقيا كالنيجر و مالى و بركينا فاسو ....و مالى، و كان مما يدهشنا ان تجد هؤلاء الافارقة يهيمون ولعا باغانينا و موسيقانا ...بينما يصدع مسامعك ان يسألك أحدهم فى عاصمة من العواصم العربية .. هل انتم تتحدثون بالعربية ؟!! ...و هذه الظاهرة تحتم علينا ان نلعب ادورا ايجابية فى محيطنا الافريقى المحب لنا .. فوجودنا الجيوبلوتيكى يحتم علينا ان نلعب دورا ايجابيا يتمشى مع جنياتنا بالدم العربى الممزوج بالزنوجة . والمرتبط لحد ما بشمال افريقيا.

--- 9---
و اذا تطرقت للبعد السياسى لامثال الراحل محمد مرغنى يمكن القول بأن امثاله لم يتأطروا فى شكل سياسى معين، حيث لم تتح لهم الفرصة فى الانخراط فى جامعة ، تحتدم فيها المناقشات بين جهات متعددة ، و لم يشارك فى ندوات و مناظرات و مظاهرات لا تخلو من سيخ واسلحة بيضاء و غير بيضاء ، بل قدر لهم ان يكونوا عاملين يحترمون عملهم ،و يجيدون ما يكلفوا به ، و لم تلوث قناعاتهم ارتباط مع جماعة ، و قد كان من الداعيين لاقتراب اقرب للوحدة مع مصر على اساس ان البلدين يكملان بعضهما البعض.. و حضارة وادى النيل تربطهما و لا تبعدهما.. وهناك فى البلدين عقلاء يفهمون المرامى من تكامل البلدين، كما ان هناك فى البلدين بلهاء .. تسوقهم اوهام و تحليلات فجة، و قد اقترب من الرئيس نميرى لان معينهما العسكرى واحد، ورؤيتهما للامور تكاد تكون متطابقة ، و لا يمكن ان نلوم امثالهما على اساس فكرى معين . ولكن كلايهما لو وجدا المخلصين من العاملين معهم لكانا مع غيرهم من المتطابقين معهما خيرا للعمل العام ..و لكن ان وجدوا وهم فى السلطة من لا يقول ( كلا ) للامر الخطأ .. فان اى انسان قابل ان يكون طاغية جبارا لو وجد من حوله يتكالبون لتحقيق مصالحهم الخاصة .!!...

salahmsai@hotmail.com

 

آراء