(انقلاب 25 مايو 69، انقلاب شيوعي أما انقلاب 19 يوليو الدموي فهو أيضاً شيوعي سموه "الثورة التصحيحية". ودواعي الانقلاب الشيوعي في مايو:
1- حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان. 2- تقديم مشروع الدستور الاسلامي منصة الجمعية. أما دواعي 19 يوليو: - رفض نميري لمسلك الشيوعيين لاضعاف سلطته - فصل الشيوعيين من مجلس قيادة الثورة. "خرجت الجماهير الى الشوارع وهم عزل إلا من ايمان بالله ألا يحكم الشيوعيين الملحدين السودان المسلم. واستطاع الشعب الوفي والشجاع ازاحة الشيوعيين وإعادة الرئيس نميري الى السلطة في يوم 22 يوليو 1971 (يوم العودة العظيم). ولما تأكد الشيوعيون من فشل حركتهم قاموا وبدم بارد بتصفية وقتل أكثر من ثلاثين ضابطاً من خيرة ضباط القوات المسلحة وهم عزل، والذين كانوا قد اعتقلوهم في بيت الضيافة بشارع الجامعة والتي عرفت في التاريخ السياسي والوطني (بمذبحة بيت الضيافة). ولا تزال تطاردهم لعنة تلك الحادثة البشعة والتي تنم عن جبن وخسة ونذالة. وستبقى (مذبحة بيت الضيافة) في ذاكرة الأمة تثبت عار الشيوعيين الأبدي وتحدث عن جبنهم وخستهم ونذالتهم وخورهم.." هذا موجز ما نشره المكتب الاعلامي لجهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني في موقعه على الفيسبوك يوم 17 يوليو 2012 حول (ذكرى مذبحة بيت الضيافة 41) التي ارتكبها كوادر الحزب الشيوعي". تحطيم كل مواقع الثورة: رأت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني (سبتمبر/نوفمبر 1971) بشأن ما حدث في 22 يوليو 1971، "يوم العودة العظيم". (مدخل انتصار خط طريق التنمية الرأسمالية والتبعية. وكان من أهداف العملية فتح الباب لكل مؤسسات ودوائر الاستعمار الحديث. البنك الدولي/الاحتكارات الدولية). واستناداً على ما ذكرنا وغيره، كان اهتمامنا بالتحرك العسكري في 19 يوليو ولم ننظر اليه كأي انقلاب /محاولة/ أو تحرك مما حدث قبله في السودان (ومافي داعي للمقال الذي لا يريد أن ينتهي) وبذات تحليل الشيوعيين السودانيين (القديم) فإن السودان لا يزال في العام 2018 تحت تأثير نتائج تلك الأيام (!) ولأن الانقلاب العسكري/ التحرك العسكري هو عملية سياسية فإن التفاصيل العسكرية هي جزء يسير من الموضوع، لذلك نضع أمامنا ما كان يجري بين الثورة والثورة المضادة في يوليو 1971 أو يوليو 1989 (!) وننظر الى الصورة التي رسمتها اللجنة المركزية في دورة نوفمبر 1966 وهي: - محاولة عزل القوى الثورية من مراكز النضال الجماهيري تحت راية الدين وكأن القضية بين الاسلام والإلحاد (!) - اللجوء للسيطرة على التنظيمات الشعبية /النقابات الصناعية/ النقابات المهنية ومنظمات الطلاب والمزارعين بهدف تصفية القيادة الثورية. - استغلال التشريع لتحريم النشاط. - اللجوء للعنف وتشجيع المنظمات الارهابية لتهديد العمل الثوري وتصفية المؤسسات الثورية بدنياً. بل ان مناقشات وخلاصات المؤتمر الرابع للشيوعي السوداني (1967) تنبأت بما حدث في 1969 و1971 وما بعد ذلك بالقول: (إن أعداء الثورة الديموقراطية من الاستعماريين والطبقات والعناصر المحلية المتعاونة معه يعملون بهدف قيام نظام مغرق في الرجعية بدعم سلطاته فوق أرض تحطم فيها كل مواقع الثورة في بلادنا..) انقلاب مايو من حلقات عملية يوليو اتفق هذا المقال –الطويل- مع دورة اللجنة المركزية 1971 بشأن انقلاب 25 مايو 1969 والتي أوردت: 1- دبر النظام المصري الانقلاب بواسطة القوميين العرب (الذين استندوا على الشيوعيين). 2- بدأت خطة القوميين العرب (المخابرات المصرية) لتصفية الحزب الشيوعي يوم 25 مايو 1969. 