فرق عبدالخالق بين ضرب القوات المسلحة لتنظيم الأنصار والاخوان المسلمين المسلح من الكوادر المدنية, وبين القتل الجماعي لجماهير الأنصار في الجزيرة أبا, الذي أشرفت عليه سلطة القوميين العرب الحاكمة. والتنظيم العسكري للأنصار والاخوان هدفه انتزاع السلطة السياسية والقضاء على الشيوعيين والديمقراطيين والقوميين ومثل عبدالخالق, بمفهومه أقلية داخل اللجنة المركزية لحزبه حيث رفضت الأغلبية اقتراحه بأن يكون احتجاج الشيوعيين على ما حدث لجماهير الأنصار عملياً وذلك بالانسحاب من أجهزة الدولة وانتقال الحزب للعمل السري المطلق ومن ثم اعتقل عبدالخالق ونفى في مصر. ومن هناك كتب رسالته في 17 ابريل 1970م والتي قدم من خلالها وقائع وملاحظات واستنتاجات, اكد الزمن فيما بعد سلامتها سواء على مستوى الساحة السياسية أو الحزب. وهي ذات علاقة بموضوع المقال/ العرض. والرسالة كانت مرفقة مع أعمال دورة اللجنة المركزية في النصف الأول من يوليو 1972م "دورة 1970 و1972 والرسالة وأعمال الدورتين طبعت في بيروت".
التنظيم المسلح وكتب: التنظيم المسلح في أقصى اليمين كان دائماً العقبة التي تحول دون تطوير الحركة الشعبية بصورة حاسمة. ويكفي دليلاً على هذا تجربة شعبنا في ثورة اكتوبر الكبرى في العام 1964م ثم في الهجوم العنيف على الحزب الشيوعي في نهاية عام 1965م. ولهذا فان ضرب هذا التنظيم يزيل تلك العقبة ويهييء ظروفاً أفضل لنمو الحركة الثورية وتعاظم دور الحزب الشيوعي السوداني في الحياة السياسية. ان وجود السلطة في يد فئات البرجوازية الصغيرة التقدمية يجعل دائماً تطور هذه السلطة واقترابها من سبيل العمل الجاد لتنفيذ مهام الثورة الديمقراطية رهناً بتعاظم العمل الجماهيري وبقدرات الحزب الشيوعي السوداني على العمل بكفاءة وفعالية. خط الدفاع الثاني للرجعية اذا كنا نرى اليوم نشاطاً سلمياً متزايداً للقوى الرأسمالية في بلادنا "وطني اتحادي والختمية" فإن هذا النشاط لا يعبر عن قوة, بل هو تعبير ضعف واضح. هو خط الدفاع الثاني عن المصالح الرجعية في بلادنا. ان اليمين الرامي لمنع التحول الاجتماعي في السودان من الوصول الى نتائجه المنطقية "...." بطريقة حاسمة لانجاز مهام الثورة الديمقراطية ثم الانتقال للاشتراكية يلقي بثقله في العمل السياسي والمناورات بعد أن فقد الكيان الأساسي لقوته "أي التنظيم المسلح" انه يدرك وربما في مستوى أعلى منا أن الضربة التي وجهت للتنظيم العسكري الرجعي يفتح السبل أكثر من أي وقت مضى لنمو حركة الجماهير الثورية بصورة حاسمة وفي مستويات أعلى بمئات الدرجات مما كانت عليه قبل معركتي أبا وحي ودنوباوي.
