زيارة بيت الضيافة ومدرعات الشجرة والقيادة العامة في وبعد 22 يوليو 1971م تجعلنا نقترب من ختام عرض "عملية يوليو الكبرى.. من قتل عبدالخالق" وأجواء الزيارة في 2018م مختلفة.. وقتها كان الاضطراب هو السمة الغالبة.. هناك من يواجهون الموت بثبات, وآخرون يقاتلون حتى الوصول اليه, وهناك من يهربون منه.. رائحة الدم منتشرة هنا وهناك.. فالشراكات الاستخبارية ومنذ 21 يوليو 1971م غطت أنشطتها أرض وسماء السودان وكذلك دول مجارة في تنسيق محكم. إن كل الأجهزة تتعاون لتحقيق الهدف المشترك الكبير: فتح الطريق أمام الرأسمالية الدولية, ومنح الاذن للاحتكارات الدولية والشركات متعددة الجنسيات لدخول السودان استكمالاً لما بدأه "تايني رولاند" وهو هدف شُنت بسببه الحروب وقُتل الملايين وأصاب الخراب والدمار المدن في حقبة الاستعمار القديم فموت مئات أو آلاف في صراع القطبين في معركة واحدة في الألفية الثانية, لا يعني شيئاً للاستعمار الجديد. لذلك لا نفصل بين المذبحة والمجزرة و"الهدف الكبير". هم شهداء السيادة الوطنية طبيعة نظام الحكم بعد 25 مايو 1969م تحت قبضة القوميين العرب من التيار الناصري, ووجود حزب شيوعي قوي, وحركة منظمة للعاملين تعرقل جميعها تحقيق "الهدف الكبير" فكان تعاون دول وشراكة أجهزة مخابرات تنسق الخطط لاستئصال الحزب الشيوعي السوداني وقتل عبدالخالق. وتحطيم الحركة النقابية العمالية واغتيال الشفيع ومحو التنظيم الشيوعي للضباط وتنظيم الضباط الأحرار واغتيال القيادات العسكرية المشهود لها بقدراتها العسكرية والتنظيمية والسياسية وباختصار شديد القضاء على اليسار جملة وإضعاف الدولة السودانية والتركيز على إضعاف القوات المسلحة بالقتل والطرد من الخدمة في المرحلة الأولى. ثم تطوير العملية لاحقاً. وتمكنت الرأسمالية الدولية من تحقيق أهدافها كلها. فعملية يوليو الكبرى هي التي فتحت أبواب عملية 30 يونيو 1989. إن شهداء مذبحة بيت الضيافة وشهداء مجزرة الشجرة وكل شهداء تلك الأيام في القيادة العامة, أو في أي مكان هم شهداء السيادة الوطنية وضحايا الاستعمار الجديد الذي تطور الى استعمار جماعي جديد منذ أحداث الكونغو واندونسيا كما تم تطبيقه في عملية يوليو الكبرى. والشراكات الاستخبارية التي استهدفت الدولة السودانية كانت بعلم السوفييت والدول الشيوعية التابعة تحت ظل "قسمة مناطق النفوذ" بدلالة: × أن الألمان رغم موقفهم الداعم للمنشقين عن الحزب الشيوعي 1970م ومساندتهم والسوفييت لسلطة القوميين العرب في السودان, إلا أنهم أبلغوا محمد محجوب عثمان "عضو المجلس العسكري لسلطة 19 يوليو" أنه لا ضرورة لعودته الى السودان لأن "السلطة الجديدة قصيرة العمر"..! × وجاء في خطاب جعفر نميري في سبتمبر 1975م كما عرضنا: "وقضينا على الحزب الشيوعي بمساعدة الشيوعية الدولية". التأثير في سير الأحداث تحكم أجهزة المخابرات في أنشطة سياسية أو عسكرية لا يعني – كما عرضنا – ان التنظيمات السياسية أو العسكرية تابعة لهذا الجهاز أو ذاك. نعم في الغالب تكون هناك اختراقات وهي من أدوات التحكم ولكنها ليست الوحيدة. فأجهزة المخابرات يمكنها التأثير في سير الأحداث والقرارات للأطراف المختلفة بطرق متعددة منها المعلومات المفبركة والاعلام المضلل أو القيام بأفعال ذات أهداف بعيدة المدى وغير ذلك. أنظر: "كان على السادات تنفيذ توجيهات خارجية بإنهاء المد الشيوعي بالمنطقة لذلك كانت يوليو 1971م وهناك اعتقاد قوي بأن يوليو كانت أمراً مدبراً وان نميري كان على علم بالتحرك قبل حدوثه. وكل الدلائل من انقسام ومجازر وابعادات وغيره تدل على ان المستهدف