3- عملت المخابرات المصرية على انفراد القوميين العرب بالسلطة، مع رفض الحزب الشيوعي والحركة الديموقراطية السودانية قيادة شريحة القوميين العرب (فكان فض التحالف/الاشراك يوم 16 نوفمبر1970). وكل وقائع المقال/العرض أكدت ومنها وثائق الحزب الشيوعي السوداني نفسه على: 1/ شراكة التنظيمات العسكرية الشيوعية في انقلاب 25 مايو 1969 2/ مشاركة الحزب في الانقلاب –بتوجيه العسكريين- رغم معرفته التامة بأنه انقلاب القوميين العرب. 3/ وشارك الشيوعيون في الانقلاب مع علمهم "بأيادي المخابرات المصرية الطويلة" فيه. 4/ لا علاقة لتنظيم الضباط الأحرار بانقلاب 25 مايو 1969 واختطف القوميون والشيوعيون اسم التنظيم غطاء شراكتهما في الانقلاب، الذي ابعد عشرات الضباط الاحرار/ الوطنيين الديموقراطيين من غير الشركاء. التحالف/الاشراك أثار عبد الخالق في رسالة أبريل 1970 مسألة هامة حول التحالف مع القوميين العرب وكتب لقيادات من حزبه: (أن نطالب بحسم وعزم بإعادة النظر في الصيغة التي تم بها اشراك الشيوعيين بمجلس الوزراء وأن تحل صيغة التحالف محل الاشراك). ولكن الوثائق والشهادات، أكدت أن القوميين العرب تعاملوا مع الحزب الشيوعي على مستويين وبصيغتين مختلفتين، حيث أن واقع الحزب وقتها عبر عن وجود حزبين داخل حزب واحد. الأولى: صيغة التحالف –من قبل 25 مايو 1969- مع أغلبية اللجنة المركزية في صورة (تحالف سري) نظر كل شيء بما في ذلك إجازة أعضاء مجلس وزراء 25 مايو. الثانية: "صيغة الاشراك" مع أقلية اللجنة المركزية (جماعة عبد الخالق) وهذه الصيغة بدأت يوم 24 مايو باشراك التنظيمات العسكرية الحزبية في الانقلاب وكان معلوماً سواءً لأغلبية اللجنة المركزية أو القوميين العرب أن قوة الأقلية (جماعة عبد الخالق) تستند على قواعد الحزب وعلى التنظيمات العسكرية الحزبية. وان الخطة بعد الاستفادة من اشراك العسكريين الشيوعيين يتم تجريد الأقلية من مصادر قوتها (كما عرضنا ونعرض). ان الحزب الشيوعي السوداني، في الواقع فقد عملياً وحدته الفكرية منذ دورة مارس 1969 ثم وحدته التنظيمية. واشراك الوزراء الشيوعيين في مجلس الوزراء أجازه التحالف الناصري/الشيوعي بشهادة بابكر عوض الله وآخرون راجع: الشهادة التفصيلية للرائد/ زين العابدين محمد أحمد عبد القادر، في عرضنا. وهنا يبرز السؤال: لماذا سعى عبد الخالق الى صيغة (التحالف) بعد مرور عشرة شهور من الانقلاب؟ أجاب عبد الخالق على السؤال: السبب هو العمل على (حماية الحزب)، عندما كتب في ذات الرسالة (إن تعديل الصيغة يهزم ما تدبر القوى الرجعية والعناصر اليمينية في السلطة من خرق مبدأ الديموقراطية للجماهير ومن محاولاتهم لتصفية الحزب الشيوعي وتنظيمات الجماهير الديموقراطية). وبحسب دورة نوفمبر 1971: إن القوميين العرب ومنذ 25 مايو 1969 دخلوا في مفاوضات مع عدد من الدوائر السياسية، ارتقى الى سياسة رسمية معلنة في أبريل 1971 بعد أن كانت تدور في الخفاء. وانه لا غرابة أن يكون برنامج السلطة بعد الثورة المضادة في 22 يوليو 1971، ليس بعيداً عن برنامج "القوى الحديثة" قبل 25 مايو 69 (تحالف الأحزاب التقليدية والأخوان المسلمين). أنظر: ذكر سيد قطب في مذكراته/اعترافاته انه بلغه داخل السجن أن زكريا محيي الدين (عضو مجلس قيادة الثورة المصري) تكلم مع الاخوان في دخول الاتحاد الاشتراكي وتنظيماته للوقوف في وجه التيار الشيوعي. كما يذكر انه بلغه ان زكريا محيي الدين أيضاً زار المرشد العام حسن الهضيبي ليتحدث معه في هذا الأمر. انظر: في تحليل المؤتمر الرابع للشيوعي السوداني 1967 للنظم تحت قيادة (الديموقراطيين الثوريين): ان "هؤلاء لم يتخلوا عن