عملية يوليو الكبرى (68): المذبحة والمجزرة قلب العملية 18/20: العداء المصري لحركة الثورة الديمقراطية السودانية 1/4 .. عرض/ محمد علي خوجلي

 


 

 

 

جاء في أعمال اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني سبتمبر/ نوفمبر 1971م بشأن عداء النظام المصري لتحرك 19 يوليو 1971م العسكري:

"دور الكلية العسكرية المصرية بجبل أولياء وقاعدة الطيران المصري في وادي سيدنا ودور الملحق العسكري المصري – الطائرة التي وصلت من القاهرة تحت ستار أنها تحمل رسالة من السادات وشخصيات معروفة بقربها وصلتها بالتقدميين السودانيين...".
وتعني الجزئية من العرض بتفكيك ما جاءت به اللجنة المركزية أعلاه, والتأكيد على سلامة وقائعها وملاحظاتها واتساق موضوع مقال عملية يوليو الكبرى مع ما جاءت به.
والطائرة المقصودة, هي الطائرة العسكرية المصرية والوحيدة التي تم فتح مطار الخرطوم لها يوم 20 يوليو 1971م والذي كان تحت سيطرة الملازم/ خالد حسين الكد والشخصيات المعروفة هما أحمد حمروش واحمد فؤاد.
(راجع عرضنا لتوثيقات محمد الفاتح عبدالملك بشأن الطائرة/ وشوقي بدري حول الدور المصري في انقلاب 25 مايو 1969م)
وزيارة حمروش وفؤاد للسودان يوم 20 يوليو 1971م هي الثانية, وكانت الأولى في 27 مايو 1969م ومعلوم أن المقال/ العرض لا يفصل بين انقلاب مايو وتحرك يوليو العسكري, وسنعرض الزيارتين التي وثق لهما حمروش في كتابيه "خريف عبدالناصر" و"غروب يوليو" وهما من مراجع جزئية العرض.
أحمد حمروش وأحمد فؤاد
حمروش وفؤاد من الضباط الأحرار والشيوعيين المصريين السابقين. ومن قيادات التنظيم الطليعي/ طليعة الاشتراكيين, وكذلك الفريق/ محمد أحمد صادق وزير الحربية/ الدفاع والتنظيم الطليعي تنظيم سري هدفه قيادة الاتحاد الاشتراكي العربي وقيادة الحركة الجماهيرية وأحمد فؤاد رئيس مجلس ادارة بنك مصر كان من المسئولين في قسم الجيش بالحركة الديمقراطية للتحرر الوطني "حدتو".
وقام بناء التنظيم الطليعي على نظام الخلايا وتتكون الخلية من عشرة, وعضويته هي جواز المرور لتولي المواقع الهامة في جهاز الدولة وتكون في معظمه من الشيوعيين السابقين قبل أو بعد حل تنظيماتهم. لكن ظلت القيادة باستمرار في يد "أهل الثقة" ممن يعتمد عليهم عبدالناصر في الحكم. في حين ظل الشيوعيون الجانب الضعيف في التحالف واقتصرت مهامهم على كتابة التقارير ورفع البلاغات. وتم توظيف أعضاء التنظيم وكل حركتهم وتقاريرهم لخدمة أجهزة الأمن.
وكشف "غروب يوليو" التواطؤ المصري/ الليبي في وضع تنفيذ خطة انزال طائرة الخطوط الجوية البريطانية التي كان على متنها بابكر النور وفاروق حمدالله وكذلك تدخل الاتحاد الثلاثي "المصري/ الليبي/ السوري" العسكري يوم 22 يوليو, فأضيف بذلك جيشاً جديداً للجيوش التي احتشدت في ذلك اليوم.
الأجواء قبل الزيارة الأولى
* كان مؤتمر القمة الذي انعقد في الخرطوم بعد هزيمة يوليو 1967م "اقتراح/ محمد احمد محجوب واسماعيل الأزهري" هو أول لقاء بين عبدالناصر وجماهير الأمة العربية.. وكان موقفاً صعباً أمام عبدالناصر ولكن استقبال جمال في الخرطوم كان مظهراً رائعاً من مظاهر الوفاء والتقدير السياسي السليم عند شعب السودان.
ولعب الحزب الشيوعي السوداني وقائده الشهيد المناضل عبدالخالق دوراً رئيسياً في هذا الاستقبال بقرار الحزب: أن يكون استقبال عبدالناصر استفتاءاً ثانياً على بقائه في موقعه قائداً من أبرز قادة التحرير الوطني "بعض كادر الحزب كان مسلحاً ومستعداً لحمايته من أية مؤامرات...".
* "أصبحت الحالة السياسة في السودان في اواخر 1967م تعبر عن: احزاب تقليدية عاجزة عن اقناع الجماهير.. وجماهير متطلعة الى التغيير. تجمع كل القوى التقليدية في موقع السلطة.. وتجمع لكل قوى التقدم والاشتراكية في موقع المعارضة. وكان التنظيم التقدمي الرئيسي – الحزب الشيوعي السوداني – يمارس دوره النضالي في تعبئة الشعب متعاوناً مع الاتحادات العمالية والمهنية والفئوية. وكانت هناك صلة بين الحزب وبين الضباط السودانيين الأحرار.