العنف سمة الصراع الاجتماعي لابد من الاعتبار لبروز الصراع المسلح في جنوب السودان, وبين تجمعات جماهير الأنصار والجهاز السري للاخوان المسلمين, ان الانصراف الى النشاط السلمي والبرجوازي واليميني وحده في هذه الظروف أمر خطير يهدد مستقبل حركتنا الثورية, فعلينا أن نتمسك بما طرحت اللجنة المركزية لحزبنا من قبل حول العنف وكيف أصبح من السمات الواضحة للصراع الاجتماعي بعد أن جرى تغيير السلطة في 25 مايو بواسطة العنف. أوضحت هذه المعركة أيضاً ان فعالية القوات المسلحة حامية النضال الثوري في بلادنا رهين بتحول شامل في وضعها. فالعناصر العسكرية ذات الفهم السياسي والضباط من الذين انتظموا في مجموعة الضباط الأحرار قبل حلها, هم الذين قاموا بدور ملحوظ في التصدي بشجاعة للهجوم الرجعي في ودنوباوي والجزيرة أبا في وقت ساد فيه الاضطراب بين العناصر البرجوازية التي تفهم القوات المسلحة بطريقة تقليدية. كما أن هذه الأحداث برهنت على ضعف العمل الثوري والقدرة العسكرية في هيئة الأركان المنوط بها قيادة العمل العسكري وتنظيمه بدقة. ولا يفوتنا أن نسجل أن عدم التخطيط السياسي في التجنيد كاد أن يحدث مشاكل لوجود صف ضباط من الأنصار ذوي الارتباط بقياداتهم.
حزبان في حزب واحد الصراعات الفكرية بين تيارين في الحزب يختلفان اختلافاً بيناً حول تكنيك الحزب في الظروف الراهنة.. وان الاتجاهات اليمينية في مجلس الثورة كان أملها أن تسيطر على حزبنا الاتجاهات اليمينية الرامية الى تصفية الحزب فكرياً. ثم ان يحدث انقسام في الحزب الشيوعي تحتضن بعده الشق اليميني ثم توجه ضرباتها للاتجاه الثوري في حزبنا. وليس بسر أن تلك الاتجاهات اليمينية في السلطة ظلت ترقب بقلق اجتماع اللجنة المركزية دورة مارس المنصرمة آملة أن تحقق أهدافها خلال تلك الدورة. ولكننا نستطيع القول بأن نتائج ذلك الاجتماع لم تحقق ما يأملون. فعلى الرغم من ان اللجنة المركزية لا تعبر بعمق عن التطورات الثورية التي جرت منذ سنوات وبرزت في ثورة اكتوبر 1964م وعلى الرغم من ثقل وزن الاتجاه اليميني المضغي في اللجنة المركزية بالمقارنة مع كافة الهيئات القيادية الأخرى, إلا أن أغلبية اقتراحات العناصر اليمينية فشلت.
أسس العمل أ/ نحن نعيش في مد ثوري جماهيري. ب/ انه أصبح لزاماً على الحزب الشيوعي أن يبني تكتيكاته استناداً على هذه الحقيقة بما يكفل تطور حركة الجماهير للسير بثورتها الديمقراطية بطريقة حاسمة وبما يضمن مكافحة السلبيات والاتجاهات اليمينية في السلطة. كيف يتم هذا؟ على الرغم من بعدي عن الأحداث فإنني أطرح التالي: 1/ تنظيم عملنا في أجهزة السلطة بطريقة فعالة. وان نطالب بمناقشة سياسية للآراء والأفكار الخاطئة التي برزت منذ 25 مايو, وأن يصدر بها بيان عميق ومفصل للجماهير. 2/ أن نطالب بتعديل وزاري يقصي العناصر اليمينية والمشبوهة وخاصة الوزراء منصور خالد ومحمود حسيب وأضرابهم. 3/ أن نطالب بحسم وعزم بإعادة النظر في الصيغة التي تم بها اشراك الشيوعيين بمجلس الوزراء وان تحل صيغة التحالف محل الاشراك وهذا في تقديري أمر حيوي ويتمشى مع المد الجماهيري في 30 مارس كما انه يؤكد عملياً تمسك الحزب الشيوعي بمبدأ الديمقراطية للجماهير ويهزم ما تدبر القوى الرجعية والعناصر اليمينية في السلطة من خرق لهذا المبدأ ومن محاولاتهم لتصفية الحزب الشيوعي ونظيمات الجماهير الديمقراطية. وفي تقديري أن توازن القوى والظروف الجديدة تسمح بتحقيق هذا الهدف. 4/ أن نطرح بالتفصيل خطة اللجنة المركزية المتضمنة في الخطاب الدوري رقم (5) بالعمل الجماهيري في اتجاه حمل حركتنا الشعبية الى مواقع متقدمة: حقوق الجماهير العاملة الديمقراطية "الأوامر الدستورية التي تحرم الطبقة العاملة من حق الاضراب" تنفيذ خطنا في الاصلاح الزراعي, حقوق الطلبة الديمقراطية في تنظيم اتحاداتهم بالمدارس الثانوية, الاصرار بثبات على تسليح الجماهير الثورية. (لقد سمعت أن هناك تراجعاً عن التسليح بواسطة المجلس العام للنقابات, وفي رأيي أن هذا يتنافى مع رأي اللجنة المركزية التي أكدت أن هذا أهم مطلب يجب أن نصر عليه ونتمسك به).