كثير من الأفكار الغريبة على علم الثورة الاجتماعية بما في ذلك تحفظات حيال التعامل مع المعسكر الاشتراكي، وترددهم ووضع العقبات في مسألة التعاون مع القوى الثورية الاخرى/الوطنية، وان الديموقراطيين الثوريين مع كل ذلك لهم تحفظات حتى ازاء الفئات الرجعية وتصفية نفوذها في مختلف المجالات". أنظر: وأشارت دورة نوفمبر 1971 أيضاً الى (الطاقم الجديد لعملاء الاستعمار الحديث بعد انقلاب 25 مايو 1969، وكيف تصدى لقيادة منهج التنمية الرأسمالية متحررة من قيود الهياكل القديمة الطائفية والقبلية بأثر ضعف الكيانات القديمة ووعي جماهيرها). "وظلت هذه الدوائر الجديدة تصارع منذ 25 مايو لفرض قيادتها بديلاً للقيادات التقليدية، وضماناً ضد تزايد نفوذ الحزب الشيوعي والحركة الديموقراطية الثورية. وعملت من مواقع السلطة التي تحتلها على استخدام ألفاظ/مفردات العلم والتقدم وشعارات الثورة الديموقراطية. وتتدرج هذه الدوائر اليمينية الجديدة من العسكريين والمرتدين/الذين انقسموا على الحزب الشيوعي. والمجموعات الرأسمالية المستنيرة التي انتقلت من البيروقراطية في جهاز الدولة الى الرأسمالية السودانية وتصدرت صفوفها لقيادتها". وهنا تطابقت تفاصيل المقال/العرض مع إشارة دورة نوفمبر 1971 تماماً برنامج التحالف اليميني عند عرض/مناقشة انقلاب مايو 69 أو تحرك 19 يوليو العسكري فإنه لا يجوز الفصل بين ما كان يجري في الحياة الداخلية للحزب، والممارسة في العمل السياسي والفكري على النطاق العام، خاصة وقد تأكد أن هناك (عملاء نفوذ) و(جواسيس) داخل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي وأشار عبد الخالق الى بعضهم. وننظر الى دواعي تحالف أغلبية اللجنة المركزية مع القوميين العرب بالنظر الى برنامج التحالف اليميني كما شرحه عبد الخالق: 1- اتخاذ خطوات/اجراءات تقدمية ظل الشيوعيون يكافحون من أجلها سنين عددا (تأميم البنوك وشركات التأمين نموذجاً) لإحداث ارتباك بين صفوف الشيوعيين حول موقفهم من التنظيم السياسي. 2- إعلان التنظيم السياسي/الحزب الواحد الحاكم وإغراء الشيوعيين بالدخول فيه وهو ما أطلق عليه (انتقال الشيوعيين من ايديولوجيتهم الى ايديولوجية اخرى) ليصبح الحزب في المؤخرة كمؤسسة تابعة للتنظيم الرسمي. 3- توظيف الشيوعيين في أجهزة الدولة المختلفة بما في ذلك الأمن والمخابرات دون موافقة الحزب، وهو ما فسره عبد الخالق "بفتح الباب لضرب الحزب من الداخل ولتغلغل موظفي الأمن في أجهزته المختلفة منفذين للمخططات التي ترسم ضد الحزب الشيوعي". 4- وصول أغلبية اللجنة المركزية المتحالف معها الى جميع مفاصل الحزب /وجهازه/ وإبعاد كل ممثلي التيار الثوري بما فيهم عبد الخالق من قيادة الحزب. 5- ضرب كادر الحزب الشيوعي المختلف معهم في الرأي بأداة السلطة واضعاف الحزب وتصفية المناضلين. 6- الحل الاختياري للحزب الشيوعي عن طريق (المؤتمر الخامس) وتكرار تجربة الحزب الشيوعي المصري. ولأن الوقائع مترابطة، فقد رأى عبد الخالق أن اعتقال السكرتير العام للحزب الشيوعي في أبريل 1970 ونفيه خارج البلاد هو جزء من المخطط الرامي الى مواجهة الحزب الشيوعي في 25 مايو 1970 بقيام التنظيم السياسي الذي يلتحق به الشيوعيون أفراداً بما يعني اتساع قاعدة تصفية الحزب (من أهداف مايو)!! وإن اعتقال ونفي السكرتير كان بتحريض واقتراح أعضاء في اللجنة المركزية. من ناحية أخرى فإن القيادات اليمينية التصفوية في اللجنة المركزية حاولت تصوير الحزب بأنه حزب صغير/ضعيف. ونبه عبد الخالق أن هذا الاتجاه يحاول دفع الحزب الشيوعي الى مراكز خلفية، وأنه من الصيغ الرامية الى تدمير الحزب.