* لم تكن التنظيمات العسكرية مستقلة عن الأحزاب والقوى السياسية.. وبدأت صلة بين الضباط الأحرار وبابكر عوض الله عقب ثورة اكتوبر 1964م عندما شكلت لجنة من القضاة لتطهير الجيش.. وكان الحزب الشيوعي السوداني على علم بهذه الصلة بل ومنظماً لها.
حمروش يرفع البلاغ
عند اعلان أعضاء مجلس قيادة الثورة/ مجلس الوزراء في 25 مايو 1969م وجد حمروش أن له صلات شخصية وسياسية مع عدد منهم فكان بلاغه الى عبدالناصر بذلك خلال شعراوي جمعة/ عبر الخلية. فهو يعرف بابكر عوض الله, وأمين الشبلي, وفاروق ابوعيسى وفاطمة احمد ابراهيم ومحجوب عثمان والرائد هاشم العطا الذي زاره كثيراً في القاهرة وفي مكتبه بروز اليوسف موفداً من الشهيد عبدالخالق للتعرف على طبيعة تكوين تنظيم الضباط الأحرار المصري والاسلوب الذي قامت به حركة الجيش العام 1952م. واستناداً على البلاغ طلب عبدالناصر مقابلة حمروش خلال سامي شرف في السادسة مساء 26 مايو 1969م وعندما ذهب حمروش لمقابلة ناصر وجد أحمد فؤاد الذي قرر عبدالناصر أن يكون حاضراً ويرافق حمروش في زيارته. وبحسب حمروش: كان عبدالناصر مشرق الوجه مهتماً أشد الاهتمام بما حدث في السودان.
العلاقات السرية وشركة التوكيلات التجارية
اختار عبدالناصر أن يشرف بنفسه على متابعة الأحداث في السودان منذ يوم 25 مايو 1969م وأن تكون علاقاته مع القيادة السودانية سرية وحدد ممثليه "نميري/ بابكر عوض الله" ولذلك كانت "الزيارة الأولى" لحمروش وفؤاد للسودان سرية وموضوعها مقابلة نميري وبابكر عوض الله بالرسالة:
1-التأييد والدعم المصري سيكون بطريقة سرية.
2-عبدالناصرعلى استعداد لوقف الحرب وارسال قوات الى السودان لدعم الحركة.
3-ترتيب الاتصالات وتفادي الاتصالات التقليدية لتسهيل وصول الحقائق الى عبدالناصر لسرعة اصدار القرارات اللازمة.
وكانت تعليمات عبدالناصر لحمروش وفؤاد:
1-عدم الاتصال بأي من المسئولين المصريين في السودان.
2-ترتيب طريقة الاتصال السري بين القيادة السودانية.
3-العودة بعد تبليغ الرسالة.
ورأى عبدالناصر ان انقلاب 25 مايو 69 "حركة الجيش" هو اول ضوء يشرق لصالح مصر بعد الهزيمة وظهر تاييده لمصر منذ البيان الأول.
وقابل حمروش وفؤاد القيادة السودانية بعد وصوله الخرطوم يوم 27 مايو وحضر الاجتماع مأمون عوض ابوزيد حسب طلب نميري وبابكر وتم ابلاغ الرسالة والترحيب بها واعتبرها بابكر عوض الله تثبيتاً للسلطة وأمراً منتظراً من جمال عبدالناصر, وتم ترتيب الاتصالات عن طريق مبعوث مباشر تحت الاسم الحركي "شركة التوكيلات التجارية".
لقاء عبدالخالق – حمروش
في صباح يوم 28 مايو 1969م عقد حمروش وفؤاد جلسة نقاش طويلة مع عبدالخالق في منزله حول الوضع الجديد في السودان. وكان رأي الحزب الشيوعي ألا تنفرد القوات المسلحة بعمل يأخذ الصفة الانقلابية.. وأن يتأجل ذلك حتى ينبعث الأمر من صفوف الجبهة باعتبار ان القوات المسلحة من فصائلها.
"وبحسب حمروش فانه على الرغم من التصويت لثلاث مرات في اللجنة القيادية للضباط الأحرار لصالح تأجيل القيام بالحركة المسلحة إلا ان الضباط غير المنتمين للحزب الشيوعي قرروا القيام بها".
وان الحزب الشيوعي لا يتخذ موقفاً مضاداً من حركة الجيش.. ولكنه يريد أن يضع خط تمييز واضح بين اسلوبه الديمقراطي واسلوبهم العسكري.
وعندما أعلن تشكيل الوزارة فوجيء الحزب الشيوعي "تيار عبدالخالق – مقدم العرض" باختيار عدد من قادته أعضاء في الوزارة دون الرجوع الى قيادة الحزب.. وقد أدى هذا الى عقد اجتماع عاجل للجنة المركزية أقرت فيه اشتراك الوزراء الثلاثة منعاً لحدوث تناقض واضح في الأيام الأولى للحركة.. وتسبب ذلك في تأخير حلف اليمين القانونية حتى السادسة مساء.