نحن أقوى الأحزاب في المنطقة بالنسبة لحزبنا وهو المؤسسة الثورية الأولى في البلاد, اعتقد أن علينا تحقيق ما يلي: أ/ أن تقوم قيادة الحزب بواجبها الذي لن يرحمها التاريخ إن هي تقاعست عنه ، أو حاولت حجبه عن عضوية الحزب الشيوعي وجماهير الشعب. وأعني توضيح المخطط الرامي الى مواجهة الحزب الشيوعي في الخامس والعشرين من مايو القادم بقيام ما يسمى بالتنظيم السياسي مصحوباً بضجة كبيرة تعلن اتخاذ خطوات تقدمية ظللنا نكافح من أجلها "مثلاً تأميم البنوك وشركات التأمين" والمقصود بالضجة هو إحداث ارتباك بين صفوف الشيوعيين حول موقفهم من مثل ذلك التنظيم واغرائهم بالدخول فيه كأفراد وليسوا كممثلين للحزب الشيوعي. واذا تم هذا فان القاعدة لتصفية الحزب الشيوعي تتسع, كما يمكن أن يؤدي ذلك الى بذر الانقسام في داخله. إن اعتقال سكرتير الحزب ونفيه خارج البلاد جزء من هذا المخطط الذي يعتقد أصحابه بأنه سيؤدي الى إضعاف التيار الثوري في الحزب الشيوعي تمهيداً لمواجهة الحزب بالأمر الواقع "التنظيم السياسي". وفي حالة التنظيم السياسي على الصورة التي يراد اخراجها فإن الشيوعيين سينتقلون من ايديولوجيتهم الى ايديولوجية اخرى, انهم سيدخلون في مصيدة تضع الحزب الشيوعي في المؤخرة كمؤسسة تابعة للتنظيم الرسمي. ورويداً رويداً يصبح تنظيماً لا فعالية له (...) أمره ويتشتت أعضاؤه ثم توجه الضربة لقلب الحزب ولكادره الموثوق به والمتمسك بالماركسية اللينينية. ان يصدر حزبنا موقفه من حقيقة أن حركة الشعب الثورية وحزبنا قوى حاسمة ولا يستهان بها على الاطلاق في نظر كل فئة اجتماعية تريد أن تنشط في ميادين العمل السياسي. فالحزب الشيوعي يقترب الى ربع قرن من عمره وهو جزء من حركة الطبقة العاملة العالمية والحركة الشيوعية", إنه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بحركة الثورة العربية ولا يمكن عزله عنها. ونحن أقوى الأحزاب في منطقتنا بالجماهير الشعبية. إن الاتجاه اليميني الذي يقلل من شأن هذه العوامل خطر. ويحاول دفع الحزب الشيوعي الى مراكز خلفية ولهذا نحن نرفض هذا الاتجاه. ونؤكد أن الاتجاه اليميني في السلطة لن يستطيع اضطهاد الحزب الشيوعي كما حدث في بلدان أخرى. ولكي يسخر حزبنا هذه الممكنات الكبيرة فإنه لابد أن يهييء صفوفه للظروف الراهنة, ولكل احتمالات المستقبل في مثل هذه الساعات الحاسمة فإن العناصر المترددة واليمينية تطعن حزبنا من خلفه, ولهذا فلابد من البث السريع في عديد من القضايا, المطلوب البت السريع المطلوب البت السريع بعديد من القضايا: أولاً: أن يلم حزبنا شمله بحسم وبلا توفيق أو مجاملة واعني في هذا المضمار إنهاء وجود مراكز التصفية في حزبنا والتي بقيت حتى الآن نتيجة لتردد المكتب السياسي. مجموعة سمير جرجس وعبدالعظيم التي خرجت بالفعل على الحزب الشيوعي وعملت من وراء ظهره في أجهزة الأمن الحكومية يجب أن تفصل من الحزب الشيوعي وأن يعلن ذلك على جميع عضوية الحزب الشيوعي. لماذا؟ أ/ أن هذا سيشكل موقفاً حاسماً من الصيغة الرامية الى تدمير الحزب الشيوعي وحصر التعاون بين السلطة والشيوعيين سياسياً على أسس فردية وليس عن طريق الحزب الشيوعي. ب/ ان وجود مثل هذه المجموعة العاملة في أجهزة الأمن بالطريقة التي اختارتها لنفسها من وراء ظهر أجهزة الحزب الشيوعي يفتح الباب لضرب الحزب من الداخل ولتغلغل موظفي الأمن في أجهزته المختلفة منفذين للمخططات المختلفة التي ترسم ضد الحزب الشيوعي. وفي هذا الاتجاه فهناك أيضاً موقف محمد أحمد سليمان وقد اتخذت اللجنة المركزية قراراً بقبول استقالته من اللجنة المركزية والمكتب السياسي والتفرغ الثوري ثم جاء المكتب السياسي وقرر فصله ولكن كل هذه المعلومات لم تقدم في بيان واضح لأعضاء الحزب. ثانياً: الصراع الداخلي في حزبنا مشروع وقد حددت اللجنة المركزية في دورة مارس 1970م حدوده وأساسه في بيانها المشهور ولكن هذا الصراع لا يمكن أن يكون عذراً للتخلي عن قواعد الحزب ولائحته في ظروف نحن نواجه فيها معارك ضد التصفية ونجابه خططاً تستهدف تفتيت حزبنا. ان أخطر ما نواجهه الآن هو استعانة بعض الشيوعيين بالعناصر اليمينية في الحكومة وضرب كادر الحزب الشيوعي المختلف معهم في الرأي. وقد تمثل هذا الموقف في مسلك الزميل أحمد سليمان الذي تحول الى مستشار للاتجاهات اليمينية في التخطيط لاضعاف الحزب الشيوعي وتصفية المناضلين. لقد أعلن الزميل أحمد سليمان لمجلس الثورة استنكاره لبيان المكتب السياسي "عيد الاستقلال" ونصح مجلس الثورة أن يصفوا الشيوعيين بطرد سكرتير الحزب من عمله القيادي أو نفيه من السودان. وحدد لهم أسماء الشيوعيين الذين يمكن استدعائهم والتفاهم معهم حسب تصوره ثم أبلغ اللواء خالد حسن عباس فيما بعد أنه أًصبح لا مفر من اعتقال سكرتير الحزب بعد استحالة دعوة اللجنة المركزية. لا أريد أن أعلق على هذا الموقف الواضح كالشمس أمم شيوعي التزم بنظم الحزب الشيوعي ولكن اتساءل: أيمكن للجنة المركزية ما زال عضو فيها سلك هذا السبيل أن تقود حزبنا في الظروف المعقدة الراهنة. تحملاً للمسئولية التاريخية التي لا يمكن أن تخضع للمجاملة اقترح لقيادة الحزب الشيوعي توقيع عقوبة الفصل مباشرة على الزميل أحمد سليمان, فنحن في ظروف لا تقبل المساومة أو ما يسمى "بالوحدة" الشكلية. أكتب هذه الرسالة وقد اقترب ميعاد ارسالها عاش الحزب الشيوعي السوداني موحداً تحت راية الماركسية عاش نضال الطبقة العاملة السودانية والجماهير الكادحة من أجل انجاز مهام الثورة الديمقراطية عاشت الشيوعية زميلكم عبدالخالق محجوب 17/ ابريل 1970م ونواصل للتواصل والمشاركة في هذا التوثيق الجماعي: موبايل : 0126667742 واتساب : 0117333006 بريد إلكتروني : khogali17@yahoo.com