كان من قبل ومن بعد يوليو هو المد الشيوعي في السودان بل وفي غيره من دول المنطقة". (محمد محمد أحمد كرار – الانقلابات العسكرية في السودان) أنظر: "ويظن ان بريطانيا كانت مؤيدة للحركة (19 يوليو) في بدايتها, أو أنها استدرجت الانقلابيين للقيام بحركتهم غير المدروسة, فلما تم لهم الأمر عملت على تحطيمها, وكان لها دور في الاعلان عن انتقال قادتهم من لندن الى الخرطوم وهبوط الطائرة التي تقلهم الى بنغازي" (محمود شاكر – كتاب "القوميين العرب في السودان") فنجاح المخابرات البريطانية والليبية في اختطاف طائرة بابكر النور وفاروق حمد الله تسبب في هبوط الروح المعنوية لمجموعة يوليو في مسرح الأحداث, والعكس بالنسبة للجيوش العديدة المتحفزة للاستيلاء على السلطة. كما ان اعلان الاختطاف بالضرورة هو اشارة للقوى المعادية للحركة لتنفيذ خطط متفق عليها. وقاد الاختطاف الى قيام بعض من "مجموعة يوليو" لاتخاذ قرارات منفردة أو بتقديرات ذاتية ومن ذلك تشوين الدبابات والمدرعات التي تم تعطيلها بالاتفاق وكما اوضح الملازم مدني علي مدني ضمن عروضنا السابقة. ونجاح اختطاف الطائرة سبقته الاتصالات لتمهيد الطريق!: كما عرضنا كافة الأطراف تحت القبضة ان التأثير في سير الأحداث امتد الى كافة الأطراف: مجموعة يوليو والحزب الشيوعي والجيوش المتنافسة وأيضاً القوى السياسية الأخرى بخلاف القوميين العرب. وأعرض في سياق جديد بيان "جبهة المقاومة الشعبية" 28 مايو 1971م جاء في بيان المقاومة الشعبية (يدور هذه الأيام صراع رهيب على السلطة في السودان وينحصر الصراع في هذه المرحلة – فقط – داخل الحزب الشيوعي من ناحية وصراع في أوساط العسكريين من ناحية أخرى. فهل يا ترى من انتصار آخر للنميري؟ هل ينجح في عزل المجموعة الصغيرة من الضباط التي تساند الشيوعيين؟ ان الاسابيع بين أيدينا كفيلة بالاجابة على السؤال. فالأزمة قد بلغت حداً لا يمكن تجاوزه دون انتصار نهائي لفريق على آخر..) وتكونت جبهة المقاومة الشعبية المشار اليها في يونيو 1969م وضمت فئات من حزب الأمة والحزب الوطني الاتحادي وجبهة الميثاق الاسلامي واختارت لجنة تخطيط تألفت من: 1-الشريف حسين الهندي رئيساً "الحزب الوطني الاتحادي" 2-عمر نورالدائم نائباً للرئيس "حزب الأمة" 3-عثمان خالد مضوي عضواً "جبهة الميثاق الاسلامي" 4-محمد صالح عمر عضواً "جبهة الميثاق الاسلامي" 5-زين العابدين الركابي عضواً "جبهة الميثاق الاسلامي" (أما "جبهة المقاومة الشعبية" الأخرى بحسب الوثائق البريطانية فقد كانت تتخذ من لندن مقراً لها تحت قيادة د. عزالدين علي عامر والذي أفادت حكومة السودان السلطات البريطانية بسحب جوازه وكذلك محجوب عثمان في 23/ اغسطس 1971م) المنشورات والبيانات المدسوسة من أساليب عمل "جبهة المقاومة الشعبية" والتي هي "الجبهة الوطنية المعارضة" فيما بعد, كتابة وطباعة وتوزيع بيانات وهمية باسماء تنظيمات العمال والمزارعين والضباط الأحرار والطلاب وأحياناً كان يتم تجهيزها في ليبيا لتوزع في السودان "والجبهة الوطنية قادت أحداث شعبان 1973م واتهمت قيادتها بالاشتراك في المحاولة الانقلابية 1973م تحت قيادة عبدالرحيم شنان. ومعلوم أنه خلال تلك الفترة لم يكن لجبهة الميثاق الاسلامي ولا للاسلاميين بأي اسم اي تنظيم في القوات المسلحة وحتى 30 يونيو 1989م. لكن كانت لهم كوادر مسلحة تدربت في اثيوبيا وليبيا وغيرها بعد انقلاب 25 مايو 1969م. وكتب محمد وقيع الله عن انقلاب مايو (كانت الحركة الاسلامية أبعد نظراً من أن تستكين للنظام أو تطمئن للغدر والارهاب الشيوعي فأعدت الحركة عدتها للجهاد