وكان هذا دليلاً على وجود تنافر في وجهات النظر.. الحزب الشيوعي لا يؤيد الانقلاب العسكري بصورة مطلقة.
وانتهت زيارة حمورش الأولى.
لقاء عبدالخالق – بريماكوف
لقاء عبدالخالق مع يفيجيني بريماكوف, باعتباره موفداً من صحيفة "البرافدا" كان يوم 29 مايو 1969م وقابل جعفر نميري يوم 30 مايو كما أورد في كتابه "الكواليس السرية للشرق الأوسط" أو "سري – الشرق الأوسط الظاهر وما خلف الكواليس" وكتب:
"بعد انقلاب 25 مايو 1969م قابلت عبدالخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي يوم 29 مايو وقال عبدالخالق:
"النظام الجديد تقدمي. شارك مجموعة من رجال الجيش الشيوعيين في إعداد وتنفيذ الانقلاب. لكن ليس هناك رغبة من الشيوعيين في أن يذوبوا داخل مجلس قيادة الثورة الذي شكله نميري.
تم اختيار عدد من الشيوعيين في الحكومة بصفة شخصية وليست حزبية على أساس – كما قال رئيس الوزراء – استحقاق شخصي. اختار عدداً من الرفاق الجيدين لكن عند تعيينهم لم يتشاوروا مع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني.
نحن سنستمر في النضال من أجل ان تكون السلطة الجديدة مرتبطة بالشعب الثوري. ومن أجل هذا ستحتاج السلطة الى شراكة على قدم المساواة مع الحزب الشيوعي الذي يمثل في اللحظة الحالية القوة الواقعية الوحيدة التي لها القدرة على العمل وسط الجماهير".
وعبارة شراكة على قدم المساواة ثقبت اذني.."
وأبدى بريماكوف دهشته بل استنكاره المبطن من دعوة عبدالخالق الى خط الشراكة على قدم المساواة والذي يتعارض مع السياسات السوفيتية في المنطقة في ذلك الوقت الرامية الى تقوية نظم الديمقراطيين الثوريين/ البرجوازية الصغيرة لخدمة مصالح الدولة السوفيتية الكبرى.
وهذا اللقاء يعيدنا مرة أخرى الى عرضنا بشأن التحالف الناصري/ الشيوعي. طبيعته وأطرافه "مارس 1969-نوفمبر 1970م" ورسالة عبدالخالق في ابريل 1970م واقتراحه بتحويل الاشتراك الى "تحالف" مما يعني أن القوميين لعرب/ الناصريين تعاملوا مع الشيوعيين السودانيين بصيغتين في وقت واحد. وهي دلالة على قوة الحزب بفشل سلطة الناصريين المتحالفة مع أغلبية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي برفض رؤيتهم.
أجواء ما قبل الزيارة الثانية
نختتم بيان عرض موجز للأجواء التي سبقت زيارة حمروش وفؤاد السودان في 20 يوليو 1971م:
* زار الملك فيصل ملك السعودية مصر في شهر يونيو 1971م زيارة طويلة لثمانية أيام, لاطلاع السادات على نتائج مباحثاته مع "نيكسون" وتحسين العلاقات المصرية/ الأمريكية. وكان السادات قد التقى – في جنازة عبدالناصر – مع وزير الصحة الأمريكية. وقابل "روكفلر" كما التقى "كمال ادهم" مدير المخابرات السعودية ذات الصلة بالمخابرات المركزية الأمريكية. والذي قام بدور الوسيط فيما يتعلق بتحسين العلاقات المصرية الأمريكية.
* كانت مصر تتعرض لمحاولات جذب من جانب القوتين العظميين. وما حدث يوم 19 يوليو 1971م في الخرطوم أبرز الصراع على السطح.
* وكانت الزيارة الثانية معلنة للعالم أجمع "بفتح المطار الاستثنائي" خلافاً للزيارة بعد انقلاب 25 مايو 69 السرية. والسرية وقتها هي غطاء الدور المصري في الانقلاب من جهة وعلاقات النظام السوداني الديمقراطي المنقلب عليه, الجيدة مع مصر والدول العربية وخاصة السعودية.
* ان تحولات كبيرة قد حدثت في سياسات النظام المصري بعد وفاة عبدالناصر, وأصبح أنور السادات يشكل قوة معادية ليس فقط للشيوعيين بل كل فصائل وتيارات اليسار في مصر أو السودان وغيره من دول المنطقة.
اذن فان العلنية في يوليو 1971م لم تكن تعني غير اعلان العداء الذي يتم الترتيب له, ضمن خطوات الانتقال النهائي للسادات نحو اليمين والجذب الأمريكي فكيف كانت الزيارة الثانية؟
للتواصل والمشاركة في هذا التوثيق الجماعي:
موبايل: 0126667742
واتساب: 0117333006
بريد: khogali17@yahoo.com

 

آراء