والمواجهة المسلحة لاقتلاع النظام قبل ان يتمكن ويترسخ. وكانت ملحمة الجهاد الضاري في الجزيرة أبا حيث اعتصم الاخوان مع الانصار في الجزيرة أبا وقاموا بتدريبهم على السلاح وذلك بغية نقل ذلك الاستعداد الجهادي كله الى الخرطوم ومواجهة النظام هناك. وتم شراء السلاح وارساله الى الداخل.. ولبى الأنصار نداء الامام الهادي بالهجرة الى الجزيرة أبا...) وكتب د. حسن الترابي: (كانت الجماعة عندئذ متصلة بعض اتصال بالحركة الاسلامية الفدائية الفلسطينية مما أوحى لها بأمر القتال وهيأ له أسبابه ولقد تجاوب الاتجاه الجهادي الأنصاري التقليدي في السودان مع اتجاه الحركة الجهادي الحديث وعززه بمدد صادق. هكذا تداعت عناصر الحركة للتدريب الجهادي في المعسكرات خارج السودان, في اثيوبيا لتشارك الانتفاضة الجهادية بالجزيرة أبا 1970م) ومعروف ان أول تنظيم اسلامي معادي للشيوعية في السودان تكون من طلاب جامعة الخرطوم 1949-1954م "الحزب الاشتراكي الاسلامي" وأول فرع للاخوان المسلمين في السودان تكون من الطلاب في 1949م وكانوا مجموعات عقدت مؤتمراً في 1954م "نشأ تنظيم الضباط الاحرار في السودان 1953م" ولم يبرز أي دور للاسلاميين في الساحة السياسية السودانية إلا بعد العام 1960م عندما التحقوا بجبهة الأحزاب المعارضة لنظام عبود الذي تعامل معها كجمعية دينية لذلك لم يتم حلها عند حل الأحزاب في 1958م. والخلاصة: أن الاخوان المسلمين لم يكن لهم تنظيم داخل القوات المسلحة خلال الفترة موضوع العرض. الزيارة الجديدة وبعض ملاحظات × والزيارة الجديدة لا تهمل طبيعة وأهداف انقلاب 25 مايو 1969م والتحرك العسكري في 19 يوليو. × وإن من أهم خلاصات المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي والتي تتسق مع موضوع العرض ولا تتسق أبداً مع تقييم الحزب أن المخططين والمنفذين هم "مجموعة" من الوطنيين الديمقراطيين لا التنظيم الشيوعي للضباط ولا تشكيلات ضباط الصف والجنود الحزبية ولا تنظيم الضباط الأحرار. × وفي الزيارة الجديدة لبيت الضيافة نضع في الحسبان اعتقال الضباط في القصر وجهاز الأمن وبيت الضيافة وسؤال: لماذا أبقت عليهم المجموعة في مسارح العمليات؟ × وهذا يتطلب بالضرورة أن نبحث متى كان الضرب بالرصاص على المعتقلين ببيت الضيافة؟ قبل أم بعد الضرب بالدبابات. فاذا كان الضرب بالرصاص بعد ضرب الدبابات فان هذا يعني ان حراس المعتقلين قتلوا أو هربوا من الضرب العنيف وفي الحالتين تكون ذخيرتهم كاملة. فماذا قال ناجون من المذبحة؟ × وعندما يكون الضرب على القصر والقيادة العامة وبيت الضيافة فان معنى ذلك واحد انقلاب جديد أو انقلاب في الانقلاب. ولن يكون له إلا هدف واحد: تصفية الشيوعيين والديمقراطيين والقوميين العرب وتفيدنا هنا شهادات جعفر نميري ومأمون عوض ابوزيد ومعاوية حسن محجوب ومحمود ادريس وكسباوي وغيرهم. المؤتمر الخامس توصل المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي 2009م الى أن ما حدث في 19 يوليو سيظل ودوافعه ونتائجه قضية صراع سياسي وفكري لأمد طويل. ولكن يضعف الصراع انه لا تتم ادارته أصلاً ومن جهة ثانية فانه لم يعد للتيار الثوري "مجموعة عبدالخالق أي وجود في الحزب وهو طرف أصيل في الصراع. وكتب عبدالخالق: "إن الذي يجهل تاريخ الحزب من العضوية يضعف وعيه ويقعد به دون المساهمة الجادة في تطور الحزب, ولا يؤهله من الناحية الفكرية لحرب التيارات الانتهازية التي يتعرض لها الحزب خلال نضاله..". ونواصل للتواصل والمشاركة في هذا التوثيق الجماعي: موبايل 0126667742 واتساب 0117333006 بريد khogali17@yahoo.com